الامثال في نهج البلاغة

الامثال  في نهج البلاغة0%

الامثال  في نهج البلاغة مؤلف:
الناشر: انتشارات فيروزآبادي
تصنيف: مكتبة اللغة والأدب
الصفحات: 183

الامثال  في نهج البلاغة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمّد الغروي
الناشر: انتشارات فيروزآبادي
تصنيف: الصفحات: 183
المشاهدات: 46219
تحميل: 7022

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 183 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 46219 / تحميل: 7022
الحجم الحجم الحجم
الامثال  في نهج البلاغة

الامثال في نهج البلاغة

مؤلف:
الناشر: انتشارات فيروزآبادي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الأمثال

في نهج البلاغة

محمّد الغروي

١

الطبعة الأولى

حقوق الطبع محفوظة للمؤلّف

1401 هـ

الناشر

انتشارات فيروزآبادي

قم

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمد خاتم النبيّين، ووصيّه عليّ أمير المؤمنين، وآلهما المعصومين.

سبقت دراسة موضوعيّة منّا حول الأمثال المرويّة عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام)، ونحن إذ ندرس (الأمثال في نهج البلاغة) نخصّص الموضوع هنا من معطياتها السائرة ونترك التفصيل إلى كتاب (الأمثال العلويّة) .

شهر رمضان المبارك/ 1400هـ.

قم المقدسة

محمد الغروي

٣

الأمثالُ

تنقسم الأمثال إلى:

- مثل: سائر .

- ومثل: قياسي .

و السائر: ما قالته العرب في مناسبات ثم جرى على الألسن يتمثّل به إذا وجد شيء يشارك تلك المناسبات.

و القياسي: هو تصوير يخلقه المصوّر لتوضيح فكرة عن طريق تشبيه يسمّيه البلاغيّون (التمثيل المركب)، أو إبداع يجمع بذلك بين جمال التصوير وما ينشده المتمثّل من أغراض.

بوسعنا أن نصنّف الأمثال في نهج البلاغة إلى:

- قرآنيّة، وسائرة، وقياسيّة.

وإلى:

- نثريّة وشعريّة.

وإلى:

- جاهليّة وإسلاميّة ومخضرمة.

... وإلى سواها من صنوف.

فوائد الأمثال قد استوفينا الكثير منها في مقدّمة (الأمثال النبويّة) و (البصائر) ، وكذلك تعاريف القوم لها فلا نعيد.

ثم الكتب المؤلّفة في (الأمثال العلويّة) و(الأمثال في نهج البلاغة) منها كما يلي: 100 حكمة ومثل، غرر الحكم ودرر الكلم للآمدي، حكم ابن دريد، أمثال منسوبة إلى الجاحظ ، حكم الإمام علي (مجلة المشرق/ ج 5/ بيروت)، شذرات الأدب للشيخ الرئيس، نثر اللآلئ (مجموعة ثانية من فلايشر)، كلمات علي بن أبي طالب شرح الشيخ محمد عبده، أقوال أمير المؤمنين - علي بخاري، صد كلمة مولاي متقيان ترجمة روليم يول إلى الإنجليزية، ألف كلمة مجردة من شرح ابن أبي الحديد على نهج البلاغة ... وبغية الوقوف على مخطوطات ومطبوعات هذه المؤلفات يرجع إلى الجزء الأول من (تاريخ الأدب العربي) تأليف بروكلمان تحت عنوان (أمثال سيدنا علي) كما في رسالة الإسلام عدد 7 - 8 (1388هـ) الأزهر 1968م.

٤

أمثالٌ قرآنيّةٌ :

في كلام الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) آيات قرآنيّة مثليّة من نوع ما اصطلح عليه بـ (الأمثال المكنيّة) ، توفّرتْ فيها الشروط التي وضعها أرسطو لتحديد (المثل) من الإيجاز، وإصابة الغرض وغيرهما من شروط (1) ، وقد وُجد في كلامه (عليه السّلام) نيف وعشرون موضعاً تمثّل بآية قرآنية ومزَجها مزجاً متناسباً بين أبعاضه إذا نظر من لا يعلم الوحي يحسبها منه، فانظر إلى قوله (عليه السّلام):

(... فَإِنْ تَرْتَفِعْ عَنَّا وعَنْهُمْ مِحَنُ الْبَلْوَى احْمِلْهُمْ مِنَ الْحَقِّ عَلَى مَحْضِهِ وإِنْ تَكُنِ الأُخْرَى ( فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) (2) ) (3) .

وهكذا في كلام أهل البيت (عليهم السّلام):

(وما عشت أراك الدهر عجباً، ( وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ ) (4) ليت شعري إلى أيّ إسناد استندوا، وعلى أيّ عماد اعتمدوا... ( لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ) (5) و ( بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ) (6) ) (7) .

وفي ذلك بلاغ وأداء للرسالة، وإلفات للأنظار أنّ القرآن الكريم هو المصدر لكلّ بيان وشاهد صدق عليه، ( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً ) (8) وأنه أحسن الحديث، ( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً ) (9) .

____________________

(1) رسالة الإسلام 113 عدد (7 - 8).

(2) سورة فاطر الآية 8.

(3) النهج 9: 241 ط 163.

(4) سورة الرعد الآية 5.

(5) سورة الحج الآية 13.

(6) سورة الكهف الآية 50.

(7) الاحتجاج 1: 148 من خطبة الزهراء (عليها السّلام).

(8) سورة النساء الآية‌122.

(9) سورة الزمر الآية 23.

٥

ونحن نذكر خمس آيات من نيف وعشرون مقتصرين على بيان بعض وجهات النظر منها وبعدها نأتي على نبذة من أمثال سائرة، وغير سائرة، إن شاء الله تعالى.

٦

1 - ( عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ ) (1) .

وقبلها: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ ) .

ختم الإمام علي (عليه السّلام) بها خطبة له أوّلها:

(لا يَشْغَلُهُ شَأْنٌ ولا يُغَيِّرُهُ زَمَانٌ... ولَو أَنَّ النَّاسَ حِينَ تَنْزِلُ بِهِمُ النِّقَمُ وتَزُولُ عَنْهُمُ النِّعَمُ فَزِعُوا إِلَى رَبِّهِمْ بِصِدْقٍ مِنْ نِيَّاتِهِمْ ووَلَهٍ مِنْ قُلُوبِهِمْ لَرَدَّ عَلَيْهِمْ كُلَّ شَارِدٍ، وأَصْلَحَ لَهُمْ كُلَّ فَاسِدٍ... ولَئِنْ رُدَّ عَلَيْكُمْ أَمْرُكُمْ إِنَّكُمْ لَسُعَدَاءُ ومَا عَلَيَّ إِلاَّ الْجُهْدُ ولَو أَشَاءُ أَنْ أَقُولَ لَقُلْتُ: ( عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ ) ) (2) .

تمثّل بالآية (عليه السّلام) الدالّة‌ على سعة عفوه تعالى عما يزاوله الناس من ظلم أنفسهم ومعصيته على ما صدر من أصحابه من خلاف عليه إن عادوا عن غيّهم فإنّ الله عفّو عما سلف من ذلك، وأنّ العباد إذا تابوا لردّ عليهم كلّ ما فات منهم ولسعدوا برجوعهم إلى الله تعالى، وكذلك أصحابه يشير إلى عفوه (عليه السّلام) عما سلف منهم لأنّ عفوه من عفو الله تعالى.

زعم بعض أنّه (عليه السّلام) يريد العفو عمّن منعه الخلافة بتمثّله بالآية (3) ، وهو مردود؛ لأنّ الخلافة منصب إلهيّ ليس من قبيل الحق

____________________

(1) سورة المائدة: الآية 95.

(2) النهج 10: 58 - 61 - ط 179.

(3) المصدر.

٧

القابل للإسقاط والعفو، بل من نوع الحكم غير القابل لذلك. على أنّ العفو عما سلف له شرط هو عدم الإصرار على العصيان وعدم العود إليه، لقوله تعالى: ( وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ ) (1) ( إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ) (2) ( فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ ) (3) إذ مع الإصرار لم ينفع الاستغفار، ولا وجه له شرعاً وعقلاً، ومن المعلوم أنّ غصب الخلافة قد كان من أشدّ التعمّد من غير ندم منهم.

____________________

(1) سورة المائدة الآية 95.

(2) سورة الأنفال الآية 38.

(3) سورة البقرة الآية 275.

٨

2- ( وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ) (1) .

وقبلها: ( وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ ) ، نزلت في قوم لوط لأجل عمل اللواط، أمطرت عليهم حجارة سجّيل، وهو طين متحجّر، معرّب من: (سنگ گل) عذاب كلّ لائط، بل كلّ ظالم هو معرض حجر يسقط عليه من ساعة‌ إلى ساعة (2) .

تمثّل بها الإمام (عليه السّلام) وطبّقها على معاوية وعشيرته من أخيه وخاله وجدّه وأبيه ومن حذا حذوه في كتاب له، وهو من محاسن الكتب جواباً لكتاب لمعاوية:

(... وأَنَا مُرْقِلٌ نَحْوَكَ فِي جَحْفَلٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ والأنْصَارِ والتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، شَدِيدٍ زِحَامُهُمْ، سَاطِعٍ قَتَامُهُمْ، مُتَسَرْبِلِينَ سَرَابِيلَ الْمَوْتِ، أَحَبُّ اللِّقَاءِ إِلَيْهِمْ لِقَاءُ رَبِّهِمْ، وقَدْ صَحِبَتْهُمْ ذُرِّيَّةٌ بَدْرِيَّةٌ وسُيُوفٌ هَاشِمِيَّةٌ، قَدْ عَرَفْتَ مَوَاقِعَ نِصَالِهَا فِي أَخِيكَ وخَالِكَ وجَدِّكَ وأَهْلِكَ ( وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ )) (3) .

ومعاوية رأس الظلم والطغيان وكذا كلّ من ينتسب إليه.

والإمام (عليه السّلام) إذ تمثّل بالآية لهؤلاء الظالمين، معاوية وأذنابه، أعاد الضمير فيها - أي ضمير و ( هِيَ ) - إلى السيوف الهاشميّة المذكورة في كلامه (عليه السّلام) وفي الآية عائدة‌ إلى الحجارة وهي مضرب التمثيل الذي يقصده، فإرجاع الضمير وإن كان في الآية إلى الحجارة

____________________

(1) سورة هود الآية 83.

(2) تفسير الصافي 1: 805.

(3) النهج: 15: 181 - 184 ك 28.

٩

وفي كلامه (عليه السّلام) إلى السيوف الهاشميّة، لكن يشترك فيهما كلّ ظالم مهما كان نوعه، وهما عذاب ونقمة للظالمين بأسرهم، ولَكَ أن تتمثّل بالآية في غير الحجارة والسيف إذا أصبتَ ما تقصده، شأن المثل أينما حلّ ونزل، مع رعاية الناحية المشتركة بين أموره وما من أجله مثّل.

١٠

3- ( وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ) (1) .

وقبلها: ( إِنْ تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ) ، أي ولا يخبرك بالأمر مخبر مثل خبير به أخبرك، وهو الله سبحانه، فأنّه الخبير به على الحقيقة دون سائر المخبرين، والمراد به: الإخبار عن حال آلهتهم ونفي ما يدّعون (2) .

وطبّقها الإمام (عليه السّلام) في آخر كلام له على نفسه الشّريفة وأنّه الخبير المخبِر أصحابه وغيرهم من أيّ إنسان غافل بحالات ترد عليهم وما يئول إليه الأمر، حيث قال (عليه السّلام): (... فَأَفِقْ أَيُّهَا السَّامِعُ مِنْ سَكْرَتِكَ... وضَعْ فَخْرَكَ واحْطُطْ كِبْرَكَ، واذْكُرْ قَبْرَكَ فَإِنَّ عَلَيْهِ مَمَرَّكَ، وكَمَا تَدِينُ تُدَانُ، وكَمَا تَزْرَعُ تَحْصُدُ... فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ أَيُّهَا الْمُسْتَمِعُ والْجِدَّ الْجِدَّ أَيُّهَا الْغَافِلُ: ( وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ) ) (3) ، ومثل الآية قولهم: (على الخبير سقطت).

(سأل حارثة بن عبد العزيز العامري مالك بن حني العامري - وكانت بينهما منافرة - عن أوّل من قرعت له العصا؟ فقال: (على الخبير سقطت وبالحليم أحطت) وهو أوّل من قاله. ويسأل الحسينُ بن عليّ (عليهما السّلام) الفرزدق عن أهل الكوفة، فقال: (على الخبير سقطت، قلوب الناس معك وأسيافهم مع بني أميّة... والأمر ينزل بعد الأمر من السّماء)، يضرب للعالم بالأمر، قال ربيعة الأسدي:

____________________

(1) سورة فاطر الآية 14.

(2) تفسير الصافي 2: 458.

(3) النّهج 9: 158 الخطبة 153.

١١

وسائلةٍ تُسائلُ عن أَبيها

فقلت لها وَقَعْتِ على الخَبيرِ

رأيتُ أَباكِ وقد أَطْلى ومالت

عليه القَشْعَمان مِن النُّسورِ) (1)

والآية فيها من البلاغة ما لا يملكها المثل السائر.. وكذا سائر آيات الأمثال القرآنية.

____________________

(1) المستقصي 2: 164، والقشعمان: الذّكر منها، ومثل المثل: على الجازي هبطت. انظر: مجمع الأمثال 2: 36 حرف العين.

١٢

4- ( وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ) (1) .

تمثّل (عليه السّلام) بها في آخر خطبة له في ذمّ أهل العراق:

(أَمَّا بَعْدُ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ فَإِنَّمَا أَنْتُمْ كَالْمَرْأَةِ الْحَامِلِ حَمَلَتْ فَلَمَّا أَتَمَّتْ أَمْلَصَتْ.. ولَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تَقُولُونَ: عَلِيٌّ يَكْذِبُ! قَاتَلَكُمُ اللَّهُ تَعَالَى! فَعَلَى مَنْ أَكْذِبُ أَعَلَى اللَّهِ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ... كَلا واللَّهِ، لَكِنَّهَا لَهْجَةٌ غِبْتُمْ عَنْهَا ولَمْ تَكُونُوا مِنْ أَهْلِهَا، وَيْلُ أُمِّهِ (2) كَيْلاً بِغَيْرِ ثَمَنٍ لَو كَانَ لَهُ وِعَاءٌ، ( وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ) ) (3) .

تهديداً لهم بما يصيبهم من بني أمية والحجاج وأضراب هؤلاء من ظلم وتقتيل حيث استحقوا ذلك من جرّاء خلافهم على الإمام (عليه السّلام)، فضرب لهم مثلاً بالمرأة الحامل وقد تمّ شهورها وأوشكت أن تضع أجهضت نفسها فسقط الجنين ميتاً، وكذلك حالهم؛ لعدم استقامتهم على دين الإسلام، كيف وهم يحملون لإمامهم العداء وفحش القول حتى نسبوا إليه الكذب والبهتان؟!

يقول (عليه السّلام) لهم: كيف أكون كاذباً وأنا أوّل من آمن بالله والرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟! ولكنّكم - يا أهل العراق - أنتم غبتم عن اللهجة الصادقة وفقدتموها فنسبتم ذلك إليّ، وإنّما كلتُ لكم المعارف ومكارم الأخلاق كيلاً بلا عوض، لا أطلب عليها أجراً، لو كان لها وعاء من صدور نقيّة وقلوب طاهرة، وستعلمون نبأ كلّ ذلك وجزاء عملكم تجاه ما عانيتُ.. أمر محتّم.

ومن المناسبة الشديدة لما هو عليه (عليه السّلام) ما جاء قبل

____________________

(1) سورة ص الآية 88.

(2) ذكرناه في الأمثال السائرة.

(3) النهج 6: 127 ط 70.

١٣

الآية: ( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ ) ، قد شابهت حالةُ الإمامِ النبيَّ (ص) مع القوم تماماً.

١٤

5 - ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى ) (1) .

تمثّل بها الإمام (عليه السّلام) لمن اعتبر من خلق السماوات والأرض وخشي من الله تعالى في خطبة له بهذا الصدد:

(وكَانَ مِنِ اقْتِدَارِ جَبَرُوتِهِ، وبَدِيعِ لَطَائِفِ صَنْعَتِهِ، أَنْ جَعَلَ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ الزَّاخِرِ الْمُتَرَاكِمِ الْمُتَقَاصِفِ يَبَساً جَامِداً، ثُمَّ فَطَرَ مِنْهُ أَطْبَاقاً فَفَتَقَهَا سَبْعَ سَمَاوَاتٍ بَعْدَ ارْتِتَاقِهَا... فَسُبْحَانَ مَنْ أَمْسَكَهَا بَعْدَ مَوَجَانِ مِيَاهِهَا وأَجْمَدَهَا بَعْدَ رُطُوبَةِ أَكْنَافِهَا... ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى ) ) (2) .

والآية نزلت في فرعون ومن شاكله في دعواه الباطلة حيث حكى عنه: ( فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى ) (3) .

ومن ذلك يظهر وجه الفرق لمورد الآية وما يقصده الإمام (عليه السّلام)، ولكنّ الذي يجمع بينهما الناحية المشتركة المسبّبة لخشية المعتبر إذا نظر بعين الاعتبار إلى فرعون وما حلّ به من النكال خاف أن يكون كما كان، كما أنه لو تفكّر في هذا الصنع العجيب الذي تحار فيه العقول، وهو إيجاد السماوات والأرض من الماء الذي جعل كلّ شيء حيّ منه، أتته الخشية الموجبة للقيام بالعبوديّة له تعالى. فالمشار إليه بكلمة ( ذَلِكَ ) في الآية شيء وفي كلام الإمام (عليه السّلام) شيء، والجامع بينهما إيراث الخوف والخشية؛ وهو الغرض من التمثيل بالآية، كما أنّ الاعتبار بهذا أو بذاك والتفكير فيهما العلة المشتركة في تحقيق

____________________

(1) سورة النازعات الآية 26.

(2) النهج 11: 51 ط 204.

(3) سورة النازعات الآية 24 - 25.

١٥

الغرض المنشود، ومن هنا ساغ التمثيل للجميع إذا روعيت العلّة المحقّقة للغرض في ذلك.

١٦

الأمثال السائرة، وغير السائرة

الموزّعة على أبواب الحروف:

باب الهمزة:

١٧

١٨

الهمزة مع الألف:

1 - آخرُ الدّواء الكيّ (1) .

تمثّل به (عليه السّلام) في كتاب له جواباً لقوم سألوه عقاب من أجلب على عثمان بعد ما بويع: (يَا إِخْوَتَاهْ إِنِّي لَسْتُ أَجْهَلُ مَا تَعْلَمُونَ... وسَأُمْسِكُ الأمْرَ مَا اسْتَمْسَكَ، وإِذَا لَمْ أَجِدْ بُدّاً فَـ "آخِرُ الدَّوَاءِ الْكَيُّ").

(لأنه إنّما يقدم عليه بعد أن لا ينفع كلّ دواء... أي إذا أعضل وأبى قبول كلّ دواء حُسم بالكيّ) (2) ، وقيل: (آخر الدواء الكيّ). وردّ أنّه من غلط العامّة إذ الكيّ ليس من الداء ليكون آخره، قيل: أوّل من قال المثل لقمان بن عاد في قصّة امرأة غازلت رجلاً تزعمه أخاها حتى لقى لقمان زوجها - اسمه هانئ - يسوق إبله ويقول:

روحي إلى الحيّ فإنّ نفسي

رهينة فيهم بخير عرس

حسّانة المقلة ذات أنس

لا يشتري اليوم لها بأمس

فهتف به لقمان: يا هانئ! وقال:

يا ذا البجاد (3) الحلكة (4)

والزوجة المشتركة

عشّ رويداً إبلكه

لست لمن ليس لكه

قال هانئ: نور نور لله أبوك؟ قال لقمان: عليّ التنوير وعليك التغيير، مررت بها تغازل رجلاً زعمته أخاها. قال: فما الرأي؟ قال: أن تقلب الظهر

____________________

(1) النهج: 9: 291 ط 169.

(2) المستقصي 1: 3.

(3) البجاد: الكساء.

(4) الحلك: الأسود.

١٩

بطناً حتى يستبين لك الأمر. قال: أعالجها بكيّة توردها المنيّة. قال: (آخر الدواء الكيّ)، يضرب فيمن يستعمل في أوّل ما يجب استعماله في آخره وفي إعمال المخاشنة مع العدوّ إذا لم يجدِ معه اللين والمداراة (1) .

صدقت القصّة أم لا فإنّه يساعده الاعتبار.

____________________

(1) المستقصي 1: 53 [نقلٌ بتلخيص].

٢٠