• البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 99409 / تحميل: 4093
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 2

مؤلف:
العربية

و من العجب أنّ كلاّ منها بناها ملك عظيم في جلال سلطانه و علوّ شأنه ،

و سمّاها المنصورة تفاؤلا بالنصر ، و لا دوام ، فخربت جميعها و اندرست و تعفّت رسومها و اندحضت ١ .

و في ( المعجم ) : قال علقمة بن مرثد في قصر شرحبيل ملك اليمن العجيب في جميع أموره المسمّى بالقشيب :

أقفر من أهله القشيب

و بان عن أهله الحبيب

٢ و قال شاعر في قصر أبي الخصيب مولى المنصور أحد المنتزهات المشرف على النجف ، ذي خمسين درجة ، عجيب الصفة :

يا دار غيّر رسمها

مرّ الشمال مع الجنوب

بين الخورنق و السّدير

فبطن قصر أبي الخصيب

فالدير فالنجف الأشمّ

جبال أرباب الصليب

٣ و فيه : و من القصور قصر بهر المجور قرب همدان كلّه حجر واحد ،

منقورة بيوته و خزائنه و مجالسه و غرفه و شرفه و سائر حيطانه ، فإن كان مبنيا بحجارة مهندمة قد لوحك بينها حتّى صارت كأنّها حجر واحد لا يبين منها مجمع حجرين ، فإنّه لعجب ، و إن كان حجرا واحدا فكيف نقرت بيوته ،

و خزائنه و حجراته و دهاليزه و شرفاته ؟ فهذا أعجب ، لأنّه عظيم جدّا كثير المجالس و الخزائن و الغرف ، و في مواضع منه كتابه بالفارسية تتضمّن شيئا من أخبار ملوكهم ، و في كلّ ركن من أركانه صورة جارية عليها كتابة ٤ .

و فيه : و منها قصر شيرين قصر كسرى أبرويز الّذي قالوا : كان له

ـــــــــــــــــ

( ١ ) القاموس المحيط ٢ : ١٤٣ مادة ( نصر ) .

( ٢ ) معجم البلدان للحموي ٤ : ٣٥٢ ، بتصرف يسير .

( ٣ ) معجم البلدان للحموي ٤ : ٣٥٤ ، ٣٥٦ ، ٣٥٨ ، بتصرف يسير .

( ٤ ) المصدر نفسه .

١٢١

أشياء لم تكن لملك قبله و لا بعده ، فرسه شبديز ، و مغنيه و عوّاده و جاريته شيرين ، و قصر شيرين الّذي أحد عجائب الدّنيا ، و كان سبب بنائه أنّه أمر أن يبنى له ( باغ ) يكون فرسخين في فرسخين ، و أن يحصل فيه من كلّ صيد حتّى يتناسل جميعه ، و وكلّ بذلك ألف رجل ، فأقاموا في عمله و تحصيل صيوده سبع سنين حتّى فرغوا ، فلمّا تمّ صاروا إلى البلهبد المغنّي ، و سألوه أن يخبر الملك بذلك ، فعمل صوتا و غنّاه به و سمّاه « باغ نخجيران » أي : بستان الصيد .

فطرب الملك عليه و أمر للصنّاع بمال ، فلمّا سكر قال لشيرين : سليني حاجة .

فقالت : صيّر هذا البستان نهرين من حجارة تجري فيهما الخمور ، و تبني لي بينهما قصرا لم يبن في مملكتك مثله . فأجابها إلى ذلك ١ .

و في ( المروج ) : كتب ملك الصين إلى أنو شيروان : من فغفور ملك الصين صاحب قصر الدّر و الجوهر الّذي يجري في قصره نهران يسقيان العود ، و الكافور الّذي توجد رائحته على فرسخين ، و الّذي تخدمه بنات ألف ملك ، و الّذي في مربطه ألف فيل أبيض ، إلى أخيه كسرى أنو شيروان ، و أهدى إليه فرسا من درّ منضّدا ، عينا الفارس و الفرس من ياقوت أحمر ، و قائم سيفه من زمرّد منضد بالجوهر ، و ثوب حرير صيني عسجدي فيه صورة الملك جالسا في أيوانه ، و عليه حليته و تاجه ، و على رأسه الخدم و بأبديهم المذابّ ،

و الصورة منسوجة بالذهب ، و أرض الثوب لا زورد في سفط من ذهب ، تحمله جارية تغيب في شعرها ، تتلألأ جمالا ٢ .

و فيه : و كتب إليه ملك الهند : من ملك الهند و عظيم أراكنة المشرق و صاحب قصر الذهب و أبواب الياقوت و الدر ، إلى أخيه ملك فارس صاحب

ـــــــــــــــــ

( ١ ) معجم البلدان للحموي ٤ : ٣٥٤ ، ٣٥٦ ، ٣٥٨ بتصرّف يسير .

( ٢ ) مروج الذهب للمسعودي ١ : ٢٩٢ .

١٢٢

التاج و الراية كسرى أنو شروان . و أهدى إليه ألف منّ من عود هندي يذوب في النار كالشمع ، و يختم عليه كما على الشمع فتبين فيه الكتابة ، و جاما من الياقوت الأحمر فتحته شبر مملوءأ درّا ، و عشرة أمنان كافور كالفستق و أكبر من ذلك ، و جارية طولها سبعة أذرع تضرب أشفار عينيها خدّها ، و كأنّ بين أجفانها لمعان البرق من بياض مقلتيها مع صفاء لونها ، و دقّة تخطيطها و إتقان تشكيلها ، مقرونة الحاجبين ، لها ضفائر تجرّها ، و فرش من جلود الحيّات ألين من الحرير و أحسن من الوشي ، و كان كتابه في لحاء الشجر المعروف بالكاذي مكتوب بالذهب الأحمر ١ .

و كان لأنو شروان مائدة من الذهب عظيمة عليها أنواع من الجواهر ٢ .

و عن عليّ بن يقطين : كنّا مع المهدي بما سبذان فقال لي يوما : أصبحت جائعا فأتني بأرغفة و لحم بارد . ففعلت ، فأكل ثمّ دخل البهو و نام ، و كنّا نحن في الرواق فانتبهنا لبكائه ، فبادرنا إليه مسرعين فقال : أما رأيتم ما رأيت ؟ قلنا :

ما رأينا شيئا . قال : وقف عليّ رجل ، لو كان في ألف رجل ما خفي عليّ صوته و لا صورته فقال :

كأنّي بهذا القصر قد باد أهله

و أوحش منه ربعه و منازله

و صار عميد القوم من بعد بهجة

و ملك إلى قبر عليه جنادله

فلم يبق إلاّ ذكره و حديثه

تنادي عليه معولات حلائله

قال علي : فما أتت على المهدي بعد رؤياه إلاّ عشرة أيّام حتّى توفّي ٣ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ١ : ٢٩٣ .

( ٢ ) مروج الذهب للمسعودي ١ : ٢٩٤ .

( ٣ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ٣٢٣ .

١٢٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

الفصل السادس في النبوّة الخاصّة

١٢٤

١٢٥

١

من الخطبة ( ١ ) عَلَى ذَلِكَ نَسَلَتِ اَلْقُرُونُ وَ مَضَتِ اَلدُّهُورُ وَ سَلَفَتِ اَلْآبَاءُ وَ خَلَفَتِ اَلْأَبْنَاءُ إِلَى أَنْ بَعَثَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ ؟ مُحَمَّداً رَسُولَ اَللَّهِ ص لِإِنْجَازِ عِدَتِهِ وَ إِتْمَامِ نُبُوَّتِهِ مَأْخُوذاً عَلَى اَلنَّبِيِّينَ مِيثَاقُهُ مَشْهُورَةً سِمَاتُهُ كَرِيماً مِيلاَدُهُ وَ أَهْلُ اَلْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ مِلَلٌ مُتَفَرِّقَةٌ وَ أَهْوَاءٌ مُنْتَشِرَةٌ وَ طَوَائِفُ مُتَشَتِّتَةٌ بَيْنَ مُشَبِّهٍ لِلَّهِ بِخَلْقِهِ أَوْ مُلْحِدٍ فِي اِسْمِهِ أَوْ مُشِيرٍ إِلَى غَيْرِهِ فَهَدَاهُمْ بِهِ مِنَ اَلضَّلاَلَةِ وَ أَنْقَذَهُمْ بِمَكَانِهِ مِنَ اَلْجَهَالَةِ .

ثُمَّ اِخْتَارَ سُبْحَانَهُ ؟ لِمُحَمَّدٍ ص ؟ لِقَاءَهُ وَ رَضِيَ لَهُ مَا عِنْدَهُ وَ أَكْرَمَهُ عَنْ دَارِ اَلدُّنْيَا وَ رَغِبَ بِهِ عَنْ مُقَارَنَةِ اَلْبَلْوَى فَقَبَضَهُ إِلَيْهِ كَرِيماً ص . « على ذلك نسلت » من باب نصر ، أي : أتت بولد كثير .

« القرون » جمع القرن . و في الصحاح : القرن ثمانون سنة ، و يقال : ثلاثون سنة ، و القرن من الناس أهل زمان واحد . قال الشاعر :

١٢٦

إذا ذهب القرن الّذي أنت فيهم

و خلّفت في قرن فأنت غريب

١ « و مضت الدهور » أي : الأزمنة .

« و سلفت الآباء » أي : مضوا .

« و خلفت الأبناء » أي : صاروا خلفهم .

« إلى أن بعث اللّه سبحانه محمّدا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم » هكذا في ( المصرية ) ،

و الصواب : ( صلى اللّه عليه و آله ) . كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) ٢ .

« لإنجاز » أي : قضاء .

« عدته » أي : وعده الّذي وقع على لسان أنبيائه ، كما حكى تعالى عن عيسى عليه السّلام . . . و مبشّرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد . . . ٣ ، و عن كتابه و كتاب موسى عليه السّلام الّذين يتّبعون الرّسول النبيّ الأميّ الّذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة و الإنجيل . . . ٤ .

و قال أبو طالب عمّه صلى اللّه عليه و آله :

ألم تعلموا أنّا وجدنا محمّدا

رسولا كموسى خطّ في أوّل الكتب

« و تمام نبوّته » قال تعالى : . . . و لكن رسول اللّه و خاتم النّبيين . . . ٥ ،

و المراد تمام نبوّة اللّه تعالى باعتبار الجاعلية ، لا نبوّة النبيّ صلى اللّه عليه و آله كما قال ابن أبي الحديد ٦ ، فالضمير في ( نبوّته ) راجع إليه تعالى مثل ( عدته ) .

« مأخوذا على النبيّين ميثاقه » قال تعالى و إذ أخذ اللّه ميثاق النبيّين لما

ـــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة ٦ : ٢١٨٠ مادة ( قرن ) .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٨ ، و شرح ابن ميثم ١ : ١٩٩ .

( ٣ ) الصف : ٦ .

( ٤ ) الأعراف : ١٥٧ .

( ٥ ) الأحزاب : ٤٠ .

( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٨ .

١٢٧

آتيتكم من كتاب و حكمة ثمّ جاءكم رسول مصدّق لما معكم لتؤمننّ به و لتنصرنّه قال أأقررتم و أخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا و أنا معكم من الشاهدين ١ .

و المراد من أخذ الميثاق على النبيّين الايجاب عليهم بيانهم لأممهم أنّ نبيّنا صلى اللّه عليه و آله خاتم الأنبياء ، و أنّ شريعته ناسخة لشرائعهم ، فيجب عليهم رفض شرائعهم و اتّباع شريعته .

« مشهورة سماته » أي : علاماته ، قال تعالى : الّذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم . . . ٢ و قال عزّ و جل : الّذين يتّبعون الرّسول النبيّ الأمّيُّ الّذي يجدونه مكتوبا عندهم في التّوراة و الإنجيل يأمرهم بالمعروف و ينهاهم عن المنكر و يحلّ لهم الطيّبات و يحرّم عليهم الخبائث و يضع عنهم إصرهم و الأغلال التي كانت عليهم . . . ٣ .

و الآية من معجزاته القطعية الّتي يثبت بها نبوّته ، فإنّه لو لم يكن يعرفونه ، و لم يكن مكتوبا في كتبهم لأتوا بكتبهم إليه و إلى أصحابه ، و قالوا له :

أين كنت مذكورا و مكتوبا ؟ و لو كان ذلك لصار أمره باطلا ، و تفرّق الناس عنه و لا سيّما كان في أصحابه منافقون منتظرون لمثله .

و ممّن عرفه بسماته ورقة بن نوفل ابن عمّ خديجة ، و رغّبها في التزوّج به لذلك ، و زادها في رغبتها فيه صلى اللّه عليه و آله أخبار ميسرة غلامها بما سمع من أحبار الشام فيه صلى اللّه عليه و آله ٤ .

و ممّن عرفه بسماته زيد بن عمرو بن نفيل ، قال الجزري في ( كامله ) :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ٨١ .

( ٢ ) البقرة : ١٤٦ .

( ٣ ) الأعراف : ١٥٧ .

( ٤ ) سيرة ابن هشام ١ : ١٧٥ ، و غيره .

١٢٨

قال عامر بن ربيعة : سمعت زيد بن عمرو بن نفيل يقول : إنّا لننتظر نبيّا من ولد إسماعيل ثمّ من بني عبد المطّلب ، و لا أراني أدركه ، و أنا أؤمن به و اصدّقه و أشهد أنّه نبيّ ، فان طالت بك حياة و رأيته فاقرئه منّي السلام ، و سأخبرك ما نعته حتّى لا يخفى عليك . قلت : هلمّ قال : هو رجل ليس بالطويل و لا بالقصير ، و لا بكثير الشعر و لا بقليله ، و لا تفارق عينيه حمرة ، و خاتم النبوّة بين كتفيه ، و اسمه أحمد ، و هذا البلد مولده و مبعثه ، ثمّ يخرجه قومه ، و يكرهون ما جاء به ، و يهاجر إلى يثرب ، فيظهر بها أمره . فإيّاك أن تنخدع عنه ، فانّي طفت البلاد كلّها أطلب دين إبراهيم عليه السّلام ، فكلّ من أسأله من اليهود و النصارى و المجوس يقول : هذا الدين و راك ، و ينعتونه مثل ما نعتّه لك ، و يقولون : لم يبق نبيّ غيره .

قال عامر : فلمّا أسلمت أخبرت النبيّ صلى اللّه عليه و آله قول زيد و أقرأته السلام ، فردّ عليه النبيّ صلى اللّه عليه و آله و ترحّم عليه ١ .

و منهم : أمّية بن أبي الصّلت ، قال ابن قتيبة في ( معارفه ) : كان أميّة قد قرأ الكتب ، و رغب عن عبادة الأوثان ، و كان يخبر بأنّ نبيّا يبعث قد أظلّ زمانه ، فلمّا سمع بخروج النبيّ صلى اللّه عليه و آله و قصّته كفر حسدا له ، و لمّا أنشد النبيّ صلى اللّه عليه و آله شعره قال : آمن لسانه و كفر قلبه ٢ .

و فيه أيضا : كان أسعد بن كرب الحميري آمن بالنبيّ صلى اللّه عليه و آله قبل أن يبعث بسبعمائة سنة ، و قال :

شهدت على أحمد أنّه

رسول من اللّه باري النّسم

فلو مدّ عمري إلى عصره

لكنت و زيرا له و ابن عم

و ألزم طاعته كلّ من

على الأرض من عرب أو عجم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكامل لابن الأثير الجزري ٢ : ٤٦ .

( ٢ ) المعارف لابن قتيبة : ٦٠ .

١٢٩

و قال أبو طالب :

أمين حبيب في العباد مسوّم

بخاتم ربّ قاهر في الخواتم

يرى الناس برهانا عليه و هيبة

و ما جاهل في قومه مثل عالم

و لابن ظفر النحوي اللغوي كتاب مترجم ب ( خير البشر لخير البشر ) ،

ذكر فيه الارهاصات الّتي كانت بين يدي ظهور النبيّ صلى اللّه عليه و آله ١ .

و في ( كنز الكراجكي ) في التّوراة مكتوب : « إذا جاءت الأمّة الأخيرة تتّبع راكب البعير يسبّحون الربّ تسبيحا جديدا » و راكب البعير هو نبيّنا ، و الامّة الأخيرة أمّته ٢ .

و فيه : في السفر الخامس من التّوراة : « الربّ ظهر فتجلّى على سينين ،

و أشرف على جبل ساعير ، و أشرف من جبل فاران » و جبل فاران جبل مكّة ،

و ظهور الربّ ظهور أمره ٣ .

و فيه و في الإنجيل : « ابن البشير ذاهب ، و الفارقليطا آت من بعده » ٤ و من

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المعارف لابن قتيبة : ٦٠ .

( ٢ ) كنز الفوائد للكراجكي : ٩١ ، و عيون الأخبار للصدوق ١ : ١٣١ بفرق يسير باللفظ ، و الاحتجاج للطبرسي : ٤١٩ عن الرضا عليه السّلام عن التّوراة .

( ٣ ) كنز الفوائد للكراجكي : ٩١ ، و جاء في التّوراة الموجودة في سفر التثنية ، و هو السفر الخامس ، الإصحاح ٣٣ الآية ٢ و لفظه : « فقال جاء الرب من سيناء و أشرق لهم من سعير و تلألأ من جبل فاران » .

( ٤ ) كنز الفوائد للكراجكي : ٩١ ، و عيون الأخبار للصدوق ١ : ١٣٢ بفرق يسير ، و الاحتجاج للطبرسي : ٤٢٠ عن الرضا عليه السّلام عن الانجيل ، و سيرة لابن هشام ١ : ٢١٥ ، و لفظة ( فارقليط ) معربة من اليونانية . و جاء هذا اللفظ في مواضع من الأصل اليوناني من العهد الجديد ، و معنى ما ذكر في متن الكتاب جاء في إنجيل يوحنا ،

الإصحاح ١٤ الآية ١٦ و ٢٦ ، و الاصحاح ١٥ الآية ٢٦ ، و الإصحاح ١٦ الآية ٧ . أمّا هذه الكلمة فجاءت في الترجمات العربية القديمة ( الفارقليط ) ، و في الترجمات العربية الجديدة ( المعزّي ) ، و أمّا معناه في اللغة اليونانية ( المستغاث ، المغيث ، الشفيع ، وكيل الدعاوى ) ، كما قاله في : ١٠٧٢ ، و غيره من كتب اللغة . و الظاهر أنّ ترجمة هذه الكلمة في ترجمات الكتاب المقدّس بمرادفات ( المعزّي ، المسلّي ، المريح ) خطأ من المترجمين السابقين ، كما صرّح بكونه خطأ في ١٤ : ٢٢٣ ، و لا يسع المقام

١٣٠

قول شعيا : قال له إليه إسرائيل : « فإذا رأيت راكبين يسيران أضاءت لهما الأرض أحدهما على حمار ، و الآخر على جمل » فراكب الحمار عيسى عليه السّلام ،

و راكب الجمل محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم ١ .

و من قول دانيال : « جاء اللّه بالبيان من جبل فاران ، و امتلأت السّماوات و الأرض من تسبيح محمّد صلى اللّه عليه و آله و أمّته » ٢ .

« كريما ميلاده » عن الصّادق عليه السّلام : كان إبليس يخترق السّماوات السبع ،

فلمّا ولد عيسى عليه السّلام حجب عن ثلاث سماوات ، و كان يخترق أربع سماوات السبع ،

فلمّا ولد النبيّ صلى اللّه عليه و آله حجب عن السبع كلّها ، و رميت الشياطين بالنجوم . و قالت قريش : هذا قيام الساعة ، كنّا نسمع أهل الكتب يذكرونه . و قال عمرو بن أمّية و كان من أزجر أهل الجاهلية : انظروا هذه النجوم الّتي يهتدى بها ، و يعرف بها أزمان الشتاء و الصيف ، فإن كان رمي بها فهو هلاك كلّ شي‏ء ، و إن كانت ثبتت و رمي بغيرها فهو أمر حدث .

و أصبحت الأصنام كلّها صبيحة مولد النبيّ صلى اللّه عليه و آله ليس منها صنم إلاّ و هو منكبّ على وجهه ، و ارتجس في تلك الليلة أيوان كسرى ، و سقطت منه أربع عشرة شرفة ، و غاضت بحيرة ساوة ، و فاض وادي السماوة ، و خمدت نيران فارس و لم تخمد قبل ذلك بألف عام ، و رأى الموبدان في تلك الليلة في المنام إبلا صعابا تقود خيلا عرابا ، و قد قطعت دجلة و انسربت في بلادهم ، و انفصم طاق ملك كسرى من وسطه ، و انخرقت عليه دجلة العوراء ، و انتشر للاستقصاء .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كنز الفوائد للكراجكي : ٩١ ، و الخرائج للراوندي ١ : ٦٦ ، و عيون الأخبار للصدوق ١ : ١٣٢ ، و الاحتجاج للطبرسي : ٤٢٠ عن الرضا عليه السّلام عن كتاب شعيا .

( ٢ ) كنز الفوائد للكراجكي : ٩١ ، و الخرائج للراوندي ١ : ٦٤ بفرق يسير عن دانيال عليه السّلام ، و قريبا منه في الخرائج ١ : ٦٣ عن كتاب حيقوق عليه السّلام .

١٣١

في تلك الليلة نور من قبل الحجاز ، ثمّ استطار حتّى بلغ المشرق ، فلم يبق سرير لملك من ملوك الدّنيا إلاّ أصبح منكوسا و الملك مخرسا لا يتكلّم يومه ذلك ،

و انتزع علم الكهنة ، و بطل سحر السحرة ، و لم يبق كاهنة في العرب إلاّ حجبت عن صاحبها ، و عظمت قريش في العرب ، و سمّوا آل اللّه إلى أن قال و قالت آمنة : إنّ ابني و اللّه سقط فاتّقى الأرض بيده ، ثمّ رفع رأسه إلى السماء ، فنظر إليها ، ثمّ خرج منّي نور أضاء له كلّ شي‏ء ، و سمعت في الوضوء قائلا يقول :

« إنّك قد ولدت سيّد الناس فسمّيه محمّدا » و أتي به عبد المطلّب لينظر إليه ، و قد بلغه ما قالت أمّه ، فوضعه في حجره ، ثمّ قال :

الحمد للّه الذي أعطاني

هذا الغلام الطيب الأردان

قد ساد في المهد على الغلمان

ثمّ عوّذه بأركان الكعبة ، و قال فيه أشعارا ، قال : و صاح إبليس في أبالسته فاجتمعوا إليه ، فقالوا : ما الّذي أفزعك يا سيّدنا ؟ فقال لهم : ويلكم لقد أنكرت السماء و الأرض منذ الليلة ، لقد حدث في الأرض حدث عظيم ما حدث مثله منذ ولد عيسى بن مريم ، فاخرجوا فانظروا ما هذا الحدث الّذي قد حدث .

فافترقوا ثمّ اجتمعوا إليه فقالوا : ما وجدنا شيئا . فقال إبليس : أنا لهذا الأمر . ثمّ انغمس في الدّنيا فجالها حتّى انتهى الى الحرم ، فوجده ( الحرم ) محفوظا بالملائكة ، فذهب ليدخل فصاحوا به ، فرجع ثمّ صار مثل الصرّ و هو العصفور فدخل من قبل حراء ، فقال له جبرائيل : وراك لعنك اللّه . فقال له :

حرف أسألك عنه يا جبرئيل ، ما هذا الحدث الّذي حدث منذ الليلة ؟ فقال له : ولد محمّد صلى اللّه عليه و آله . فقال له : هل لي فيه نصيب ؟ قال : لا . قال : ففي أمّته ، قال : نعم . قال :

رضيت ١ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه الصدوق في أماليه : ٢٣٥ ح ١ المجلس ٤٨ .

١٣٢

« و أهل الأرض يومئذ ملل متفرّقة » كاليهود و النصارى و المجوس .

« و أهواء منتشرة » كالثنويّة و عابدي الملائكة ، و عابدي الشمس ، قال ابن قتيبة : كان في العرب قوم يعبدون الشمس و يسمّونها الإلاهة . قال الأعشى :

فلم أذكر الرهب حتّى انفتلت

قبيل الإلاهة منها قريبا

١ و قال البلاذري : إنّ الأسبذيين قوم كانوا يعبدون الخليل بالبحرين ٢ .

و قال هشام الكلبي : هم ولد عبد اللّه بن زيد بن عبد اللّه بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ، و قيل لهم الأسبذيون لأنّهم كانوا يعبدون فرسا ٣ .

قلت : يقال للفرس بالفارسية ( اسب ) .

و في ( نسب قريش مصعب الزبيري ) : كان يقال لعمرو بن حبيب الفهري المحاربي جدّ جدّ ضرار بن الخطاب : آكل السقب ، لأنّه كان أغار على بني بكر ، و كان لهم سقب يعبدونه من دون اللّه ، فأخذه و أكله ٤ .

و السقب : الذكر من ولد الناقة .

و في ( حلية أبي نعيم ) قال أبو رجاء العطاردي : كنّا نجمع التراب في الجاهلية فنجعل وسطه حفرة ، فنحلب فيها ، ثمّ نسعى حولها و نقول :

لبيك لا شريك لك .

إلاّ شريكا هو لك .

تملكه و ما ملك ٥ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) لم أجده في موضعه من المعارف و لا عيون الأخبار .

( ٢ ) فتوح البلدان للبلاذري : ٨٩ .

( ٣ ) معجم البلدان للحموي ١ : ١٧١ .

( ٤ ) نسب قريش للزبيري : ٤٤٧ ، و النقل بتصرف .

( ٥ ) حلية الأولياء لأبي نعيم ٢ : ٣٠٦ .

١٣٣

و كنّا نعمد إلى الحجر الأبيض فنعبده زمانا ثمّ نلقيه ١ .

« و طوائف » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( و طرايق ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٢ .

« متشتّتة » كالدهريّة و الوثنيّة ، كان لربيعة بيت يطوفون به يسمّى ذو الكعبات ، و كان لخثعم بيت كان يدعى كعبة اليمامة ، و كان فيه صنم يدعى الخلصة ، و لمّا هزمت بنو بغيض من غطفان صداء من مذحج قالوا : لنتخذنّ حرما مثل مكّة لا يهاج عائذه . فبنوا حرما و وليه بنو مرّة بن عوف ، فبلغ ذلك زهير بن جناب ، فقال : و اللّه لا أخلّي غطفان تتّخذ حرما . فغزاهم و ظفر بهم ،

و أخذ فارسا منهم في حرمهم ، فقتله و عطّل ذلك الحرم .

و كانت بنو حنيفة اتّخذوا في الجاهلية إلها من حيس فعبدوه دهرا طويلا ، ثمّ أصابهم مجاعة فأكلوه ، فقال رجل من بني تميم :

أكلت ربّها حنيفة من

جوع قديم بها و من إعواز

٣ و كان الحرث بن قيس السهمي و هو أحد المستهزئين بالنبيّ صلى اللّه عليه و آله يأخذ حجرا يعبده ، فإذا رأى أحسن منه ترك الأوّل و عبد الثاني ، قيل : و فيه نزل أرأيت من اتّخذ إلهه هواه . . . ٤ .

و كان أهل الجاهلية ينحرون لصخرة يعبدونها ، و يلطخونها بالدم و يسمّونها سعد الصخرة ، و كان إذا أصابهم داء في إبلهم و أغنامهم جاؤوا إلى تلك الصخرة و تمسّحوا بها الإبل و الغنم ، فجاء رجل بإبل له يريد أن يتمسّح لها بالصخرة ، و يبارك عليها ، فنفرت و تفرّقت ، فقال :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) حلية الأولياء لأبي نعيم ٢ : ٣٠٦ .

( ٢ ) في شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٨ ، و شرح ابن ميثم ١ : ١٩٩ « طوائف » أيضا .

( ٣ ) هذه المعاني نقلها ابن هشام في السيرة ١ : ٧٨ ، و ابن قتيبة في المعارف : ٦٢١ ، و غيرهما .

( ٤ ) الكامل لابن الأثير ٢ : ٧١ ، و الآية ٤٣ من سورة الفرقان .

١٣٤

أتيت إلى سعد ليجمع شملنا

فشتّتنا سعد فما نحن من سعد

و هل سعد إلاّ صخرة بتنوفة

من الأرض لا تدعو لغيّ و لا رشد

١ و مرّ بسعد ذاك رجل و ثعلب يبول عليه ، فقال :

أ ربّ يبول الثعلبان برأسه

لقد ذلّ من بالت عليه الثعالب

٢ و في ( تاريخ اليعقوبي ) : كان أوّل شأن الأصنام أنّ الناس كانوا إذا مات لأحدهم الميّت الّذي يعزّ عليهم من أب أو أخ أو ولد صنعوا صنما على صورته ، و سمّوه باسمه ، فلمّا أدرك الخلف الّذي بعدهم ظنّوا ، و حدّثهم الشيطان : أنّه إنّما صنعت هذه لتعبد ، فعبدوها ، ثمّ فرّق اللّه دينهم ، فمنهم من عبد الأصنام ، و منهم من عبد الشّمس ، و منهم من عبد القمر ، و منهم من عبد الطير ، و منهم من عبد الحجارة ، و منهم من عبد الشجر ، و منهم من عبد الماء ،

و منهم من عبد الريح ، و فتنهم الشيطان و أضلّهم و أطغاهم ٣ .

« بين مشبّه للّه بخلقه » كاليهود حيث أثبتوا له ابنا و هو عزيز ،

و كالنصارى حيث أثبتوا له ابنا و هو عيسى ، و كصنف من العرب حيث أثبتوا له بنات ، أي : الملائكة ، فكانوا يعبدونها لتشفع لهم إلى اللّه تعالى ، و هم الّذين أخبر تعالى عنهم في قوله : و يجعلون للّه البنات سبحانه و لهم ما يشتهون ٤ ، و في قوله : و جعلوا له من عباده جزءا . . . ٥ .

« أو مشير إلى غيره » حيث جعلوا الصانع الدهر و النور و الظلمة ، و لمّا قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله لقومه : أدعوكم إلى شهادة ألاّ إله إلاّ اللّه ، و خلع الأنداد . قالوا : ندع

ـــــــــــــــــ

( ١ ) السيرة لابن هشام ١ : ٧٦ .

( ٢ ) نقله أبو نعيم في الدلائل ، و ابن أبي حاتم عنهما شرح شواهد المغني ١ : ٣١٧ ٣١٨ عن راشد ابن عبد ربه .

( ٣ ) تاريخ اليعقوبي ١ : ٢١ .

( ٤ ) النحل : ٥٧ .

( ٥ ) الزخرف : ١٥ و أسقط الشارح شرح فقرة « أو ملحد في اسمه » .

١٣٥

ثلاثمائة و ستّين إلها ، و نعبد إلها واحدا ١ .

و قال ابن أبي الحديد : كان بعض العرب يقول : . . . ما هي إلاّ حياتنا الدّنيا نموت و نحيا و ما يهلكنا إلاّ الدّهر . . . ٢ و بعضهم أقرّ بالخالق و أنكر البعث ،

و من قولهم في قتلى بدر :

أ يخبرنا ابن كبشة أن سنحيى

و كيف حياة أصداء و هام

إذا ما الرأس زال بمنكبيه

فقد شبع الأنيس من الطعام

أ يقتلني إذا ما كنت حيّا

و يحييني إذا رمّت عظامي

و بعضهم أقرّ بالخالق و نوع من الإعادة ، و أنكر الرّسل ، و عبدوا الأصنام و زعموا أنّهم شفعاء في الآخرة ، و حجّوا لها و نحروا لها الهدي و قرّبوا القربان لها ، و حلّلوا و حرّموا ، و هم جمهور العرب الّذين قال تعالى عنهم : و قالوا ما لهذا الرّسول يأكل الطعام و يمشي في الأسواق . . . ٣ .

و منهم من يجعل الأصنام مشاركة للباري تعالى ، كقولهم في تلبيتهم : « لا شريك لك إلاّ شريكا هو لك تملكه و ما ملك » . و منهم من يجعلها و سائل ، و هم الّذين قالوا : . . . ما نعبدهم إلاّ ليقرّبونا إلى اللّه زلفى . . . ٤ . و بعضهم يعتقد التناسخ ، و منهم أرباب الهامة الّتي قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله عنهم : « لا عدوى و لا هامة و لا صفر » ٥ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٥٤ .

( ٢ ) الجاثية : ٢٤ .

( ٣ ) الفرقان : ٧ .

( ٤ ) الزمر : ٣ .

( ٥ ) هذا الحديث كثير الطرق مضطرب اللفظ أخرجه أصحاب الصحاح و غيرهم ، و أقرب الألفاظ ما أخرجه مسلم في صحيحه ٤ : ١٧٤٢ ح ١٠١ و ١٠٣ ، جمع طرق أصحاب الصحاح الستة إلى أنس و ابن عمر و جابر و أبي هريرة و سعد بن مالك و ابن عطية و استقصى اختلاف ألفاظهم ابن الأثير في جامع الأصول ٨ : ٣٩٥ ح ٥٧٩٤ ، ٥٧٩٥ ، ٥٧٩٩ ، ٥٨٠٠ ، ٥٨٠٢ ، ٥٨٠٥ .

١٣٦

و قال ذو الإصبع :

يا عمر إن لا تدع شتمي و منقصتي

أضربك حيث تقول الهامة اسقوني

و بعضهم مشبّهة و مجسّمة ، و منهم أميّة بن أبي الصلت ، فقال :

فوق العرش جالس قد

حطّ رجليه إلى كرسيه المنصوب

و كان فيهم متألّهة أصحاب الورع ، كعبد اللّه و عبد المطلب و أبي طالب و زيد بن عمرو بن نفيل و قسّ بن ساعدة و عامر بن الظرب ، و كان فيهم من يميل الى اليهودية ، كجماعة من التبابعة و ملوك اليمن ، و منهم نصارى كبني تغلب و العباديين رهط عدي بن زيد و نصارى نجران ، و منهم من يميل الى الصابئة و يقول بالنجوم و الأنواء . . . ١ .

« فهداهم به من الضلالة ، و أنقذهم بمكانه من الجهالة » قال الشاعر :

رأيت الصّدع من كعب و كانوا

من الشنآن قد صاروا كعابا

و في ( الاحتجاج ) اجتمع عند النبيّ صلى اللّه عليه و آله يوما خمسة أديان : ( اليهود ،

و النصارى ، و الدهرية ، و الثنوية ، و مشركو العرب ) فقالت اليهود : نحن نقول :

عزيز ابن اللّه و قد جئناك يا محمّد لننظر ما تقول ، فان تبعتنا فنحن أسبق إلى الصوب منك ، و إن خالفتنا خصمناك . و قالت النصارى : نحن نقول : إنّ المسيح ابن اللّه اتّحد به ، و قد جئناك لننظر ما تقول ، فإن تبعتنا فنحن أسبق منك إلى الصواب ، و إن خالفتنا خصمناك . و قالت الدهرية : نحن نقول : لا بدء لها و هي دائمة ، و قد جئناك لننظر في ما تقول ، فإن تبعتنا فنحن أسبق منك إلى الصواب ، و إن خالفتنا خاصمناك . و قال الثنوية : نحن نقول : النور و الظلمة هما المدبّران ، و قد جئناك لننظر في ما تقول ، فإن تبعتنا فنحن أسبق إلى الصواب منك ، و إن خالفتنا خصمناك . فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : آمنت باللّه وحده لا شريك له ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٩ ، و النقل بتصرف و تلخيص .

١٣٧

و كفرت بكلّ معبود سواه . ثم قال لهم : إنّ اللّه قد بعثني كافة للناس بشيرا و نذيرا و حجّة على العالمين ، سيردّ كيد من يكيد دينه في نحره . ثم قال لليهود :

أجئتموني لأقبل قولكم بغير حجّة ؟ قالوا : لا . قال : فما الّذي دعاكم إلى القول بأنّ عزيزا ابن اللّه ؟ قالوا : لأنّه أحيا لبني إسرائيل التوراة بعدما ذهبت ، و لم يفعل بها هذا إلاّ لأنّه ابنه . فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : فكيف صار عزيز ابن اللّه دون موسى ، و هو الّذي جاء إليهم بالتوراة و رئي منه المعجزات ؟ و لئن كان عزيز ابن اللّه لما أظهر من الكرامة باحياء التوراة ، فلقد كان موسى بالنبوّة أولى ،

و لئن كان هذا المقدار من الكرامة لعزير توجب كونه ابنه ، فأضعاف هذه الكرامة لموسى توجب له منزلة أجلّ من النبوّة ، ثمّ إن كنتم تريدون النبوّة الولادة على سبيل ما تشاهدونه في دنياكم هذه ، من ولادة الامهات الأولاد بوطء آبائهم لهنّ فقد كفرتم باللّه ، و شبّهتموه بخلقه ، و أوجبتم فيه صفات المحدثين ، و وجب عندكم أن يكون محدثا مخلوقا ، و أنّ له خالقا صنعه و ابتدعه . قالوا : لسنا نعني هذا ، فإنّ هذا كفر كما قلت ، لكن نعني أنّه ابنه على معنى الكرامة و إن لم يكن هناك و لادة ، كما قد يقول بعض علمائنا لمن يريد إكرامه و إبانته بالمنزلة من غيره : « يا بنيّ » و « إنّه ابني » لا على إثبات ولادة منه ، لأنّه قد يقول ذلك لمن هو أجنبي منه لا نسب بينه و بينه ، و كذلك لمّا فعل اللّه بعزير ما فعل ، كان قد اتّخذه ابنا على الكرامة لا الولادة . فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم :

فهذا ما قلته لكم ، إنّه إن وجب على هذا الوجه أن يكون عزير ، فإنّ هذه المنزلة لموسى أولى و إنّ اللّه يفضح كلّ مبطل بإقراره ، و يغلب على حجّته ، إنّ ما احتججتم به يؤديكم إلى ما هو أكثر ممّا ذكرته لكم ، لأنّكم قلتم : إنّ عظيما من عظمائكم قد يقول لأجنبي لا نسب بينه و بينه : « يا بنيّ » لا على طريق الولادة، فقد تجدون هذا العظيم يقول لأجنبي آخر : « هذا أخي » و لآخر « هذا شيخي

١٣٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

و أبي » و لآخر هذا « سيّدي » و « يا سيّدي » على سبيل الإكرام ، و إنّ من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول ، فإذن يجوز عندكم أن يكون موسى أخا له و شيخا له أو أبا أو سيّدا لأنّه قد زاده في الإكرام ممّا لعزير . فبهت القوم و تحيّروا و قالوا : يا محمّد أجّلنا نتفكّر في ما قلته لنا . فقال : انظروا فيه بقلوب معتقدة للإنصاف يهدكم اللّه .

ثمّ أقبل على النصارى ، فقال لهم : و أنتم قلتم : إنّ القديم عزّ و جلّ اتّحد بالمسيح ابنه . ما الّذي أردتم بهذا القول ؟ أردتم بأنّ القديم صار محدثا بوجود هذا المحدث ، أم المحدث الّذي هو عيسى صار قديما بوجود القديم الّذي هو اللّه ، أو معنى قولكم اتّحد به أنّه اختصّه بكرامة لم يكرم بها أحدا سواه ؟ فإن أردتم أنّ القديم صار محدثا فقد أبطلتم ، لأنّ القديم محال أن ينقلب فيصير محدثا ، و إن أردتم أنّ المحدث صار قديما فقد احلتم ، لان المحدث أيضا محال أن ينقلب فيصير قديما ، و إن أردتم في قولكم : « اتّحد به » أنّه اختصّه و اصطفاه على سائر عباده ، فقد أقررتم بحدوث عيسى و بحدوث المعنى الّذي اتّحد به من أجله ، لأنّه إذا كان عيسى محدثا و كان اللّه اتّحد به ، بأن أحدث فيه معنى صار أكرم الخلق عنده ، فقد صار عيسى و ذاك المعنى محدثين ، و هذا خلاف ما بدأتم به تقولونه .

فقالت : إنّ اللّه لمّا أظهر على يد عيسى من الأشياء العجيبة ما أظهر فقد اتّخذه ولدا على جهة الكرامة . فقال لهم النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم : فقد سمعتم ما قلته لليهود في هذا المعنى الّذي ذكر تموه ثم أعاد ذلك كلّه فسكتوا إلاّ رجلا واحدا منهم ،

فقال للنبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم : أو لستم تقولون : إنّ إبراهيم خليل اللّه ؟ قال : قد قلنا ذلك . قال الرّجل : فإذا قلتم ذلك ، فلم منعتمونا أن نقول : إنّ عيسى ابن اللّه ؟ فقال له النبيّ صلى اللّه عليه و آله : إنّهما لا يتشابهان ، لأنّ قولنا : إبراهيم خليل اللّه ، إنّما هو مشتق من

١٣٩

الخلّة أو الخلّة ، فأمّا الخلّة فإنّما معناها الفقر و الفاقة ، فقد كان خليلا ، أي : إلى ربّه فقيرا و إليه منقطعا ، و عن غيره متعفّفا معرضا مستغنيا ، و ذلك لمّا أريد قذفه في النار ، فرمي به في المنجنيق ، فبعث اللّه إلى جبرئيل أدرك عبدي ، فجاء فلقيه في الهواء ، فقال : كلّفني ما بدالك ، قد بعثني اللّه لنصرتك . فقال : بل حسبي اللّه و نعم الوكيل ، إنّي لا أسأل غيره ، و لا حاجة لي إليك . فسمّاه خليله ، أي :

فقيره و محتاجه ، و المنقطع إليه عمّن سواه ، و إذا جعل معنى ذلك من الخلّة و هو أنّه قد تخلّل معانيه ، و وقف على أسرار لم يقف عليها غيره ، كان معناه العالم به و بأموره ، و لا يوجب ذلك تشبيه اللّه بخلقه ، ألا ترون أنّه إذا لم ينقطع إليه لم يكن خليله ، و إذا لم يعلم بأسراره لم يكن خليله ، و إنّ من يلده الرّجل و إن أهانه و أقصاه لم يخرج عن أن يكون ولده ، لأنّ معنى الولادة قائم ؟ ثمّ إن وجب لأنّه قال : إبراهيم خليلي ، أن تقيسوا أنتم فتقولون : إنّ عيسى ابنه ، وجب أيضا كذلك أن تقولوا لموسى أنّه ابنه ، و أن يجوز أن تقولوا على هذا المعنى :

إنّه شيخه و سيّده و عمّه و رئيسه و أميره كما ذكرته اليهود . فقال بعضهم لبعض : و في الكتب المنزلة أنّ عيسى قال : « أذهب إلى أبي » . فقال لهم النبيّ صلى اللّه عليه و آله : فان كنتم بذلك الكتاب تعملون ، فانّ فيه : « أذهب إلى أبى و أبيكم » ،

فقولوا : إنّ جميع الّذين خاطبهم عيسى كانوا أبناء اللّه ، كما كان عيسى ابنه من الوجه الّذي كان عيسى ابنه ، ثمّ إنّ ما في هذا الكتاب مبطل عليكم هذا الّذي زعمتم أنّ عيسى من جهة الاختصاص كان ابنا له لأنّكم قلتم : إنّه ابنه لأنّه اختصّه بما لم يختصّ به غيره ، و أنتم تزعمون أنّ الذي خصّ به عيسى لم يخصّ به هؤلاء القوم الّذين قال لهم عيسى : « أذهب إلى أبي و أبيكم » ، فبطل أن يكون الاختصاص لعيسى ، لأنّه قد ثبت عندكم بقول عيسى لمن لم يكن له مثل اختصاص عيسى ، و أنتم إنّما حكيتم لفظة عيسى و تأوّلتموها على غير

١٤٠