فاسألوا اهل الذكر

فاسألوا اهل الذكر0%

فاسألوا اهل الذكر مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 484

فاسألوا اهل الذكر

مؤلف: الدكتور محمد التيجاني السماوي
تصنيف:

الصفحات: 484
المشاهدات: 60002
تحميل: 4761

توضيحات:

فاسألوا اهل الذكر
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 484 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 60002 / تحميل: 4761
الحجم الحجم الحجم
فاسألوا اهل الذكر

فاسألوا اهل الذكر

مؤلف:
العربية

باجتهاداتهم ، ولكنّ من يدّعون العلم يخوّفونهم بأنّ الشيعة عندهم كل شيء حلال.

وأتذكّر بأن أحدهم جادلني مرّة بالحُسنى وسألني : إذا كان سيّدنا عمر ابن الخطّاب ( رضي الله عنه ) بدّل حكم الله في هذه القضية وفي غيرها ، ووافق الصّحابة على ذلك ، فلماذا لم يعارض سيّدنا علي كرّم الله وجهه ورضي الله عنه ، ولم ينكر على سيّدنا عمر؟ وأجبته بجواب الإمام عليعليه‌السلام عندما قالت قريش : بأنّه رجلٌ شجاعٌ ، ولكن لا علم له بالحرب ، فقال :

« للّه أبوهم! وهل أحدٌ منهم أشدُّ لها مراساً ، وأقدم فيها مقاماً منّي! لقد نهضتُ فيها وما بلغتُ العشرين ، وها أنذا قد ذرفت على السّتين ، ولكن لا رَأْيَ لمن لا يُـطَـاع »(١) .

نعم ، وهل استمع المسلمون لرأي علي غير شيعته الذين آمنوا بإمامته ، فقد عارض تحريم المتعة ، وعارض بدعة التراويح ، وعارض كلّ الأحكام التي غيّرها أبو بكر وعمر وعثمان ، ولكن بقيت آراؤه محصورة في أتباعه وشيعته ، أمّا غيرهم من المسلمين فقد حاربوه ولعنوه ، وحاولوا جهدهم القضاء عليه ومحو ذكره.

ولا أدلَّ على معارضته من موقفه العظيم البطولي عندما دعاه عبد الرحمن بن عوف الذي رشّحوه لاختيار الخليفة بعد موت عمر فاشترط عليه ـ بعد أن اختاره ليكون هو الخليفة ـ أن يحكم فيها بسنّة الخليفتين أبو

____________

(١) نهج البلاغة ١ : ٧٠ ، الخطبة ٢٧.

٣٢١

بكر وعمر ، فرفض عليعليه‌السلام هذا الشرط وقال : أحكم بكتاب الله وسنّة رسوله. وعلى هذا تركوه ، واختاروا عثمان بن عفان الذي قبل شرط الحكم بسنّة الخليفتين ، فإذا كان عليعليه‌السلام لا يقدر على معارضة أبي بكر وعمر وهما ميّتان ، فكيف يعارضهما وهما على قيد الحياة؟!

ولذلك ترى اليوم بأنّ باب مدينة العلم الذي كان أعلم النّاس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأقضاهم وأحفظهم لكتاب الله وسنّة رسوله متروكاً عند أهل السنّة والجماعة ، فيقتدون بمالك وأبي حنيفة والشّافعي وابن حنبل ، ويقلّدونهم في كلّ أُمور الدّين من العبادات والمعاملات ، ولا يرجعون في شيء للإمام علي.

وكذلك فعل أئمّتهم في الحديث كالبخاري ومسلم ، فتراهم يروون عن أبي هريرة ، وعن ابن عمر ، وعن الأقرع والأعرج ، وعن كلّ قريب وبعيد مئات الأحاديث ، ولا يروون عن علي إلاّ بضعة أحاديث مكذوبة عليه ، وفيها مسُّ بكرامة أهل البيت.

ثمّ هم لا يكتفون بذلك ، فيستنكرون ويكفّرون من قلّده واقتدى به من شيعته المخلصين ، وينبزونهم بالرّوافض وبكلّ ما يُشين.

والحقيقة : إنّ هؤلاء ليس لهم ذنبٌ إلاّ أنّهم اقتدوا بعلي الذي كان منبوذاً ومبعداً في عهد الخلفاء الثلاثة ، ثمّ هو ملعون ومحارب في عهد الأموييّن والعبّاسيّين ، وكلّ من له إلمام ومعرفة بالتّاريخ ، سيُدركُ هذه الحقيقة واضحة جليّة ، وسيفهم الخلفيات والمؤامرات التي حيكتْ ضدّه ، وضدّ أهل بيته وشيعته.

٣٢٢

عثمان بن عفان يتّبع سنّة صاحبيه في مخالفة النّصوص

لعلّ عثمان بن عفان عندما عاهد عبد الرحمن بن عوف غداة بيعته بالخلافة أن يحكم فيهم بسنّة الخليفتين أبي بكر وعمر كان يرمي بأنّه سيجتهدُ كما اجتهدا ، ويغيّر النّصوص القرآنية والنّصوص النبويّة كما كانا يفعلان.

ومن تتبّع سيرته أيام خلافته يجده قد ذهب أشواطاً بعيدة في الاجتهاد ، حتّى أنسى النّاس اجتهادات صاحبيه أبي بكر وعمر!!

وأنا لا أُريد الإطالة في هذا الموضوع الذي ملأ كتب التاريخ قديماً وحديثاً ، وما أحدثه عثمان من أُمور غريبة سبّبت الثورة عليه وأودت بحياته ، ولكنّي سأقتصر على بعض الأمثلة الوجيزة كالعادة; ليتبيّن للقارئ ولكلّ باحث ما أحدث أنصار الاجتهاد في دين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

( أ ) أخرج مسلم في صحيحه في كتاب صلاة المسافرين عن عائشة قالت : فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ، ثمّ أتمّها في الحضر ، فأُقرّت صلاة السّفر على الفريضة الأُولى.

كما أخرج مسلم في صحيحه في نفس الكتاب المذكور أعلاه ، عن يعلى ابن أُميّة قال : قلتُ لعمر بن الخطّاب : ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصّلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ، فقد أمن النّاس! فقال : عجبتُ ممّا عجبتَ منه ، فسألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ذلك ، فقال : « صدقة تصدّق الله بها عليكم ، فاقبلوا صدقتُه ».

كما أخرج مسلم في صحيحه في كتاب صلاة المسافرين وقصرها عن

٣٢٣

ابن عبّاس ، قال : فرض الله الصلاة على لسان نبيّكمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحضر أربعاً ، وفي السّفر ركعتين ، وفي الخوف ركعة.

كما أخرج مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك قال : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ صلّى ركعتين.

وعنه أيضاً قال : خرجنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المدينة إلى مكّة ، فصلّى ركعتين ركعتين حتّى رجع ، قلتُ : كم أقام بمكّة؟ قال : عشراً(١) .

ومن خلال هذه الأحاديث التي أخرجها مسلم في صحيحه ، يتبيّن لنا بأنّ الآية الكريمة التي نزلت بخصوص تقصير الصّلاة في السّفر ، فهم منها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفسّرها قولا وعملا بأنّها رخصة تصدّق الله بها على المسلمين ويجب قبولها.

وبهذا تبطل دعوى الدواليبي ومن كان على شاكلته في التماس العذر لعمر وتصحيح أخطائه ، بأنّه نظر إلى علّة الحكم ولم ينظر إلى ظاهره; لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علّمه بمناسبة نزول آية قصر الصّلاة عندما تعجّبَ عمر ، بأنّ النّصوص الثابتة لا تتوقّفُ على علّتها ، وبذلك تقصرُ الصّلاةُ في السّفر ، ولو أمِنَ النّاسُ ولم يخافوا أن يفتنهم الذين كفروا ، ولكن عمر له رأي آخر غير الذي يرتئيه الدواليبي وعلماء أهل السنّة بحسن ظنّهم.

ولننظر إلى عثمان بن عفّان ، فلا بدّ له هو الآخر أن يجتهدَ في النّصوص القرآنية والنبويّة حتّى يلحق بركب الخلفاء الرّاشدين ، فما أن استتبّ له الأمر حتّى أتمَّ الصّلاة في السّفر ، وأبدلها بأربع ركعات عوض ركعتين!!

____________

(١) صحيح مسلم ٢ : ١٤٢ ـ ١٤٥ كتاب صلاة المسافرين.

٣٢٤

وكم بقيتُ أتساءل عن السّبب في تغيير هذه الفريضة والزّيادة فيها ، وما هي الدوافع لذلك ، ولم أرَ إلاّ أنّه أرادَ أن يوهم النّاس وبالخصوص بني أُميّة بأنّه أبرّ وأتقى لله من محمّد وأبي بكر وعمر.

فقد أخرج مسلم في صحيحه في باب صلاة المسافرين وقصر الصّلاة بمنى ، قال : عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه صلّى صلاة المسافر بمنى وغيره ركعتين ، وأبو بكر وعمر وعثمانُ ركعتين صدْراً من خلافته ، ثمّ أتمّها أربعاً(١) .

كما جاء في صحيح مسلم أيضاً أنّ الزّهري قال : قلتُ لعروة : ما بالُ عائشة تُتمُّ في السّفر؟ قال : إنّها تأوّلتْ كما تأوّلَ عثمان(٢) .

وهكذا يصبح دين الله بأحكامه ونصوصه خاضعاً لتأوّل المتأولين وتفسير المفسّرين.

( ب ) كما أنّ عثمان اجتهد برأيه لتأييد ما ذهب إليه عمر من تحريم متعة الحجّ أيضاً كما حرّم متعة النساء ، فقد أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الحجّ في باب التمتّع والإقران ، عن مروان بن الحكم قال : شهدْتُ عثمان وعليّاً رضي الله عنهما ، وعثمانُ ينهى عن المتعة وأن يجمَعُ بينهما ، فلمّا رأى علىٌّ أهلَّ بهما لبيكَ بعمرة وحجّة ، وقال : ما كنتُ لأدع سنّة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقول أَحَد.

____________

(١) صحيح مسلم ٢ : ١٤٦ كتاب صلاة المسافرين.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ١٤٣ كتاب صلاة المسافرين ، صحيح البخاري ٢ : ٣٦ كتاب تقصير الصلاة باب يقصر إذا خرج من موضعه.

٣٢٥

وأخرج مسلم في صحيحه في كتاب الحجّ باب جواز التمتّع عن سعيد ابن المسيّب ، قال : اجتمع علىٌّ وعثمان رضي الله عنهما بعُسْفَانَ ، فكان عثمان ينهى عن المتعة أو العمرةِ ، فقال علىٌّ : ما تريدُ إلى أمر فعلَهُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تنهى عنه؟ فقال عثمان : دعنا منك ، فقالَ : إنّي لا أستطيع أن أدعَكَ ، فلمّا رأَى علىٌّ ذلك أهلَّ بهما جميعاً.

نعم ، هذا هو علىٌّ بن أبي طالب سلام الله عليه ، فما كان ليدع سنّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقول أحد من النّاس ، والرواية الثانية تفيدنا بأنّ شجاراً دار بين علي وعثمان ، وقول عثمان لعلي : « دعنا منك » فيه ما فيه من مخالفته في كلّ شيء ، وعدم اتباعه فيما يرويه عن ابن عمّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما أنّ الرواية مبتورة إذا تقول : فقال علي : « إنّي لا أستطيع أن أدعكَ ، فلمّا رأى علي ذلك » ما هو الذي رآه علي؟ لا شك أنّ الخليفة ورغم تذكير علي له بالسنّة النبويّة أصرّ على رأيه في مخالفتها ، ومنع النّاس من التمتّع ، عند ذلك خالفه علىّ وأهلّ بهما جميعاً ، يعني الحجّ والعمرة.

( ت ) كما أنّ عثمان بن عفّان اجتهد أيضاً في أجزاء الصّلاة ، فكان لا يكبّر في السّجود ولا في الرّفع منه.

فقد روى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده الجزء الرابع عن عمران بن حصين قال :

« صلّيتُ خلف علىّ صلاةً ذكرتني بصلاة صلّيتُها مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والخليفتين ، قال : فانطلقتُ فصلّيتُ معه ، فإذا هو يكبّر كلّما سجد ورفع رأسه من الركوع ، فقلت : يا أبا نجيد مَن أولّ من تركه؟ قال : عثمان ( رضي الله عنه ) حين كبّر

٣٢٦

وضعف صوته تركه »(١) .

نعم ، هكذا تضيع السنن النبويّة ، وتتبدّل بسُنن خُلفائيّة ، وسنن ملوكيّة ، وسنن صحابيّة ، وسنن أمويّة ، وسنن عبّاسية ، وكلّها بُدع مبتدعة في الإسلام ، فكلّ بدعة ضلالة وكلّ ضلالة في النّار ، كما قال صاحب الرسالة عليه وآله أفضل الصّلاة وأزكى السّلام.

____________

(١) وراجع أيضاً فتح الباري ٢ : ٢٢٤ ، تحفة الأحوذي للمباركفوري ٢ : ٨٦ ، عون المعبود للعظيم آبادي ٣ : ٤٥. وفي فتح الباري أيضاً ٢ : ٢٢٤ قال : « روى أحمد والطحاوي باسناد صحيح عن أبي موسى الأشعري قال : ذكرنا علي صلاة كنّا نصليّها مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إما نسيناها وإما تركناها عمداً ».

فهذا الصحابي يصرّح بأنّهم قد نسوا سنّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع أنّهم جديدوا عهد بموته!! ثمّ يصرّح بأنّه قد يكون تركنا لها عمداً لا نسياناً ، وهذا طامة كبرى سترها أفضل من إفشائها; لأنّها تهدم ركناً عظيم وتشكّك في أمر قام عليه المذهب السنِّي ، وهو عدالة الصحابة ، فاقرأ وأعجب!!

ولأجل هذه المسائل التي تفضحهم وتهدّ ركنهم تراهم يدعون إلى عدم إفشاء هذه الأُمور بين عموم المسلمين وجعلها مستورة مغمورة لا يطلع عليها إلاّ المتيقّن من نفسه أنّه ثابت على سنّة بني أُمية وأتباعهم ، قال الذهبي في سير أعلام النبلاء ١٠ : ٩٢ : « كلام الأقران إذا تبرهن لنا أنّه بهوىً وعصبية لا يلتفت إليه ، بل يطوى ولا يروى كما تقرّر عن الكفّ عن كثير ممّا شجر بين الصحابة وقتالهم وكتمان ذلك متعيّن عن العامّة وآحاد العلماء ، وقد يرخّص في مطالعة ذلك للعالم المنصف بشرط أن يستغفر لهم ».

فلا يطلع عليه إلاّ من يحكم مسبقاً بأنّهم عدول خيرين؟!

وهذا من العجب العجاب فالمسلم يريد معرفة الحقّ بالبحث ، فإذا كان مسبقاً حاملا لقاعدة عدالة عموم الصحابة وكلّ ما صدر عنهم لا يضرّ فأىّ قيمة لبحثه؟! وأي فائدة من مطالعته؟! فما لكم كيف تحكمون؟!!

٣٢٧

ولذلك فأنتَ ترى اليوم أشكالا وألواناً في صلاة المسلمين ، وتحسبهم جميعاً وقلوبُهم شتّى; لأنّهم يصطفّون للصلاة صفّاً واحداً ، فترى هذا سادلٌ يديه ، وذاك قابضٌ ، وآخر له شكلا خاصّاً في القبض ، فهو يضع يديه فوق السرّة ، وذاك يضعها قرب قلبه واحدٌ جامع بين قدميه وآخر مفرّق بينهما ، وكلّ واحد يعتقد بأنّه هو الحقّ ، وإذا ما تكلّمت في ذلك فسيقال لك : يا أخي إنها شكليات فلا تهتم بها وصلّ كما تريد ، فالمهم هو أن تُصلّي.

نعم ، هذا صحيح إلى حد ما ، فالمهم هي الصلاة ، ولكن يجب أن تكون صلاة مطابقة لصلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد قال : « صلّوا كما رأيتموني أُصلّي »(١) ، فعلينا أن نجتهد في البحث عن صلاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ; لأنّ الصلاة عمود الدين.

( ث ) عثمان الذي استحت منه ملائكة الرحمن.

قال البلاذري في أنساب الأشراف ٥ : ٥٤.

لما بلغ عثمان موت أبي ذر بالربذة قال : رحمه الله. فقال عمّار بن ياسر : نعم ، فرحمه الله من كلّ أنفسنا ، فقال عثمان لعمّار : يا عاضَّ أير أبيه أتراني ندمتُ على تسييره ، وأمر فدفع في قفاه وقال : إلحق بمكانه.

فلما تهيّأ للخروج جاءت بنو مخزوم إلى علىّ ، فسألوه أن يكلّم عثمان فيه ، فقال له علي : يا عثمان اتّق الله فإنّك سيّرت رجلا صالحاً من المسلمين فهلك في تسييركَ ، ثمّ أنتَ الآن تريد أن تنفي نظيره؟

____________

(١) صحيح البخاري ٨ : ١٣٣ ، الأدب المفرد ٥٥ ، صحيح ابن خزيمة ٢٠٦ ، صحيح ابن حيان ٤ : ٥٤٢ ، السنن الكبرى للبيهقي ٢ : ٣٤٥ ، سنن الدارقطني ١ : ٢٨٠.

٣٢٨

وجرى بينهما كلام حتّى قال عثمان لعلي : أنت أحقُّ بالنّفي منه ، فقال علي : رُم ذلك إن شئت.

واجتمع المهاجرون إلى عثمان فقالوا : إن كنتَ كلّما كلّمك رجلٌ سيّرتَه ونفيتَهُ فإنّ هذا شيء لا يسوغ ، فكفَّ عن عمّار.

وفي رواية اليعقوبي من تاريخه ٢ : ١٤٧ : أنّ عمار بن ياسر صلّى على المقداد ودفنَه ، ولم يؤذن بذلك عثمان بوصية من المقداد ، فاشتدّ غضب عثمان على عمّار وقال : ويلي على ابن السوداء ، أما لقد كنتُ به عليماً(١) .

أفيمكن للحيىّ الذي تستحي منه الملائكة أن يتفحّش في الأقوال ، ولخيرة المؤمنين؟

ولم يكتف عثمان بشتم عمّار وقوله له فحشاً من القول ، كقوله : يا عاضّ أير أبيه ، حتَّى أمرَ غلمانه فمسكوا عماراً ، ومدوا بيديه ورجليه ، ثمّ ضربه عثمان برجليه ، وهي في الخفّين على مذاكيره فأصابه الفتق ، وكان ضعيفاً كبيراً فغُشي عليه ، وهذه قصّة معروفة عند المؤرّخين(٢) ، عندما كتب جمع من الصحابة كتاباً وأمروا عمّار أن يوصله له.

وكذلك فعل عثمان مع عبد الله بن مسعود إذ أمر به أحد جلاوزته ، وهو عبد الله بن زمعة ، فاحتمله ابن زمعة حتّى جاء به باب المسجد ، وضرب به الأرض فكسّر ضلعاً من أضلاعه(٣) ، لا لشيء إلاّ أن عبد الله بن مسعود

____________

(١) راجع الغدير للأميني ٩ : ١٩ عن أنساب الأشراف وتاريخ اليعقوبي ٢ : ١٧٣.

(٢) راجع الغدير ٩ : ١٦ عن أنساب الأشراف ٦ : ٢٠٩ ، الاستيعاب ، رقم ١٨٦٣ ، الامامة والسياسة ١ : ٣٥.

(٣) الغدير ٩ : ٣ عن أنساب الأشراف ٦ : ١٤٦ ، تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٧٠.

٣٢٩

استنكر على عثمان أن يُعطيَ بني أُمية الفسقة أموال المسلمين بغير حساب.

وقامت الثورة على عثمان وكان ما كان حتّى ذُبحَ ، ومنعوا دفنه ثلاثة أيام ، وجاء من بني أُمية أربعة ليصلّوا عليه ، فمنعهم بعض الصّحابة من الصّلاة عليه ، فقال أحدهم : ادفنوه فقد صلّى الله عليه وملائكته ، فقالوا : لا والله لا يدفن في مقابر المسلمين أبداً ، فدفنوه في حش كوكب ، كانت اليهود تدفن فيه موتاهم ، فلمّا ملكت بنو أُمية أدخلوا ذلك الحش في البقيع(١) .

هذه نبذة يسيرة من تاريخ الخلفاء الثلاثة : أبي بكر وعمر وعثمان ، وهي وإن كانت يسيرة لأنّنا رُمنا الاختصار وإعطاء بعض الأمثلة فقط ، ولكنّها كافية لكشف السّتار عن تلكم الفضائل المزعومة ، والمناقب المخترعة التي لا يعرفها الخلفاء الثّلاثة ، ولا حلموا بها يوماً في حياتهم.

والسّؤال الذي يُطرح هو : ما يقول أهل السنّة والجماعة في هذه الحقائق؟

والجواب عند أهل الذكر هو : إن كنتمُ تعرفونها ولا تنكرونها لأنّ صحاحكم أثبتتها على حقيقتها رغم التعتيم ، فقد أسقطتم بذلك أُسطورة الخلافة الراشدة!! وإن كنتم تنكرونها ولا تثقون في صحّتها ، فقد أسقطتم صحاحكم وكتبكم المعتبرة التي أخرجتْها ، وبذلك أسقطتم كلّ معتقداتكم!!

____________

(١) ومن شاء فليرجع إلى كتاب الفتنة ووقعة الجمل لسيف بن عمر ٨٤ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٥ : ٢٠٧ ، ١٠ : ٧ ، فيض القدير في شرح الجامع الصغير ٣ : ٢٨٩ ، الطبقات الكبرى ٣ : ٧٨ ، الثقات لابن حبان ٥ : ٤٨٢ ، تاريخ مدينة دمشق ١٣ : ٢٨٨ ، ٣٠ ، ٢١٩ ، ٣٩ : ٥٢٦ ، ٤٨ : ٤٥٥ ، الإصابة ١ : ٢١٤ ، ٥٦٦ ، تاريخ المدينة لابن شيبة ١ : ١١٣.

٣٣٠
٣٣١

الفصل السادس

في ما يتعلّق بالخلافة

الخلافة ، وما أدراك ما الخلافة! فهي التي جعلها الله فتنة الأُمة ، وهي التي قسمتْها وأَطمعت فيها الطّامعين ، وهي التي أهرقت في سبيلها الدّماء البريئة ، وهي التي كفر من أجلها مسلمون ، فأغرتهمُ وأبعدتهم عن الصراط المستقيم وأدخلتهم نار الجحيم ، ولا بُدَّ لنا من دراسة تكون على اختصارها محيطة بالخفايا والملابسات ، التي كانت الخلافة مسرحاً لها قبيل وبعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وأوّل ما يتبادر للأذهان أنّ الزعامة عند العرب كانت من الأُمور الضرورية في كلّ العصور ، فتراهم يقدّمون رئيس القبيلة أو زعيم العشيرة على أنفسهم ، فلا يبرمون أمراً دونه ، ولا يتخذون قراراً إلاّ بمشورته ، ولا يسبقونه بالقول.

فزعيم العشيرة هذا عادة ما يكون أكبرهم سنّاً ، وأعلمهم بالأمور ، وأشرفهم حسباً ونسباً.

ويبدو أنّ هذا الرئيس يبرز من خلال الأحداث في عشيرته ، وممّا يظهر عليه من ذكاء وفطنة ، وشجاعة وعلم بالأُمور ، وسخاء وإكرام الضيف ، وغير ذلك من الخصال الحميدة ، ولكن في أغلب الأحيان هي

٣٣٢

وراثة وليست اختيار.

ونجد بعد ذلك أنّ القبائل والعشائر رغم استقلاليتها ، فهي تخضع لزعامة القبيلة الواحدة التي قد تكون أكثر عدداً ومالا ، ولها أبطال يخوضون المعارك ، ويحملون بقية القبائل تحت رعايتها ، ومثال ذلك قريش التي كانت تتزعم بقية القبائل العربية الخاضعة لها بحكم الزّعامة والسيّادة التي فرضتها رعايتها لبيت الله الحرام.

ولمّا جاء الإسلام أقرّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى حدّ ما هذا الأسلوب في التعامل ، فكان يولّي على القبائل التي وفدت عليه وأقرّت بالإسلام سيّدهم وشريفهم ليكون والياً عليها ، فيُصلّي بهم ، ويجمع زكاتهم ، ويكون همزة الوصل بينهم وبينه.

ثمّ إنّ محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنشأ بأمر الله سبحانه الدولة الإسلامية ، التي تخضع في كلّ أحكامها وقراراتها إلى ما ينزل به الوحي من الله ، فكان نظام المجتمع ونظام الفرد من عقود نكاح وطلاق ، وبيع وشراء ، وأخذ وعطاء ، وإرث وزكاة ، وكلّ ما يخصّ الفرد والمجتمع في الحرب والسلم من معاملات وعبادات ، كلّها خاضعة إلى أحكام الله ، ومهمّة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي التنفيذ ، والسّهر على تطبيق تلك الأحكام.

ومن الطبيعي أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يفكّر في من سيخلفه في هذه المهمّة العظمى ، ألا وهي قيادة الأُمّة.

ومن الطبيعي أن يهتمّ كلّ رئيس دولة ـ إن كان يهمّه شعبه ـ بالشخص الذي يختاره; ليكون نائبه في كلّ المهمّات التي يكون هو غائبٌ عنها ،

٣٣٣

فيكون وزيره الأول والمقرّب الذي يحضر إذا يغيبون ، ومن الطبيعي أيضاً أن يكون نائبه معلوماً لدى كلّ الوزراء وعند الشعب أيضاً.

فلا يمكن أن يصدّق العقل بأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أغفل كلّ ذلك ولم يهتمّ به ، ولا شكّ بأنّه كان شغله الشاغل ، ولا شكّ بأنّ الأحاديث المتعلّقه بالموضوع خضعت للحصار الذي ضربه الخلفاء الذين كانوا يتزعّمون نظريّة الشورى والذين عملوا بكلّ جهودهم لمعارضة النّصوص التي عيّنت وشخّصت الخليفة.

وكان من هذه الجهود أيضاً الطعن بقداسة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واتهامه بالهجر ، ثمّ الطعن فيه وفي الأمير الذي ولاّه قيادة الجيش; بدعوى أنّه لا يصلح للإمارة والقيادة لصغر سنّه ، ثمّ التّشكيك في وفاة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى تضطرب الأُمور ، ولا يسبق النّاسُ عامّة لبيعة الخليفة الذي عيّنَهُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قبل.

ومن تلك الجهود اغتنامهم فرصة اشتغال علي وأنصاره بتجهيز النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعقد مؤتمر السّقيفة الطارئ ، واختيار من يرضونه وترتاح نفوسهم إليه وتُعقدُ آمالهم عليه ، ثمّ حمل النّاس عامّة على البيعة بالتّهديد والتنّديد ، والوعد والوعيد ، ثمّ إقصاء المعارضة كلّياً عن السّاحة السياسيّة ، ثمّ الوقوف بحزم وصرامة ضدّ كلّ من تحدّثه نفسه بشقّ عصا الطّاعة ، أو شكّك في شرعيّة الخلافة الجديدة ، ولو كانت فاطمة بنت النّبىّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ثمّ ضرب الحصار والمنع الباتّ على الأحاديث النّبوية الشريفة عامّة ، حتّى لا تتفشّى النّصوص بين النّاس وتضطرب الأُمور ، ولو أدّى ذلك

٣٣٤

للاغتيال الفردي والقتال الجماعي; لإخماد المعارضة بدعوى القضاء على الفتنة مرّة والردّة أُخرى!!

كلّ ذلك عرفناه من خلال ما كتبه المؤرّخون ، وإن كان بعضهم يحاول تغطية الحقيقة بوضع بعض الروايات المتناقضة ، أو بعض التأويلات والاعتذارات التي كشفتْ خفاياها الأيام والأحداث والأبحاث.

وقد يكون بعضهم معذوراً; لأنّه أخذ معلوماته من المصادر الأُولى التي كُتبتْ تحت التأثير السيّاسي والاجتماعي الذي خلّفته الفتنة الكبرى ، وما أعقبها من أحداث عندما استولى بنو أُميّة على الخلافة ، وأغدقوا الأموال والمناصب على بعض الصّحابة والتابعين المأجورين ، فأخذ بعض المؤرّخين من هؤلاء لحسن ظنّه بهم ، وهو لا يعلم خائنة الأعينُ وما تُخفي الصّدور ، فاختلطت الروايات الصحيحة بالروايات المكذوبة ، وأصبح من العسير على الباحث الوصول إلى الحقيقة.

ولتقريب القارئ الباحث من هذه الحقيقة ، لابدّ من إثارة وطرح هذه الأسئلة ، حتّى يكتشف من خلالها أو من خلال الإجابة عليها بعض الحقائق ، أو بعض الإشارات التي توصله إلى الحقيقة.

أسئلة وأجوبة لا غِنى عنها لكلّ باحث

وردت علىّ رسائل عديدة من أقطار كثيرة ، تحمل في طيّها بعض التساؤلات المهمّة ، والتي تنبئُ عن حرص القرّاء الكرام لمزيد البحث والتنقيب عن الحقائق ، وقد أجبتُ على البعض منها ، وأعرضت عن البعض الآخر غير مستخفّ بها ، ولكن لأنّ الجواب عليها موجود في كتابي « ثمّ

٣٣٥

اهتديت » ، و « لأكون مع الصادقين ».

وتعميماً للفائدة فأنا أنشرها في هذا الفصل مع الأجوبة ، ومع الملاحظة بأنّ القارئ سيجدُ بعض الأحاديث والأحداث مكرّرة في الكتاب الواحد أو في الكتب الثلاثة ، فقد تعمدّت ذلك اقتداءً بكتاب الله العزيز الذي يكرّر الحادثة في عدّة سور; لترسخ في ذهن المؤمن ، ولتكون في متناول الجميع.

س١ : إذا كان الرسول يعلم ما سيؤول إليه أمر الأُمة من النزاع والاختلاف بسبب الخلافة فلماذا لم يعيّن خليفة له؟

* ج : لقد عيّنصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خليفة له بعد حجّة الوداع ، وهو علي بن أبي طالب ، وأشهد على ذلك صحابته الذين حجّوا معه ، وكان يعلم بأنّ الأُمة ستغدر به(١) وتنقلب على أعقابها.

س٢ : كيف لم يسأل الرسول أحدّ من أصحابه عن هذا الأمر وقد كانوا يسألونه عن كلّ شيء؟

* ج : لقد سألوه وأجاب : قال تعالى :( يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأمْرِ مِنْ شَيْء قُلْ إنَّ الأمْرَ كُلَّهُ لِلّهِ ) (٢) .

وسألوه وقال :( إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ

____________

(١) المستدرك للحاكم ٣ : ١٤٢ وصحّحه وصرّح الإمام الذهبي في تلخيص المستدرك بصحته ، كنز العمال ١١ : ٦١٧ ح ٣٢٩٩٧ ، تاريخ بغداد ١١ : ٢١٦ رقم ٥٩٢٨ ، تذكرة الحفاظ للذهبي ٣ : ٩٩٥.

(٢) آل عمران : ١٥٤.

٣٣٦

وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (١) .

وسألوه فقال : « إن هذا أخي ووصيّي وخليفتي من بعدي »(٢) .

س٣ : لماذا عارض بعض الصّحابة رسول الله حين أراد أن يكتب لهم كتاباً يعصمهم من الضلالة بعده وقالوا بأنّه يهجر؟

* ج : لقد عارض بعض الصحابة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين أراد أن يكتب لهم ما يمنعهم من الضلالة واتهموه بالهجر; لمّا عرفوا بأنّه يريد تعيين علي بن أبي طالب كتابيّاً ، لأنّه سبقَ أن قال لهم في حجّة الوداع بأنّ المتمسّك بالكتاب والعترة لن يضلّ بعده أبداً ، ففهموا بأنّ مضمون الكتاب سيكون بنفس الألفاظ ، لأنّ علياً هو سيّد العترة ، وإنّما اتهموه بالهجر ليعدل عن الكتابة نهائياً ، ولأنّ النزاع والخلاف قام حول الكتاب قبل كتابته ، وإذا كان النبىّ يهجر ( حسب اعتقادهم ) فإنّ كتابه سيكون هذياناً ، فالحكمة تقتضي عدم الكتابة.

س٤ : لماذا لم يصرّ على كتابة الكتاب خصوصاً وأنّه يعصم الأُمّة الإسلاميّة من الضّلالة؟

* ج : لم يكن في وسع الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يُصرّ على الكتابة; لأنّ العصمة من الضلالة قد انتفتْ لموافقة الكثير من الصّحابة على أنّه يهجُر ، فأصبح الكتاب هو مصدر ضلالة بدلا أن يكون عاصماً منها ، ولو أصرّ النبىّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

____________

(١) المائدة : ٥٥.

(٢) تاريخ الطبري ٢ : ٦٣ ، الخصائص للنسائي : ٤٩ ح ٦٥ في حديث الدار حينما انذر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عشيرته ، وسند الحديث صحيح.

٣٣٧

على كتابته لقامتْ بعده دعاوى باطلة ، قد تُشكّك حتّى في كتاب الله ونصوص القرآن.

س٥ : لقد أوصى النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل موته بثلاث وصايا شفويّة فلماذا وصلت إلينا وصيّتان وضاعت الوصية الثالثة؟

* ج : الأمرُ واضحٌ في أنّ الوصيّةُ الأُولى هي التي ضاعتْ لأنّها تخصّ استخلاف علي ، ولأنّ الخلافة التي قامتْ منعت الحديث عنها ، وإلاّ كيف يصدّق عاقل أن يوصي النّبي فتُنْسى وصيّتُه كما ذكره البخاري.

س٦ : هل كان النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعلم بموعد موته؟

* ج : لا شكّ بأنّه كان يعلم مسبقاً بموعد وفاته في الوقت المعلوم ، وقد علم بذلك قبل خروجه لحجّة الوداع ، ومن أجل ذلك سمّاها حجّة الوداع ، وبذلك علم أكثر الصّحابة دنوّ أجله.

س٧ : لماذا جهّز النّبي جيشاً عبّأ فيه وجوه المهاجرين والأنصار من كبار الصّحابة وأمرهم بالمسير إلى مؤتة بفلسطين قبل وفاته بيومين؟

* ج : عندما علم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمؤامرة التي دبّرتها قريش ، وأنّهم تعاقدوا على نبذ العهد بعده ، وإبعاد علي عن الخلافة ، عمد إلى تعبئة هؤلاء ليبعدهم عن المدينة وقت وفاته ، فلا يرجعون إلاّ وقد استتبّ الأمر لخليفته ، فلا يقدرون بعدها على تنفيذ مُخطّطهم ، وليس هناك تفسيراً مقبولا غير هذا لسريّة أُسامة; لأنّه ليس من الحكمة أن يُخلي النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عاصمة الخلافة من الجيش والقوّة قبل وفاته بيومين فقط.

٣٣٨

س٨ : لماذا لم يُعيّن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياً في جيش أُسامة؟

* ج : لأنّه لا ينبغي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يذهبَ إلاّ ويترك خليفة ليدبّر الأُمور بعده ، وبما أنّه لم يُعبّئَ عليّاً ضمن ذلك الجيش الذي عبّأ فيه وجوه المهاجرين والأنصار ، بما فيهم أبو بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف ، فدلّ هذا التصرّف الحكيم بأنّ عليّاً هو الخليفة بعد النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مباشرة ، ولأنّ الذين لم يُعبْئهم رسول الله في الجيش ليس فيهم من يطمع في الخلافة ، ولا من يبغضُ عليّاً ويريد الغدر به.

س٩ : لماذا أمَّرَ عليهم شابّاً صغيراً لا نبات بعارضيه؟

* ج : لمّا كان الحاسدون والغادرون لعلي يتذرّعون بصغر سنّه ، وأنّ عظماء قريش الذين بلغوا السّتين لا ينقادون لعلي ، وعمره لم يُجاوز الثلاثين إلاّ قليلا ، فأمّر عليهم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أُسامة وعمره سبعة عشر ، لا نبات بعارضيه وهو من الموالي; ليّاً لأعناقهم وإرغاماً لأُنوفهم ، كي يُبيّن لهم أولا ولكلّ المسلمين ثانياً بأنّ المؤمن الصادق في إيمانه يجب عليه أن يسمع ويُطيع ، ولو وجد في نفسه حرجاً ممّا قضى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويسلّم تسليماً.

وأين أُسامة بن زيد بن حارثة من علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ، وسيّد الوصيّين ، باب علم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأسد الله ، الغالب وهارون محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولذلك تفطّنوا إلى تدبيرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تأميره أُسامة عليهم ، فطعنوا في إمارته ، ورفضوا الخروج معه والتخلّف عنه ، ولا ننسى أنّ فيهم الدّهاة الذين قال في حقّهم القرآن الكريم :( وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإنْ كَانَ مَكْرُهُمْ

٣٣٩

لِتَزُولَ مِنْهُ الجِبَالُ) (١) .

س١٠ : لماذا اشتدّ غضب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المتخلّفين منهم حتّى لعنهم؟

* ج : لقد اشتدّ غضبهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهم لمّا علم أنّهم طعنوا في تأميره ، فالطّعن موجّه إليه لا إلى أُسامة ، وتحقّق بذلك عنده عدم إيمانهم وإخلاصهم لله ولرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّهم عازمون على تنفيذ مُخطّطهم كلّفهم ذلك ما كلّفهم ، عند ذلك أطلق لعنته الأخيرة على المتخلّفين; ليفهمهم وأتباعهم والمسلمين كافة بأنّ الأمر قد بلغ منتهاه; ليهلك من هلك عن بيّنة.

س١١ : هل يجوز لعن المسلم خصوصاً من النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

* ج : إذا كان الإسلام هو التلفّظ بالشهادتين ، بأن يقول الإنسان : أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أنّ محمّداً رسول الله ، ثمّ لا يمتثل إلى أوامرهما ، ولا يسمع ولا يطيع لله وللرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيجوز لعنه.

وفي القرآن الكريم آيات كثيرة نذكر منها قوله تعالى :( إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أنزَلْنَا مِنْ البَيِّنَاتِ وَالهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ اُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ ) (٢) . وإذا كان اللّه يلعن من كتم الحقّ ، فما بالك بمن عاند الحقّ وعمل على إبطاله؟!

س١٢ : هل عيّن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا بكر ليصلّي بالنّاس؟

* ج : من خلال الروايات المتناقضة نفهم أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يعيّن أبا

____________

(١) ابراهيم : ٤٦.

(٢) البقرة : ١٥٩.

٣٤٠