• البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 99395 / تحميل: 4093
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 2

مؤلف:
العربية

كان ساسان أهدى غزالين من ذهب و جوهرا و سيوفا و ذهبا كثيرا ، فقذفه في زمزم ، و ذهب قوم أنّ ذلك كان لجرهم حين كانت بمكّة ١ .

هذا آخر كلام المسعودي ، و قد عرفت ممّا مرّ كثرة الأقوال في نسب الفرس ، هل هم من ولد ناسور بن سام أو ارفخشد بن سام أو أسود بن سام أو من ولد لوط أو من ولد عيلام أو إيران بن أفريدون أو منوجهر بن أفريدون و الكلّ غير إسحاق ، و إنّما قول ضعيف إنّ الفرس الاولى انقرضت ، و الأكاسرة من ولد مسحر بن ويرك ( إسحاق ) مع أنّهم كانوا منكرين لذلك ، فمرّ قول المسعودي .

و الفرس لا تنقاد إلى القول : بأنّ الملك يكون فيها لأحد غير ولد أفريدون في عصر من الأعصار في ما سلف و خلف ، إلى أن زال عنهم الملك ، إلاّ أن يكون دخل عليهم داخل على طريق التعصّب بغير حقّ .

و أمّا ذهاب بعض شعراء عدنان إليه كاسحاق العدوي ، و جرير التميمي ، و بشار الأعمى ، فانّما كان لأنّ قحطان كانوا يفخرون عليهم بالملك ،

و لم يكن في عدنان ملوك ، فأرادوا النقض عليهم فادّعوا أنّ الأكاسرة من ولد عمّنا إسحاق ، و ملك الأكاسرة كان فوق ملك اليمن ، كما عرفت من أشعار الثلاثة ، كما أنّ ذهاب بعض شعراء العجم إليه أيضا كان لإرادة التفاخر بأنّه كما كان لنا الملك كان لنا النبوّة لكون إسحاق أبانا .

و قد عرفت أنّ الطبري ، و ابن قتيبة ، و الدينوري ، و هشام الكلبي ، و أباه محمّد بن السائب جعلوا الأكاسرة من غير إسحاق ، و عرفت أنّ ابن المعتزّ أيضا أنكر كونهم منه . و لو كانوا من ولد إسحاق لكان فيهم أشياء من سنن إبراهيم عليه السّلام كما كانت في أولاد ، إسماعيل ، مع كونهم عابدي الأصنام ، بل

ـــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ١ : ٢٦٠ و النقل بتلخيص .

٢٨١

كانوا بالضدّ من سنن إبراهيم ، كيف و كانوا يحلّون نكاح الأمّهات و البنات و الأخوات ؟ و أمّا قولهم : إنّ الفرس كانت تهدي إلي الكعبة ، و إنّهم كانوا يحجّون البيت ، و إنّهم أهدوا الغزالين و سيوفا ، و إنّ زمزم سمّيت زمزم لزمزمتهم عليها ، فمجرّد دعوى ، كقولهم بأنّهم من ولد إسحاق ، ففي : ( الأخبار و السير ) :

أنّ المهدي للغزالين و السيوف جرهم ، و قد نقله المسعودي أيضا ١ .

و وجه تسمية البئر بزمزم في أخبارنا شي‏ء آخر ٢ .

و أمّا كون القياصرة من ولد عيص بن إسحاق ، فالظاهر أنّ الأصل فيه التوراة الّتي بيد اليهود ٣ ، و تحريفها واضح .

و كيف كان فلا يقال للأكاسرة و القياصرة : بنو إسحاق . و إنّ فرض كونهم من ولد إسحاق ، حيث إنّهم مشتهرون بلقبيهم أكاسرة و قياصرة و إنّما يقال لغيرهم ممّن لم يكن لهم عنوان خاص ، و قد يجعل الخاص في قبال العام مع كونه صنفا منه ، فتقول : قريش و بنو هاشم . فالمراد بقريش غير بني هاشم ، و إن كانوا بنو هاشم من قريش ، و قد قال عليه السّلام هنا : « و بني إسحاق و بني إسرائيل » مع أنّ إسرائيل هو يعقوب ابن إسحاق ، فلا بدّ أن يراد ببني إسحاق غير بني إسرائيل .

و بالجملة ما قاله ابن أبي الحديد في غاية السقوط ، و الكلام على ظاهره

ـــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ١ : ٢٦٦ .

( ٢ ) أخرج القمي في تفسيره ١ : ٦١ ضمن حديث عن الصادق عليه السّلام « فإنه كان سائلا فزمّته بما جعلته حوله ، فلذلك سمّيت زمزم » . و قال الطريحي في مجمع البحرين ٦ : ٨١ مادة ( زمّ ) : « سميت به لكثرة مائها ، و قيل لزمّ هاجر ماءها حين انفجرت ، و قيل لزمزمة جبرئيل و كلامه » .

( ٣ ) جاء في التوراة ، في سفر التكوين الاصحاح ٣٦ ذكر مواليد عيسو بن اسحاق ، و ليس فيها ذكر للقياصرة ، و لا في سائر المواضع من العهدين .

٢٨٢

و تأويله عليل ، و سيأتي التصريح من الطبري و المسعودي بقتل الأكاسرة و القياصرة لبني إسرائيل ١ .

« فما أشدّ اعتدال الأحوال » في الأمثال : الناس كأسنان المشط ٢ .

« و أقرب اشتباه » أي : تشابه .

« الأمثال » قالوا في المثل : سواسية كأسنان الحمار ٣ .

« تأمّلوا أمرهم في حال تشتّتهم و تفرّقهم » من كونهم في غاية الذلّ و الهوان .

و من القواعد الفطرية و الأمور الطبيعيّة كون التشتّت و التفرّق موجبا للذلّة بل الفناء .

و في ( الأغاني ) : نزلت عدوان على ماء ، فأحصوا فيهم سبعين ألف غلام أغرل سوى من كان مختونا لكثرة عددهم ، ثمّ وقع بأسهم بينهم فتفانوا ، فقال ذو الإصبع :

عذير الحي من عدوا

ن كانوا حيّة الأرض

بغى بعضهم بعضا

فلم يبقوا على بعض

فقد صاروا أحاديث

برفع القول و الخفض

و منهم كانت السادا

ت و الموفون بالقرض

و منهم حكم يقضي

فلا ينقض ما يقضي

و روى أنّ سبب تفانيهم أنّ بني ناجي منهم أغاروا على بني عوف منهم . فقال ذو الإصبع :

فإن تك عدوان بن عمرو تفرّقت

فقد غيّبت دهرا ملوكا هنالكا

٤

ـــــــــــــــــ

( ١ ) يأتي في هذا العنوان في شرح فقرة : « لا يأوون إلى جناح » .

( ٢ ) مجمع الأمثال للميداني ٢ : ٣٤٠ ، و المستقصى للزمخشري ١ : ٣٥٢ .

( ٣ ) مجمع الأمثال للميداني ١ : ٣٢٩ ، و المستقصى للزمخشري ٢ : ١٢٣ .

( ٤ ) الأغاني لأبي الفرج الإصفهاني ٢ : ٨٩ ، ١٠٤ ، و النقل بتلخيص .

٢٨٣

و في ( الأغاني ) أيضا : أنّ كليب بن ربيعة التغلبي كان قد عزّ و ساد في ربيعة ، فبغى بغيا شديدا ، و كان هو الّذي ينزلهم منازلهم و يرحّلهم ، و لا ينزلون و لا يرحلون إلاّ بأمره ، و بلغ من عزّه أنّه اتّخذ جرو كلب ، فكان إذا نزل منزل كلأ قذف ذلك الجرو فيه فيعوي ، فلا يرعى أحد ذلك الكلأ إلاّ بإذنه ، و كان يفعل هذا بحياض الماء ، فلا يردها أحد إلاّ بإذنه ، فضرب به المثل في العزّ ،

فقيل : أعزّ من كليب وائل . و كان يحمي الصيد ، فيقول : صيد ناحية كذا و كذا في جواري ، فلا يصيد منه أحد شيئا . و كان لا يمرّ بين يديه أحد إذا جلس ، و لا يحتبي أحد في مجلسه غيره ، فقتله جسّاس بن مرّة البكري ، فبينا امرأة كليب أخت جسّاس تغسل رأس كليب ، و تسرّحه ذات يوم ، إذ قال : من أعزّ وائل ؟

فصمتت ، فأعاد عليها ، فلمّا أكثر عليها ، قالت : أخواي جسّاس و همّام . فنزع رأسه من يدها و أخذ القوس ، فرمى فصيل ناقة البسوس خالة جسّاس و جارة بني مرّة ، فأغمضوا على ما فيه ، و سكتوا على ذلك ، ثمّ لقي كليب ابن البسوس فقال : ما فعل فصيل ناقتكم ؟ قال : قتلته و أخليت لنا لبن أمّه . فأغمضوا على هذه أيضا .

ثمّ إنّ كليبا أعاد على امرأته : من أعزّ وائل ؟ فقالت : أخواي . فأضمرها و أسرّها في نفسه ، و سكت حتّى مرّت به إبل جسّاس ، فرأى ناقة بسوس فأنكرها ، فقال : ما هذه ؟ فقالوا : لخالة جسّاس ، فقال : أو قد بلغ من أمر ابن السعدية أن يجير عليّ بغير إذني ؟ إرم ضرعها يا غلام . فرمى ضرع الناقة ،

فاختلط دمها بلبنها ، و راحت الرعاة على جسّاس ، فأخبروه بالأمر . فقال :

احلبوا لها مكيالي لبن بمحلبها ، و لا تذكروا لها شيئا . فسكت جسّاس حتّى ظعن ابنا وائل . فمرّت بكر بن وائل على نهر يقال له : شبيث . فنفاهم كليب عنه ،

و قال : لا يذوقون منه قطرة . ثمّ مرّوا على بطن الجريب ، فمنعهم إيّاه ، فمضوا

٢٨٤

حتّى نزلوا ( الذنائب ) ثمّ مرّ عليه جسّاس ، و هو واقف على غدير الذنائب ، فقال :

طردت إبلنا عن المياه حتّى كدت تقتلهم عطشا . فقال : ما منعناهم من ماء إلاّ و نحن له شاغلون . فمضى جسّاس ، و معه ابن عمّه المزدلف ، و قال بعضهم :

بل ناداه جسّاس ، فقال : هذا كفعلك بناقة خالتي . فقال : أو قد ذكرتها ، أما إنّي لو وجدتها في غير إبل ( مرّة ) لا ستحللت تلك الإبل بها . فعطف عليه جسّاس فطعنه برمح ، فأنفذ حضنيه ، فلمّا تداجمه الموت ، قال : يا جسّاس اسقني الماء .

قال : ما عقلت استسقاءك الماء منذ ولدتك أمّك إلاّ ساعتك هذه إلى أن قال قال جسّاس لأخيه نضلة و يقال له : عضد الحمارة :

و إنّي قد جنيت عليك حربا

تغصّ الشيخ بالماء القراح

مذكّرة متى ما يصح عنها

فتى نشبت بآخر غير صاح

تنكّل عن ذئاب الغيّ قوما

و تدعو آخرين إلى الصلاح

فأجابه نضلة :

فإن تك قد جنيت عليّ حربا

فلا و ان و لا رثّ السلاح

فلمّا قتل كليب ، قالت بنو تغلب بعضهم لبعض : لا تعجلوا على إخوتكم حتّى تعذروا بينكم و بينهم . فانطلق رهط من أشرافهم ، و ذوي أسنانهم حتّى أتوا مرّة بن ذه فعظّموا ما بينهم و بينه ، و قالوا له : اختر منّا ، إمّا أن تدفع إلينا جسّاسا فنقتله بصاحبنا ، فلم يظلم من قتل قاتله ، و إمّا أن تدفع إلينا همّاما ، و إمّا أن تقيدنا من نفسك . فسكت ، و قد حضرته وجوه بكر بن وائل ، فقالوا : تكلّم غير مخذول . فقال : أمّا جسّاس فغلام حديث السنّ ، ركب رأسه فهرب حين خاف ، فلا علم لي به ، و أمّا همّام فأخر عشرة و أبو عشرة ، و لو دفعته إليكم لصيّح بنوه في وجهي ، و قالوا : دفعت أبانا بجريرة غيره ، و أمّا أنا فلا أتعجّل الموت ، و هل تزيد الخيل على أن تجول جولة ، فأكون أوّل قتيل ، و لكن هل لكم

٢٨٥

في غير ذلك ؟ هؤلاء بنيّ ، فدونكم أحدهم فاقتلوه به ، و إن شئتم فلكم ألف ناقة تضمنها لكم بكر بن وائل . فغضبوا و قالوا : إنّا لم نأتك لتؤدي إلينا بنيك ، و لا لتسومنا اللبن . فتفرّقوا و وقعت الحرب . قالوا : كانت حربهم أربعين سنة ،

فيهن خمس وقعات مزاحمات ١ .

و في ( عيون ابن قتيبة ) عن وهب : أنّ اللّه تعالى قال لشعيا : قم في قومك أوح على لسانك . فلما قام شيعا أنطلق اللّه لسانه بالوحي ، فقال : يا سماء استمعي ، يا أرض انصتي . فأنصتت الأرض ، و استمعت السّماء . فقال : إنّ اللّه تعالى يقول لكم : إنّي استقبلت بني إسرائيل بالكرامة ، و هم كالغنم الضائعة لا راعي لها ، فأويت شاذّتها و جمعت ضالّتها ، و جبرت كسيرها و داويت مريضها ، و أسمنت مهزولها ، فبطرت فتناطحت ، فقتل بعضها بعضا ، حتّى لم يبق منها عظم صحيح يجبر إليه آخر كسير . إنّ الحمار ممّا يتذكّر آريّه الّذي شبع عليه فيراجعه ، و إنّ الثور ممّا يتذكّر مرجه الّذي سمن فيه فينتابه ، و إنّ البعير ممّا يتذكّر وطنه ألّذي نتج فيه فينزع إليه ، و إنّ هؤلاء القوم لا يذكرون أنّي جاءهم الخير ، و هم أهل الألباب و أهل العقول ، ليسوا بإبل و لا بقر و لا حمير ، و إنّي ضارب لهم مثلا فاسمعوه ، قل لهم : كيف ترون في أرض كانت زمانا من أزمانها خربة مواتا لا حرث فيها ، و كان لها ربّ قوي حليم ، فأقبل عليها بالعمارة ، و كره أن تخرب أرضه و هو قويّ ، و أن يقال له : ضيّع و هو عليم ، فأحاط عليها سياجا ، و شيّد فيها قصرا ، و أنبط فيها نهرا ، و صنف فيها غراسا من الزيتون و الرمّان ، و النخيل و الأعناب ، و ألوان الثمار ، و ولى ذلك ذا رأي و همّة ، حفيظا قويّا أمينا ، فلمّا أن جاء إبّان إثمارها أثمرت خرّوبا ، ما كنتم قائلين له و مشيرين عليه ؟ قالوا : كنّا نقول : بئست الأرض أرضك . و نشير عليه

ـــــــــــــــــ

( ١ ) لم أجده في الأغاني .

٢٨٦

أن يقلع سياجها ، و يهدم قصرها ، و يدفن نهرها ، و يحرق غرسها حتّى تعود خربة مواتا لا عمران فيها . قال اللّه تعالى : قل لهم : إنّ السياج ذمّتي ، و إنّ القصر شريعتي ، و إنّ النهر كتابي ، و إنّ القيّم نبيّي ، و إنّ الغرس مثل لهم ، و الخرّوب أعمالهم الخبيثة ، و إنّي قد قضيت عليهم قضاءهم على أنفسهم ، يتقرّبون إليّ بذبح الغنم و البقر ، و ليس ينالني اللحم و لا آكله ، و يدعون أن يتقرّبوا إليّ بالتقوى ، و الكفّ عن ذبح الأنفس التي حرّمتها . . . ١ .

« ليالي كانت الأكاسرة » جمع كسرى : لقب ملوك الفرس .

« و القياصرة » لقب ملوك الروم ، قالوا : و أوّل من لقّب به منهم أغسطس ،

لأنّ أمّه ماتت و هي حامل به فشقّ بطنها . و معنى قيصر : شقّ عنه . فكان يفتخر بأنّ النساء لم يلدنه ٢ .

« أربابا لهم » أي : مالكين لأمورهم .

« يحتازونهم » أي : يفصلونهم .

« عن ريف الآفاق » أي : خصبها .

« و بحر العراق » هكذا في النسخ ٣ ، و الظاهر أنّ الأصل : و بحري العراق ،

و المراد دجلة و الفرات ، فإنّهما لكثرة خيرهما ، و ما يحصل منهما سمّيا الرافدين ، قال الفرزدق ليزيد بن عبد الملك لمّا ولّى عمر بن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ٢٦٣ .

( ٢ ) هذا قول المسعودي في مروج الذهب ١ : ٣٤٢ . و التحقيق ان لفظ ( قيصر ) معرب الكلمة اللاتينية ( ) و هو صيغة الحال المجهول الانشائي ، أو المستقبل المجهول الخبري من مصدر ( ) بمعنى ( الشق ) ، و أوّل من سمّي به ( غايوس جوليونس سزار ) و هو الذي شقّ بطن أمّه عند تولده ، و أمّا ( أغسطس ) فهو أول من اتّخذ هذا اللفظ لقبا لنفسه ، كما صرّح به دائرة المعارف العالمية [ ( . ) ٣ : ٤٧٢ ] و بروكسهاس [ ( ) ٢ : ٨٦ ] ، و غيرهما ، و جاء ذكر اغسطس ملقبا بقيصر في إنجيل لوقا الاصحاح الثاني ، الآية الأولى .

( ٣ ) كذا في نهج البلاغة ٢ : ١٥٣ ، و شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٤١ ، و شرح ابن ميثم ٤ : ٢٨٩ .

٢٨٧

هبيرة الفزاري العراق :

أولّيت العراق و رافديه

فزاريّا أحذّ يد القميص

و كان يقال للعراق : السواد لكثرة شجرها .

« و خضرة الدّنيا » الظاهر أن المراد بها الشام ، كان يقال للشام : بدل الجنّة .

قال النعمان بن جبلة التنوخي و هو من صاحب رايات معاوية لمعاوية : و سنقاتل عن تين الغوطة و زيتونها ، إذ حرمنا أثمار الجنّة و أنهارها ١ .

و مراده من حرمانهم من ثمار الجنّة لقتالهم لأمير المؤمنين عليه السّلام في مساعدة معاوية .

« إلى منابت الشّيح » من النباتات القليلة الفائدة ، أي : إلى مواضع لم يحصل منها نباتات جيّدة .

« و مهافي » أي : مذاهب .

« الريح » أي : مواضع يكثر هبوب الرياح فيها .

« و نكد المعاش » أي : مواضع يعسر العيش فيها .

« فتركوهم عالة » أي : ذوي فاقة .

« مساكين » لا حيلة لهم .

« إخوان دبر » بفتحتين : قرحة الدابّة ، يقال : و هان على الأملس ما لاقى الدبر بالفتح فالكسر . يضرب في عدم اهتمام الرجل بصاحبه ، و المراد كونهم أرباب إبل مقروحة السنام .

« و وبر » و المراد كونهم أرباب بيوت من وبر الآبال ، دون بيوت مبنيّة .

« أذلّ الأمم دارا » و مسكنا .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٣٨٥ .

٢٨٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

« و أجدبهم » أي : أقحطهم .

« قرارا » و موضعا .

« لا يأوون إلى جناح دعوة يعتصمون بها ، و لا إلى ظلّ ألفه يعتمدون على عزّها » فكانوا أذلاّء ، قال البحتري :

و في حرب العشيرة مؤبدات

تضعضع تالد العزّ المهيب

و في ( الطبري ) : لمّا استولى أردشير على الملك بالعراق ، كره كثير من تنوخ أن يقيموا في مملكته ، و أن يدينوا له ، فخرج من كان منهم من قبائل قضاعة الّذين كانوا أقبلوا مع مالك و عمرو ، إبني فهم و مالك بن زهير و غيرهم ، فلحقوا بالشام إلى من هنالك من قضاعة ، و كان ناس من العرب يحدثون في قومهم الأحداث أو تضيق بهم المعيشة ، فيخرجون إلى ريف العراق ، و ينزلون الحيرة على ثلاث أثلاث : ثلث تنوخ : و هو من كان يسكن المظالّ ، و بيوت الشعر و الوبر في غربي الفرات ، في ما بين الحيرة و الأنبار و ما فوقها ، و الثلث الثاني العباد : و هم الّذين كانوا سكنوا الحيرة و ابتنوا بها ،

و الثلث الثالث الأحلاف : و هم الّذين لحقوا بأهل الحيرة ، و نزلوا فيهم ممّن لم يكن من تنوخ الوبر ، و لا من العباد الّذين دانوا لأردشير ، و كانت الحيرة و الأنبار بنيتا جميعا في زمن بختنصّر . . . ١ .

و قال في شرح حال سابور ذي الأكتاف : إنّه كان حملا في زمن أبيه ،

فأوصى بالملك للحمل ، فولد مملّكا ، و تقلّد الوزراء و الكتّاب الأعمال الّتي كانوا يعملونها في ملك أبيه ، و لم يزالوا على ذلك حتّى فشا خبرهم ، و شاع في أطراف مملكة الفرس أنّه كان لا ملك لهم ، و أنّ أهلها إنّما يتلوّمون صبيّا في المهد ، لا يدرون ما هو كائن من أمره ، فطمعت في مملكتهم الترك و الروم ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ١ : ٤٨٠ .

٢٨٩

و كانت بلاد العرب أدنى البلاد إلى فارس ، و كانوا من أحوج الأمم إلى تناول شي‏ء من معايشهم ، و بلادهم لسوء حالهم ، و شظف عيشهم ، فسار جمع عظيم منهم في البحر من ناحية بلاد عبد القيس و البحرين و كاظمة ، حتّى أناخوا على إيرانشهر و سواحل أردشير خره و أسياف فارس ، و غلبوا أهلها على مواشيهم و حروثهم و معايشهم ، و أكثروا الفساد في تلك البلاد ، فمكثوا على ذلك من أمرهم حينا لا يغزوهم أحد من الفرس ، لعقدهم تاج الملك على طفل حتّى تحرّك سابور و ترعرع . . . ثمّ انتخب سابور ألف فارس من صناديد جنده ، و أبطالهم ، و تقدّم إليهم في المضيّ لأمره و نهيه ، و نهاهم عن الإبقاء على ما لقوا من العرب و العرجة على إصابة مال ، ثمّ سار بهم ، فأوقع بمن انتجع بلاد فارس من العرب و هم غارّون ، و قتل منهم أبرح القتل ، و أسر أعنف الأسر ،

و هرب بقيّتهم ، ثمّ قطع البحر في أصحابه ، و استقرى بلاد البحرين يقتل أهلها ،

و لا يقبل فداء ، و لا يعرج على غنيمة ، ثمّ مضى على وجهه ، فورد هجرو بها ناس من أعراب تميم ، و بكر بن وائل و عبد القيس ، فأفشى فيهم القتل ، و سفك فيهم من الدماء سفكا سالت كسيل المطر ، حتّى كان الهارب منهم يرى أنّه لن ينجيه منه غار في جبل ، و لا جزيرة في بحر ، ثمّ عطف إلى بلاد عبد القيس فأباد أهلها إلاّ من هرب منهم ، فلحق بالرمال ، ثمّ أتى اليمامة فقتل بها مثل تلك المقتلة ، و لم يمرّ بماه من مياه العرب إلاّ غوّره ، و لا جبّ من جبابهم إلاّ طمّه ، ثمّ أتى قرب المدينة ، فقتل من وجد هنالك من العرب و أسر ، ثمّ عطف نحو بلاد بكر و تغلب في ما بين مملكة فارس ، و مناظر الروم بأرض الشام ، فقتل من وجد بها من العرب و سبى و طمّ مياههم ، و أنّه أسكن من البحرين دارين ،

و اسمهما : هيج و الخط ، و من كان من عبد القيس و طوائف من تميم و هجر ،

و من كان من بكر بن وائل كومان ، و هم الّذين يدعون بكر أبان ، و من كان

٢٩٠

بينهم من بني حنظة بالرملية من بلاد الأهواز ١ .

و في ( الطبري ) أيضا : كان ملك الفرس متّصلا دائما من عهد جيومرث إلى أنّ زال عنهم بأمّة نبيّنا صلى اللّه عليه و آله ، و كانت النبوّة و الملك متّصلين بالشام و نواحيها لولد إسرائيل بن إسحاق ، إلى أن زال عنهم ذلك بالفرس و الروم بعد يحيى و عيسى ٢ .

و في ( المروج ) ثمّ ملك بعده أي : من ملوك الروم طيطش و اسباسيانوس مشتركين في الملك ثلاث عشرة سنة ، و ذلك بمدينة رومية ،

و لسنة خلت من ملك هذين الملكين سارا إلى الشام ، و كانت لهما مع بني إسرائيل حروب عظيمة ، و قتل فيها من بني إسرائيل ثلاثمائة ألف ، و خربا بيت المقدس ، و أحرقا الهيكل بالنار ، و حرثاه بالبقر ، و أزالا رسمه ، و محوا أثره ٣ .

« فالأحوال مضطربة ، و الأيدي مختلفة ، و الكثرة متفرّقة » في ( عقد ابن عبد ربه ) في حروب قيس في الجاهلية و أيّامهم : الأوّل : يوم منعج لغني على عبس ، و فيه قتل شاس بن زهير العبسي . الثاني : يوم النقراوات لبني عامر على بني عبس ، فيه قتل زهير بن جذيمة العبسي . الثالث : يوم بطن عاقل لذبيان على عامر ، فيه قتل خالد بن جعفر . الرابع : يوم رحرحان لعامر على تميم ، أسر فيه معبد بن زرارة ، و مات في أسره هزالا . الخامس : يوم شعب جبلة لعامر و عبس على ذبيان و تميم ، و هو أعظم أيّامهم ، فيه قتل لقيط بن زرارة ،

و معاوية بن الجون ، و منفذ بن طريف الأسدي ، و مالك بن ربعي ، و أسر حاجب بن زرارة ، و سنان بن أبي حارثة ، و عمرو بن أبي عمرو . و عدّ أيّامهم ستّا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ١ : ٤٩٠ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) تاريخ الطبري ١ : ٩٩ ، ٣٨٢ .

( ٣ ) مروج الذهب للمسعودي ١ : ٣٤٦ .

٢٩١

و ثمانين آخرها يوم ذي قار و قد بعث النبيّ صلى اللّه عليه و آله ١ .

و في ( الطبري ) : كان بختنصر في زمان لهراسب ، و كان اصبهبد ما بين الأهواز إلى أرض الروم من غربي دجلة ، فشخص حتّى أتى دمشق فصالحه أهلها ، و وجّه قائدا له فأتى بيت المقدس ، فصالح ملك بني إسرائيل ، و هو رجل من ولد داود ، و أخذ منه رهائن و انصرف ، فلمّا بلغ طبرية ، و ثبت بنو إسرائيل على ملكهم ، فقتلوه ، و قالوا : راهنت أهل بابل و خذلتنا ، و استعدّوا للقتال . فكتب قائد بختنصر إليه بما كان ، فكتب إليه يأمره أن يقيم بموضعه حتّى يوافيه ،

و أن يضرب أعناق الرهائن الّذين معه . فسار بختنصر حتّى أتى بيت المقدس ،

فأخذ المدينة عنوة ، فقتل المقاتلة ، و سبى الذرّية ٢ .

و في ( المروج ) في الثامن ممّن ملك من بني إسرائيل بعد سليمان عليه السّلام : ملك بعده أي بعد نوفا أجام فأظهر عبادة الأصنام ، و طغى و أظهر البغي ،

فصار إليه بعض ملوك بابل ، و كان يقال له فلعيعس ، و كان من عظماء ملوك بابل ، و كان للإسرائيلي معه حروب إلى أن أسره البابلي ، و خرّب مدن الأسباط و مساكنهم ، و كان في أيّامه تنازع بين اليهود في الديانة ، فشذّ منهم الأسامرة ، و أنكروا نبوّة داود عليه السّلام و من تلاه في الأنبياء ، و أبوا أن يكون بعد موسى نبيّ ٣ .

و فيه : تاسعهم : حزقيل . و سار سنجاريب ملك بابل إلى بيت المقدس ،

و قتل خلقا كثيرا من بني إسرائيل ، و سبى من الأسباط عددا كثيرا . و قال في عاشرهم ميشا : قتل شعيبا النبيّ عليه السّلام فبعث اللّه قسطنطين ملك الروم ، فسار

ـــــــــــــــــ

( ١ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ٦ : ٣ ، و النقل باختصار .

( ٢ ) تاريخ الطبري ١ : ٣٨٢ .

( ٣ ) مروج الذهب للمسعودي ١ : ٧٢ ، و النقل بتلخيص .

٢٩٢

إليه و أسره . و قال في حادي عشرهم : أمور اشتدّ بغيه ، فسار إليه فرعون الأعرج من مصر ، فأمعن في القتل ، و أسره . و قال في ثاني عشرهم : نوفين هو أبو دانيال عليه السّلام ، و في عصره سار بختنصر و هو مرزبان العراق و العرب من قبل ملك فارس ، فأمعن في القتل و الأسر ، و حملهم إلى أرض العراق ، و أخذ التوراة و طرحه في بئر ، و عمد إلى تابوت السكينة ، فأودعه بعض المواضع من الأرض . فيقال : كان عدّة من سبى من بني إسرائيل ثمانية عشر ألفا ١ .

و في ( تاريخ اليعقوبي ) في تعداد ملوك بني إسرائيل : ثمّ ملك يويتيم و هو أبو دانيال النبيّ عليه السّلام ، و في عصره سار بختنصر ملك بابل إلى بيت المقدس فقتل بني إسرائيل ، و سباهم و حملهم إلى أرض بابل ، ثمّ صار إلى أرض مصر ، فقتل فرعون الأعرج ملكهما ، و أخذ التوراة و ماكان من الهيكل من كتب الأنبياء ، فصيّرها في بئر و طرح عليها النار . . . فقال ارمياء النبيّ عليه السّلام : اللّهم علام سلّطت بختنصر على بني إسرائيل ؟ فأوحى اللّه إليه : إنّي انّما انتقم من عبادي إذا عصوني بشرار خلقي . و لم يزل بنو إسرائيل في الأسر حتّى تزوج امرأة منهم ، فسألت أن يردّ قومها إلى بلدهم . فلمّا رجع بنو إسرائيل إلى بلدهم ، ملّكوا عليهم زر بابل ، فبنى مدينة بيت المقدس و الهيكل ، و أقام على بنائه ستا و أربعين سنة ، و في زمانه مسخ اللّه بختنصر بهيمة أنثى ، فلميزل ينتقل في أجناس البهائم سبع سنين ،

ثمّ يقال : إنّه تاب إلى اللّه عزّ و جلّ فأحياه بشرا ثمّ مات ، و كان زر بابل الّذي أخرج التوراة و كتب الأنبياء من البئر التي دفنها بختنصر ، فوجدها بحالها لم تحترق ٢ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ١ : ٧٢ ، و النقل بتلخيص .

( ٢ ) تاريخ اليعقوبي ١ : ٦٥ ، و النقل بتلخيص .

٢٩٣

« في بلاء » من هنا خصّ عليه السّلام الكلام ببني إسماعيل ، و لعلّ في الكلام سقطا .

« أزل » أي : ضيق .

« و أطباق » قال ابن ميثم : في خط الرضي كسر الهمزة ١ .

« جهل » أي : جهل مطبق ، كحمّى مطبقة ، لا تفارق ليلا و نهارا .

« من بنات موءودة » أي : مدفونة حيّة ، قال الجوهري : كانت كندة تئد البنات . قال الفرزدق :

و منّا الّذي منع الوائدات

فأحيا الوئيد فلم يؤاد

٢ و قال ابن أبي الحديد : كان قوم من العرب يئدون البنات ، قيل : إنّهم بنو تميم خاصّة ، و أنّه استفاض منهم في جيرانهم . و قيل : بل كان ذلك في بني تميم و قيس و أسد و هذيل و بكر بن وائل . قالوا : و ذلك أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله دعا عليهم ،

فقال : « اللّهم اشدد وطأتك على مضر ، و اجعل عليهم سنين كسني يوسف » ٣ .

فأجدبوا سبع سنين حتّى أكلوا الوبر بالدم ، و كانوا يسمّونه العلهز ، و أدوا البنات لإملاقهم و فقرهم ، و قد دلّ على ذلك بقوله : و لا تقتلوا أولادكم خشية إملاق . . . ٤ ، قال : . . . و لا يقتلن أولادهنّ ٥ . و قال قوم : بل و أدوا البنات أنفة ،

و زعموا أنّ تميما منعت النّعمان الأتاوة سنة من السّنين ، فوجّه إليهم أخاه الرّيان بن المنذر و جلّ من معه بكر بن وائل ، فاستاق النّعم ، و سبى الذّراري إلى أن قال : فوفدت بنو تميم إلى النّعمان و استعطفوه ، فرّق عليهم و أعاد

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٢٩٩ .

( ٢ ) صحاح اللغة للجوهري ١ : ٥٤٣ مادة ( وعد ) .

( ٣ ) صحيح مسلم ١ : ٤٦٦ ح ٢٩٤ ، و غيره .

( ٤ ) الإسراء : ٣١ .

( ٥ ) الممتحنة : ١٢ .

٢٩٤

عليهم السّبي ، و قال : كلّ امرأة اختارت أباها ردّت إليه ، و إن اختارت صاحبها تركت عليه ، فكلّهنّ اخترن آباءهنّ إلاّ ابنة قيس بن عاصم فإنّها اختارت من سباها ، و هو عمرو بن المشمرخ اليشكري ، فنذر قيس بن عاصم المنقري التّميمي أن لا يولد له بنت إلاّ و أدها و الوأد : أن يخنقها في التّراب ، و يثقل وجهها به حتّى تموت ثمّ اقتدى به كثير من بني تميم . قال سبحانه : و إذا الموءودة سئلت بأيّ ذنب قتلت ١ إلى أن قال : و في الحديث : أنّ صعصعة بن ناجية بن عقال لمّا وفد على النبيّ صلى اللّه عليه و آله قال : يا رسول اللّه : إنّي كنت أعمل في الجاهليّة عملا صالحا ، فهل ينفعني ذلك اليوم ؟ قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله :

و ما عملت ؟ قال : أضللت ناقتين عشراوين فركبت جملا و مضيت في بغائهما ،

فرفع لي بيت جريد فقصدته ، فإذا شيخ جالس بفنائه ، و فسألته عن الناقتين ،

فقال : ما نارهما ؟ قلت : ميسم بني دارم . قال : هما عندي ، و قد أحيا اللّه بهما قوما من أهلك من مضر . فجلست معه ليخرجهما إليّ ، و فإذا عجوز خرجت من كسر البيت ، فقال لها : ما وضعت ؟ فإن كان سقبا شاركنا في أموالنا ، و إن كان حائلا و أدناها . فقالت العجوز : وضعت أنثى . فقلت له : أتبيعها ؟ قال : و هل تبيع العرب أولادها ؟ قلت : إنّما أشتري حياتها ، و لا أشتري رقّها . قال : فبكم ؟ قلت : احتكم .

قال : بالناقتين و الجمل . قلت : ذاك لك ، على أن يبلغني الجمل و إيّاها . قال : قد بعتك فاستنقذتها منه بالجمل و الناقتين ، و آمنت بل يا رسول اللّه ، و قد صارت لي سنّة في العرب أن أشتري كلّ موءودة بناقتين عشراوين و جمل ، فعندي إى هذه الغاية ثمانون و مائتا موءودة قد أنقذتهنّ . فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : لا ينفعك ذاك ، لأنّك لم تبتغ به وجه اللّه ، و إن تعمل في إسلامك عملا صالحا تثب عليه ٢ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) التكوير : ٨ ٩ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٤٢ .

٢٩٥

قلت : الأصل في ما قاله المبرد في ( كامله ) ١ إلاّ أنّه تخليط منه بين و أد البنات للأنفة ، و قتل الأولاد و لو كانوا بنين للفقر و الفاقة ، و في الأوّل : قوله تعالى : و إذا الموءودة سئلت . بأيّ ذنب قتلت ٢ ، و في الثاني : قوله تعالى :

و لا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم و إيّاكم . . . ٣ ، و أمّا قوله تعالى : . . . و لا يقتلن أولادهنّ . . . ٤ فليس في واحد منهما ، بل في زانيات يقتلن أولادهن .

قال ابن أبي الحديد : روى الزبير بن بكار في ( الموفقيات ) أنّ أبا بكر قال في الجاهليّة لقيس بن عاصم المنقري : ما حملك على أن و أدت ؟ قال : مخافة أن يخلف عليهنّ مثلك ٥ .

قلت : روى ( أغاني أبو الفرج ) أنّ أبا دلامة كنّي باسم جبل بمكّة يقال له :

أبو دلامة . كانت قريش تئد فيه البنات في الجاهلية ، و هو بأعلى مكّة ٦ .

« و أصنام معبودة » قال ابن الكلبي في ( أصنامه ) : كانت مناة أقدم أصنامهم ، و كانت العرب تسمّي : عبد مناة ، و زيد مناة . و كان منصوبا على ساحل البحر من ناحية المشلل بقديد بين المدينة و مكّة ، و كانت العرب جميعا تعظّمه و تذبح حوله ، و لم يكن أحد أشدّ إعظاما له من الأوس و الخزرج ، فكانوا يحجّون و لا يحلقون حتّى يأتوه ، فيحلقوا عنده ، يرون ذلك تماما لحجّهم ، فلم يزل على ذلك حتّى خرج النبيّ صلى اللّه عليه و آله عام الفتح ، فلمّا سار أربع ليال أو خمسا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكامل للمبرد ٤ : ٢٣٠ ٢٣٥ .

( ٢ ) التكوير : ٨ ٩ .

( ٣ ) الإسراء : ٣١ .

( ٤ ) الممتحنة : ١٢ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٤٣ .

( ٦ ) الأغاني لأبي الفرج الاصفهاني ١٠ : ٢٣٧ .

٢٩٦

بعث عليّا عليه السّلام إليها فهدمها ، و أخذ ما كان لها ، فأقبل به إلي النبيّ صلى اللّه عليه و آله فكان في ما أخذ سيفان كان الحارث بن أبي شمر الغسّاني ملك غسان أهداهما له يسمّى أحدهما : مخذما ، و الآخر : رسولا ، و ذكرهما علقمة :

مظاهر سربالي حديد عليهما

عقيلا سيوف مخذوم و رسوب .

فوهبهما النبيّ صلى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السّلام ، و يقال : إنّ ذا الفقار سيف عليّ عليه السّلام أحدهما ، و يقال : إنّ عليّا عليه السّلام وجد هذين السيفين في الفلس ، و هو صنم طي ،

حيث بعثه النبيّ صلى اللّه عليه و آله فهدمه إلى أن قال : و مرض أبو أحيحة ، و هو سعيد ابن العاص بن أميّة مرضه الّذي مات فيه ، فدخل عليه أبو لهب يعوده ، فوجده يبكي ، فقال : أمن الموت تبكي و لا بدّ منه ؟ قال : لا ، و لكنّي أخاف ألاّ يعبد العزّى بعدي . قال أبو لهب : و اللّه ما عبدت في حياتك من أجلك ، و لا تترك عبادتها بعدك لموتك . فقال أبو أحيحة : الآن علمت أن لي خليفة ، و أعجبه شدّته في عبادتها إلى أن قال : و كانت لقريش أصنام في جوف الكعبة و حولها ، و كان أعظمها عندهم هبل و كان في ما بلغني من عقيق أحمر على صورة الإنسان ، مكسور اليد اليمنى أدركته قريش كذلك ، فجعلوا له يدا من ذهب ، و له يقول أبو سفيان حين ظفر يوم أحد : اعل هبل . فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : اللّه أعلى و أجلّ ١ .

و روى ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام كانت قريش تلطخ الأصنام الّتي كانت حول الكعبة بالمسك و العنبر ، و كان يغوث قبال الباب ، و كان يعوق عن يمين الكعبة ، و كان نسر عن يسارها ، و كانوا إذا دخلوا خرّوا سجّدا ليغوث و لا ينحنون ثمّ يستديرون بحيالهم إلى يعوق ، ثمّ يستديرون بحيالهم إلى نسر ،

ثمّ يلبّون فيقولون : لبّيك اللّهم لبّيك لبيك لا شريك لك إلاّ شريك هو لك تملكه و ما ملك . قال فبعث اللّه ذبابا أخضر له أربعة أجنحة ، فلم يبق من ذلك المسك

ـــــــــــــــــ

( ١ ) رواه عنه الحموي في معجم البلدان ٤ : ١١٦ ، و ٥ : ٢٠٤ ، ٣٩١ متفرقا ، و النقل بتصرف في اللفظ .

٢٩٧

و العنبر شيئا إلاّ أكله ، و أنزل اللّه تعالى : يا أيّها النّاس ضرب مثل فاستعموا له إنّ الذين تدعون من دون اللّه لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له و إن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب و المطلوب ١ .

« و أرحام مقطوعة » فبكر و تغلب كانوا بني عمّ و جدّهما وائل ، و الأوس و الخزرج كانوا بني عم و جدّهما حارثة ، و قد ذكر التاريخ حروب كلّ منهما ،

و الأيّام الّتي كانت بينهما .

« و غارات مشنونة » أي : متفرقة من كلّ جانب ، قالت ليلى الأخيلية :

شننّا عليهم كلّ جرداء شطبة

لجوج تباري كلّ أجرد شرحب

٢ و كان أحدهم يغير على آخر فيرجع ، فيرى أنّ آخر أغار عليه .

و قال الخوئي : قد ألّف إبراهيم بن مسعود الثقفي كتابا سمّاه ( كتاب الغارات ) جمع فيه غارات العرب و حروبهم ٣ .

قلت : كتاب إبراهيم الثقفي إنّما هو في غارات معاوية بعد صفّين على البلاد الّتي كانت في يد أمير المؤمنين عليه السّلام ٤ ، و أمّا غارات العرب قبل الاسلام كما هو مورد كلامه عليه السّلام فقد جمعها مع حروبهم ابن عبد ربّه في ( عقده ) ٥ ،

و الجزري في ( كاملة ) ٦ بعنوان أيّام العرب .

« فانظروا إلى مواقع نعم اللّه عليهم حين بعث إليهم رسولا » قال عزّ و جلّ :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٤ : ٥٤٢ ح ١١ ، و الآية ٧٣ من سورة الحج .

( ٢ ) أورده في لسان العرب ١٣ : ٢٤٢ مادة ( شنن ) .

( ٣ ) شرح الخوئي ٥ : ٢٨٧ .

( ٤ ) طبع أخيرا كتاب الغارات لأبي إسحاق إبراهيم بن محمد الثقفي الكوفي باهتمام السيد جلال الدين المحدث الارموي و تحقيقه في مجلدين بطهران .

( ٥ ) العقد الفريد لابن عبد ربه ٦ : ٢ .

( ٦ ) الكامل لابن الأثير ١ : ٥٠٢ .

٢٩٨

هو الّذي بعث في الأمّيين رسولا منهم يتلو عليهم آياته و يزكّيهم و يعلّمهم الكتاب و الحكمة و إن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ١ .

قال الشاعر :

أ تذكر إذ لحافك جلد شاة

و إذ نعلاك من جلد البعير

و في ( العقد ) : كانت آخر وقائع العرب وقعة ذي قال ، و قد بعث النبيّ صلى اللّه عليه و آله فأخبر أصحابه بها ، و قال : اليوم انتصفت العرب من العجم ، و بي نصروا ٢ .

« فعقد بملّته طاعتهم » فكان المؤمنون يطيعونه أكثر من طاعة السوقة للملوك ، و في ( الطبري ) : كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله إذا غضب احمارّ و جنتاه ، فأتاه المقداد على تلك الحال لمّا أراد غزوة بدر فقال : أبشر يا رسول اللّه ، فو اللّه لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى : . . . اذهب أنت و ربّك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون ٣ و لكن و الّذي بعثك بالحقّ لنكونّن من بين يديك و من خلفك و عن يمينك و عن شمالك ، أو يفتح اللّه لك ، لو سرت بنا إلى برك الغماد يعني مدينة الحبشة لجالدنا معك . فقال له النبيّ صلى اللّه عليه و آله خيرا ، و دعا له بخير ، ثمّ قال : أشيروا عليّ أيّها الناس ، و إنّما يريد الأنصار إلى أن قال : قال له سعد بن معاذ : و اللّه لكأنّك تريدنا يا رسول اللّه . قال : أجلّ . قال : فقد آمنّا بك و صدّقناك و شهدنا أنّ ما جئت به هو الحقّ ، و أعطيناك على ذلك عهودنا و مواثيقنا على السمع و الطاعة ٤ .

« و جمع على دعوته ألفتهم » قال تعالى : و ألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الجمعة : ٢ .

( ٢ ) نقله ابن عبد ربه في العقد الفريد ٦ : ٩٦ و النقل بالمعنى .

( ٣ ) المائدة : ٢٤ .

( ٤ ) تاريخ الطبري ٢ : ١٤٠ سنة ٢ ، و خلط الشارح في النقل بين حديث البراء بن عازب و عبد اللّه بن مسعود .

٢٩٩

في الأرض جميعا ما ألّفت بين قلوبهم و لكنّ اللّه ألّف بينهم إنّه عزيز حكيم ١ .

و إذكروا نعمة اللّه عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا و كنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبيّن اللّه لكم آياته لعلّكم تهتدون ٢ .

« كيف نشرت النعمة عليهم جناح كرامتها » و جعلتهم تحت حضانتها .

« و أسالت لهم جداول » أي : أنهارا .

« نعيمها » فمتّعتهم بثمارها ، و في ( تاريخ بغداد ) عن عتبة بن غزوان : لقد رأيتني مع النبيّ صلى اللّه عليه و آله سابع سبعة ، قد قرحت أشداقنا من أكل ورق الشجر ،

حتّى وجدت بردة فاقتسمتها بيني و بين سعد ، و ما منّا اليوم إلاّ أمير على مصر ٣ .

« و التفّت الملّة بهم في عوائد بركتها » قال ابن أبي الحديد : أي جمعتهم الملّة كائنة في عوائد بركتها ٤ .

قلت : بل المعنى لصقتهم الملّة ، أي : ملّت الاسلام ، و احاطت بهم من حيث عوائد بركتها .

« فأصبحوا في نعمته » أي : نعمة ملّة الإسلام .

« غرقين » إلى رؤوسهم .

« و في خضرة عيشها فكهين » أي : مسرورين و أشرين و بطرين .

« قد تربّعت الأمور » أي : صلحت و استقامت ، قال شاعر :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأنفال : ٦٣ .

( ٢ ) آل عمران : ١٠٣ .

( ٣ ) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ١ : ١٥٦ ، و النقل بالمعنى .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٤٣ .

٣٠٠