• البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 99335 / تحميل: 4091
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 2

مؤلف:
العربية

كآبة ، ثمّ قال : و اللّه لقد رأيت إثرا من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فما أرى أحدا يشبههم ، و اللّه إن كانوا ليصبحوا شعثا غبرا صفرا ، بين أعينهم مثل ركب المغزى ، قد باتوا يتلون كتاب اللّه ، يراوحون بين أقدامهم و جباههم ، إذا ذكروا اللّه مادوا كما يميد الشجر في يوم ريح ، و انهملت أعينهم حتّى تبلّ ثيابهم ،

و كأنّهم و اللّه باتوا غافلين . يريد أنّهم يستقلّون ذلك ١ .

و قال الثاني : و من كلامه عليه السّلام في ذكر خيار الصحابة و زهّادهم ما رواه صعصعة بن صوحان العبدي قال : صلّى بنا أمير المؤمنين عليه السّلام ذات يوم صلاة الصبح ، فلمّا سلّم أقبل على القبلة بوجهه يذكر اللّه لا يلتفت يمينا و لا شمالا ، حتّى صارت الشمس على حائط مسجدكم هذا يعني جامع الكوفة قيد رمح ، ثمّ أقبل علينا بوجهه عليه السّلام فقال : لقد عهدت أقواما على عهد خليلي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و أنّهم ليراوحون في هذا الليل بين جباههم و ركبهم ، فإذا أصبحوا أصبحوا شعثا غبرا ، بين أعينهم شبه ركب المعزى ، فإذا ذكروا الموت مادوا كما يميد الشجر في الريح ، ثمّ انهملت عيونهم حتّى تبلّ ثيابهم.

ثمّ نهض عليه السّلام و هو يقول : كأنّما القوم باتوا غافلين ٢ .

و روى الثالث صحيحا عن معروف بن خربوذ عن أبي جعفر عليه السّلام قال :

صلّى أمير المؤمنين عليه السّلام بالناس الصبح بالعراق ، فلمّا انصرف و عظهم فبكى و أبكاهم من خوف اللّه تعالى ، ثمّ قال : أما و اللّه لقد عهدت أقواما على عهد خليلي رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و أنّهم ليصبحون و يمسون شعثاء غبراء خمصاء ، بين أعينهم كركب المعزي ، يبيتون لربّهم سجّدا و قياما ، يراوحون بين أقدامهم و جباههم ، يناجون ربّهم و يسألونه فكاك رقابهم من النار ، و اللّه لقد رأيتهم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ٣٠١ .

( ٢ ) الارشاد للمفيد : ١٢٦ .

٤٠١

و هم مع ذلك و هم جميع مشفقون منه خائفون ١ .

و رواه ( الكافي ) عنه أيضا ، و رواه عن علي بن الحسين عليه السّلام أيضا عنه عليه السّلام ، و في خبره : و اللّه لقد أدركت أقواما يبيتون لربّهم سجّدا و قياما ،

يخالفون بين جباههم و ركبهم ، كأنّ زفير النار في آذانهم ، إذا ذكر اللّه عندهم مادوا كما يميد الشجر ، كأنّما القوم باتوا غافلين . قال : ثمّ قال : فما رئي ضاحكا حتّى قبض ٢ .

« لقد رأيت أصحاب محمّد صلى اللّه عليه و آله » الأصل في كلام المصنّف رواية ابن قتيبة المتقدمة ، و قد عرفت أنّها بلفظ « رأيت إثرا من أصحابه » أي : خلّصا ، و هو الصحيح . فلم يكن جميع أصحابه كذلك بل إثر منهم ، و قد عرفت أنّ روايتي الشيخين بدلتاه بلفظ « لقد عهدت أقواما على عهد خليلي » ٣ و لو كانت رواية المصنّف صحيحة ، فالمراد أصحابه الخاصّون الملازمون له ليلا و نهارا المتخلقون بأخلاقه ، لا ما اصطلح عليه أصحاب الكتب الصحابية .

و قوله عليه السّلام « لقد رأيت » أو « عهدت » دالّ على عدم بقائهم في وقت إخباره ، و كان من أراده عليه السّلام مات جمع منهم في حياة النبيّ صلى اللّه عليه و آله كحمزة ،

و جعفر ، و زيد بن حارثة ، و عبد اللّه بن رواحة ، و عثمان بن مظعون ، و سعد بن معاذ و غيرهم ، و بقي منهم جمع ماتوا بعده صلى اللّه عليه و آله في أيّام الثلاثة ، و في أوائل أيّامه كسلمان و أبي ذر ، و المقداد ، و عمّار ، و حذيفة ، و ذي الشهادتين ، و ابن التيهان ، و نظرائهم .

و قد وصفوا في القرآن في قوله عزّ و جلّ : محمّد رسول اللّه و الّذين

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أمالي أبي علي الطوسي ١ : ١٠٠ المجلس ٤ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٣٥ ، ٢٣٦ الحديث ٢١ ، ٢٢ .

( ٣ ) الإرشاد للمفيد : ١٢٦ ، و أمالي أبي علي الطوسي ١ : ١٠٠ المجلس ٤ .

٤٠٢

معه أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم تراهم ركّعا سجّدا يبتغون فضلا من اللّه و رضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة و مثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزرّاع ليغيظ بهم الكفّار وعد اللّه الّذين آمنوا و عملوا الصالحات منهم مغفرة و أجرا عظيما ١ .

« فما أرى أحدا منكم يشبههم » هكذا في ( المصرية ) و ليست كلمة ( منكم ) في ( ابن ميثم و الخطيّة ) ٢ و لكن في ( ابن أبي الحديد ) ٣ : « فما أرى أحدا يشبههم منكم » .

« لقد كانوا يصبحون شعثا » أي : متغيري الشعور و منتشريها .

« غبرا » بالضم فالسكون ، جمع أغبر .

« و قد » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( قد ) بدون ( واو ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٤ .

« باتوا سجّدا و قياما » فيكون ليلهم بين السجود و القيام ، و الأصل فيه قوله تعالى : و عباد الرحمن الّذين يمشون على الأرض هونا و إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما . و الّذين يبيتون لربّهم سجّدا و قياما ٥ .

« يراوحون بين جباههم و خدودهم » بمعنى أنّه إذا كلّت جباههم من طول سجودهم ، و ضعوا خدودهم لتحصل راحة للجباه ، و بالعكس ، و كانوا يتأسّون في ذلك بصاحبهم النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم ، فقد كان يتعب نفسه في عبادة ربّه

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الفتح : ٢٩ .

( ٢ ) لفظ شرح ابن ميثم ٢ : ٤٠٤ « منكم يشبههم » أيضا .

( ٣ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٨٦ .

( ٤ ) توجد ( الواو ) في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٨٦ ، و شرح ابن ميثم ٢ : ٤٠٤ .

( ٥ ) الفرقان : ٦٣ ٦٤ .

٤٠٣

حتّى خاطبه عزّ و جلّ بقوله : طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ١ فكان يقوم في صلاته حتّى و رمت قدماه .

هذا ، و قد عرفت أنّ في رواية ( عيون القتيبي ) : « يراوحون بين أقدامهم و جباههم » ٢ و هو الأنسب بقوله عليه السّلام : « سجّدا و قياما » تبعا للآية ٣ .

« و يقفون على مثل الجمر » من النار .

« من ذكر معادهم » قال تعالى في وصفهم : و الّذين يقولون ربّنا اصرف عنّا عذاب جهنّم إنّ عذابها كان غراما . إنّها ساءت مستقرّا و مقاما ٤ .

و في ( الطبري ) : لمّا ودّع عبد اللّه بن رواحة و هو الثالث من أمراء مؤتة الناس بكى ، فقالوا له : ما يبكيك يابن رواحة ؟ فقال : أما و اللّه ما بي حبّ الدّنيا و لا صبابة بكم ، و لكنّي سمعت النبيّ صلى اللّه عليه و آله يقرأ آية من كتاب اللّه تعالى يذكر فيها النار و إن منكم إلاّ واردها كان على ربك حتما مقضيّا ٥ فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود . فقال المسلمون : صحبكم اللّه و دفع عنكم ، و ردّكم إلينا صالحين . فقال عبد اللّه بن رواحة :

لكنّني أسأل الرحمن مغفرة

و ضربة ذات فرغ تقذف الزبدا

أو طعنة بيدي حرّان مجهزة

بحربة تنفذ الأحشاء و الكبدا

٦ « كأنّ بين أعينهم ركب » جمع ركبة .

« المعزى » في ( الصحاح ) : المعز من الغنم خلاف الضأن ، و هو اسم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) طه : ١ ٢ .

( ٢ ) عيون الأخبار لابن قتيبة ٢ : ٣٠١ .

( ٣ ) الفرقان : ٦٤ .

( ٤ ) الفرقان : ٦٥ ٦٦ .

( ٥ ) مريم : ٧١ .

( ٦ ) تاريخ الطبري ٢ : ٣١٩ سنة ٨ .

٤٠٤

جنس ، و كذلك المعز ، و المعيز و الأمعوز و المعزى ١ .

« من طول سجودهم » . . . سيماهم في وجوههم من أثر السجود . . . ٢ .

« إذا ذكر اللّه هملت » أي : فاضت .

« أعينهم حتّى تبلّ » أي : تصير رطبا .

« جيوبهم » قال الجوهري : الجيب للقميص ٣ .

« و مادوا » أي : تحرّكوا .

« كما يميد الشجر يوم الريح العاصف » إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم . . . ٤ .

« خوفا من العقاب و رجاء للثواب » و عقابه ما لا تقوم له السماوات و الأرض ، و ثوابه ما لا عين رأت و لا أذن سمعت .

و رووا في قصّة غزوة ذي قرد عن سلمة بن الأكوع قال : أخذت عنان فرس الأخرم ، و قلت له : احذر لا يقتطعوك حتّى تلحق بنا النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم فقال : يا سلم إنّ كنت تؤمن باللّه و اليوم الآخر ، و تعلم أنّ الجنّة حقّ و النّار حقّ فلا تخل بيني و بين الشهادة . فخلّيته فالتقى هو و عبد الرحمن بن عيينة فعقر الأخرم فرسه ، و طعنه عبد الرحمن فقتله ٥ .

هذا ، و روى ( أسد الغابة ) عن أبي مدينة الدارمي ، قال : كان الرجلان من أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه و آله إذا التقيا لم يتفرّقا حتّى يقرأ أحدهما على الآخر

ـــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة ٢ : ٨٩٣ مادة ( معز ) .

( ٢ ) الفتح : ٢٩ .

( ٣ ) صحاح اللغة للجوهري ١ : ١٠٤ مادة ( جيب ) .

( ٤ ) الأنفال : ٢ .

( ٥ ) الطبقات لابن سعد ٢ ق ١ : ٦٠ ، و الطبري في تاريخه ٢ : ٢٥٦ سنة ٦ و النقل بتلخيص .

٤٠٥

و العصر . إنّ الإنسان لفي خسر ١ إلى آخرها ، ثمّ يسلّم أحدهما على الآخر ٢ .

و رووا أنّ أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه و آله كانوا يتهيؤون لآداب يوم الجمعة من يوم الخميس ٣ .

و روى ( قرب الإسناد ) : أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام صاحب رجلا ذميّا ، فقال له الذّمّي : أين تريد يا عبد اللّه ؟ قال : أريد الكوفة . فلمّا عدل الطريق بالذمي عدل معه عليّ عليه السّلام ، فقال الذمّي له : ألست تريد الكوفة ؟ قال عليه السّلام : بلى . فقال له الذمّي :

فقد تركت الطريق . فقال له : قد علمت . فقال له : فلم عدلت معي ، و قد علمت ذلك ؟

فقال له عليّ عليه السّلام : هذا من تمام حسن الصحبة ، أن يشيّع الرجل صاحبه هنيئة إذا فارقه ، هكذا أمرنا نبيّنا صلى اللّه عليه و آله و سلم . فقال له : هكذا قال ؟ قال : نعم . فقال له الذمّي :

لا جرم إنّما تبعه من تبعه لأفعاله الكريمة ، و أنا أشهدك أنّي على دينك . فرجع الذمي مع عليّ عليه السّلام ، فلمّا عرفه أسلم ٤ .

٣٦

الحكمة ( ٩٦ ) و قال عليه السّلام :

إِنَّ أَوْلَى اَلنَّاسِ بِالْأَنْبِيَاءِ أَعْمَلَهُمْ بِمَا جَاءُوا ثُمَّ تَلاَ ع إِنَّ أَوْلَى اَلنَّاسِ ؟ بِإِبْراهِيمَ ؟ لَلَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ وَ هذَا ؟ اَلنَّبِيُّ ؟ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا ٣ : ٦٨ ثُمَّ قَالَ ع إِنَّ وَلِيَّ ؟ مُحَمَّدٍ ؟ مَنْ أَطَاعَ اَللَّهَ وَ إِنْ بَعُدَتْ لُحْمَتُهُ وَ إِنَّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) العصر : ١ ٢ .

( ٢ ) أسد الغابة لابن الأثير ٣ : ١٤٤ .

( ٣ ) احياء علوم الدين للغزالي ١ : ١٦١ .

( ٤ ) قرب الإسناد للحميري : ٧ ، و الكافي للكليني ٢ : ٦٧٠ ح ٥ .

( ٥ ) آل عمران : ٦٨ .

٤٠٦

عَدُوَّ ؟ مُحَمَّدٍ ؟ مَنْ عَصَى اَللَّهَ وَ إِنْ قَرُبَتْ لُحْمَتُهُ « إنّ أولى الناس بالأنبياء أعملهم » قال ابن أبي الحديد الرواية « أعلمهم » ،

و الصحيح ( أعملهم ) لأن استدلاله بالآية يقتضي ، و كذا قوله عليه السّلام فيما بعد ١ .

و قال ابن ميثم : ( أعلمهم ) صحيح لأنّ العمل موقوف على العلم ٢ .

قلت : العلم شرط للعمل لا سبب له ، و إنّما يطلق السبب على المسبّب لتلازمهما ، لا الشرط على المشروط ، لا سيما مع كثرة تخلّف العمل عن العلم ،

و كون العلماء غير العاملين أكثر من العلماء العاملين ، و هو عليه السّلام في مقام بيان الأهمية لنفس العمل ، فالصحيح ( أعملهم ) و حيث إنّ الفرق بينه و بين ( أعملهم ) في الخطّ قليل وقع التصحيف من المصنّف أو غيره قبله أو بعده .

« بما جاؤوا » من الشرائع .

« ثمّ تلا » شاهدا لكلامه قوله تعالى :

إنّ أولى الناس بإبراهيم للّذين اتّبعوه و هذا النبيّ . . . » لأنّه صلى اللّه عليه و آله كان أتبع الناس لإبراهيم . قال تعالى : ثمّ أوحينا إليك أن اتّبع ملّة إبراهيم حنيفا . . . ٣ .

و في ( طبقات كاتب الواقدي ) : قال قوم من بني مدلج لعبد المطلب :

احتفظ به ( يعنون محمّدا صلى اللّه عليه و آله ) فإنّا لم نر قدما أشبه بالقدم التي في المقام منه .

فقال عبد المطلب لأبي طالب : اسمع ما يقول هؤلاء . فكان أبو طالب يحتفظ به ٤ .

« و الّذين آمنوا » إيمانا حقيقيّا ، و الآية في سورة آل عمران .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٢٨٣ .

( ٢ ) هذا مفهوم كلام ابن ميثم في شرحه ٥ : ٢٨٩ لا صريح قوله .

( ٣ ) النحل : ١٢٣ .

( ٤ ) الطبقات لابن سعد ١ ق ١ : ٧٤ .

٤٠٧

« ثمّ قال إنّ وليّ محمّد صلى اللّه عليه و آله من أطاع اللّه و إن بعدت لحمته ، و إنّ عدوّ محمّد صلى اللّه عليه و آله من عصى اللّه ، و إن قربت لحمته » لحمة بالضم : القرابة ، قال ابن أبي الحديد في الحديث الصحيح : يا فاطمة بنت محمّد إنّي لا أغني عنك من اللّه شيئا ١ . و قال رجل لجعفر بن محمّد عليه السّلام : أرأيت قول النبيّ صلى اللّه عليه و آله : إنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّم اللّه ذريّتها على النار ، أليس هذا أمانا لكلّ فاطميّ في الدّنيا ؟ فقال : إنّك لأحمق إنّما أراد حسنا و حسينا لأنّهما من الخمسة أهل البيت ، فأمّا من عداهما فمن قعد به عمله لم ينهض به نسبه ٢ .

قلت : و روى ( عيون ابن بابويه ) عن ياسر ، و الوشا ، و ابن الجهم : أنّ الرضا عليه السّلام قال لأخيه زيد بن موسى المعروف بزيد النار : أغرّك قول سفلة أهل الكوفة « إنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّم اللّه ذريّتها على النار » ذلك للحسن و الحسين خاصّة ، إن كنت ترى أنّك تعصي اللّه عزّ و جلّ و تدخل الجنّة ، و موسى بن جعفر أطاع اللّه و دخل الجنّة ، فأنت إذن أكرم على اللّه عزّ و جلّ من موسى بن جعفر ، و اللّه ما ينال أحد ما عند اللّه عزّ و جلّ إلاّ بطاعته ، و زعمت أنّك تناله بمعصيته ، فبئس ما زعمت . فقال له زيد : أنا أخوك ، و ابن أبيك . فقال له :

أنت أخي ما أطعت اللّه عزّ و جلّ ، إنّ نوحا قال : . . . ربّ إنّ ابني من أهلي و إنّ وعدك الحقّ و أنت أحكم الحاكمين ٣ فقال عزّ و جلّ له : . . . يا نوح إنّه ليس من أهلك إنّه عمل غير صالح . . . ٤ فأخرجه اللّه عزّ و جلّ من أن يكون أهله بمعصية و زاد في ( رواية الوشا ) : إنّه عليه السّلام التفت إلى الوشا ، و قال له : و أنت إذا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) صحيح مسلم ١ : ١٦٢ ح ٣٥١ ، ٣٥٢ و سنن النسائي ٦ : ٢٥٠ و غيرهما .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٢٨٣ ، و أخرج هذا المعنى الصدوق في عيون الأخبار ٢ : ٢٣٤ ح ١ عن الرضا عليه السّلام و أخرج معناه بطرق ثلاثة الصدوق في معاني الأخبار : ١٠٦ ، ١٠٧ ح ٢ ٤ عن الصادق عليه السّلام .

( ٣ ) هود : ٤٥ .

( ٤ ) هود : ٤٦ .

٤٠٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

أطعت اللّه تعالى فأنت منّا أهل البيت و زاد في ( رواية ابن الجهم ) : و قال عليه السّلام له :

يابن الجهم من خالف دين اللّه فابرأ منه كائنا من كان ، من أيّ قبيلة كان ، و من عادى اللّه فلا تواله كائنا من كان ، و من أيّ قبيلة كان . فقلت : يابن رسول اللّه ،

و من الّذي يعادي اللّه ؟ قال : من يعصيه ١ .

و عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم قال لبني عبد المطلّب ، و بني هاشم : إنّي رسول اللّه إليكم ، و إنّي شفيق عليكم و إنّ لي عملي ، و لكلّ رجل منكم عمله ، لا تقولوا : إنّ محمّدا منّا ، و سندخل مدخله ، فلا و اللّه ما أوليائي منكم و لا من غيركم يا بني عبد المطلب إلاّ المتّقون ، إلاّ فلا أعرفكم يوم القيامة تأتون تحملون الدّنيا على ظهوركم ، و يأتون الناس يحملون الآخرة ، ألا إنّي قد أعذرت إليكم فيما بيني و بينكم ، و فيما بيني و بين اللّه عزّ و جلّ فيكم ٢ .

و قال : يا بني عبد المطّلب إيتوني بأعمالكم لا بأحسابكم و أنسابكم ، قال عزّ و جلّ : فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ و لا يتساءلون ٣ .

و عن الرضا عليه السّلام : قال عليّ بن الحسين عليه السّلام : لمحسننا كفلان من الأجر ،

و لمسيئنا ضعفان من العذاب ٤ .

و عن الكاظم عليه السّلام : أنّ إسماعيل قال لأبيه الصادق عليه السّلام : ما تقول في المذنب منّا و من غيرنا ؟ فقال عليه السّلام : ليس بأمانيكم و لا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به . . . ٥ .

و عن موسى الرّازي : قال رجل للرضا عليه السّلام : و اللّه ما على وجه الأرض

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرج الأحاديث الثلاثة الصدوق في عيون الأخبار للصدوق ٢ : ٢٣٤ ، ٢٣٦ ح ١ ، ٤ ، ٦ و النقل بتصرف .

( ٢ ) الكافي للكليني ٨ : ١٨٢ ح ٢٠٥ ، و صفات الشيعة للصدوق : ٥ ح ٨ .

( ٣ ) عيون الأخبار للصدوق ٢ : ٢٣٧ ح ٧ ، و الآية ١٠١ من سورة ( المؤمنون ) .

( ٤ ) روى هذا المعنى الطبرسي في مجمع البيان ٨ : ٣٥٤ عن السجاد عليه السّلام و زيد بن علي .

( ٥ ) عيون الأخبار للصدوق ٢ : ٢٣٦ ح ٥ ، و الآية ١٢٣ من سورة النساء .

٤٠٩

أشرف منك أبا ؟ فقال : التقوى شرّفتهم ، و طاعة اللّه أحظّتهم . فقال له آخر : أنت و اللّه خير الناس . فقال له : لا تحلف يا هذا ، خير منّي من كان أتقى للّه و أطوع له ،

و اللّه ما نسخت هذه الآية . . . و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند اللّه أتقاكم ١ . . . ٢ .

قلت : صدق عليه السّلام إن كان وجد أحد أتقى منه كان خيرا منه لكن لم يوجد ،

و عن الرضا عليه السّلام : إنّا أهل بيت وجب حقّنا برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ، فمن أخذ برسول اللّه حقّا ، و لم يعط الناس من نفسه مثله فلا حقّ له ٣ .

و عنه عليه السّلام و أومأ إلى عبد أسود من غلمانه : إن كان يرى أنّه خير من هذا بقرابتي من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله إلاّ أن يكون لي عمل صالح ، فأكون أفضل به منه ٤ .

و عن الباقر عليه السّلام : يكتفي من اتخذ التشيّع أن يقول بحبّنا أهل البيت ، فو اللّه ما شيعتنا إلاّ من اتّقى اللّه و أطاعه ، و ما كانوا يعرفون إلاّ بالتواضع و التخشع ،

و أداء الأمانة ، و كثرة ذكر اللّه و الصوم و الصلاة ، و البرّ بالوالدين ، و التعهد للجيران من الفقراء ، و أهل المسكنة و الغارمين و الأيتام ، و صدق الحديث ،

و تلاوة القرآن ، و كفّ الألسن عن الناس إلاّ من خير ، و كانوا أمناء عشائرهم في الأشياء . فقال له جابر الجعفي : يابن رسول اللّه ما نعرف أحدا بهذه الصفة .

فقال : يا جابر لا تذهبنّ بك المذاهب ، حسب الرجل أن يقول : أحبّ عليّا و أتولاّه « ثمّ لا يكون مع ذلك فعّالا » فلو قال : إنّي أحبّ رسول اللّه ، و رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله خير من عليّ عليه السّلام ثمّ لا يتّبع سيرته ، و لا يعمل بسنّته ما نفعه حبّه إيّاه شيئا ، فاتّقوا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الحجرات : ١٣ .

( ٢ ) أخرجهما الصدوق في عيون الأخبار ٢ : ٢٣٨ ح ٩ ، ١٠ .

( ٣ ) المصدر نفسه .

( ٤ ) عيون الأخبار للصدوق ٢ : ٢٣٨ ح ١١ .

٤١٠

اللّه و اعملوا لما عند اللّه ، ليس بين اللّه و بين أحد قرابة ، أحبّ العباد إلى اللّه تعالى ،

و أكرمهم عليه أتقاهم له و أعملهم بطاعته ، يا جابر و اللّه ما يتقرّب العبد إلى اللّه تعالى إلاّ بالطاعة ، ما معنا براءة من النار ، و لا على اللّه لأحد من حجّة . من كان للّه مطيعا فهو لنا وليّ ، و من كان للّه عاصيا فهو لنا عدوّ ، و لا تنال و لا يتنا إلاّ بالعمل و الورع ١ .

و حيث يقول تعالى لنبيّه صلى اللّه عليه و آله و سلم : قل إنّي أخاف إن عصيت ربّي عذاب يوم عظيم ٢ ، و لو تقوّل علينا بعض الأقاويل . لأخذنا منه باليمين . ثمّ لقطعنا منه الوتين ٣ كيف يتوقع النجاة بانتساب إليه صلى اللّه عليه و آله بلا عمل ، و مع سوء عمل ؟

بل قوله تعالى لنساء النبيّ صلى اللّه عليه و آله : . . . من يأت منكنّ بفاحشة مبيّنة يضاعف لها العذاب ضعفين و كان ذلك على اللّه يسيرا ٤ يدلّ على أشديّة عذاب المنسوبين إليه عليه السّلام في مخالفتهم ، و به صرّح السجّاد عليه السّلام في الخبر المتقدّم .

و أمّا ما نقلوا على لسان النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم : « و الطالحون لي » ٥ فأخبار موضوعة ، نظير قول اليهود و النصارى في ما وضعوا لأنفسهم : . . . نحن أبناء اللّه و أحبّاؤه . . . ٦ و قول بني إسرائيل : . . . لن تمسّنا النار إلاّ أيّاما معدودة قل أتّخذتم عند اللّه عهدا فلن يخلف اللّه عهده أم تقولون

ـــــــــــــــــ

( ١ ) صفات الشيعة للصدوق : ١١ ح ٢٢ .

( ٢ ) الأنعام : ١٥ .

( ٣ ) الحاقة : ٤٤ ٤٦ .

( ٤ ) الأحزاب : ٣٠ .

( ٥ ) لم أجده بهذا اللفظ ، نعم جاء هذا المعنى في أمر الشفاعة في أحاديث كثيرة .

( ٦ ) المائدة : ١٨ .

٤١١

على اللّه ما لا تعلمون ١ .

و روى ( الكافي ) صحيحا عن الصادق عليه السّلام قال : خطب النّبيّ صلى اللّه عليه و آله بمنى فقال : أيّها الناس ما جاءكم عنّي يوافق كتاب اللّه فأنا قلته ، و ما جاءكم يخالف كتاب اللّه فلم أقله ٢ .

و قال عليه السّلام : و كلّ حديث لا يوافق كتاب اللّه فهو زخرف ٣ .

هذا ، و روى الكشي عن عمر بن يزيد قال : قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام : يابن يزيد أنت و اللّه منّا أهل البيت . قلت له : جعلت فداك من آل محمّد ؟ قال : إي و اللّه من أنفسهم . قلت : من أنفسهم ؟ قال : إي و اللّه من أنفسهم يا عمر ، أما تقرأ كتاب اللّه عزّ و جلّ : إنّ أولى الناس بإبراهيم للّذين اتّبعوه و هذا النبيّ و الّذين آمنوا و اللّه وليّ المؤمنين ٤ .

٣٧

من الخطبة ( ٢١٢ ) وَ أَشْهَدُ أَنَّ ؟ مُحَمَّداً ؟ عَبْدُهُ وَ سَيِّدُ عِبَادِهِ كُلَّمَا نَسَخَ اَللَّهُ اَلْخَلْقَ فِرْقَتَيْنِ جَعَلَهُ فِي خَيْرِهِمَا لَمْ يُسْهِمْ فِيهِ عَاهِرٌ وَ لاَ ضَرَبَ فِيهِ فَاجِرٌ أقول : و في خطبة له عليه السّلام المروية في ( إثبات المسعودي ) في آباء النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم من آدم إلى مولده صلى اللّه عليه و آله : فلمّا أذنت الّلهم في انتقال محمّد عليه السّلام من صلب آدم ألّفت بينه و بين زوج خلقتها له سكنا ، و وصلت لهما به سببا فنقلته من بينهما إلى شيث إختيارا له بعلمك ، فأيّ بشر كان اختصاصه برسالتك ، ثمّ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ٨٠ .

( ٢ ) الكافي للكليني ١ : ٦٩ ح ٥ ، و المحاسن للبرقي : ٢٢١ ح ١٣٠ ١٣١ ، و تفسير العياشي ١ : ٨ ح ١ .

( ٣ ) الكافي للكليني ١ : ٦٩ ح ٣ ، ٤ ، و المحاسن للبرقي : ٢٢٠ ح ١٢٨ ، و تفسير العياشي ١ : ٩ ح ٤ .

( ٤ ) أخرجه الكشي في معرفة الرجال اختياره : ٣٣١ ح ٦٠٥ ، و أبو علي الطوسي في أماليه ١ : ٤٤ المجلس ٢ ، و مضمون فلان منّا أهل البيت جاء لجمع ، منهم : سلمان و أبو ذر و عمّار و جابر و غيرهم ، و الآية ٦٨ من سورة آل عمران .

٤١٢

نقلته إلى أنوش فكان خلف أبيه في قبول كرامتك ، و احتمال رسالتك ، ثمّ قدّرت نقل النور إلى قينان و ألحقته في الخطوة بالسابقين ، و في المنحة بالباقين ، ثمّ جعلت مهلائيل رابع أجرامه قدرة تودعها من خلقك من تضرب لهم بسهم النبوّة ، و شرف الأبوة حتّى تناهى تدبيرك إلى اخنوع . . . ثمّ أذنت في إيداعه ساما دون حام ، و يافث ، فضربت لهما بسهم في الذلّة ، و جعلت ما أخرجت بينهما لنسل سام خولا . ثمّ تتابع عليه القابلون من حامل إلى حامل ، و مودع إلى مستودع من عترته في فترات الدهور حتّى قبله تارخ أطهر الأجسام و أشرف الأجرام ، و نقلته منه إلى إبراهيم عليه السّلام فأسعدت بذلك جدّه ، و أعظمت به مجده ، و قدّسته في الأصفياء ، و سمّيته دون رسلك خليلا ، ثمّ خصّصت به إسماعيل دون ولد إبراهيم فأنطقت لسانه بالعربيّة الّتي فضّلتها على سائر اللغات ، فلم تزل تنقله من أب إلى أب حتّى قبله كنانة عن مدركه . . . حتّى نقلته إلى هاشم خير آبائه بعد إسماعيل . . . ١ .

« و أشهد أنّ محمّدا عبده و سيّد عباده » حتّى الأنبياء و المرسلين .

« كلّما نسخ اللّه الخلق فرقتين جعله في خيرهما » يشهد له التاريخ في سلسلة آبائه و تدلّ عليه الخطبة المتقدّمة ، و في ( اعتقادات الصدوق ) : اعتقادنا في آباء النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم أنّهم مسلمون من آدم عليه السّلام إلى أبيه عبد اللّه ٢ ، و يجب أن يعتقد أنّ اللّه عزّ و جلّ لم يخلق خلقا أفضل من محمّد و الأئمّة عليهم السّلام ، و أنّهم أحبّ الخلق إلى اللّه تعالى و أكرمهم ، و أوّلهم إقرارا به لمّا أخذ اللّه ميثاق النبيّين . ثم قال : و نعتقد أنّ اللّه تعالى خلق جميع الخلق له صلى اللّه عليه و آله و لأهل بيته عليهم السّلام ، و أنّه لولاهم لما خلق اللّه سبحانه السماء و الأرض ٣ .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الإثبات للمسعودي : ١٠٧ .

( ٢ ) الاعتقادات للصدوق : ٤٥ .

( ٣ ) الاعتقادات للصدوق : ٣٥ .

٤١٣

« لم يسهم فيه عاهر » أي : رجل زان ، و الأصل فيه : من أتي المرأة ليلا للفجور ، ثمّ غلب على المطلق .

« و لا ضرب فيه » بأن يكون دخيلا في نسبه .

« فاجر » أي : فاسق ، و الأصل فيه : الميل عن الصواب ، و قال الراعي النميري :

كانت نجائب منذر و محرّق

أمّاتهن و طرقهن فحيلا

١ هذا ، و في ( البلدان ) في ( كوثى ) : عن عبيدة السلماني سمعت عليّا عليه السّلام يقول : من كان سائلا عن نسبنا فإنّنا نبط من كوثى . و عن ابن الاعرابي : قال رجل لعليّ عليه السّلام : أخبرني عن أصلكم معاشر قريش . فقال : نحن من كوثى .

فقال قوم : أراد عليه السّلام كوثى السواد الّتي ولد بها إبراهيم الخليل عليه السّلام . و قال آخرون أراد كوثى مكّة ، و ذلك أنّ محلّة بني عبد الدار يقال لها : كوثى . فأراد أنّا مكّون من أم القرى مكّة . و قال قوم : أراد عليه السّلام أنّ أبانا إبراهيم عليه السّلام كان من نبط كوثى ، و أنّ نسبنا ينتهي إليه ٢ .

و في ( اعتقادات الصدوق ) : قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : أخرجت من نكاح و لم أخرج من سفاح ، من لدن آدم‏عليه السّلام ٣ .

و في ( الطبقات ) عن الكلبي : كتب للنبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم خمسمائة أمّ ، فما وجدت فيهنّ سفاحا ، و لا شيئا ممّا كان من أمر الجاهلية ٤ .

و في ( المروج ) : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله لمّا دفع إلى حليمة ، قال عبد المطلب

ـــــــــــــــــ

( ١ ) لسان العرب ١١ : ٥١٦ مادة ( فحل ) .

( ٢ ) معجم البلدان للحموي ٤ : ٤٨٨ و النقل بتقطيع .

( ٣ ) رواه الصدوق في الاعتقادات : ٤٥ ، و ابن سعد بثلاث طرق في الطبقات ١ ق ١ : ٣١ ، ٣٢ ، و البيهقي في الدلائل عنه منتخب كنز العمال ٤ : ٢٣٣ ، و قد مرّ الحديث في العنوان ٣ من الفصل الخامس .

( ٤ ) الطبقات لابن سعد ١ ق ١ : ٣١ .

٤١٤

في رواية :

لا همّ ربّ الراكب المسافر

يحمد قلب بخير طائر

تنح عن طريقه الفواجر

وحيه برصد الطواهر

و احبس كل حلف فاجر

في درج الريح و الأعاصر

١ ثمّ مرمى كلامه عليه السّلام : أنّ باقي الناس أسهم فيهم العاهر أبا ، و ضرب فيهم الفاجر أمّا .

و روى القمي في تفسير قوله تعالى : . . . لا تسألوا عن أشياء إنّ تبد لكم تسؤكم . . . ٢ : أنّ صفية بنت عبد المطلب مات ابن لها فأقبلت ، فقال لها الثاني ( يعني عمر ) : غطّي قرطك ، فإنّ قرابتك من النبيّ صلى اللّه عليه و آله لا تنفعك شيئا . فقالت له :

هل رأيت لي قرطا يابن اللخناء . ثمّ دخلت على النبيّ صلى اللّه عليه و آله لا تنفعك شيئا . فقالت له :

هل رأيت لي قرطا يابن اللخناء . ثمّ دخلت على النبيّ صلى اللّه عليه و آله فأخبرته بذلك و بكت ،

فخرج النبيّ صلى اللّه عليه و آله فنادي الصلاة جامعة . فاجتمع الناس ، فقال : ما بال أقوام يزعمون أنّ قرابتي لا تنفع ؟ لو قد قربت المقام المحمود لشفعت في أحوجكم ،

لا يسألني اليوم أحد : من أبواه ، إلاّ أخبرته . فقام إليه رجل ، فقال : من أبي ؟ فقال :

أبوك غير الّذي تدعى له ، أبوك فلان بن فلان . فقام آخر ، فقال : من أبي يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم ؟ فقال : أبوك الّذي تدعى له . ثمّ قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله : ما بال الّذي يزعم أنّ قرابتي لا تنفع لا يسألني عن أبيه ؟ فقام إليه الثاني ( يعنى عمر ) فقال له : أعوذ باللّه من غضب اللّه و غضب رسوله اعف عنّي . . . ٣ .

و روى هشام الكلبي في ( مثالبه ) كما في ( الطرائف ) : أنّ صهاك الّتي كان عمر ينسب إليها كانت أمة حبشية لهاشم بن عبد مناف ، فوقع عليها نضلة بن

ـــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٢٧٤ .

( ٢ ) المائدة : ١٠١ .

( ٣ ) تفسير القمي ١ : ١٨٨ .

٤١٥

هاشم ، ثمّ وقع عليها عبد العزى بن رياح فجاءتا بنفيل جدّ عمر ١ .

و قال الجاحظ في ( مفاخرات قريش ) و قد نقله ابن أبي الحديد في موضع آخر : بلغ عمر بن الخطاب أنّ أناسا من رواة الأشعار و حملة الآثار يعيبون الناس ، و يثلبونهم في أسلافهم . فقام على المنبر و قال : إيّاكم و ذكر العيوب و البحث عن الأصول ، فلو قلت : لا يخرج اليوم من هذه الأبواب إلاّ من لا وصمة فيه ، لم يخرج منكم أحد . فقام رجل من قريش نكره أن نذكره ، فقال : إذن كنت أنا و أنت يا أمير المؤمنين نخرج . فقال : كذبت ، بل كان يقال لك : يا قين بن قين ،

اقعد . قال ابن أبي الحديد : و الرجل الّذي قام هو المهاجر بن خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي ، كان عمر يبغضه لبغضه أباه خالدا ، و لأنّ المهاجر كان علوي الرأي جدّا ، و كان أخوه عبد الرحمن بخلافه ، شهد المهاجر صفين مع عليّ عليه السّلام و شهدها عبد الرحمن مع معاوية ، و كان المهاجر مع عليّ عليه السّلام في يوم الجمل و فقئت ذاك اليوم عينه ٢ .

و قال ابن أبي الحديد أيضا : روى هذا الخبر المدائني في كتاب ( أمّهات الخلفاء ) و قال : إنّه روي عند جعفر بن محمّد عليه السّلام بالمدينة فقال : لا تلمه يابن أخي ، أشفق أن يخدج بقضيّة نفيل بن عبد العزى ، و صهاك أمة الزبير بن عبد المطّلب ٣ .

قلت : الأصل في ما نقله عن المدائني ما رواه الكليني عن سماعة ، قال تعرّض رجل من ولد عمر بن الخطاب بجارية رجل عقيليّ ، فقالت له : إنّ هذا العمري قد آذاني ، فقال لها : عديه و أدخليه الدهليز . فأدخلته فشدّ عليه فقتله

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الطرائف ٢ : ٤٦٩ .

( ٢ ) نقلهما ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ٢٤ شرح الخطبة ٢١٢ .

( ٣ ) المصدر نفسه .

٤١٦

و ألقاه في الطريق . فاجتمع البكريون و العمريون و العثمانيون ، و قالوا : ما لصاحبنا كفو ، لن نقتل به إلاّ جعفر بن محمّد ، و ما قتل صاحبنا غيره . و كان الصادق عليه السّلام قد مضى نحو قبا . قال سماعة : فلقيته بما اجتمع القوم عليه ،

فقال : دعهم . فلما جاء و رأوه و ثبوا عليه ، و قالوا : ما قتل صاحبنا أحد غيرك ،

و ما نقتل به أحدا غيرك . فقال : ليكلّمني منكم جماعة . فاعتزل قوم منهم ، فأخذ بأيديهم فأدخلهم المسجد ، فخرجوا و هم يقولون : شيخنا أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد ، معاذ اللّه أن يكون مثله يفعل هذا ، و لا يأمر به ، انصرفوا . قال سماعة :

فمضيت معه ، و قلت : جعلت فداك ، ما كان أقرب رضاهم من سخطهم ؟ قال :

نعم دعوتهم . فقلت : امسكوا و إلاّ أخرجت الصحيفة . فقلت : و ما هذه الصحيفة جعلني اللّه فداك ؟ فقال : إنّ أمّ الخطاب كانت أمة للزبير بن عبد المطلب ، فشطر بها نفيل فأحبلها ، فطلبه الزبير فخرج هاربا إلى الطائف ، فخرج الزبير خلفه فبصرت به ثقيف ، فقالوا : يا أبا عبد اللّه ما تعمل هاهنا ؟ قال : جاريتي شطر بها نفيلكم ، فهرب منها إلى الشام . و خرج الزبير في تجارة له إلى الشام ، فدخل على ملك الدومة ، فقال له : يا أبا عبد اللّه لي إليك حاجة . قال : و ما حاجتك أيها الملك ؟ فقال : رجل من أهلك قد أخذت ولده فأحبّ أن تردّه عليه . قال : ليظهر لي حتّى أعرفه . فلمّا أن كان من الغد دخل الزبير على الملك فلمّا رآه الملك ضحك ،

فقال : ما يضحكك أيّها الملك ؟ قال : ما أظنّ هذا الرجل ولدته عربية ، إنّه لمّا رآك قد دخلت لم يملك استه أن جعل يضرط . فقال : أيّها الملك إذا صرت إلى مكّة قضيت حاجتك . فلمّا قدم الزبير تحمّل عليه ببطون قريش كلّها أن يدفع إليه ابنه فأبى ثمّ تحمّل عليه بعبد المطلّب . فقال : ما بيني و بينه عمل ، أما علمتم ما فعل في ابني فلان ، و لكن امضوا أنتم إليه . فقصدوه فكلّموه ، فقال لهم الزبير :

إنّ الشيطان له دولة ، و إنّ ابن هذا ابن الشيطان و لست آمن أن يترأس علينا ،

٤١٧

و لكن ادخلوه من باب المسجد عليّ على أن أحمي له حديدة ، و أخطّ في وجهه خطوطا و أكتب عليه و على ابنه ألاّ يتصدّر في مجلس ، و لا يتأمّر على أولادنا ،

و لا يضرب معنا بسهم . ففعلوا و خطّ وجهه بالحديدة ، و كتب عليه الكتاب ،

و ذلك الكتاب عندنا ، فقلت لهم : إن أمسكتم ، و إلاّ أخرجت الكتاب ففيه فضيحتكم فأمسكوا . . . ١ .

و روى هشام الكلبي في ( مثالبه ) : أنّ صعبة بنت الحضرمي أمّ طلحة كانت لها راية بمكّة ، و استبضعت بأبي سفيان فوقع عليها ، و تزوّجها عبيد اللّه ابن عثمان فجاءت بطلحة لستّة أشهر ، فاختصم أبو سفيان و عبيد اللّه في طلحة ، فجعل أمرهما إلى صعبة ، فألحقته بعبيد اللّه ، فقيل لها : كيف تركت أبا سفيان ؟ فقالت : يد عبيد اللّه طلقة و يد أبي سفيان كزّة . و ذكر الكلبي شعر حسّان و غيره في ذلك ٢ .

و روى المسعودي في ( مروجه ) عن كتاب النوفلي عن ابن عايشة و غيره في خبر حجّ معاوية و طواف سعد معه : انصرف معاوية إلى دار الندوة ، فأجلسه ( يعني سعدا ) معه على سريره . . . فقال سعد : و اللّه إنّي لأحقّ بموضعك منك . فقال معاوية : يأبي عليك ذلك بنو عذرة . و كان سعد في ما يقال لرجل من بني عذرة . قال النوفلي : و في ذلك يقول السيّد بن محمّد الحميري :

أو رهط سعد و سعد كان قد علموا

عن مستقيم صراط اللّه صدّادا

قوم تداعوا زنيما ثمّ سادهم

لولا خمول بني زهر لما سادا

٣

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٨ : ٢٥٨ ح ٣٧٢ .

( ٢ ) رواه من مثالب الكلبي المجلسيّ في متن البحار : ٤٠٩ .

( ٣ ) مروج الذهب للمسعودي ٣ : ١٤ ، أولها عن الطبري و آخرها عن كتاب النوفلي .

٤١٨

و تنازع ابن مسعود و سعد في أيّام عثمان ، فقال سعد لابن مسعود :

اسكت يا عبد هذيل . فقال له ابن مسعود : اسكت يا عبد عذرة .

و روى هشام الكلبي في ( مثالبه ) : أنّه كانت لحمامة بعض جدّات معاوية راية بذي المجاز ، و أنّ معاوية كان لأربعة : لعمّار بن الوليد المخزومي ، و لمسافر بن عمرو ، و لأبي سفيان ، و لرجل سمّاه .

قلت : و الرجل العبّاس كما رواه غيره .

قال : و كانت هند من المغتلمات ، و كان أحبّ الرجال إليها السودان ،

و كانت إذا ولدت أسود قتلته ١ .

و نقل سبط ابن الجوزي في ( تذكرته ) عن ( مثالب الكلبي ) : أنّ الحسين عليه السّلام قال لمروان : يابن الزرقاء الداعية إلى نفسها بسوق ذي المجاز صاحبة الراية بسوق عكاظ . قال : فذكر ابن إسحاق أنّ أمّ مروان اسمها أميّة ،

و كانت من البغايا في الجاهلية ، و كان لها راية مثل راية البيطار تعرف بها ،

و كانت تسمّى أمّ حتل الزرقاء ، و كان مروان لا يعرف له أب ، و إنّما نسب إلى الحكم كما نسب عمرو إلى العاص ٢ .

و كانت النابغة أمّ عمرو بن العاص من البغايا أصحاب الرايات بمكّة ،

فوقع عليها العاص بن وائل في عدّة من قريش منهم أبو لهب ، و أميّة بن خلف ،

و هشام بن المغيرة ، و أبو سفيان بن حرب في طهر واحد .

و روى القمي في ( تفسيره ) : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله لمّا أمر بقتل عقبة بن أبي معيط من أسارى بدر ، قال : يا محمّد ألم نقل لا تصبر قريش ؟ أي : لا يقتلون

ـــــــــــــــــ

( ١ ) رواه عنه المجلسي عن متن البحار : ٥٢٢ ، و رواه أيضا ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ١٥٧ شرح الخطبة ٣٠ و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) رواه سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص : ٢٠٤ ، ٢٠٨ و النقل بتقطيع .

٤١٩

صبرا . قال : أفأنت من قريش إنّما أنت علج من أهل صفورية ، لأنت في الميلاد أكبر من أبيك الّذي تدعى له ، لست منها ، قدّمه يا علي فاضرب عنقه ١ .

و رووا أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام مرّ بثقيف فتغامزوا به ، فرجع إليهم و قال لهم : يا عبيد أبي رغال إنّما كان أبوكم عبد اللّه فهرب منه فثقفه ، أي : ظفر به ٢ .

و رووا أيضا أنّه عليه السّلام قال على المنبر : لقد هممت أن أضع على ثقيف الجزية لأنّ ثقيفا كان عبدا لصالح نبي اللّه ، و أنّه سرّحه إلى عامل له على الصدقة ، فهرب ٣ .

و لمّا كتب الحجاج إلى المهلّب و ذمّ قبيلة الأزد ، أجابه المهلّب في ذم قبيلته : إنّ شرّا من الأزد لقبيلة تنازعها ثلاث قبائل لم تستقر في واحدة منهنّ .

و في خبر الكلبي النسّابة مع الصادق عليه السّلام ، قال عليه السّلام له : أفتنسب نفسك ؟

قال : أنا فلان ابن فلان ابن فلان . فقال له : قف ليس حيث تذهب ، أتدري من فلان ؟ قال : نعم ابن فلان . قال : لا ، إنّ فلانا ابن الراعي الكردي كان علي جبل آل فلان ، فنزل إلى فلانة فأطعمها شيئا و غشيها ، فولدت فلانا ، و فلان ابن فلان من فلانة ، أتعرف هذه الأسامي ؟ قال : لا و اللّه ، فإن رأيت أن تكفّ . . . ٤ .

و في ( الطبري ) : إنّ مصعب بن الزبير لمّا أخرج خالد بن عبد اللّه بن خالد بن أسيد الّذي أرسله عبد الملك إلى البصرة في ولاية أخيه ، و كان أهلها أجاروه ، أرسل إلى رؤسائهم ، فأتي بهم ، فأقبل على عبيد اللّه بن أبي بكره ،

فقال : يا ابن مسروح ، إنّما أنت ابن كلبة تعاورها الكلاب ، فجاءت بأحمر

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تفسير القمي ١ : ٢٦٩ .

( ٢ ) روى هذه المعاني الحاكم في المستدرك ، و البيهقي في السنن عنهما منتخب كنز العمال ٥ : ٢٩٨ ، و المسعودي في مروج الذهب ٢ : ٥٣ .

( ٣ ) المصدر نفسه .

( ٤ ) الكافي للكليني ١ : ٣٤٨ ح ٦ و النقل بتلخيص .

٤٢٠