فاسألوا اهل الذكر

فاسألوا اهل الذكر0%

فاسألوا اهل الذكر مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 484

فاسألوا اهل الذكر

مؤلف: الدكتور محمد التيجاني السماوي
تصنيف:

الصفحات: 484
المشاهدات: 53203
تحميل: 3246

توضيحات:

فاسألوا اهل الذكر
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 484 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 53203 / تحميل: 3246
الحجم الحجم الحجم
فاسألوا اهل الذكر

فاسألوا اهل الذكر

مؤلف:
العربية

فالمؤامرة ما زالت متواصلة ، وستبقى متواصلة إلى أن يشاء الله.

وأنا لست بقادر على كشفها كلّها ، أو الإحاطة بكلّ تفاصيلها وجوانبها ، ولكنّي أُحاول بجهدي المتواضع أن أُنزّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الروايات المخزية التي أُلصقتْ بحضرته ، وأُدافع عنه وعن عصمته ، وأحاول إقناع المسلمين المثقّفين والمتحرّرين بأنّ هذا الرسول الذي أرسله الله لهداية البشرية جميعاً ، وجعله قمراً وسراجاً مُنيراً هو أجلّ وأعظم وأسمى وأظهر وأنقى وأكمل إنسان خلقه الله تعالى ، فـلا يمكن لنا أن نسْكُتَ على مثل هذه الروايات التي لم يقصد من ورائها إلاّ النّيل من كرامته ، والحطّ من قيمته.

فلا ولن نرضى بهذه الروايات ، ولو اتّفق عليها أهل السنّة والجماعة ، وأخرجوها في صحاحهم ومسانيدهم ، لا بل ولو اتفق عليها أهل الأرض كافّة ، فقوله سبحانه وتعالى :( وَإنَّكَ لَعَلى خُلُق عَظِيم ) (١) هو القول الفصل والحكم الأصل ، وليس بعده إلاّ الأباطيل والأوهام.

وهذا هو قول الشيعة في سيّد الأنام ، ومنقذ البشرية من العمى والضلال ، وقائدها إلى الأمن والسّلام ، فاعتبروا يا أُولى الألباب!

قول أهل الذكر في الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

يقول الإمام عليعليه‌السلام : « حتّى أفضتْ كرامةُ الله سبحانه إلى محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأخرجه من أفضل المعادنِ منبتاً ، وأعزّ الأرومات مغرساً ، من الشجرة التي صدع منها أنبياءه ، وانتخبَ منها أمناءَهُ.

____________

(١) القلم : ٤.

١٠١

عترتهُ خير العتر ، وأسرتُه خير الأُسر ، وشجرته خير الشجر ، نبتت في حرم ، وبسقت في كرم ، لها فروع طوالٌ ، وثمرة لا تنال ، فهو إمامُ من أتّقى ، وبصيرةُ من اهتدى ، سراجٌ لمع ضَوءهُ وشهابٌ سطع نورُه ، وزندٌ برق لمعُه.

سيرته القصدُ ، وسنّتُهُ الرّشدُ ، وكلامه الفصْلُ ، وحكمهُ العدل ، أرسلَهُ على حين فْترة من الرسُلِ ، وهفوة عن العمل ، وغباوة من الأُمم »(١) .

« فبالغصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في النّصيحة ، ومضى على الطريقة ، ودعا إلى الحكمة والموعظة الحسنة »(٢) .

« مستقرّه خير مستقرّ ، ومنبتُهُ أشرف منبت في معادن الكرامة ومماهد السلامة ، قد صُرفتْ نحوه أفئدة الأبرار ، وثنيتْ إليه أزمة الأبصار ، دفن به الضّغائن وأطفأ به الثّوائر ، ألّفَ به إخواناً ، وفرّق به أقراناً ، أعزّ به الذلّة ، وأذلّ به العزّة ، كلامهُ بيانُ ، وصمته لسان »(٣) .

« أرسله بحجّة كافية ، وموعظة شافية ، ودعوى متلافية ، أظهر به الشرائع المجهولة ، وقمع به البدع المدخولة ، وبيّن به الأحكام المفصولة »(٤) .

« أرسله بالضياء ، وقدّمه في الاصطفاء ، فرتق به المفاتقَ ، وساور به المُغَالبَ ، وذَلَّلَ به الصّعوبةَ ، وسهّل به الحُزُونةَ ، حتى سرّح الضّلال عن يمين وشمال »(٥) .

____________

(١) نهج البلاغة ١ : ١٨٥ ، الخطبة ٩٤.

(٢) المصدر نفسه ١ : ١٨٦ ، الخطبة ٩٥.

(٣) المصدر نفسه ١ : ١٨٧ ، الخطبة ٩٦.

(٤) المصدر نفسه ١ : ١٨٦ ، الخطبة ١٦١.

(٥) المصدر نفسه ٢ : ١٩٤ ، الخطبة ٢١٣.

١٠٢
١٠٣

الفصل الثالث

في ما يتعلّق بأهل البيتعليهم‌السلام

السؤال الرابع : من هم أهل البيت؟

يقول الله سبحانه وتعالى :( إنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (١) .

يقول أهل السنّة والجماعة بأنّ هذه الآية نزلتْ في نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويستدلّون على ذلك بسياق ما قبلها وما بعدها من الآيات ، وعلى حسب زعمهم فإنّ الله أذهب الرجس عن نساء النبي وطهّرهن تطهيراً.

ومنهم من يضيف إلى نساء النّبي علي وفاطمة والحسن والحسين ، ولكنّ الواقع النقلي والعقلي والتاريخي يأبى هذا التفسير; لأن أهل السنّة يروون في صحاحهم بأنّ الآية نزلت في خمسة وهم : محمّد ، وعلي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، وأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي خصّهم ونفسه الشريفة بهذه الآية الكريمة عندما أدخل عليّاً وفاطمة والحسنين معه تحت الكساء. وقال : « اللهم هؤلاء أهلي فاذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً »(٢) .

____________

(١) الأحزاب : ٣٣.

(٢) روي حديث الكساء ونزول آية التطهير في الخمسة من العترة الأبرار ، خمسة

١٠٤

وقد أخرج ذلك من علماء أهل السنّة جمع غفير أذكر منهم :

١ ـ مسلم في صحيحه في باب فضائل أهل بيت النبي ٧ : ١٣٠.

٢ ـ الترمذي في صحيحه ٥ : ٣٠.

٣ ـ مسند الإمام أحمد بن حنبل ١ : ٣٣٠ ، ٦ : ٢٩٢.

٤ ـ مستدرك الحاكم ٢ : ٤١٦ ، ٣ : ١٣٣.

٥ ـ خصائص الإمام النسائي : ٤٩.

٦ ـ تلخيص الذهبي ٢ : ١٥٠.

٧ ـ معجم الطبراني ١ : ٥٢.

٨ ـ شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ٢ : ١٨.

____________

عشر صحابياً ، ويوجد نصّ الحديث باختلاف ألفاظه في مصادر مختلفة ـ كما ستوافيك ـ وهذه الأحاديث توضّح وتشرح لنا معنى الآية الكريمة واختصاصها بالخمسة أصحاب الكساءعليهم‌السلام ، كما اعترف بذلك الطحاوي في مشكل الآثار ١ : ٣٣٢ ـ ٣٣٩. وتدلّ هذه النصوص أيضاً على نزول آية التطهير لوحدها غير منضمّة إلى غيرها ، ولم يرد حتى في رواية واحدة نزولها ضمن آيات نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا ذكره أحد ، فهي لم تكن بحسب النزول جزءاً من آيات نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا متصلة بها وإنّما وضعت بينها إمّا بأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أو عند الجمع بعد رحلته. ( انظر : تفسير الميزان للطباطبائي ١٦ : ٣١١ ).

والإرادة هنا تكوينية من قبل قوله تعالى :( إنَّمَا أمْرُهُ إذَا أرَادَ شَيْئاً أنْ يَـقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) وليست تشريعية; لأنّ التشريعية تتنافى مع نصّ الآية بالحصر بقوله : « إنّما » وتتنافى مع الأحاديث إذ أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله طبّق الآية عليهم دون غيرهم.

وممّا يدلّل على عظيم شرفهم ما في بعض ألفاظ الحديث من أنّ الآية نزلت عقيب دعاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لهم بالطهارة وإذهاب الرجس ، ولعلّه الأصح.

١٠٥

٩ ـ البخاري في التاريخ الكبير ٩ : ٢٥ رقم ٢٠٥.

١٠ ـ الإصابة لابن حجر العسقلاني ٤ : ٤٢٣ ، ٤٦٧ ، ٨ : ٢٦٥.

١١ ـ تذكرة الخواص لابن الجوزي : ٢١١ ، الباب التاسع.

١٢ ـ ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ١ : ٣١٩ ح ٢.

١٣ ـ مناقب الخوارزمي : ٦١.

١٤ ـ السيرة الحلبية ٣ : ٤٠٤.

١٥ ـ السيرة الدحلانية ٢ : ٤١٣.

١٦ ـ أُسد الغابة لابن الأثير ٢ : ١٢.

١٧ ـ تفسير الطبري ٢٢ : ٩.

١٨ ـ الدر المنثور للسيوطي ٥ : ١٩٨.

١٩ ـ تاريخ ابن عساكر ٤٢ : ١٠٠.

٢٠ ـ تفسير الكشّاف للزمخشري ١ : ٣٦٩ ، سورة آل عمران آية ٦١.

٢١ ـ أحكام القرآن لابن العربي ٣ : ١٥٣٨.

٢٢ ـ تفسير القرطبي ١٤ : ١٨٣.

٢٣ ـ الصواعق المحرقة لابن حجر ٢ : ٤٢٢ ، الآيات الواردة في أهل البيت.

٢٤ ـ الاستيعاب لابن عبد البر ٣ : ٣٧.

٢٥ ـ العقد الفريد لابن عبد ربه ٥ : ٦٢.

٢٦ ـ كنز العمال ١٣ : ٧١ ، ح ٣٦٤٩٢.

٢٧ ـ مصابيح السنّة للبغوي ٢ : ٢٧٨.

٢٨ ـ أسباب النزول للواحدي : ٢٣٩.

١٠٦

٢٩ ـ تفسير ابن كثير ٣ : ٤٩٢.

وغير هؤلاء من علماء أهل السنّة والجماعة كثيرون لم نذكرهم ، واكتفينا في هذه العجالة بهذا القدر.

وإذا كان كلّ هؤلاء يعترفون بأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي بيّن المقصود من هذه الآية ، فما قيمة أقوال غيره من الصحابة ، أو التابعين ، أو المفسّرين الذين يريدون حمل معناها على غير ما يريده الله ورسوله ، ابتغاء مرضاة معاوية وطمعاً فيما عنده؟!

كما أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أشار إليهم مرّة أُخرى ، وخصّهم بأنّهم هم أهل البيت لا غيرهم ، وذلك عندما نزل قوله سبحانه وتعالى :( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أبْنَاءَنَا وَأبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأنْفُسَنَا وَأنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّهِ عَلَى الكَاذِبِينَ ) (١) ، فدعا علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً ، وقال : « هؤلاء أبناؤنا وأنفسنا ونساؤنا ، فهلمّوا أنفسكم وأبناءكم ونساءكم »(٢) ، وفي رواية مسلم : « اللهم هؤلاء أهلي »(٣) .

وعلماء أهل السنّة والجماعة الذين ذكرتُهم في المصادر السّابقة كلُّهم يعترفون أيضاً بنزول هذه الآية في هؤلاء الخمسة المذكورين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

على أنّ أزواج النبي رضي الله تعالى عنهن عرفْن مقصود الآية الكريمة ،

____________

(١) آل عمران : ٦١.

(٢) شواهد التنزيل للحسكاني ١ : ١٦٠.

(٣) صحيح مسلم ٧ : ١٢١ ، كتاب فضائل الصحابة باب فضائل علي بن أبي طالب.

١٠٧

ولذلك لم تدّعي واحدة منهن أنّها من أهل البيت ، وعلى رأسهن أُمّ سلمة وعائشة ، وقد روت كلّ واحدة منهنّ أنّ الآية خاصة برسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، وقد أخرج اعترافهن كلّ من مسلم ، والترمذي ، والحاكم ، والطبري ، والسيوطي ، والذهبي ، وابن الأثير وغيرهم.

أضف إلى كلّ ذلك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قد رفع هذا اللبس وهذا الإشكال; لأنّه عَلم بأنّ المسلمين قد يقرؤون القرآن ، ويحملون أهل البيت على سياق الآيات السّابقة واللاّحقة ، والتي تحذّر نساء النبي ، فبادر إلى تعليم الأُمّة بمقصود آية إذهاب الرجس والتطهير عندما داوم طيلة ستّة أشهر ـ بعد نزول الآية ـ على المرور بباب علي وفاطمة والحسنين قبل الشروع في إقامة الصلاة فيقول :( إنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) قوموا إلى الصّلاة يرحمكم الله.

وقد أخرج هذه المبادرة التي فعلها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الترمذي في صحيحه ٥ : ٣٠ ، والحاكم في المستدرك ٣ : ١٥٨ ، والذهبي في تلخيصه ، وأحمد بن حنبل في مسنده ٣ : ٢٥٩ ، وابن الأثير في أُسد الغابة ٥ : ٥٢١ ، والحسكاني في شواهد التنزيل ٢ : ١٨ ، والسيوطي في الدر المنثور ٥ : ١٩٩ ، والطبري في تفسيره ٢٢ : ٩ ، والبلاذري في أنساب الأشراف ٢ : ١٠٤ ، وابن كثير في تفسيره ٣ : ٤٩٢ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٩ : ١٦٨ ، وغيرهم.

وإذا أضفنا إلى كلّ هؤلاء أئمة أهل البيت ، وعلماء الشيعة الذين لا يشكّون في اختصاص محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين بهذه الآية الكريمة ، فلا تبقى بعد ذلك أية قيمة لمن خالفهم من أعداء أهل البيت

١٠٨

والمتشيعين لمعاوية وبني أُميّة الذين يريدون أن يطفؤوا نور الله بأفواههم ، والله متمّ نوره ولو كره الكافرون.

وقد كشف أُولئك الذين يفسّرون الآية على غير تفسير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها بأنّهم من المتزلّفين إلى الحكّام من الأمويين والعبّاسيين قديماً وحديثاً ، وبأنّهم من النواصب الذين يبغضون عليّاً ، وإن تستّروا بزي العلماء والفقهاء.

على أنّ العقل وحده يحكم بعدم شمول هذه الآية ، أعني ( إذهاب الرجس والتطهير ) لزوجات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

١ ـ فإذا ما أخذنا على سبيل المثال أُمّ المؤمنين عائشة التي تدّعي أنّها أحبّ أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليه وأقربهم لديه ، حتّى إن باقي أزواج النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غِرنَ منها ، وبعثن للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينشدنه العدل في ابنة أبي قحافة كما قدّمنا; لم تتجرّأ ولم يتجرّأ أحد من أنصارها ومحبّيها ولا من السّابقين أو من اللاّحقين أن يقول بأنّ عائشة كانت تحت الكساء يوم نزول الآية.

فما أعظم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أقواله وأفعاله ، وما أعظم حكمته عندما حصر أهل بيته معه تحت الكساء ، حتى إنّ أُمّ المؤمنين أمّ سلمة زوجة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرادت الدخول معهم تحت الكساء ، وطلبت ذلك من زوجها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكنّه منعها من ذلك وقال لها : « أنت إلى خير »(١) .

____________

(١) تفسير الطبري ٢٢ : ١١ ، تاريخ دمشق ١٤ : ١٣٩ ، سير أعلام النبلاء ١٠ : ٣٤٧ وقال محقّق الكتاب : حديث صحيح. ورواه الترمذي في الجامع ٦ : ١٧٤ ، ح ٣٨٧١ وقال : « حديث حسن صحيح ، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب » وكذلك حكم الشيخ الألباني في صحيح الترمذي ٣٠٣٨ بصحة الحديث وفي

١٠٩

٢ ـ ثمّ إنّ الآية بمفهومها الخاصّ والعام دالّ على العصمة ، فإنّ إذهاب الرّجس يشمل كلّ الذّنوب والمعاصي والرّذائل صغيرها وكبيرها ، وخصوصاً إذا أُضيف إليها تطهير من ربّ العزّة والجلالة ، وإذا كان المسلمون يتطهّرون بالماء والتراب طهارة جسدية لا تتعدّى ظاهر الجسم ، فأهل البيت طهّرهم الله طهارة روحية غسلت العقل والقلب والفؤاد ، فلم تترك لوساوس الشيطان ولا لارتكاب المعاصي مكاناً ، فأصبحت قلوبهم صافية نقية خالصة مخلصة لخالقها وبارئها في كلّ حركاتها وسكناتها.

٣ ـ ولكلّ ذلك كان هؤلاء المطهّرون مثالا للإنسانية جمعاء في الزهد ، والتقوى ، والإخلاص ، والعلم ، والحلم ، والشجاعة ، والمروءة ، والعفّة ، والنّزاهة ، والعُزوف عن الدنيا ، والقُرب منه جلّ وعلا ، ولم يسجّل التاريخ لواحد منهم معصية أو ذنباً طيلة حياته.

____________

مسند أبي يعلى الموصلي ١٢ : ٢٤٤ ، الطبراني في المعجم الكبير ٣ : ٥٢ ، أُسد الغابة ٣ : ٤١٣. وممّا يدلل على ذلك وأنّ الفهم السائد لدى الصحابة آنذاك من أنّ المراد بالآية ليس أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنّما المراد بهم علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام مضافاً إلى سيدهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أخرجه في الدر المنثور ٥ : ١٩٨ عن عكرمة من قوله في آية التطهير « ليس بالذي تذهبون إليه إنّما هو نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » ، بعد ملاحظة كون عكرمة البربري خارجياً وهو الذي نشر مذهب الخوارج في المغرب كما ذكر ذلك ابن حجر في تهذيب التهذيب ٧ : ٢٣٧ والخوارج كانوا يكفّرون علياً ويتحاملون عليه ، فعكرمة كان يدعو إلى ذلك لأنّه يريد طمس فضائل أهل البيت; إذ لا يطيق أن يرى قرآناً يتلى في حقّ أهل البيتعليهم‌السلام ، وعلي رئيسهم ، وهو خارجي يبغضه ويقاتله كما فعل إخوانه الخوارج من قبل ، فلذلك كان ينادي في الأسواق إنكاراً لفضيلته ومنزلته المعلومة لدى المسلمين آنذاك.

١١٠

وإذا كان الأمر كذلك ، فلنعد إلى المثال الأوّل لزوجات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهي عائشة التي بلغت من المرتبة السّامية والمكانة العالية والشهرة الكبيرة ما لم تبلغه أيّة زوجة أُخرى للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا ولا حتّى لو جمعنا فضائلهنّ بأجمعهنّ ما بلغنَ عشر معشار عائشة بنت أبي بكر ، هذا ما يقوله أهل السنّة فيها(١) ، والذين يعتبرون أنّ نصف الدّين يؤخذ عنها وحدها.

____________

(١) ذكر صاحب كتاب « كشف الجاني » : ١٣١ أنّ المؤلّف كذب في هذا الكلام; لأنّ أهل السنّة لايقولون بذلك ، بل هم مختلفون في تفضيل عائشة على خديجة أو بالعكس ، وبعضهم يفضّل فاطمة سلام الله عليها عليهما.

والذي يرجع إلى أقوال علماء أهل السنّة في هذا المضمار يلحظ أنّ المؤلّف لم يجانب الصواب ، ولم يفترِ عليهم ما لم يقولوه كما حاول عثمان الخميس في كتابه « كشف الجاني » إظهار المؤلّف بذلك ، مجازفاً في تحميل مذهب أهل السنّة المفضّل لعائشة على بقية زوجات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى فاطمة سلام الله عليها على بعض الأقوال ، وننقل هنا كلمات علماء أهل السنّة في المسألة ليطلع عليها القارئ وصاحب كتاب « كشف الجاني » إذ لعلّه لا يستطيع اقتناءها فلذلك زوّر الكلام جزافاً :

(١) قال الذهبي في سير أعلام النبلاء ٢ : ١٤٠ في ترجمة عائشة ١٩ : « ولم يتزوّج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكراً غيرها ، ولا أحبّ امرأة حبّها ، ولا أعلم من أُمّة محمّد بل ولا في النساء مطلقاً امرأة أعلم منها ، وذهب بعض العلماء إلى أنّها أفضل من أبيها ».

فهنا لم يفضّلوا عائشة على خديجة فحسب بل فضّلوها حتى على أبيها!!

(٢) وقال ابن تيمية في كتابه أُمّ المؤمنين عائشة : ٢٣ : « قد ذهب إلى ذلك [ أي تفضيل عائشة على غيرها من النساء ] كثير من أهل السنّة ».

(٣) عن الزهري أنّه قال : « لو جمع علم الناس كلّهم ثمّ علم أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

١١١

____________

لكانت عائشة أوسعهم علماً » المستدرك ٤ : ١١ ، وقال عطاء : « وكانت عائشة أفقه الناس وأعلم الناس وأحسن الناس رأياً في العامة » المستدرك ٤ : ١٤.

وذكروا لعائشة كثير من الخصائص التي لم يرد لواحدة من أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ربع معشارها لا عشرها فقط ، وهنا نورد بعضها ومن شاء فليراجع :

(١) قال الحاكم : « نقل عن عائشة وحدها ربع الشريعة » الإجابة : ٦٢.

(٢) إنّ جبرائيلعليه‌السلام جاء بصورتها إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دون غيرها. الكامل في التاريخ ٦ : ٣٦٤ ، تاريخ بغداد ١١ : ٢٢١.

(٣) إنّ الوحي لا يأتي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ في بيتها دون سائر نسائه. صحيح البخاري ٧ : ٨٤.

(٤) إنّها أحبّ الناس إلى الرسول بعد أبيها. صحيح البخاري ٧ : ١٩.

(٥) جبرائيلعليه‌السلام يقرئها السلام دون غيرها من نسائه ، وأنّها الوحيدة من زوجات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي رأته. صحيح البخاري ٧ : ٨٤.

(٦) إنّها فضلت أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعشر خصال دون غيرها. سير أعلام النبلاء ، للذهبي ٥ : ١٤٧.

(٧) إنّه كان يقبّلها وهو صائم دون غيرها من نسائه. صحيح البخاري ١ : ٨٣.

(٨) كان آخر زاده من الدنيا ريقها. صحيح البخاري ٥ : ١٤٢.

(٩) إنّها زوجته في الدنيا والآخرة ولم يرد في حقّ غيرها ذلك. المعجم الأوسط للطبراني ١ : ١٦٩.

(١٠) إنّها كانت تصوم الدهر دون غيرها. السنن الكبرى للبيهقي ٤ : ٣٠١.

(١١) إنّ الملائكة كانت تحف بيتها دون غيرها. السمط الثمين ص٧١.

(١٢) إنّها كانت تغتسل مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في إناء واحد دون غيرها. صحيح ابن حبان ٣ : ٣٩٢.

(١٣) إنّه كان لها يومان وليلتان وبقية نسائه يوم وليلة. صحيح مسلم ٤ : ١٧٤.

(١٤) أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعتذر منها دون غيرها. السمط الثمين لمحب الدين

١١٢

وإذا ما تجرّدنا للحقيقة بدون تعصّب ولا انحياز ، فهل من المعقول أن يحكُمَ العقلُ بأنّها مطهّرة من الذنوب والمعاصي؟ أم أنّ الله سبحانه رفع عنها حصانته المنيعة بعد موت زوجها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فلننظر معاً إلى الواقع.

____________

الطبري : ص٥٢.

إلى غير ذلك من الخصائص المزعومة التي ذكرت لها دون غيرها من نساء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والتي هي من الكثرة بحيث لم تكن لغيرها عشر معشار ما ذكر لها. وقد ذكر ابن تيمية كلاماً فيه طعن وتوهين للسيدة خديجة على حساب تفضيل عائشة واعطائها ذلك المنصب المصطنع من قبل الأمويين ، قال في كتابه أُم المؤمنين عائشة : ٢٥ : « وهؤلاء يقولون : قوله لخديجة : « ما أبدلني الله بخير منها » ـ إن صحّ ـ فمعناه : ما أبدلني بخير لي منها; لأنّ خديجة نفعته في أول الإسلام نفعاً لم يقم غيرها فيه مقامها ، فكانت خيراً له من هذا الوجه لكونها نفعته وقت الحاجة ، ولكن عائشة صحبته في آخر النبوة وكمال الدين فحصل لها من العلم والإيمان ما لم يحصل لمن لم يدرك إلاّ أول زمن النبوة ، فكانت أفضل بهذه الزيادة ، وبلغت من العلم ما لم يبلغه غيرها ، فخديجة كان خيرها مقصوراً على نفس النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

وهذا الاستدلال كان من الأحرى لابن تيمية أن يجعله دليلا على أفضليتها على عائشة; لأنّها نصرت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أول الرسالة حينما كان وحيداً ، بلا ناصر ولا معين ، وكان الطلقاء وأبناء الطلقاء يتربصون بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كل منفذ وكل فج ، ولم يألوا جهداً في معارضته بكلّ الأساليب والطرق من أذى ، وجوع ، وعزل عن المجتمع ، واستهزاء وسخرية وغيرها ، ومع ذلك وقفت مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وناصرته وآزرته وثبت على إيمانها بينما عائشة تزوّجها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المدينة بعد أن ارتفعت جميع الموانع ، وأصبح المسلمون في حرية كاملة والدين في سعة لا ضيق ومن الواضح أنّ المناصرة في الشدة أكمل وأحسن من المناصرة ـ على الفرض ـ في وقت الرخاء والسعة فما ذكره ابن تيمية عليه لا له أن تدبّر.

١١٣

عائشة في حياة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

وإذا ما بحثنا حياتها مع زوجها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وجدنا الكثير من الذنوب والمعاصي ، فكانت كثيراً ما تتآمر مع حفصة على النبي حتّى اضطرّته إلى تحريم ما أحلّ الله له ، كما جاء ذلك في البخاري ومسلم(١) ، وتظاهرتا عليه أيضاً كما أثبت ذلك كلّ الصحاح وكتب التفسير(٢) ، وقد ذكر الله الحادثتين في كتابه العزيز.

كما كانت الغيرة تسيطر على قلبها وعقلها ، فتتصرّف بحضرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تصرّفاً بغير احترام ولا أدب ، فمرّة قالت للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما ذكر عندها خديجة : مالي ولخديجة إنّها عجوز حمراء الشدقين أبدلك الله خيراً منها ، فغضب لذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى اهتزّ شعرهُ(٣) .

ومرّة اُخرى بعثت إحدى أُمهات المؤمنين للنبي ( وكان في بيتها ) بصحفة فيها طعام كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشتهيه ، فكسّرت الصحفة أمامه بطعامها(٤) وقالتْ

____________

(١) صحيح البخاري ٦ : ٦٨ ، ١٦٧ كتاب التفسير باب قوله : ( يَا أيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ) ، صحيح مسلم ٤ : ١٨٤.

(٢) صحيح البخاري ٦ : ٧٠ ، كتاب التفسير باب قوله : ( إِنْ تَتُوبا ) ، صحيح مسلم ٤ : ١٩٢.

(٣) صحيح البخاري ٤ : ٢٣١ ، باب تزويج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خديجة ، وكذلك صحيح مسلم ٧ : ١٣٤ ، مسند أحمد ٦ : ١٥٠ ، والمستدرك للحاكم ٤ : ٢٨٦ ، باختلاف في الألفاظ.

(٤) صحيح البخاري ٦ : ١٥٧ في باب الغيرة.

١١٤

للنبي مرّة أُخرى : أنتَ الذي تزعم أنّك نبي الله(١) ، ومرّة غضبت عنده فقالت له : أعدل ، وكان أبوها حاضراً فضربها حتى سال دمها(٢) .

وبلغ بها الأمر من كثرة الغيرة أن تكذب على أسماء بنت النعمان لمّا زُفّتْ عروساً للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالت لها : إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليعجبُه من المرأة إذا دخل عليها أن تقول له : أعوذ بالله منك ، وغرضها من وراء ذلك هو تطليق تلك المرأة البريئة الساذجة ، والتي طلّقها النبي بسبب هذه المقالة(٣) .

وقد بلغ من سوء أدبها مع حضرة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه كان يصلّي وهي باسطة رجليها في قبلته ، فإذا سجدَ غمزها فقبضتْ رجليها ، وإذا قام أعادت بسطتها في قبلته(٤) .

وتآمرتْ هي وحفصة مرّة أُخرى على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى اعتزل نساءه بسببها لمدّة شهر كامل ينامُ على حصير(٥) . ولمّا نزل قول الله تعالى :( تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ ) (٦) قالت للنبي في غير حياء : ما

____________

(١) إحياء علوم الدين للإمام الغزالي ٢ : ٦٥ ، كتاب أدب النكاح ، الأدب الثاني ، السمط الثمين في مناقب أُمهات المؤمنين لمحب الدين الطبري : ٥٤ وقال : أخرجه الحافظ أبو القاسم الدمشقي.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) الطبقات الكبرى لابن سعد ٨ : ١٤٤ ، سير أعلام النبلاء ٢ : ٢٥٩ ، الإصابة ٨ : ١٩ ، مستدرك الحاكم ٤ : ٣٧ ، فتح الباري لابن حجر ٩ : ٢٩٥.

(٤) صحيح البخاري ١ : ١٠١ ، باب الصلاة على الفراش.

(٥) صحيح البخاري ٣ : ١٠٥ ، في باب الغرفة والعلية المشرفة من كتاب المظالم.

(٦) الأحزاب : ٥١.

١١٥

أرى ربّك إلاّ يسارع في هواكَ(١) .

وكانت عائشة إذا غضبتْ ( وكثيراً ما كانت تغضب ) تهجرُ اسم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلا تذكر اسم محمّد وإنّما تقول : وربّ إبراهيم(٢) .

وقد أساءتْ عائشة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كثيراً وجرّعْتهُ الغصص ، ولكن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رؤوف رحيم ، وأخلاقه عالية وصبره عميق ، فكان كثيراً ما يقول لها : « ألبسَكِ شيطانُكِ يا عائشة »(٣) وكثيراً ما كان يأسى لتهديد الله لها ولحفصة بنت عمر(٤) ، وكم من مرّة ينزل القرآنُ بسببها.

____________

(١) صحيح البخاري ٦ : ٢٤ و ١٢٨ باب هل للمرأة أن تهب نفسها لأحد.

(٢) صحيح البخاري ٦ : ١٥٨ باب غيرة النساء ووجدهنّ.

(٣) المعجم الصغير للطبراني ١ : ١٧١ ، تلخيص الحبير ٢ : ٣٥ ، نيل الأوطار للشوكاني ١ : ٢٤٧ ، واستدلّ به في مسألة فقهية وقال : « والحديث يدلّ على أنّ اللمس غير موجب للنقض ( أي نقض الوضوء ) لأنّ عائشة لمست شعر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لتراه هل اغتسل أم لا »؟ وفي صحيح مسلم ٨ : ١٣٩ بلفظ « أقد جاءك شيطانك ».

(٤) وقد تجنّى عثمان الخميس في كتاب « كشف الجاني » : ١٣١ كعادته ، واتهم المؤلّف بالكذب والافتراء ، وأنّه يعتمّد المصادر الشيعية التي لا قيمة لها عند السنّة؟!

وهذا جناية في الكلام لا يقولها إلاّ من توسّم بالتقليد والتعصب; لأنّ كلّ الذي نقله المؤلّف كان من مصادر أهل السنّة المعتبرة ، والتي تبيّن أخلاقيات عائشة وسيرتها مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل أكثرها من صحيحي البخاري ومسلم اللذين هما أصحّ كتاب بعد كتاب الله!!

ولعلّ عثمان الخميس لا يرى في هذه المسألة المتقدّمة وغيرها الكثير ممّا لم يذكر ممّا يؤذي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مع أنّ أيّ عاقل من المسلمين وغيرهم يرى أنّ هذه

١١٦

فقد قال تعالى لها ولحفصة :( إنْ تَتُوبَا إلَى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ) (١) ، أي أنّها زاغتْ وانحرفت عن الحقّ ، وقوله :( وَإنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإنَّ اللّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ المُؤْمِنِينَ وَالمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ) (٢) هو تهديد صريح من

____________

الأفعال أقبح أنواع الإساءة نظراً لمقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ونضيف إلى صاحب « كشف الجاني » بأنّ عائشة لم تقتصر على إيذاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حياته ، بل آذته بعد وفاته ، وخالفت ربّها قبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فبينما القرآن يخاطبها بقوله : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) ، وبينما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لها : « أيتكنّ صاحبة الجمل الأدأب تنبحها كلاب الحوأب يقتل عن يمينها وعن شمالها قتلى كثير ». ( فتح الباري ١٣ : ٤٥ وصرّح بصحة السند ، مجمع الزوائد ٧ : ٢٣٤ وصرّح بوثاقة رجاله ) ، وبينما رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة مات ميتة جاهلية » ( أخرجه مسلم ٦ : ٢١ ) بينما كان ذلك كلّه على مرأى ومسمع منها وإذا بها تخالفه ، فلا تقرّ في بيتها وتنبحها كلاب الحوأب وتفارق الجماعة ، وتشكّل حزباً مع طلحة والزبير وتقاتل علي بن أبي طالب عليه‌السلام ظلماً وبغياً كما ذكر المناوي في فيض القدير ٦ : ٤٧٤ ، وعلى غير هدىً ، بل في معصية الله تعالى كما ذكر ذلك ابن حجر في فتح الباري ١٣ : ٧٥ ، حتى إنّها قالت بعد وقعة الجمل ورجوعها إلى المدينة : « إنّي أحدثت بعد رسول حدثاً أدفنوني مع أزواجه » بينما كانت تريد أن تدفن إلى جواره ، كما أخرج ذلك ابن سعد ٨ : ٧٤ ، والحاكم في المستدرك ٤ : ٦ مقرّاً بصحته ووافقه الذهبي ، وبعد ذا وذاك يأتي عثمان الخميس متشدّقاً بروايات الدولة الأموية ليضفي على عائشة هالة من الأُبهة والقداسة ، والتي تصوّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شخصاً مشغوفاً بالدنيا ـ والعياذ بالله ـ ولا همّ له إلاّ عائشة بنت أبي بكر؟!! إلى غير ذلك من الترهات التي سودت بها صفحات الإسلام وسيرة رسوله النيرة المشرقة لكن خلفاء الطلقاء بين الفينة والاخرى تنبت لهم نابتة وتظهر قرنها المعوج!!

(١) التحريم : ٤.

(٢) التحريم : ٤.

١١٧

ربّ العزّة لها ولحفصة ، التي كانت كثيراً ما تنصاع لها وتعمل بأوامرها.

وقال الله لهما :( عَسَى رَبُّهُ إنْ طَلَّقَكُنَّ أنْ يُبْدِلَهُ أزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَات مُؤْمِنَات ) (١) وهذه الآيات نزلت في عائشة وحفصة بشهادة عمر بن الخطّاب ، كما جاء في البخاري(٢) . فدلّت هذه الآية لوحدها على وجود نساء مؤمنات في المسلمين خير من عائشة.

ومرّة بعثها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا أراد أن يخطب لنفسه شراف أُخت دحية الكلبي ، وطلب من عائشة أن تذهب وتنظر إليها ، ولما رجعت كانت الغيرة قد أكلتْ قلبها ، فسألها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما رأيت يا عائشة؟ فقالت : ما رأيت طائلا! فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لقد رأيت طائلا ، لقد رأيت خالا نجدها اقشعرّتْ منه ذوائبك ». فقالت : يا رسول الله ما دونك سرّ ، ومن يستطيع أن يكْتُمكَ(٣) .

وكلّ ما فعلته عائشة مع حضرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مؤامرات كانت في أغلب الأحيان تجرّ معها حفصة بنت عمر ، والغريب أنّنا نجد تفاهماً وانسجاماً تامّاً بين المرأتين عائشة وحفصة كالانسجام والتفاهم بين أبويهما أبو بكر وعمر ، غير أنّه في النّساء كانت عائشة دائماً هي الجريئة والقوية وصاحبة المبادرة ، وهي التي كانت تجرّ حفصة بنت عمر وراءها في كلّ شيء ، بينما كان أبوها أبو بكر ضعيفاً أمام عمر الذي كان هو الجري والقوي ، وصاحب المبادرة في كلّ شي ولقد رأينا فيما مرّ من الأبحاث أنّه حتّى في خلافته

____________

(١) التحريم : ٥.

(٢) صحيح البخاري ٦ : ٧٠ ، باب وإذا أسرّ النبي إلى بعض أزواجه.

(٣) طبقات ابن سعد ٨ : ١٦١ ، تاريخ دمشق ٥١ : ٣٦ ، الإصابة ٨ : ٢٠٠.

١١٨

كان ابن الخطّاب هو الحاكم الفعلي.

وقد حدّث بعض المؤرخين أنّ عائشة لما همّت بالخروج إلى البصرة لمحاربة الإمام علي فيما سُمّي بحرب الجمل ، أرسلت إلى أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أُمهات المؤمنين تسألهن الخروج معها ، فلم يستجب لها منهن إلاّ حفصة بنت عمر التي تجهّزت وهمّت بالخروج معها ، لكن أخاها عبد الله بن عمر هو الذي منعها وعزم عليها فحطّت رحلها(١) ، ومن أجل ذلك كان الله سبحانه يتهدّد عائشة وحفصة معاً في قوله :( وَإنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإنَّ اللّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ المُؤْمِنِينَ وَالمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ) ، وكذلك قوله :( إنْ تَتُوبَا إلَى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ) .

ولقد ضرب الله لهما مثلا خطيراً في سورة التحريم ليُعلمهما وبقية المسلمين الذين يعتقدون بأنّ أُم المؤمنين تدخل الجنّة بلا حساب ولا عقاب لأنّها زوجة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلاّ ، فقد أعلم الله عباده ذكوراً وإناثاً بأنّ مجرّد الزوجية لاتضرّ ولاتنفعُ حتّى ولو كان الزوج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّما الذي ينفع ويضرُّ عند الله هو فقط أعمالُ الإنسان ، قال تعالى :( ضَرَبَ اللّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأةَ نُوح وَامْرَأةَ لُوط كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ * وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأةَ فِرْعَوْنَ إذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الَّتِي أحْصَنَتْ فَرْجَهَا

____________

(١) البداية والنهاية ٧ : ٢٥٨ ، الكامل في التاريخ ٣ : ٢٠٨.

١١٩

فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ القَانِتِينَ ) (١) .

وبهذا يتبيّنُ لكلّ الناس بأنّ الزوجيّة والصّحبة ، وإن كانت فيهما فضائل كثيرة إلاّ أنّهما لا يغنيان من عذاب الله إلاّ إذا اتسمتا بالأعمال الصالحة ، وإلاّ فإنّ العذاب يكون مضاعفاً; لأنّ عدل الله سبحانه يقتضي أن لا يعذّب البعيد الذي لم يسمع الوحي كالقريب الذي ينزل القرآن في بيته ، والإنسان الذي عرف الحق فعانده كالجاهل الذي لم يعرف الحقّ.

وإليك الآن أيّها القارئ بعض رواياتها بشيء من التفصيل; لكي تتعرّف على شخصية هذه المرأة التي لعبتْ أكبر الأدوار في إبعاد عليعليه‌السلام عن الخلافة ، وحاربته بكلّ ما أُوتيت من قوّة ودهاء.

ولكي تعرف أيضاً بأنّ آية إذهاب الرجس والتطهير بعيدة عنها بُعد السماء عن الأرض(٢) ، وأنّ أهل السنّة أكثرهم ضحايا الدسّ والتزوير ، فهم أتباع بني أُميّة من حيث لا يشعرون.

أُمّ المؤمنين عائشة تشهد على نفسها

ولنستمع إلى عائشة تروي عن نفسها وكيف تفقِدُهَا الغيرةُ صوابها ، فتتصرّفُ بحضرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تصرّفاً لا أخلاقياً ، قالت : بعثت صفية زوج

____________

(١) التحريم : ١٠ ـ ١٢.

(٢) وقد تحامل عثمان الخميس في « كشف الجاني » : ١٣٢ على المؤلّف فاتّهم الشيعة بأقوال وروايات تبرأ منها براءة الذئب من دم يوسف ، ولا أثر لها في كتب الشيعة ، وإنّما هي مذكورة في كتب أهل السنّة ، كما أحال عثمان الخميس على : من الكتاب ، مع أنّ المؤلّف نقل الروايات عن كتب أهل السنّة لا الشيعة

١٢٠