حياة ابن ابي عقيل العماني وفقهه

حياة ابن ابي عقيل العماني وفقهه10%

حياة ابن ابي عقيل العماني وفقهه مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 554

حياة ابن ابي عقيل العماني وفقهه
  • البداية
  • السابق
  • 554 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 170545 / تحميل: 5499
الحجم الحجم الحجم
حياة ابن ابي عقيل العماني وفقهه

حياة ابن ابي عقيل العماني وفقهه

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

فقال : هو كما يعمي المطر ويعمي البحر بزبده ، وأراد كثرة الدعاء لها بالاستسقاء.

وقال الأزهري : كأنه لمّا كثر هذا الحرف في كلامهم حذفوا بعض حروفه المعرفة المخاطب به ، وهذا كقولهم : لا هُمَّ ، وتمام الكلام (اللهُمَّ) ، وكقولك : لَهِنَّكَ ، والأصلُ (للهِ إنَّك)(١) .

وكيف كان فالمقصود أنَّ من عادات العرب أنهم يقولون عند التحيَّة في الغداة : عم صباحاً.

وفي المساء : عم مساءً ، أي : انعم صباحك ومساءك ، من النعومة.

قال امرؤ القيس بن حجر الكندي :

ألا عِمْ صباحاً أیُّها الطَّللُ البالي

وهَلْ يَعِمَنْ مَنْ كانَ في العُصُرِ الخالي

وقال في (مجمع البحرين) : (اختلفت الأقاويل في معنى (السلام عليك) فمن قائل : معناه (الدعاء) أي : سَلِمتَ من المكاره.

ومن قائل : معناه (اسم الله عليك) ، أي : أنت في حفظه ، كما يقال : (الله معك) ، وإذا قلت : (السلام علينا) ، أو (السلام على الأموات) فلا وجه ؛ لكون المراد به الإعلام بالسلامة ، بل الوجه أن يقال : هو دعاء بالسلامة لصاحبه من آفات الدنيا ، ومن عذاب الآخرة ، وضعه الشارع موضع التحيَّة والبشري بالسلامة.

ثم إنه اختار لفظ (السلام) وجعله تحيّةً لما فيه من المعاني ، أو لأنه مطابق للسلام الَّذي هو اسم من أسماء الله تيَّمُناً وتبرُّكاً ، وكان يُحيّى به قبل الإسلام ، ويُحيّی بغيره ، بل كان السلام أقل ، وغيره أكثر وأغلب ، فلمَّا جاء الإسلام اقتصروا عليه ومنعوا ما سواه من تحايا الجاهلية.

__________________

(١) لسان العرب ١٢ : ٦٤١.

٢٨١

قالرحمه‌الله : وإيراده على صيغة التعريف أزين لفظاً ، وأبلغ معنی) ، انتهى(١) .

ولعمري إن هذا تبدیل بالأحسن ؛ لأن الحياة إن لم تكن مقرونة بالسلامة لي يعتد بها ، بل لعلَّ الموت خير منها.

[أحكام السلام]

إذا عرفت ذلك فهنا فروع :

الأوَّل : قَدْ عرفت أنَّ السلام من السُّنن الخاصة المؤكّدة ، وردّه فرض ؛ لصيغة الأمر الدالّة على الوجوب في آية التحيَّة(٢) ، المراد بها السلام ظاهراً على ما نصّ عليه أهل اللُّغة ، ودلّ عليه العرف.

قال في (القاموس) : (التحيَّة ، هي : السلام )(٣) .

وفي (لسان العرب) : (والتحيَّة : السلام ، وقد حيَّاهُ تحيَّةً )(٤) .

فلو كانت التحيَّة بغير لفظ السلام كقولك : صبّحك الله بالخير ، أو مسّاك الله بالخير ، لم يجب الردّ كما عليه الأكثر ، واختاره الأُستاذ (طاب ثراه) في (العروة)(٥) ، وذهب غير واحد من الفقهاء إلى وجوب الرد حينئذ ، منهم الفاضل المقدادرحمه‌الله في (کنز العرفان) ، فقد صرّح بأنه : (ليس المراد بحُيِّيتم في الآية : سلام عليکم ، بل كلّ تحيّة وبِرٍّ وإحسان )(٦) .

__________________

(١) مجمع البحرين ٢ : ٤٠٨.

(٢) وردت آية التحية في سورة النساء آية ٨٦ ، وهي : ﴿وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ﴾.

(٣) القاموس المحیط ٤ : ٣٢٢.

(٤) لسان العرب ١٤ : ٢١٦.

(٥) العروة الوثقی ٣ : ٢٢ مسألة ٢٧.

(٦) كنز العرفان ١ : ٢٢٣.

٢٨٢

واستند في ذلك إلى ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره عن الصادقينعليهما‌السلام أنه قال : «التحيَّة السلام وغيرُه من البرّ » ، انتهى(١) .

وربّما يُرشد إلى ذلك ما رواه في (المناقب) ، قال أنس : «حيّت جارية للحسنعليه‌السلام بطاقة ريحان ، فقال لها : «أنتِ حُرَّة لوجه الله » ، فقلت له في ذلك؟ فقال : «أدَّبنا الله عزَّ وجلَّ فقال : ﴿وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ ﴾ الآية ، وكان أحسن منها إعتاقها»»(٢) .

وما عن (الخصال) ، فيما علّم أمير المؤمنينعليه‌السلام أصحابه ، قال : «إذا عطس أحدكم فسمِّتوه ، قولوا : يرحمك الله ، ويقول : يغفر الله لكم ويرحمكم ، قال الله تعالى : ﴿وَإِذَا حُيِّيتُم ﴾ الآية»(٣) .

وقولهعليه‌السلام : «وحيَّا كما الله من كاتبين»(٤) .

أقول : لا شكّ في إطلاق التحيَّة قبل الإسلام على ما يشمل السلام وغيره من التحيَّات المعروفة عند الجاهلية كما تقدّم تفصيله ، فلمَّا جاء الإسلام اقتصروا من التحايا على السلام ، وتغلّب فيه الاستعمال كما هو الشائع في العرف وعند أهل البيتعليهم‌السلام من حيث لم يستعملوا سواه ، بل في (الكافي) عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : يُكره للرجل أن يقول : حيّاك الله ، ثُمَّ يسكت حَتَّى يتبعها بالسلام »(٥) .

__________________

(١) تفسیر القمي ١ : ١٤٥.

(٢) مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام ٣ : ١٨٣.

(٣) الخصال : ٦٣٣.

(٤) مصباح المتهجد : ٢١٧ ح ٦٩ / ٣٣١ ضمن دعاء يُقرأ بعد الفجر.

(٥) الكافي ٢ : ٦٤٦ ح ١٥.

٢٨٣

فلا ريب في أنَّ إطلاق الآية يحمل على ذلك ، فأمّا الروايات المذكورة المتضمِّنة لإطلاق التحيَّة في الآية الشريفة على غير السلام من أنواع البرّ والإحسان ، فعلی تقدیر صحَّتها يمكن أن يكون ذلك من البطون التي أخبروا بهاعليهم‌السلام ، فلا ينافي كون المراد من ظاهرها خاصَّة السلام.

والحاصل : أنَّه لا يجب ردّ غير السلام من أفراد التحيَّة ، كما قاله الأكثر ؛ للأصل وعدم الدليل الدال على الوجوب ، بل ويظهر من بعض الروايات تخصيص الوجوب بالسلام خاصة ، كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من بدأ بالكلام قبل السلام ، فلا تجيبوه »(١) .

إذ غير السلام من الأفراد داخل تحت عموم الكلام ، والعجب من المعاصر النوريرحمه‌الله في (شرح نجاة العباد) حيث استظهر عدم الإشكال في وجوب الرد في غير الصلاة ، وجعل محلّ الكلام في حال الصلاة ، مع اعترافه بأنَّ كثيراً من المفسِّرين وأهل اللُّغة فسّروا التحيَّة بالسلام(٢) ، وأنه على هذا لا عموم في الآية الكريمة ، هذا كلُّه في غير حال الصلاة ، وأمّا فيها فالأحوط الرد بقصد الدعاء إذا كان ممَّن يستحق الرد ؛ لما ثبت من جواز الدعاء في الصلاة لنفسه ولغيره وبدون ذلك لا يجوز.

الثاني : يجب ردُّ السلام نطقاً ، ولو كان في حال الصلاة ، وهو المجمع ع بین علمائنا كما في (التذكرة)(٣) ؛ ولإطلاق الأمر بالرد المتناول لحال الصلاة وغيرها ؛ ولأن ترك الجواب إهانة ، ولا يجوز إهانة المؤمن.

__________________

(١) الكافي ٢ : ٦٤٤.

(٢) وسيلة المعاد في شرح نجاة العباد ٢ : ٤١٠.

(٣) تذکرة الفقهاء ٣ : ٣٧٦.

٢٨٤

الثالث : الظاهر من الآية المعقبة بناء التعقيب من قوله تعالى : ﴿فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ﴾ وجوب الفورية ، وفي (الجواهر) : (أنه ظاهر الأدلة والفتاوی )(١) .

وفي الحدائق : (أن معناه تعجيله بحيث لا يُعدُّ تاركاً له عرفاً ) ، انتهى(٢) .

ولا فرق في ذلك بين سائر الأحوال حَتَّى حال الصلاة ؛ وذلك لإطلاق الآية ، وعليه فالكلام يقع في مقامين :

المقام الأول : لو عصى المكلّف بالتراخي العرفي في غير حال الصلاة وأخلّ بالفورية ، أو ترکه ساهياً ، فهل يجب عليه إتيانه ثانياً ، وإن عصي فثالثاً ، وهكذا فوراً ففوراً ، أو أنه يسقط الوجوب بفوت الوقت ، أو يبقى الوجوب مُوسَّعاً ، فالساقط الفورية دون الوجوب ، اختار الأول الأردبيليرحمه‌الله في (شرح الإرشاد)(٣) ؛ نظراً منه إلى مقتضى ظاهر الواجبات الفورية في سائر الموارد ، فإنَّها من قبيل تعدُّد المطلوب ، وأنَّه لو كان المسلم حاضراً وجب عليه الرد دائماً ، ولو غاب يجب عليه قصده أينما كان حَتَّى يرد عليه ، بل احتمل الوجوب في نفسه ، ومع عدم إمكان الوصول إلى المسلِّم وعدم سماعه ؛ إذ ذاك يجب مع إمكانه ، فلا يسقط حينئذ أصل الرد ، وفيه أن الكلّية غير مسلَّمة في الواجبات الفورية ، وليس كلّ واجب فوري يتعدد فيه المطلوب ، بل إنَّما هو فيما إذا استفید فوريتها من الأمر ولو بالقرينة ، بخلاف ما نحن فيه ، فإنَّ فوریته مستفادة من الكيفية المأخوذة في ردِّ التحيَّة عُرفاً ، فهي من أوصاف المأمور به وقيوده ، أعني الرد لا الأمر.

__________________

(١) جواهر الكلام ١١ : ١٠٤.

(٢) الحدائق الناضرة ٩ : ٨١.

(٣) مجمع الفائدة ٣ : ١٢٢.

٢٨٥

وبعبارة اُخرى : إنَّ السلام وردَّه من قبيل الخطاب والجواب المرتبط أحدهما بالآخر ربطاً وضعياً ، نظير القبول الملحوظ فيه الفورية ؛ لربطه بالإيجاب ربطاً وضعياً ؛ ولذا لا يُكتفى بإتيانه في ثاني الحال وثالثه عند التخلُّف في أول الحال إلا بإعادة الإيجاب ثانياً ، وعلى هذا فمتى اُخلّ بالفورية العرفية سقط أصلُ الوجوب ، فعدم الوجوب حينئذ في ثاني الحال وثالثه ؛ لعدم صدق الردِّ عرفاً ، نظير ما لو قال المولى : إذا ركب الأمير فخذ ركابه. فكما أن من المعلوم وجوب المبادرة إلى الأخذ بالركاب حال الرکوب ، أيضاً من المعلوم عدم وجوب الأخذ في ثاني الحال وثالثه ، وما ذلك إلا من حيث فوات الكيفية المطلوبة فيه ، فلا يجب التلافي بعد ذلك لا قضاءً ولا أداءً.

بل لنا اختيار عدم وجوب الردِّ في الحال الثاني حَتَّى مع استفادة الفورية من نفس الأمر ، وهو الحق الحقيق الَّذي عليه أهل التحقيق ؛ إذ الظاهر من الصيغة على القول بدلالتها بنفسها على الفور هو الوجوب في أول الوقت ، والظاهر هو الحجّة وهو تكلیف واحد من قبيل المطلق والمقيَّد ، والحقُّ أنَّ المقيَّد ينتفي بانتفاء قيده ، فلا يبقى تكليف في الوقت الثاني مع الشك فيه ، كما هو مقتضی أصل البراءة ، وثبوت وجوب الموقَّت بعد فوات الوقت خلاف التحقيق ؛ لأن الجنس لا بقاء له بعد انتفاء الفصل كما حُقّق في محلّه.

والحقُّ أنَّ القضاء بفرض جديد فالخطاب غير شامل لثاني الحال ، ووجو مالم يشمله الخطاب غير معقول ، هذا كلّه مضافاً إلى السيرة القطعية وهو اختيار

٢٨٦

الشيخ في (الجواهر) ، وسيدنا الأُستاذ (طاب ثراه) في (العروة)(١) ، وممَّا ذكرنا تعرف ما في الوجه الثالث ، بل هو باطل حَتَّى مع البناء على اختلاف کيفيات الفور ، فبعضها على نحو تعدُّد المطلوب ، وبعضها على نحو وحدة المطلوب ؛ إذ مع الشك في دخول واجب فوري في أحد القسمين بخصوصه لم يكن لنا الحكم بإرادة بقائه في الذمَّة لو انتفت الفورية عمداً أو سهواً ؛ لأنَّ الشك حينئذ في التكليف الزائد المدفوع بالأصل ، ولا مجال للتمسُّك بالاستصحاب ، فإنَّه من قبيل الشكّ السَّببي الَّذي يُقدّم فيه الأصل على المسبَّب قطعاً.

المقام الثاني : فيما لو عصى المكلّف بالتراخي العرفي في أثناء الصلاة ، ففي بطلان ذلك وعدمه وجوه :

الأول : البطلان مطلقاً ؛ وستعرف وجه الإطلاق ، وهو اختيار العلّامة في (التحرير) قالرحمه‌الله : (لو ترك المصلّي ردَّ السلام مع تعيينه عليه ، فالوجه بطلان صلاته) ، انتهى(٢) .

وربّما يُستدل له بأن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن الضد الخاص ، أو عدم الأمر به كما هو المنقول عن البهائي(٣) ، وضعفهما ظاهر ، أمّا الأول :

فلمنع الاقتضاء أولاً ، وثانياً وإنْ سلّمنا الاقتضاء فيدل عليه من باب المقدِّمة وبالتبعية ، ولو سلَّمنا دلالة النهي على الفساد في العبادات فهو مخصوص بالنهي

__________________

(١) مجمع الفائدة ٣ : ١١٤ وما بعدها ضمن أحكام السلام ، العروة الوثقى ٣ : ١٥ وما بعدها ضمن مبطلات الصلاة.

(٢) تحرير الأحكام ١ : ٢٦٩.

(٣) تعليقة على معالم الأُصول للقزويني ٣ : ٦٥٦.

٢٨٧

الأصلي لا التبعي ، مع أنَّ بطلان الصلاة ببطلان الجزء لا يتمُّ إلا إذا لم يتدارك فتأمَّل ، ومجرد القراءة المحرَّمة أو الذكر المحرَّم بين الصلاة لا دليل على كونه مبطلاً ، مع أنَّ تخصيص الكلام بالذكر والقراءة لا وجه له ؛ إذ قَدْ يضاد الردّ بعض الأكوان والأفعال كما لو سلّم عليه ومرّ مستعجلاً وتوقَّف إيصال جوابه إلى مشي وحركة ولا يمكن إيصاله برفع الصوت ، فإنَّ الأمر بالردّ يقتضي النهي عن الكون لا عن الذكر والقراءة.

وأمّا عن الثاني ؛ فلأن عدم الأمر بالضد لمانع الاستهجان العرفي أو العقلي لا ينافي المحبوبية الواقعية ، فالصلاة في حال الأمر بالردّ محبوبة وإن لم يمكن الشارع الأمر بها ، فيقصد المصلّي التارك للردّ أمثال المحبوبية الواقعية حينئذ ، وهو من المحقّق في محلّه في الأُصول.

هذا ، وربّما يُدَّعی ظهور النصوص في وجوب الرد في الصلاة ، فيكون کسائر ما يجب في الصلاة من الستر والاستفال ونحوهما ، ولا ينافيه وجوبه قبلها ؛ إذ هو فهم عرفي من اللفظ كالمحرم قبل الصلاة لو فرض مجيء نهي به نحو : لا تنظر إلى الأجنبية في الصلاة. وفيه أنه لاشك في ظهور الأدلَّة في إرادة أنَّ الصلاة لا تمنع من وجوب الردّ ، لا أنّه من واجبات الصلاة.

الثاني : وهو الأظهر عام البطلان مطلقاً كما اختاره الشيخ في (الجواهر) ، والسيد الأُستاذ في (العروة) تبعاً (للدروس) و (البيان) و (الذكری) و (الموجز)

٢٨٨

و (جامع المقاصد) و (فوائد الشرائع) و (الإرشاد) و (المسالك)(١) لما عرفت من بطلان الوجهين المزبورين اللَّذينِ يمكن الاستناد إليهما في القول بالبطلان.

الثالث : التفصيل بين ما لو اشتغل بشيء من الواجب في زمان الترك ، فالمتَّجه بطلان الصلاة وعدمه ، فالصحَّة بتقريب أن التعمُّد بالترك موجب لفساد الجزء المستلزم لفساد الكلّ ، إمّا لاقتضاء الأمر بالشيء والنهي عن الضدّ الخاص ، أو لعدم الأمر به ، فيلزم التشريع المفسد للجزء المستلزم لفساد الكلّ ، بحيث لا يجزي بعد إعادته على الوجه الصحيح ، أو لأنه في مثل المفروض من نحو کلام الآدميين في البطلان ، بخلاف ما لو ترك الردَّ وسكت حَتَّى مضى زمان الرد ، ثُمَّ اشتغل بالقراءة فإنَّه لا يبطل ؛ لعدم المقتضي ، وقد عرفت الجواب عمّا عدا الأخير ، وأمّا عنه فهو أنَّ القرآن قرآن بالنظم والأُسلوب ، وحرمة القراءة ـ على فرض تسليمها ـ لا تلحقه بكلام الآدميين مادام قصده الحكاية لكلام الله التي لا تحقق القرآنية بدونها ، إنْ هو إلّا كقراءة المجنب القرآن.

الرابع : يُستحب إفشاء السلام وتأكيده ، وفيه من الفضل حَتَّى قيل أنه مندوب أفضل من ردِّه الواجب ، ويدلُّ عليه مارواه في الكافي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : «من التواضع أن تسلّم على من لقيت »(٢) .

فإنَّ التواضع المطلوب لا يحصل عرفاً إلّا بالإفشاء ، وعن أبي جعفرعليه‌السلام قال : «كان سلمان رحمه‌الله يقول : افشوا سلام الله ؛ فإن سلام الله لا ينال الظالمين »(١) .

__________________

(١) جواهر الكلام ١١ : ٦٨ في حكم رد السلام ، العروة الوثقی ٣ : ١٦ مسألة ١٦ ، الدروس ١ : ١٨٦ ، البيان : ٩٥ ، ذكرى الشيعة ٤ : ٢٤ ، جامع المقاصد ٢ : ٣٥٦.

(٢) الكافي ٢ : ٦٤٦ ح ١٢.

٢٨٩

وفي هذا المعنى أخبار كثيرة.

الخامس : المشهور أنه يجب على الراد إسماع المسلّم تحقيقاً أو تقديراً ، واستدل عليه بالتبادر ، وحكم العرف والعادة ، وبما في الكافي عن ابن القدّاح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : «إذا سلّم أحدكم فليجهر بسلامه لا يقول : سلّمت فلم يردوا عليّ ، ولعلَّه يكون قَدْ سلّم ولم يُسمِعْهُم ، فإذا ردّ أحدكم فليجهر بردِّه ولا يقول المُسَلّم : سلَّمْتُ فلم يَرُدّوا عليَ »(٢) .

ويدلّ بعمومه على المصلّي وغيره ، وقيل : لا يجب الإسماع ، وهو ظاهر المحقِّق في (المعتبر) والأردبيلي في (شرح الإرشاد)(٣) ؛ لصحيحة منصور عن الصادقعليه‌السلام ، وموثَّقة عمّار الدالَّتينِ على إخفاء الرد ، وهما محمولان على التقية(٤) ، وكذلك رواية محمّد بن مسلم(٥) .

__________________

(١) الكافي ٢ : ٦٤٤.

(٢) الكافي ٢ : ٦٤٥ ح ٧.

(٣) المعتبر ٢ : ٢٦٣ ، مجمع الفائدة ٣ : ١١٩.

(٤) صحيحة منصور : «وبإسناده عن سعد ، عن محمّد بن عبد الحميد ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن علي بن النعمان ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : إذا سلَّم عليك الرجل وأنت تصلّي ، قال : تردّ عليه خفياً ، كما قال». (وسائل الشيعة ٧ : ٢٦٨ ح ٩٣٠٤ / ٣.

موثقة عمار : «وعنه ، عن أحمد بن الحسن ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمر بن موسی ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن السلام على المصلّي فقال : إذا سلّم عليك رجل من المسلمين وأنت في الصلاة فردّ عليه فيما بينك وبين نفسك ولا ترفع صوتك». (وسائل الشيعة ٧ : ٢٦٨ ح ٩٣٠٥ / ٤).

(٥) محمّد بن الحسن بإسناده ، عن احمد بن محمّد ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن هشام ابن سالم ، عن محمّد بن مسلم قال : «دخلت على أبي جعفرعليه‌السلام وهو في الصلاة فقلت : السلام عليك. فقال : السلام عليك. فقلت : كيف أصبحت؟ فسكت ، فلمَّا انصرف ، قلت : أيردّ السلام وهو في الصلاة؟ قال : نعم ، مثل ما قيل له». (وسائل الشيعة ٧ : ٢٦٧ ح ٩٣٠٢ / ١).

٢٩٠

السادس : يتحقق السلام من الجماعة بوقوعه من واحد ، ويحصل الامتثال بالرد من واحد ؛ لأنَّهما من الأُمور الكفاية ، ويدل عليه ما رواه في (الكافي) عن غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : «إذا سلّم من القوم واحد أجزأ عنهم ، وإذا رد واحد أجزأ عنهم »(١) .

ونحوه رواية ابن أبي بكير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام وصحيحة عبد الرحمن بن الحجَّاج ، ويترتب عليه أنّه لو سلّم على جماعة منهم المصلّي فردّ الجواب غيره لم يجز له الردّ بعد تمام الردّ ، نعم ، يجوز قبله.

السابع : قال الأستاذ (طاب ثراه) في (العروة) : (لو ردّ السلام صبيٌّ مميِّز ففي كفايته إشكال ، والأحوط ردّ المصلّي بقصد القرآن أو الدعاء)(٢) .

أقول : وجه الإشكال والترديد من عموم قوله تعالى : ﴿فَحَيُّوا ﴾ الشامل المثل الصبي المميِّز ، ولاسيَّما إذا كان ابن عشر سنين ؛ ولأن عبادته شرعية كما يظهر من بعض الأخبار ، ومن أنه مندوب ، ولا يسقط الواجب بالمندوب ، والأقوى الكفاية وسقوط الفرض بالنفل الكثير ، وعليه فلو كان المسلِّم على المصلي صبياً مميِّزاً ، فالأقوى وجوب الرد عليه بعنوان ردّ التحيَّة ، وإن أراد الاحتياط فليقصد القرآن أو الدعاء.

الثامن : إذا كان بعض المسلَّم عليهم مصلياً وبعضهم قاعداً ، فهل يجب الردّ على القاعد أو يتساويان؟ الأظهر التساوي وبردِّ أحدهما يسقط عن الآخر ، ولا يسقط بردِّ من لم يكن مقصوداً بالسلام ؛ لعدم صدق الردِّ عليه.

__________________

(١) الكافي ٢ : ٦٤٧ ح ٣.

(٢) العروة الوثقی ٣ : ١٩ مسألة ٢١.

٢٩١

التاسع : إذا سلّم واحد على جماعة يكفي جواب واحد إجماعاً ، كما هو الشأن في سقوط جميع الواجبات الكفائية بعد قيام من به الكفاية ، ولا يعتبر في السقوط قصد المجیب الردّ عن الجميع ، نعم ، قيل باستحباب أجوبة متعدِّدة ولو بعد جواب واحد فيما لم يكن في الصلاة ، ولم يكفِ ردُّ من لم يكن داخلاً في الجماعة لما ذكرناه.

العاشر : عكس السابق ، بأن سلّم جماعة على شخص واحد ، فهل يكتفي بجواب واحد بصيغة الجمع عن سلامهم بحيث يقصد منها جواب واحد الجماعة ، كما يكتفي بجواب واحد في المسألة السابقة ، أو يجب تكرار الجواب ورد المُسَلّمين؟

المنقول عن ظاهر المشهور الثاني ، وهو الحقُّ فإن تعدُّد التحيَّة بتعدُّد المسلّمین موجب لتعدُّد الردّ ، فلا معنى لكفاية ردّ واحد ، ولو كان بصيغة الجمع ؛ ضرورةَ عدم تعدُّد الردّ مع وحدة الصيغة ، ولا فرق في ذلك بين كون المسلّم عليه الواحد في الصلاة أو خارجها ، فيجب عليه التكرار في الجواب حَتَّی حال الصلاة بعدد أشخاص المسلّمين ، كما يجب عليه في خارجها ، وصریح بعض الأعلام في أجوية مسائله هو الاكتفاء بردّ واحد لو قصد بردّه الردّ على الجميع ، وكان المشروع بردّه بعد فراغ الجميع من صيغة السلام ، وهو كما ترى ؛ فإنَّ قصد التعدُّد لا يوجب التعدُّد الواقعي ، وهذا الفرع غير مذكور في العروة.

الحادي عشر : إنما يجب ردّ السلام على من علم بكونه مقصوداً بالتحيَّة خصوصاً أو عموماً ، أمّا لو شك فيه لم يجب ، ولو كان في حال الصلاة لا يجوز له ذلك حين بطلت صلاته ، إلّا أن يقصد بردّه القرآن أو الدعاء.

٢٩٢

الثاني عشر : يجب أن يكون الردّ في أثناء الصلاة بمثل ما سلَّمَ، فلو قال (قیل ـ ظ) : سلام عليکم. يجب أن يقول في الجواب : (سلام عليکم) ، بل الأحوط المماثلة في التعريف والتنكير والإفراد والجمع ، نعم ، لا يجب المماثلة إذا زاد قوله : ورحمة الله وبركاته ، كما لا تجب في أمير الصلاة أيضاً ، بل الأحوط إسقاط الزيادة المزبورة في حال الصلاة ، ولو اقتصر المسلّم في سلامه بلفظ (سلام) كما هو المتعارف ما بين كثير من العوام والنسوان ـ سواء كان مكلّفاً أو غير مكلّف ـ قيل بعدم وجوب ردّ مثل هذا السلام بغير الصلاة ، فإن التحيَّة التي وجب ردّها في الشرع إنَّما هي التحيَّة الصحيحة ، وأمَّا في أثناء الصلاة فالظاهر عدم جوازه ؛ لكونه موجباً لفساد الصلاة ، نعم ، ربّما فرق كما في (العروة)(١) بين ما لو كان المسلّم شخصاً عالماً عارفاً بقواعد النحو ، وأنَّ قوله : سلام ، متدأ محذوف الخبر وكان المحذوف منويّاً له ، وجب الردّ حينئذ ، وما لو لم يكن كذلك فلا يجب ، وفيه أن الصحَّة والغلط تابعان للّسان العربي ولا مدخلية الاقتصاد فيهما ، بل ولا العلم والجهل ، وحذف الخبر من الكلام يُعد من اللّسان العربي ، ولا فرق فيه بين العالم ، والجاهل ، والشيخ ، وصاحب الجواهر أوجب ردّ السلام الغلط ؛ لصدق التحيَّة به عرفاً ، وهو الأقرب ، هذا والظاهر أن العامَّة لا يوجبون الاتحاد مطلقاً.

قال الفخر الرازي في تفسيره : (المبتدئ يقول : السلام عليك ، والمجيب يقول : وعليکم السلام ، وهذا هو الترتيب الحسن ) ، انتهي(٢) .

__________________

(١) العروة الوثقی ٣ : ١٥ وما بعدها.

(٢) تفسير الرازي ١٠ : ٢١٢.

٢٩٣

ومنه ما يُحکی أنَّ جدّي بحر العلوم (طاب ثراه) مذ كان مجاوراً لبيت الله الحرام دخل عليه رجل من أهل مكَّة من أهل السنَّة وسلّم عليه ، فأجابه السيدرحمه‌الله بقوله : سلام عليکم.

ثُمَّ التفترحمه‌الله إلى أن المماثلة بين السلام وجوابه خلاف مذهب الجمهور ، وكانرحمه‌الله يستعمل التقيَّة معهم ، فأخذ في تدارك المطلب بأن قال للوارد : يا شيخ ، لقد تسالمنا ولم يرد أحدُنا جواب سلام صاحبه ، عليکم السلام ، فاعتقد الشيخ أنَّ السيِّد قصد بقوله : سلام عليکم ، التحيَّة للمبتدئ لا جواب التحيَّة ، والجواب إنَّما هو قوله : عليکم السلام.

الثالث عشر : يُشترط في صحَّة جواب التحيَّة صدوره من المجيب بعد فراغ المحيِّي من تمام الصيغة لعدم صدق الردّ قبل ذلك وهو واضح.

الرابع عشر : قال في (العروة) مقتضي بعض الأخبار عدم جواز الابتداء بالسلام على الكافر إلّا لضرورة ، ولكن يمكن الحمل على إرادة الكراهة(١) .

أقول : روى الصدوقرحمه‌الله في الخصال عن الصادقعليه‌السلام ، عن أبيه الباقرعليه‌السلام قال : «لا تسلّموا على اليهود ، ولا على النصارى ، ولا على المجوس ، ولا على عبدة الأوثان ، ولا على موائد شرب الخمر ، ولا على صاحب الشطرنج والنرد ، ولا على المخنَّث ، ولا على الشاعر الذي يقذف المحصنات ، ولا على المصلّي ؛ وذلك لأنَّ المصلّي لا يستطيع أن يردّ السلام ؛ لأنَّ التسليم من المسلّم تطوع

__________________

(١) العروة الوثقی ٣ : ٢٥ مسألة ٣٢.

٢٩٤

والرد عليه فريضة ، ولا على آكل الربا ، ولا على رجل جالس على غائط ، ولا على الَّذي في الحمّام ، ولا على الفاسق المعلن بفسقه »(١) .

وإنَّما حُمل النهي هنا على الكراهة جمعاً بينه وبين ما مرّ من الأخبار.

وإذا سلّم أهل الملل من الكفَّار ، فقل في الردّ عليهم : عليك ؛ لما رُوي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قال : «لا تبدؤوا أهل الكتاب بالتسليم ، وإذا سلّموا عليكم فقولوا : وعليكم »(٢) .

وفي حديث آخر : «إذا سلّم عليك اليهودي والنصراني والمشرك فقل : عليك »(٣) .

وفي خبر آخر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنهم سلّموا عليه فردّ عليهم بلفظ : «عليك»(٤) .

وفي خبر آخر تقول في الردّ : «سلام »(٥) .

روی هذه الأخبار في الكافي.

الخامس عشر : قال السيِّد الأُستاذ (طاب ثراه) في (العروة) : (المستفاد من بعض الأخبار أنه يُستحب أن يسلّم الراكب على الماشي ، وأصحاب الخيل على أصحاب البغال ، وهم على أصحاب الحمير ، والقائم على الجالس ، والجماعة القليلة على الجماعة الكثيرة ، والصغير على الكبير.

__________________

(١) الخصال : ٤٨٤ ح ٥٧.

(٢) الكافي ٢ : ٦٤٩ ح ٢.

(٣) الكافي ٢ : ٦٤٩ ح ٤.

(٤) الكافي ٢ : ٦٤٨ ح ١.

(٥) الكافي ٢ : ٦٤٨ ح ٦.

٢٩٥

قال : ومن المعلوم أنَّ هذا مستحب في مستحب ، وإلا فلو وقع العكس لم يخرج عن الاستحباب أيضاً)(١) .

هذا تمام الكلام في أحكام السَّلام.

رجع

[تتمة شرح الحديث]

[د] ـ «واجلس بين يديه ولا تجلس خلفه» : أي حيث تواجهه ولا تحوجه في الخطاب والمواجهة إلى الانحراف لما فيه من صعوبة نظره إليك ، وحرمانك من التشرُّف بنظرك إلى وجهه مع أنه عبادة.

[هـ] ـ «ولا تضجر بطول صحبته » : وفيه مبالغة على لزوم الوقوف عند العلماء ، وترك الإلحاح على السؤال من العالم ، بل اللازم انتظار صدور الكلام منه ، فإذا شرع البيان تصغي إليه بقلبك.

[و] ـ والمقصود من قوله : «فإنَّما مثل العالم مثل النخلة » : التمثيل للإيضاح ، بانَّك كما لا تسارع إلى الصعود على النخلة ولا إلى هزّها قبل أوان اقتطاف ثمرتها ، فكذلك ينبغي لك أن لا تحرِّك العالم ولا تضطره إلى كثرة الكلام ، واتباع السؤال بالسؤال.

[ز] ـ «والعالم أعظم أجراً من الصائم القائم » : إذ لا ريب أنَّ العالم الرباني الهادي للخلق إلى الحقّ أعظم أجراً من الصائم القائم ، فإنَّ الثاني إنَّما يكفُّ نفسه عن المفطرات والملهيات ، وفي ذلك تفع لنفسه دون غيره ، بخلاف الأول فإنه بعلمه ينقذ الناس من الوقوع في الشبهات والاعتقادات الباطلة ، وكذلك المجاهد

__________________

(١) العروة الوثقی ٣ : ٢٦ مسالة ٣٣.

٢٩٦

الغازي في سبيل الله ، فإنه بمجاهدته مع الكفَّار مدافع عن غلبة الكفَّار على أبدان الخلق ، بخلاف العالم ، فإنه بعلمه مدافع لجنود الجهل عن الاستيلاء على قلوب الضعفاء.

[ح] ـ «ثلم في الإسلام» : قال في (مجمع البحرين) : (الثلمة كبرمة : الخلل الواقع في الحائط وغيره ، والجمع : ثلم كبرم. وعلَّل ذلك بأنَّهم حصون كحصون سور المدينة ، فذكر ذلك على سبيل الاستعارة والتشبيه ) ، انتهى(١) .

ويستعمل متعديّاً ولازماً ؛ ولذا عُديّ بـ(في) في الحديث.

[في العالم العامل]

[ ٨٢] ـ قالرحمه‌الله : (فصل ، ويجب على العالم العمل ، كما يجب على غيره ، لكنَّه في حق العالم آكد ، ومن ثُمَّ جعل الله تعالی ثواب المطيعات من نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعقاب العاصيات منهن ، ضعف ما لغيرهِنَّ ، وليجعل له حظاً وافراً من الطاعات والقربات ، فإنَّها تفيد النفس ملكةً صالحةً واستعداداً تامّاً لقبول الكمالات)(٢) .

[أ] ـ أقول : إعلم أنَّه كلَّما ازداد العبد معرفة بالله تعالی ازداد خضوعاً له وخوفاً منه ، نظير خدم السلطان وحشمه ، فإنَّهم كلما ازدادوا قرباً من السلطان ازداد خطرهم وثقلت تكاليفهم ؛ لزيادة معرفتهم بشؤون السلطنة وعلو العرش الملوكي ، فما ظنُّك بمالك الملوك ووالي مملكة الوجود ، فإذا كان عالماً لا بدَّ له من العلم بأن الله مطَّلع على الضمائر ، عالم بالسرائر ، رقيب على أعمال عباده ، قائم على كل نفس بما كسبت ، وأن سرّ القلب في حقّه مکشوف ، كما أن ظاهر

__________________

(١) مجمع البحرين ١ : ٣٢٢.

(٢) معالم الدين : ١٨.

٢٩٧

البشرة للخلق مكشوف ، بل أشد من ذلك ، قال الله تعالى : ﴿أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّـهَ يَرَىٰ(٢) ، وقال : ﴿إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا(٣) ، فهذه المعومات التي هي من خصائص العلماء ، تقهر قلب العالم على مراعاة جانب الله ، وصرف الهمَّة إليه ، واستغراق قلبه بملاحظة ذلك الجلال منكسراً تحت هيبته ، فلا يبقى فيه متسع الالتفات إلى الغير ، فصار همّه همّاً واحداً ولابد من أن يكفيه الله سائر الهموم ، ومن ثُمَّ جعل الله ثواب المطيعات من نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعقابهن ضعفاً بما أنهن عالمات بالأحكام الشرعية من حيث معاشرتهن لهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، واختصاصهن بصحبته ، وكسبهن الأخلاق الفاضلة من طول مجاورته ، وكان فعل الواجبات وترك المحرمات في حقّهن آكد من الغير ، وكذلك ثوابهن وعقابهن أكثر من الغير ، فإن الثواب والعقاب يتأكَّدان بتأكُّد الوجوب والحرمة ؛ إذ ربّما يخفّف العقاب عن بعض الجهّال لعذر الجهل ، وكذلك يخفف الثواب لوقوعه من العامل مع قلَّة معرفته فاقداً لشرائط الكمال.

[ب] ـ «وليجعل له حظاً وافراً إلخ » : بأن يجدَّ ويجتهد في العبادة كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : «أفضل الناس من عشق العبادة ، فعانقها وأحبها بقلبه ، وباشرها بجسده وتفرغ لها ، فهو لا يبالي على ما أصبح من الدنيا ، على عسر أم على يسر »(٣) .

__________________

(١) سورة العلق : آية ١٣.

(٢) سورة النساء : من آية ١.

(٣) الكافي ٢ : ٨٣ ح ٣ وفيه وفي غيره من المصادر الحديثية أن الحديث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلاحظ.

٢٩٨

وعن أبي عبد اللهعليه‌السلام : مذ سأله بعض أصحابه عن طلب الصّيد ، إلى أن قالعليه‌السلام : «وإنَّ المؤمنَ لفي شُغُلٍ عن ذلك ، شغله طلب الآخرة عن طلب الملاهي »(١) .

وعن کميل بن زياد ، قال : قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : «يا کميل ، إنّه لا تخلو من نعمة الله عزَّ وجلَّ عندك وعافيته ، فلا تخلُ من تحميده ، وتمجيده ، وتسبيحه ، وتقديسه ، وشكره ، وذكره على كلّ حال الخبر»(٢) .

وعن أبي عبد اللهعليه‌السلام في تفسير قول الله عزَّ وجلَّ : ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ(٣) ، قال : «خلقهم للعبادة »(٤) .

وبالجملة : فإن العالم أولى بهذه من غيره وأحرى.

قال علي بن الحسين : «إنَّ أحقَّ الناس بالاجتهاد ، والورع ، والعمل بما عند الله ويرضاه ، الأنبياءُ وأتباعُهم »(٥) .

والمعروف على قدر المعرفة ، والمراد من المعروف كلّ ما عُرف من طاعة الله والتقرُّب إليه ، فلا ينبغي للعالم أن يَنقُصَ معروفُه عن معرفته.

__________________

(١) مستدرك الوسائل ١ : ١٢١ ح ١٥١ / ٤.

(٢) بحار الأنوار ٧٤ : ٢٧٣ ضمن وصاياهعليه‌السلام .

(٣) سورة الذاريات : آية ٥٦.

(٤) تفسير العياشي ٢ : ١٦٤ ح ٨٢.

(٥) مستدرك الوسائل ١ : ١٢٥ ح ١٦٣ / ٩.

٢٩٩

الحديث السادس عشر

العلماء رجلان

[ ٨٣] ـ قالرحمه‌الله : وقد روينا بالإسناد السالف وغيره ، عن محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن حمّاد بن عيسى ، عن عمر بن اُذينة ، عن أبان بن أبي عياش ، عن سليم بن قيس الهلالي ، قال : سمعت أمير المؤمنينعليه‌السلام يحدِّث عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال في كلام له : «العلماء رجلان : رجل عالم آخذ بعلمه فهذا ناجٍ ، وعالمٌ تارك لعلمه فهذا هالِكٌ ، وإنَّ أهل النار ليتأذَّون من ريح العالم التارك لعلمه ، وإن أشد أهل النار ندامة وحسرة رجل دعا عبداً إلى الله ، فاستجاب له وقبل منه ، فأطاع الله، فأدخله الجنَّة وأدخل الداعي النار بترکه علمه ، واتّباعِه الهوي ، وطول الأمل ، أمّا اتّباعُ الهوى فيصدُّ عن الحق ، وطولُ الأملِ يُنسي الآخرة »(١) .

أقول : أمّا رجال السند فقد تقدّم ذكرهم جميعاً ، وأمّا ما يتعلق بشرح المتن :

[أ] ـ قال صاحب الوافي : (هذا التقسيم للعلماء الَّذينَ علمهم مقصور على ما يتعلق بالعمل ، کالعالم بالشريعة ، وكالعالم بالأخلاق دون الَّذينَ علمُهم مقصود لذاته ، کالعالم بالمبدأ والمعاد ، فإنّه لا يكون غالباً إلا ناجياً ، وإذا وقع منه زلَّة أو ذنب تذکّر لربه وتاب ، وتضرّع إليه وأناب ) ، انتهى(٢) .

[ب] ـ «آخذ بعلمه » : يعني عامل بمقتضاه من تهذيب الظاهر والباطن عن الأعمال القبيحة ، والأخلاق الرذيلة ، وتحليتهما بالأعمال الحسنة ، والأخلاق الفاضلة.

__________________

(١) معالم الدين : ١٨ ، الكافي ١ : ٤٤ ح ١.

(٢) الوافي ١ : ٢٠٣ ح ١٣٧ / ١ باب استعمال العلم.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

مع وجود أحد الموانع وهي محصورة وكون هذا منها عين المتنازع والعام إذا خصص بغير الكافرة والقاتلة ونحوهما كان حجة في الباقي وأما رواية سعيد بن يسار فهي أجود مافي الباب دليلا، ولكن في طريقها البرقي مطلق وهو ثلاثة تشترك بين ثلاثة، محمد بن خالد وأخوه الحسن، وابنه أحمد، والكل ثقات على قول الشيخ أبي جعفر الطوسي ولكن النجاشي ضعف محمدا، وقال: ابن الغضائري حديثه يعرف وينكر ويروي عن الضعفاء، ويعتمد المراسيل وإذا تعارض الجرح والتعديل، فالجرح مقدم، وظاهر حال النجاشي أنه أضبط الجماعة وأعرفهم بحال الرجال.

وأما ابنه أحمد فقد طعن عليه كما طعن على أبيه من قبل، وقال ابن الغضائري: كان لا يبالي عمن أخذ، ونفاه أحمد بن عيسى عن قم كذلك ولغيره.

وبالجملة فحال هذا النسب المشترك مضطرب لاتدخل روايته في الصحيح ولا في معناه.

والشيخ في كتابي الاخبار حمله على ما إذا اشترط نفي الميراث أو لم يشترط فإنها لاترث، بل مع الشرط جمعا بينه وبين ما يأتي من الاخبار الدالة على ثبوت، مع الشرط.

ولا يخفى أنه خلاف الظاهر إلا أنه لطريق الجمع، خير من إطراح البعض، وكيف كان فليس نصا كما قيل، بل ظاهر.

وأما رواية عبدالله بن عمرو فهي مجهولة السند، بسببه وإن كان باقي طريقها واضحا فلا تصلح حجة في مقابلة عموم القرآن ويمكن حملها على حالة الاطلاق من الشرط جمعا، كما سيأتي وأما منافاة شرط الميراث بمقتضى العقد، فهو حسن إن لم يدل دليل شرعي على جوازه فيكون منافيا، ويستنظر فيه.

ومنه يظهر الجواب عن قولهم إن الشرط لغير الوارث محال فإنه إنما يكون محالا شرعا حيث لايدل دليل على صحته قوله ان الزيادة على النص على تقدير اشتراط الارث يكون نسخا، (اه‍ عليه منع كون الزيادة نسخا) وقد حقق في الاصول.

سلمنا لكن لانسلم استحالة النسخ بخبر الواحد، وقد حقق في الاصول أيضا.

سلمنا لكن نمنع الزيادة على النص، على تقديره، لان من جملة المنصوص الزوجة، فإن قيل بالارث مطلقا فواضح، وإن قيل به مع الشرط فيكون العقد المذكور من موانع الارث، إلا مع الشرط فيرجع إلى عموم الآية والرواية وثالثها أن أصل العقد لايقضي التوارث بل اشتراطه فإذا شرط ثبت تبعا للشرط، اقتضاء الارث فللادلة السابقة، وأما ثبوته مع

٤٦١

الشرط، فلعموم المسلمون عند شروطهم، وخصوص صحيحة محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام في حديث آخره " فإن اشترطت الميراث فهما على شرطهما " وحسنة أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا عليه السلام قال " تزوج المتعة نكاح بميراث ونكاح بغير ميراث، إن اشترطت الميراث كان، وإن لم تشترط لم يكن " وهذا الحديث كما دل على ثبوت الارث مع شرطه دل على نفيه بدونه فهو نص فيهما، وهو من أجود طرق الحسن، لان فيه من غير الثقات إبراهيم بن هاشم القمي، وهو جليل القدر كثير العلم، الرواية، ولكن لم ينصوا على توثيقه مع المدح الحسن فيه وبهذين الخبرين يجاب عن أدلة الفريقين الاولين، لدلالتهما على اشتراط الميراث سايغا لازما، فيثبت به وعلى أن أصل الزوجية لا يقتضيه، فتكون الآية مخصوصة بهما، كما خصت في الزوجة الذمية برواية أن الكافر لايرث المسلم، ويظهر أن سببية الارث مع اشتراطهما تصير ثابتة بوضع الشارع وإن كانت متوقفة على أمر من قبل الوارث كما لو أسلم الكافر، وكذا يظهر جواب ما قيل أنه لامقتضى للتوارث، هنا إلا الزوجية ولا يقتضي ميراث الزوجية، إلا الآية فإن اندرجت هذه الزوجة في الآية ورثت وإن لم يشترط ثبوته، وبطل شرط نفيه وإن لم يندرج في الزوجة في الآية لم يثبت بالشرط، لانه شرط توريث من ليس بوارث، وهو باطل ".

ووجه الجواب عنه تسليم اندارجها في الآية إلا أنها بدون الشرط مخصوصة بالروايتين المعتبري الاسناد، وبالشرط داخلة في العموم، لعدم المقتضي للتخصيص، وهذا وإن كان غريبا في النظاير، إلا أنه خير من إطراح الخبرين المعتبرين بل الاخبار، لان الاخبار الدالة على نفي التوارث به تحمل على عدم اشتراطه جمعا، ويبقى خبر سعيد بن يسار على كل ما حمله عليه الشيخ وإن كان خلاف الظاهر لانه محتمل، وبه يحصل الجمع بينه وبين هذين، إذ ليس في الباب خبر معتبر الاسناد غير هذه الثلاثة، وليس فيها صحيح السند غير خبر محمد بن مسلم، الدال على ثبوت الارث بالشرط ولعل هذا أجود الاقوال وهو مختار المصنف هنا وقبله الشيخ وأتباعه إلا القاضي كما عرفت واختاره الشهيد في اللمعة.

ويتفرع على هذا أنها لو شرطاه لاحدهما دون الآخر فمقتضى الخبرين إتباع شرطهما.

وربما أشكل بأن أغلبية الارث

٤٦٢

كونهما من الجانبين، عند وجوده من واحد، ولكن وقع مثله في إرث المسلم الكافر، دون العكس، وإرث الولد المنفي باللعان إن اعترف بما للزوج بعد ذلك، فإن الولد يرثه باشتراط الارث، لا الارث الحقيقي، ولا يخفى مافيه.

ورابعها عكسه وهو اقتضاء العقد الارث، مالم يشترط سقوطه، فيكون المقتضي للارث هو العقد بشرط لا شئ، وإذا شرطا ثبوته كان تأكيدا، أو اشترطا لما يقتضيه العقد، وهذا القول خبرة المرتضى وابن أبي عقيل، وجهه العمل بعموم الآية.

وعموم " المسلمون عند شروطهم " ويؤيده قول الباقر عليه السلام " وإنما الشرط بعد النكاح " وجوابه أن عموم الآية قد خص بما تقدم من الاخبار، وعموم الامر بالوفاء بالشرط نقول بموجبه.

وخبر محمد بن مسلم ضعيف السند، وفيه مع ذلك مخالفة للقواعد المعلومة وهو كون الاعتبار بالشرط المتأخر عن عقد النكاح وقد تقدم أن المعتبر بما كان فيه، والشيخ حمله في كتابي الاخبار، على أن المراد أنهما يتوارثان مالم يشترطا الاجل، فلا إرث حينئذ مع الاطلاق ليكون موافقا للاخبار الدالة على أن عقد المتعة لا يقتضي الارث بذاته هو وإن كان خلاف الظاهر إلا أنه طريق للجمع ولو أطرح لضعف سنده، وقوة مخالفه أمكن وقد تقدم القول في اعتبار الشيخ جعل الشرط بعد العقد. وما فيه ".

جواهر الكلام (مجلد ٣٠ صفحة ١٩٠) " السابع: لايثبت بهذا العقد ميراث بين الزوجين شرطا سقوطه أو أطلقا " وفاقا للاكثر، بل المشهور بل عن الغنية نفي الخلاف عنه ولعله كذلك إلا من القاضي، فجعله كالدوام، لصدق الزوجة التي لايصح اشتراط سقوط إرثها كغيرها من الورثة، ومن ابن أبي عقيل والمرتضى، وكذلك مالم يشترط السقوط، جمعا بين ذلك وبين مادل على لزوم الشرط من قوله صلى الله عليه وآله " المؤمنون " وغيره، وخصوص موثق ابن مسلم في الرجل يتزوج المرأة متعة إنهما يتوارثان إذا لم يشترطا، وإنما الشرط بعد النكاح " لكنهما معا كما ترى، ضرورة إرادة غير المستمتع بها من الروجة بالنصوص المعتبرة التي يمكن دعوى تواترها ".

٤٦٣

(وصفحة ١٩٦) الثامن: إذا انقضى أجلها بعد الدخول أو وهبت الاجل حرة كانت أو أمة بلا خلاف في التسوية بينهما (فعدتها حيضتان) وفاقا للشيخ ومن بعده، كما في كشف اللثام.

(وروى حيضة) وعمل به ابن أبي عقيل على ماقيل، بل عن ابن أذينة أنه مذهب زرارة ".

٤٦٤

في الرضاع

كشف الرموز (مجلد ٢ صفحة ١٢٢) " وقال المفيد: يحرم عشر رضعات متواليات، واختاره سلار وأبوالصلاح، وابن أبي عقيل ".

مختلف الشيعة (مجلد ٢ صفحة ٥١٨) " مسألة: ذهب المفيد، وسلار، وابن البراج، وأبوالصلاح، وابن حمزة، إلى أن المحرم من الرضاع باعتبار العدد عشر رضعات متواليات، وهو قول ابن أبي عقيل من قدمائنا.

(وصفحة ٥١٩) " مسألة: المشهور أن الرضاع في الحولين ينشر الحرمة سواء كان قد فطم قبل الحولين أو لا وقال ابن أبي عقيل الرضاع الذي يحرم عشر رضعات قبل الفطام فمن ضرب بعد الفطام لم يحرم ذلك الشرب".

(وصفحة ٢٩٦) " قال حماد بن عثمان: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول " لا رضاع بعد فطام قال: قلت: جعلت فداك وما الفطام؟ قال: الحولان اللذان قال الله عز وجل "، وبذلك يعلم المراد من قوله عليه السلام في صحيح البقباق " الرضاع قبل الحولين قبل أن يفطم " لا أن المراد منه اعتبار عدم فطامه قبل الحولين أيضا كما عن الحسن بن أبي عقيل، وإلا كان منافيا لاطلاق الاخبار والفتاوى، بل لم نتحقق خلاف الحسن، لان المحكي عنه اعتبار الفطام ويمكن إرادته سن الفطام، فلا خلاف حينئذ في نشره الحرمة فيهما وإن فطم الصبي.

٤٦٥

كتاب الطلاق

كشف الرموز (مجلد ٢ صفحة ٢١١) " في الصيغة قال دام ظله: ولو فسر الطلقة، باثنتين أو ثلاث، صحت واحدة، وبطل التفسير (وقيل): يبطل الطلاق.

ذهب الشيخ إلى أن إرسال الطلاق، أزيد من واحد حرام، ويقع الواحد صحيحا مع الشروط، وهو المختار، وعليه الاكثر.

وقال علم الهدى في الناصريات والانتصار: يبطل في الكل، وبه قال ابن أبي عقيل، إلا أنه قال في الانتصار، في أثناء كلامه: والصحيح من مذهبنا، أنه تقع واحدة (لنا) النقل والاعتبار، أما النقل، فمنه ماروى عكرمة، عن ابن عباس، قال: طلق ركانة بن عبد يزيد امرأته ثلاثا في مجلس واحد، فحزن عليها حزنا شديدا، فسأله رسول الله صلى الله عليه وآله، كيف طلقتها؟ قال: طلقتها ثلاثا، قال: في مجلس واحد؟ قال: نعم، قال صلى الله عليه وآله " إنما تلك واحدة فراجعها إن شئت ".

مختلف الشيعة (مجلد ٢ صفحة ٥٨٦) " وقال السيد المرتضى: مما انفردت به الامامية، القول بأن الطلاق الثلاث بلفظ واحد لايقع.

وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك، وقد روي أن ابن عباس وطاوسا يذهبان إلى ما يقوله الامامية وحكى الطحاوي في كتاب الاختلاف عن محمد بن إسحاق أن الطلاق الثلاث يرد إلى واحدة وهو يشعر ببطلانه أصلا ورأسا، وقال في المسائل الناصرية: إنها تطلق واحدة، وهو الذي يذهب إليه أصحابنا، وقال الشاذ منهم أن الطلاق الثلاث لايقع شئ منه والمعول على ما قدمناه واستدل عليه بوجود المقتضي والابقاع بالثلاث غير مؤثر، كما لو قال عقيب أنت طالق، إن دخلت الدار وأكلت الخبز وقال ابن أبي عقيل لو طلقها ثلاثا بلفظ واحد وهي طاهر لم يقع عليها شئ.

٤٦٦

وفي الصحيح عن بكير بن أعين عن الباقر عليه السلام قال " إن طلقها للعدة أكثر من واحدة فليس الفضل على الواحدة بطلاق " احتج السيد المرتضى وابن أبي عقيل بما رواه أبوبصير في الصحيح عن الصادق عليه السلام قال " من طلق ثلاثا في مجلس واحد فليس بشئ من خالف كتاب الله رد إلى كتاب الله وذكر طلاق ابن عمر " ولان الواحدة المنفردة المقيدة بقيد الوحدة غير مرادة، فلا يقع لاشتراط القصد في الطلاق والثلاث غير واقعة إجماعا ".

مسالك الافهام (مجلد ٢ صفحة ١٢) " ولان الواحد تحصل بقوله، فلانة طالق، وقوله ثلاثا هو الملغى لفقد شرط صحة الزائد عن الواحدة وهو الرجعة، وبه مع ذلك روايات كثيرة منها: صحيحة جيل بن دراج عن أحدهما عليهما السلام أنه سئل عن الذي طلق في حال الطهر في مجلس ثلاثا قال " هي واحدة " وصحيحة الحلبي وعمر بن حنظلة عن أبي عبدالله عليه السلام قال " الطلاق ثلاثا في غير عدة إن كانت على طهر فواحدة، وإن لم يكن على طهر، فليس بشئ " وفي معناهما كثير.

وذهب المرتضى في القول الآخر وابن أبي عقيل وابن أبي حمزة إلى الاول، لصحيحة أبي بصير عن الصادق عليه السلام قال " من طلق ثلاثا في مجلس فليس بشئ فمن خالف كتاب الله رد إلى كتاب الله ".

الحدائق الناضرة (مجلد ٢٥ صفحة ٢٣٤) " قولان: (الاول) للسيد المرتضى في الانتصار وسلار وابن أبي عقيل وابن حمزة (والثاني) للشيخ في النهاية والمرتضى في القول الآخر وابن إدريس والمحقق والعلامة في المختلف وجماعة، والظاهر أنه هو المشهور سيما بين المتأخرين، واتفق الجميع على عدم وقوع المجموع، بمعنى أنه لايقع ثلاثا أو اثنين بمجرد قوله ذلك، بل لابد لوقوع العدد من تخلل الرجعة، والاصل في هذا الاختلاف الروايات والتعليلات.

أما القول الثاني فإن العلامة في المختلف قد استدل عليه بوجود المقتضي، وهو قوله " أنت طالق " وانتفاء المانع، إذ ليس إلا قوله ثلاثا، وهو غير معارض لانه مؤكد لكثرة الطلاق وإيقاعه وتكثير سبب البينونة، والواحدة موجودة في

٤٦٧

الثلاث لتركبها منها ومن وحدتين آخرتين، ولا منافاة بين الكل وجزئه.

فيكون المقتضي وهو الجزء خاليا من المعارض.

جواهر الكلام (مجلد ٣٢ صفحة ٦٧) " وفي إيضاح الفخر: إذا تأخر اختيارها لم يقع اتفاقا وإن اختارت عقيب قوله بلا فصل فالاكثر كالشيخ أنه لايقع، لكن عن ابن أبي عقيل الاكتفاء باختيارها في المجلس، ولعله لخبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام " قلت له: رجل خير امرأته، فقال إنما الخيار لهما ماداما في مجلسهما، فإذا تفرقا فلا خيار لهما ".

(وصفحة ٨١) " ولو فسر الطلقة باثنتين أو ثلاث لم يقع ذلك عندنا بلا خلاف، بل الاجماع بقسميه عليه، بل كأنه من ضروري مذهب الشيعة، وكذا لو كرر الصيغة مرتين أو ثلاثا قاصدا لتعدد الطلاق، نعم هو كذلك عند العامة على نحو غيره مما ابدعوه في الطلاق.

نعم لا خلاف بيننا في وقوع الواحدة في الصورة الثانية، كما أنه لا إشكال فيه أيضا بل الاجماع بقسميه عليه.

أما الاولى ف‍ (قيل) والقائل المرتضى في المحكي من انتصاره وإن كنا لم نتحققه وابنا أبي عقيل وحمزة وسلار ويحيى بن سعيد.

(وصفحة ٨٦) " حينئذ تكون هذه النصوص موافقة لما تسمعه من ابن أبي عقيل من كون الطلاق بعد الرجوع في ذلك الطهر من غير مواقعة ليس طلاقا، ولا يقع منه وإن تعدد إلا الطلاق الاول، فتكون عنده على واحدة، كما يشهد به جملة من النصوص متحد بعضها مع هذه النصوص في المفاد، فتخرج حينئذ عما نحن فيه بالمرة.

ومعارضة هذا كله باحتمال إرادة نفي الثلاث من نفي الشيئية أو احتمال إرادته مع فقد بعض الشرائط كما في طلاق ابن عمر ثلاثا وكانت حائضا كما ترى ".

٤٦٨

(وصفحة ١١٤) " وخبر داود بن الحصين عنه عليه السلام أيضا " كان أمير المؤمنين عليه السلام لايجيز شهادة امرأتين في النكاح، ولا يجيز في الطلاق إلا شاهدين عدلين " إلى غير ذلك من النصوص، بل الظاهر الاتفاق عليه وما عن ابني أبي عقيل والجنيد بل والشيخ في المبسوط من قبول شهادتهن مع الرجال محمول على ثبوته بذلك بعد إيقاعه بشهادة الذكرين، فلا خلاف حينئذ في المسألة، وقد ذكرنا بعض الكلام في ذلك في كتاب الشهادات.

(وصفحة ١٣٨) " ولا ريب في أن هذا هو الاصح بل هو المشهور بين الاصحاب شهرة عظيمة لابأس بدعوى الاجماع معها، إذ لم أجد قائلا بالاولى إلا ما يحكى عن ابن أبي عقيل وقد لحقه الاجماع، فلا إشكال حينئذ في ترجيح هذه النصوص على السابقة، وحملها على ضرب من الاستحباب.

(ومن فقهائنا من حمل) رواية (الجواز على طلاق السنة) الذي هو بمعني خلاف العدي لا الاخص الذي قد عرفته سابقا.

طلاق العبد

مختلف الشيعة (مجلد ٢ صفحة ٥٦٩) " مسألة: المشهور أن العبد إذا تزوج بإذن مولاه بأمة، كان الطلاق بيده، وليس للمولى أن يطلق عنه، ولا أن يجبره عليه.

وقال ابن أبي عقيل وإذا زوج السيد عبده فالطلاق (إلى (بيد السيد، دون العبد، متى شاء السيد فرق بينهما وقال أبوالصلاح لسيده أن يجبره على طلاقها.

(وصفحة ٥٩١) " مسألة: المشهور أن السيد إذا زوج عبده بحرة أو أمة غيره كان الطلاق بيد العبد فإذا طلق جاز وقال ابن أبي عقيل وابن الجنيد لايجوز طلاق مملوك لان طلاق المملوك إلى سيده.

" وقول ابن أبي عقيل وابن الجنيد ليس عندي بعيدا من الصواب ".

٤٦٩

مسالك الافهام (مجلد ١ صفحة ٤١٥) " وذهب جماعة، منهم ابن الجنيد وابن أبي عقيل إلى نفي ملكية العبد للطلاق من رأس، لصحيحة يزيد بن معاوية وغيره، عن أبي جعفر، وأبي عبدالله عليه السلام أنهما قالا " في العبد المملوك ليس له طلاق إلا بإذن مواليه " وصحيحة زرارة عنهما عليهما السلام قالا " المملوك لايجوز طلاقه ولا نكاحه إلا بإذن سيده ".

طلاق الغائب

مختلف الشيعة (مجلد ٢ صفحة ٥٨٧) " قال المفيد رحمه الله: ومن كان غايبا عن زوجته، فليس يحتاج في طلاقها إلى ما يحتاج إليه الحاضر من الاستبراء، لكنه لابد له من الاشهاد.

فإذا أشهد رجلين من المسلمين على طلاقه لها، وقع بها الطلاق إن كانت طاهرا أو حايضا، وعلى كل حال ونحوه قال سلار وقال ابن أبي عقيل: وقد توالت الاخبار عن الصادقين عليهما السلام في أن خمسا يطلقن على كل حال إذا شاء أزواجهن في أي وقت شاؤا وأولهن التي قد يئست من المحيض، والتي لم تبلغ الحيض، والتي لم يدخل بها زوجها، والحامل، والغايب عنها زوجها تطليقة واحدة لا غير، ولم يعتد مدة الغيبة بقدر معين ".

الحدائق الناضرة (مجلد: ٢٥ صفحة ١٨٣) " فأقول: قد ذهب الشيخ المفيد وسلار والشيخ علي بن الحسين بن بابويه وابن أبي عقيل وغيرهم إلى جواز طلاق الغائب إذا كان بحيث لايمكنه استعلام حالها من غير تربص، وأدعى ابن أبي عقيل تواتر الاخبار بذلك.

وقال الصدوق في الفقيه: وإذا أراد الغائب أن يطلق امرأته، فحد غيبته التي إذا غابها كان له أن يطلق متى شاء، أقصاه خمسة أشهر أو ستة أشهر، وأوسطه ثلاثة أشهر وأدناه شهر.

٤٧٠

(وصفحة ١٨٥) " والظاهر أنه بإطلاق هذه الاخبار أخذ الشيخ المفيد ومن تبعه من المشايخ المتقدم ذكرهم كما هو صريح عبارتي ابن أبي عقيل والشيخ علي بن بابويه.

ونحو هذه الاخبار أيضا مارواه في الكافي عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما عليهما السلام " قال: سألته عن الرجل يطلق امرأته وهو غائب؟ قال: يجوز طلاقه على كل حال: وتعتد امرأته من يوم طلقها ".

وما رواه في التهذيب " في الرجل يطلق امرأته وهو غائب، فيعلم أنه يوم طلقها كانت طامثا، قال: يجوز ".

مسالك الافهام (مجلد ٢ صفحة ٥) " قد عرفت أن طلاق الحائض إذا كان زوجها غائبا جايز، والجملة للنصوص الصحيحة والاجماع ولكن اختلف الاصحاب في أنه هل يكفي في جوازه مجرد الغيبة، أم لابد معها من أمر آخر، ومنشأ الاختلاف اختلاف الاخبار الواردة في ذلك، فإن منها ماهو مطلق في تجويزه له كالاخبار السابقة وغيرها، مما هو في معناها مقيدة بمدة فذهب المفيد وعلي بن بابويه وابن أبي عقيل وأبوالصلاح وغيرهم إلى جواز طلاقها، حيث لايمكنه استعلام حالها من غير تربص لما مر، ولصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سئلته عن الرجل يطلق امرأته وهو غائب؟ قال " يجوز طلاقه على كل حال ويعتد امرأته من يوم طلقها ".

رسائل الكركي (مجلد ٢ صفحة ٢٠٩) " اختلف كلام الاصحاب في أن الغائب إذا أراد أن يطلق زوجته، وقد خرج عنها في طهر قد قربها فيه كم يتربص لها ثم يطلقها؟ فقال الشيخ في النهاية: إنه يتربص بها شهرا ثم يطلقها، فيقع الطلاق وإن كانت حائضا.

وفي موضع آخر منها: أنها متى كانت طاهرا طهرا لم يقاربها فيه بجماع طلقها متى شاء، وإن كانت طاهرا طهرا قربها فيه بجماع فلا يطلقها حتى يمضي مابين شهر إلى ثلاثة أشهر.

وأطلق المفيد وسلار جواز طلاق الغائب متى أراد.

وقريب من ذلك ابن أبي عقيل، وعلي بن بابويه ".

٤٧١

جواهر الكلام (مجلد: ٣٢ صفحة ٣٠) " ولعل السر في الاكتفاء بذلك في الغائب تعذر معرفة حالها حينه أو تعسره غالبا.

ومن هنا ألحق بالغائب نصا وفتوى كما ستعرف الحاضر المتعذر عليه معرفة حيضها وطهرها أو المتعسر، ولعل ذلك هو السر أيضا في عد الغائب عنها زوجها في المستفيض من نصوص الخمس التي يطلقن على كل حال بل عن أبن أبي عقيل تواتر الاخبار بذلك، وصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام " سألته عن الرجل يطلق امرأته وهو غائب، قال: يجوز طلاقه على كل حال، وتعتد امرأته من يوم طلقها " وخبر أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام " في الرجل يطلق امرأته وهو غائب فيعلم أنه يوم طلقها كان طامثا قال: يجوز " إلى غير ذلك من النصوص التي ستسمعها.

في الرجوع

كشف الرموز (مجلد ٢ صفحة ٢١٩) " رواية المعلى بن خنيس، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: الذي يطلق، ثم يراجع إمرأته تطليقة، ثم يطلقها الثانية، قبل أن يراجع قال أبوعبدالله عليه السلام " لايقع الطلاق الثاني حتى يراجع ويجامع ".

فحمل رواية الجواز على السنة، ورواية المنع على العدة، على ما فسرهما، وهو حسن لان طلاق العدة، لايحصل إلا بالوطئ.

والاصح إطلاق القول بصحته، لكن لايسمى عدة.

وقال ابن أبي عقيل: لايصح طلاقها إلا في طهر آخر، ولا ينقضي الطهر

٤٧٢

الاول، إلا بتدنيس (بتقدير خ) المواقعة بعد المراجعة (الرجعة خ) ".

مختلف الشيعة (مجلد ٢ صفحة ٥٩٢) " مسألة: إذا طلق المدخول بها ثم راجعها في العدة، جاز له طلاقها ثانيا من غير جماع، لكن لايسمى طلاق العدة، وهو قول أكثر علمائنا.

وقال ابن أبي عقيل فلو طلقها من غير جماع بتدنيس مواقعة بعد المراجعة، لم يجز ذلك، لانه طلقها من غير أن تنقضي الطهر الاول، ولا تنقضي الطهر الاول إلا بتدنيس المواقعة بعد المراجعة، وإذا جاز أن يطلق التطليقة الثانية بلا طهر جاز أن يطلق كل تطليقة بلا طهر، ولو جاز ذلك لما وضع الله الطهر، ولو طلقها ثم خرج إلى سفر فأشهد على رجعتها شاهدي عدل وهو غايب عنها في سفره، ثم طلقها وهو في سفره، لم يجز ذلك ".

مسالك الافهام (مجلد ٢ صفحة ١٧) " وصحيحة أحمد بن أبي نصر قال: سئلت الرضا عليه السلام عن رجل طلق امرأته بشاهدين، ثم راجعها ولم يجامعها بعد الرجعة حتى طهرت من حيضها، ثم طلقها على طهر بشاهدين أيقع عليها التطليقة الثانية، وقد راجعها ولم يجامعا قال " نعم " وخالف في ذلك ابن أبي عقيل فقال: لو طلقها من غير جماع بتدنيس مواقعة بعد المراجعة لم يجز ذلك لانه طلقها من غير أن ينقضي ولا ينقضي الطهر إلا بتدنيس المواقعة بعد المراجعة، فإذا جاز أن يطلق التطليقة الثانية بلا طهر جاز أن يطلق كل تطليقة بلا طهر، ولو جاز ذلك لما وضع الله الطهر وإنما ذكرنا عبارته لاشتمالها على الاستدلال على حكمه، وبه يظهر ضعف قوله مع شذوذه.

(وصفحة ١٨) " عن أبي جعفر عليه السلام قال: سئلته عن المراجعة بغير جماعة تكون رجعة؟ قال " نعم " ومثلها صحيحة محمد بن مسلم عنه عليه السلام وأما خبر عبدالرحمن بن الحجاج فهو وإن كان صحيحا إلا أنهم لم يتعرضوا له في تلك المسألة وإنما ذكرناه

٤٧٣

نحن، ومع ذلك فلا يعارض الصحيحتين ويمكن الجمع بينهما بما ذكرناه وبأن هذا الخبر إنما دل على النهي عن الطلاق قبل المسيس والنهي بمجرده لايفيد البطلان في غير العبادات، فلا تعارض فلذلك كان القول بجواز الطلاق من دون الوطي أصح وأما الثانية فالامر فيها بالعكس، فإن كان الخبر الدال على الجواز ليس من الصحيح، لكنه من الموثق، والصحيح أرجح منه فكان العمل بمقتضاه أولى، ولكنه ليس بمتعين لانه لايدل على البطلان كما ذكرناه ويمكن حمله على الكراهة لمعارضة ماتقدم له في المسألة الاولى وإذا حمل لاجلها على شئ سقطت دلالته على الثانية وبقي موثقة إسحق بن عمار، ولا معارض لها.

ويؤيدها عموم ما دل على جواز تطليق الزوجة من الكتاب والسنة فإن المراجعة في مجلس الطلاق زوجة قطعا ومع ذلك فلا قائل بالمنع من الطلاق في المسألتين سوى ابن أبي عقيل في الاولى صريحا وفي الثانية لزوما وهو غير قادح في الاجماع على الجانب الآخر على قواعد الاصحاب كما علم غير مرة وأما موافقة الشيخ له في المنع من طلاق العدة فغير قادح في المخالفه لان في الطلاق المتعدد الذي جوز في المجلس الواحد بتخلل الرجعة لايقول أحد انه طلاق عدة.

" تنبيه لامور الاول ماذكره المصنف من قوله بعد نقل الروايتين والاولى الخ.

أجود من قول العلامة في القواعد أنه يجوز تعدد الطلاق في الطهر الاولى على أقوى الروايتين لما عرفت من أن رواية الجواز ليست أقوى من رواية المنع لانها صحيحة وتلك موثقة تعد من قسم الضعيف وزاد ولده في الشرح إشكالا بقوله وإنما كانت الاولى أقوى من حيث السند ومن حيث اعتضادها بعموم القرآن والاخبار الصحاح فإن السند فيها أضعف قطعا لا أقوى وأما الدلالة فقد ذكرنا ما فيها، الثاني الاولوية المذكورة من حيث دلالة الاخبار الصحيحة على جواز الطلاق بعد الطهر من غير جماع كما ذكرناه بخلاف تعدد الطلاق في الطهر الواحد ومع ذلك ففيها دلالة على جواز الطلاق ثانيا في الطهر الاول لان الاول لايمنع من نقيضه وقال فخر الدين أيضا إن وجه الاولوية ارتفاع الخلاف فيه ولا يخفي مافيه لان الخلاف لايرتفع بذلك لما عرفت من أن ابن أبي عقيل لايجوز الطلاق إلا بعد المواقعة وليس الخلاف هنا إلا معه.

٤٧٤

(وصفحة ٤٥) " أما الشيخ فلا يمنع من أصل الطلاق المتعدد سواء تفرقت على الاطهار أم لا وإنما يمنع من نوع خاص منها كما عرفت فليس الخلاف في المسئلتين على وجه يتحقق ثمرته إلا مع ابن أبي عقيل ولا خروج من خلافه إلا بالجماع بعد الرجعة كما حكاه الباقر عليه السلام عن فعله الثالث حيث يجوز الطلاق ثانيا في العدة من غير وقاع يكون الطلقة رجعية ايضا كالاولى وان كان واقعا بعد الرجعة السابقة من غير مسيس لان الرجعة ترفع اثر الطلاق السابق وتصير الزوجة مدخولا بها كما كانت قبل الطلاق كما دلت عليه الاخبار السابقة. ".

(وصفحة ١٤٠) " وبذلك كله ظهر لك أن الاطناب في المسالك والحدائق في المقام لا حاصل له، خصوصا بعد استقرار كلمة الاصحاب من زمن ابن أبي عقيل إلى يومنا هذا على ذلك إلا من بعض أهل الوسوسة ممن لم يعض على الامر بضرس قاطع، والله العالم.

وربما جمع بين النصوص بأنه إن كان غرضه من الرجعة التطليقة الاخرى إلى أن تبين منه فلا يتم مراجعتها، ولا يصح طلاقها بعد المراجعة، ولا تحسب من الثلاث حتى يمسها، وإن كان غرضه من الرجعة أن تكون في حباله، وله فيها حاجة ثم بدا له أن يطلقها فلا حاجة إلى المس، ويصح طلاقها، ويحسب من الثلاث، والوجه أن أكثر ما يكون غرض الناس من المراجعة البينونة، كما أومأ إليه الباقر عليه السلام في خبر أبي بصير السابق.

وربما أيد ذلك بالمروي في تفسير قوله تعالى " ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا " عن أبي عبدالله عليه السلام " الرجل يطلق حتى إذا كاد أن يخلو (يحل خ) أجلها راجعها، ثم طلقها، يفعل ذلك ثلاث مرات، فنهى الله تعالى عن ذلك ".

وخبر الحسن بن زياد عنه عليه السلام " لا ينبغي للرجل أن يطلق امرأته ثم يراجعها وليس له فيها حاجة ثم يطلقها، فهذا الضرار الذي نهى الله تعالى عنه، إلا أن يطلق ويراجع وهو ينوي الامساك ".

٤٧٥

(الحدائق الناضرة (مجلد ٢٥ صفحة ٢٩٤) " إنما الخلاف فيما إذا طلقها بعد المراجعة الخالية من المواقعة، سواء كان في طهر الطلاق الاول أو الطهر الذي بعده، والمشهور بين الاصحاب صحة الطلاق.

ونقل عن ابن أبي عقيل أنه خالف في ذلك وحكم بعدم وقوع الطلاق على هذا الوجه، سواء كان في طهر الطلاق الاول أو الطهر الذي بعده، وهذه صورة عبارته على ما نقله عنه غير واحد منهم العلامة في المختلف وغيره.

قال رحمه الله: لو طلقها من غير جماع قبل تيسر المواقعة بعد الرجعة لم يجز ذلك، لانه طلقها من غير أن ينقضي الطهر الاول، ولا ينقضي الطهر الاول إلا بتدليس المواقعة بعد المراجعة، فإذا جاز أن يطلق التطليقة الثانية بلا طهر جاز أن يطلق كل تطليقة بلا طهر، ولو جاز ذلك لما وضع الله الطهر، انتهى.

واعترضاه شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بعد نقل عبارته ".

(وصفحة ٢٩٦ و٢٩٧) " عن أبي جعفر (ع) " قال: قلت له: الرجعة بغير جماع تكون رجعة؟ قال: نعم ".

وظني أن هذه الاستدلال ليس في محله، فإنه لايفهم من كلام ابن أبي عقيل منع حصول الرجعة إلا بالجماع معها، بل ظاهر عبارته أن مراده إنما هو كون الجماع شرطا في صحة الطلاق الواقع بعد الرجعة، فالرجعة تقع وإن لم يكن ثمة جماع، ولكن لو طلقها والحال هذه لم تحسب له إلا بالتطليقة الاولى دون هذه.

والذي يدل على ما ذهب إليه ابن أبي عقيل صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج " قال: قال أبوعبدالله (ع) في الرجل يطلق امرأته، له أن يراجع؟ قال: لايطلقن التطليقة الاخرى حتى يمسها ".

ورواية المعلي بن خنيس عن أبي عبدالله " في الرجل يطلق امرأته تطليقة، ثم يطلقها الثانية قبل أن يراجع، فقال أبوعبدالله (ع): لايقع الطلاق الثاني حتى يراجع ويجامع ".

هذه الروايات الثلاث صريحة فيما ذهب إليه ابن أبي عقيل، مع أنه لم ينقلها، وإنما نقلها الاصحاب له في كتب الاستدلال، واستدل له في المختلف وتبعه عليه جملة من

٤٧٦

المتأخرين عنه برواية أبي بصير عن أبي عبدالله " قال: المراجعة هي الجماع وإلا فإنما هي واحدة".

وفي هذا الاستدلال ما عرفت آنفا، والظاهر أنهم فهموا من منع ابن أبي عقيل من الطلاق ثانيا بعد الرجعة بدون جماع أن الوجه فيه عدم حصول الرجعة بالكلية، فيصير الطلاق لاغيا.

وأنت خبير بأنه لادلالة في كلامه على ذلك إذ أقصى مايدل عليه عدم صحة ذلك الطلاق الاخير خاصة، وأما أن العلة فيه عدم حصول الرجعة، فلا دلالة فيه عليه.

ويدل على هذا القول أيضا صحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) " أنه قال: كل طلاق لايكون على السنة أو على العدة فليس بشئ " ثم فسر (ع) طلاق السنة وطلاق العدة بما تقدم ذكره في سابق هذه المسألة ".

(وصفحة ٢٩٩) " أقول: ويقرب بالبال العليل والفكر الكليل أن هذا الخبر هو معتمد ابن أبي عقيل فيما ذهب إليه، وإن دلت تلك الاخبار الاخر أيضا عليه، حيث إن كلامه في التحقيق راجع إلى نقل هذا الخبر بالمعنى في بعض، وبألفاظه في آخر وحاصل معنى الخبر المذكور أنه لو طلق ثم راجع من غير مواقعة ثم طلقها في طهر آخر لم يكن ذلك طلاقا، لانه وقع في طهر الطلقة الاولى، وقوله " ولا ينقض الطهر..

إلخ " في مقام التعليل ذلك، بمعنى أن الطهر الآخر الذي تصير به الطلقة الواقعة فيه ثانية، وتكون صحيحة هو ما وقع بعد الرجعة المشتملة على المواقعة، ثم الحيض بعدها والطهر منه.

جواهر الكلام (مجلد ٣٢ صفحة ١٤٠) " وبذلك كله ظهر لك أن الاطناب في المسالك والحدائق في المقام لا حاصل له، خصوصا بعد استقرار كلمة الاصحاب من زمن ابن أبي عقيل إلى يومنا هذا على ذلك إلا من بعض أهل الوسوسة ممن لم يعض على الامر بضرس قاطع، والله العالم.

وربما جمع بين النصوص بأنه إن كان غرضه من الرجعة التطليقة الاخرى إلى أن تبين منه فلا يتم مراجعتها، ولا يصح طلاقها بعد المراجعة، ولا تحسب من الثلاث حتى يمسها، وإن كان غرضه من الرجعة أن تكون في حباله، وله فيها حاجة ثم بدا له أن يطلقها فلا حاجة إلى المس، ويصح طلاقها، ويحسب من الثلاث، والوجه أن

٤٧٧

أكثر مايكون غرض الناس من المراجعة البينونة، كما أومأ إليه الباقر عليه السلام في خبر أبي بصير السابق.

وربما أيد ذلك بالمروي في تفسير قوله تعالى " ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا " عن أبي عبدالله عليه السلام " الرجل يطلق حتى إذا كاد أن يخلو (يحل خ).

٤٧٨

في تخيير المرأة

مختلف الشيعة (مجلد ٢ صفحة ٥٨٤) " وقال ابن أبي عقيل: والخيار عند آل الرسول عليهم السلام أن يخير الرجل امراته ويجعل أمرها إليها في أن تختار نفسها أو تختاره بشهادة شاهدين من قبل عدتها، فان اختارت المرأة نفسها في المجلس فهي تطليقة واحدة، وهو أملك برجعتها مالم تنقض عدتها وإن اختارت زوجها فليس بطلاق، ولو تفرقها ثم اختارت المرأة نفسها لم يقع شئ.

ولو قال لها قد جعلت أمرك بيدك فاختاري نفسك في مجلس فسكتت أو تحولت عن مجلسها بطل اختيارها لترك ذلك، وإن سمى الرجل في الاختيار وقتا معلوما ثم رجع عنه قبل بلوغ الوقت، كان ذلك له، وليس يجوز للزوج أن يخيرها أكثر من واحدة بعد واحدة، وخيار بعد خيار بطهر وشاهدين، فإن خيرها أكثر من واحدة أو خيرها أن تخير نفسها في غير عدتها كان ذلك ساقطا غير جايز وإن خير الرجل أباها أو أخاها أو واحدة من أوليائها كان كاختيارها.

" في الموثق عن الباقر عليه السلام قال: قلت له: رجل خير امرأته فقال " الخيار لها مادام في مجلسهما فإذا تفرقها فلا خيار لهما فقلت أصلحك الله فإن طلقت نفسها ثلاث قبل أن يتفرقا من مجلسهما قال لايكون أكثر من واحدة وهو أحق برجعتها قبل أن تنقضي عدتها فقد خير رسول الله صلى الله عليه وآله نساء‌ه فاخترنه فكان ذلك طلاقا فقال: فقلت له: لو اخترن أنفسهن لبن قال: فقال لي: ماظنك برسول الله صلى الله عليه وآله لو اخترن أنفسهن كان يمسكهن " احتج الآخرون بما رواه زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال " إذا اختارت نفسها فهي تطليقة باينة وهو خاطب من الخطاب وإن اختارت زوجها فلا شئ " وعن يزيد الكناسي عن الباقر عليه السلام قال " لاتثر المخيرة من زوجها شيئا في عدتها لان العصمة قد انقطعت فيما بينها وبين زوجها من ساعتها فلا رجعة له عليها ولا ميراث بينهما " إذا عرفت هذا فإن ابن أبي

٤٧٩

عقيل جعله طلقة رجعية وكذا ابن الجنيد إلا أن ابن الجنيد قال إن كان عن عوض كان باينا وإلا كان رجعيا".

مسالك الافهام (مجلد ٢ صفحة ١٠) " قوله: ولو خيرها، اتفقت علماء الاسلام ممن عدا الاصحاب على جواز تفويض الزوج أمر الطلاق إلى المرأة ويخيرها في نفسها ناويا به الطلاق ووقع الطلاق لو اختارت نفسها، وكون ذلك بمنزلة توكيلها في الطلاق، وجعل التخيير كناية عنه، أو تمليكا لها نفسها.

والاصل فيه أن النبي صلى الله عليه وآله خير نساء‌ه بين المقام معه وبين مفارقته لما نزل قوله تعالى " يا أيها النبي قل لازواجك " الآية، والتي بعدها وأما الاصحاب فاختلفوا، فذهب جماعة منهم ابن الجنيد وابن أبي عقيل والسيد المرتضى وظاهر ابني بابويه إلى وقوعه به أيضا، إذا اختارت نفسها بعد تخييره لها على الفور مع اجتماع شرائط الطلاق من الاستبراء، وسماع الشاهدين ذلك وغيره، وذهب الاكثر ومنهم الشيخ والمتأخرون بعده، إلى تخييره لها على القوم عدم وقوعه بذلك.

(وصفحة ١١) " فاعلم أن القائلين بوقوعه به، اختلفوا في أنه هل يقع طلاقا رجعيا أو باينا فقال ابن أبي عقيل يقع رجعيا لرواية زرارة السابقة عن أبي جعفر عليه السلام وفي آخرها قلت: أصلحك الله فإن طلقت نفسها ثلاثا قبل أن يتفرقا من مجلسهما قال " لايكون أكثر من واحدة وهو أحق برجعتها قبل أن تنقضي عدتها فقد خير رسول الله صلى الله عليه وآله نساء‌ه فاخترنه فكان ذلك طلاقا فقلت له لو اخترن أنفسهن لبن قال: فقال: ماظنك برسول الله لو اخترن أنفسهن كان يمسكهن " وقيل يكون باينة.

" مقتضى الرواية اشتراط وقوع الاخيتار من المرأة في المجلس، وبمضمونها أفتى ابن أبي عقيل فقال والخيار عند آل الرسول صلى الله عليه وآله أن يخير الرجل امرأته ويجعل أمرها إليها في أن تختار نفسها، أو تختاره بشهادة شاهدين في قبل عدتها، فإن اختارت نفسها في المجلس فهي تطليقة واحدة ومقتضى إطلاقه أنه لافرق بين طول المجلس وقصره، ولا بين تخلل كلام أجنبي بين التخيير والاختيار وعدمه ".

٤٨٠

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554