بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة9%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 32297 / تحميل: 10184
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١

مؤلف:
العربية
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الأوّل الشيخ محمّد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

كتاب بهج الصباغة

في شرح نهج البلاغة

المجلد الأوّل

الشيخ محمد تقي التّستري


١
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الأوّل الشيخ محمّد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

المجلد الأوّل

الشيخ محمّد تقي التّستري (الشوشتري)

٣

المجلد الأوّل

فهرس المطالب ٥

كلمة في حياة المؤلّف ٩

دليل القارئ ١٣

مقدّمة مؤسّسة نهج البلاغة ١٥

مقدّمة المؤلف ١٧

ذكر ما في شرح ابن أبي الحديد من المعايب ٢٣

ردّ المؤلّف على ابن ميثم و السيّد الخوئي ٢٤

وجه تسمية الكتاب ببهج الصّباغة ٤٢

شرح خطبة الرّضيّ ٤٣

ما قال معاوية ردّا لمحفن في فصاحة عليّ عليه السّلام ٥٩

رؤية إبراهيم المهديّ عليّا في المنام و ما جرى بينهما ٦٠

اعترافات الفصحاء بأنّ عليّا عليه السّلام أفصح النّاس ٦٤

حديث من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ٧٣

نقل كلام شارح المعتزليّ في فضائله عليه السّلام ٧٥

نسب الرّضيّ ٩٦

ما قال ابن أبي الحديد في ردّ من نسب النّهج إلى الرّضيّ ٩٩

الإشارة إلى الموارد التي ذكرها المؤرّخون في شجاعته عليه السّلام و قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله له :

لا فتى إلاّ عليّ ١٠٩

الإشارة إلى طرف من زهده عليه السّلام ١١١

في أنّه جمعت الاضداد في صفاته عليه السّلام ١١٣

الإشارة إلى كرائم كلامه عليه السّلام ١٢٠

ما نقل عنه عليه السّلام في معنى البلاغة ١٣١

٤

خطبة عمر بالجابية و إيراد القسّ عليه ١٣٥

ما قاله عليه السّلام في جواب من سأله أنّ الحرب أكان بقضاء من اللّه و قدره ؟ ١٣٧

الفضل الأوّل في التّوحيد ١٤٣

العنوان ١ من الخطبة ١ : « الحمد للّه الّذي لا يبلغ مدحته القائلون . . . » ١٤٤

من الخطبة ٩٤ : « الحمد للّه الأوّل فلا شي‏ء قبله . . . » ١٤٤

من الخطبة ٩٢ : « فتبارك اللّه الّذي لا يبلغه بعد الهمم . . . » ١٤٥

العنوان ٢ من الخطبة ١ : « أوّل الدّين معرفته . . . » ١٥٦

العنوان ٣ من الخطبة ١ : « كائن لا عن حدث . . . » ١٦١

العنوان ٤ من الخطبة ٤٩ : « الحمد للّه الّذي بطن خفيّات الأمور . . . » ١٦٦

العنوان ٥ من الخطبة ٦٣ : « الحمد للّه الّذي لم يسبق له حال حالا . . . » ١٧٥

العنوان ٦ من الخطبة ٨٣ : « و أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له . . . » ١٨٥ العنوان ٧ من الخطبة ٨٨ : « الحمد للّه المعروف من غير رؤية . . . » ١٨٨

العنوان ٨ من الخطبة ٨٩ : « الحمد للّه الّذي لا يفره المنع و الجمود . . . » ١٩٧

العنوان ٩ من الخطبة ٨٩ : « و لو وهب ما تنفّست عنه معادن الجبال . . . » ٢٠٧

العنوان ١٠ من الخطبة ٨٩ : « و انظر أيّها السّائل ، فما دلّك القرآن عليه . . . » ٢١٠

العنوان ١١ من الخطبة ٨٩ : « هو القادر الّذي إذا ارتمت الأوهام . . . » ٢١٥

العنوان ١٢ من الخطبة ٨٩ : « الّذي ابتدع الخلق على غير مثال . . . » ٢٢٢

العنوان ١٣ من الخطبة ٨٩ : « فاشهد أنّ من شبّهك بتباين أعضاء خلقك . . . » ٢٢٥

العنوان ١٤ من الخطبة ٨٩ : « قدّر ما خلق فألطف تقديره . . . » ٢٣٣

العنوان ١٥ من الخطبة ١٠٦ : « الحمد للّه المتجلّي لخلقه بخلقه . . . » ٢٤١

العنوان ١٦ من الخطبة ١٠٧ : « كلّ شي‏ء خاضع له . . . » ٢٤٥

العنوان ١٧ من الخطبة ١٣١ : « و انقادت له الدّنيا و الآخرة بازمّتها . . . » ٢٥٤

العنوان ١٨ من الخطبة ١٥٠ : « الحمد للّه الدّالّ على وجوده بخلقه . . . » ٢٥٨

العنوان ١٩ من الخطبة ١٦١ : « الحمد للّه خالق العباد . . . » ٢٦٥

العنوان ٢٠ من الخطبة ١٧٦ : « لا يشغله شأن . . . » ٢٧٥

العنوان ٢١ من الخطبة ١٧٠ : « الحمد للّه الّذي لا توارى عنه سماء سماء . . . » ٢٧٨

٥

العنوان ٢٢ من الخطبة ١٩٦ : « يعلم عجيج الوحوش في الفلوات . . . » ٢٧٩

العنوان ٢٣ من الخطبة ١٧٧ : « . . . أفأعبد ما لا أرى . . . » ٢٨٣

العنوان ٢٤ من الخطبة ١٨٣ : « الحمد للّه الّذي لا تدركه الشّواهد . . . » ٢٩١

العنوان ٢٥ من الخطبة ١٨٤ : « ما وحّده من كيّفه . . . » ٢٩٨

العنوان ٢٦ من الخطبة ١٩٣ : « الحمد للّه الّذي أظهر من آثار سلطانه . . . » ٣٣٦

العنوان ٢٧ من الخطبة ١٥٣ : « الحمد للّه الّذي انحسرت الأوصاف . . . » ٣٣٨

العنوان ٢٨ من الخطبة ١٨٩ : « الحمد للّه الفاشي حمده . . . » ٣٤٢

العنوان ٢٩ من الخطبة ١٨٠ : « الحمد للّه الّذي إليه مصائر الخلق . . . » ٣٤٦

العنوان ٣٠ من الخطبة ١١٠ : « هل تحسّ به إذا دخل منزلا . . . » ٣٦٨

العنوان ٣١ من الخطبة ١٦٥ : « أيّها المخلوق السّويّ . . . » ٣٦٩

العنوان ٣٢ من الخطبة ١٥٨ : « أمره قضاء و حكمة . . . » ٣٧٤

العنوان ٣٣ من الكتاب ٣١ : « و اعلم يا بنيّ أنّه لو كان لربّك شريك . . . » ٣٧٩

العنوان ٣٤ من الحكمة ٢٥٠ : « عرفت اللّه سبحانه بفسخ العزائم و حلّ العقود . . . » ٣٨٣

العنوان ٣٥ الحكمة ٣٥١ : « عند تناهي الشّدّة تكون الفرجة . . . » ٣٨٦

العنوان ٣٦ من الخطبة ٨١ : « الحمد للّه الّذي علا بحوله . . . » ٣٨٨

العنوان ٣٧ الحكمة ١٣ : « من ضيّعه الأقرب أتيح له الأبعد . . . » ٣٩٣

العنوان ٣٨ الحكمة ٨٤ : « بقيّة السّيف أبقى عددا و أكثر ولدا . . . » ٣٩٣

العنوان ٣٩ الحكمة ١٣٩ : « تنزل المعونة على قدر المؤونة . . . » ٣٩٦

العنوان ٤٠ الحكمة ١٤٤ : « ينزل الصّبر على قدر المصيبة . . . » ٣٩٨

العنوان ٤١ الحكمة ١٥ : « تذلّ الامور للمقادير حتّى يكون الحتف في التدبير . . . » ٤٠٠

الحكمة ٤٥٩ : « يغلب المقدار على التّقدير حتّى تكون الآفة في التّدبير . . . » ٤٠٠

العنوان ٤٢ الحكمة ٧ : « أعجبوا لهذا الإنسان ينظر بشحم . . . » ٤٠٤

العنوان ٤٣ الحكمة ٣٠٢ : « ما المبتلى الّذي قد اشتدّ به البلاء بأحوج إلى الدّعاء . . . » ٤٠٩

العنوان ٤٤ من الخطبة ١٩٧ : « إنّ اللّه سبحانه و تعالى لا يخفى عليه ما العباد . . . » ٤١٠

العنوان ٤٥ الحكمة ٢٧٣ : « اعلموا علما يقينا أنّ اللّه لم يجعل للعبد . . . » ٤١٢

العنوان ٤٦ الحكمة ٨٤ : « قد علم السّرائر ، و خبر الضّمائر . . . » ٤١٦

العنوان ٤٧ من الخطبة ٩٩ : « الأوّل قبل كلّ أوّل . . . » ٤١٨

٦

العنوان ٤٨ من الخطبة ١٨١ : « فعظّموا منه سبحانه ما عظّم من نفسه . . . » ٤٢٠

العنوان ٤٩ من الخطبة ١٩٣ : « و اعلموا عباد اللّه أنّه لم يخلقكم عبثا . . . » ٤٢٦

العنوان ٥٠ من الخطبة ٨٩ : « و قدّر الأرزاق فكثّرها و قلّلها . . . » ٤٣٣

العنوان ٥١ من الخطبة ٨٩ : « عالم السّرّ من ضمائر المضمرين . . . » ٤٣٥

العنوان ٥٢ الحكمة ٤٧٠ : « . . . التّوحيد أن لا تتوهّمه . . . » ٤٤٧

العنوان ٥٣ من الخطبة ٢١٢ : « و اشهد أنّه عدل عدل و حكم فصل » ٤٤٨

الفصل الثاني في خلق السّماء و الأرض و الشّمس و القمر و النّجوم و العرش

و الكرسي ٤٥٩

العنوان ١ من الخطبة ١ : « ثمّ أنشأ سبحانه فتق الأجواء . . . » ٤٦١

العنوان ٢ من الخطبة ٨٩ : « و نظم بلا تعليق رهوات فرجها . . . » ٤٧٢

العنوان ٣ من الخطبة ٨٩ : « كبس الأرض على مور أمواج مستفحلة . . . » ٤٨٩

العنوان ٤ من الخطبة ٢٠٩ : « و كان من اقتدار جبروته . . . » ٥٠٨

العنوان ٥ من الخطبة ١٦٩ : « اللّهمّ ربّ السّقف المرفوع . . . » ٥١٩

العنوان ٦ من الخطبة ١٥٨ : « فمن فرّغ قلبه ، و اعمل فكره . . . » ٥٢٥

الفصل الثّالث في خلق الملائكة ٥٢٩

العنوان ١ من الخطبة ١ : « تمّ فتق ما بين السّماوات العلى . . . » ٥٣١

العنوان ٢ من الخطبة ٨٩ : « ثمّ خلق سبحانه لإسكان سماواته . . . » ٥٤٥

العنوان ٣ من الخطبة ١٠٧ : « من ملائكة أسكنتهم سماواتك . . . » ٥٦٩

العنوان الرّابع في خلق آدم عليه السّلام ٥٧٣

العنوان ١ من الخطبة ١ : « ثمّ جمع سبحانه من حزن الأرض و سهلها . . . » ٥٧٥

العنوان ٢ من الخطبة ٨٩ : « فلمّا مهّد أرضه ، و أنفذ أمره . . . » ٥٩٤

الفهرس الكامل لموضوعات الكتاب ( لأربعة عشر مجلّدا ) ٥٩٩ المجلد الأول

٧

بسم اللّه الرحمن الرحيم

كلمة في حياة المؤلف

في بلدة تستر فقيه عالم و محقق بارع ، منقطع عن علائق الدنيا و زخارفها متوجها إلى اللّه تعالى . لقد أمضى حياته الشريفة في سبيل إرشاد الناس ، و بثّ المعارف الإسلامية إنّه والدي المعظّم الحاج الشّيخ محمّد تقي الشيخ التّستري ( الشوشتري ) . ولد في النجف الأشرف سنة ( ١٣٢٠ ه ق ) و عاش في تلك البلدة المباركة حتى السنة السابعة من عمره ، فلمّا أتم والده العلامة آية اللّه الحاج الشّيخ محمد كاظم التستري دراساته العلمية الاسلامية عند أساطين العلم و نال درجة الاجتهاد ، عاد الى تستر و التحق بعد قليل والدي بأبيه المحترم مع والدته و خاله في تستر و اشتغل بتعلّم القراءة و الكتابة و القرآن الكريم ، ثمّ واصل دراسته بكلّ جدّ ، فأقبل يدرس العلوم الإسلامية عند أساتذة تلك البلدة ، مثل السيّد حسين النوري و السيّد محمد علي الإمام و السيّد علي أصغر الحكيم ، ثمّ أتمّ دراساته العالية في العلوم الاسلامية عند كبار العلماء مثل السيّد محمّد تقي شيخ الاسلام ، و السيّد مهدي آل طيّب و والده المعظم ، فنال درجة الاجتهاد .

و في سنة ( ١٣١٤ ه ش ) غادر مولده تستر مع عائلته مناهضا رفع

٨

٩

حجاب النساء ، الّذي فرضه رضاشاه البهلوي على ايران ، و أقام في بلدة كربلاء المباركة و واصل دراساته العلمية الإسلامية في العتبات العاليات ، و هناك التحق بالعالم النحرير الجليل المرحوم الحاج الشيخ آقا بزرگ الطهراني و نال منه إجازة نقل الحديث .

و بعد ما عزل رضاشاه عن منصبه عاد الى تستر سنة ( ١٣٢١ ه ش ) و أقام في تلك البلدة و اشتغل بالتدريس و التحقيق و الإرشاد و التأليف . لقد جاء بترجمة لحياته و نشاطاته العلمية العلاّمة النّحرير الشيخ آقا بزرگ الطهراني في كتابه طبقات أعلام الشيعة ١ و هذا نصه :

هو الشيخ محمد تقي بن كاظم بن الشيخ محمد علي بن الشيخ جعفر التستري الشهير ، عالم بارع ولد في النجف ( ١٣٢٠ ه ش ) و نشأ بها على حب العلم و الفضيلة اللّذين ورثهما عن آبائه و عن جدّه الأعلى الشيخ جعفر الغني عن الوصف ، فاشتغل على الأعلام الأفاضل مجدّا مجتهدا حتّى برع و صنّف ،

فله :

١ تحقيق المسائل ( شرح على الروضة البهية ) ٢ .

٢ رسالة سهو النبي صلى اللّه عليه و آله ٣ .

٣ الرّسالة المبصرة في أحوال أبي بصير ٤ .

٤ شرح تنقيح المقال ٥ .

٥ قضاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام ٦ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) طبقات أعلام الشيعة ١ : ٦٥ .

( ٢ ) هذا الكتاب شرح للمعة الدّمشقية في مجلّدات كثيرة ، خرج إلى الآن منها ستّ مجلّدات .

( ٣ ) طبعت هذه الرّسالة في ملحق قاموس الرّجال : الجزء ( ١١ ) .

( ٤ ) طبعت هذه الرّسالة في ملحق قاموس الرّجال : الجزء ( ١١ ) .

( ٥ ) طبع هذا الكتاب باسم قاموس الرجال في أربعة عشر مجلّدا .

( ٦ ) طبع هذا الكتاب مرّات عديدة في النجف و بيروت و قم ، و ترجمته باللغة الفارسية و سمّيته ( قضاوت هاى على عليه السّلام ) و طبعت هذه الترجمة أيضا عدّة مرّات .

١٠

٦ الأربعينيات الثلاث ١ .

٧ جوامع أحوال الأئمة عليهم السّلام . و انتهى . و تلوا يذكر بعض ما لم يقف عليها العلاّمة الطهراني ٢ .

٨ بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة ، و هو هذا الكتاب الذي بين يديك ٣ .

٩ الأوائل ٤ .

١٠ البدائع ٥ .

١١ آيات بيّنات في حقيقة بعض المنامات ٦ .

١٢ الأخبار الدّخيلة ٧ .

و في الختام أهدي أطيب تحياتي إلى مؤسسة نهج البلاغة التي عنيت بتجديد طبع هذا الكتاب ، ( بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة ) و أرجو من اللّه تعالى التوفيق لهذه المؤسسة في سبيل نشر المعارف الإسلامية ، و السلام عليكم و رحمته و بركاته محمد علي شيخ ابن المؤلف ١٠ ٩ ١٣٦٧ ه . ش

ــــــــــــــــ

( ١ ) طبع هذا الكتاب باسم الأربعين حديثا .

( ٢ ) طبعت هذه الرسالة في ملحق قاموس الرجال : الجزء ( ١١ ) .

( ٣ ) طبع في أربعة عشر مجلدا .

( ٤ ) طبع في مطبعة جامعة طهران في مجلد واحد .

( ٥ ) عنيت بطبعه و نشره مكتبة الصدوق .

( ٦ ) عنيت بطبعه و نشره مكتبة الصدوق .

( ٧ ) خرج من الكتاب الى الآن أربع مجلّدات ، عنيت بنشرها مكتبة الصدوق .

١١

دليل القارئ

١ ضمّ « بهج الصّباغة في شرح نهج البلاغة » ( ٦٠ ) فصلا وزّعت على ١٤ مجلّدا حازت تلك الفصول على أسماء خاصّة بها ، و أدرجت وفقا لهيكل ارتاه المؤلّف نفسه .

٢ اشتمل كلّ فصل على عدد من نصوص النّهج المراد شرحها ، كتبت بالغامق ،

و انتظمت استنادا إلى ترابطها الموضوعي بعناوين منحت أرقاما بارزة أعلاها تمثّل تسلسلها في الفصل ، إضافة إلى رقم خاص بين قوسين يشير إلى موقعها في النّهج .

٣ قد تحتوي بعض العناوين على أكثر من نصّ يراد توضيحه فتشترك نصوص العنوان برقم واحد أعلاها ، و يميّز كلّ نصّ برقمه الخاص في نهج البلاغة .

٤ يبتدأ الشّرح باقتطاع كلمات أو فقرات متتالية حسب أولويّتها في النصّ غالبا و تحصر بين قوسين و تميّز بالغامق في أوّل مورد أتت به لشرحها .

٥ غالبا ما يكون الشّرح لغويّا أوّل الأمر ، ثمّ ينطلق منه إلى وقائع تأريخيّة و قصص أدبيّة معزّزة بأنواع الشّواهد شعرا و نثرا .

٦ لم تحصر النصوص المنقولة من غير نهج البلاغة بين قوسين لكثرتها ، و اكتفي لتمييز أوّلها بذكر اسم الكتاب المأخوذة منه و يقع أوّل السّطر في أحيان كثيرة بين قوسين ، و نهايتها بهامش يشير إلى استخراجها و يبدأ النصّ الآخر برأس سطر جديد .

٧ عندما يتمّ شرح كلّ نص من العنوان ينتقل إلى عنوان آخر يليه وفقا لرقم تسلسله في الفصل ، فتشرح نصوصه و ينتقل إلى عنوان بعده ، و هكذا تشرح الفصول متتابعة .

٨ إنّ العبارات التي تقع بين خطّين ، هي عبارات اعتراضيّة توضيحيّة .

٩ أضيف في نهاية كلّ مجلّد فهرست للخطب و الكتب و الحكم الواردة في ذلك المجلّد .

١٠ و ختاما نرجو من القراء الأعزاء أرسال ما لديهم من ملاحظات أو اقتراحات بناءة حول الكتاب . كما نعتذر عن السهو و الخطأ إن وجد .

نتمنى للجميع التسديد و الصواب ، و من اللّه الأجر و الثواب و السّلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته الناشر

١٢

١٣

مقدّمة مؤسسة نهج البلاغة

على مدار ألف سنة مرّت من عمر هذا السّفر القيّم « نهج البلاغة » دوّن عليه أكثر من ( ٣٠٠ ) شرح و ترجمة بأساليب و محتويات علمية و أذواق متباينة ، اختلفت درجة تقبّل القرّاء لها باختلاف تطلّعاتهم و رؤاهم .

و بالرغم من تلك الشروح الكثيرة فقد بقيت امكان متهلهلة فيها ، تشير إلى خلوّها من شرح موضوعي ، إلى أن تصدّي المرحوم العلاّمة آية اللّه الحاج الشيخ محمد تقي التستري لإحكام نسج جديد ، فشرع بكتابة شرح موضوعي نفيس باللّغة العربية في ( ١٤ ) مجلدا ل ( ٦٠ ) موضوعا ،

فجزاه اللّه خير الجزاء ، و شكر مساعيه العلمية الجليلة ، و تغمّده برحمته ، و أسكنه فسيح جنّاته .

إنّ أهميّة الشرح الموضوعي من منظار علمي أمر لا يقبل المناقشة ، لأنّ كل علم إذا لم تبحث قضاياه بهذه المنهجية فسوف تبقى النظرة الواقعية له أو لمؤلف الكتاب عائمة في أمواج من الغموض ، تلك المنهجية التي اتخذها الفقهاء الأفذاذ في رصد و جمع الموارد ذات العلاقة و دراستها ، لابداء آرائهم الدقيقة في المسائل الفقهية الكثيرة .

و تأسيسا على ذلك ينبغي لمن يتطلّع إلى آفاق نظر الإمام عليه السّلام أن يسلك اسلوب الشرح الموضوعي، و يحتوي كل الموارد دراسة و تحليلا ، فليس من الصحيح أن نقتطع كلمة أو كتابا من بين عشرات الكلمات و الكتب ، و نشيّد عليها وجهة نظر المؤلف ، لأنّه لا يمكن بيان كلّ الموارد في جملة واحدة ، بل إنّ تحرّي و تجميع الجزئيات المتقارنة و المتباينة بعين شمولية فاحصة ، و بمطالعة تحليلية دقيقة ، و تعرّف لغة و ثقافة المقال و الكتاب ، تزيح ستارا كثيفا عن الحقيقة ، و تمنح دفقة اطمئنان لعرض مدروس لآراء مؤلفه .

و قد صادقت مؤسسة نهج البلاغة ضمن خططها على مشروع لتفسير نهج البلاغة موضوعيا ، و تقرّر أن تبدأ مجاميع علمية مهامّها في هذا المجال .

فشرعت نخبة من المحققين أعمالها بدقّة و تنسيق متبادل ، لرصد الموضوعات عن طريق نظام

١٤
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الأوّل الشيخ محمّد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

البطاقات التي بلغت ما يقارب ( ٥٠٠٠ ) بطاقة ، استلّ منها ( ٣٠٠ ) عنوان رئيسي و فرعي ، و بعد دراسات و بحوث متعدّدة ، و تصحيح و إكمال موارد النقص ، صدر « نهج البلاغة » المنقّح بإشراف و طبع و نشر مؤسسة نهج البلاغة .

و جدير بالذكر أنّ من المصادر المستفادة في ذلك المشروع هي المجموعة النادرة ل « بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة » ، و إن كانت موضوعاتها منحصرة ب ( ٦٠ ) موضوعا ، إلاّ أنّها تصب في إطار هدفنا العام .

لكنّ لغة تدوين هذا الكتاب هي العربية ، و مقتضيات أهداف المؤسسة ترتبط أوّلا بالذات بالرفد الثّقافي للناطقين باللغة الفارسية ، الأمر الذي دعا إلى ترجمته .

و هنا نرى من الضرورة أن نعرب عن شكرنا لجميع الأخوة الذين ساهموا في إعداد و تنظيم و تهيئة هذه المجموعة النادرة ، و عن تقديرنا لمساعيهم المخلصة ، و تحمّلهم للمصاعب العلمية و الفنيّة باذلين وقتا غاليا لاخراج هذا السفر على أكمل صورة ، إنّ تلك الجهود لوحة رائعة تعبّر عن علاقتهم الوثيقة بسيّد الأولياء ، و حبّهم الكبير لمولى الموحّدين عليه السّلام .

نسأل اللّه أن يتقبّل من الجميع هذا العمل بأحسن القبول ، و أن يكون أمير المؤمنين و إمام العارفين شفيعهم ( يوم لا ينفع مال و لا بنون . إلاّ من أتى اللّه بقلب سليم ) .

و اللّه ولي التوفيق سيد جمال الدين دين پرور رئيس مؤسسة نهج البلاغة

١٥

مقدّمة المؤلّف

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه ربّ العالمين ، و الصلاة على محمّد و آله الطاهرين .

و بعد فإنّ علماء الإسلام الخاصّ منهم و العامّ ، و إن صنّفوا من الصّدر الأول في كلّ فنّ إلاّ أنّه لم يؤلّف أحد مثل كتاب الشريف الرضيّ هذا ، فإنّ أهمّية كلّ كتاب بمقدار فائدته ، و قيمته بقدر عائدته ، و لم يبلغ بكتابه هذا بعد كتاب اللّه تعالى كتاب ، فإنّه تاليه في الفصاحة و البلاغة ، و في الاشتمال على كلّ نصح و حكمة ، و لقد أجاد من قال فيه :

كتاب كأنّ اللّه رصّع لفظه

بجوهر آيات الكتاب المنزّل

حوى حكما كالدرّ ينطق صادقا

فلا فرق إلاّ أنّه غير منزل

١ و يأتي في العنوان ( ٢٣ ) من الفصل الأوّل خبر أنّ ذعلبا لمّا أجابه أمير المؤمنين عليه السّلام سؤاله « هل رأيت ربّك ؟ » خرّ مغشيا عليه ، ثمّ قال : تاللّه ما سمعت بمثل هذا الجواب ٢ و يأتي في خطبة المتّقين أنّ همّاما لمّا سمع

ــــــــــــــــ

( ١ ) نقل البيتين الخوئي في ديباجة شرحه ١ : ٨٠ .

( ٢ ) بهج الصباغة : الفصل ( ١ ) العنوان ( ٢٣ ) .

١٦

كلامه عليه السّلام في وصف أهل التّقوى صعق صعقة كانت نفسه فيها ١ .

و يأتي في العنوان ( ١١ ) من الفصل الثلاثين أنّ قوله عليه السّلام : « إنّ الحقّ لا يعرف بالرّجال » و قوله عليه السّلام : « انظر الى ما قال ، و لا تنظر الى من قال » بلا قيمة ٢ .

و قال الجاحظ : أجمعوا على أنّهم لم يجدوا كلمة أقلّ حرفا ، و لا أكثر ريعا ، و لا أعمّ نفعا ، و لا أحثّ على تبيين ، و لا أهجى لمن ترك التفهّم و قصّر في الافهام من قول علي عليه السّلام : « قيمة كل امرئ ما يحسنه » ٣ .

و قال الخليل : أحثّ كلمة على طلب علم قول عليّ بن أبي طالب عليه السّلام : « قدر كلّ امرئ ما يحسن » ٤ .

و قال الرضيّ في ( خصائصه ) : قوله عليه السّلام : « كلمة حقّ يراد بها باطل » في ردّ قول الخوارج : « لا حكم إلاّ للّه » أبلغ عبارة من أمر الخوارج لما جمعوا من حسن الاعتراء و الشّعار ، و فتح الإبطان و الإضمار ٥ .

و قال أيضا فيه في قوله عليه السّلام : « لم يذهب مالك ما وعظك » : سبحان اللّه ما أقصر هذه الكلمة من كلمة ، و أطول شأو بدرها في مضمار الحكمة ٦ و قال في ( نهج البلاغة ) في قوله عليه السّلام : « فلئن أمر الباطل لقديما فعل » : إنّ في هذا الكلام الأدنى من مواقع الإحسان ما لا تبلغه مواقع الاستحسان ، و إنّ

ــــــــــــــــ

( ١ ) بهج الصباغة : الفصل ( ٤٠ ) العنوان ( ١٣ ) .

( ٢ ) بهج الصباغة : الفصل ( ٣٠ ) العنوان ( ١١ ) .

( ٣ ) صرح الشارح في العنوان ( ١٦ ) من الفصل الثامن عشر أنّه نقله من كتاب البيان و التّبيين للجاحظ ، و أورد الجاحظ الحديث في ٢ : ٨٠ بلا كلام حوله .

( ٤ ) نقله أبو علي الطوسي في أماليه ٢ : ١٠٨ ، المجلس ١٧ باسناد عن خليل .

( ٥ ) خصائص الأئمة للشريف الرضي : ٨٨ .

( ٦ ) المصدر نفسه .

١٧

حظّ العجب منه أكثر من حظّ العجب به ، و فيه مع الحال الّتي وصفنا زوائد من الفصاحة لا يقوم بها لسان ، و لا يطّلع فجّها إنسان ، و لا يعرف ما أقول إلاّ من ضرب في هذه الصناعة بحقّ ، و جرى فيها على عرق ، و ما يعقلها إلاّ العالمون ١ .

و قال في قوله عليه السّلام : « فإنّ الغاية أمامكم . . . » : إنّ هذا الكلام لو وزن بعد كلام اللّه سبحانه ، و بعد كلام رسوله صلّى اللّه عليه و آله بكلّ كلام لمال به راجحا ، و برّز عليه سابقا . فأمّا قوله عليه السّلام : « تخفّفوا تلحقوا » فما سمع كلام أقلّ منه مسموعا و لا أكثر محصولا ، و ما أبعد غورها من كلمة و أنقع نطفتها من حكمة ٢ .

و قال في الخطبة ( ٢٨ ) : لو كان كلام يأخذ بالأعناق إلى الزّهد في الدنيا و يضطرّ الى عمل الآخرة لكان هذا الكلام ، و كفى به قاطعا لعلائق الآمال ،

و قادحا زناد الاتّعاظ ، و الازدجار ٣ .

و قال في الخطبة ( ٨٠ ) : إذا تأمّل المتأمّل قوله عليه السّلام : « من أبصر بها بصرّته » وجد تحته من المعنى العجيب و الغرض البعيد ما لا تبلغ غايته ، و لا يدرك غوره ، و لا سيّما إذا قرن إليه قوله عليه السّلام : « و من أبصر اليها أعمته » فإنّه يجد الفرق بين أبصر بها و أبصر إليها واضحا نيّرا و عجيبا باهرا ٤ .

و قال في قوله عليه السّلام : « لا تكن ممّن يرجو الآخرة بغير عمل . . . » : لو لم يكن في هذا الكتاب إلاّ هذا الكلام لكفى به موعظة ناجعة و حكمة بالغة ، و بصيرة

ــــــــــــــــ

( ١ ) نهج البلاغة ١ : ٤٨ ، الخطبة ( ١٦ ) .

( ٢ ) نهج البلاغة ١ : ٥٨ ، الخطبة ( ٢١ ) .

قال الشريف في خصائص الأئمة : ٨٧ بعد نقل قوله عليه السّلام : « تخفّفوا تلحقوا » : ما أقلّ هذه الكلمة و أكثر نفعها و أعظم قدرها و أبعد غورها و أسطع نورها .

( ٣ ) نهج البلاغة ١ : ٧٢ .

( ٤ ) نهج البلاغة ١ : ١٣١ .

١٨

لمبصر ، و عبرة لناظر مفكّر ١ .

إلى غير ذلك من كلماتهم في كلامه عليه السّلام ، ممّا لو استقصيت لصارت كتابا ، فللّه درّه في جمعه هذا الكتاب ، فكم اهتدي به من يوم تأليفه إلى يومنا هذا ، و كم يهتدى به إلى الأبد ، مع أنّه أتقن به لغة العرب ، و أمتن به قواعد الأدب ، فشكر اللّه سعيه و أعطاه خير جزاء .

لكنّه عفا اللّه عنه لمّا كان متهالكا على نقل كلّ كلام فصيح منسوب إليه عليه السّلام ، لم يتفطّن أنّ الخصم قد يحتال و يزوّر على لسانه عليه السّلام بتزويق كلامه ، كما ترى ذلك في الخطبة ( ٩٠ و ١٦٦ و ٢٦٦ ) و في نقله الخطبة ( ٦ ) لمّا أشير عليه بأن لا يتّبع طلحة و الزبير ، و قد تكلمنا عنها في موضعها ٢ .

كما أنّه عفا اللّه عنه لمّا كان نظره في اختياره من كلامه عليه السّلام على الكلمة الفصيحة ، فقد يقتصر من نقل كلامه عليه السّلام على مثل الاقتصار على قوله تعالى : ( لا تقربوا الصلاة ) بدون ( و أنتم سكارى ) ٣ كما تراه في الحكمة ( ٤٦٧ ) ، و قد بحثناها في موضعها ٤ .

كما أنّه عفا اللّه عنه لكون مراجعته الى كتب العامّة و رواياتهم فقط ،

غالبا قد ينقل ما تكذّبه روايات الخاصّة كما تراه في الخطبة ( ٥٧ ) ، و قد

ــــــــــــــــ

( ١ ) نهج البلاغة ٤ : ٣٨ ، الحكمة ( ١٥٠ ) .

( ٢ ) نهج البلاغة ١ : ١٨١ ، الخطبة ( ٩٠ ) شرحها في بهج الصباغة الفصل ( ٣٠ ) العنوان ( ٨ ) . و ٢ : ٨٠ ، الخطبة ( ١٦٦ ) شرحها في بهج الصباغة : الفصل ( ٢٩ ) العنوان ( ٢٤ ) و ٢ : ٢٢٢ ، الخطبة ( ٢٢٦ ) شرحها في بهج الصباغة : الفصل ( ٢٩ ) العنوان ( ٢٦ ) و ١ : ٤١ ، الخطبة ( ٦ ) شرحها في بهج الصباغة : الفصل ( ٣١ ) العنوان ( ٣ ) .

( ٣ ) الآية بتمامها : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة و أنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون و لا جنبا إلاّ عابري سبيل حتى تغتسلوا و إن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحدكم من الغائط أو لا مستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيّبا فامسحوا بوجوهكم و أيديكم إن اللّه كان عفوّا غفورا ) . النساء : ٤٣ .

( ٤ ) نهج البلاغة ٤ : ١٠٧ ، الحكمة ( ٤٦٧ ) شرحها في بهج الصباغة : الفصل ( ٢٩ ) العنوان ( ٢٧ ) .

١٩

شرحناه في محلّه ١ .

كما أنّه عفا اللّه عنه قد ينسب إليه عليه السّلام ما لغيره ، كما تراه في الحكمة ( ٢٨٩ ) فاتفقت الروايات على أنّه لابنه الحسن عليه السّلام ٢ . و ما تراه في الحكمة ( ٢٢٧ ) فاتفقت الروايات على أنّه عليه السّلام نقله عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ، و قد أوضحناهما في محلّهما ٣ .

كما أنّه قد ينسب إليه عليه السّلام ما روي عنه عليه السّلام في المنام ، كما تراه في الحكمة ( ٤٠٦ ) و قد بحثنا ذلك في محلّه ٤ .

كما أنّه قد ينسب الشي‏ء إلى غير محلّه ، فقال في الكتاب ( ٦٢ ) : و من كتاب له عليه السّلام إلى أهل مصر مع مالك الأشتر . مع أنّه روى الثقفي في ( غاراته ) ، و ابن قتيبة في ( خلفائه ) ، و الكليني في ( رسائله ) ، و ابن جرير الطبريّ في ( مستر شده ) أنّه كانت خطبة له عليه السّلام في التحريض على الجهاد لمّا فتحت مصر و قتل محمّد بن أبي بكر ٥ .

كما أنّه قد يحرّف لعدم تدبّره أو لسقم نسخة مستنده ، فنقل في الكتاب ( ٥٧ ) : « خرجت من حيي هذا » فإنه محرّف : « خرجت مخرجي هذا » . كما شرحناه في محلّه ٦ .

و نقل في الحكمة ( ٣٧١ ) : « و الشرّ جامع لمساوي العيوب » فإنّه محرّف

ــــــــــــــــ

( ١ ) نهج البلاغة ١ : ١٠٥ ، الخطبة ( ٥٧ ) شرحها في بهج الصباغة : الفصل ( ٩ ) العنوان ( ١٥ ) .

( ٢ ) نهج البلاغة ٤ : ٦٩ ، الحكمة ( ٢٨٩ ) شرحها في بهج الصباغة : الفصل ( ٤٠ ) العنوان ( ١٥ ) .

( ٣ ) نهج البلاغة ٤ : ٥٠ ، الحكمة ( ٢٢٧ ) شرحها في بهج الصباغة : الفصل ( ٤٠ ) العنوان ( ٥ ) .

( ٤ ) نهج البلاغة ٤ : ٩٥ ، الخطبة ( ٤٠٦ ) شرحها في بهج الصباغة : الفصل ( ٦ ) . العنوان ( ٢٥ ) .

( ٥ ) نهج البلاغة ٣ : ١١٨ ، الكتاب ( ٦٢ ) شرحه في بهج الصباغة : الفصل ( ٨ ) العنوان ( ١٥ ) ، و الغارات للثقفي ١ : ٣٠٢ ،

و تاريخ الخلفاء و هو كتاب الإمامة و السياسة لا بن قتيبة ١ : ١٥٤ ، و كشف المحجّة لابن طاووس : ١٧٣ نقلا عن رسائل الكليني ، و المسترشد للطبري : ٩٥ .

( ٦ ) نهج البلاغة ٣ : ١١٤ ، شرحه في بهج الصباغة : الفصل ( ٣ ) العنوان ( ٧ ) .

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

المؤمنة بمرجعيته الفكرية والروحيّة ـ كانت حركة محدودة تخضع لمدى الرقابة والضغط الموجه إليه والى خاصته. فكان الإمامعليه‌السلام منتهجاً نفس السبيل الذي انتهجه آباؤهعليهم‌السلام ، وعلى وفق المصلحة العليا للرسالة الإسلامية وبمقدار ما تسمح به الظروف العامة والخاصة التي تحيط بالإمامعليه‌السلام في عصره وهي ضرورة الحفاظ على مفاهيم الرسالة الإسلامية أوّلاً ومنع خاصّته من الوقوع في الانحراف أو ما كان يكيده لهم السلطان العباسي من منزلقات ثانياً.

ويمكن أن نصور مواقف الإمام الهاديعليه‌السلام على منحيين:

المنحى الأول: هو إثبات الحق ونقد الباطل، على صعيد الأمة الإسلامية، سواء كان ذلك على مستوى جهاز الحكم أو على مستوى القواعد الشعبية العامة.

حتّى أن يحيى بن أكثم قال للمتوكل: «ما نحبّ أن تسأل هذا الرجل ـ أي الإمامعليه‌السلام ـ شيئاً بعد مسائلي هذه وإنه لا يرد عليه شيء بعدها إلاّ دونها، وفي ظهور علمه تقوية للرافضة»(١).

المنحى الثاني: هو المحافظة التامة على أصحابه ورعاية مصالحهم وتحذيرهم من الوقوع في أحابيل السلطة العباسيّة ومساعدتهم في إخفاء نشاطهم والحذر في التحرك بحسب الإمكان.(٢)

وتتضح لنا مواقف الإمام الهاديعليه‌السلام من خلال استعراض بعض الحوادث التي واجهها وما اتّخذ من إجراءات إزاءها لِنحصل على صورة واضحة المعالم حينما نأخذ كل ظروفه بنظر الاعتبار فتتضح من خلالها الحركة العامة للأئمة الأطهار والمواقف الخاصّة بكل إمام.

ــــــــــــ

(١) المناقب: ٤ / ٤٣٧.

(٢) الغيبة الصغرى: ١١٨.

٤١

الإمام الهاديعليه‌السلام والمتوكل العباسي

لقد سعى جماعة بالإمامعليه‌السلام إلى المتوكل، وأخبروه بأن في منزله سلاحاً وكتباً وغيرها وأنه يطلب الأمر لنفسه، فأرسل المتوكل مجموعة من الأتراك ليلاً ليهجموا على منزله على حين غفلة، فلمّا باغتوا الإمامعليه‌السلام وجدوه وحده، مستقبل القبلة وهو يقرأ القرآن، وليس بينه وبين الأرض بساط فأخذ على الصورة التي وجد عليها، وحمل إلى المتوكل في جوف الليل، فمثُل بين يدي المتوكل وهو في مجلس شرابه وفي يده كأس، فلمّا رآه أعظمه وأكبره وأجلسه إلى جانبه ولم يكن في منزله شيء ممّا قيل عنه ولم تكن للمتوكّل حجة يتعلّل بها على الإمامعليه‌السلام . فناول المتوكل الإمامعليه‌السلام الكأس الذي في يده.

فقال الإمامعليه‌السلام :ياأمير المؤمنين ما خامر لحمي ودمي قط، فأعفني ، فأعفاه، فقال المتوكل: أنشدني شعراً أستحسنه.

قال الإمامعليه‌السلام :إنّي لقليل الرواية للشعر .

قال المتوكل: لا بدّ أن تنشدني شيئاً. فأنشده الإمامعليه‌السلام :

باتوا على قلل الأجبال تحرسهم

غلب الرجال فما أغنتهم القلل

واستنزلوا من بعد عز من معاقلهم

فأودعوا حفراً يا بئس ما نزلوا

ناداهم صارخ من بعد ما قبروا

أين الأسرة والتيجان والحلل

أين الوجوه التي كانت منعمة

من دونها تضرب الأستار والكلل

فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم

تلك الوجوه عليها الدود يقتتل

قد طالما أكلوا يوماً وما شربوا

فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكلوا

وطالما عمّروا دوراً لتحصنهم

ففارقوا الدور والأهلين وانتقلوا

وطالما كنزوا الأموال وادّخروا

فخلّفوها على الأعداء وارتحلوا

أضحت منازلهم قفراً معطَّلَةً

وساكِنوها إلى الأجداث قد رحلوا

٤٢

فبكى المتوكل بكاء كثيراً حتى بلّت دموعه لحيته، وبكى من حضر ثم أمر برفع الشراب، ثم قال ياأبا الحسن، أعليك دين ؟ قال الإمامعليه‌السلام :نعم، أربعة آلاف دينار ، فأمر بدفعها إليه، وردّه إلى منزله مكرّماً.(١)

فمواقف الإمامعليه‌السلام كانت تنسجم مع موقع الإمامة أوّلاً وتنسجم مع الظروف السياسية والاجتماعية التي تحيط بالإمامعليه‌السلام وشيعته ثانياً.

وكان الإمامعليه‌السلام يحاول إتمام الحجة وإقامة الحق كلما سمحت الفرصة بذلك، فقد روي أن نصرانيّاً جاء إلى دار الإمامعليه‌السلام حاملاً إليه بعض الأموال، فخرج إليه خادمه وقال له: أنت يوسف بن يعقوب ؟ فقال: نعم، قال: فانزل واقعد في الدهليز، فتعجّب النصراني من معرفته لاسمه واسم أبيه، وليس في البلد من يعرفه، ولا دخله قط. ثم خرج الخادم وقال: المئة دينار التي في كمك في الكاغد هاتها، فناولها إيّاه ثم دخل على الإمامعليه‌السلام وطلب منه أن يرجع إلى الحق وأن يدخل في الإسلام فلما قال له الإمام:يا يوسف أما آن لك؟ فقال يوسف يامولاي قد بان لي من البرهان ما فيه الكفاية لمن اكتفى، فقال له الإمامعليه‌السلام :هيهات إنك لا تسلم ولكنه سيسلم ولدك فلان وهو من شيعتنا (٢) .

ــــــــــــ

(١) مروج الذهب: ٤ / ١١ عن المبرّد، ولعلّ عنه ابن خلكان في وفيات الأعيان: ٢/٤٣٤ وعن المسعودي السبط في تذكرة الخواص: ٣٢٣.

(٢) الخرائج والجرائح: ١/٣٩٦ ح ٣ ب ١١ وعنه في كشف الغمة: ٣ / ١٨٢.

٤٣

الإمام الهاديعليه‌السلام ووزير المنتصر

وروي أن الإمامعليه‌السلام كان يساير أحمد بن الخصيب في أثناء وزارته وقد قصُرَ أبو الحسن ـ أي الإمام الهاديعليه‌السلام ـ عنه فقال له ابن الخصيب: سر، جُعلت فداك، فقال له أبو الحسنعليه‌السلام :«أنت المقدّم» ، يقول الراوي فما لبثنا إلاّ أربعة أيام حتى وضع الدهق على ساق ابن الخصيب وقتل.(١)

وابن الخصيب هذا من المتجبرين وقد استوزره المنتصر وندم على ذلك لما اشتهر بالظلم. فمن ذلك انه ركب يوماً فتظلم إليه متظلم بقصة فأخرج رجله من الركاب فزج بها في صدر المتكلم فقتله فتحدّث الناس في ذلك فقال بعض الشعراء:

قل للخليفة ياابن عم محمد

أشكل وزيرك إنه ركال

أشكله عن ركل الرجال فإن ترد

مالاً فعند وزيرك الأموال(٢)

الإمام الهاديعليه‌السلام والتحدّي العلمي

لم تنحصر تحديات السلطة بإجراءاتها القمعية ضد الإمامعليه‌السلام بل كانت تعمد بين الحين والآخر إلى إحراج الإمام في قضايا علميّة حيث تدفع بوعاظها إلى محاججة الإمامعليه‌السلام بطرح أسئلة في مجالس عامة.

على أن عجز فقهاء السلطة عن إيجاد حلول لمشاكل فقهية مستجدّة كان يدفع الخليفة لطرح الأسئلة على الإمامعليه‌السلام . فقد روي أن رجلاً نصرانياً قدم

ــــــــــــ

(١) أصول الكافي: ١/٥٠١ ح٦ وعنه في الإرشاد: ٢/٣٠٦ وإعلام الورى: ٢/١١٦ وعن الإرشاد في كشف الغمة: ٣/١٧٠.

(٢) مروج الذهب: ٤ / ٤٨، والكامل في التاريخ: ٥ / ٣١١.

٤٤

إلى المتوكل وكان قد فجر بامرأة مسلمة، فأراد أن يقيم الحد عليه، فأسلم، فقال يحيى ابن أكثم ـ وهو قاضي القضاة ـ قد هدم إيمانُه شِركَه وفِعلَه، وقال بعضهم يضرب ثلاثة حدود، إلى غير هذه الأقوال... فلمّا رأى المتوكل هذا الاختلاف بين الفقهاء أمر بالكتابة إلى أبي الحسن العسكري ـ الإمام الهاديعليه‌السلام ـ لسؤاله عن هذا المشكل الذي اختلفوا فيه، فلما قرأ الإمامعليه‌السلام الكتاب كتب:«يضرب حتى يموت» . فأنكر يحيى بن أكثم وأنكر فقهاء العسكر ـ أي سامراء ـ ذلك، فقالوا ياأمير المؤمنين: سله عن ذلك فإنه شيء لم ينطق به كتاب ولم يجيء به سنة.

فكتب المتوكل إلى الإمام قائلاً: إنّ الفقهاء قد أنكروا هذا وقالوا: لم يجيء به سنة ولم ينطق به كتاب، فبيّن لنا لم أوجبتَ علينا الضرب حتى الموت ؟!

فكتبعليه‌السلام :بسم الله الرحمن الرحيم ( فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ) (١) . فأمر به المتوكل فضرب حتى مات. (٢)

الإمام الهاديعليه‌السلام وفتنة خلق القرآن

وفي فترة حكم المأمون العباسي، أثيرت من قبل السلطان العباسي قضية خلق القرآن من أجل إبعاد الأمة عن همومها وأهدافها بالإضافة إلى توسيع وتعميق شُقّة الخلاف بين أبناء الأمة، ليكون هذا الخلاف حاجزاً بينهم وبين السلطان المنحرف والبعيد في سلوكه ونشاطه عن الشريعة الإسلامية.

وهناك جهة ثالثة هي أن السلطة قد استغلت هذه القضية إذ جعلتها

ــــــــــــ

(١) غافر(٤٠): ٨٤ ـ ٨٥.

(٢) مناقب آل أبي طالب: ٤ / ٤٣٧.

٤٥

مصيدة لمعارضيها فكانت تتعرّف عليهم من خلالها ثم تقوم بتحجيم دورهم في أوساط الأمة.

وكتب الإمام الهاديعليه‌السلام إلى شيعته في بغداد لإبعادهم عن الخوض في مسألة خلق القرآن مع من يخوض فيها تجنّباً لهم من الآثار السلبيّة التي يمكن أن تلحق بهم وربما يكونون عرضة للوقوع تحت إجراءات قمعية ومطاردة من قبل السلطة، وقد روي عنهعليه‌السلام الكتاب الآتي:

عن محمد بن عيسى بن عبيد بن اليقطين قال كتب علي بن محمد بن علي بن موسى الرضاعليه‌السلام إلى بعض شيعته ببغداد:«بسم الله الرحمن الرحيم عصمنا الله وإياك من الفتنة فإن يفعل فأعظم بها نعمة وإلاّ يفعل فهي الهلكة نحن نرى إن الجدال في القرآن بدعة اشترك فيها السائل والمجيب فتعاطى السائل ما ليس له وتكلف المجيب ما ليس عليه وليس الخالق إلاّ الله، وما سواه مخلوق والقرآن كلام الله لا تجعل له اسماً من عندك فتكون من الضالين جعلنا الله وإياك من الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون» (١) .

وقد شغلت هذه المسألة الذهنيّة الإسلامية فترة حكم المأمون والمعتصم والواثق، وكان جواب الإمامعليه‌السلام محدّداً وبليغاً ; إبعاداً للشيعة عن الوقوع في حبائل السلطان والخروج من هذه الفتنة بسلامة في الدين، فكان الإمام الهاديعليه‌السلام يترصّد الأحداث والظواهر التي تكتنف الحياة الإسلامية عامة وما تتطلب من مواقف خاصّة فيما يتعلق بشيعته لتجنيبهم مزالق الانحراف من الخوض في كثير من المسائل التي لا طائل منها سوى الكشف عن هويّتهم، وبالتالي التعرض لحبائل السلطة من القمع والاضطهاد والسجن.

ــــــــــــ

(١) أمالي الشيخ الصدوق: ٤٨٩.

٤٦

الإمام الهاديعليه‌السلام مع أصحابه وشيعته

لقد حفلت حياة الإمامعليه‌السلام بالأحداث المريرة إذ كان الصراع على السلطة على أشدّه بين أبناء الأسرة الحاكمة من جهة، وبين الأمراء والقوّاد الأتراك وغيرهم من الطامحين في السلطة من جهة ثانية. فكان نتيجة هذا الصراع أن ينال الإمام الهاديعليه‌السلام وأبناء عمومته وشيعته في هذه الظروف الكثير من الأذى والاضطهاد باعتباره زعيم الجبهة المعارضة لكل هؤلاء المتصارعين على السلطة من حكّام وأمراء ووزراء. فبالرغم من وجود هذا الصراع الشديد فان الحكام العباسيين كانوا يخافون الإمامعليه‌السلام ويرون أنّه سيد أهل البيت وإمام الأمة وصاحب الكلمة المسموعة بين الناس.

وكان الإمامعليه‌السلام يمارس دور التربية والتوجيه وإعداد المؤمنين بمرجعيته الفكرية والروحية من أجل تحصينهم ضد الانحرافات العقائدية والفكرية ويمنعهم من الخوض في كثير من المسائل التي يكون الخوض فيها كاشفاً عن هويتهم وارتباطهم بالإمامعليه‌السلام مما كان يؤدي إلى أن يكونوا تحت طائل عقوبات واضطهادات السلطة فيما إذا علموا موالاتهم للإمام وأهل البيتعليهم‌السلام كما حصل ذلك لابن السكّيت وغيره، حيث كانت تقوم السلطة بقتلهم أو زجّهم في السجون.

إنّ دارسي هذه الفترة ـ وهي العصر العباسي الثاني ـ وإن وصفوها بالضعف السياسي والإداري للسلطة لكن حكّام الدولة لم يتهاونوا في تشديد الرقابة على الإمام وأصحابه; محاولين بذلك تحديد دائرة نشاط الإمامعليه‌السلام وحدّها من التوسع في تأثيرها على قطاعات الأمة المختلفة. لذا نرى أن الإمامعليه‌السلام كان يكرّس جلّ وقته وتعليماته بخصوص شيعته ومواليه مع تحيّن الفرصة في اتخاذ المواقف التي تعكس وجهة النظر الإسلامية في الوقائع والأحداث مع بيان ابتعاد الحكّام العباسيين عن تطبيق تعاليم الإسلام وهم في قمة انحرافهم وانغماسهم في اللهو والمجون.وكانت مواقف الإمام الهاديعليه‌السلام تجاه الأحداث متناسبة مع تلك الظروف فكان يصدر توجيهاته وتعليماته بحذر ودقة وسرية تامة إلى شيعته وأصحابه.

٤٧

ولعلّ أهم وأوضح موقف وقفه الإمامعليه‌السلام في هذا الصدد بحسب ما لدينا من وثائق تاريخية هو موقفه تجاه محاولة المتوكل للنيل من الإمامعليه‌السلام عن طريق أخيه، حيث أغراه بعض جلسائه بدعوة موسى إليه لإشاعة أن ابن الرضا يجلس إلى المتوكل وينادمه الشرب واللهو، غير أن الإمامعليه‌السلام قد خرج فيمن خرج لاستقبال أخيه وحذّره عاقبة ما يقصده المتوكل ومن ثم أنبأه أنه لا يجتمع والمتوكل في مجلس، وكان كما قال الإمامعليه‌السلام حتى قتل المتوكل.(١)

رعاية الإمام الهاديعليه‌السلام لشيعته وقضاء حوائجهم

كتب الإمام الهاديعليه‌السلام كتاباً حذّر فيه محمد بن الفرج الرُخجي جاء فيه:

«يامحمد! اجمع أمرك وخذ حذرك» ، فلم يفهم ما أراده الإمام بكلامه هذا حيث قال محمد: فأنا في جمع أمري لست أدري ما الذي أراد ـ أي الإمام ـ بما كتب حتى ورد رسول حملني من وطني مصفّداً بالحديد، وضرب على كل ما أملك وكنت في السجن ثماني سنين.

ونجد أن رعاية الإمامعليه‌السلام لم تنقطع عن محمد هذا حتى كتب إليه وهو

ــــــــــــ

(١) أصول الكافي: ١/٥٠٢ ح ٨ وفي ط: ٢/٩ وعنه في الإرشاد: ٢/٣٠٧ وفي إعلام الورى: ٢/١٢١ ـ ١٢٢ وعن الإرشاد في كشف الغمة: ٣/١٧١.

٤٨

في السجن مبشّراً له بالخروج من السجن ثم أوصاه:يا محمد لا تنزل في ناحية الجانب الغربي .

وقال محمد: فقرأت الكتاب وقلت في نفسي: يكتب إلي أبو الحسن بهذا وأنا في السجن إنّ هذا لعجب، فما لبثت إلاّ أيّاماً يسيرة حتى فرّج عني وحلّت قيودي وخلي سبيلي(١) .

ومن ذلك أيضاً ما حدث بأحد أصحابه المتضررين من الحكم العباسي، حيث يقول قصدتُ الإمام يوماً فقلت: إن المتوكل قطع رزقي، وما أتّهم في ذلك إلاّ علمه بملازمتي لك، فينبغي أن تتفضّل عليّ بمساءلته.

فقال الإمامعليه‌السلام له:تُكفى إن شاء الله .

قال: فلما كان الليل طرقني رسل المتوكل رسول يتلو رسولاً، فجئت فوجدته في فراشه.

فقال: يا أبا موسى يشتغل شغلي عنك وتنسينا نفسك. أيّ شيء لك عندي به ؟ فقلت: الصلة الفلانيّة، وذكرت أشياء، فأمر لي بها وبضعفها، فقلت للفتح: وافى علي بن محمد إلى هاهنا ؟ وكتب رقعة ؟ قال: لا. قال فدخلت على الإمام فقال لي:ياأبا موسى هذا وجه الرضا . فقلت ببركتك ياسيدي، ولكن قالوا: إنك ما مضيت إليه ولا سألت ـ أي المتوكل ـ فأجابه الإمامعليه‌السلام مصححاً له رؤيته وتفكيره محاولاً أن يرتفع به إلى الانشداد بالله الواحد القادر سبحانه، بقوله:إن الله تعالى علم منّا أنّا لا نلجأ في المهمات إلاّ إليه، ولا نتوكل في الملمات إلاّ عليه وعوّدنا ـ إذا سألناه ـ الإجابة، ونخاف أن نعدل فيعدل بنا (٢) .

ــــــــــــ

(١) أصول الكافي: ١/٥٠٠ ح ٥ وعنه في الإرشاد: ٢/٣٠٦ وإعلام الورى: ٢/١١٥ وعن الإرشاد في كشف الغمة: ١٧٠.

(٢) أمالي الطوسي: ٢٨٥ ح ٥٥٥ وعنه في مناقب آل أبي طالب: ٤/٤٢٢.

٤٩

فكان الإمامعليه‌السلام على اطلاع دائم على الوضع والظروف التي كان يعيشها أصحابه وشيعته وهو يعمل جادّاً من أجل تخفيف وطأة ذلك عنهم لما يعلمه من سوء ظروفهم الاقتصادية والسياسية، وما تقوم به السلطة العباسية من التضييق وخلق ظروف يصعب عليهم التحرك أو العمل فيها فضلاً عن محاربتهم اقتصادياً وسياسياً وربّما كان يتوخى الإمامعليه‌السلام من ذلك أموراً مثل:

١ ـ تقوية صلتهم وتوجههم للارتباط بالله سبحانه وحده.

٢ ـ قضاء حوائجهم الخاصة.

٣ ـ إعادة الثقة بأنفسهم لمداومة نصرة الحق وخذلان الباطل.

٤ ـ تقوية صلتهم به والأخذ عنه وعن الثقات الذين يشير الإمام إليهم للتعامل معهم.

الإمام الهاديعليه‌السلام والغلاة

ظهر في عصر الإمامعليه‌السلام أشخاص وبرزت مجموعات تدعو إلى آراء وتوجهات خاصة بهم تحاول خداع السذّج من الناس لصرفهم عن قيادة الإمامعليه‌السلام وتشكيكهم في معتقداتهم لغرض تفتيت الحركة الشيعية وتحجيم دورها.

ولا يبعد أن تكون السلطة من وراء بعضها بواسطة أيادي كان يهمّها أن تضعف حركة الإمامعليه‌السلام وتضيق دائرة تأثيره فيما تبتدعه من أفكار هدّامة منافية للإسلام.

ومن هؤلاء الغلاة والمنحرفين علي بن حسكة والقاسم اليقطيني. ولما سئل الإمامعليه‌السلام من قبل أصحابه عن معتقدات(علي بن حسكة) قال

٥٠

الإمامعليه‌السلام عنها:«ليس هذا ديننا فاعتزله» (١) .

وعن محمد بن عيسى ـ أحد أصحاب الإمامعليه‌السلام ـ قال: كتب إلي أبو الحسن العسكري ابتداء منه:لعن الله القاسم اليقطيني ولعن الله علي بن حسكة القمي، انّ شيطاناً يتراءى للقاسم فيوحي إليه زخرف القول غروراً (٢) .

إلى غيرها من المواقف الكثيرة للإمامعليه‌السلام بهذا الخصوص لبيان وجه الحق وإثباتاً للعقيدة الحقة وتجنيباً لأصحابه وشيعته من الانحراف والزيغ.

الإمام الهاديعليه‌السلام والثورات في عصره

إن الظروف الاقتصادية والاجتماعية السيئة وظروف القهر والاستبداد السياسي التي عانت منها الأمة إبّان عصر الدولة العباسية الثاني حفّزت كثيراً من معارضي الدولة على الخروج المسلّح عليها فحدثت عدّة انتفاضات وثورات في أمصار الدولة كما كانت هناك حركات انفصالية قامت نتيجة لها دول وإمارات في أمصار مختلفة.

ولا ندعي شرعية جل هذه الحركات مع صعوبة معرفة موقف الإمامعليه‌السلام منها للحيطة والسرية التي كانت سمة تعامل الإمام وشيعته مع الأحداث إذ كانت وصاياه وتعليماته إلى خاصته وشيعته تتّسم بأعلى درجات السرية، وكانت تلك الثورات والانتفاضات على نوعين:

١ ـ الحركات والثورات التي تدعو إلى الرضا من آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٢ ـ حركات معارضة لأسباب ودوافع متعددة منها الظلم والتعسّف السلطوي لحكام بني العباس وجور الولاة والأمراء وقوّاد الجند الأتراك ; لما امتازت به هذه الحقبة الزمنية من بروز دور واسع للأتراك في إدارة السلطة.

ــــــــــــ

(١) رجال الكشي: ٥١٦ ح ٩٩٤ و ٩٩٥.

(٢) رجال الكشي: ٥١٨ ح ٩٩٦.

٥١

الإمام الهاديعليه‌السلام وأساليب مواجهة السلطة

إن إبعاد الإمام الهاديعليه‌السلام عن المدينة وإقامته قريباً من مركز الخلافة في سامراء ما كان إلاّ لتحصى عليه حركاته وسكناته ومن ثم إبعاده عن شيعته وأهل بيته ومحبّيه كمحاولة من السلطة العباسية لإضعاف نشاط الإمام وتحجيم دوره وبالتالي إخضاعه لرقابة مشددة للتعرف على مدى تحرّكه أوّلاً ثم التعرف على شيعته وأصحابه ثانياً واتخاذ الإجراءات الكفيلة بإفشال تحرّكهم ومنع تأثير الإمام ومنع انتشار فكر الإمامعليه‌السلام بين أبناء الأمة الإسلامية التي عرفت الإمام الرضا ومدرسته وأبناءه الذين كانوا يشكّلون الجبهة الأساسية المعارضة للحكم القائم ثالثاً.

إذا ثبات الحكم العباسي كان يتوقّف على شل أيّ تحرّك ضده، من هنا نجد أنّ تعليمات الإمام وتوجيهاته لشيعته وأصحابه كانت تمتاز بالدقة والعمق لشدة وحراجة الظرف الذي كانوا يعيشونه.

وتبرز لنا صعوبة الظرف الذي كان يحيط بالإمامعليه‌السلام وشيعته من قبل السلطة العباسية الغاشمة من خلال نوع التعليمات التي كان يراعيها الإمام وشيعته وهي:

١ ـ اتخاذ أماكن سريّة للقاءات، فعن إسحاق الجلاب قال: دعاني الإمامعليه‌السلام فأدخلني من اصطبل داره إلى موضع واسع لا أعرفه(١) .

٢ ـ الحذر من كتابة المعلومات وما يصدر عن الإمامعليه‌السلام ، فعن داود الصرمي: أمرني سيدي ـ الإمام الهادي ـ بحوائج كثيرة فقالعليه‌السلام «قل: كيف تقول ؟ فلم أحفظ ما قال لي، فمر الدواة وكتب:

ــــــــــــ

(١) أصول الكافي: ١ / ٤٩٨ ـ ٤٩٩ ح ٣.

٥٢

بسم الله الرحمن الرحيم، أذكره إن شاء الله والأمر بيده ».

٣ ـ استعمال الأسماء السرية(١) .

٤ ـ استعمال القوة ضد العناصر التي كانت تشكّل خطراً.

٥ ـ الاعتماد على العناصر ذات الالتزام والإيمان والمخلصة في نقل الأخبار والرسائل(٢) .

هذا فضلاً عن أساليب أخرى لإيصال المعلومات أو اتّخاذ المواقف إزاء الأحداث العامة أو غيرها عن طريق طرح الأفكار في مجالس عامّة أو خاصّة أو عن طريق الأدعية والزيارات للأئمةعليهم‌السلام كما في الزيارة الجامعة الّتي تضمنت معاني سامية وأفكار عقائدية مهمّة.

لقد عاصر الإمام العسكريعليه‌السلام هذه الأحداث بكل تفاصيلها وشاهد كل ما ألَمَّ بأبيهعليه‌السلام وشيعته من إجراءات قمعية من قبل السلطة وما عانته الأمة منهم طيلة عقدين من الزمن.

٤ ـ زواج الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام

روي عن بشر بن سليمان النخاس ـ وهو من ولد أبي أيوب الأنصاري ـ أحد موالي أبي الحسن الهادي وأبي محمد العسكريعليهما‌السلام أنّه قال: «أتاني كافور الخادم ـ خادم الإمام الهادي ـ فقال: مولانا أبو الحسن علي الهاديعليه‌السلام يدعوك إليه فأتيته فلما جلست بين يديه قال لي:يا بشر إنك من ولد الأنصار وهذه الموالاة لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، فأنتم ثقاتنا أهل البيت، وإني مزكيك ومشرفك بفضيلة تسبق بها الشيعة في الموالاة بها، بسرّ أطلعك عليه، وأنفذك في ابتياع أمة .

ــــــــــــ

(١) يُراجع تاريخ الكوفة: ٣٩٣، ومنهاج التحرك عند الإمام الهادي: ٨٧ ـ ٩٣.

(٢) دلائل الإمامة: ٢١٩.

٥٣

فكتب كتاباً لطيفاً بخط رومي ولغة رومية وطبع عليه خاتمه وأخرج شقيقة صفراء فيها مئتان وعشرون ديناراً، فقال:خذها وتوجه إلى بغداد واحضر معبر الفرات ضحوة يوم كذا، فإذا وصلت إلى جانبك زواريق السبايا وترى الجواري فيها ستجد طوائف المبتاعين من وكلاء قواد بني العبّاس وشرذمة من فتيان العرب، فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد على المسمّى عمر بن يزيد النخّاس عامة نهارك إلى أن تبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا، لابسة حريرين صفيقين تمتنع من العرض ولمس المعترض والانقياد لمن يحاول لمسها، وتسمع صرخة رومية من وراء ستر رقيق،(فاعلم) أنّها تقول: واهتك ستراه، فيقول بعض المبتاعين: عليّ ثلاثمئة دينار فقد زادني العفاف فيها رغبة، فتقول له بالعربية: ولو برزت في زيّ سليمان بن داود وعلى شبه ملكه ما بدت لي فيك رغبة فأشفق على مالك، فيقول النخّاس: فما الحيلة؟ ولا بد من بيعك، فتقول الجارية: وما العجلة؟ ولا بد من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه وإلى وفائه وأمانته، فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخّاس وقل له: أنّ معك كتاباً ملصقاً لبعض الأشراف كتبه بلغة رومية وخطّ رومي، ووصف فيه كرمه ووفاءه ونبله وسخاءه، فناولها لتتأمل منه أخلاق صاحبه فإن مالت إليه ورضيتهُ، فأنا وكيله في ابتياعها منك .

قال بشر بن سليمان: فامتثلت جميع ما حدّه لي مولاي أبو الحسنعليه‌السلام في أمر الجارية (فلما نَظَرَتْ) في الكتاب بكتْ بكاءً شديداً وقالت لعمر بن يزيد بِعني لصاحب هذا الكتاب، وحلفت بالمحرجة والمغلظة أنه متى امتنع من بيعها منه قتلتْ نفسها، فما زلت أُشاحّه في ثمنها حتّى استقرّ الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولايعليه‌السلام من الدنانير، فاستوفاه مني وتسلّمت الجارية ضاحكة مستبشرة، وانصرفت بها إلى الحجيرة التي كنت آوي إليها ببغداد، فما أخذها القرار حتّى أخرجت كتاب مولاناعليه‌السلام من جيبها وهي تلثمه وتطبقه على جفنها وتضعه على خدّها وتمسحه على بدنها، فقلت تعجباً

٥٤

منها: تلثمين كتاباً لا تعرفين صاحبه ؟ فقالت: أيها العاجز الضعيف المعرفة بمحلّ أولاد الأنبياء أعِرني سمعك وفرّغ لي قلبك أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وأمي من ولد الحواريين تنسب إلى وصيّ المسيح شمعون: أُنبِّئُك بالعجب: إنّ جدي قيصر أراد أن يزوّجني من ابن أخيه وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة فجمع في قصره من نسل الحواريين من القسيّسين والرهبان ثلاثمئة رجل، ومن ذوي الأخطار منهم سبعمائة رجل، وجمع من أمراء الأجناد وقوّاد العسكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف، وأبرز من بهيّ ملكه عرشاً مصنوعاً من أصناف الجوهر إلى صحن القصر، ورفعه فوق أربعين مرقاة فلما صعد ابن أخيه وأحدقت الصلب وقامت الأساقفة عكّفاً ونشرت أسفار الإنجيل تسافلت الصلب من الأعلى فلصقت بالأرض وتقوّضت أعمدة العرش فانهارت إلى القرار. وخرّ الصاعد من العرش مغشيًّا عليه فتغيّرت ألوان الأساقفة وارتعدت فرائصهم.

فقال كبيرهم لجدّي: أيّها الملك أعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالّة على زوال دولة هذا الدين المسيحي والمذهب الملكاني فتطيّر جدّي من ذلك تطيّراً شديداً(وقال) للأساقفة أقيموا هذه الأعمدة وارفعوا الصلبان وأحضروا أخا هذا المدبر العاثر المنكوس جدّه لأزوجه هذه الصبيّة فيدفع نحوسه عنكم بسعوده. فلمّا فعلوا ذلك حدث على الثاني مثل ما حدث على الأوّل وتفرّق الناس وقام جدّي قيصر مغتمّاً فدخل منزل النساء واُرخيت الستور واُريتُ في تلك الليلة كأنّ المسيح وشمعون وعدّة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدّي ونصبوا فيه منبراً من نور يُباري السماء علوّاً وارتفاعاً في الموضع الذي كان نصب جدّي فيه عرشه، ودخل عليهم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وختنه ووصيّه وعدّة من أبنائهعليهم‌السلام فتقدّم المسيح إليه فاعتنقه، فيقول له محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا روح الله

٥٥

جئتُك خاطباً من وصيّك شمعون فتاتَه مليكة لابني هذا ـ وأوْمأ بيده إلى أبي محمدعليه‌السلام ابن صاحب هذا الكتاب ـ فنظر المسيح إلى شمعون وقال له: قد أتاك الشرف فَصِل رَحِمَك رَحِمَ آلِ محمّدعليهم‌السلام قال: قد فعلتُ فصعد ذلك المنبر فخطب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وزوّجني من ابنه وشهد المسيحعليه‌السلام ، وشهد أبناء محمّدعليهم‌السلام والحواريون.

فلما استيقظت أشفقْتُ أنْ أقصّ هذه الرؤيا على أبي وجدّي مخافة القتل فكنت أُسِرّها ولا أُبديها لهم وضرب صدري بمحبّة أبي محمّدعليه‌السلام حتى امتنعت من الطعام والشراب فضعُفتْ نفسي ودقّ شخصي، ومرضت مرضاً فما بقي في مدائن الروم طبيب إلاّ أحضره جدّي وسأله عن دوائي فلما برح به اليأس(قال): ياقرّة عيني وهل يخطر ببالك شهوة فازوّدكها في هذه الدنيا ؟ فقلت ياجدّي أرى أبواب الفرج عليّ مغلقة فلو كشفت العذاب عمّن في سجنك من اُسارى المسلمين وفككت عنهم الأغلال وتصدّقت عليهم ومنّيْتهم الخلاص رجوت أن يهب لي المسيح وأمه عافية، فلما فعل ذلك تجلّدت في إظهار الصحة من بدني قليلاً وتناولت يسيراً من الطعام فسُرّ بذلك وأقبل على إكرام الأُسارى وإعزازهم، فأُريتُ بعد أربع عشرة ليلة كأنّ سيدة نساء العالمين فاطمةعليها‌السلام قد زارتني ومعها مريم ابنة عمران وألف من وصائف الجنان، فتقول لي مريم: هذه سيدة نساء العالمين أم زوجك أبي محمدعليه‌السلام ، فأتعلّق بها وأبكي وأشكو إليها امتناع أبي محمّدعليه‌السلام من زيارتي، فقالت سيدة النساءعليها‌السلام إن ابني أبا محمد لا يزورك وأنت مشركة بالله على مذهب النّصارى، وهذه اُختي مريم بنت عمران تبرأ إلى الله تعالى من دينك فإن مِلْت إلى رضاء الله ورضاء المسيح ومريمعليهما‌السلام وزيارة أبي محمد إيّاك فقولي:

أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ أبي محمداً، رسول الله، فلما تكلمت بهذه الكلمة

٥٦

ضمَّتني إلى صدرها سيّدة نساء العالمين وطَيَّبَتْ نفسي وقالت: الآن توقَّعي زيارة أبي محمّد فإني منفذته إليك، فانتبهت وأنا أقول وأتوقّع لقاء أبي محمدعليه‌السلام ، فلمّا كان في الليلة القابلة رأيت أبا محمدعليه‌السلام وكأنّي أقول له: جفوتني ياحبيبي بعد أن أتْلَفَتْ نفسي معالجة حبك. فقال: ما كان تأخّري عنك إلاّ لشركك ، فقد أسلمت وأنا زائرك في كل ليلة إلى أن يجمع الله تعالى شملنا في العيان، فما قطع عني زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية.

(قال بشر) فقلت لها: وكيف وقعت في الأُسارى ؟ فقالت: أخبرني أبو محمّدعليه‌السلام ليلة من الليالي أنّ جدكِ سيسيّر جيشاً إلى قتال المسلمين يوم كذا وكذا، ثمّ يتّبعهم فعليك باللّحاق بهم مُتَنَكِّرة في زيّ الخدم مع عدّة من الوصائف من طريق كذا. ففعلت ذلك فوقعت علينا طلايع المسلمين حتّى كان من أمري ما رأيت وشاهدت وما شعر بأني ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية أحد سواك، وذلك باطلاعي إياك عليه، ولقد سألني الشيخ الذي وقعتُ إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فقلت: نرجس، فقال: اسم الجواري.

قلت: العجب إنّك روميّة ولسانك عربيّ، قالت: نعم من ولوع جدّي وحمله إيّاي على تعلّم الآداب أنْ أوعَز إلى امرأة ترجمانة لي في الاختلاف إليّ وكانت تقصدني صباحاً ومساءاً وتفيدني العربية حتى استمرّ لساني عليها واستقام.

(قال بشر): فلما انكفأت بها إلى سرّ من رأى دخلت على مولاي أبي الحسنعليه‌السلام فقال:كيف أراكِ اللهُ عزّ الإسلام، وذلّ النصرانيّة، وشرف محمّد وأهل بيته عليهم‌السلام ؟ قالت: كيف أصف لك يابن رسول الله ما أنت أعلم به منّي. قال:فإني أحببت أن أكرمك، فما أحب إليك عشرة آلاف دينار أم بشرى لك بشرف الأبد ؟

قالت بشرى بولد لي: قال لها:أبشري بولد يملك الدّنيا شرقاً وغرباً ويملأ

٥٧

الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً .

قالت: ممّن ؟ قال:ممّن خطبك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له ليلة كذا في شهر كذا من سنة كذا بالرومية .

قالت: من المسيح ووصيه ؟ قال لها:ممّن زوجك المسيح عليه‌السلام ووصيه ؟ قالت: من ابنك أبي محمدعليه‌السلام ؟ فقال:هل تعرفينه ؟ قالت: وهل خلت ليلة لم يرني فيها منذ الليلة التي أسلمت على يد سيّدة النساء صلوات الله عليها ؟ قال: فقال مولانا:يا كافور ادع أختي حكيمة، فلمّا دخلتْ قال لها: هاهية . فاعتنقتها طويلاً وسرّت بها كثيراً، فقال لها أبو الحسنعليه‌السلام :يا بنت رسول الله خذيها إلى منزلك وعلّميها الفرائض والسنن فإنّها زوجة أبي محمد وأم القائم (١) .

وروى الصدوق بسنده عن محمد بن عبد الله الطهري أنه قال: قصدت حكيمة بنت محمدعليه‌السلام بعد مضي أبي محمّدعليه‌السلام أسألها عن الحجة وما قد اختلف في الناس من الحيرة التي هم فيها، فقالت لي: اجلس فجلست ثم قالت: يا محمّد إن الله تبارك وتعالى لا يخلي الأرض من حجة ناطقة أو صامتة، ولم يجعلها في أخوين بعد الحسن والحسينعليهما‌السلام . تفضيلاً للحسن والحسين وتنزيهاً لهما أن يكون في الأرض عديلهما إلاّ أن الله تبارك وتعالى خصّ ولد الحسين بالفضل على ولد الحسنعليه‌السلام كما خصّ ولد هارون على ولد موسىعليه‌السلام وإن كان موسى حجة على هارون والفضل لولده إلى يوم القيامة. ولا بد للأمة من حيرة يرتاب فيها المبطلون ويخلص فيها المحقّون كيلا يكون للخلق على الله حجة، إن الحيرة لا بدّ واقعة بعد مضيّ أبي محمد الحسنعليه‌السلام .

ــــــــــــ

(١) الغيبة، للطوسي: ١٢٤ ـ ١٢٨.

٥٨

فقلت: يا مولاتي هل كان للحسنعليه‌السلام ولد ؟ فتبسّمت ثم قالت: إذا لم يكن للحسنعليه‌السلام عقب فمن الحجة من بعده ؟ وقد أخبرتك أنه لا إمامة لأخوين بعد الحسن والحسينعليهما‌السلام .

فقلت: يا سيدتي حدّثيني بولادة مولاي وغيبتهعليه‌السلام . وفي هذا النصّ تشير حكيمة إلى أن نرجس قد كانت جارية لها، وأنّ الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام في زمن حياة أبيه الهاديعليه‌السلام يصرّح لعمّته بأنّ الله سيخرج منها ولداً كريماً على الله عزّ وجلّ فيملأ به الأرض قسطاً وعدلاً بعدما تملأ ظلماً وجوراً.

وهنا تبادر حكيمة فتستأذن الإمام الهاديعليه‌السلام لتهب هذه الجارية إلى ابنه الحسن العسكريعليه‌السلام .

وهنا تقول حكيمة: فلبست ثيابي وأتيت منزل أبي الحسنعليه‌السلام وجلست. فبدأنيعليه‌السلام وقال:يا حكيمة إبعثي نرجس إلى ابني أبي محمد . قالت: فقلت: يا سيدي على هذا قصدتك على أن استأذنك في ذلك. فقال لي:يا مباركة إن الله تبارك وتعالى أحبّ أن يشركك في الأجر ويجعل لك في الخير نصيباً .

قالت حكيمة: فلم ألبث أن رجعت إلى منزلي وزيّنتها ووهبتها لأبي محمدعليه‌السلام وجمعت بينه وبينها في منزلي فأقام عندي أيّاماً ثم مضى إلى والدهعليه‌السلام ووجّهت بها معه(١) .

والمشتركات بين الخبرين أمور عديدة ولا مانع من أن تكون هذه الرواية قد أهملت كثيراً من التفاصيل التي جاءت في الرواية الأولى.

وهناك روايات أخرى كلها تصرّح بوجود دور مهم لحكيمة عمّة الإمام الحسنعليه‌السلام في ولادة الإمام المهدي المنتظرعليه‌السلام .

ــــــــــــ

(١) كمال الدين: ٢ / ٤٢٦، وعنه في بحار الأنوار: ٥١ / ١١.

٥٩

٥ ـ علاقة الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام بأخيه محمد

كان للإمام علي الهاديعليه‌السلام من الذكور أربعة وبنت واحدة، والذكور هم:

١ ـ السيد محمد وكنيته أبو جعفر.

٢ ـ الإمام الحسن العسكري.

٣ ـ جعفر(المعروف بالتوّاب أو الكذّاب).

٤ ـ الحسين.

والسيد محمد هو أكبر أولاد أبيه، وكان سيداً جليلاً ومجمعاً للكمالات(١) وكانت الشيعة تتصوّر أنه الإمام بعد ابيه، لما كان يتميّز به من ذكاء وخلق رفيع وسعة علم وسمو آداب.

وتحدّث العارف الكلاني عن وقاره ومعالي أخلاقه قائلاً: صحبت أبا جعفر محمد بن علي الرضا وهو حدث السن فما رأيت أوقر ولا أزكى ولا أجلّ منه... وكان ملازماً لأخيه أبي محمدعليه‌السلام لا يفارقه.(٢)

«ولما خرج الإمام الهاديعليه‌السلام من المدينة إلى سامرّاء ترك ابنه السيد محمد في المدينة المنوّرة وهو طفل، وبعد سنوات التحق بأبيه ومكث عنده مدّة، ثمّ أراد الرجوع إلى المدينة وفي الطريق وصل إلى مدينة بلد فمرض هناك وفارق الحياة في سنة(٢٥٢هـ). وعمره قد تجاوز العشرين سنة(٣) .

ــــــــــــ

(١) الإمام الهادي من المهد إلى اللحد: ١٣٦ ـ ١٣٧.

(٢) حياة الإمام الحسن العسكري: ٢٤ ـ ٢٥ عن المجدي في النسب(مخطوط).

(٣) الإمام الهادي من المهد إلى اللحد: ١٣٧.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597

598

599

600

601

602

603

604

605

606

607