• البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 99346 / تحميل: 4091
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 2

مؤلف:
العربية

ما في معدّ فتى تغني رباعته

إذا يهمّ بأمر صالح فعلا

١ « بهم » أي : بسببهم .

« في ظلّ سلطان قاهر » ببركة نبوّته صلى اللّه عليه و آله ، و في ( الطبري ) : حجّ عمر فلمّا كان بضجنان قال : لا إله إلاّ اللّه العظيم العلّي المعطي ما شاء من شاء ، كنت أرعى إبل الخطّاب بهذا الوادي في مدرعة صوف ، و كان فظّا يتعبني إذا عملت ،

و يضربني إذا قصّرت ، و هو أوّل من حمل الدرّة و ضرب بها ، و هو أوّل من دوّن للناس في الإسلام الدواوين ، و كتب الناس على قبائلهم ، و فرض لهم العطاء ، و كان عنده خيل موسومة في أفخاذها حبيس ٢ .

« و أوتهم » بالمدّ ، أي : أنزلتهم ، و لا يجوز القصر ، و قال ابن أبي الحديد :

آوتهم بالمدّ ، و يجوز بغير المد ، أفعلت و فعلت ، في هذا المعنى واحد عن أبي زيد ٣ .

قلت : الأصل في كلامه ( الصحاح ) في نقل ما قال عن أبي زيد ٤ ، لكنّه غير صحيح ، فحرّف على أبي زيد ، قال ابن دريد في ( جمهرته ) : قال أبو زيد : تقول العرب : بتّ بهذا المنزل و بتّه ، و ظفرت بالرجل و ظفرته ، و أويت إلى الرجل و أويته أويّا : إذا نزلت به ٥ . و هو كما ترى إنّما يدلّ على أنّ ( أوى ) بدون المدّ بمعنى النزول به ، يتعدّى بالنفس ، فيقال : أويته ، و بإلى ، فيقال : أويت إليه ، و أين هو ممّا ادّعيا من كون أوى بلا مدّك ( آوى ) مع المدّ في كونه بمعنى الإنزال .

« الحال إلى كنف » أي : ناحية .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) لسان العرب لابن منظور ٨ : ١٠٨ مادة ( ربع ) .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٣ : ٢٨٦ ، ٢٧٧ ، ٢٧٩ سنة ٢٣ متفرقا .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٤٣ ، و النقل بالمعنى .

( ٤ ) صحاح اللغة للجوهري ٦ : ٢٢٧٤ مادة ( أوى ) .

( ٥ ) جمهرة اللغة لابن دريد ٣ : ٤٩٤ .

٣٠١

« عزّ غالب » فصارت العرب ذاك اليوم أعزّ من الفرس و الروم .

« و تعطّفت الأمور عليهم » قال ابن دريد : تعطّف فلان على فلان : إذا أوى له ،

أو وصله ١ .

« في ذرى » بالفتح ، أي : كنف .

« ملك ثابت » لأنّ ملكهم كان ذاك اليوم أوّل ملك في الدّنيا .

« فهم حكّام على العالمين ، و ملوك في أطراف الأرضين » فتح المسلمون أفريقية في سنة ( ٢٧ ) و أخذوا منهم ثلاثمائة قنطار ذهب ، و وهبها عثمان لآل عمّه الحكم بن أبي العاص ٢ ، و فتحوا قبرس في تلك السنة أو سنة أخرى ،

و فتحوا فارس الأوّل و اصطخر الثاني في سنة ( ٢٨ ) و فتحوا طبرستان في سنة ( ٢٩ ) ٣ .

« يملكون الأمور على من كان يملكها عليهم » من الفرس و الغاسنة و المناذرة و اليمن ، قالت بنت النّعمان بن المنذر :

فبينا نسوس الناس و الأمر أمرنا

إذا نحن فيهم سوقة نتنصّف

« و يمضون الأحكام في من كان يمضيها فيهم » في ( الطبري ) : قال جبير بن نفير : لمّا سبينا أهل قبرس ، نظرت إلى أبي الدّرداء يبكي ، فقلت : ما يبكيك في يوم أعزّ اللّه فيه الإسلام و أهله ، و أذلّ فيه الكفر و أهله ؟ فضرب بيده على منكبي ، و قال : ثكلتك أمّك يا جبير ، ما أهون الخلق على اللّه إذا تركوا أمره ، بينا هي أمّة ظاهرة قاهرة للنّاس لهم الملك ، إذ تركوا أمر اللّه فصاروا إلى ما ترى ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) جمهرة اللغة لابن دريد ٣ : ١٠٤ .

( ٢ ) نقله الطبري في تاريخه ٣ : ٣١٢ ، ٣١٤ سنة ٢٧ ، و نقل بعضه البلاذري في فتوح البلدان : ٢٢٨.

( ٣ ) نقلها الطبري في تاريخه ٣ : ٣١٥ ، ٣٢٠ ، ٣٢٣ سنة ٢٨ ٣٠ ، و البلاذري في فتوح البلدان : ١٥٧ ، ٢٥١ ، ٣١١ ، ٣٣٠ ) ، باختلاف يسير .

٣٠٢

فسلّط اللّه عليهم السباء ، و إذا سلّط السباء على قوم فليس للّه فيهم حاجة ١ .

و فيه : أنّ في عهد أهل قبرس ألاّ يتزوّجوا في عدوّ المسلمين من الروم إلاّ بإذنهم ٢ .

و روى : أنّ أهل طبرستان سألوا المسلمين الأمان ، فأعطاهم سعيد بن العاص الأمان على ألاّ يقتل منهم رجلا واحدا ، ففتحوا الحصن فقتلهم جميعا إلاّ رجلا واحدا ، و حوى ما كان في الحصن ٣ .

« لا تغمز لهم قناة » عدم غمز قناة لهم كناية عن عدم استطاعة غيرهم لإيقاع ضرر عليهم ، و قد يجي‏ء للحقيقة ، قال الشاعر :

و كنت إذا غمزت قناة قوم

كسرت كعوبها أو تستقيما

٤ « و لا تقرع لهم صفاة » بالفتح : الصخرة الملساء ، يقال في المثل : ما تندى صفاته ٥ .

و قوله عليه السّلام : « لا تقرع لهم صفاة » أيضا كناية عن العزّ ، و قد يجي‏ء أيضا للحقيقة ، كقول الشاعر في وصف ذئب :

يستمخر الريح إذا لم يسمع

بمثل مقراع الصفا الموقّع

٦ و مثل المثلين في الكناية عن الاقتدار و المنعة قولهم : لا يقعقع له بالشنان ٧ . و قولهم : لا تقرع له العصا ، و لا تقلقل له الحصى ٨ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) و ( ٢ ) تاريخ الطبري ٣ : ٣١٨ ٣١٩ سنة ٢٩ ، و النقل بالمعنى .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٣ : ٣٢٤ سنة ٣٠ .

( ٤ ) لسان العرب لابن منظور ٥ : ٣٨٩ مادة ( غمز ) .

( ٥ ) لسان العرب لابن منظور ١٤ : ٤٦٤ مادة ( صفا ) .

( ٦ ) لسان العرب لابن منظور ٨ : ٢٦٤ مادة ( قرع ) .

( ٧ ) المستقصى للزمخشري ٢ : ٢٧٤ .

( ٨ ) مجمع الأمثال للميداني ٢ : ٢٤١ .

٣٠٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

« ألا و إنّكم قد نفضتم » أي : حرّكتم بالرفع و الخفض .

« أيديكم من حبل الطاعة » الّتي أمر اللّه تعالى بها في قوله : . . . و اعتصموا بحبل اللّه جميعا و لا تفرّقوا . . . ١ ، و قد روى الثعلبي في تفسير الآية بأسانيد عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، قال : يا أيّها الناس إنّي قد تركت فيكم الثقلين خليفتين ، إن أخذتم بهما لن تضلّوا بعدي ، أحدهما أكبر من الآخر : كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض أو قال : إلى الأرض و عترتي أهل بيتي ألا و إنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ٢ .

« و ثلمتم » بفتح اللام ، أي : جعلتم فيه ثلمة ، و الثلمة : الخلل في الحائط ،

و غيره .

« حصن اللّه المضروب عليكم » دون باقي الفرق .

« بأحكام » متعلّق بقوله : ثلمتم ، و الباء فيه للاستعانة .

« الجاهلية » التي أزالها الإسلام ، روى كاتب الواقدي في ( طبقاته ) عن أبي غادية قال : خطبنا صلى اللّه عليه و آله يوم العقبة فقال : يا أيّها الناس ألا إنّ دماءكم و أموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربّكم ، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ، ألاّ هل بلّغت . فقلنا : نعم . فقال : اللّهمّ اشهد . ثمّ قال : ألا لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض ٣ .

و روي الخبر عن ابن قتيبة في ( معارفة ) هكذا : قال أبو الغادية : سمعت النبيّ صلى اللّه عليه و آله يقول : ألا لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض ، فإنّ الحقّ يومئذ لمع عمّار . ثمّ قال ابن قتيبة : قال أبو الغادية : و سمعت عمّارا يذكر

ـــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ١٠٣ .

( ٢ ) نقله عن الثعلبي في تفسيره ابن البطريق في العمدة : ٣٥ .

( ٣ ) الطبقات لابن سعد ٣ ق ١ : ١٨٦ .

٣٠٤

عثمان في المسجد ، قال : يدعى فينا جبانا ، و يقول : إنّ نعثلا هذا يفعل و يفعل ،

يعيبه ، فلو وجدت عليه أعوانا يومئذ لو طئته حتّى أقتله ، فبينما أنا يوم صفين ،

إذا به أوّل الكتيبة ، فطعنه رجل في ركبته فانكشف المغفر عن رأسه ، فضربت رأسه ، فإذا رأس عمّار قد ندر . ثمّ قال ابن قتيبة : قال كلثوم بن جبير أي :

الراوي عن أبي غادية ما مرّ فما رأيت شيخا أضلّ منه يروي أنّه سمع النبيّ صلى اللّه عليه و آله يقول ما قال ، ثمّ ضرب عنق عمّار ١ .

قلت : ليس العجب من الضلال منحصرا بذاك الشيخ أبي غادية ، بل عامة مشائخ إخواننا مثله ، فرووا أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله قال في حروبهم باسم عثمان : إنّ الحقّ يكون مع عمّار . و عمّار كان من قتلة عثمان عملا و قولا و سببا ، و مع ذلك يقولون : إنّ عثمان إمام حقّ ، إلاّ أنّهم رأوا أنّهم لو أنكروه كان عليهم إنكار شيخيهم كما أي أبو غادية للاتّحاد المبنى ، فرجّحوا أمر الأموية على أمر النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، و قوله : فاضطروا عملا إلى مخالفة القاعدة العقلية من دلالة بطلان اللازم على بطلان الملزوم ، ثمّ من مصاديق قوله عليه السّلام : من ثلمهم حصن الإسلام بأحكام الجاهلية استلحاق معاوية زيادا به بزنا أبيه بأمّه ، مع أنّ الإسلام قال : الولد للفراش ، و للعاهر الحجر ، كما اعترف به ابن الأثير في ( كامله ) ٢ .

« و اللّه سبحانه قد امتنّ على جماعة هذه الأمّة في ما عقد بينهم من حبل هذه الألفة التي ينتقلون في ظلّها » قال تعالى ممتنّا عليهم : . . . و اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا . . . ٣ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) المعارف لابن قتيبة : ٢٥٧ .

( ٢ ) الكامل لابن الأثير ٣ : ٤٤١ سنة ٤٤ .

( ٣ ) آل عمران : ١٠٣ .

٣٠٥

« و يأوون إلى كنفها » أي : جانبها .

« بنعمة لا يعرف أحد من المخلوقين لها قيمة » لأنّهم بتلك الألفة ملكوا الأمم ،

و سخّروا العرب و العجم .

« لأنّها أرجح من كلّ ثمن » قيل : إنّه إشارة إلى قوله تعالى : . . . لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألّفت بين قلوبهم و لكنّ اللّه ألّف بينهم . . . ١ .

« و أجلّ من كلّ خطر » أي : شي‏ء ذي قيمة .

« و اعلموا أنّكم صرتم بعد الهجرة أعرابا » لأنّ في محلّ الأعراب لا تقام شرائع الإسلام كما تقام في محلّ الهجرة ، فإذا لا تقام في محلّ الهجرة يصيرون كالأعراب ، و قال ابن أبي الحديد : صارت هذه الكلمة جارية مجرى المثل ، أنشد الحجاج على منبر الكوفة :

قد لفّها اللّيل بعصلبيّ

أروع خرّاج من الدّويّ

مهاجر ليس بأعرابي

و قال عثمان لأبي ذرّ : أخشى أن تصير بعد الهجرة أعرابيا ٢ .

قلت : قد عرفت الأصل في الهجرة و الأعرابية ، و لم يكن للكلام ربط بالمثل ، و أمّا حديثه الشريف ، فمن موضوعات سيف الّذي ما استحيى ، و قال في ضدّ متواتر التاريخ : إنّ عثمان ما نفى أباذر إلى الربذة ، بل أبو ذر نفسه أراد الإعراض عن المدينة و الإقامة في الربذة ، فقال له عثمان ذلك . و الاستناد إلى غير معلوم الصدق شين ، فكيف إلى معلوم الكذب .

« و بعد الموالاة أحزابا » أي : صرتم بعد كونكم من أولياء الاسلام من أعداء الإسلام الّذين حزّبوا أحزابا لاستيصال بيضته ، فجاؤوهم من فوقهم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأنفال : ٦٣ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٤٤ .

٣٠٦

و من أسفل منهم ، و الأصل في الأحزاب أنّ جمعا من اليهود خرجوا إلى قريش ،

فدعوهم إلى حرب النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، ثمّ خرجوا إلى غطفان فدعوهم إلى حربه فأجابتا لهم ، فأقبل أولئك الأحزاب إليه في غزوة الخندق ١ .

« ما تتعلّقون من الإسلام إلاّ باسمه » دون مسمّاه ، فإنّ المسلم من سلم المسلمون من يده و لسانه .

« و لا تعرفون من الإيمان إلاّ رسمه » بإقامة الصّلوات الخمس في أوقاتها دون حقيقته إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه و جلت قلوبهم و إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا و على ربّهم يتوكّلون . الّذين يقيمون الصلاة و ممّا رزقناهم ينفقون ٢ ، قد أفلح المؤمنون . الّذين هم في صلاتهم خاشعون . و الّذين هم عن اللغو معرضون . . . أولئك هم الوارثون . الّذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ٣ .

« تقولون النار و لا العار » و الأصل في الكلام تقولون : نختار النار و لا نختار العار ٤ . كما أنّ الأصل في قول الكلمة أوس بن حارثة ، و قال : ابن أبي الحديد هي كلمة جارية مجرى المثل أيضا ، يقولها أرباب الحميّة و الإباء ، فإذا قيلت في حقّ كانت صوابا ، و إذا قيلت في باطل كانت خطأ ٥ . و تبعه الخوئي ٦ .

قلت : هو كلام مضحك ، فاختيار النار ، أي : نار جهنم كيف يمكن أن يكون

ـــــــــــــــــ

( ١ ) نقله بتفصيل ابن هشام في السيرة ٣ : ١٢٧ ، و الواقدي في المغازي ١ : ٤٤١ ، و ابن سعد في الطبقات ٢ ق ١ : ٤٧ ، و الطبري في تاريخه ٢ : ٢٣٣ سنة ٥ ، و القمي في تفسيره ٢ : ١٧٧ ، و الطبرسي في أعلام الورى : ٩٠ .

( ٢ ) الأنفال : ٢ ٣ .

( ٣ ) المؤمنون : ١ ١١ .

( ٤ ) المستقصى للزمخشري ١ : ٣٥١ و فيه : النار و لا العار .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٤٥ .

( ٦ ) شرح الخوئي ٥ : ٢٩٤ ، ٢٩٥ .

٣٠٧

حقّا ، و لا يقول الكلمة إلاّ أهل الباطل ؟ و أمّا أهل الحقّ ، فإنّما يقولون ما قاله عليه السّلام في موضع آخر : « المنية و لا الدنية » ١ ، و ما قاله الحسين عليه السّلام يوم الطّف :

الموت خير من ركوب العار

و العار أولى من دخول النار

و اللّه ما هذا و هذا جاري

٢ « كأنّكم تريدون أنّ تكفئوا » من : كفأت الإناء : كببته و قلبته .

« الإسلام على وجهه » .

« إنتهاكا » افتعال من ( نهك ) ، و ليس بانفعال ، فإنّه لو كان لكان من ( تهك ) و ليس لنا تهك .

« لحريمه » قال الجوهري : انتهاك الحرمة : تناولها بما لا يحل ٣ .

« و نقضا لميثاقه » قال تعالى في بني إسرائيل : فبما نقضهم ميثاقهم لعنّاهم و جعلنا قلوبهم قاسية . . . ٤ .

« الّذي » وصف للإسلام ، و جعله ابن ميثم ٥ و صفا لميثاق ، و مع كونه خلاف الظاهر لعدم الإتيان بوصف لحريم يمنع منه قوله بعد : « و أنّكم إن لجأتم إلى غيره » .

« وضعه اللّه لكم حرما في أرضه » فكما أنّ الحرم صيده و شجره حرام ،

المسلم ماله و دمه حرام ، قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : أمرت أن أقاتل الناس حتّى يقولوا : لا إله إلاّ اللّه ، فإذا قالوا : لا إله إلاّ اللّه عصموا منّي دماءهم ٦ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) نهج البلاغة للشريف الرضي ٤ : ٩٤ الحكمة ٣٩٦ ، و ذكره بعنوان المثل الميداني في مجمع الأمثال ٢ : ٣٠٣ .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٦٨ .

( ٣ ) صحاح اللغة للجوهري ٣ : ١٦١٣ مادة ( نهك ) .

( ٤ ) المائدة : ١٣ .

( ٥ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٣٠٣ .

( ٦ ) أخرجه مسلم في صحيحه ١ : ٥٢ ح ٣٥ ، و الترمذي في سننه ٥ : ٤٣٩ ح ٣٣٤١ ، و ابن ماجه في سننه ٢ : ١٢٩٥.

٣٠٨

و قال الخوئي في شرح الفقرة : لمنعه الآخذين به و المواظبين له من الرفث و الفسوق و الجدال ١ .

قلت : أيّ ربط لما قال هنا ؟ فإنّ ما قاله محرّمات الإحرام و لو كان في غير الحرم ، و الرفث مطلق المقاربة و لو بالحلال ، كما أنّ الجدال مطلق اليمين و لو صدقا لا الحرم ، و قد قال عليه السّلام : وضعه لكم حرما ، و لم يقل : إحراما .

« و أمنا بين خلقه » فكما أنّ الحرم من دخله كان آمنا ، و لو كان قاتلا في غيره ، كذلك الإسلام من دخله كان آمنا ، ولو كان قبل إسلامه قاتلا ، و قال عزّ و جلّ : . . . و لا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدّنيا . . . كذلك كنتم من قبل فمنّ اللّه عليكم . . . ٢ .

« و إنّكم إن لجأتم إلى غيره » أي : غير الإسلام .

« حاربكم أهل الكفر » كما حاربوكم حين كنتم متمسّكين به .

« ثمّ لا جبرئيل و لا ميكائيل و لا مهاجرون و لا أنصار ينصرونكم » كما كانوا ينصرونكم زمن النبيّ صلى اللّه عليه و آله حيث كنتم معتصمين به ، قال تعالى : لقد نصركم اللّه في مواطن كثيرة و يوم حنين . . . ٣ ، إذ تستغيثون ربّكم فاستجاب لكم أنّي ممدّكم بألف من الملائكة مردفين ٤ ، إذ يوحي ربّك إلى الملائكة أنّي معكم فثبّتوا الّذين آمنوا سألقي في قلوب الذّين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق و اضربوا منهم كلّ بنان ٥ .

ح ٣٩٢٨ ، و أحمد بأربع طرق في مسنده ٣ : ٢٩٥ ، ٣٠٠ ، ٣٣٢ ، ٣٣٩ ، و ابن سعد في الطبقات ١ ق ١ : ١٢٨ ، و غيرهم عن جابر بن عبد اللّه ، و في الباب عن علي و الصادق عليهما السلام و ابن هريرة و ابن عمر و أوس .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح الخوئي ٥ : ٢٩٤ ، ٢٩٥ .

( ٢ ) النساء : ٩٤ .

( ٣ ) التوبة : ٢٥ .

( ٤ ) الأنفال : ٩ .

( ٥ ) الأنفال : ١٢ .

٣٠٩

و في ( تفسير القمي ) : و جاء إبليس إلى قريش في صورة سراقة بن مالك فقال لهم : أنّا جاركم ادفعوا إليّ رايتكم فدفعوها إليه ، و جاء بشياطينه يهوّل بهم على أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه و آله و يخيّل اليهم و يفزعهم ، و أقبلت قريش يقدمها إبليس معه الراية ، فنظر إليه النبيّ صلى اللّه عليه و آله فقال : عضّوا أبصاركم و عضّوا على النواجذ ، و لا تسلّوا سيفا حتّى آذن لكم . ثمّ رفع يده إلى السّماء ، و قال : يا ربّ إن تهلك هذه العصابة لا تعبد ، و إن شئت أن لا تعبد لا تعبد ، ثمّ أصابه الغشي فسري عنه ، و يسلت العرق عن وجهه ، و يقول : هذا جبرئيل قد آتاكم في ألف من الملائكة مردفين . قال : فنظرنا فإذا سحابة سوداء فيها برق لائح قد وقعت على عسكر النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، و قائل يقول : أقدم حيزوم أقدم حيزوم ، و سمعنا قعقعة السلاح من الجوّ و نظر إبليس إلى جبرئيل فتراجع ، و رمى باللواء ، فأخذ منبه بن الحجّاج بمجامع ثوبه ، ثمّ قال : ويلك يا سراقة تفتّ في أعضاد الناس ، فركله إبليس ركلة في صدره ، و قال : إنّي أرى ما لا ترون ، إنّي أخاف اللّه و هو قول اللّه تعالى : و إذ زيّن لهم الشيطان أعمالهم و قال لا غالب لكم اليوم من الناس و إنّي جار لكم فلمّا تراءت الفئتان نكص على عقبيه و قال إنّي بري‏ء منكم إنّي أرى ما لا ترون . . . ١ و أسر أبو بشر الأنصاري العبّاس بن عبد المطلب و عقيل بن أبي طالب ، و جاء بهما إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله ، فقال له : هل أعانك عليهما أحد ؟ قال : نعم ، رجل عليه ثياب بيض . فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : ذاك من الملائكة ٢ .

و فيه أيضا : نزل قوله تعالى : يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا و جنودا لم تروها . . . ٣ في قصّة

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأنفال : ٤٨ .

( ٢ ) تفسير القمي ١ : ٢٦٦ .

( ٣ ) الاحزاب : ٩ .

٣١٠

الأحزاب من قريش و العرب الّذين تحزّبوا على النبيّ صلى اللّه عليه و آله إلى أن قال بعد ذكر هزيمة الأحزاب و بعث النبيّ صلى اللّه عليه و آله حذيفة لتجسّس أخبارهم ، قال حذيفة :

فمضيت و أنا انتفض من البرد ، فو اللّه ما كان إلاّ بقدر ما جزت الخندق ، حتّى كأنّي في حمّام ، فقصدت خباء عظيما ، فإذا نار تخبو و توقد ، و إذا خيمة فيها أبو سفيان قد دلّى خصيتيه على النار ، و هو ينتفض من شدّة البرد ، و يقول : يا معشر قريش إن كنّا نقاتل أهل السماء بزعم محمّد ، فلا طاقة لنا بأهل السماء ،

و إن كنّا نقاتل أهل الأرض فنقدر عليهم إلى أن قال فلمّا دخل النبيّ صلى اللّه عليه و آله المدينة ، و اللواء معقود ، أراد أن يغتسل من الغبار ، فناداه جبرئيل : عذيرك من محارب ، و اللّه ما وضعت الملائكة لأمتها ، فكيف تضع لأمتك ؟ إنّ اللّه يأمرك ألاّ تصلّي العصر إلاّ ببني قريظة ، فإنّي متقدّمك و مزلزل بهم حصنهم ، إنّا كنّا في آثار القوم نزجرهم زجرا حتّى بلغوا حمراء الأسد ١ .

و روى أبو الفرج في ( مقاتله ) بأسانيد عن جمع قالوا : خطب الحسن عليه السّلام بعد وفاة أمير المؤمنين عليه السّلام فقال : لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأوّلون بعمل ، و لا يدركه الآخرون بعمل ، و لقد كان يجاهد مع النبيّ صلى اللّه عليه و آله فيقيه بنفسه ، و لقد كان يوجّهه برايته ، فيكتنفه جبرئيل عن يمينه ، و ميكائيل عن يساره ، فلا يرجع حتّى يفتح اللّه عليه ٢ .

قال ابن أبي الحديد : قوله عليه السّلام : « ثمّ لا جبرئيل و لا ميكائيل و لا مهاجرين » الرواية المشهورة هكذا بالنصب ، و هو جائز على التشبيه بالنكرة ،

كقولهم : معضلة و لا أبا حسن و لها . و قال الراجز :

لا هيثم الليلة للمطيّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تفسير القمي ٢ : ١٧٦ .

( ٢ ) مقاتل الطالبيين لأبي فرج الاصفهاني : ٣٢ .

٣١١

و قد روي بالرفع في الجميع ١ .

قلت : بل قوله عليه السلام « و لا مهاجرون و لا أنصار » بلا لام ، دون أن يقول : و لا المهاجرون و لا الأنصار ، دليل على إرادة العموم بجبرئيل و ميكائيل ، كقولهم :

و لا أبا حسن ، دون أن يقولوا : و لا أبا الحسن ، و لا فرق بين رواية الرفع و النصب في المعنى مع تكرار لا ، مع أنّ الرواية المشهورة الرفع ، كما في ( ابن ميثم ) ٢ الّذي نسخته بخطّ المصنّف ، و كذا ( ابن أبي الحديد ) ٣ نفسه في عنوانه على ما في نسخته .

« إلاّ المقارعة بالسيف » قال ابن أبي الحديد : المقارعة منصوبة على المصدر . و قال الراوندي : هي استثناء منقطع ٤ . و قال الخوئي : مراد ابن أبي الحديد أنّه خبر ، و أنّه نظير : ما زيد إلاّ سيرا ، و أصله : ما زيد إلاّ يسير سيرا ، و هنا الأصل : لا أنصار ينصرونكم إلاّ تقارعوا المقارعة بالسيف . و ما قاله يقتضيه النظر الدقيق ٥ .

قلت : بل الواضع الّذي لا غبار عليه هو قول الراوندي ، فانّ ( ينصرونكم ) هو الخبر ، فعنده يتمّ معنى الكلام ، يوضحه : إنّا نسقط الاستثناء و نقول : ثمّ لا جبرئيل و لا ميكائيل و لا مهاجرون و لا أنصار ينصرونكم ، و يكون كلاما تامّا ،

و إنّما توهّما كون ( ينصرونكم ) و صفا ، فوقعا في ما وقعا ، ثمّ لو كان نظير ( ما زيد إلاّ سيرا ) ما هذه اللازم في ( المقارعة ) ؟ و لم لم يقل ( إلاّ مقارعة ) ؟

و قال الخوئي : يروى برفع ( المقارعة ) و نصبها ٦ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٤٥ .

( ٢ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٢٩٠ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٣٤٤ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٤٥ .

( ٥ ) شرح الخوئي ٥ : ٢٩٢ و النقل بالمعنى .

( ٦ ) شرح الخوئي ٥ : ٢٩٣ و النقل بالمعنى .

٣١٢

قلت : بل اتّفقوا على نصبها إمّا على المصدرية كما قال ابن أبي الحديد .

أو الاستثناء الانقطاعي كما قال الراوندي ، فانّه في غيره لغة تميم واجب النصب و لو في النفي .

« حتى يحكم اللّه بينكم » بالغلبة لأحد الفريقين .

« و إنّ عندكم الأمثال من بأس اللّه » أي : عذابه ، و ضرب اللّه مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كلّ مكان فكفرت بأنعم اللّه فأذاقها اللّه لباس الجوع و الخوف بما كانوا يصنعون ١ .

« و قوارعه » أي : شدائده على الناس بسبب أعمالهم ، قال تعالى : . . . و لا يزال الّذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحلّ قريبا من دارهم حتّى يأتي و عد اللّه إنّ اللّه لا يخلف الميعاد ٢ .

« و أيّامه » قال تعالى : . . . و ذكرهم بأيّام اللّه . . . ٣ ، و في ( تفسير القمي ) :

أيّام اللّه ثلاثة : يوم القائم ، و يوم الموت ، و يوم القيامة ٤ .

« و وقائعه » أي : إيقاعاته بالمجرمين ، قال تعالى بعد ذكر قوم عاد و قوم ثمود و قارون و فرعون و هامان : فكّلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا و منهم من أخذته الصّيحة و منهم من خسفنا به الأرض و منهم من أغرقنا و ما كان اللّه ليظلمهم و لكن كانوا أنفسهم يظلمون ٥ .

« فلا تستبطئوا وعيده » أي : لا تعدّوا إخباره بانتقامه من المجرومين بطئيا .

« جهلا بأخذه » أي : لجهلكم بموقع أخذه ، قال تعالى : و لقد استهزئ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) النحل : ١١٢ .

( ٢ ) الرعد : ٣١ .

( ٣ ) ابراهيم : ٥ .

( ٤ ) تفسير القمي ١ : ٣٦٧ .

( ٥ ) العنكبوت : ٤٠ .

٣١٣

برسل من قبلك فأمليت للّذين كفروا ثمّ أخذتهم فكيف كان عقاب ١ .

« و تهاونا ببطشه » أي : سطوته ، قال تعالى : و لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء و الضرّاء لعلّهم يتضرّعون فلو لا إذا جاءهم بأسنا تضرّعوا و لكن قست قلوبهم و زيّن له الشيطان ما كانوا يعملون ٢ .

« و يأسا من بأسه » و عقابه للمخالف ، قال تعالى : حتّى إذا استيأس الرّسل و ظنّوا أنّهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجّي من نشاء و لا يردّ بأسنا عن القوم المجرمين ٣ .

« فانّ اللّه سبحانه لم يلعن القرن الماضي بين أيديكم إلاّ لتراكهم الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر » يعني عليه السلام : و الحكم في الباقية كالماضية ، قال الخوئي : قال الطبرسي في تفسير آية لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود و عيسى بن مريم ذلك بما عصوا و كانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ٤ : لعنوا على لسان داود فصاروا قردة ، و على لسان عيسى فصاروا خنازير ٥ .

قلت : روى ( الكافي و تفسير القمي و تفسير العياشي ) : أنّهم صاروا خنازير على لسان داود ، و القردة على لسان عيسى عليه السلام ٦ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الرعد : ٣٢ .

( ٢ ) الأنعام : ٤٢ ٤٣ .

( ٣ ) يوسف : ١١٠ .

( ٤ ) المائدة : ٧٨ ٧٩ .

( ٥ ) شرح الخوئي ٥ : ٢٩٦ ، و مجمع البيان للطبرسي ٣ : ٢٣١ .

( ٦ ) هذا المعنى أخرجه الكليني في الكافي ٨ : ٢٠٠ ح ٢٤٠ ، و العياشى في تفسيره ١ : ٣٣٥ ح ١٦٠ عن الصادق عليه السلام ، و أخرجه أبو عبيد و عبد بن حميد و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و أبو الشيخ عن أبي مالك ، و عبد بن حميد و أبو الشيخ عن قتادة ، و ابن جرير عن مجاهد عنهم الدر المنثور ٢ : ٣٠١ ، و أخرجه بالعكس القمي في تفسيره ١ :

١٧٦ ، و الراوندي في قصص الأنبياء عنه البحار ١٤ : ٥٤ ح ٧ ، و الظاهر ان الأخير خطأ كما يشهد له الاية ٦٥ من البقرة و الاية ١٦٦ من الأعراف .

٣١٤

و روى القمي عن مسعدة بن صدقة قال : سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام عن قوم من الشيعة يدخلون في أعمال السلطان ، و يعملون لهم و يجبون لهم و يوالونهم ، قال : ليس هم من الشيعة ، و لكنهم من أولئك . ثمّ قرأ أبو عبد اللّه عليه السلام هذه الاية : لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود و عيسى بن مريم . . . و لكن كثيرا منهم فاسقون ١ .

« فلعن اللّه » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( فلعن ) بدون لفظة الجلالة لتقدم ذكرها ، و لخلو ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٢ عنها .

« السفهاء لركوب المعاصي » في ( تفسير القمي ) : كانوا يأكلون لحم الخنزير ، و يشربون الخمر ، و يأتون النساء في أيام حيضهنّ ٣ .

« و الحلماء لترك التناهي » أي : ترك نهيهم للمرتكبين ، و ترى كثيرا منهم يسارعون في الاثم و العدوان و أكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون لو لا ينهاهم الربّانيون و الأحبار عن قولهم الا إثم و أكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون ٤ .

« ألا و قد قطعتم قيد الاسلام و عطّلتم حدوده ، و أمتّم أحكامه » إنّ الاسلام قد قيّد الناس عن ارتكاب المنكرات ، و تناول الخبائث ، و حدث في ذلك حدودا ، و حكّم أحكاما ، فاذا لم يراعوا ذلك ، فقد قطعوا قيده و عطّلوا حدوده ، و أماتوا أحكامه ،

و في ( شعراء ابن قتيبة ) : إنّ أبا بصير أعشى قيس أدرك الاسلام في آخر عمره ، و رحل إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله في صلح الحديبية ، فسأله أبو سفيان عن وجهه

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تفسير القمي ١ : ١٧٦ ، و الايات ( ٧٨ ٨١ ) من سورة المائدة .

( ٢ ) في شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٤٤ ، و شرح ابن ميثم ٤ : ٢٩١ مثل المصرية أيضا .

( ٣ ) تفسير القمي ١ : ١٧٦ .

( ٤ ) المائدة : ٦٢ ٦٣ .

٣١٥

الذي يريد ، فقال : أردت محمّدا ، قال : إنّه يحرّم عليكم الخمر و الزنا و القمار . قال :

أمّا الزنا فقد تركني و لم أتركه ، و أمّا الخمر فقد قضيت منها و طرا و أمّا القمار فلعلّي أصيب منه عوضا ، قال : فهل لك إلى خير ؟ قال : و ما هو ؟ قال : بيننا و بينه هدنة ، فترجع عامك هذا ، و تأخذ مائة ناقة حمراء ، فان ظفر بعد ذلك أتيته ، و إن ظفرنا كنت أصبت من رحلتك عوضا . فقال : لا أبالي . فأخذه أبو سفيان إلى منزله و جمع عليه أصحابه ، و قال : يا معاشر قريش هذا أعشى قيس ، و لئن و صل إلى محمّد ليضر منّ عليكم العرب قاطبة . فجمعوا مائة ناقة حمراء ،

فانصرف ، فلمّا صار بناحية اليمامة القاه بعير فقتله ١ .

هذا ، و قال الجوهري في قول الشاعر :

فليس كعهد الدار يا أمّ مالك

و لكن أحاطت بالرقاب السلاسل

أي : ليس الأمر كما عهدت ، و لكن جاء الاسلام فهدم ذلك ٢ .

٢٨

من الخطبة ( ٨٤ ) وَ عَمَّرَ فِيكُمْ نَبِيَّهُ أَزْمَاناً حَتَّى أَكْمَلَ لَهُ وَ لَكُمْ فِيمَا أَنْزَلَ مِنْ كِتَابِهِ دِينَهُ اَلَّذِي رَضِيَ لِنَفْسِهِ وَ أَنْهَى إِلَيْكُمْ عَلَى لِسَانِهِ مَحَابَّهُ مِنَ اَلْأَعْمَالِ وَ مَكَارِهَهُ وَ نَوَاهِيَهُ وَ أَوَامِرَهُ وَ أَلْقَى إِلَيْكُمُ اَلْمَعْذِرَةَ وَ اِتَّخَذَ عَلَيْكُمُ اَلْحُجَّةَ وَ قَدَّمَ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ٥٠ : ٢٨ وَ أَنْذَرَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ ٣٤ : ٤٦ « و عمّر فيكم نبيّه أزمانا » قال المسعودي : بعث اللّه تعالى رسوله بعد بنيان الكعبة بخمس سنين ، و هو ابن أربعين سنة كاملة ، فأقام بمكّة ثلاث عشرة سنة ، و أخفى أمره ثلاث سنين ، و أنزل عليه بمكّة من القرآن اثنتين

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الشعر و الشعراء لابن قتيبة : ٧٩ .

( ٢ ) صحاح اللغة للجوهري ١ : ٥١٣ مادة ( عهد ) .

٣١٦

و ثمانين سورة ، و نزل تمام بعضها بالمدينة ، و كان دخوله إلى المدينة يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأوّل ، فأقام بها عشر سنين كوامل ١ .

« حتى أكمل » عزّ و جلّ .

« له و لكم في ما أنزل من كتابه دينه » . . . اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي . . . ٢ .

« الّذي رضي لنفسه » هكذا في النسخ ٣ ، و الظاهر أنّ الأصل : رضيه لكم نفسه ، فالأصل في كلامه عليه السلام قوله تعالى : . . . و رضيت لكم الاسلام دينا . . . ٤ .

روى المصنّف في ( مناقبه ) عن محمّد بن إسحاق عن أبي جعفر عن جدّه عليه السلام قال : لمّا انصرف النبيّ صلى اللّه عليه و آله من حجّة الوداع نزل أرضا يقال لها :

ضجنان ، فنزلت : يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك و إن لم تفعل فما بلّغت رسالته و اللّه يعصمك من الناس . . . ٥ ، فلما نزلت : يعصمك من الناس نادى : الصلاة جامعة . فاجتمع الناس إليه ، فقال : من أولى منكم بأنفسكم ؟ فضجّوا بأجمعهم : اللّه و رسوله . فأخذ بيد عليّ بن أبي طالب عليه السلام ،

و قال : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللّهم و ال من والاه ، و عاد من عاداه ، و انصر من نصره ، و اخذل من خذله ، فانّه منّي و أنا منه ، و هو منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّه لا نبي بعدي . و كان آخر فريضة فرضها اللّه تعالى على أمّة

ـــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٢٧٥ ٢٧٩ و النقل بتقطيع .

( ٢ ) المائدة : ٣ .

( ٣ ) كذا في نهج البلاغة ١ : ١٥٠ ، و شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٢٢ ، و شرح ابن ميثم ٢ : ٢٨١ .

( ٤ ) المائدة : ٣ .

( ٥ ) المائدة : ٦٧ .

٣١٧

محمّد صلى اللّه عليه و آله ، ثمّ أنزل تعالى على نبيّه صلى اللّه عليه و آله : . . . اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا . . . ، فقبلوا من النبيّ صلى اللّه عليه و آله كلّ ما أمرهم من الفرائض في الصلاة و الزكاة و الصوم و الحجّ ، و صدّقوه على ذلك . . . و في ذيله عدم تصديقهم له في فريضة الولاية الّتي هي أعظم الفرائض ،

و بها إكمال الدين ١ .

و في ( طرائف ابن طاووس ) قال أبو عبد اللّه الصادق عليه السلام : نعطي حقوق الناس بشهادة شاهدين و ما أعطي أمير المؤمنين عليه السلام حقّه بشهادة عشرة آلاف نفس يعني الغدير ٢ . إنّ هذا الضلال عن الحقّ المبين . . . فماذا بعد الحقّ إلاّ الضلال فأنّى تصرفون كذلك حقّت كلمة ربّك على الّذين فسقوا إنّهم لا يؤمنون ٣ .

و روى سعد بن عبد اللّه القمي بأسناده عن زيد الشحام قال : كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام و عنده رجل من المغيريّة ، فسأله عن شي‏ء من السنن ، فقال :

ما من شي‏ء يحتاج إليه ابن آدم إلاّ و خرجت فيه السنّة من اللّه تعالى و من رسوله صلى اللّه عليه و آله ، و لو لا ذلك ما احتجّ الله علينا بما احتجّ . فقال المغيري : و بم احتجّ اللّه ؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : بقوله : . . . اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا . . . ٤ حتّى تمّم الاية فلو لم يكمل سنّته و فرائضه ما احتجّ به ٥ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) رواه عن كتاب المناقب الفاخرة البحراني في البرهان ١ : ٤٣٦ ح ٨ .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب ٣ : ٢٦ ، و قول الشارح : طرائف ابن طاووس خطا .

( ٣ ) يونس : ٣٢ ٣٣ .

( ٤ ) المائدة : ٣ .

( ٥ ) أخرجه سعد بن عبد اللّه في البصائر ، مختصره : ٦٦ ، و الصفار في البصائر : ٥٣٧ ح ٥٠ عن زيد الشحام ، و أخرجه بفرق في الذيل الكليني في الكافي ٣ : ٦٩ ح ٣ ، و البرقي في المحاسن : ٢٧٨ ح ٤٠٠ أيضا عن زيد الشحام ، و أمّا أصل كتاب بصائر الدرجات لسعد بن عبد اللّه فمفقود ، و يوجد اليوم مختصره فقط ، تأليف الحسن بن سليمان الحلي .

٣١٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

« و أنهى » أي : أبلغ .

« إليكم على لسانه » أي : نبيّه صلى اللّه عليه و آله .

« محابّه » جمع محبوب ، أي : ما يحبّه .

« من الأعمال و مكارهه » جمع مكروه ، أي : ما يكرهه منها .

« و نواهيه » و زواجره .

« و أوامره » و واجباته ، روى ( إرشاد المفيد ) أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله خرج في مرض وفاته معصوب الرأس معتمدا على أمير المؤمنين عليه السلام بيمنى يديه ، و على الفضل بن العبّاس باليد الاخرى حتّى صعد المنبر ، فجلس عليه ثمّ قال :

معاشر الناس قد حان منّي خفوق من بين أظهركم إلى أن قال ليس بين اللّه و بين أحد شي‏ء يعطيه به خيرا ، أو يصرف عنه به شرّا إلاّ العمل . أيّها الناس لا يدع مدّع ، و لا يتمنّ متمنّ ، و الّذي بعثني بالحقّ نبيّا لا ينجي إلاّ عمل مع رحمة ،

و لو عصيت لهويت ، اللّهم هل بلّغت . . . ١ .

و روى ( طبقات ابن سعد ) عن أبي غادية قال : خطبنا النبيّ صلى اللّه عليه و آله يوم العقبة فقال : يا أيّها الناس ألا إنّ دماءكم و أموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربّكم ، كحرمة يومكم هذا في شركم هذا في بلدكم هذا ، ألاهل بلّغت ؟ فقلنا :

نعم . فقال : اللّهمّ اشهد . ثم قال : ألا لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض ٢ .

« فألقى » تعالى بعد أن عمّر نبيّه حتّى أكمل دينه ، و أنهى محابّه و كارهه على لسانه .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الارشاد للمفيد : ٩٧ .

( ٢ ) الطبقات لابن سعد ٣ : ق ١ : ١٨٦ .

٣١٩

« إليكم المعذرة » فلا يمكنكم الاعتذار مع المخالفة بالجهالة .

« و اتّخذ عليكم الحجّة » قل فللّه الحجّة البالغة . . . ١ ، . . . فيقولوا ربّنا لو لا أرسلت إلينا رسولا فنتّبع آياتك و نكون من المؤمنين ٢ .

« و قدّم إليكم بالوعيد » الأصل فيه قوله تعالى : قال لا تختصموا لديّ و قد قدّمت إليكم بالوعيد ٣ .

« و أنذركم بين يدي » أي : قدام .

« عذاب شديد » تنزيل العزيز الرحيم لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم فافلون ٤ .

٢٩

الخطبة ( ٧٠ ) و من خطبة له عليه السلام علّم فيها النّاس الصلاة على النبيّ صلى اللّه عليه و آله :

اَللَّهُمَّ دَاحِيَ اَلْمَدْحُوَّاتِ وَ دَاعِمَ اَلْمَسْمُوكَاتِ وَ جَابِلَ اَلْقُلُوبِ عَلَى فِطْرَتِهَا شَقِيِّهَا وَ سَعِيدِهَا اِجْعَلْ شَرَائِفَ صَلَوَاتِكَ وَ نَوَامِيَ بَرَكَاتِكَ عَلَى ؟ مُحَمَّدٍ ؟ عَبْدِكَ وَ رَسُولِكَ اَلْخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ وَ اَلْفَاتِحِ لِمَا اِنْغَلَقَ وَ اَلْمُعْلِنِ اَلْحَقَّ بِالْحَقِّ وَ اَلدَّافِعِ جَيْشَاتِ اَلْأَبَاطِيلِ وَ اَلدَّامِغِ صَوْلاَتِ اَلْأَضَالِيلِ كَمَا حُمِّلَ فَاضْطَلَعَ قَائِماً بِأَمْرِكَ مُسْتَوْفِزاً فِي مَرْضَاتِكَ غَيْرَ نَاكِلٍ عَنْ قُدُمٍ وَ لاَ وَاهٍ فِي عَزْمٍ وَاعِياً لِوَحْيِكَ حَافِظاً عَلَى عَهْدِكَ مَاضِياً عَلَى نَفَاذِ أَمْرِكَ حَتَّى أَوْرَى قَبَسَ اَلْقَابِسِ وَ أَضَاءَ اَلطَّرِيقَ لِلْخَابِطِ وَ هُدِيَتْ بِهِ اَلْقُلُوبُ بَعْدَ خَوْضَاتِ اَلْفِتَنِ وَ اَلْآثَامِ وَ أَقَامَ مُوضِحَاتِ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأنعام : ١٤٩ .

( ٢ ) القصص : ٤٧ .

( ٣ ) ق : ٢٨ .

( ٤ ) يس : ٥ ٦ .

٣٢٠