بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ١

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 607

  • البداية
  • السابق
  • 607 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 29806 / تحميل: 8552
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 1

مؤلف:
العربية

« ريب » أي : صرف .

« المنون » قال الفرّاء : تكون المنون واحدة و جمعا ١ ، و الأصل في المنون الضعف ، و يقال لكلّ من الدّهر و المنيّة : المنون لأنّهما يضعفان و يقطعان المدد و ينقصان العدد ، قال الأعشي :

أ أن رأت رجلا أعشى أضرّ به

ريب المنون و دهر متبل خبل

٢ و قال آخر :

كأن لم يغن يوما في رخاءإذا ما المرء منّته المنون

٣ ( فريب المنون ) في الأوّل بمعنى حوادث الدّهر ، و ( منّته المنون ) في الثاني بمعنى قطعته المنيّة ، و مراده عليه السّلام أنّهم ليسوا كالبشر الّذين يتشعّبهم حوادث الدّهر ، و اخترام المنايا .

و ممّن تشعّبهم ريب المنون حتّى ضرب بهم المثل ولد سبأ ، فقالوا تشبيها بهم : تفرقوا أيادي سبأ .

و قالوا : نزل حسّان بن عمرو الحميريّ جبلا باليمن يقال له : شعب . ثمّ تشعب ولده ، فمن كان منهم بالكوفة يقال لهم : شعبيون و منهم الشعبي المعروف و من صار منهم إلى الشام يقال لهم : الشعبانيون ، و من صار منهم إلى اليمن يقال لهم : آل ذي شعبين ، و من صار منهم بالمغرب و مصر يقال لهم : الأشعوب ٤ .

« و إنّهم على مكانهم منك » بالقرب المعنوي .

« و منزلتهم عندك » بالدّرجة الرفيعة .

ــــــــــــــــ

( ١ ) لسان العرب ١٣ : ٤١٦ مادة ( منن ) .

( ٢ ) لسان العرب ١٣ : ٤١٦ مادة ( منن ) .

( ٣ ) اساس البلاغة : ٤٣٨ مادة ( منن ) .

( ٤ ) معجم البلدان للحموي ٣ : ٣٤٧ .

٥٨١

« و استجماع أهوائهم فيك » و في عبادتك و طاعتك ، و ليسوا كالبشر الّذين زيّن لهم حبّ الشهوات من النساء و البنين و القناطير المقنطرة من الذّهب و الفضّة و الخيل المسوّمة و الأنعام و الحرث ١ .

« و كثرة طاعتهم لك » حتّى لم يكن لهم شغل غير عبادته .

« و قلّة غفلتهم عن أمرك » لا يسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون ٢ .

« لو عاينوا كنه ما خفي عليهم منك » و كيف لا يخفى عليهم ، و هو الّذي لو كان البحر مدادا لكلماته لنفد البحر قبل أن تنفد كلماته و لو جي‏ء بمثله مددا .

« لحقّروا أعمالهم » في جنب عظمته .

« و لزروا » : أي عتبوا و عابوا ، قال :

نبّئت نعما على الهجران زارية

سقيا و رعيا لذاك العاتب الزاري

٣ و أيضا :

و إنّي على ليلى لزار و إنّني

على ذاك في ما بيننا مستديمها

٤ « على أنفسهم » في تقصيرهم في حقّك .

« و لعرفوا أنّهم لم يعبدوك حقّ عبادتك ، و لم يطيعوك حقّ طاعتك » كما لم يعرفوه حقّ معرفته ، و كذلك الأنبياء و الأوصياء كانوا معترفين بذلك .

ــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ١٤ .

( ٢ ) الأنبياء : ٢٧ .

( ٣ ) أساس البلاغة : ١٩١ مادة ( زري ) .

( ٤ ) لسان العرب ١٤ : ٣٥٦ مادة ( زري ) .


٥٨٢
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الأوّل الشيخ محمّد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

الفصل الرابع في خلق آدم عليه السّلام

٥٨٣

٥٨٤

١

من الخطبة ( ١ ) صفة خلق آدم عليه السّلام :

ثُمَّ جَمَعَ سُبْحَانَهُ مِنْ حَزْنِ اَلْأَرْضِ وَ سَهْلِهَا وَ عَذْبِهَا وَ سَبَخِهَا تُرْبَةً سَنَّهَا بِالْمَاءِ حَتَّى خَلَصَتْ وَ لاَطَهَا بِالْبَلَّةِ حَتَّى لَزَبَتْ فَجَبَلَ مِنْهَا صُورَةً ذَاتَ أَحْنَاءٍ وَ وُصُولٍ وَ أَعْضَاءٍ وَ فُصُولٍ أَجْمَدَهَا حَتَّى اِسْتَمْسَكَتْ وَ أَصْلَدَهَا حَتَّى صَلْصَلَتْ لِوَقْتٍ مَعْدُودٍ وَ أَمَدٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ نَفَخَ فِيهَا مِنْ رُوحِهِ فَمَثُلَتْ إِنْسَاناً ذَا أَذْهَانٍ يُجِيلُهَا وَ فِكَرٍ يَتَصَرَّفُ بِهَا وَ جَوَارِحَ يَخْتَدِمُهَا وَ أَدَوَاتٍ يُقَلِّبُهَا وَ مَعْرِفَةٍ يَفْرُقُ بِهَا بَيْنَ اَلْحَقِّ وَ اَلْبَاطِلِ وَ اَلْأَذْوَاقِ وَ اَلْمَشَامِّ وَ اَلْأَلْوَانِ وَ اَلْأَجْنَاسِ مَعْجُوناً بِطِينَةِ اَلْأَلْوَانِ اَلْمُخْتَلِفَةِ وَ اَلْأَشْبَاهِ اَلْمُؤْتَلِفَةِ وَ اَلْأَضْدَادِ اَلْمُتَعَادِيَةِ وَ اَلْأَخْلاَطِ اَلْمُتَبَايِنَةِ مِنَ اَلْحَرِّ وَ اَلْبَرْدِ وَ اَلْبَلَّةِ وَ اَلْجُمُودِ وَ اِسْتَأْدَى اَللَّهُ سُبْحَانَهُ اَلْمَلاَئِكَةَ وَدِيعَتَهُ لَدَيْهِمْ وَ عَهْدَ وَصِيَّتِهِ إِلَيْهِمْ

٥٨٥

فِي اَلْإِذْعَانِ بِالسُّجُودِ لَهُ وَ اَلْخُنُوعِ لِتَكْرِمَتِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ اُسْجُدُوا ؟ لِآدَمَ ؟ فَسَجَدُوا إِلاَّ ؟ إِبْلِيسَ ؟ ٥ ٩ ٢ : ٣٤ اِعْتَرَتْهُ اَلْحَمِيَّةُ وَ غَلَبَتْ عَلَيْهِ اَلشِّقْوَةُ وَ تَعَزَّزَ بِخِلْقَةِ اَلنَّارِ وَ اِسْتَهْوَنَ خَلْقَ اَلصَّلْصَالِ فَأَعْطَاهُ اَللَّهُ اَلنَّظِرَةَ اِسْتِحْقَاقاً لِلسُّخْطَةِ وَ اِسْتِتْمَاماً لِلْبَلِيَّةِ وَ إِنْجَازاً لِلْعِدَةِ فَقَالَ فَإِنَّكَ مِنَ اَلْمُنْظَرِينَ إِلى‏ يَوْمِ اَلْوَقْتِ اَلْمَعْلُومِ ٢ ٨ ١٥ : ٣٧ ٣٨

[ ٤٣ ]

ثُمَّ أَسْكَنَ سُبْحَانَهُ ؟ آدَمَ ؟ دَاراً أَرْغَدَ فِيهَا عِيشَتَهُ وَ آمَنَ فِيهَا مَحَلَّتَهُ وَ حَذَّرَهُ ؟ إِبْلِيسَ ؟ وَ عَدَاوَتَهُ فَاغْتَرَّهُ عَدُوُّهُ نَفَاسَةً عَلَيْهِ بِدَارِ اَلْمُقَامِ وَ مُرَافَقَةِ اَلْأَبْرَارِ فَبَاعَ اَلْيَقِينَ بِشَكِّهِ وَ اَلْعَزِيمَةَ بِوَهْنِهِ وَ اِسْتَبْدَلَ بِالْجَذَلِ وَجَلاً وَ بِالاِغْتِرَارِ نَدَماً ثُمَّ بَسَطَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُ فِي تَوْبَتِهِ وَ لَقَّاهُ كَلِمَةَ رَحْمَتِهِ وَ وَعَدَهُ اَلْمَرَدَّ إِلَى جَنَّتِهِ وَ أَهْبَطَهُ إِلَى دَارِ اَلْبَلِيَّةِ وَ تَنَاسُلِ اَلذُّرِّيَّةِ قول المصنّف : « صفة خلق آدم » هكذا في ( المصرية ) ، و لكن في ( ابن ميثم ) : « منها في خلق آدم » ٣ ، و في ( ابن أبي الحديد ) : « منها في صفة آدم » ٤ ،

و كيف كان ، ففي ( إثبات المسعودي ) : روي أنّ آدم سمّي آدم لأنّه خلق من أديم الأرض ٥ .

و آدم يأتي اسما و وصفا ، و الاسمي جمعه ( أوادم ) ، و الوصفي يأتي

ــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ٣٤ .

( ٢ ) الحجر : ٣٧ ٣٨ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ١ : ١٧٠ .

( ٤ ) في شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣١ « منها في صفة خلق آدم » أيضا .

( ٥ ) إثبات الوصية للمسعودي : ١٠٠ ، و مروج الذهب ١ : ٤٠ ، و هذا الوجه في التسمية مروي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و عن علي و الباقر و الصادق عليهم السّلام و عن ابن عباس و سعيد بن جبير ، و جمع بعض طرقه السيوطي في الدرّ المنثور ١ : ٤٩ ، و المجلسي في بحار الأنوار ١١ : ١٠٠ ١١٣.

٥٨٦

وصفان للإنسان و البعير ، و كلّ منهما بمعنى ، و له جمع يقال : رجل آدم ، أي :

أسمر ، و جمعه : أدمان ، و يقال : بعير آدم ، أي : شديد البياض ، و يقال : هو البعير الأبيض ، الأسود المقلتين ، و جمعه أدم بضمتين .

قال الشاعر :

فإنّ أهجه يضجر كما ضجر بازل

من الأدم دبرت صفحتاه و غاربه

١ و أصل آدم : أأدم بهمزتين .

و قوله عليه السّلام : « ثمّ جمع سبحانه من حزن الأرض » أي : خشنها .

« و سهلها » أي : ما ليس فيه خشونة .

« و عذبها » أي : ما ليس فيه ملوحة .

« و سبخها » أي : الأرض التي تعلوها الملوحة ، و لا تنبت الزّرع .

« تربة » الواحدة من ترب لغة في تراب .

« سنّها » أي أنتنها من قوله تعالى : . . . من حمأ مسنون ٢ ، قال المسعودي في ( إثباته ) : خلق اللّه آدم من عذب الأرض و مالحها ، و مرّها و . . . ٣ .

و قال ابن أبي الحديد : سنّها ، أي ملّسها من قولهم : مرمر مسنون ٤ .

و قال الخوئي تبعا للمجلسيّ : سنّها من سننت الماء على الأرض :

صببته ٥ .

قلت : و هما كما ترى ، فلا معنى لتمليس التّربة بالماء ، كما لا معنى لصبّ التربة بالماء .

ــــــــــــــــ

( ١ ) لسان العرب ١٢ : ١٢ مادة ( أدم ) و الشاعر : الأخطل .

( ٢ ) الحجر : ٢٦ .

( ٣ ) إثبات الوصية للمسعودي : ١٠ ضمن حديث طويل .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٢ .

( ٥ ) شرح نهج البلاغة للخوئي ١ : ١٤٨ ، و بحار الأنوار للمجلسي ١١ : ١٢٣ .

٥٨٧

« بالماء حتّى خلصت » في سننها .

« و لاطها » من لطت الحوض بالطين ، أي : ملطته به ، و طيّنته ، و قال الخوئي :

من لاط الشي‏ء بالشّي‏ء لوطا : لصق ١ .

قلت : ذاك لازم ، و هذا متعدّ .

« بالبلّة » أي : الرطوبة .

« حتّى لزبت » أي : لزقت ، و لصقت ، قال تعالى : . . . إنّا خلقناهم من طين لازب ٢ .

« فجبل منها صورة » قال ابن أبي الحديد : قال الراوندي : أي خلق خلقا عظيما . و اعترض عليه بأنّ جبل بمعنى خلق سواء كان عظيما أو غير عظيم ٣ .

قلت : إنّ جبل و ذرأ و أنشأ كلّها بمعنى : خلق إلاّ أنّ لكلّ منها خصوصية لا يصحّ لها استعمال أحدها في موضع الآخر .

فإنّ ذرأ معناه : خلق متكثر منتشر ، قال تعالى : . . . يذرؤكم فيه . . . ٤ .

و ( أنشأ ) معناه خلق حادث جديد ، قال تعالى : . . . هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض . . . ٥ .

و جبل معناه : خلق غليظ ، قال الجوهري : يقال للرّجل إذا كان غليظا : إنّه لذو جبلة ، و امرأة مجبال ، أي : غليظة الخلق ، و شي‏ء جبل بكسر الباء ، أي : غليظ جاف ٦ . و يقال : أجبل الشّاعر ، إذا صعب عليه القول ، فكأنه بلغ المكان الغليظ ،

ــــــــــــــــ

( ١ ) شرح الخوئي ١ : ١٤٨ .

( ٢ ) الصفات : ١١ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٦ .

( ٤ ) الشورى : ١١ .

( ٥ ) النجم : ٣٢ .

( ٦ ) صحاح اللغة ٤ : ١٦٥١ مادة ( جبل ) .

٥٨٨

و أجبل الحافر ، إذا بلغ المكان الصّلب . و قال الزّمخشري : ناقة جبلة السنام تامته ، رجل جبل الوجه ، و جبل الرأس : غليظهما ، و سيف جبل و مجبال : لم يرقّق ، قال :

صافي الحديدة لا ناب و لا جبل

١ و سألناهم فأجبلوا : إذا لم ينولوا ، قال الكميت :

فبان و أبقى لنا من بنيه

لهاميم سادوا و لم يجبلوا

٢ « ذات أحناء » جمع حنو بالكسر ، أي : الجوانب و النواحي ، قال لبيد :

فقلت ازدجر أحناء طيرك و اعلمن

بأنّك إن قدّمت رجلك عاثر

٣ و قال الكميت :

و آلوا الأمور و أحناءها

فلم يبهلوها و لم يهملوا

٤ « و وصول » قال ابن أبي الحديد : قال الراوندي : الوصول جمع وصل ،

و هو العضو ، و كلّ شي‏ء اتّصل بشي‏ء فما بينهما وصلة . ثمّ اعترض عليه بأنّه ما وجد في لغة أنّ الوصل العضو ، و قال : و قوله « و كلّ شي‏ء . . . » لا معنى لذكره بعد ذلك التفسير ٥ .

قلت : قال الجزريّ في ( نهايته ) و كلامه مأخوذ من أئمّة اللّغة كأبي عبيد و أبي عبيدة و نحوهما في صفة النبي صلّى اللّه عليه و آله : كان فعم الأوصال . أي : ممتلئ الأعضاء . الواحد : وصل ٦ . فتراه صرّح بأنّ الوصل العضو ، أي : المراد منه

ــــــــــــــــ

( ١ ) أساس البلاغة للزمخشري : ٥١ مادة ( جبل ) .

( ٢ ) المصدر نفسه .

( ٣ ) لسان العرب ١٤ : ٢٠٦ و ٢٠٤ مادة ( حنا ) .

( ٤ ) المصدر نفسه .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٦ .

( ٦ ) النهاية لابن الأثير ٥ : ١٩٤ مادة ( وصل ) .

٥٨٩

العضو . و قوله : لا معنى لقوله « و كلّ شي‏ء . . . » بلا معنى ، فكلامه الأوّل معنى الوصل ، و الأخير معنى الوصلة ، و ما قاله لفظ ( الصحاح ) فقال : و كلّ شي‏ء اتّصل بشي‏ء فما بينهما وصلة ، و الجمع : وصل ١ .

« و أعضاء » كاليدين و الرّجلين .

« و فصول » كالمنكب و العضد و المرفق و الذّراع و الكفّ و الأصابع و الأنامل في اليدين و الفخذ و الرّكبة و السّاق و القدم و الأصابع و الأنامل في الرّجلين .

« أجمدها » أي : أبقاها حتّى صارت جامدة .

« حتّى استمسكت » من التّلاشي .

« و أصلدها » من قولهم : حجر صلد ، أي : صلب أملس .

« حتى صلصلت » من قولهم : تصلصل الحلي ، إذا صوّت ، و الأصل في كلامه عليه السّلام : قوله تعالى : . . . من صلصال من حمأ مسنون ٢ .

قال أبو عبيدة : الصّلصال الطّين الحرّ خلط بالرّمل فصار يتصلصل إذا جفّ ، فإذا طبخ في النار فهو الفخار ٣ .

و في خبر : ثمّ جعلها صلصالا كالفخار أربعين سنة ٤ .

« لوقت معدود » عيّنه ( تفسير القمّي ) أربعين سنة ٥ ، و ( مروج

ــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة ٥ : ١٨٤٢ مادة ( وصل ) .

( ٢ ) الحجر : ٢٦ ، ٢٨ ، ٣٣ .

( ٣ ) نقله عنه الجوهري في صحاح اللغة ٥ : ١٧٤٥ مادة ( صلصل ) .

( ٤ ) هذا اللفظ رواه المجلسي في بحار الأنوار ١١ : ١٢١ ، عن سعد السعود لابن طاووس عن نسخة من صحف إدريس عليه السّلام لكن لم توجد هذه الفقرة إلاّ في سعد السعود المطبوع : ٣٣ ، و نقل هذا المعنى المسعودي في مروج الذهب ١ : ٤٠ .

( ٥ ) تفسير القمي ١ : ٤١ .

٥٩٠

المسعودي ) مائة و عشرين سنة ١ .

« و أمد معلوم » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( و أجل معلوم ) كما في ( ابن أبي الحديد و الخطية ) ٢ .

« ثمّ نفخ فيها من روحه » نسب تعالى الرّوح إلى نفسه دلالة على شرف الإنسان ، قال تعالى للملائكة : فإذا سوّيته و نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ٣ ، و قال تعالى : و يسألونك عن الرّوح قل الرّوح من أمر ربّي . . . ٤ .

« فمثلت » تلك التّربة .

« إنسانا ذا أذهان يجيلها » في خبر أبي بصير : قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام : لأي علّة خلق اللّه تعالى آدم من غير أب و أمّ ، و خلق عيسى من غير أب ، و خلق سائر الناس من الآباء و الأمّهات ؟ فقال : ليعلم الناس تمام قدرته و كمالها ٥ .

« و فكّر يتصرّف بها » في الأشياء ، فلا يعمل عملا إلاّ بعد فكر .

« و جوارح يختدمها » أي : يجعلها خادمة له في حوائجه .

« و أدوات » أي : آلات للسّمع و البصر .

« يقلّبها » كيف شاء .

« و معرفة يفرق بها بين الحقّ و الباطل » و هي العقل ، روى ( العيون ) أنّ ابن السّكّيت قال للرضا عليه السّلام بعد سؤاله عن وجه اختلاف معجزات موسى و عيسى و نبيّنا عليهم السّلام : فما الحجّة على الخلق اليوم ؟ فقال عليه السّلام : العقل يعرف به

ــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ١ : ٤١ ، ثم قال : « و قيل أربعون سنة » .

( ٢ ) في شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣١ ، و كذا في شرح ابن ميثم ١ : ١٦٩ « و أمد معلوم » أيضا .

( ٣ ) الحجر : ٢٩ .

( ٤ ) الاسراء : ٨٥ .

( ٥ ) علل الشرائع للصدوق : ١٥ ح ١ .

٥٩١

الصّادق على اللّه فيصدّقه ، و الكاذب على اللّه فيكذّبه . فقال ابن السكّيت : هذا و اللّه الجواب ١ .

« و الأذواق » فيعرف بها الحلو و المرّ و الحامض ، و غيرها .

« و المشامّ » فيعرف بها الرّيح الطيّبة من الخبيثة .

« و الألوان » فيعرف بها الأبيض و الأسود و الأحمر و الأخضر و الأصفر .

« و الأجناس » بالخشونة و اللّينة ، و كأنّه سقط من الكلام ( و الأصوات ) فيبعد أن يذكر عليه السّلام الذائقة و الشّامة و الباصرة و اللاّمسة ، و لا يذكر السّامعة مع كونها أهمّ من الشّامة .

« معجونا » الظاهر كونه حالا من ( إنسانا ) و يحتمل كونه صفة بعد صفة .

« بطينة الألوان المختلفة » روي أنّ عبد اللّه بن سلام سأل النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّ آدم خلق من الطين كلّه أو من طين واحد ؟ قال : بل من الطّين كلّه ، و لو خلق من طين واحد لما عرف النّاس بعضهم بعضا ، و كانوا على صورة واحدة . قال :

فلهم في الدّنيا مثل ؟ قال : التّراب فيه أبيض ، و فيه أخضر ، و فيه أشقر ، و فيه أغبر ، و فيه أحمر ، و فيه أزرق ، و فيه عذب ، و فيه ملح ، و فيه خشن ، و فيه لين ،

و فيه أصهب ، فلذلك صار النّاس فيهم لين ، و فيهم خشن ، و فيهم أبيض ، و فيهم أصفر ، و أحمر ، و أصهب ، و أسود على ألوان التراب ٢ .

و يقال للرّوم : بنو الاصفر ، و للعرب : أسود ، و للعجم : أحمر . فعن ابن الاعرابي : معنى قولهم : آتاني كلّ أسود منهم و أحمر : آتاني جميع الناس عربهم و عجمهم ٣ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) عيون الأخبار للصدوق ٢ : ٧٨ ح ١٢ ، و علل الشرائع : ١٢١ ح ٦ ، و الكافي للكليني ١ : ٢٤ ح ٢٠ في ذيل حديث .

( ٢ ) علل الشرائع للصدوق : ٤٧٠ ح ٣٣ ضمن حديث طويل ، و السائل يزيد بن سلام ، كما في الأصل ، و لعبد اللّه بن سلام حديث آخر .

( ٣ ) لم أجده عن ابن الاعرابي لكن نقله ابن منظور في لسان العرب ٤ : ٢٠٩ مادة ( حمر ) عن أبي عمرو بن العلاء .

٥٩٢

« و الأشباه المؤتلفة ، و الأضداد المتعادية » عن الرضا عليه السّلام الطبائع أربعة ،

فمنهنّ البلغم و هو خصم جدل ، و منهن الدّم و هو عبد زنجي و ربما قتل العبد سيّده ، و منهنّ الريح و هو ملك يدارى ، و منهنّ المرّة ، و هيهات هيهات هي الأرض ارتجّت ارتجّت بما عليها ١ .

« و الأخلاط المتباينة من الحرّ و البرد و البلّة » أي : الرطوبة .

« و الجمود » و زاد ( ابن أبي الحديد و الخطية ) ٢ : « و المساءة و السرور » .

قال النّظام : الدّليل على الصانع أنّا رأينا أشياء متضادّة من شأنها التنافي و التّباين و التفاسد مجموعة ، و هي الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة المجتمعة في كلّ حيوان ، و في أكثر سائر الأجسام ، فعلمنا أنّ جامعها قسرها على الاجتماع ، و لو لا ذلك لتباينت و تفاسدت ، و لو جاز أن تجتمع المتضادّات المتنافرات ، و تتقاوم من غير جامع جمعها لجاز أن يجتمع الماء و النّار و يتقاوما من ذاتهما ، بغير جامع مدبّر مقيم يقيمها ، و هذا محال ٣ .

هذا ، و قال المبرّد : دخلت على الجاحظ في آخر أيّامه و هو عليل ، فقلت له :

كيف أنت ؟ فقال : كيف يكون من نصفه مفلوج و لو نشر بالمناشير لما أحس به ، و نصف الآخر منقرس لو طار الذّباب بقربه لآلمه ٤ .

و قال الجاحظ لمتطبب يشكو إليه علّته : قد اصطلحت الأضداد على جسدي إن أكلت باردا أخذ برجلي ، و إن أكلت حارّا أخذ برأسي ٥ .

« و استأدى اللّه سبحانه الملائكة وديعته لديهم و عهد » بالنّصب عطف

ــــــــــــــــ

( ١ ) عيون الأخبار للصدوق ١ : ٦٦ ح ٨ عن الكاظم ، و ٢ : ٧٨ ح ١١ ، و علل الشرائع : ١٠٦ ح ٢ ، عن الرضا عليه السّلام .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٢ .

( ٣ ) نقله عن النظام الكراجكي في كنز الفوائد : ٨٦ .

( ٤ ) نقله عن المبرد ابن الأنباري في نزهة الألباء : ١٣٤ ، و المرتضى في أماليه ١ : ١٤٢ المجلس ١٣.

( ٥ ) أمالي المرتضى ١ : ١٤٢ المجلس ١٣ .

٥٩٣

على ( وديعته ) .

« وصيّته إليهم » أشار عليه السّلام في قوله : « و استأدى اللّه . . . » إلى قوله تعالى :

و إذ قال ربّك للملائكة إنّي خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون . فإذا سوّيته و نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ١ .

« في الإذعان » أي : الانقياد .

« بالسّجود له » أي : لذاك الإنسان .

« و الخنوع » أي : التذلّل .

« لتكرمته » أي : إكرامه .

« فقال سبحانه » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( فقال تعالى ) كما في ( ابن أبي الحديد و الخطية ) ٢ .

« اسجدوا لآدم » وردت هذه الجملة في ( البقرة ، و الأعراف ، و بني إسرائيل ،

و الكهف ، و طه ) ٣ .

« فسجدوا إلاّ إبليس » وردت هذه الجملة في غير الأولى .

« اعترته الحميّة ، و غلبت عليه الشّقوة ، و تعزّز بخلقة النار ، و استهون خلق الصلصال » هكذا في ( المصرية ) بدون زيادة ، و إفراد الضمير في ( اعترته ) و ما عطف عليه ، و الصواب : ( و قبيله اعترتهم الحمية ، و غلبت عليهم الشّقوة ،

و تعزّزوا بخلقة النار ، و استهونوا خلق الصلصال ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) و ( الراوندي ) ٤ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) الحجر : ٢٨ ٢٩ .

( ٢ ) في شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٢ ، و كذا في شرح ابن ميثم ١ : ١٦٩ « فقال سبحانه » أيضا .

( ٣ ) البقرة : ٣٤ ، و الأعراف : ١١ ، و الإسراء : ٦١ ، و الكهف : ٥٠ و طه : ١١٦ .

( ٤ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٢ ، و شرح ابن ميثم ١ : ١٦٩ أيضا كالمصرية ، و امّا ما نقله الشارح عن الراوندي فمفهوم من بحث لغوي له حول كلمة ( قبيل ) نقله ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ٣٦ .

٥٩٤

و اختلف في إبليس هل كان من الجنّ أو من الملائكة ؟ فأكثر متكلّمي العامّة على الأوّل ، و اختاره المفيد قائلا : إنّ الأخبار به متواترة عنهم عليهم السّلام ،

و إنّه مذهب الإمامية ١ .

و ذهب أكثر فقهاء العامّة إلى الثاني ، و اختاره الشيخ في ( تبيانه ) قائلا :

و هو المرويّ عن الصادق عليه السّلام ٢ .

قلت : و الصواب أن يقال : إنّه كان من الجنّ لقوله تعالى : . . . كان من الجنّ ففسق عن أمر ربّه . . . ٣ ، إلاّ أنّه كان في عداد الملائكة كما يكون في البشر رجل من قبيلة معدودا من قبيلة أخرى ، فقالوا : كان الزّبير و هو من أسد قريش قبل أن ينشأ ابنه عبد اللّه في عداد بني هاشم ٤ .

و يدلّ على كونه في عداد الملائكة قوله تعالى : . . . فسجدوا إلاّ إبليس . . . ٥ في السور المتقدّمة ، و قوله تعالى : فسجد الملائكة كلّهم أجمعون . إلاّ إبليس . . . ٦ في سورة الحجر ، و سورة ( ص ) و قوله عليه السّلام هنا :

و قوله في القاصعة : « ما كان اللّه سبحانه ليدخل الجنّة بشرا بأمر اخرج به منها ملكا » ٧ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) قاله المفيد في أوائل المقالات للمفيد : ١٤٩ .

( ٢ ) التبيان للطوسي ١ : ١٥٠ .

( ٣ ) الكهف : ٥٠ .

( ٤ ) انظر حديث علي عليه السّلام : « ما زال الزبير رجلا منّا أهل البيت حتى نشأ ابنه المشؤوم عبد اللّه » رواه ابن أبي الحديد في شرحه ٤ : ٤٨٠ الحكمة ٤٨٠ عن نهج البلاغة ، و لم يوجد في سائر نسخ النهج ، و أخرجه أيضا الجوهري في السقيفة :

٦٠ ، و عاصم بن حميد في أصله : ٢٣ ، و الصدوق في الخصال : ١٥٧ ح ١٩٩ باب الثلاثة ، و المفيد في الجمل : ٢٠٨ ، و ابن قتيبة في الامامة و السياسة ١ : ١٠ .

( ٥ ) الكهف : ٥٠ .

( ٦ ) الحجر : ٣٠ ٣١ .

( ٧ ) نهج البلاغة ٢ : ١٣٩ الخطبة ١٩٠ .


٥٩٥
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الأوّل الشيخ محمّد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

قال ابن أبي الحديد : قال الرّاوندي في سجود الملائكة لآدم : لمّا علمنا أنّ تقديم المفضول على الفاضل قبيح ، علمنا أنّ آدم كان أفضل من الملائكة في ذلك الوقت و فيما بعده . و اعترض عليه بأنّ لقائل أن يقول : أليس قد سجد يعقوب ليوسف عليهما السّلام أفيدلّ ذلك على أنّ يوسف أفضل من يعقوب ؟ ١ قلت : قال هذا الكلام قبله شيخه الجبائي ٢ ، و لكن لو لم يكن دالاّ على أفضلية آدم على الملائكة لما قال إبليس في جواب قوله تعالى : ما منعك ألاّ تسجد إذ أمرتك . . . ٣ : . . . أنا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين ٤، و كذا في جواب قوله تعالى : . . . ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديّ استكبرت أو كنت من العالين ٥ . . . لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال . . . ٦ .

أو ما سمع هو و شيخه الجبائيّ قوله تعالى حكاية عن إبليس : أرأيتك هذا الذي كرّمت عليّ . . . ٧ و السجود ليوسف لم يعلم أنّه كان بوضع الجبهة ،

فلعلّه من قسم تعظيم الملوك ، مع أنّه أيّ مانع من كون يوسف أفضل من يعقوب ، فامتحن بمحن فوق محن أبيه ، و كان سليمان أفضل من أبيه ، قال تعالى : ففهّمناها سليمان و كلاّ آتينا حكما و علما . . . ٨ .

قال ابن أبي الحديد أيضا : إنّه قال الراوندي في قوله عليه السّلام : « إلاّ إبليس و قبيله » : قبيل إبليس نسله ، قال تعالى : . . . إنّه يراكم هو و قبيله . . . ٩ ، و كلّ

ــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٧ .

( ٢ ) نقله عن الجبائي و غيره الطوسي في التبيان ١ : ١٥٠ ، و هو مشهور عن كثير من المعتزلة .

( ٣ ) الأعراف : ١٢ .

( ٤ ) الأعراف : ١٢ .

( ٥ ) ص : ٧٥ .

( ٦ ) الحجر : ٣٣ .

( ٧ ) الإسراء : ٦٢ .

( ٨ ) الأنبياء : ٧٩ .

( ٩ ) الأعراف : ٢٧ .

٥٩٦

جيل من الإنس و الجنّ قبيل . و اعترض عليه أنّ قوله تعالى لا يدلّ على أنّهم نسله ، و قوله : « و كلّ جيل . . . » ينقض دعواه أنّ قبيله لا يكون إلاّ نسله ١ .

قلت : إنّ ابن أبي الحديد لا يفرّق بين بيان المراد من الكلمة ، و بين بيان مفهومها اللّغوي ، فقول الراوندي : « قبيله : نسله » بيان المراد ، و أخذه من الأخبار . فروي في خبر أنّ الآباء ثلاثة : آدم ولد مؤمنا ، و الجانّ ولد مؤمنا و كافرا ، و إبليس ولد كافرا ، و ليس فيهم نتاج ، إنّما يبيض و يفرخ ، و ولده ذكور ليس فيهم إناث ٢ .

و أمّا ذكره الآية فإنّما لبيان أنّ ( قبيله ) كما ذكر في كلامه عليه السّلام ذكر في القرآن مع أنّ آية . . . أفتتخذونه و ذرّيّته أولياء من دوني و هو لكم عدوّ . . . ٣ تدلّ على أنّ قبيله من نسله و إن لم يذكر ذلك الرّاوندي ، و قوله : « و كلّ جيل . . . » بيان لمعنى مطلق القبيل ، فأيّ تناف له مع كون قبيل إبليس نسله حتّى ينقض دعواه ؟

و يأتي القبيل بمعنى : الكفيل أيضا ، و يأتي بمعنى : القابلة ، قال الشاعر :

كصرخة حبلى أسلمتها قبيلها ٤ .

فهل ذكر معنى ينقض معنى آخر ؟ قال ابن أبي الحديد : إنّه قال الرّاوندي في قوله عليه السّلام : « و تعزّز بخلقة النار » : إنّ القياس الّذي قاسه إبليس كان باطلا ،

لأنّه ادّعى أنّ النار أشرف من الأرض ، و الأمر بالعكس ، لأنّ كلّ ما يدخل إلى النار ينقص ، و كلّ ما يدخل التراب يزيد . و اعترض عليه بأنّ هذا عجيب فإنّا نرى الحيوانات الميتة إذا دفنت في الأرض تنقص أجسامها ، و كذلك الأشجار

ــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٦ .

( ٢ ) الخصال للصدوق : ١٥٢ ح ١٨٦ باب الثلاثة .

( ٣ ) الكهف : ٥٠ .

( ٤ ) لسان العرب ١١ : ٥٤٤ مادة ( قبل ) ، و صدره :

أصالحكم حتى تبوءوا بمثلها

و الشاعر : الأعشى .

٥٩٧

المدفونة في الأرض . على أنّ التحقيق أنّ المحترق بالنار و البالي بالتراب لم تعدم أجزاؤه و لا بعضها ، و إنّما استحالت إلى صور أخرى ١ .

قلت : بل اعتراضه عليه عجيب ، و تحقيقه ركيك ، فإنّ هذه أمور عرفية ،

فتدخل في الأرض نوى ليس بقدر أنملة ينبت منه شجرة كجبل ، و تلقي جبلا من الخشب في النار فلا يبقى منه إلاّ قليل رماد في حكم العدم ، فالعرف يرى أنّ النار لا تبقي شيئا ، و ما وقع فيها شي‏ء إلاّ أكلته ، و عليه ورد « إنّ الحسد ليأكل الايمان كما تأكل النار الحطب » ٢ إلاّ أنّ ابن أبي الحديد يعترض على الراوندي عنادا .

هذا ، و ورد بطلان قياس إبليس في الأخبار بطرق أخر أيضا ، ففي خبر أنّ إبليس قاس نفسه بآدم ، فقال : . . . خلقتني من نار و خلقته من طين ٣ ، فلو قاس الجوهر الّذي خلق اللّه منه آدم بالنّار ، كان ذلك أكثر نورا و ضياء من النّار ٤ .

و في خبر آخر : كذب إبليس لعنه اللّه ما خلقه اللّه إلاّ من طين ، ثم قال اللّه تعالى : الّذي جعل لكم من الشّجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون ٥ خلقه اللّه من تلك النّار ، و النّار من تلك الشجرة ، و الشجرة أصلها من طين ٦ .

و من القياسات الباطلة السجود لغيره تعالى قياسا على سجود الملائكة

ــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٧ .

( ٢ ) أخرجه الحميري في قرب الاسناد : ١٥ ، و ابن ماجه في سننه ٢ : ١٤٠٨ ح ٤٢١٠ و الشريف الرضي في المجازات النبوية : ٢٢١ ح ١٧٩ و رواه الفتال في روضة الواعظين ٢ : ٤٢٤ ، عن النبي صلّى اللّه عليه و آله ، و الشريف الرضي في نهج البلاغة ١ : ١٥١ الخطبة ٨٤ عن علي عليه السّلام ، و في الباب عن الباقر و الصادق عليهما السّلام .

( ٣ ) الأعراف : ١٢ .

( ٤ ) الكافي للكليني ١ : ٥٨ ح ١٨ ، ٢٠ ، و علل الشرائع للصدوق : ٨٦ ، ٨٧ ح ١ ، ٣ عن الصادق عليه السّلام .

( ٥ ) يس : ٨٠ .

( ٦ ) تفسير القمي ٢ : ٢٤٤ عن الصادق عليه السّلام .

٥٩٨

لآدم ، ففي ( الاحتجاج ) أنّ جمعا من المشركين حاجّوا النبي صلّى اللّه عليه و آله فقالوا : إنّ اللّه لمّا خلق آدم و أمر الملائكة بالسجود له ، كنّا نحن أحقّ بالسجود لآدم من الملائكة ، ففاتنا ذلك فصوّرنا صورته فسجدنا لها تقرّبا إلى اللّه كما تقرّبت الملائكة بالسجود لآدم إلى اللّه ، و كما أمرتم بالسّجود بزعمكم إلى جهة مكّة ،

ففعلتم ثمّ نصبتم في غير ذلك البلد بأيديكم محاريب سجدتم إليها ، و قصدتم الكعبة لا محاريبكم ، و قصدكم بالكعبة إلى اللّه تعالى لا إليها . . . فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله لهم : إنّ اللّه عزّ و جلّ حيث أمر بالسجود لآدم لم يأمر بالسّجود لصورته التي هي غيره ، فليس لكم أن تقيسوا ذلك عليه ، لأنّكم لا تدرون لعلّه يكره ما تفعلون إذ لم يأمركم به . ثمّ قال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله : أرأيتم لو أذن لكم رجل دخول داره يوما بعينه ، أ لكم أن تدخلوها بعد ذلك بغير أمره ، أو لكم أن تدخلوا دارا أخرى له مثلها بغير أمره . . . ١ « فأعطاه اللّه النّظرة » أي : المهلة .

« استحقاقا للسّخطة » أي : لغضبه تعالى عليه ، قال تعالى : و لا يحسبنّ الّذين كفروا انّما نملي لهم خير لأنفسهم إنّما نملي لهم ليزدادوا إثما و لهم عذاب مهين ٢ .

« و استتماما للبليّة » أي : تكميلا لابتلائه و امتحانه ، فإنّه و إن كان قبل خلق آدم يعبد اللّه بعبادات كثيرة ، لكن باطنه كان خبيثا ، فانكشف بخلق آدم و الأمر بالسّجود له .

« و انجازا » أي : قضاء .

« للعدة » أي : لوعده تعالى .

ــــــــــــــــ

( ١ ) تفسير العسكري : ٢٤٨ ، و الاحتجاج للطبرسي : ٢٦ .

( ٢ ) آل عمران : ١٧٨ .

٥٩٩

« فقال : إنّك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم » و في سورة الحجر ،

و سورة ( ص ) : قال فانّك من المنظرين . إلى يوم الوقت المعلوم ١ .

« ثمّ أسكن سبحانه آدم دارا » أي : الجنّة .

« أرغد » أي : أوسع و طيّب .

« فيها عيشته » و قلنا يا آدم اسكن أنت و زوجك الجنّة وكلا منها رغدا حيث شئتما . . . ٢ .

« و آمن فيها محلّته » أي : حلوله إنّ لك ألاّ تجوع فيها و لا تعرى . و انّك لا تظمأ فيها و لا تضحى ٣ .

« و حذّره إبليس و عداوته » فقلنا يا آدم إنّ هذا عدوّ لك و لزوجك فلا يخرجنّكما من الجنّة فتشقى ٤ .

« فاغترّه عدوّه » فدلاّهما بغرور . . . ٥ .

« نفاسة » أي : حسدا .

« عليه بدار المقام » الّتي لا ارتحال منها فأزلّهما الشيطان عنها فأخرجهما ممّا كانا فيه . . . ٦ .

« و مرافقة الأبرار » أي : الملائكة .

« فباع اليقين » بنهيه عن أكل الشجرة .

« بشكّه » الحادث من وسوسة إبليس ، قال تعالى : فوسوس إليه

ــــــــــــــــ

( ١ ) الحجر : ٣٧ ٣٨ ، و ص : ٨٠ ٨١ .

( ٢ ) البقرة : ٣٥ .

( ٣ ) طه : ١١٨ ١١٩ .

( ٤ ) طه : ١١٧ .

( ٥ ) الأعراف : ٢٢ .

( ٦ ) البقرة : ٣٦ .

٦٠٠