رسالة في الأحاديث المقلوبة في مناقب الصحابة

رسالة في الأحاديث المقلوبة في مناقب الصحابة50%

رسالة في الأحاديث المقلوبة في مناقب الصحابة مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 77

رسالة في الأحاديث المقلوبة في مناقب الصحابة
  • البداية
  • السابق
  • 77 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 41319 / تحميل: 5967
الحجم الحجم الحجم
رسالة في الأحاديث المقلوبة في مناقب الصحابة

رسالة في الأحاديث المقلوبة في مناقب الصحابة

مؤلف:
العربية

رسالة في الاحاديث المقلوبة في مناقب الصحابة

تأليف

السيّد علي الحسيني الميلاني

١

بسم الله الرحمن الرحيم

٢

٣
٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.

وبعد فهذه رسالة موضوعها « الأحاديث المقلوبة في فضائل الصحابة » كتبتها حول هذا الجانب من تراثنا وقد كتب لها أن تنشر في « تراثنا » كشفت فيها عن جانب من التلاعب الواقع في الأحاديث المروية عن سيّد البريّة لأغراضٍ سياسية

وقد تعرضنا هنا إلى أربعة من تلك الأحاديث وعلى هذه فقس ما سواها والله الهادي إلى سواء السبيل.

* * *

٥

الحديث الاوّل

حديث المنزلة

لقد اتفق المسلمون على رواية حديث المنزلة في حق أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام وأخرجه من علماء أهل السنة : البخاري ومسلم وغيرهما من أرباب الصحاح ، وكذا رواه أصحاب المسانيد والمعاجم وغيرهم من كبار المحدّثين القدماء والمتأخرين وإليك نص الحديث كما في الصحاح.

حديث المنزلة بشأن أمير المؤمنين :

أخرج البخاري قائلاً :

« حدثنا محمد بن بشار ، ثنا غندر ثنا شعبة ، عن سعد ، قال : سمعت إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ، قال : قال النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم لعلي : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى »(١) .

قال : « حدثنا مسدّد ، قال : حدثنا يحيى ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن مصعب بن سعد ، عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم خرج إلى تبوك فاستخاف علياً فقال : أتخلفني في الصبيان والنساء؟ قال : ألا ترض أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه ليس نبي بعدي »(٢) .

وأخرج مسلم ، قال : « حدثنا يحيى بن يحيى التميمي وأبو جعفر محمد بن الصباح وعبيد الله القواريري وسريح بن يونس ، كلّهم عن يوسف بن الماجشون

__________________

(١) مناقب علي بن أبي طالب من كتاب المناقب.

(٢) باب غزوة تبوك من كتاب المغازي.

٦

ـ واللفظ لابن الصباح ـ قال : نا يوسف أبو سلمة الماجشون ، قال : ثنا محمد بن المنكدر عن سعيد بن المسيّب ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم لعي : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلآ أنه لا نبي بعدي.

قال سعيد : فأحببت أن أشافه بها سعداًً ، فلقيت سعداً فحدّثته بما حدّثني به عامر ، فقال : أنا سمعته. قلت : أنت سمعته؟! قال : فوضع إصبعيه على أذنيه فقال : نعم وإلأ فاستُكّتا.

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : نا غندر ، عن شعبة.

ح وحدثنا محمد بن مثنى وابن بشار ، قالا : نا محمد بن جعفر ، قال : نا شعبة ، عن الحكم ، عن مصعب بن سعد ، عن سعد بن أبي وقاص ، قال : خلّف رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم علي بن أبي طالب في غزوة تبوك ، فقال : يا رسول الله تخلّفني في النساء والصبيان؟ فقال : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي.

حدثناه عبيدالله بن معاذ ، قال : نا أبي ، قال : نا شعبة ، في هذا الإسناد.

حدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن عبّاد ـ وتقاربا في اللفظ ـ قالا : نا حاتم ـ وهو ابن إسماعيل ـ عن بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه ، قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال : ما منعك أن تسب أبا تراب؟! فقال : أما ما ذكرت ثلاثا قالهّن له رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم فلن أسبه ، لئن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم : سمعت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم يقول له ـ وخلّفه في بعض مغازيه ، فقال له عليّ : يا رسول الله! خلفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبوّة بعدي.

وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطين الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله. قال : فتطاولنا لها ، فقال : أدعوا لي علياً ، فأتي به أرمد ، فبصق في عينيه ودفع

٧

الراية إليه ، ففتح الله عليه.

ولما نزلت هذه الآية :( ندع أبناءنا وأبناءكم ) دعا رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسينا ، فقال : اللهم هؤلاء أهلي.

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا غندر عن شعبة.

ح وحدّثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا : ثنا محمد بن جعفر. ثنا شعبة ، عن سعد بن إبراهيم ، قال : سمعت إبراهيم بن سعد ، عن سعد ، عن النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلم أنه قال لعليّ : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى »(١) .

المحاولات السقيمة في ردّ حديث المنزلة :

ثم إن القوم لمّا رأوا صحّة هذا الحديث سنداً ، بل تواتره من طرقهم المعتبرة عندهم التجأوا إلى التشكيك في دلالته على أفضلية أمير المؤمنين وخلافته عن رسول رب العالمين فراجع كتب الحديث والكلام.

فجاء آخرون وانتبهوا إلى سقوط تلك التشكيكات فاضطروا إلى القدح في سنده ، وإن كان متفقاً عليه بين أرباب الصحاح وغيرهم من أئمة الحديث كما لا يخفى على من راجع كتاب « الصواعق المحرقة ».

وهناك من رأى أن لا جدوى في الطعن بالسند والدلالة ، فعمد إلى لفظ الحديث وحرفه بما لا يتفوّه به مسلم فقال بأن لفظه : عليّ مني بمنزلة قارون من موسى ...!!! كما لا يخفى على من راجع كتب الرجال بترجمة « حريز بن عثمان ».

قلب حديث المنزلة :

وقلب آخرون الحديث إلى الشيخين :

قال الخطيب : « أخبرنا الطاهري ، أخبرنا أبو القاسم علي بن الحسن بن عليّ

__________________

(١) باب فضائل عليّ بن أبي طالب من كتاب المناقب.

٨

ابن زكريا الشاعر ، حدثنا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ، حدثنا بشر بن دحية ، حدثنا قزعة بن سويد ، عن ابن أبر ، مليكة ، عن ابن عباس :

أن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم قال : أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى »(١)

وقال المتقي :

« أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى.

خط ، وابن الجوزي في الواهيات ، عن ابن عبّاس »(٢) .

وكذا قال المناوي(٣) .

نظرات في سنده :

أقول :

وهذا السند في غاية السقوط ، ففيه :

١ ـ ابن أبي مليكة ،

وقد عرفته في بحثنا حول حديث « خطبة عليّ ابنة أبي جهل » الموضوع الباطل(٤) .

٢ ـ قزعة بن سويد ،

روى ابن أبي حاتم عن أحمد : « مضطرب الحديث » وعن ابن معين « ضعيف » وعن أبيه أبي حاتم الرازي : « لا يحتج به »(٥) .

وذكر ابن حجر عن البخاري : « ليس بذاك القوي » وعن أبي دواد والعنبري

__________________

(١) تاريخ بغداد ١١ / ٣٨٤.

(٢) كنز العمال ١١ / ٥٦٧.

(٣) كنوز الحقائق ـ حرف الألف.

(٤) وهو موضوع الرسالة السادسة من هذه الرسائل.

(٥) الجرح والتعديل ٧ / ١٣٩.

٩

والنسائي : « ضعيف » وعن ابي حبان : « كثير الخطأ ، فاحش الوهم ، فلما كثر ذلك في روايته سقط الاحتجاج بأخباره »(١) .

وذكره الذهبي في « الميزان » وقال : « له حديث منكر عن ابن أبي مليكة ...»(٢) .

وستأتي كلمة ابن الجوزي.

٣ ـ بشر بن دحية ،

قال ابن حجر : « بشر بن دحية ، عن قزعة بن سويد ، وعنه محمد بن جرير الطبري ، ضعفه المؤلف في ترجمة عمار بن هارون المستملي في أصل الميزان ...».

أقول : وستقف على نص العبارة وفيها عن الذهبي : « هذا كذب ، وهو من بشر ».

وفيها قول ابن حجر : « وشيخ الطبري [يعني بشراً] ما عرفته ، فيجوز أن يكون هو المفتري ».

٤ـ عليّ بن الحسن الشاعر ،

وهذا الرجل كذبه غير واحد ، بل هو المتهم بوضع هذا الحديث عند بعضهم كما ستعرف.

تصريحات حوله :

ولقد نصّ جماعة من نقاد الحديث على أنه حديث كذب موضوع ، ومنهم : ابن عدي وابن الجوزي والذهبي وابن حجر العسقلاني ، ونحن في هذا المقام ننقل عبارة ابن الجوزي ثم عبارات ابن حجر ، وفيها الكفاية :

قال ابن الجوزي :

« أخبرنا أبو منصور القزّاز قال : أنا أبو بكر ابن ثابت ، قال : أخبرنا عليّ بن

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٨ / ٣٣٦.

(٢)ميزان الاعتدال ٣ / ٣٩٠.

(٣)لسان الميزان ٢ / ٢٣.

١٠

عبد العزيز الطاهري ، قال : نا أبو القاسم عليّ بن الحسن بن علي بن زكريا الشاعر ، قال : نا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ، قال : نا بشر بن دحية ، قال : نا قزعة بن سويد ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس : أن النبي قال : أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى.

قال المؤلف : هذا حديث لا يصحّ ، والمتّهم به الشاعر ، وقد قال أبو حاتم الرازي : لا يحتج بقزعة بن سويدة : وقال أحمد : هو مضطرب الحديث »(١) .

وقال ابن حجر بترجمة بشر بن دحية :

« بشر بن دحية ، عن قزعة بن سويد ، وعنه محمد بن جرير الطبري. ضعفه المؤلّف في ترجمة عمّار بن هارون المستملي في أصل الميزان ، فذكر عن ابن عديّ أنه قال : محمد بن نوح ، ثنا جعفر بن محمد الناقد ، ثنا عمار بن هارون المستملي ، أنا قزعة ابن سويد ، عن ابن أبي مليكة ، عن أبن عبّاس رفعه : ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر. الحديث ، وفيه : وأبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى.

قال ابن عدي : وحدثناه ابن جرير الطبري ، ثنا بشر بن دحية ، ثنا قزعة بنحوه.

قال الذهبي : هذا كذب ، وهو من بشر.

قال : ثم قال ابن عديّ : ورواه مسلم بن إبراهيم عن قزعة.

قال الذهبي : وقزعة ليس بشيء.

قلت : فبريء بشر من عهدته ، وسيأتي في ترجمة عليّ بن الحسن بن عليّ بن زكريّا الشاعر أن المؤلف اتهمه به وأنه بريء من عهدته »(٢) .

وقال ابن حجر بترجمة الشاعر :

« علي بن الحسن بن عليّ بن زكريا الشاعر ، عن محمد بن جرير الطبري ،

__________________

(١) العلل المتناهية ١ / ١٩٩.

(٢)لسان الميزان ٢ / ٢٣.

١١

بخبر كذب هو المتهم به ، متنه : أبو بكر(١) مني بمنزلة هارون من موسى. إنتهى. ولا ذنب لهذا الرجل فيه كما سأبينه.

قال الخطيب في تاريخه : أنا عليّ بن عبد العزيز الطاهري ، أنا أبو القاسم عليّ ابن الحسن بن عليّ بن زكريا الشاعر ، حدثنا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ، حدثنا بشر بن دحية ، حدثنا قزعة بن سويد ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ بهذا الحديث.

فشيخ الطبري ما عرفته ، فيجوز أن يكون هو المفتري ، وقد قدّمت كلام المؤلف فيه في ترجمته ، وأنّ ابن عديّ أخرج الحديث المذكور بأتمّ من سياقه عن ابن جرير الطبري بسنده. فبريء ابن الحسن من عهدته »(٢) .

* * *

__________________

(١) كذا.

(٢) لسان الميزان ٤ / ٢١٩.

١٢

الحديث الثاني

حديث المباهلة

ومن فضائل أهل البيت « حديث المباهلة » فإنه لمّا نزلت الآية المباركة :( فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) (١) خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعلي وفاطمة والحسنينعليهم‌السلام إلى المباهلة ...

حديث المباهلة بأهل البيت :

وقال السيوطي : « أخرج ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وأبو نعيم عن الشعبي قال : كان أهل نجران أعظم قوم من النصارى قولاً في عيسى بن مريم ، فكانوا يجادلون النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم فيه. فأنزل الله هذه الآيات في سورة آل عمران :( إن مثل عيسى عند الله ) إلى قوله :( فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) . فأمر بملاعنتهم ، فواعدوه لغدٍ ، فغدا النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ومعه علي والحسن والحسين وفاطمة ، فأبوا أن يلاعنوه وصالحوه على الجزية. فقال النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم : لقد أتاني البشير بهلكة أهل نجران حتى الطير على الشجر لو تّموا على الملاعنة »(٢) .

قال : « وأخرج مسلم والترمذي وابن المنذر والحاكم والبيهقي في سننه عن سعد

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ : ٦١.

(٢) الدر المنثور في التفسير بالمأثور ٢ / ٣٩.

١٣

ابن أبي وقاص قال : لمّا نزلت هذه الآية :( قل تعالوا ندع ابناءنا وأبناءكم ) دعا رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم عليّاً وفاطمة وحسنا وحسينا فقال : اللهم هؤلاء أهلي »(١) .

قال : « وأخرج الحاكم وصحّحه ، وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن جابر قال : قدم على النبي السيد والعاقب فغدا رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلم وأخذ بيد عليّ وفاطمة والحسن والحسين ، ثم أرسل إليهما فأبيا أن يجيباه وأقرا له. فقال : والذي بعثني بالحق لو فعلا لأمر الوادي عليهما ناراً.

قال جابر : فيهم نزلت :( تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) الآية. قال جابر : أنفسنا وأنفسكم : رسول الله وعلي. وأبناءنا : الحسن والحسين. ونساءنا : فاطمة »(٢) .

قال : « وأخرج ابن جرير عن علباء بن أحمر اليشكري : نزلت هذه الآية :( قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) الايه. أرسل رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم إلى عليّ وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين ، ودعا اليهود ليلاعنهم. فقال شاب من اليهود : ويحكم أليس عهدكم بالأمس إخوانكم الذين مسخوا قردة وخنازير! لا تلاعنوا!فانتهوا »(٣) .

فمن رواة الحديث :

١ ـ أبو بكر ابن أبي شيبة.

٢ ـ سعيد بن منصور.

٣ ـ عبد بن حميد.

٤ ـ مسلم بن الحجّاج.

٥ ـ أبو عيسى الترمذي.

__________________

(١) الدر المنثور في التفسير بالمأثور ٢ / ٣٩.

(٢) الدر المنثور ٢ / ٣٩.

(٣) الدر المنثور ٢ / ٤٠.

١٤

٦ ـ أبو عبدالله الحاكم.

٧ ـ ابن المنذر

٨ ـ محمد بن جرير الطبري.

٩ ـ أبو بكر البيهقي.

١٠ ـ أبو نعيم الأصفهاني.

١١ ـ جلال الدين السيوطي.

وأخرجه أحمد ، قال :

« ثنا قتيبة بن سعيد ، ثنا حاتم بن إسماعيل ، عن بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يقول له وخلفه في بعض مغازيه ، فقال عليّ رضي الله عنه : أتخلفني مع النساء والصبيان؟ قال : يا عليّ ، أما ترض أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، إلآ أنه لا نبي بعدي.

وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، فتطاولنا لها. فقال : ادعوا لي علياً ـ رضي الله عنه ـ فأتي به أرمد ، فبصق في عينه ، ودفع الراية إليه ففتح الله عليه.

ولما نزلت هذه الآية :( ندع أبناءنا وأبناءكم ) دعا رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم علياً وفاطمة وحسنا وحسينا ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ فقال : اللهم هؤلاء أهلي »(١) .

أقول : لا يخفى أن هذا الحديث هو نفس الحديث الذي أخرجه مسلم ، وقد تقدّم نصّه في الحديث الأول ، فقارن بين هذا اللفظ واللفظ المتقدّم لتعرف ما في لفظ أحمد من التحريف والتصرف :

وقد ذكر المفسرون خبر المباهلة بذيل الآية المباركة فلاحظ تفاسير : الزمخشري ، الفخر الرازي ، البيضاوي ، الخازن ، الجلالين ، الآلوسي وغيرهم.

__________________

(١) المسند ١ / ١٨٥.

١٥

قلب حديث المباهلة :

فلّما رأى بعض المتعصّبين اختصاص هذه الفضيلة بأهل البيتعليهم‌السلام ، لاسيّما وأنها تدلّ على عصمة أمير المؤمنينعليه‌السلام وإمامته ، وعلى أن الحسنينعليهما‌السلام ابنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما نصّ عليه الفخر الرازي وغيره في تفسير الآية عمد إلى وضع حديث ليقلب تلك المنقبة إلى غير أهل البيت وليقابل به حديث المباهلة :

قال ابن عساكر : « أخبرنا أبو عبدالله محمد بن إبراهيم ، أنبأ أبو الفضل ابن الكريدي ، أنبأ أبو الحسن العتيقي ، أنا أبو الحسن الدارقطني ، نا أبو الحسين أحمد بن قاج ، نا محمد بن جرير الطبري إملاء علينا ، نا سعيد بن عنبسة الرازي ، نا الهيثم بن عدي ، قال : سمعت جعفر بن محمد عن أبيه في هذه الاية : (تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) قال : فجاء بأبي بكر وولده وبعمر وولده وبعثمان وولده وبعلي وولده »(١) .

وعنه السيوطي بتفسير الآية كذلك(٢) .

نظرات في سنده :

وهذا الحديث كذب محض ، باطل سنداً ومتناً ونحن نكتفي بالنظر في سنده ففيه :

١ ـ سعيد بن عنبسة الرازي ،

وهذا الرجل ذكره ابن أبي حاتم الرازي فقال :

« سعيد بن عنبسة أبو عثمان الخزّاز الرازي سمع منه أبي ولم يحدّث عنه وقال :

__________________

(١) تاريخ دمشق ـ ترجمة عثمان بن عفان : ١٦٨ ـ ١٦٩.

(٢) الدر المنثور ٢ / ٤٠.

١٦

فيه نظر.

حدثنا عبد الرحمن ، قال : سمعت عليّ بن الحسين ، قال : سمعت يحيى بن معين ـ وسئل عن سعيد بن عنبسة الرازي ـ فقال : لا أعرفه.

فقيل : إنه حدّث عن أبي عبيدة الحدّاد حديث والان؟ فقال : هذا كذاب.

حدثنا عبد الرحمن ، قال : سمعت علي بن الحسين يقول : سعيد بن عنبسة كذاب.

سمعت أبي يقول : كان لا يصدق »(١) .

٢ ـ الهيثم بن عدي ،

وقد اتفقوا على أنه كذاب قال ابن أبي حاتم : « سئل يحيى بن معين الهيثم بن عديّ فقال : كوفي ليس بثقة ، كذاب.

سألت أبي عنه فقال : متروك الحديث »(٢) .

وذكره ابن حجر فذكر الكلمات فيه :

البخاري : « ليس بثقة ، كان يكذب ».

يحيى بن معين : « ليس بثقة ، كان يكذب ».

أبو داود : « كذاب ».

النسائي وغيره : « متروك الحديث ».

ابن المديني : « لا أرضاه في شيء ».

أبو زرعة : « ليس بشيء ».

العجلي : « كذّاب ».

الساجي : « كان يكذب ».

أحمد : « كان صاحب أخبار وتدليس ».

__________________

(١) الجرح والتعديل ٤ / ٥٢.

(٢) الجرح والتعديل ٩ / ٨٥.

١٧

الحاكم والنقاش : « حدّث عن الثقات بأحاديث منكرة ».

محمود بن غيلان : « أسقطه أحمد ويحيى بن معين وأبو خيثمة ».

ذكره ابن السكن وابن شاهين وابن الجارود والدارقطني في الضعفاء ».

« وكذب الحديث ، لكون الهيثم فيه ، جماعة منهم : الطحاوي في مشكل الحديث ، والبيهقي في السنن ، والنقّاش والجوزجاني في ما صنّفا من الموضوعات وغيرهم »(١) .

* * *

__________________

(١) لسان الميزان ٦ / ٢٠٩.

١٨

الحديث الثالث

حديث سيادة أهل الجنة

ومن الأحاديث المرويّة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والثابتة عنه لدى المسلمين في فضل الإمامين السبطين الطاهرين ، الحسن والحسين هو قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة » :

الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة :

وقد رواه من أهل السنة علماء ومحدّثون لا يحصى عددهم كثرةً :

فقد أخرج الترمذي بسنده عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلم : « الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة »(١) .

وأخرج ابن ماجة بسنده عن عبدالله بن عمر ، قال : « قال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وأبوهما خير منهما »(٢) .

وأخرج أحمد بإسناده عن حذيفة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : « ملك من الملائكة لم يهبط إلى الأرض قبل هذه الليلة ، فاستأذن ربّه أن يسلّم علي ويبشّرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة »(٣) .

وأخرج الحاكم بسنده عن حذيفة عنه صلى الله عليه [وآله] وسلّم قال : « أتاني جبرئيل فقال : إن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. ثم قال لي رسول الله : غفر

__________________

(١) صحيح الترمذي ٢ / ٣٠٦.

(٢) سنن ابن ماجة ١ / ٤٤.

(٣) مسند أحمد ٥ / ٣٩١.

١٩

الله لك ولامّك يا حذيفة »(١) .

وصحّحه الذهبي في تلخيصه.

ومن رواته أيضاً :

ابن حبّان في صحيحه كما في موارد الظمان : ٥٥١.

والنساني في خصائص أمير المؤمنين : ٣٦.

والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ٩ / ٢٣١.

وأبو نعيم في حلية الأولياء ٤ / ١٩٠.

وابن حجر العسقلاني في الإصابة ١ / ٢٦٦.

وابن الأثير في أُسد الغابة ٥ / ٥٧٤.

وذكره الزركشي في « التذكرة في الأحاديث المشتهرة » والسيوطي في « الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة » والسخاوي في « المقاصد الحسنة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة » بل أورده الزبيدي في كتابه« لقط اللآلي المتناثرة في الأحاديث المتواترة ».

قلب الحديث :

هذا هو الحديث كما في كتب القوم مصرحين بصحته فقلبه بعض الكذابين إلى لفظ : « أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة » :

قال الترمذي : « حدثنا الحسن بن الصباح البزار ، حدثنا محمد بن كثير العبدي ، عن الأوزاعي ، عن قتادة ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم لأبي بكر وعمر : هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأوّلين والآخرين إلأ النبيين والمرسلين.

قال : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ / ٣٨١.

٢٠

حدثنا عليّ بن حجر ، أخبرنا الوليد بن محمد الموقري ، عن الزهري ، عن عليّ ابن الحسين ، عن عليّ بن أبي طالب ، قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم إذ طلع أبو بكر وعمر ، فقال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم : هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأوّلين والآخرين إلا النبيين والمرسلين ؛ يا عليّ لا تخبرهما.

قال : هذا حديث غريب من هذا الوجه. والوليد بن محمد الموقري يضعف في الحديث ، ولم يسمع عليّ بن الحسين من علي بن أبي طالب.

وقد روي هذا الحديث عن علي من غير هذا الوجه.

وفي الباب عن أنس وابن عبّاس.

حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، حدثنا سفيان بن عيينة ، قال : ذكر داود ، عن الشعبي ، عن الحارث ، عن عليّ ، عن النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم قال : أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأوّلين والآخرين ما خلا النبيين والمرسلين ؛ لا تخبرهما يا علي »(1) .

وقال ابن ماجة : « حدثنا هشام بن عمار ، ثنا سفيان ، عن الحسن بن عمارة ، عن فراس ، عن الشعبي ، عن الحارث ، عن عليّ ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأوّلين والآخرين إلا النبيين والمرسلين ؛ لا تخبرهما يا عليّ ما داما حيّين »(2) .

وقال : « حدثنا أبو شعيب صالح بن الهيثم الواسطي ، ثنا عبد القدوس بن بكر ابن خنيس ، ثنا مالك بن مغول ، عن عون بن أبي جحيفة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم : أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الاولين والآخرين إلآ النبيّين والمرسلين »(3)

__________________

(1) صحيح الترمذي 5 / 570.

(2) سنن ابن ماجة 1 / 36.

(3) سنن ابن ماجة 1 / 38.

٢١

وقال عبد الله بن أحمد : « حدّثني وهب بن بقية الواسطي ، ثنا عمر بن يونس ـ يعني اليمامي ـ ، عن عبدالله بن عمر اليمامي ، عن الحسن بن زيد بن الحسن ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن عليّ رضي الله عنه ، قال : كنت عند النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم فأقبل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ، فقال : يا علي ، هذان سيدا كهول أهل الجنة وشبابها بعد النبيّين والمرسلين »(1) .

نظرات في سنده :

أقول : قد ذكرنا أهمّ أسانيد هذا الحديث في أهمّ كتبهم ، فالترمذي يرويه بسنده عن أنس بن مالك ، وهو وابن ماجة وعبدالله بن أحمد يروونه عن أمير المؤمنينعليه‌السلام وابن ماجة يرويه عن أبي جحيفة وربّما روي في خارج الصحاح عن بعض الصحابة لكن بأسانيد اعترفوا بعدم اعتبارها(2) .

وأول ما في هذا الحديث اعراض البخاري ومسلم عنه ، فإنهما لم يخرجاه في كتابيهما ، وقد تقرر عند كثير من العلماء رد ما اتفقا على تركه ، بل إن أحمد بن حنبل لم يخرجه في مسنده أيضاً ، وإنما أورده ابنه عبدالله في زوائده(3) ، وقد نصّ أحمد على أن ما ليس في المسند فليس بحجّة حيث قال في وصف كتابه : « إن هذا كتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفاً ، فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله فارجعوا إليه ، فإن كان فيه وإلأ فليس بحجّة »(4) .

ثم إنه بجميع طرقه المذكورة ساقط عن الاعتبار :

__________________

(1) المسند 1 / 80.

(2) مجمع الزوائد 9 / 53 ، فيض القدير 1 / 89.

(3) لم يذكر في مادة « كهل » من معجم ألفاظ الحديث النبوي إلآ هذا المورد ، وهو من حديث عبدالله بن أحمد وليس لأحمد نفسه.

(4) لاحظ ترجمة أحمد في طبقات الشافعية الكبرى للسبكي.

٢٢

أمّا الحديث عن عليّعليه‌السلام :

فقد رواه عنه الترمذي بطريقين ، وعبدالله بن أحمد بطريق ثالث.

أما الطريق إلأوّل فقد نبه على ضعفه الترمذي :

أولاً : بأن علي بن الحسين لم يسمع من عليّ بن أبي طالب ، والواسطة بينهما غير مذكور وهذا قادح عل مذهب أهل السنة.

وثانياً : بأن الوليد بن محمد الموقري يضعّف في الحديث.

وقال ابن المديني : ضعيف لا يكتب حديثه.

وقال الجوزجاني : كان غير ثقة ، يروي عن الزهري عدّة أحاديث ليس لها أصول.

وقال أبو زرعة الرازي : لين الحديث.

وقال أبو حاتم : ضعيف الحديث.

وقال النساني : ليس بثقة ، منكر الحديث.

وقال ابن خزيمة : لا يحتجّ به.

وقال ابن حبّان : روى عن الزهري أشياء موضوعة.

بل قال ابن معين ـ في رواية عنه ـ : كذاب. وكذا قال غيره(1) .

قلت :

وهذا الحديث عن الزهري!!

وأمّا « الزهري » ، فقد ترجمنا له في بعض بحوثنا السابقة فلا نعيد.

____________

(1) تهذيب التهذيب 11 / 131.

٢٣

وامّا الطريق الثاني :

فهو عن الشعبي عن الحارث عن عليّ عند الترمذي

وكذا عند ابن ماجة

اما الشعبي ، فقد ترجمنا له في بعض البحوث السابقة.

وامّا الحارث ، وهو « الحارث بن عبدالله الأعور » فإليك بعض كلماتهم فيه :

أبو زرعة : لا يحتجّ بحديثه.

أبو حاتم : ليس بقوي ولا مّمن يحتج بحديثه.

النساني : ليس بالقويّ.

الدارقطني : ضعيف.

ابن عديّ : عامّة ما يرويه غير محفوظ.

بل وصفه غير واحد منهم بالكذب!

بل عن الشعبي ـ الراوي عنه ـ : كان كذاباً!! وقد وقع هذا عندهم موقع الإشكال! كيف يكذّبه ثم يروي عنه؟! إن هذا يوجب القدح في الشعبي نفسه!

فقيل : إنه كان يكذب حكاياته لا في الحديث. وإنما نقم عليه إفراطه في حبّ علي!(1) .

قلت : إن كان كذلك فقد ثبت القدح للشعبي ، إذ الإفراط في حبّ عليّ لا يوجب القدح ولا يجوز وصفه بالكذب ، ومن هنا ترى أن غير واحد ينصّ على وثاقة الحارث

هذا ، ولا حاجة إلى النظر في حال رجال السندين حتى الشعبي ، وإلآ فإن « الحسن بن عمارة » عند ابن ماجة :

قال الطيالسي : قال شعبة : انت جرير بن حازم فقل له : لا يحلّ لك أن تروي

__________________

(1) لاحظ ذلك كلّه بترجمة الحارث من تهذيب التهذيب 2 / 126.

٢٤

عن الحسن بن عمارة فإنه يكذب

وقال ابن المبارك : جرحه عندي شعبة وسفيان ، فبقولهما تركت حديثه.

وقال أبو بكر المروزي عن أحمد : متروك الحديث.

وقال عبدالله بن المديني عن أبيه : كان يضع.

وقال أبو حاتم ومسلم والنسائي والدارقطني : متروك الحديث.

وقال الساجي : ضعيف متروك ، أجمع أهل الحديث على ترك حديثه.

وقال الجوزجاني : ساقط.

وقال ابن المبارك عن ابن عيينة : كنت إذا سمعت الحسن بن عمارة يحدّث عن الزهري جعلت إصبعي في أذني.

وقال ابن سعد : كان ضعيفاً في الحديث.

وقال السهلي : ضعيف بإجماع منهم(1) .

قلت : فهذا حال هذا الرجل الذي روى عنه ابن ماجة! وروى عنه سفيان مع علمه بهذه الحال! وإذا كان سفيان جارحاً له فكيف يروي عنه؟! ألا يوجب ذلك القدح في سفيان كذلك وسقوط جميع رواياته ، عنه؟! وهذا الحديث من ذلك!

وأمّا الطربق الثالث :

فهو رواية عبدالله ، ففيه :

اولاً : إنه مّما أعرض عنه أحمد بناء على ما تقدّم.

وثانياً : إن فيه الحسن بن زيد قال ابن معين : ضعيف. وقال ابن عدي : « أحاديثه عن أبيه أنكر مّما روى عن عكرمة »(2) .

قلت : وهذا الحديث من ذاك!

__________________

(1) لاحظ هذه الكلمات وغيرها بترجمته من تهذيب التهذيب 2 / 263.

(2) تهذيب التهذيب 2 / 243.

٢٥

وثالثاً : إن لفظه يشتمل على « وشبابها » وهذا يختص بهذا السند وهو كذب قطعاً.

وأمّا الحديث عن أنس :

فهو الذي أخرجه الترمذي ، ففيه :

« قتادة » وكان مدلساً ، يرمى بالقدر رأساً في بدعة يدعو إليها ، خاطب ليل ، حدّث عن ثلاثين رجلاً لم يسمع منهم إلى غير ذلك مّما قيل فيه(1) .

و« أنس بن مالك » نفسه لا يجوز الاعتماد عليه ، لا سيما فى مثل هذا الحديث ، فقد ثبت كذبه في حديث الطائر المشوي(2) وكتمه للشهادة بالحق حتى دعا عليه عليّعليه‌السلام ، وهو مع الحق(3) .

وأمّا حديث أبي جحيفة :

فهو الذي أخرجه ابن ماجة ، ففيه :

« عبد القدّوس بن بكر بن خنيس » قال ابن حجر : « ذكرمحمود بن غيلان عن أحمد وابن معين وأبي خيثمة أنهم ضربوا على حديثه »(4) .

__________________

(1) لاحظ ترجمته في التهذيب 8 / 317.

(2) حديث الطائر المشويّ من أشهر الاحاديث الدالة على أفضلية أمير المؤمنينعليه‌السلام وخلافته ، أخرجه عشرات الأئمّة والعلماء الأعلام في كتبهم ، منه : الترمذي والحاكم والطبراني وابو نعيم والخطيب وابن عساكر وابن الاثير راجع منها المستدرك 3 / 130.

(3) كان ذلك في قضيّة مناشدة أمير المؤمنينعليه‌السلام الناس في رحبة الكوفة بأنّ من شهد منهم غدير خٌمّ فليقم ويشهد ، فشهد جماعة من الحاضرين وامتنع أنس في نفرٍ منهم فدعا عليهم الإمامعليه‌السلام روى ذلك : ابن قتيبة والبلاذري وابن عساكر وآخرون راجع كتاب الغدير 1 / 192.

(4) تهذيب التهذيب 6 / 329.

٢٦

تتمة :

إنه لا يخفى اختلاف لفظ آخر الحديث عن علي ، ففي لفظ : « لا تخبرها يا علي » وفي آخر : « لا تخبرهما يا عليّ ما داما حيّين » وفي ثالث لم يذكر هذا الذيل أصلا ..!

أما في الحديث عن أنس فلا يوجد أصلاً

ولماذا نهى عليّاً من أن يخبرهما؟! ولماذا لم ينه أنس عن ذلك ، بل بالعكس أمره بأن يبشرهما ـ وعثمان ـ في حديث يروونه عنه وسيأتي نصّه في كلام العيني

لم أجد ـ في ما بيدي من المصادر ـ لذلك وجهاً إلاّ عند ابن العربي المالكي فإنه قال : « قال ذلك لعلي ليقرر عند تقدّمهما عليه »!! وأنه « نهاه أن يخبرهما لئلا يعلما قرب موتهما في حال الكهولة »!!(1) .

وهل كان يحتاج عليّ إلى الإقرار إن كان تقدّمهما عليه بحق؟!

وهل كان يضرهما العلم بقرب موتهما في حال الكهولة؟! وهل كانا يخافان الموت؟! ولماذا؟!

* * *

__________________

(1) عارضة الأحوذي 13 / 131.

٢٧

الحديث الرابع

حديث سدّ الأبواب

ومن الأحاديث الصحيحة الثابتة المشهورة ، بل المتواترة الواردة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في شأن مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام حديث « سدّوا الأبواب إلاّ باب علي » وهذه نصوص من ألفاظه :

حديث سدّ الأبواب إلاّ باب عليّ :

أخرج الترمذي بسنده عن ابن عبّاس : « أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم أمر بسدّ الأبواب إلاّ باب علي »(1) .

وأخرج عن أبي سعيد قال : « قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم لعليّ : يا عليّ ، لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك.

قال عليّ بن المنذر : قلت لضرار بن صرد : ما معنى هذا الحديث؟ قال : لا يحل لأحد يستطرقه جنباً غيري وغيرك »(2) .

وأخرج أحمد بسنده عن عبدالله بن الرقيم الكناني ، قال : « خرجنا إلى المدينة زمن الجمل ، فلقينا سعد بن مالك بها فقال : أمر رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم بسدّ الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي »(3) .

وأخرجه أحمد كذلك بأسانيد مختلفة عن غير واحد من الصحابة(4) .

__________________

(1) صحيح الترمذي 2 / 301.

(2) صحيح الترمذي 2 / 300.

(3) مسند أحمد 1 / 175.

(4) راجع المسند 1 / 175 ، 330 ، و 2 / 26 ، و 4 / 369.

٢٨

وأخرج الحاكم بسنده عن زيد بن أرقم قال : « كانت لنفرٍ من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم أبواب شارعة في المسجد. فقال يوماً : سدوا هذه الأبواب إلاّ باب علي.

قال : فتكلم في ذلك الناس ، فقام رسول الله فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أمّا بعد ، فإني أمرت بسد هذه الأبواب غير باب علي فقال فيه قائلكم ، والله ما سددت شيئاً ولا فتحته ، ولكن أمرت بشيء فاتبعته.

هذا حديث صحيح الإسناد »(1) .

وأخرج بسنده عن أبي هريرة قال : « قال عمر بن الخطاب : لقد أعطي علي ابن أبي طالب ثلاث خصال لئن تكون لي خصلة منها أحب إليّ من أن أعطى حمر النعم. قيل : وما هن يا أمير المؤمنين؟ قال : تزوّجه فاطمة بنت رسول الله ، وسكناه المسجد مع رسول الله يحل له فيه ما يحل له ، والراية يوم خيبر.

هذا حديث صحيح الإسناد »(2) .

وأخرج النسائي بسنده عن الحارث بن مالك قال : « أتيت مكة فلقيت سعد ابن أبي وقاص فقلت له : سمعت لعلي منقبة؟ قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم في المسجد فروى فينا لسدّه ليخرج من في المسجد إلاّ آل رسول الله وآل عليّ. قال : فخرجنا ، فلما أصبح أتاه عمه فقال : يا رسول الله أخرجت أصحابك وأعمامك وأسكنت هذا الغلام؟! فقال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : ما أنا أمرت بإخراجكم ولا بإسكان هذا الغلام. إن الله هو أمر به.

قال النسائي : قال فطر : عن عبدالله بن شريك ، عن عبدالله بن أرقم ، عن سعد : إن العباس أتى النبي فقال : سددت أبوابنا إلاّ باب علي؟! فقال : ما أنا فتحتها ولا أنا سددتها »(3) .

__________________

(1) المستدرك على الصحيحين 3 / 125.

(2) المستدرك على الصحيحين 3 / 125.

(3) خصائص عليّ بن أبي طالب : 13.

٢٩

هذه بعض ألفاظ الحديث كما أخرجها الأئمة ، ولو أردنا استقصاء طرقه وألفاظه المختلفة عن الصحابة الذين رووه لطال بنا المقام ، وربّما نقف على بعضها أيضاً في خلال البحث وبالجملة فإن الخبر قد تعدّى الرواية وبلغ حد الدراية ونحن إنّما ذكرنا طرفاً من ذلك تمهيداً لما أخرج في الصحيحين من حديث الخوخة ، وما ترتب على ذلك من نظرات وبحوث عند الشراح وكبار أئمة الحديث.

قلب الحديث :

لقق قلبوا حديث « سدّ الأبواب » عن « علي » إلى « أبي بكر » ووضعوا أيضاً « حديث الخوخة » وأخرجه البخاري ومسلم في كتابيهما والترمذي وأحمد وغيرهم ممن تقدّم وتأخر

والعمدة ما جاء في كتابي البخاري ومسلم فإذا درسناه وتوصّلنا إلى واقع الحال فيه أغنانا عن النظر في غيره ولربما تعرضنا لغيره في خلال البحث.

الحديث المقلوب عند البخاري :

والبخاري أخرجه في أكثر من باب

ففي « باب الخوخة والممرّ في المسجد » قال : « حدّثنا عبدالله بن محمد الجعفي ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدّثنا أبي ، قال : سمعت يعلى بن حكيم ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس ، قال : خرج رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم في مرضه الذي مات فيه عاصباً رأسه بخرقة فقعد على المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إنّه ليس من الناس أحد أمن عليّ في نفسه وماله. من أبي بكر بن أبي قحافة ؛ ولو كنت متخذاً من الناس خليلا لاتّخذت أبا بكر خليلاً ، ولكن خلّة الإسلام أفضل ؛ سدّوا عنّي كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر ».

وفي « باب هجرة النبي وأصحابه إلى المدينة » قال : « حدّثنا إسماعيل بن عبدالله ، قال : حدّثني مالك ، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيدالله عن عبيد ـ يعني ابن حنين ـ

٣٠

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم جلس على المنبر فقال : إن عبداً خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده فاختارما عنده ، فبكى أبو بكر وقال : فديناك بآبائنا وامهاتنا ، فعجبنا له وقال الناس : أنظروا إلى هذا الشيخ ، يخبر رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم عن عبدٍ خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده ، وهو يقول : فديناك بآبائنا وأمّهاتنا. فكان رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم هو المخير وكان أبو بكر هو أعلمنا به.

وقال رسول صلى الله عليه [وآله] وسلّم : إن من أمن الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر ، ولو كنت متخذاً خليلاً من أمتي لاتخذت أبا بكر إلاّ خلة الإسلام ، لا يبقين في المسجد خوخة إلاّ خوخة أبي بكر ».

الحديث المقلوب عند مسلم :

وأخرجه مسلم في باب فضائل الصحابة فقال :

« حدّثني عبدالله بن جعفر بن يحيى بن خالد ، حدثنا معن ، حدّثنا مالك ، عن أبي النضر ، عن عبيد بن حنين ، عن أبي سعيد : أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم جلس على المنبر فقال : عبد خيره الله بين أن يؤتيه زهرة الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده ؛ فبكى أبو بكر وبكى فقال : فديناك بآبائنا وأمهاتنا.

قال : فكان رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم هو المخيّر وكان أبو بكر أعلمنا به.

وقال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم : إن أمن الناس عليّ في ماله وصحبته أبو بكر ، ولو كنت متّخذا خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوة الإسلام ؛ لا يبقين في المسجد خوخة إلاّ خوخة أبي بكر.

حدثنا سعيد بن منصور ، حدّثنا فليح بن سليمان ، عن سالم أبي النضر ، عن عبيد بن حنين وبسر بن سعيد ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : خطب رسول الله صلى

٣١

الله عليه [وآله] وسلّم الناس يوماً. بمثل حديث مالك ».

تحريف البخاري الحديث المقلوب :

ثم إن البخاري بعد أن أخرج الحديث عن ابن عبّاس في « باب الخوخة والممر في المسجد » كما عرفت حرّفه في « باب المناقب » حيث قال : « باب قول النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم : سدّوا الأبواب إلاّ باب أبي بكر. قاله ابن عبّاس عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ».

فاضطرب الشراح في توجيه هذا التحريف ، فاضطروا إلى حمل ذلك على أنه نقل بالمعنى :

قال ابن حجر : « وصله المصنّف في الصلاة بلفظ : سدّوا عني كل خوخة ، فكأنه ذكره بالمعنى »(1) .

وقال العيني : « هذا وصله البخاري في الصلاة بلفظ : سدّوا عنّي كلّ خوخة في المسجد ، وهذا هنا نقل بالمعنى »(2) .

وهل يصدق على أن نقل « الخوخة » إلى « الباب » نقل بالمعنى؟! على أن ابن حجر نفسه غير جازم بذلك فيقول : « كأنه »!

وكما حرف الحديث عن ابن عبّاس ، كذلك حرف حديث أبي سعيد الذي أخرجه في « باب هجرة النبي » كما عرفت ، فقال في « باب المناقب » :

« حدثني عبدالله بن محمد ، حدّثني أبو عامر ، حدّثنا فليح ، قال : حدثني سالم أبو النضر ، عن بسر بن سعيد ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال :

خطب رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وقال : إن الله خيّر عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله ؛ قال : فبكى أبو بكر ؛ فعجبنا لبكائه أن

__________________

(1) فتح الباري 1 / 442.

(2) عمدة القاري 4 / 245.

٣٢

يخبر رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم عن عبد خيّر ، فكان رسول الله هو المخيّر وكان أبو بكر أعلمنا.

فقال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : إن من أمن الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر ، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربّي لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوّة الإسلام ومودته ؛ لا يبقين في المسجد باب إلاّ سدّ إلاّ باب أبي بكر ».

وهنا أيضا اضطرب الشراح فراجع كلماتهم.

نظرات في سند حديث الخوخة في الصحيحين

قدمنا حديث الخوخة بسنده ولفظه في الصحيحين وقد عرفت أن البخاري ومسلماً يرويانه عن ابن عبّاس وأبي سعيد الخدري لكنه ساقط عن درجة الاعتبار عن كليهما :

أما الحديث عن ابن عباس :

فهو عند البخاري فقط ويكفي في سقوطه ـ بعد غضّ النظر عن بعض الكلام في « وهب بن جرير »(1) وعما قيل في أبيه « جرير بن حازم » فإن البخاري يقول : « ربّما يهّم » ويقول يحيى بن معين : « هو عن قتادة ضعيف » والذهبي يقول : « تغيرّ قبل موته فحجبه ابنه وهب »(2) ـ إن راويه عن ابن عبّاس هو « عكرمة البربري » مولاه ، وإليك طرفاً من أوصاف هذا الرجل :

موجز ترجمة عكرمة مولى ابن عبّاس :

1 ـ إنّه كان يرى رأي الخوارج وكان داعية إليه ، وقد أخذ كثيرون من أهل

__________________

(1) تهذيب التهذيب 11 / 142.

(2) ميزان الاعتدال 4 / 248 ، المغني في الضعفاء 2 / 182.

٣٣

أفريقية رأي الصفرية من عكرمة. قال الذهبي : قد تكلّم الناس في عكرمة لأنه كان يرى رأي الخوارج.

2 ـ وكان يطعن في الدين ويستهزئ بالأحكام ، فقد نقلوا عنه قوله : إنمّا أنزل الله متشابه القرآن ليضل به.

وقال في وقت الموسم : وددت أني اليوم بالموسم وبيدي حربة فأعترض بها من شهد الموسم يميناً وشمالا.

ووقف على باب مسجد النبي وقال : ما فيه إلاّ كافر.

3 ـ وكان كذاباً ، حتى أوثقه عليّ بن عبدالله بن عباس على باب كنيف الدار ، فقيل له : تفعلون هذا بمولاكم؟! فقال : إن هذا يكذب على أبي. وأشتهر قول عبدالله ابن عمر لمولاه نافع : اتق الله ، لا تكذب عليّ كما كذب عكرمة على ابن عباس. وعن ابن سيرين ويحيى بن معين ومالك وجماعة غيرهم : كذاب.

4 ـ وعكوفه على أبواب الأمراء للدنيا مشهور ، حتى قيل له : تركت الحرمين وجئت إلى خراسان؟! فقال : أسعى على بناتي. وقال لآخر : قدمت آخذ من دنانير ولاتكم ودراهمهم.

5 ـ ولأجل هذه الأمور وغيرها ترك الناس جنازته ، فما حمله أحد ، وأكتروا له أربعة رجال من السودان(*) .

وأمّا الحديث عن أبي سعيد الخدري :

فقد رواه البخاري عن : إسماعيل بن أبي أويس ، عن مالك ، عن أبي النضر ، عن عبيد بن حنين ، عن أبي سعيد الخدّري

ورواه مسلم ـ في طريقه الأول ـ عن عبدالله بن جعفر بن يحيى بن خالد ،

__________________

(*) ذكرنا ترجمته في كتابنا : التحقيق في نفي التحريف : 248 ـ 253 عن : تهذيب الكمال ، وتهذيب التهذيب 7 / 263 ، وطبقات ابن سعد 5 / 287 ، ووفيات الأعيان 1 / 319 ، وميزان الاعتدال 3 / 93 ، والمغني في الضعفاء 2 / 84 ، والضعفاء الكبير 3 / 373 ، وسير أعلام النبلاء 5 / 9.

٣٤

عن معن ، عن مالك

ورواه الترمذي عن أحمد بن الحسن ، عن عبيدالله بن مسلمة ، عن مالك وقال : هذا حديث حسن صحيح(1) .

فمداره على « مالك بن أنس ».

ومالك بن أنس وإن كان أحد الأئمة الأربعة ، تقلّده طائفة كبيرة من أهل السنة فهو لا يعتمد على رواياته ، خاصة في مثل هذا المقام لعقيدته التي انفرد بها حول الإمامعليه‌السلام والتي خرج بها عن إجماع اهل الإسلام ...!!

ترجمة مالك

وقد اقتض هذا المقام أن نفصّل الكلام في ترجمة مالك بن أنس :

1 ـ كونه من الخوارج :

فأوّل ما فيه كونه يرى رأي الخوارج قال المبرّد في بحث له حول الخوارج :

« وكان عدّة من الفقهاء ينسبون إليه ، منهم : عكرمة مولى ابن عبّاس ، وكان يقال ذلك في مالك بن أنس.

ويروي الزبيريّون : أن مالك بن أنس كان يذكر عثمان وعليّ وطلحة والزبير فيقول : والله ما اقتتلوا إلاّ على الثريد الأعفر »(2) .

2 ـ رأيه الباطل في مسالة التفضيل :

وكان مالك يرى مساواة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام لسائر الناس ، فكان يقول بأن أفضل الأمّة هم أبو بكر وعمر وعثمان ثم يقف ويقول : هنا يتساوى

__________________

(1) صحيح الترمذي 5 / 568.

(2) الكامل ـ للمبرّد ـ 1 / 159.

٣٥

الناس(1) .

وكان في هذا الرأي تبعاً لابن عمر في رأيه حيث قال : كنا نقول على عهد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم : أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم نسكت. يعني فلا نفاضل.

هذا الرأي الذي ذكره ابن عبد البر وأنكره جدّاً ، قال : « وهو الذي أنكره ابن معين وتكلم فيه بكلام غليظ ، لأن القائل بذلك قد قال بخلاف ما اجتمع عليه أهل السنة من السلف والخلف من أهل الفقه والأثر : أن علياً أفضل الناس بعد عثمان ، وهذا مما لم يختلفوا فيه ، وإنما اختلفوا في تفضيل علي وعثمان ، واختلف السلف أيضاً في تفضيل علي وأبي بكر. وفي إجماع الجميع الذي وصفنا دليل على أن حديث ابن عمر وهم غلط ، وأنه لا يصح معناه وإن كان إسناده صحيحا »(2) .

3 ـ تركه الرواية عن امير المؤمنينعليه‌السلام :

ثم إنه لانحرافه عن أمير المؤمنينعليه‌السلام لم يخرج عنه شيئاً في كتابه « الموطأ »! الأمر الذي استغرب منه هارون الرشيد ، فلمّا سأله عن السبب اعتذر بأنه : لم يكن في بلدي ولم ألق رجاله!!(3) .

هذا مع روايته عن معاوية وعبد الملك بن مروان واستناده إلى آرائهما ..!

وروايته عن هشام بن عروة مع قوله : هشام بن عروة كذاب!!(4) .

وقال بعضهم : نهاني مالك عن شيخين من قريش وقد أكثر عنهما في الموطأ(5) ».

__________________

(1) ترتيب المدارك ـ ترجمة مالك.

(2) الاستيعاب 3 / 1116.

(3) تنوير الحوالك 1 / 7. شرح الموطّأ ـ للزرقاني ـ 1 / 9.

(4) تاريخ بغداد 1 / 223 ، الكاشف عن أسماء رجال الكتب الستة ـ ترجمة هشام ، هدى الساري 2 / 169.

(5) تهذيب التهذيب 9 / 41.

٣٦

4 ـ كان مدلّساً :

وهو ـ مضافاً إلى ذلك ـ كان مدلّساً :

قال عبدالله بن أحمد :

« سمعت أبي يقول : لم يسمع مالك بن أنس من بكير بن عبدالله شيئاً ، وقد حدّثنا وكيع عن مالك عن بكير بن عبدالله. قال أبي : يقولون : إنّها كتب ابنه »(1) .

وقال الخطيب في ذكر شيء من أخبار بعض المدلّسين :

« ويقال : إن ما رواه مالك بن أنس عن ثور بن زيد عن ابن عبّاس ، كان ثور يرويه عن عكرمة عن ابن عبّاس ، وكان مالك يكره الرواية عن عكرمة فأسقط اسمه من الحديث وأرسله.

وهذا لا يجوز ، وإن كان مالك يرى الاحتجاج بالمراسيل ، لأنه قد علم ان الحديث عمّن ليس بحجة عنده. وأمّا المرسل فهو أحسن حالة من هذا ، لانه لم يثبت من حال من أرسل عنه أنه ليس بحجّة »(2) .

5 ـ اجتماعه بالأمراء وسكوته عن منكراتهم :

وكان مالك في غاية الفقر والشدّة ، حتى ذكروا أنه باع خشبة سقف بيته(3) .

ولكن حاله تبدّلت وتحسّنت منذ أن أصبح بخدمة السلطات والحكّام ، فكانت الدنانير تدرّ عليه بكثرة ، حتى أنه أخذ من هارون ألف دينار وتركها لورّاثه(4) .

ومن الطبيعي حينئذٍ أن يكون مطيعاً للسلاطين ، مشيداً لسياستهم ، ساكتاً عن منكراتهم ومظالمهم

__________________

(1) العلل ومعرفة الرجال ـ لأحمد بن حنبل ـ 1 / 44.

(2) الكناية في علم الرواية : 365.

(3) ترتيب المدارك ـ ترجمته ، الديباج المذهّب : 25.

(4) العقد الفريد 1 / 274.

٣٧

قال عبدالله بن أحمد :

« سمعت أبي يقول : كان ابن أبي ذئب ومالك يحضران عند الأمراء فيتكلم ابن أبي ذئب يأمرهم وينهاهم ومالك ساكت. قال أبي : ابن أبي ذئب خير من مالك وأفضل »(1) .

أقول : فهو في هذه الحالة مثل شيخه الزهري ، فيتوجه إليه ما ذكره الإمام السجادعليه‌السلام في كتابه إلى الزهري(2) .

6 ـ حمل الحكومة الناس على الموطأ وفتاوى مالك :

وكان من الطبيعي أيضاً أن يقابل من قبل الحكام بالمثل :

فقد قال له المنصور اجعل هذا العلم علماً واحداً ضع الناس كتاباً أحملهم عليه نضرب عليه عامّتهم بالسيف ، ونقطع عليه ظهورهم بالسياط(3) .

وقال له : لئن بقيت لأكتبن قولك كما تكتب المصاحف ، ولأبعثن به إلى الآفاق فأحملهم عليه(4) أن يعملوا بما فيها ولا يتعدّوه إلى غيرها(5) .

ولما أراد الرشيد الشخوص إلى العراق قال لمالك : ينبغي أن تخرج معي ، فإني عزمت أن احمل الناس على الموطّأ كما حمل عثمان الناس على القرآن(6) .

ثم اراد هارون أن يعلّق الموطّأ على الكعبة!(7) .

ونادى منادي الحكومة : « ألا لا يفتي الناس إلاّ مالك بن أنس »(8) .

__________________

(1) العلل ومعرفة الرجال 1 / 179.

(2) لاحظ ترجمة الزهري في بحثنا المنشور في « تراثنا » العدد 23.

(3) الديباج المذهّب : 25. شرح الزرقاني 1 / 8 ، الوافي بالوفيات ـ ترجمته.

(4) تذكرة الحفاظ 1 / 290.

(5) كشف الظنون 2 / 1908 ، عن طبقات ابن سعد.

(6) مفتاح السعادة 2 / 87.

(7) كشف الظنون 2 / 1908.

(8) وفيات الأعيان 3 / 284 مفتاح السعادة 2 / 87 ، مرآة الجنان 1 / 375.

٣٨

ومن الطبيعي أن لا يعامل غيره هذه المعاملة :

فقد قدم ابن جريج على أبي جعفر المنصور فقال له : إني قد جمعت حديث جدّك عبدالله بن عباس وما جمعه أحد جمعي. فلم يعطه شيئاً(1) .

ولذا لمّا قيل لشيخه ربيعة الرأي : « كيف يحظى بك مالك ولم تحظ أنت بنفسك؟!»!قال : « أما علمتم أن مثقالا من دولةً خير من حملي علم »(2) .

7 ـ كان يتغنّى بالآلات :

واشتهر مالك بن أنس بالغناء ، وهذا ما نص عليه غير واحد(3) .

وقد ذكر القرطبي أنه « لا تقبل شهادة المغني والرقاص »(4) .

وقال الشوكاني : « استماع الملاهي معصية ، والجلوس عليها فسق ، والتلذّذ بها كفر »(5) .

8 ـ جهله بالمسائل الشرعية :

ومما يجلب الانتباه ما ذكره المترجمون له ، من أنه كان إذا سئل عن مسألة تهرب من الإجابة ، أو قال : لا أدري(6) .

فقد ذكروا أنه سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال في اثنين وثلاثين منها : لا أدري!!(7) .

__________________

(1) العلل ومعرفة الرجال 1 / 348.

(2) طبقات الفقهاء ـ لأبي إسحاق الشيرازي ـ : 42.

(3) نهاية الأرب 4 / 229 ، الأغاني 2 / 75.

(4) تفسير القرطبي 14 / 56.

(5) نيل الأوطار 8 / 264.

(6) حلية الأولياء 6 / 323 ـ 324.

(7) الديباج المذهب : 23 ، شرح الزرقاني 1 / 3.

٣٩

وسأله عراقي عن أربعين مسألة فما أجابه إلاّ عن خمس!!(1) .

وسأله رجل عن مسائل فلم يجبه بشيء أصلاً(2) .

وكان مالك يصرح بأنه أدرك سبعين من المشايخ يحدّثون عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يأخذ من أحدهم شيئا!!(3) .

9 ـ بكاؤه على الفتيا بالرأي :

وأجمع المؤرّخون على رواية خبر بكائه في مرض موته وقوله : « ليتني جُلدت بكل كلمة تكلّمت بها في هذا الأمر بسوط »(4) .

ولا بُدّ له أن يبكي ومن أحق منه بالبكاء كما قال؟! وهل ينفعه؟!

فقد قال الليث بن سعد : « قد أحصيت على مالك سبعين مسألة كلّها مخالفة لسنة النبي مّما قال مالك فيها برأيه. قال : ولقد كتبت إليه بذلك في ذلك »(5) .

10 ـ تكلّم الأعلام فيه :

هذا وقد تكلّم في مالك وعابه جماعة من أعلام الأئمّة :

قال الخطيب : « عابه جماعة من أهل العلم في زمانه »(6) ثم ذكر : ابن أبي ذؤيب ، وعبدالعزيز الماجشون ، وابن أبي حازم ، ومحمد بن إسحاق(7) .

وقال يحيى بن معين : « سفيان أحب إليّ من مالك في كلّ شيء ».

__________________

(1) الانتقاء ـ لابن عبدالبرّ ـ 38.

(2) العقد الفريد 2 / 225.

(3) حلية الأولياء 6 / 323 ، الديباج المذهّب : 21.

(4) وفيات الأعيان 3 / 286. جامع بيان العلم 2 / 145 ، شذرات الذهب 1 / 292.

(5) جامع بيان العلم 2 / 148.

(6) تاريخ بغداد 10 / 223.

(7) تاريخ بغداد 10 / 224.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77