الامثال في نهج البلاغة

الامثال  في نهج البلاغة0%

الامثال  في نهج البلاغة مؤلف:
الناشر: انتشارات فيروزآبادي
تصنيف: مكتبة اللغة والأدب
الصفحات: 183

الامثال  في نهج البلاغة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمّد الغروي
الناشر: انتشارات فيروزآبادي
تصنيف: الصفحات: 183
المشاهدات: 46650
تحميل: 7209

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 183 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 46650 / تحميل: 7209
الحجم الحجم الحجم
الامثال  في نهج البلاغة

الامثال في نهج البلاغة

مؤلف:
الناشر: انتشارات فيروزآبادي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

والقرآن الكريم يأمر بحسن القول ويرّغب إلى فضائل ومكارم الأخلاق، قال تعالى: ( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ) (1) ، ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (2) ، ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) (3) . وكلام الإمام (عليه السّلام) ترغيب إلى ذلك مع بيان الوجه فيه كما تقدّم بتفصيل لسرّ التمثيل.

____________________

(1) سورة البقرة الآية 83.

(2) سورة القلم الآية 4.

(3) سورة الأحزاب الآية 21.

١٤١

50 - مَنْ مَلَكَ اسْتَأْثَر َ (1) .

من الأمثال السائرة، جاء به الإمام (عليه السّلام) لإرشاد ذوي المناصب أو من تصدّى أمراً من الأمور المخوّلة إليه.

قال الميداني : ((مَنْ مَلَكَ اسْتَأثَرَ) يضرب لمن يلي أمراً فيُفْضِل على نفسه وأهله فيُعَابُ عليه فعله) (2) .

قال الشارح:

(المعنى: أنّ الأغلب في كلّ مَلِكٍ يستأثر على الرّعية بالمال والعزّ والجاه. ونحو هذا المعنى قولهم: (مَنْ غَلَبَ سَلَبَ)، و(مَنْ عَزَّ بَزَّ) (3) . ونحوه قول أبي الطيّب:

الظُلمُ مِن شِيَمِ النُفوسِ فَإِن تَجِد

ذا عِفَّةٍ فَلِعِلَّةٍ لا يَظلِمُ (4)

ومن ثَمَّ الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) عندما ولى الخلافة ونصب ولاته على الأقطار والأمصار كانت كتبه ورسائله تترى عليهم في حين، وحين يحذّرهم عن الاستيثار أشدّ التحذير ويحاسبهم على الذّرة والدّرة. وإذا بلغه عنهم أمر يخالف ما أراد وما أمرهم به، عزل المخالف من ساعته وعاقبه عقاب الله (عَزَّ وجَلَّ) وأجرى عليه حدوده ولا تأخذه في الله لومة لائم. ومن طالع سيرته (عليه السّلام) مع الولاة المنصوبين من قبله علم صدق ذلك كلّه، ويكفيك قضيّة واليه ابن عبّاس وما بلغه من تصرّفه من بيت المال: (وواللَّهِ لَو أَنَّ الْحَسَنَ والْحُسَيْنَ فَعَلا مِثْلَ الَّذِي فَعَلْتَ، مَا كَانَتْ لَهُمَا عِنْدِي هَوَادَةٌ ولا ظَفِرَا مِنِّي

____________________

(1) النهج 18: 381، 162/ح.

(2) مجمع الأمثال 2: 32 حرف الميم.

(3) المستقصي 2: 357.

(4) شرح النهج 18: 381.

١٤٢

بِإِرَادَةٍ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُمَا وأُزِيحَ الْبَاطِلَ عَنْ مَظْلَمَتِهِمَا) (1) .

ولينظر الناظر إلى مالك الأشتر حين ولاّه على مصر وما شرح له من وظائف الولاة وطبقات الرّعية (2) .

____________________

(1) النهج 16: 168.

(2) النهج 17: 30 - 117، 53/ك.

١٤٣

51- مَنهُومانِ لا يَشْبَعانِ : طالِبُ عِلمٍ، وَطالِبُ دُنْياً (1) .

يطابق الكلمة ما روي عن النّبي (صلّى الله عليه وآله) وتمامه: (فمن اقتصر من الدنيا على ما حلّ الله له سلم، ومن تناولها من غير حلّها هلك إلاّ أن يتوب أو يراجع. ومن أخذ العلم من أهله وعمل بعلمه نجا، ومن أراد به الدّنيا فهي حظّه) (2) .

(النَّهْمة: بلوغ الهِمَّة في الشيء، ومنه (النَّهَمُ من الجُوع)) (3) (والنَّهم (بالفتح): إفراط الشهوة في الطعام) (4) .

والكلمة جارية. من الأحاديث المَثَليّة، يلهج بها المسلمون عند رؤية طالب علم أو دنيا واستمرار طلبهما، يجدّان طيلة الحياة كأنّهما جائعان لا يشبعان. هذا ليس له همّ إلاّ دنيا يصيبها وتصيبه، لم يأتلف إلاّ مع من يعتلف منها، ولا عشيق له غيرها، قد أشرب قلبه من حبّها فاغترّ بغرورها حتّى مات وصار إلى جهنّم وبئس المصير.

أمّا طالب العلم، فهو ممّن أُلقى في روعه داعية الخير وطلبه، قد قصر همّه وهمته على معرفة الحقائق والحقوق، وأحقّها من بين ذلك كلّه معرفة الباري (عَزَّ وجَلَّ) وصفاته وأفعاله وأسمائه الجلاليّة والجماليّة، ومعرفة أنبيائه وأوصيائهم، وشرائهم النازلة من السماء الّتي تضمن بيان دنيا الإنسان ودينه.

____________________

(1) النهج 20: 174، 466/ح.

(2) أصول الكافي 1: 46.

(3) نهاية ابن الأثير.

(4) شرح النهج 20: 174.

١٤٤

ولو أحبّ أحد أن يعرف جوع طالبي الدنيا والعلم على امتداد حياتهما، نظر إلى العلماء وما نقل عنهم من سهر الليالي في مطالعة الكتب. وكان أحدهم ربّما ذهب الليل كلّه وهو مكبّ على الكتاب لم يحسّ بذهابه. وإنّي لأعرف من كان يقوم من ثلثي الليل في كلّ ليله يقضيه بين مطالعة وكتابة وتهجّد والقوم نائمون، ومن أهل الدنيا من اشتدّ طلبه لها، لم ينم كلّ الليل بين كتابة ومحاسبة من أخذ منه أو أعطى أو على ظهر السفر في برّ أو بحر، وقد أُمر الناس بإجمال طلب الرزق لا التفاني فيه.

١٤٥

52- مَنْ وَثَقَ بِالماء ِ لَمْ يَظْمأْ (1) .

هذا المثل من خطبة نصّها:

(بِنَا اهْتَدَيْتُمْ فِي الظَّلْمَاءِ وتَسَنَّمْتُمْ ذُرْوَةَ الْعَلْيَاءِ، وبِنَا أَفْجَرْتُمْ عَنِ السِّرَارِ. وُقِرَ سَمْعٌ لَمْ يَفْقَهِ الْوَاعِيَةَ. وكَيْفَ يُرَاعِي النَّبْأَةَ مَنْ أَصَمَّتْهُ الصَّيْحَةُ؟! رُبَّ جَنَانٌ لَمْ يُفَارِقْهُ الْخَفَقَانُ. مَا زِلْتُ أَنْتَظِرُ بِكُمْ عَوَاقِبَ الْغَدْرِ وأَتَوَسَّمُكُمْ بِحِلْيَةِ الْمُغْتَرِّينَ... الْيَوْمَ أُنْطِقُ لَكُمُ الْعَجْمَاءَ ذَاتَ الْبَيَانِ. عَزَبَ رَأْيُ امْرِئٍ تَخَلَّفَ عَنِّي. مَا شَكَكْتُ فِي الْحَقِّ مُذْ أُرِيتُهُ. لَمْ يُوجِسْ مُوسَى (عليه السلام) خِيفَةً عَلَى نَفْسِهِ، بَلْ أَشْفَقَ مِنْ غَلَبَةِ الْجُهَّالِ ودُوَلِ الضَّلالِ. الْيَوْمَ تَوَاقَفْنَا عَلَى سَبِيلِ الْحَقِّ والْبَاطِلِ. "مَنْ وَثِقَ بِمَاءٍ لَمْ يَظْمَأْ"...).

اشتملت الخطبة الشريفة على عدّة أمثال لا تخفى على الأريب.

قيل:

(إنّ هذه الأمثال ملتقطة من خطبة طويلة منسوبة‌ إليه (عليه السّلام)).

- قوله (عليه السّلام) (وبِنَا أَفْجَرْتُمْ عَنِ السِّرَارِ) إسرار: الليلة والليلتان يستتر فيهما القمر في آخر الشهر فلا يظهر.

- (وُقِرَ سَمْعٌ لَمْ يَفْقَهِ الْوَاعِيَةَ) دعاء على السمع الذي لا يسمع الصرخة، أي العبر والمواعظ.

- (كَيْفَ يُرَاعِي النَّبْأَةَ مَنْ أَصَمَّتْهُ الصَّيْحَةُ؟!) مثل آخر. النبأة: الصوت الضعيف، أي من لم ينتفع بالمواعظ الجلية كيف ينتفع بالخفيّة منها.

- (رُبَّ جَنَانٌ لَمْ يُفَارِقْهُ الْخَفَقَانُ) مثل آخر، وهو دعاء لقلب لم يفارقه الخفقان من خشية الله تعالى.

- (الْيَوْمَ أُنْطِقُ لَكُمُ الْعَجْمَاءَ ذَاتَ الْبَيَانِ) مثل آخر، يريد (عليه السّلام) تمثيل الرموز الخفيّة الغامضة في كلامه - وهي مع غموضها جليّة لذوي النهي - بالبهم الصامتة الناطقة بدلائل الصنع ووجود بارئها (جلّ جلاله).

نظير المثل:

رسل الأرض، من شق أنهارك وأخرج ثمارك؟، فإن

____________________

(1) النهج 1: 207، 4/ط.

١٤٦

لم تجبك حواراً أجابتك اعتباراً.

- قوله (عليه السّلام): (لَمْ يُوجِسْ مُوسَى خِيفَةً عَلَى نَفْسِهِ) تمثّل بقوله تعالى: ( فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى ) (1) . يقول (عليه السّلام): كما خاف موسى (عليه السّلام) على ضلال قومه كذلك أنا خائف على تغلّب الجهالة على قومي وإحاطة الضلالة بهم. وهذا مثل قرآني.

- (الْيَوْمَ تَوَاقَفْنَا عَلَى سَبِيلِ الْحَقِّ والْبَاطِلِ) بقراءة تقديم القاف على الفاء، أي اتّضح الحق والباطل ووقفنا عليهما نحن وأنتم وعرفناهما حقّ المعرفة. - قوله (عليه السّلام): (مَنْ وَثِقَ بِمَاءٍ لَمْ يَظْمَأْ) لم يرد (عليه السّلام) نفي الظمأ إطلاقاً؛ لأنّ الواثق بالماء قد يظمأ كالعطشان الواجد للماء، وقد تمثّل لهذا المعنى بقول أبي الطيب:

وَما صَبابَةُ مُشتاقٍ عَلى أَمَلٍ

مِنَ اللِقاءِ كَمُشتاقٍ بِلا أَمَلِ

والصائم في شهر الله يصبح جائعاً تنازعه نفسه إلى الطعام، وفي أيام فطره لا يجد تلك المنازعة في نفسه؛ ذلك بأنّ النفس حريصة على ما منعت منه.

وهذا المثل من الأمثال الرفيعة السائرة، يريد (عليه السّلام) بالماء: الموثوق به نفسه الشريفة المقدّسة. إنّه الماء المعين الزلال للواثقين به (عليه السّلام) السالكين مسلكه، والمعوّل في كلّ المعضلات، حتى قال قائل عندما دهمته معضلة: (إنّها معضلة لها أبو الحسن)، أو (ليس لها إلاّ أبا الحسن عليّ (عليه السّلام)). وإنّه الهداية لا ضلال بعدها، والنصير الذي لا يخذل مستنصِره. والبحر الزاخر. عن أبي هريرة قال: كنت عند النّبي (صلّى الله عليه وآله) إذ أقبل عليّ بن أبي طالب، فقال النّبي: (هذا البحر

____________________

(1) سورة طه الآية 67.

١٤٧

الزاخر، هذا الشمس الطالعة. أسخى من الفرات كفاً، وأوسع من الدنيا قلباً، ومن أبغضه فعليه لعنة الله) (1) .

إنه الوسيلة إلى الله تعالى في نجح الطلبات والفوز بالمهمّات، والثقة الكاملة في جميع أمور الدين والدنيا حيّاً وميّتاً على ما ذهبت إليه الشيعة الإماميّة. وكذا بقيّة الأئمّة الأحد عشر من نسله الطاهر والصديقة الطاهرة، الحجج المعصومين (صلوات الله عليهم وسلّم)، والنهر العظيم رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

ويعجبني الحديث الآتي:

روى الشيخ الكليني (طاب ثراه) عن محمد بن يحيى، عن أحمد، عن علي بن النعمان رفعه، عن أبي جعفر (عليه السّلام)، قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام): (يمصّون الثماد ويدعون النهر العظيم). قيل له: و ما النهر العظيم؟ قال: (رسول الله والعلم الذي أعطاه الله. إنّ الله (عزّ وجلّ) جمع لمحمد سُنن النبيّين من آدم وهلّم جرّاً إلى محمد). قيل له: وما تلك السنن؟ قال: (علم النبيين بأسره وأنّ رسول الله صيّر ذلك كلّه عند أمير المؤمنين). فقال له رجل: يا ابن رسول الله، فأمير المؤمنين أعلم أم بعض النبيّين؟ فقال أبو جعفر: (اسمعوا ما يقول؟! إنّ الله يفتح مسامع من يشاء!! إنّي حدّثته أنّ الله جمع لمحمد علم النبيّين وأنّه جمع ذلك كلّه عند أمير المؤمنين، وهو يسألني أهو أعلم أم بعض النبيّين!!) (2) .

____________________

(1) السفينة 2: 712 في هرر.

(2) الكافي 2: 222 - 223.

١٤٨

53 - المِنَيَّةُ وَلاَ الدَّنْيَّة ُ (1) .

قال (عليه السّلام):

(المنّية ولا الدنيّة، والتقلقل ولا التوسّل) قال الشاعر:

أقسم بالله لمصّ النوى

وشرب ماء القُلُبِ المالحة

أحسن بالإنسان من ذلّه

ومن سؤال الأوجه الكالحة

فاستغن بالله تكن ذا غنى

مغتبطاً بالصّفقة الرابحة

فالزهد عزّ والتقى سؤدد

وذلّة النفس لها فاضحة

كم سالم صِيح به بغتةٍ

وقائلٍ عهدي به البارحة

أمسى وأمستْ عنده قنية

وأصبحت تندبه ناحية

طوبى لمن كانت موازينه

يوم يلاقي ربّه راجحة

وقال أيضاً:

لمصّ الثماد وخرط القتاد

وشرب الأُجاج أوآنَ الظّما

على المرء أهون من أن يرى

ذليلاً لخلق إذا أعدما

وخير لعينيك من منظر

إلى ما بأيدي اللئام العمى (2)

ذكر المثل جمع، منهم الميداني، قال: (المنيّة ولا الدنيّة) أي أختارُ المنيّة على العار. ويجوز الرفع، أي: المنيّة أحبّ إليّ ولا الدنيّة، أي: وليستُ ممّا أحبّ واختارُ. قيل المثل: لأوس بن حارثة (3) . وممّن أصدقها قولاً وفعلاً الحسين بن علي كأبيه (عليهما السّلام)، قال (عليه السّلام) يوم

____________________

(1) النهج 19: 362، 404/ح.

(2) شرح النهج 19: 362.

(3) مجمع الأمثال 2: 303 حرف الميم.

١٤٩

كربلاء:‌

(ألا وإنّ الدّعي ابن الدّعي قد ركز بين اثنتين: بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذّلة، يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حميّة ونفوس أبيّة أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام) (1) .

وقال (عليه السّلام) أيضاً:

(لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برما) (2) .

وإنّ ذلك من شيم أصحابهم فضلاً عنهم (عليهم السّلام)، ولم تكن الدنيّة توجد إلاّ عند أهلها أهل الأطماع محتملي الضيم. وأمّا من لا يحتمل ضيماً، ففيه قال القائل:

ويركب حدّ السيف من لا يضيمه

إذا لم يكن عن شفرة السيف مرحل (3)

____________________

(1) اللهوف 38.

(2) اللهوف 30.

(3) الجمهرة على مجمع الأمثال 2: 210.

١٥٠

باب الهاء

١٥١

١٥٢

الهاء مَعَ النّون

54 -

هُنالِكَ لَوْ دَعَوْتَ أتاكَ مِنْهُمْ

فَوارِسُ مِثْلَ أَرْمِيَةِ الحَميمِ (1)

من آخر خطبة له (عليه السّلام) وقد تواترت عليه الأخبار باستيلاء معاوية على البلاد، حيث قال (عليه السّلام) في آخرها:

(اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ مَلِلْتُهُمْ ومَلُّونِي، وسَئِمْتُهُمْ وسَئِمُونِي، فَأَبْدِلْنِي بِهِمْ خَيْراً مِنْهُمْ وأَبْدِلْهُمْ بِي شَرّاً مِنِّي. اللَّهُمَّ مِثْ قُلُوبَهُمْ كَمَا يُمَاثُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ. أَمَا واللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ لِي بِكُمْ أَلْفَ فَارِسٍ مِنْ بَنِي فِرَاسِ بْنِ غَنْمٍ:

«هُنَالِكَ لَودَعَوْتَ أَتَاكَ مِنْهُمْ

فَوَارِسُ مِثْلُ أَرْمِيَةِ الْحَمِيمِ»)

(من الوافر).

قال بعض الشراح: نسبه ابن منظور في لسان العرب إلى (الهذلي) مع مغايرة بسيطة. قال: قال الهذلي:

هُنَالِكَ لَودَعَوْتَ أَتَاكَ مِنْهُمْ

رِجَالٌ مِثْلُ أَرْمِيَةِ الْحَمِيمِ

ووجه استشهاد الإمام (عليه السّلام) به أنّه كان يتمنّى لو أنّ لديه بدل أهل الكوفة من إذا دعوا أجابوا مسرعين، ومن إذا استغيث بهم أغاثوا؛ فقد جاء قبله: (أَمَا واللَّهِ...).

وبنو فرس بن غنم، أو فراس بن غنم: حيّ عربيّ مشهور بالشجاعة. وأرمية الحميم: سُحُب الصيف، ويضرب بها المثل لأنّها أخّف وأسرع في الانتقال (2) .

____________________

(1) النهج 1: 333، 25/ط.

(2) رسالة الإسلام 122 (عدد 7 - 8).

١٥٣

ووجه الخفة لأنّها لا ماء فيها، والتي فيها لا تكون إلاّ في الشتاء. يريد بذلك: أنّ فوارس بني غنم مسرعون إذا دعوا وللإغاثة إذا استغيثوا.

فلولا أن مع الإمام من يستنهِض بهم ويُستغاث لما تجرّي من أمثال معاوية لتسنّم عرش الرئاسة، ولكن قد خلا له الجوّ فطفق يصفر ويجول. وتمنّى الإمام (عليه السّلام) لفوارس بني غنم هو أحد تمنّياته وقد تمنّى استبدال كلّ عشر من أصحابه بواحد من أذناب معاوية، حيث إنّ أهل الشام يثبتون إذا دعوا وإن كان على أمر باطل. وأما أصحابه، فهم على الحق ولا ثبات لهم كما جاء في كلام له (عليه السّلام) (1) .

____________________

(1) النهج 7: 70 - 71، 96/كلام.

١٥٤

باب الواو

١٥٥

١٥٦

الواو مَعَ الألف

55 - وَافَقَ شَنٌّ طَبَقَة ً (1) .

برواية نصر بن مزاحم في كتاب (صفّين) في كتابه (عليه السّلام) إلى عمرو بن عاص، ولم يذكر الزيادة المثليّة الشريف الرضي (طاب ثراه). ولفظ رواية نصر:

(من عبد الله عليّ أمير المؤمنين

إلى الأبتر ابن الأبتر عمرو بن العاص بن وائل، شانئ محمّد وآل محمّد في الجاهليّة والإسلام:

سلام على من اتّبع الهدى

أمّا بعد، فَإِنَّكَ قَدْ جَعَلْتَ دِينَكَ تَبَعاً لِدُنْيَا امْرِئٍ فاسق مَهْتُوكٍ سِتْرُهُ، يَشِينُ الْكَرِيمَ بِمَجْلِسِهِ، ويُسَفِّهُ الْحَلِيمَ بِخِلْطَتِهِ، فَصَارَ قَلْبُكَ لِقَلْبِهِ تَبَعَاً، كَمَا قِيْلَ: "وَافَقَ شَنٌّ طَبَقَةً"...).

أقول:

ذكرنا (2) رواية الرضي (رحمه الله) تحت المثل: (اتِّبَاعَ الْكَلْبِ لِلضِّرْغَامِ يَلُوذُ بِمَخَالِبِهِ).

قال ابن الأثير : (هذا مثل للعرب يضرب لكلّ اثنين أو أمرين جمعتهما حالة واحدة اتّصف بهما كلّ منهما، وأصله فيما قيل: إنّ شنّاً قبيلة من عبد القيس، وطبقاً حيّ من إياد، اتفقوا على أمرٍ فقيل لهما ذلك؛ لأنّ كلّ واحد منهما وافق شكله ونظيره. وقيل: شنّ رجل من دهاة العرب، وطبقة امرأة من جنسه زُوّجت منه ولهما قصّة، وقيل: الشّن وعاء من أدم تشّنن، أي أخلِق، فجعلوا له طبقاً من فوقه فوافقه،

____________________

(1) النهج 16: 160 - 163، 39/كتاب.

(2) انظر: ص 21 من هذا الكتاب.

١٥٧

فتكون الهاء في الأوّل للتأنيث، وفي الثاني ضمير الشّن) (1) .

أثبت المثل جمعٌ، منهم الميداني . قال:

(قال ابن الكلبي: طبقةُ قبيلةٌ من إياد كانت لا تطاق، فوقع بها شّن بن أفصى... فانتصف منها وأصابت منه، فصار مثلاً للمتفقَيْن في الشّدة وغيرها. قال الشاعر:

لَقَيَتْ شَنُّ إيَاداً بِالْقِنَا

طَبْقاً وَافَقَ شَنٌّ طَبَقَهْ) (2)

____________________

(1) النهاية في (طبق).

(2) مجمع الأمثال 2: 360 حرف الواو.

١٥٨

الواو مَعَ التّاء

56 - وتِلْكَ شَكاةٌ ظاهِر ٌ عَنْكَ عَارُها (1) .

(من الطويل)

من قصيدة لأبي ذؤيب الهذلي يرثي بها نشيبة بن محرث الهذلي، أوّلها:

هَلِ الدَهرُ إِلاَّ لَيلَةٌ وَنَهارُها

وَإِلّا طُلوعُ الشَمسِ ثُمَّ غِيارُها

أَبى القَلبُ إِلاَّ أُمَّ عَمروٍ وَأَصبَحَت

تُحَرَّقُ ناري بِالشَكاةِ وَنارُها

وَعَيَّرَها الواشونَ أَنّي أُحِبُّها

وَتِلكَ شَكاةُ ظاهِرٌ عَنكَ عارُها (2)

تمثّل به الإمام (عليه السّلام) في جوابه لمعاوية:

(وزَعَمْتَ أَنِّي لِكُلِّ الْخُلَفَاءِ حَسَدْتُ! وعَلَى كُلِّهِمْ بَغَيْتُ! فَإِنْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَيْسَتِ الْجِنَايَةُ عَلَيْكَ فَيَكُونَ الْعُذْرُ إِلَيْكَ:

.....................................

وتِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا).

أي إن كنت حاسداً لهم وباغياً كما رعمت، فليس ذنب ذلك عليك وأنت على عذر منه. وفي نفي الجناية عن معاوية إن صدق في رمي الحسد والبغي إليه (عليه السّلام) إبطال لاستمساكه بذلك لرئاسته، وأنّه ليس بكفيل لهم ولا حقّ له ولا ولاية عليهم، أو أنّ من يطلب حقّاً ثابتاً على الآخرين ليس بجناية وإن أوهمها. وكم من مواطن فيها مطالبة الحقوق معدودة من الجناية عند قوم وليست كذلك، ولا يرتاب المطّلع على حادثة السقيفة والشورى وما نصّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) على إقامة الإمام (عليه السّلام) مقامه من بعده يوم غدير خم: أنّ الخلافة من حقّه الثابت، فمطالبة الحقّ ليست جناية ولا حسداً ولا بغياً منه عليهم. ومن هوان

____________________

(1) النهج 15: 183، 28/ك.

(2) رسالة الإسلام 124 - 125 عدد 7 - 8.

١٥٩

الدنيا مخاطبة أمير المؤمنين (عليه السّلام) أمثال معاوية كما نسب إليه (عليه السّلام): (إنّ الدّهر أنزلني حتّى قيل: عليّ ومعاوية).

ولعلّ من أهمّ الغصص وأمضّها مواجهة الأنذال ومكالمتهم. ومن ذلك قول زينب بنت أمير المؤمنين (عليهما السّلام) مخاطبة ليزيد بن معاوية: (ولئن جرّت عليّ الدواهي مخاطبتك إنّي لأستصغر قدرك وأستعظم تقريعك وأستكثر توبيخك...) (1) عند دخول حرم الحسين (عليه السّلام) عليه (لعنة الله).

____________________

(1) اللهوف 71.

١٦٠