• البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 99380 / تحميل: 4092
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 2

مؤلف:
العربية

« من مائها » يقال : ماء غور ، أي : غائر ، و نقله ابن أبي الحديد ١ : « و إعوار من مائها » و جعل « و اغورار من مائها » نسخة ، مع أنّه لا معنى لإعوار مائها و جعله له من ( فلاة عوراء ) لا ماء بها غلط ، لأنّه أثبت لها ماء ، مع أنّ ( الكافي ) ٢ و ( تفسير القمي ) ٣ أيضا نقلاه : « و اغورار » .

« قد درست » أي : صارت مندرسة .

« منار الهدى » قد عرفت أنّ في رواية ( الكافي ) ٤ : « أعلام الهدى » و هو الأنسب بقوله : « قد درست » .

« و ظهرت » للناس .

« أعلام » أي : علائم .

« الردى » أي : الهلكة .

« فهي » أي : الدّنيا .

« متجهّمة لأهلها » أي : متلقّيتهم بالغلظة ، و قال الخوئي : و في نسخة « متهجّمة لأهلها » ٥ .

قلت : هي تحريف ، لأنّه لا يقال : تهجم لفلان بل على فلان ، و النسخة إنّما تنقل في ما احتملت صحّتها .

« عابسة في وجه طالبها » فلا يحصل منها مطلوبه .

« ثمرها الفتنة » كشجرة ثمرتها مرّة .

« و طعامها الجيفة » كطعام الكلاب ، روى الطبري في ( ذيله ) أنّه قيل لعبد

ـــــــــــــــــ

( ١ ) نقل ابن أبي الحديد في شرحه ٢ : ١٣٥ روايتين : « اعورار » و « اغورار » و أثبت الثاني في متن الخطبة .

( ٢ ) الكافي للكليني ١ : ٦٠ ح ٧ .

( ٣ ) لفظ تفسير القمي ١ : ٣ « و اغوار من مائها » .

( ٤ ) الكافي للكليني ١ : ٦٠ ح ٧ .

( ٥ ) جعل الخوئي في شرحه ٣ : ٦٤ « متهجمة » أصلا ، ثم قال : « و في بعض النسخ متجهمة بتقديم الجيم على الهاء » .

١٨١

خير : هل تذكر من أمر الجهّال شيئا ؟ و كان أتى عليه مائة و عشرون سنة . قال :

أذكر أنّ أمّي طبخت لنا قدرا ، فقلت : اطعمينا . فقالت : حتّى يجي‏ء أبوكم . فجاء أبي فقال : إنّ كتاب النبيّ صلى اللّه عليه و آله قد جاءنا ينهانا عن لحوم الميتة . قال : فاذكر أنّها كانت لحم ميتة فأكفأناها ١ .

و روى أبو نعيم في ( حليته ) عن أبي رجاء العطاردي و كان أدرك الجاهلية قال : بلغنا أمر النبيّ صلى اللّه عليه و آله و نحن على ماء لنا يقال له : سند ، فانطلقنا نحو الشجرة هاربين ( أو قال هربا ) بعيالنا ، فبينما أنا أسوق بالقوم إذ وجدت كراع ظبي طريّ فأخذته فأتيت المرأة ، فقلت : هل عندك شعير ؟ فقالت : قد كان في وعاء لنا عام أوّل شي‏ء من شعير ما أدري بقي منه أم لا .

فأخذته فنفضته ، فاستخرجت منه مل‏ء كف من شعير ، فرضخته بين حجرين ، ثمّ ألقيته و الكراع في برمة ، ثمّ قمت إلى بعير ففصدته إناء من دم ثمّ أوقدت تحته ، ثمّ أخذت عودا فلبكته به لبكا شديدا حتّى أنضجته . ثمّ أكلنا ، فقال له رجل : يا أبا رجاء كيف طعم الدم ؟ قال : حلو ٢ .

و قالوا : كانت بنو أسد تأكل الكلاب ، فقال الفرزدق :

إذا أسديّ جاع يوما ببلدة

و كان سمينا كلبه فهو آكله

و قالوا : كان بنو فقعس يأكلون لحوم الناس ، قال شاعر :

إذا ما صفت ليلا فقعسيّا

فلا تأكل له أبدا طعاما

فانّ اللحم إنسانا فدعه

و خير الزاد ما منع الحراما

و عن ابن قرفة : أضافني أعرابي ، فجاءني بقدر جمّاعة ضخمة ، ليس فيها شي‏ء إلاّ قطع من لحم ، فإذا بضعة تتمّات في فمي ، و بعضة كأنّها بضع

ـــــــــــــــــ

( ١ ) منتخب ذيل المذيل للطبري : ٨١ .

( ٢ ) حلية الأولياء لأبي نعيم ٢ : ٣٠٥ .

١٨٢

ساق ، و بضعة كأنّها شحم رخم ، فقلت : ما هذا ؟ فقال : إنّي رجل صيّاد جمعت بين ذئب و ظبي و ضبع .

« و شعارها الخوف و دثارها السيف » قال الجوهري : الشعار : ما ولي الجسد من الثياب ١ ، و الدثار : كلّ ما كان من الثياب فوق الشعار ٢ .

قال تعالى : فليعبدوا ربّ هذا البيت . الّذي أطعمهم من جوع و آمنهم من خوف ٣ .

٥

من الخطبة ( ٩٢ ) حَتَّى أَفْضَتْ كَرَامَةُ اَللَّهِ سُبْحَانَهُ إِلَى ؟ مُحَمَّدٍ ص ؟

فَأَخْرَجَهُ مِنْ أَفْضَلِ اَلْمَعَادِنِ مَنْبِتاً وَ أَعَزِّ اَلْأَرُومَاتِ مَغْرِساً مِنَ اَلشَّجَرَةِ اَلَّتِي صَدَعَ مِنْهَا أَنْبِيَاءَهُ وَ اِنْتَخَبَ مِنْهَا أُمَنَاءَهُ عِتْرَتُهُ خَيْرُ اَلْعِتَرِ وَ أُسْرَتُهُ خَيْرُ اَلْأُسَرِ وَ شَجَرَتُهُ خَيْرُ اَلشَّجَرِ نَبَتَتْ فِي حَرَمٍ وَ بَسَقَتْ فِي كَرَمٍ لَهَا فُرُوعٌ طِوَالٌ وَ ثَمَرَةٌ لاَ تُنَالُ فَهُوَ إِمَامُ مَنِ اِتَّقَى وَ بَصِيرَةُ مَنِ اِهْتَدَى .

سِرَاجٌ لَمَعَ ضَوْؤُهُ وَ شِهَابٌ سَطَعَ نُورُهُ وَ زَنْدٌ بَرَقَ لَمْعُهُ سِيرَتُهُ اَلْقَصْدُ وَ سُنَّتُهُ اَلرُّشْدُ وَ كَلاَمُهُ اَلْفَصْلُ وَ حُكْمُهُ اَلْعَدْلُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ اَلرُّسُلِ وَ هَفْوَةٍ عَنِ اَلْعَمَلِ وَ غَبَاوَةٍ عَنِ اَلْأُمَمِ . « حتّي أفضت كرامة اللّه سبحانه إلى محمّد صلى اللّه عليه و آله » روى ( سنن أبي داود ) في باب الثوم : أن النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم‏أتى ببدر أي : طبق فيه خضرات من البقول فوجد

ـــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة للجوهري ٢ : ٦٩٩ مادة ( شعر ) .

( ٢ ) صحاح اللغة للجوهري ٢ : ٦٥٥ مادة ( دثر ) .

( ٣ ) قريش : ٤٣ .

١٨٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

لها ريحا ، فقال : قرّبوها إلى بعض أصحابه كان معه ، فلمّا رآه كره أكلها ، فقال له : كلّ فإنّي أناجي من لا تناجي ١ .

« فأخرجه من أفضل المعادن منبتا » عن الكاظم عليه السّلام : أنّ يهوديا من يهود الشام و أحبارهم كان قد قرأ التوراة ، و الإنجيل ، و الزبور ، و صحف الأنبياء و عرف دلائلهم ، جاء إلى مجلس فيه أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه و آله و فيهم علي بن أبي طالب و ابن عباس و ابن مسعود و أبو سعيد الجهني ، فقال : يا أمّة محمّد ما تركتهم لنبيّ درجة ، و لا لمرسل فضيلة إلاّ نحلتموها نبيّكم ، فهل تجيبوني عمّا أسألكم عنه ؟ فكاع القوم عنه ، فقال علي بن أبي طالب : نعم ، ما أعطى اللّه نبيّا درجة و لا مرسلا فضيلة إلاّ و قد جمعها لمحمّد صلى اللّه عليه و آله ، و زاد محمّدا على الأنبياء أضعافا مضاعفة ٢ .

« و أعزّ الأرومات » بالفتح ، جمع أرومة : أصل الشجرة .

« مغرسا » من حيث النسل ، أي : النسل السامي ، و في خطبة له عليه السّلام المرويّة في ( إثبات المسعودي ) : ثمّ أذنت في إيداعه صلى اللّه عليه و آله ساما دون حام و يافث ، فضربت لهما بسهم في الذلّة ، و جعلت ما أخرجت من بينهما لنسل سام خولا ٣ .

و في ( معارف ابن قتيبة ) : العرب كلّها ، و الأنبياء كلّها من ولد سام ٤ .

« من الشّجرة التي صدع » أي : شقّ .

« منها أنبياءه » و المراد من الشجرة إبراهيم عليه السّلام ، فرسل جاؤوا بعده

ـــــــــــــــــ

( ١ ) هذا حديث جابر أخرجه أبو داود في سننه ٣ : ٣٦٠ ح ٣٨٢٢ ، و جمع ابن الأثير في جامع الأصول ٨ : ٢٧٩ ح ٥٥١٤ طرق أصحاب الصحاح و اختلاف ألفاظهم ، و في الباب عن علي عليه السّلام و سويد و النقل بتلخيص .

( ٢ ) الاحتجاج للطبرسي : ٢١٠ عن موسى بن جعفر الكاظم عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن علي عليهم السلام .

( ٣ ) إثبات الوصيّة للمسعودي : ١٠٨ .

( ٤ ) المعارف لابن قتيبة : ٢٧ ، ٢٨ .

١٨٤

كانوا من نسله .

« و انتخب » أي : اختار .

« منها أمناءه » على وحيه ، و فسّر قوله تعالى : الّذي يراك حين تقوم .

و تقلّبك في الساجدين ١ في الأخبار بمعنى : حين تقوم في النبوّة ، و تقلّبك في أصلاب النبيين .

« عترته خير العتر » كما أنّه خير البشر ، و في ( الصحاح ) : عترة الرجل :

نسله و رهطه الأدنون ٢ .

روى أبو سعيد الخدري عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله قال : إنّي أوشك أن أدعى فأجيب ، و إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه عزّ و جلّ حبل ممدود بين السماء و الأرض و عترتي أهل بيتي ، و أخبرني اللطيف أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ٣ .

« و أسرته » و هم بنو هاشم .

« خير الأسر » فكانت بنو هاشم أفضل طوائف قريش .

« و شجرته » و هم قريش .

« خير الشجر » فكانت قريش أفضل طوائف العرب .

« نبتت في حرم » أي : عزّ و منعة ، و ليس المراد مكّة كما احتمله ابن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الشعراء : ٢١٨ ٢١٩ .

( ٢ ) صحاح اللغة ٢ : ٧٣٥ مادة ( عتر ) .

( ٣ ) هذا الحديث المعروف بحديث الثقلين من الأحاديث المتواترة ، أخرجه أحمد بأربع طرق في مسنده ٣ : ١٤ ، ١٧ ، ٢٦ ، ٥٩ ، و ابن سعد في الطبقات ٢ ق ٢ : ٢ ، و أبو يعلى في مسنده ، و الباوردي عنهما إحياء الميت : ١٣ ، ٤٧ ح ٨ ، ٥٥ ، و الطبراني في معجمه عنه الدر المنثور ٢ : ٦٠ ، و الثعلبي في تفسيره عنه ينابيع المودة : ٣٢ ، و الصدوق بخمس طرق في كمال الدين : ٢٣٥ ٢٤٠ ح ٤٦ ، ٤٨ ، ٥٠ ، ٥٧ ، ٦١ ، و أبو علي الطوسي في أماليه ١ : ٢٦١ المجلس ٩ و غيرهم عن أبي سعيد الخدري ، و في الباب عن علي و فاطمة و الحسن عليهم السلام و ابن عباس و زيد بن الأرقم و ثلاثة عشر آخرين من أصحاب النبي صلى اللّه عليه و آله .

١٨٥

أبي الحديد ١ ، فلو كانت مرادة لقال : في الحرم لا في حرم .

« و بسقت » أي : علت .

« في كرم » و شرف . روى ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله بيّنا في المسجد الحرام ، و عليه ثياب له جدد فألقى المشركون عليه سلا ناقة ،

فملؤوا ثيابه بها ، فدخله من ذلك ما شاء اللّه ، فذهب إلى أبي طالب ، فقال له : يا عمّ كيف ترى حسبي فيكم ؟ فقال له : و ما ذاك يابن أخي ؟ فأخبره الخبر ، فدعا أبو طالب حمزة ، و أخذ السيف و قال لحمزة : خذ السلا . ثمّ توجّه إلى القوم و النبيّ صلى اللّه عليه و آله معه ، فأتى قريشا و هم حول الكعبة ، فلمّا رأوه عرفوا الشرّ في وجهه ، ثمّ قال لحمزة : أمرّ السلا على سبالهم ، ففعل ذلك حتّى أتى على آخرهم ، ثم التفت أبو طالب إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، فقال : يا ابن أخي هذا حسبك فينا ٢ .

« لها فروع طوال » قال تعالى له : إنّا أعطيناك الكوثر . فصلّ لربّك و انحر . إنّ شانئك هو الأبتر ٣ .

« و ثمرة لا تنال » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( و ثمر لا ينال ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) ٤ ، قال ابن أبي الحديد : ليس على أن يريد به أنّ ثمرها لا ينتفع به ، لأن ذلك ليس بمدح ، بل يريد به أنّ ثمرها لا ينال قهرا ،

و لا يجنى غصبا ٥ .

قلت : إنّما ينال قهرا و غصبا من الإنسان لا من الشجر و الثمر ، و الصواب أن يقال : إنّ شرف الشجر بعلوّه حتّى لا ينهب ثمره كلّ من مرّ عليه ، و المراد أنّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٨٠ .

( ٢ ) أخرجه الكليني في الكافي ١ : ٤٤٩ ح ٣٠ و جمع آخر .

( ٣ ) الكوثر : ١ ٣ .

( ٤ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٨٠ ، لكن في شرح ابن ميثم ٢ : ٣٩٥ « تنال » أيضا .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٨٠ .

١٨٦

علوم النبيّ صلى اللّه عليه و آله و كمالاته ليست عاديّة متعارفة حتّى يدّعي نيابته كلّ أحد ،

و غرضه عليه السّلام التعريض بالمتقدّمين عليه بكونهم غير أهلين لتصدي مقامه صلى اللّه عليه و آله ، لأنّ النائب كالمنوب عنه بقضية العقول ، و أين هم من النبيّ صلى اللّه عليه و آله ،

و إنّما كان أهل بيته مثله ، و ممّا يوضح كونهم عليهم السلام ثمرة شجرة النبيّ صلى اللّه عليه و آله قوله عليه السّلام لمّا بلغه أنّ قريشا احتجّوا في السقيفة لتقدّمهم على الأنصار بكونهم شجرة النبيّ صلى اللّه عليه و آله : « احتجّوا بالشجرة و أضاعوا الثمرة » ١ . و في زياراتهم عليهم السلام : « السلام على الشجرة النبوية ، و الدوحة الهاشمية المضيئة المثمرة بالنبوّة ، المونعة بالإمامة » ٢ .

« فهو إمام من اتّقى » اللّه في عمله فليتّبعه غيره ، روى ( الطبري ) أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله عدّل صفوف أصحابه يوم بدر و في يده قدح يعدّل به القوم ، فمرّ بسواد بن غزية حليف بني عدي من النجّار و هو مستنتل من الصف ، فطعن النبيّ صلى اللّه عليه و آله في بطنه بالقدح ، و قال : استويا سواد بن غزية . فقال : يا رسول اللّه أو جعتني و قد بعثك اللّه بالحقّ ، فأقدني . فكشف النبيّ صلى اللّه عليه و آله عن بطنه ، ثمّ قال :

استقد . فاعتنقه و قبّل بطنه ، فقال ما حملك على هذا يا سواد ؟ فقال : يا رسول اللّه حضر ما ترى فلم آمن القتل ، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمسّ جلدي جلدك . فدعا له النبيّ صلى اللّه عليه و آله بخير ٣ .

« و بصيرة من اهتدى » فليسلك مسلكه ، روى الطبري عن أبي سفيان قال :

كنّا قوما تجّارا ، و كانت الحرب بيننا و بين محمّد قد حصرتنا حتّى نهكت أموالنا ، فلمّا كانت الهدنة بيننا و بينه لم نأمن أن لا نجد أمنا فخرجت في نفر

ـــــــــــــــــ

( ١ ) رواه الشريف الرضي ضمن خطبة في نهج البلاغة ١ : ١١٦ الخطبة ٦٥ .

( ٢ ) رواه في صدر زيارة المجلسي في البحار ١٠٢ : ٢١٢ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٢ : ١٤٨ سنة ٢ .

١٨٧

من قريش تجّارا إلى الشام ، و كان وجه متجرنا غزّة ، فقدمناها حين ظهر هرقل على من كان بأرضه من فارس ، و أخرجهم منها ، و انتزع له منهم صليبه الأعظم ، و كانوا قد استلبوه إيّاه ، فلمّا بلغ ذلك منهم و بلغه أنّ صليبه قد استنقذ له ، و كانت حمص منزله ، خرج منها يمشي على قدميه متشكرا للّه حين ردّ عليه ما ردّ ليصلّي في بيت المقدس ، تبسط له البسط ، و تلقى عليها الرياحين ، فلمّا انتهى إلى إيليا ، و قضى فيها صلاته ، و معه بطارقته ، و أشراف الروم ، أصبح ذات غداة مهموما يقلّب طرفه إلى السماء ، فقال له بطارقته : قد أصبحت مهموما . قال : أجلّ أريت في هذه الليلة أنّ ملك الختان ظاهر . قالوا له : ما نعلم أمّة تختتن إلاّ اليهود ، و هم في سلطانك ، فابعث إلى كلّ من لك عليه سلطان في بلادك ، مره ليضرب أعناق كلّ من تحت يديه من يهود و استرح من هذا الهمّ ،

و أنّهم لفي ذلك من رأيهم يديرونه ، إذ أتاه رسول صاحب بصرى برجل من العرب يقوده و كانت الملوك تهادى الأخبار بينها فقال : إنّ هذا الرجل من أهل الشام و الإبل ، يحدّث عن أمر حدث ببلاده عجب ، فسله عنه . فلمّا انتهى به إلى هرقل قال لترجمانه : سله ما كان فسأله ، فقال : خرج بين أظهرنا رجل يزعم أنّه نبيّ ، و قد اتّبعه ناس و صدّقوه ، و خالفه ناس ، و قد كانت بينهم ملاحم في مواطن كثيرة ، فتركتهم على ذلك . فلمّا أخبره الخبر ، قال : جرّدوه . فجرّدوه ،

فإذا هو مختون . فقال هرقل : هذا و اللّه الذي أريت لا ما تقولون . أعطوه ثوبه .

انطلق عنّا .

ثم دعا صاحب شرطته ، فقال له : قلّب الشام لي ظهرا و بطنا حتّى تأتيني برجل من قوم هذا الرجل يعني النبيّ صلى اللّه عليه و آله قال أبو سفيان : و أنا بغزّة ، إذ هجم علينا صاحب شرطته ، فقال : أنتم من قوم هذا الرجل الّذي ظهر بالحجاز ؟

قلنا : نعم . قال : انطلقوا إلى الملك . فانطلقنا ، فلمّا انتهينا إليه ، قال : أنتم من رهط

١٨٨

هذا الرجل ؟ قلنا : نعم . قال : فأيّكم أمسّ به رحما ؟ قلت : أنا . فقال : ادن فأقعدني بين يديه ، و أقعد أصحابي خلفي ، ثمّ قال : إنّي سأسأله ، فإن كذب فردّوا عليه قال أبو سفيان : فو اللّه لو كذبت ما ردّوا عليّ ، و لكنّي كنت امرأ سيّدا أتكرّم عن الكذب ، و عرفت أنّ أيسر ما في ذلك إن أنا كذبته أن يحفظوا ذلك عليّ ثمّ يحدّثوا به عنّي فلم أكذبه فقال : اخبرني عن هذا الرجل الذي خرج بين أظهر كم يدّعي ما يدّعي . فجعلت أصغّر أمره ، و أقول : ما يهمّك من أمره ، إنّ شأنه دون ما يبلغك . فجعل لا يلتفت إلى ذلك ، ثمّ قال : أنبئني عمّا أسألك عنه من شأنه . قلت : سل . قال : كيف نسبه ؟ قلت : محض أوسطنا نسبا . قال : هل كان أحد من أهل بيته يقول مثل ما يقول به ، فهو يتشبّه به ؟ قلت : لا . قال : فهل كان له فيكم ملك فاستلبتموه إيّاه فجاء بهذا الحديث لتردّوا عليه ملكه ؟ قلت : لا . قال :

فأخبرني عن أتباعه منكم من هم ؟ قلت : الضعفاء و المساكين و الأحداث من الغلمان و النساء ، و أما ذوو الأسنان و الشرف من قومه ، فلم يتّبعه منهم أحد .

قال : فأخبرني عمّن تبعه ، أيحبّه و يلزمه أم يقليه و يفارقه ؟ قلت : ما تبعه رجل ففارقه . قال : فأخبرني عن الحرب بينكم و بينه . قلت : سجال يدال علينا ، و ندال عليه . قال : فأخبرني هل يغدر ؟ فلم أجد شيئا ممّا سألني عنه أغمزه فيه غيرها ،

قلت : لا ، و نحن منه في هدنة ، و لا نأمن غدره فو اللّه ما التفت إليها منّي ، ثمّ كرّ عليّ الحديث قال : سألتك كيف نسبه فيكم ؟ فزعمت أنّه محض من أوسطكم نسبا ، و كذلك يأخذ اللّه الأنبياء ، و سألتك هل كان أحد من أهل بيته يقول بقوله فهو يتشبّه به ، فزعمت أن لا ، و سألتك هل كان له فيكم ملك فاستلبتموه إيّاه ،

فجاء بهذا الحديث يطلب به ملكه ، فزعمت أن لا ، و سألتك عن أتباعه ، فزعمت أنّهم الضعفاء و المساكين و الأحداث و النساء ، و كذلك أتباع الأنبياء في كلّ زمان ، و سألتك عمّن يتّبعه ، أيحبّه و يلزمه أم يقليه و يفارقه ، فزعمت ألاّ يتّبعه

١٨٩

أحد فيفارقه ، و كذلك حلاوة الإيمان لا تدخل قلبا فتخرج منه ، فلئن كنت صدقتني عنه ليغلبني على ما تحت قدميّ هاتين ، و لوددت أنّي عنده فأغسل قدميه ، انطلق لشأنك . فقمت من عنده و أنا أضرب إحدى يديّ على الأخرى ،

و أقول : يا عباد اللّه لقد أمر أمر ابن أبي كبشة ، لقد أصبح ملوك بني الأصفر يهابونه في سلطانهم بالشام ١ .

« سراج لمع ضوءه » فلم يبق معه ظلمة .

« و شهاب » في ( النهاية ) : الشهاب : الّذي ينقضّ في الليل شبه الكوكب ، و هو في الأصل الشعلة من النار ٢ .

« سطع » أي : ارتفع .

« نوره » حتّى أضاء كلّ جانب .

« و زند » في ( الصحاح ) : الزند : العود الّذي يقدح به النار ، و هو الأعلى ،

و الزندة : السفلى فيها ثقب ، و هي الأنثى ، فإذا اجتمعا قيل : زندان ، ثم قال : و تقول لمن أنجدك و أعانك : وردت بك زنادي ٣ .

« برق لمعه » حتّى حصلت منه الاستنارة ، في ( الطبقات ) : أنّ عليّا عليه السّلام كان إذا نعت النبيّ صلى اللّه عليه و آله يقول : لم يكن بالطويل الممغّط ، و لا بالقصير المتردّد ، كان ربعة من القوم و لم يكن بالجعد القطط ، و لا السبط ، كان جعدا رجلا ، و لم يكن بالمطهّم و لا المكلثم ، و كان في وجهه تدوير أبيض مشرب ، أدعج العينين ،

أهب الأشفار ، جليل المشاش و الكتد ، أجرد ذا مسربة ، شثن الكفّين و القدمين ،

إذا مشى تقلّع كأنّما يمشي في صبب ، و إذا التفت التفت معا ، بين كتفيه خاتم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٢ : ٢٨٩ سنة ٦ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) النهاية لابن الأثير ٢ : ٥١٢ مادة ( شهب ) .

( ٣ ) صحاح اللغة ١ : ٤٧٨ مادة ( زند ) .

١٩٠

النبوّة ، و هو خاتم النبييّن . أجود الناس كفّا ، و أجرأ الناس صدرا ، و أصدق الناس لهجة ، و أوفى الناس بذمّة ، و ألينهم عريكة ، و أكرمهم عشرة . من رآه بديهة هابه ، و من خالطه معرفة أحبّه . يقول ناعته لم أر قبله و لا بعده مثله ١ .

« سيرته القصد » أي : الوسط ، ليس بإفراط و لا تفريط ، و في الخبر كانت صلاة النبيّ صلى اللّه عليه و آله قصدا و خطبته قصدا ٢ .

« و سنّته الرشد » روى ( سنن أبي داود ) عن عبد اللّه بن أبي الحمساء قال :

بايعت النبيّ صلى اللّه عليه و آله ببيع قبل أن يبعث و بقيت له بقيّة ، فوعدته أن آتيه بها في مكانه ، فنسيت ، ثمّ ذكرت بعد ثلاث . فجئت فإذا هو في مكانه . فقال : يا فتى لقد شققت عليّ ، أنا هاهنا منذ ثلاث أنتظرك ٣ .

و كان صلى اللّه عليه و آله يقسم لحظاته بين جلسائه ، قال عمّه أبو طالب فيه :

و ميزان صدق لا يخيس شعيرة

و وزّان صدق وزنه غير عائل

و في ( الطبقات ) : عن أمير المؤمنين عليه السّلام كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله إذا أوى إلى منزله جزّا دخوله ثلاثة أجزاء : جزء للّه ، و جزء لأهله ، و جزء لنفسه . ثمّ جزّا جزأه بينه و بين الناس ، فيسرد ذلك على العامة بالخاصة و لا يدّخر عنهم شيئا .

و كان من سيرته في جزء الأمّة إيثار أهل الفضل ناديه ، و قسمه على قدر

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه ابن سعد في الطبقات ١ ق ٢ : ١٢١ ، و ابن هشام في السيرة ٢ : ٣٥ ، و الترمذي في سننه ٥ : ٥٩٩ ، و البيهقي في الدلائل ، و الكجي ، و هشام بن عمّار في البعث عنهم منتخب كنز العمال ٣ : ٩١ ، و الخطيب في تاريخ بغداد ١١ : ٣٠ ، و الثقفي في الغارات ١ : ١٦١ .

( ٢ ) أخرجه مسلم بطريقين في صحيحه ٢ : ٥٩١ ح ٤١ و ٤٢ ، و الترمذي في سننه ٢ : ٣٨١ ح ٥٠٧ ، و النسائي في سننه ٣ : ١٩١ ، و ابن ماجة في سننه ١ : ٣٥١ ح ١١٠٦ ، و الدارمي في سننه ١ : ٣٦٥ ، و أحمد بطرق عديدة في مسنده ٣ : ٩١ و غيره .

( ٣ ) سنن أبي داود ٤ : ٢٩٩ ح ٤٩٩٦ .

١٩١

فضلهم في الدين ، فمنهم ذو الحاجة ، و منهم ذو الحاجتين ، و منهم ذو الحوائج ،

فيتشاغل بهم و يشغلهم في ما أصلحهم و الأمة من مسألته عنهم ، و إخبارهم بالّذي ينبغي لهم ، و يقول : ليبلّغ الشاهد الغائب ، و أبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي حاجته ، فإنّه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها إيّاه ثبّت اللّه قدميه يوم القيامة . لا يذكر عنده إلاّ ذلك ، و لا يقبل من أحد غيره ، يدخلون روّادا و لا يفترقون إلاّ عن ذواق و يخرجون أدلّة . ثم قال : كان صلى اللّه عليه و آله يخزن لسانه إلاّ ممّا يعنيهم و يؤلّفهم و لا يفرّقهم أو قال : ينفّرهم و يكرم كريم كلّ قوم و يولّيه عليهم ، و يحذر الناس و يحترس منهم ، من غير أن يطوي من أحد بشره و لا خلقه ، و يتفقّد أصحابه ، و يسأل الناس عمّا في الناس ، و يحسّن الحسن و يقوّيه ، و يقبّح القبيح و يوّهنه . معتدل الأمر غير مختلف ، لا يغفل مخافة أن يغفلوا ، لكلّ حال عنده عاد ، لا يقصر عن الحقّ و لا يجوزه . الذين يلونه من الناس خيارهم ، أفضلهم عنده أعمّهم نصيحة ، و أعظمهم عنده منزلة أحسنهم مؤاساة و موازرة .

ثمّ قال : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لا يجلس و لا يقوم إلاّ عن ذكر ، لا يوطّن الأماكن ، و ينهى عن إيطانها ، و إذا انتهى إلى قوم جلس حيث انتهى به المجلس ،

و يأمر بذلك ، يعطي كلّ جلسائه بنصيبه ، لا يحسب جليسه أنّ أحدا أكرم عليه منه ، من جالسه أو قاومه في حاجة صابره حتّى يكون هو المنصرف ، و من سأله حاجة لم يردّه إلاّ بها أو بميسور من القول ، قد وسع الناس منه بسطه و خلقه ، فصار لهم أبا ، و صاروا في الحقّ عنده سواء . مجلسه مجلس حلم و حياء ، و صبر و أمانة ، لا ترفع فيه الأصوات ، و لا تؤبّن فيه الحرم ، و لا تنثى فلتاته ، متعادلين يتفاضلون فيه بالتقوى ، متواضعين يوقّرون فيه الكبير و يرحمون فيه الصغير و يؤثرون ذا الحاجة و يحفظون أو يحوطون الغريب .

١٩٢

ثم قال : كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله دائم البشر ، سهل الخلق ، ليّن الجانب ، ليس بفظّ و لا غليظ ، و لا صخّاب ، و لا فحّاش و لا عيّاب ، يتغافل عمّا لا يشتهي ، و لا يدنس منه ، و لا يجنب فيه ، قد ترك نفسه من ثلاث : المراء و الإكثار ، و ممّا لا يعنيه ،

و ترك الناس من ثلاث : كان لا يذمّ أحدا و لا يعيّره ، و لا يطلب عورته ، و لا يتكلّم إلاّ في ما رجا ثوابه . إذا تكلّم أطرق جلساؤه كأنّما على رؤوسهم الطير ، فإذا سكت تكلّموا ، و لا يتنازعون عنده ، من تكلّم انصتوا له حتّى يفرغ ، حديثهم عنده حديث أوّ ليتهم ، يضحك ممّا يضحكون منه ، و يتعجّب ممّا يتعجبون منه ،

و يصبر للغريب على الجفوة في منطقه و مسألته إلى أن قال :

كان سكوت النبيّ صلى اللّه عليه و آله على أربع : على الحلم و الحذر و التقرير و التفكّر ،

فأمّا تقريره ففي تسوية النظر و الاستماع من الناس ، و أمّا تذكّره أو تفكّره ففي ما يبقى و يفنى ، و جمع الحلم و الصبر ، و كان لا يغضبه شي‏ء و لا يستنفره ،

و جمع له الحذر في أربع : أخذه بالحسني ليقتدى به ، و تركه القبيح ليتناهى عنه ، و اجتهاده الرأي في ما أصلح أمّته ، و القيام في ما جمع لهم الدّنيا و الآخرة ١ .

« و كلامه الفصل » قال صلى اللّه عليه و آله : أوتيت جوامع الكلم ٢ . و ليس بعد كلام اللّه تعالى كلام فوق كلامه ، و قد جمع جمع من العامة و الخاصة كلمه صلى اللّه عليه و آله كالزجاجي صاحب المبرد ، و نفطويه النحوي ، و جعفر بن حمدان الموصلي ،

و المصنّف في كتابه ( المجازات النبويّة ) .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه ابن سعد في الطبقات ١ ق ٢ : ١٢٩ ، و الصدوق بثلاث طرق في معاني الأخبار : ٧٩ ح ١ و بطريق واحد في عيون الأخبار ١ : ٢٤٦ ، و قال الصدوق في ذيل الحديث في العيون : « و قد رويت هذه الصفة عن مشائخ بأسانيد مختلفة أخرجتها في كتاب النبوّة » . و هذا الكتاب مفقود .

( ٢ ) هذا جزء من حديث أبي هريرة ، أخرجه بهذا اللفظ مسلم بطريقين في صحيحه ١ : ٣٧٢ ح ٧ ، ٨ ، و جمع ابن الأثير في جامع الأصول ٩ : ٣٩٣ ح ٦٣٢٠ طرق أصحاب الصحاح و اختلاف ألفاظهم .

١٩٣

و عن الجاحظ : يجب أن يكون الإنسان سخيّا لا يبلغ التبذير ، و شجاعا لا يبلغ الهوج ، محترسا لا يبلغ الجبن ، ماضيا لا يبلغ القحة ، قوّالا لا يبلغ الهذر ،

صموتا لا يبلغ العيّ ، حليما لا يبلغ الذلّ ، منتصرا لا يبلغ الظلم ، وقورا لا يبلغ البلادة ، نافذا لا يبلغ الطيش . ثمّ وجدنا النبيّ صلى اللّه عليه و آله قد جمع ذلك كلّه في كلمة واحدة ، و هي قوله : « خير الأمور أوسطها » فعلمنا أنّه أوتي جوامع الكلام ، و علم فصل الخطاب ، و من عجيب كلماته قوله صلى اللّه عليه و آله : « خمس من أتى اللّه بهنّ أو بواحدة منهنّ أوجبت له الجنّة : من سقى هامّة صادية ، أو أطعم كبدا هافية ، أو أكسى جلدا عارية ، أو حمل قدما حافية ، أو أعتق رقبة عانية » .

و روى ( الكافي ) أنّ أعرابيا قدم بإبل له ، فقال للنبيّ صلى اللّه عليه و آله : يا رسول اللّه بع لي إبلي هذه . فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله : لست ببيّاع في الأسواق . قال : فأشر عليّ .

فقال له : بع هذا الجمل بكذا ، و بع هذه الناقة بكذا ، حتّى وصف له كلّ بعير منها .

فخرج الأعرابي إلى السوق فباعها ، ثم جاء إليه ، فقال : و الّذي بعثك بالحقّ مازادت درهما و لا نقصت درهما ممّا قلت لي . . . ١ .

و في ( سنن أبي داود ) عنه صلى اللّه عليه و آله قال : « لا طلاق ، و لا عتاق في غلاق » ٢ .

قلت : و هو دليل على بطلان مذهبهم في الحلف بالعتاق و الطلاق .

و فيه أيضا : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله لمّا دخل على عائشة و رأى عندها رجلا ،

فتغيّر وجهه ، فقالت : إنّه أخي من الرضاعة . قال : انظرن من اخوانكنّ ، فانّما الرضاعة من الجماعة ٣.

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٥ : ٣١٧ ح ٥٤ .

( ٢ ) سنن أبي داود ٢ : ٢٥٨ ح ٢١٩٣ ، و سنن ابن ماجه ١ : ٦٥٩ ح ٢٠٤٦ ، و المستدرك للحاكم عنه الجامع الصغير ٢ : ٢٠٣ و غيرهم .

( ٣ ) سنن أبي داود ٢ : ٢٢٢ ح ٢٠٥٨ ، و مسلم بطريقين في صحيحه ٢ : ١٠٧٨ ، ١٠٧٩ ح ٣٢ ، ٣٣ ، و النسائي في سننه ٦ : ١٠٢ ، و ابن ماجه في سننه ١ : ٦٢٦ ح ١٩٤٥ ، و أحمد بثلاث طرق في مسنده ٦ : ٩٤ ، ١٧٤ ، ١١٤ و النقل بتصرف في اللفظ .

١٩٤

و في ( السيرة ) : عن أبي عياش قال : قال لي النبيّ صلى اللّه عليه و آله في غزوة ذي قرد :

« لو أعطيت هذا الفرس رجلا هو أفرس منك ، فقلت : أنا أفرس الناس . فو اللّه ما جرى بي خمسين ذراعا حتّى طرحني ، فعجبت أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله يقول : لو أعطيته أفرس منك ، و أنا أقول : أنا أفرس الناس ١ .

و فيه أيضا : و أقبل النبيّ صلى اللّه عليه و آله في المسلمين ، فإذا مسجّى ببردة أبي قتادة ، فاسترجع الناس و قالوا : قتل أبو قتادة . فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : ليس بأبي قتادة ، و لكنّه قتيل لأبي قتادة ، وضع عليه برده لتعرفوا أنّه برده ٢ .

و فيه أيضا بعد ذكر إغارة عيينية على لقاح النبيّ صلى اللّه عليه و آله و فيها رجل من غفار ، فقتلوا الرجل ، و احتملوا المرأة في اللقاح قال : و أقبلت امرأة الغفاري على ناقة من إبل النبيّ صلى اللّه عليه و آله و قالت : نذرت للّه أن أنحرها إن نجّاني اللّه عليها .

فتبسّم النبيّ صلى اللّه عليه و آله ثمّ قال : بئس ماجزيتها أن حملك اللّه عليها و نجّاك بها ثمّ تنحرينها ، إنّه لا نذر في معصية اللّه ، و لا في ما لا تملكين ، إنّما هي ناقة من إبلي ،

فارجعي إلى أهلك على بركة اللّه ٣ .

« و حكمه العدل » أعطى النبيّ صلى اللّه عليه و آله ليهود خيبر أرضها و نخلها بالمناصفة ، فلمّا أدركت الثمرة بعث عبد اللّه بن رواحة ، فقوّم عليهم و خرص ،

فقال لهم : إمّا أن تأخذوه و تعطوني نصف التمر ، و إمّا أخذه و أعطيكم نصف التمر . فقالوا : بهذا قامت السماوات و الأرض ٤ .

و روى ( الكافي ) أنّ رجلا من الأنصارى و رجلا من ثقيف أتيا النبيّ صلى اللّه عليه و آله ،

فقال الثقفي : يا رسول اللّه حاجتي . فقال صلى اللّه عليه و آله : سبقك أخوك الأنصاري . فقال : يا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) سيرة ابن هشام ٣ : ١٧٦ و النقل بتصرف في اللفظ .

( ٢ ) سيرة ابن هشام ٣ : ١٧٦ و النقل بتصرف في اللفظ .

( ٣ ) السيرة النبوية لابن هشام ٣ : ١٧٨ و النقل بتصرف .

( ٤ ) أخرجه أحمد بطريقين في مسنده ٢ : ٢٤ ، و ٣ : ٣٦٧ و غيره .

١٩٥

رسول اللّه إنّي على ظهر سفر ، و إنّي عجلان . و قال الأنصاري : إنّي قد أذنت له . . . ١ .

و في خبر من صار رئيس الخوارج أنّه قال للنبيّ صلى اللّه عليه و آله في غنائم خيبر :

ما عدلت فغضب النبيّ صلى اللّه عليه و آله و قال له : و يلك إذا لم يكن العدل عندي ، فعند من يكون ؟ فأراد المسلمون قتله ، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : دعوه فإنّه سيكون له أتباع يمرقون من الدّين . . . ٢ .

و عن أبي جعفر عليه السّلام : أنّ سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الأنصار ، و كان منزل الأنصاري بباب البستان ، و كان يمرّ به إلى نخلته و لا يستأذن ، فشكاه الأنصاري إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، فأرسل إليه و قال له : إذا أردت الدخول فاستأذن . فأبى ، فساومه حتّى بلغ به من الثمن ما شاء اللّه ، فأبى أن يبيع ، فقال : لك بها عذق في الجنّة . فأبى ، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله للأنصاري : اذهب فاقلعها و ارم بها إليه ، فإنّه لا ضرر و لا ضرار ٣ .

و روى ( سنن أبي داود ) أنّ جمعا من الصحابة كانوا مع النبيّ صلى اللّه عليه و آله فنام رجل منهم ، فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه ، ففزع ، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : لا يحلّ لمسلم أن يروّع مسلما ٤ .

« على حين فترة » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( أرسله على حين

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي الكليني ٤ : ٢٦١ ح ٣٧ ، و الشهيد في الأربعين : ١٠ ح ١٥ ، و أخرجه برواية أخرى الكافي للكليني ٣ : ٧١ ح ٧ ، و الفقيه للصدوق ٢ : ١٣٠ ح ١ .

( ٢ ) أخرجه مسلم بثلاث روايات في صحيحه ٢ : ٧٤٠ ح ١٤٢ ، و : ٧٤٤ ح ١٤٨ ، و في لفظ الحديث اضطراب ، جمع ابن الأثير في جامع الأصول ١٠ : ٤٣٦ ح ٧٥٣١ طرق أصحاب الصحاح و اختلاف ألفاظهم ، و اسم الرجل ذو الخويصرة .

( ٣ ) هذا تلخيص حديث أخرجه الكليني بطريقين في الكافي ٥ : ٢٩٢ ، ٢٩٤ ح ٢ ، ٨ ، و الفقيه للصدوق ٣ : ١٤٧ ح ١٨ ،

و التهذيب للطوسي ٨ : ١٤٦ ح ٣٦ ، و بفرق الفقيه للصدوق ٣ : ٥٩ ح ٩ ، و أما فقرة « لا ضرر و لا ضرار » فمشهورة كثيرة الرواية .

( ٤ ) سنن أبي داود ٤ : ٣٠١ ح ٥٠٠٤ .

١٩٦

فترة ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ١ .

« من الرسل » و انقطاع لهم .

« و هفوة » أي : زلّة .

« عن العمل » فلم يكن منهم عمل رأسا أو عمل صالح .

« و غباوة عن الأمم » في رشدهم و صلاحهم ، كما قال شاعر :

كما بعث اللّه النبيّ محمّدا

على فترة و الناس مثل البهائم

٦

الخطبة ( ٩٣ ) و من خطبة له عليه السّلام :

بَعَثَهُ وَ اَلنَّاسُ ضُلاَّلٌ فِي حَيْرَةٍ وَ خَابِطُونَ فِي فِتْنَةٍ قَدِ اِسْتَهْوَتْهُمُ اَلْأَهْوَاءُ وَ اِسْتَزَلَّتْهُمُ اَلْكِبْرِيَاءُ وَ اِسْتَخَفَّتْهُمُ اَلْجَاهِلِيَّةُ اَلْجَهْلاَءُ حَيَارَى فِي زَلْزَالٍ مِنَ اَلْأَمْرِ وَ بَلاَءٍ مِنَ اَلْجَهْلِ فَبَالَغَ ص فِي اَلنَّصِيحَةِ وَ مَضَى عَلَى اَلطَّرِيقِ وَ دَعَا إِلَى اَلْحِكْمَةِ وَ اَلْمَوْعِظَةِ اَلْحَسَنَةِ ١٦ : ١٢٥ « بعثه و الناس ضلاّل في حيرة » كان الناس وقت بعثته صلى اللّه عليه و آله بين طبيعي ،

و ثنوي ، و وثني ، و براهمة ، و يهودي ، و نصراني ، و مجوسي ، و صابي ،

و نظائرهم .

« خابطون » قال الجوهري : خبط البعير الأرض بيده خبطا : ضربها ، و منه قيل : خبط عشواء ، و هي الناقة الّتي في بصرها ضعف ، تخبط إذا مشت لا تتوقى شيئا ٢ .

و قال ابن أبي الحديد : « حاطبون في فتنة » جمع حاطب ، و هو الّذي يجمع

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٨٠ ، لكن في شرح ابن ميثم ٢ : ٣٩٥ مثل المصرية .

( ٢ ) صحاح اللغة للجوهري ٣ : ١١٢١ مادة ( خبط ) .

١٩٧

الحطب ، و يقال لمن يجمع بين الصواب و الخطأ أو يتكلم بالغثّ و السمين :

حاطب ليل ، لأنّه لا يبصر ما يجمع في حبله ، و يروي : « خابطون » ١ .

قلت : الصحيح : ( و خابطون ) ، و إنّما يصحّ الأوّل لو كان بلفظ و حاطبو ليل . فإنى حاطب ليل : يستعمل في ما ذكر لا الحاطب مجرّدا . فانّه لا يحمل إلاّ على معناه الظاهري من جمع الحطب .

« في فتنة » أي : ما يوجب امتحان الخلق . و الأصل فيها فتن الصائغ الذهب بإدخاله النار لينظر ما جودته .

« قد استهوتهم » أي : استهامتهم .

« الأهواء » كما قال تعالى : . . . أرأيت من اتّخذ إلهه هواه . . . ٢ .

« و استزلّتهم » عن الثبات .

« الكبرياء » أي : التكبّر ، كما حصلت لا بليس .

« و استخفّتهم » أي : عدّتهم خفيفين .

« الجاهلية الجهلاء » أي : الغاية في الجهالة .

« حيارى » أي : متحيرين .

« في زلزال من الأمر » فلا يغدرون رشدهم و صلاحهم .

« و بلاء من الجهل » و الجهل بلاء فوق كلّ بليّة ، فكانوا يقتلون أولادهم خشية إملاق و فقر ، و لا يعلمون أنّ اللّه يرزقهم كما خلقهم ، و يئدون بناتهم لئلاّ يصلن إلى غير عشيرتهم مع كونه أشنع عمل ، و ينسؤون الشهور الحرم ،

و يخترعون البدع من السائبة ، و الوصيلة ، و الحام ، و البحيرة ، و غيرها بالنسبة إلى أحشامهم و أغنامهم .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٨٢ .

( ٢ ) الفرقان : ٤٣ .

١٩٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

« فبالغ صلى اللّه عليه و آله في النصيحة » قال السروي : روي أنّه لمّا نزل قوله تعالى :

و أنذر عشيرتك الأقربين ١ صعد النبيّ صلى اللّه عليه و آله ذات يوم الصفا ، فقال : يا صباحاه . فاجتمعت إليه قريش . فقالوا : مالك ؟ قال : أرأيتكم أن أخبرتكم أنّ العدوّ مصبحكم أو ممسيكم ما كنتم تصدّقونني ؟ قالوا : بلى . قال : فإنّي نذير لكم من يدي عذاب شديد . فقال أبو لهب : تبّا لك ، ألهذا دعوتنا ؟ فنزلت سورة ( تبّت ) .

ثمّ روى عن قتادة أنّه صلى اللّه عليه و آله خطب ، ثمّ قال : أيّها الناس إنّ الرائد لا يكذب أهله ، و لو كنت كاذبا لما كذبتكم ، و اللّه الّذي لا إله إلاّ هو إنّي رسول اللّه إليكم حقّا خاصّة و إلى الناس عامّة ، و اللّه لتموتون كما تنامون ، و لتبعثون كما تستيقظون ، و لتحاسبون كما تعملون ، و لتجزون بالإحسان إحسانا ،

و بالسوء سواءا ، و إنّها الجنّة أبدا ، و النار أبدا ، و أنّكم أوّل من أنذرتم . . . ٢ .

« و مضى على الطريق » : طريق الحقّ قل هذه سبيلي أدعو إلى اللّه على بصيرة أنا و من اتّبعني ٣ .

« و دعا إلى اللّه بالحكمة و الموعظة الحسنة » كما أمره ربّه بقوله : ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة و الموعظه الحسنة و جادلهم بالّتي هي أحسن . . . ٤ .

و كان صلى اللّه عليه و آله يحاجّ كلّ فرقة بلسانهم ، و يلزمهم بما يتمّ الحجّة عليهم . قال شاعر :

اللّه قد أيّد بالوحى

محمّدا ذا الأمر و النهي

يأمر بالعدل و ينهي عن

الفحشاء و المنكر و البغي

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الشعراء : ٢١٤ .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب ١ : ٤٦ ، و يأتي تخريجه مفصلا في العنوان ١٥ من هذا الفصل .

( ٣ ) يوسف : ١٠٨ .

( ٤ ) النحل : ١٢٥ .

١٩٩

٧

من الخطبة ( ٩٤ ) منها في ذكر الرسول :

مُسْتَقَرُّهُ خَيْرُ مُسْتَقَرٍّ وَ مَنْبِتُهُ أَشْرَفُ مَنْبِتٍ فِي مَعَادِنِ اَلْكَرَامَةِ وَ مَمَاهِدِ اَلسَّلاَمَةِ قَدْ صُرِفَتْ نَحْوَهُ أَفْئِدَةُ اَلْأَبْرَارِ وَ ثُنِيَتْ إِلَيْهِ أَزِمَّةُ اَلْأَبْصَارِ .

دَفَنَ بِهِ اَلضَّغَائِنَ وَ أَطْفَأَ بِهِ اَلثَّوَائِرَ أَلَّفَ بِهِ إِخْوَاناً وَ فَرَّقَ بِهِ أَقْرَاناً أَعَزَّ بِهِ اَلذِّلَّةَ وَ أَذَلَّ بِهِ اَلْعِزَّةَ كَلاَمُهُ بَيَانٌ وَ صَمْتُهُ لِسَانٌ « مستقرّه خير مستقرّ » الظاهر أنّ مراده عليه السّلام بمستقرّه المدينة ، و قد سمّاها النبيّ صلى اللّه عليه و آله الطيّبة ، و وصفها بأنّها تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد ١ . كما في الخبر .

« و منبته أشرف منبت » و الظاهر أنّ مراده عليه السّلام بمنبته صلى اللّه عليه و آله مكّة ، و قد قال تعالى : إنّ أوّل بيت وضع للناس للّذي ببكّة مباركا و هدى للعالمين . فيه آيات بيّنات مقام إبراهيم و من دخله كان آمنا . . . ٢ .

و في خطبة له عليه السّلام على رواية ( إثبات المسعودي ) في محالّ نوره صلى اللّه عليه و آله :

« و أيّ ساحة من الأرض سلكت به لم يظهر بها قدسه ، حتّى الكعبة التي جعلت منها مخرجه ، غرست أساسها بياقوتة من جنّات عدن ، و أمرت الملكين المطهّرين : جبرئيل و ميكائيل ، فتوسّطا بها أرضك ، و سميّتها بيتك ، و اتّخذتها

ـــــــــــــــــ

( ١ ) صحيح مسلم ٢ : ١٠٠٦ ح ٤٩٠ عن زيد بن ثابت عن النبي صلى اللّه عليه و آله قال : « . . أنّها طيبة ، و انها تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضّة » . لكن صدر الحديث و ذيله روي مستقلا أيضا : أخرج الصدر الطبراني في معجمه الكبير ، و عنه الجامع الصغير ١ : ٦٨ من حديث جابر بن سمرة ، و أخرج الذيل بلفظ : « كما ينفي الكير خبث الحديد » . أخرجه أصحاب الصحاح ، و جمع طرقهم و ألفاظهم ابن الأثير في جامع الأصول ١٠ : ١٩٩ ٢٠١ ح ٦٩١٧ ، ٦٩٢٠ ، ٦٩٢١ ، ٦٩٢٢ .

( ٢ ) آل عمران : ٩٦ ٩٧ .

٢٠٠