• البداية
  • السابق
  • 605 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 99403 / تحميل: 4093
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 2

مؤلف:
العربية

« و خفضوا أجنحتهم للمؤمنين » و الأصل فيه قوله تعالى : و اخفض جناحك لمن اتّبعك من المؤمنين ١ . و يعبّر في الفارسية عن خفض الجناح بقولهم : « شكسته بالي » .

« و كانوا أقواما مستضعفين » الجملة حال عن المؤمنين ، أي : مع كون المؤمنين قوما مستضعفين خفضوا الجناح لهم ، و كان شرفاء الكفّار يسمّون أولئك المؤمنين بالأنبياء : أراذلهم ، و كانوا متأذين من تقريب الأنبياء لهم ،

و يطلبون منهم طردهم حتّى قال لهم نوح ، كما حكى اللّه تعالى عنه : . . . و ما أنا بطارد الّذين آمنوا إنّهم ملاقوا ربّهم و لكنّي أراكم قوما تجهلون . و يا قوم من ينصرني من اللّه إن طردتهم أفلا تذكّرون . و لا أقول لكم عندي خزائن اللّه و لا أعلم الغيب و لا أقول إنّي ملك و لا أقول للّذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم اللّه خيرا اللّه أعلم بما في أنفسهم إنّي إذن لمن الظالمين ٢ ، و قال تعالى لنبيّنا عليه السّلام : و لا تطرد الّذين يدعون ربّهم بالغداة و العشيّ يريدون وجهه ما عليكم من حسابهم من شي‏ء و ما من حسابك عليهم من شي‏ء فتطردهم فتكون من الظالمين . و كذلك فتنّا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء منّ اللّه عليهم من بيننا أليس اللّه بأعلم بالشّاكرين ٣ .

و في ( أسباب نزول الواحدي ) عن خباب بن الأرت قال : فينا نزلت ( آية و لا تطرد ) كنّا ضعفاء عند النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم بالغداة و العشيّ فعلّمنا القرآن و الخير ،

و كان يخوّفنا بالجنّة و النار و ما ينفعنا و الموت و البعث ، فجاء الأقرع بن حابس التميمي و عيينة بن حصن الفزاري ، فقالا : إنّا من أشراف قومنا ، و إنّا

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الشعراء : ٢١٥ .

( ٢ ) هود : ٢٩ ٣١ .

( ٣ ) الأنعام : ٥٢ ٥٣ .

٦١

نكره أن يرونا معهم فاطردهم إذا جالسناك . قال : نعم . قالوا : لا نرضى حتّى نكتب بيننا كتابا . فأتى بأديم و دواة ، فنزلت هؤلاء الآيات ١ .

عن عكرمة : جاء عتبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة و مطعم بن عدي و الحرث بن نوفل ، في أشراف بني عبد مناف من أهل الكوفة إلى أبي طالب ،

فقالوا : لو أنّ ابن أخيك يطرد عنه موالينا و عبيدنا و عسفاءنا كان أعظم في صدورنا ، و أطوع له عندنا ، و أدنى لاتّباعنا إيّاه و تصديقنا له . فأتى أبو طالب عمّ النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم فحدّثه بالّذي كلّموه . فقال عمر بن الخطّاب : لو فعلت ذلك حتّى ننظر ما الّذي يريدون ، و إلآم يصيرون من قولهم . فأنزل اللّه تعالى هذه الآية ،

فلمّا نزلت أقبل عمر بن الخطاب يعتذر من مقالته ٢ .

و فيه أيضا في قوله تعالى : و إذا جاءك الّذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم . . . ٣ . قال عكرمة : نزلت في الّذين نهى اللّه عزّ و جلّ نبيّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم عن طردهم ، فكان إذا رآهم النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم بدأهم بالسّلام ، و قال : الحمد للّه الّذي جعل في أمّتي من أمرني أن أبدأهم بالسّلام ٤ .

« و قد » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( قد ) بدون عاطف ، كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٥ .

« اختبرهم اللّه » أي : امتحنهم .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه الواحدي في أسباب النزول : ١٤٥ ، و ابن أبي شيبة و أبو يعلى و أبو نعيم في الحلية ، و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و أبو الشيخ و ابن مردويه و البيهقي في الدلائل عنهم الدرّ المنثور ٣ : ١٣ ، و ابن راهويه ، و البزار في مسنديهما عنهما الكاف الشاف ٢ : ٢٧ عن خباب .

( ٢ ) أخرجه الواحدي في أسباب النزول : ١٤٦ ، و ابن جرير و ابن المنذر عنهما الدرّ المنثور ٣ : ١٣.

( ٣ ) الأنعام : ٥٤ .

( ٤ ) أسباب النزول للواحدي : ١٤٧ .

( ٥ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٣٣ ، لكن توجد ( الواو ) في شرح ابن ميثم ٤ : ٢٦٥ .

٦٢

« بالمخمصة » أي : المجاعة ، و في ( الكافي ) عن الصادق عليه السّلام : دفن ما بين الرّكن اليماني و الحجر الأسود سبعون نبيّا ، أماتهم اللّه جوعا و ضرّا ١ .

« و ابتلاهم بالمجهدة » أي : المشقّة .

« و امتحنهم بالمخاوف » جمع المخوف ، و قال الّذين كفروا لرسلهم لنخرجنّكم من أرضنا أو لتعودنّ في ملّتنا . . . ٢ ، و ما يأتيهم من رسول إلاّ كانوا به يستهزئون ٣ .

« و محّصهم » أي : ابتلاهم .

« بالمكاره » جمع المكروه ، قال تعالى : . . . و همّت كلّ أمّة برسولهم ليأخذوه و جادلوا بالباطل ليدحضوا به الحقّ فأخذتهم فكيف كان عقاب ٤ .

« فلا تعتبروا الرضا و السخط » أي : لا تجعلوا معيار رضا اللّه و غضبه .

« بالمال و الولد » فتحكموا بأنّ من كان ذا مال و ولد فإلهه راض عنه ، و من لم يكن فإلهه ساخط عليه .

« جهلا » مفعول له لقوله : « فلا تعتبروا » .

« بمواقع » أي : مواضع .

« الفتنة و الاختبار » أي : الامتحان ، قال تعالى : إنّما أموالكم و أولادكم فتنة . . . ٥ .

« في مواضع الغنى و الاقتدار » هكذا في ( المصرية ) ٦ ، و الصواب :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٤ : ٢١٤ ح ١٠ .

( ٢ ) إبراهيم : ١٣ .

( ٣ ) الحجر : ١١ .

( ٤ ) غافر : ٥ .

( ٥ ) التغابن : ١٥ .

( ٦ ) في شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٣٣ « الاقتار » ، و شرح ابن ميثم ٤ : ٢٦٥ « الاقتدار » .

٦٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

( و الاقتار ) أي : الفقر .

« و قد » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( فقد ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) ١ .

« قال سبحانه : أيحسبون أنّ ما نمدّهم به من مال و بنين . نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون » و الآية في سورة المؤمنين ، كما أنّ طول العمر ،

و حصول الحوائج أيضا ليسا بدليلين على حسن صاحبهما ، قال تعالى : و لا يحسبنّ الّذين كفروا أنّما نملي لهم خير لأنفسهم إنّما نملي لهم ليزدادوا إثما و لهم عذاب مهين ٢ ، و قال عزّ و جلّ : فلمّا نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كلّ شي‏ء حتّى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ٣ .

« فإنّ اللّه سبحانه يختبر » أي : يمتحن .

« عباده المستكبرين في أنفسهم » أي : عند أنفسهم ، و إن لم يكونوا كبيرين في ميزان الإنسانية .

« بأوليائه المستضعفين في أعينهم » و إن كانوا قويّين من حيث الدّيانة ،

قال تعالى : و كذلك فتنّا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء منّ اللّه عليهم من بيننا أليس اللّه بأعلم بالشّاكرين ٤ .

قال القمّي في ( تفسيره ) : كان بالمدينة قوم فقراء مؤمنون يسمّون أصحاب الصفّة ، و كان النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم أمرهم أن يكونوا في صفّة يأوون إليها ،

و كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم يتعاهدم بنفسه ، و ربما حمل إليهم ما يأكلون ، و كانوا يختلفون إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم فيقرّبهم و يقعد معهم و يؤنسهم ، و كان إذا جاء

ـــــــــــــــــ

( ١ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٣٣ ، لكن في شرح ابن ميثم ٤ : ٢٦٥ « و قد » أيضا .

( ٢ ) آل عمران : ١٧٨ .

( ٣ ) الأنعام : ٤٤ .

( ٤ ) الأنعام : ٥٣ .

٦٤

الأغنياء و المترفون من أصحابه أنكروا عليه ذلك ، و يقولون له : اطردهم عنك .

فجاء يوما رجل من الأنصار إلى النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم ، و عنده رجل من أصحاب الصفّة قد لزق بالنبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم ، و النبيّ يحدّثه ، فقعد الأنصاري بالبعد منهما . فقال له النبيّ صلى اللّه عليه و آله : تقدّم . فلم يفعل ، فقال له النبيّ صلى اللّه عليه و آله : لعلّك خفت أن يلزق فقره بك . . . ١ و فيه : أنّه كان ابن أمّ مكتوم مؤذّن النبي صلى اللّه عليه و آله و كان أعمى ، فجاء إليه و عنده أصحابه ، و عثمان عنده ، فقدّمه النبيّ صلى اللّه عليه و آله على عثمان ، فعبس عثمان وجهه ، و تولّى عنه فأنزل اللّه تعالى : عبس و تولّى . ان جاءه الأعمى ٢ .

و عن ( تفسير العياشي ) عن الأصبغ بن نباتة قال : بينما عليّ عليه السّلام يخطب يوم الجمعة على المنبر ، فجاء الأشعث بن قيس يتخطى رقاب الناس ، فقال : يا أمير المؤمنين : حالت هؤلاء بيني و بين وجهك . قال : فقال علي عليه السّلام : ما لي و ما للضياطرة ، أطرد قوما غدوا أوّل النهار يطلبون رزق اللّه ، و آخر النهار ذكروا اللّه ، أفأطردهم فأكون من الظالمين ٣ ؟

« و لقد دخل موسى بن عمران و معه أخوه هارون عليهما السلام على فرعون » ( في تفسير القمي ) عن محمّد بن مسلم قلت لأبي جعفر عليه السّلام : كان هارون أخا موسى لأبيه و أمّه ؟ قال : نعم ، أما تسمع اللّه تعالى يقول : . . يابن أدم لا تأخذ بلحيتي و لا برأسي . . . ٤ . فقلت : فأيّهما كان أكبر سنّا ؟ قال : هارون . قلت :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تفسير القمي ١ : ٢٠٢ .

( ٢ ) رواه القمي في تفسيره ٢ : ٤٠٤ ، و روى نحوه المرتضى في تنزيه الأنبياء : ١١٩ ، و الطوسي في التبيان ١٠ : ٢٦٩ ،

لكن عبارة المرتضى « رجل من الأصحاب » ، و الطوسي « رجل من بني أميّة » ، و الروايات الثلاث مجردة من السند ، و الآيتان ( ١ ٢ ) من سورة عبس .

( ٣ ) تفسير العياشي ١ : ٣٦٠ ح ٢٦ ، و في الأصل « حالت الحمد بيني » .

( ٤ ) طه : ٩٤ .

٦٥

فكان الوحي ينزل عليهما جميعا . قال : الوحي ينزل على موسى ، و موسى يوحيه إلى هارون . فقلت له : اخبرني عن الأحكام و القضاء ، و الأمر و النهي ،

أكان ذلك إليهما ؟ قال : كان موسى الّذي يناجي ربّه ، و هارون يكتب العلم ،

و يقضي بين بني إسرائيل ، و يخلفه إذا غاب من قومه للمناجاة . قلت : فأيّهما مات قبل صاحبه ؟ قال : مات هارون قبل موسى عليهما السّلام ، و ماتا جميعا في التيه .

قلت : فكان لموسى عليه السّلام ولد ؟ قال : لا ، كان الولد لهارون ، و الذريّة له . . . ١ و فيه أيضا عن الصادق عليه السّلام : لمّا بعث اللّه تعالى موسى إلى فرعون ، أتى بابه فاستأذن عليه ، فلم يؤذن له ، فضرب بعصاه الباب ، فاصطكّت الأبواب ففتحت ، ثمّ دخل على فرعون ، فأخبره أنّه رسول ربّ العالمين و سأله أن يرسل معه بني إسرائيل ٢ .

« و عليهما مدارع الصوف » في ( الكافي ) عن الحسين بن كثير الخزّاز : رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام ، و عليه قميص غليظ خشن تحت ثيابه ، و فوقها جبّة صوف ،

و فوقها قميص غليظ ، فمسستها ، فقلت : جعلت فداك ، إنّ الناس يكرهون لباس الصوف . فقال : كلاّ ، كان أبي محمّد بن علي عليه السّلام يلبسها ، و كان عليّ بن الحسين عليه السّلام يلبسها ، و كانوا يلبسون أغلظ ثيابهم إذا قاموا إلى الصلاة ،

و نحن نفعل ذلك ٣ .

« و بأيديهما العصيّ » في ( غيبة النعماني ) عن الصادق عليه السّلام : عصا موسى عليه السّلام قضيب آس من غرس الجنّة ، أتاه بها جبرائيل لمّا توجّه تلقاء مدين ، و هي و تابوت آدم في بحيرة طبرية ، و لن يبليا ، و لن يتغيّرا حتّى

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تفسير القمي ٢ : ١٣٦ ، و في بعض النسخ : « كان موسى الذي يناجي ربّه و يكتب العلم و يقضي بين بني إسرائيل ، و هارون يخلفه إذا غاب » .

( ٢ ) تفسير القمي ٢ : ١١٨ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٦ : ٤٥٠ ح ٤ ، و قريبا منه روى الراوندي في الدعوات عنه البحار ٤٦ : ١٠٨ ح ١٠٤ .

٦٦

يخرجهما القائم عليه السّلام إذا قام ١ .

و في ( المناقب ) و سأل ابن الكوا أمير المؤمنين عليه السّلام عن شي‏ء شرب و هو حيّ ، و أكل و هو ميّت ؟ فقال عليه السّلام : ذلك عصا موسى شربت و هي في شجرتها غضّة ، و أكلت لمّا التقفت حبال السحرة و عصيّهم ٢ .

و في ( الخصال ) : عنه عليه السّلام : سأله الشامي عن ستّة لم يركضوا في رحم .

فقال عليه السّلام : آدم و حواء و كبش إبراهيم عليه السّلام ، و عصا موسى عليه السّلام ، و ناقة صالح ،

و الخفاش الّذي عمله عيسى بن مريم عليه السّلام ، فطار بإذن اللّه ٣ .

« فشرطا له إن أسلم بقاء ملكه و دوام عزّه » اذهبا إلى فرعون إنّه طغى .

فقولا له قولا ليّنا لعلّه يتذكّر أو يخشى ٤ .

« فقال : ألا تعجبون من هذين » قالوا الإشارة في مثله للتحقير .

« يشرطان لي دوام العزّ و بقاء الملك و هما بما ترون من حال الفقر و الذلّ » ثمّ أرسلنا موسى و أخاه هارون بآياتنا و سلطان مبين . إلى فرعون و ملئه فاستكبروا و كانوا قوما عالين . فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا و قومهما لنا عابدون . فكذّبوهما فكانوا من المهلكين ٥ .

« فهلاّ ألقي عليهما أساور » في ( الصحاح ) : السوار : سوار المرأة ، و الجمع :

أسورة ، و جمع الجمع : أساورة ، و قرى‏ء فلو لا ألقي عليه أساورة من ذهب . . . ٦ و قد يكون جمع أساور كقوله تعالى : . . . يحلّون فيها من أساور

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الغيبة للنعماني : ١٥٧ .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب ٢ : ٣٨٣ .

( ٣ ) الخصال للصدوق : ٣٢٢ ح ٨ .

( ٤ ) طه : ٤٣ ٤٤ .

( ٥ ) المؤمنون : ٤٥ ٤٨ .

( ٦ ) الزخرف : ٥٣ .

٦٧

من ذهب ١ و قال أبو عمرو بن العلاء : واحدها إسوار ٢ .

« من ذهب إعظاما للذهب و جمعه » و ورد أنّ أوّل ما ضربت السكّة على الذهب قبّله الشّيطان ، و قال : كم أضلّ بك ٣ .

« و احتقارا للصوف و لبسه » قال ابن أبي الحديد في الخبر : إنّ أوّل لباس لبسه آدم لمّا هبط إلى الأرض صوف كبش قيّضه اللّه له ، و أمره أن يذبحه ،

فيأكل لحمه و يلبس صوفه ، و لأنّه أهبط عريانا من الجنّة فذبحه ، و غزلت حواء صوفه ، فلبس آدم منه ثوبا ، و ألبس حواء ثوبا آخر ، فلذلك صار شعار الأولياء ،

و انتسبت إليه الصوفية ٤ .

قلت : أمّا ما قاله من انتساب الصوفية إليه ، فقد قيل بالفارسية :

نقد صوفى نه همه صافى و بيغش باشد

اى بسا خرقه كه مستوجب آتش باشد

« و لو أراد اللّه سبحانه بأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذهبان » الذهبان : جمع الذهب ، و نقل الكلام « و لو أراد سبحانه . . . » ( حجّ الكافي ) في باب ابتلاء الخلق بالكعبة مع اختلاف يسير قائلا : و روي أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قال في خطبة له : و لو أراد اللّه جلّ ثناؤه بأنبيائه . . . ٥ « و معادن العقيان » قيل : العقيان هو ذهب ينبت ، و لا يحصل من الحجارة .

« و مغارس الجنان » قيل : إنّه إشارة إلى ما اقترحه الكفّار في نبيّنا صلى اللّه عليه و آله

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكهف : ٣١ .

( ٢ ) صحاح اللغة ٢ : ٦٩٠ مادة ( سور ) .

( ٣ ) أخرج هذا المعنى الصدوق في أماليه : ١٦٨ ح ١٤ المجلس ٣٦ ، و رواه الفتال في الروضة ٢ : ٤٢٨ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٣٤ .

( ٥ ) الكافي للكليني ٤ : ١٩٨ ح ٢ .

٦٨

بقولهم : أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنّة يأكل منّها . . . ١ .

« و أن يحشر معهم طير السماء ، و وحوش الأرض » و في اقتراح الكفّار بدله . . . لو لا أنزل عليه ملك . . . ٢ .

« لفعل » لقدرته على كلّ شي‏ء ، لكنّه تعالى لا يفعل ما ليس بحكمة ، و لو أتّبع الحقّ أهواءهم لفسدت السماوات و الأرض . . . ٣ . كما أنّ السّلاطين لا يفعلون إلاّ ما تقتضيه السياسة لا ما تهواه السوقة ، و قد أشار عليه السّلام إلى مفاسد فتح ما ذكر لهم ، و حشر ما سطر معهم بقوله :

« و لو فعل لسقط البلاء » اللام فيه للعهد الذكرى ، أي : بالبلاء و الابتلاء المفهوم من قوله عليه السّلام قبل « فإنّ اللّه سبحانه يختبر عباده المستكبرين . . . » .

« و بطل الجزاء » اللام فيه للعهد الذهني ، أي : الجزاء المعهود في الشرائع للمطيعين و العاصين .

« و اضمحلّت الأنباء » و في ( الكافي ) : « و اضمحل الابتلاء » ٤ .

قال ابن أبي الحديد : الأنباء جمع نبأ ، و هو الخبر ، أي : لسقط الوعد و الوعيد و بطلان ٥ .

قلت : و يحتمل أن يكون الإنباء بكسر الهمزة : مصدر أنبأ ، و المراد إرسال الأنبياء بكون الصّواب ما في ( الكافي ) بلفظ : و اضمحلّ .

« و لما » بتخفيف الميم ، و لأنّه لام الابتداء و ما النافية .

« وجب للقابلين » أي : قابلي نبوّة الأنبياء .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الفرقان : ٨ .

( ٢ ) الأنعام : ٨ .

( ٣ ) المؤمنون : ٧١ .

( ٤ ) الكافي ٤ : ١٩٨ ح ٢ ، و في بعض النسخ « الأنباء » .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٣٤ .

٦٩

« أجور المبتلين » بفتح اللام : جمع المبتلى ، أي : الممتحنين .

« و لا استحق المؤمنون ثواب المحسنين » و في ( الكافي ) : و لا لحق المؤمنين ثواب المحسنين ١ . و إنّما كانوا غير مستحقين لثواب لأنّهم في إيمانهم ما فعلوا شيئا ، فالمنافقون أيضا يؤمنون بنبيّ كذلك .

« و لا لزمت الأسماء معانيها » و في ( الكافي ) هكذا : و لا لزمت الأسماء أهاليها على معنى مبين ، و لذلك لو أنزل اللّه من السماء آية فظلّت أعناقهم لها خاضعين ٢ ، و لو فعل لسقط البلوى عن النّاس أجمعين ٣ .

قال ابن ميثم : روي بنصب الأسماء ، و في نسخة الرضي رحمه اللّه برفع الأسماء ، و المعنى : أنّه لم تكن المعاني لازمة للأسماء في من سمّي بها ، مثلا من سمّي مؤمنا لا يكون معنى الايمان الحقّ لازما لاسمه فيه ، إذ كان إيمانه بلسانه فقط عن رغبة أو رهبة ٤ .

و قال ابن أبي الحديد : أي من سمّي مؤمنا ليس بمؤمن إيمانا من فعله ،

بل يكون ملجأ إلى الإيمان بما يشاهده من الآيات العظيمة ٥ .

و ما ذكره ابن أبي الحديد أقرب ، و يشهد له زيادة ( الكافي ) المتقدمة ،

فيكون المراد أنّه لو كان الأمر كذلك لصار الناس جميعهم في الدّنيا مؤمنين كأهل الآخرة ، حيث يرون آيات اللّه عيانا ، فلا يكون لهم مجال للانكار ، كما لا يكون لأحد مع وجود الشمس مجال لإنكار النهار .

« و لكنّ اللّه سبحانه جعل رسله أولي قوّة في عزائمهم » و كون أولي العزم

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي ٤ : ١٩٨ ح ٢ .

( ٢ ) الشعراء : ٤ .

( ٣ ) الكافي ٤ : ١٩٨ ح ٢ .

( ٤ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٢٧٥ و نقل بتصرف .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٢٣٤ و النقل بالمعنى .

٧٠

من الرّسل منحصرا بخمسة : نوح ، و إبراهيم ، و موسى ، و عيسى ، و محمّد صلّى اللّه عليه و آله و عليهم لا ينافي كلامه عليه السّلام في كون كلّهم أولى قوّة في عزائمهم ، لأنّ جميعهم كانوا أولي عزم في دعوة الناس إلى ربّهم ، و أولئك كانوا أولي عزم خاص في ذلك ، بحيث كانت أوقاتهم مستغرقة في الدعوة .

قال نوح : . . . ربّ إنّي دعوت قومي ليلا و نهارا ١ .

و روى ( الكافي ) عن الصّادق عليه السّلام : أنّهم صاروا أولي العزم لأنّ نوحا بعث بكتاب و شريعته ، و كلّ من جاء بعد نوح أخذ بكتاب نوح و شريعته و منهاجه ، حتّى جاء إبراهيم عليه السّلام بالصحف و بعزيمة ترك كتاب نوح لا كفرا به ، فكلّ نبيّ جاء بعد إبراهيم عليه السّلام أخذ بشريعته إبراهيم و منهاجه و بالصحف ،

حتّى جاء موسى عليه السّلام بالتّوارة و شريعته و منهاجه و بعزيمة ترك الصحف ،

و كلّ نبيّ جاء بعد موسى عليه السّلام أخذ بالتوراة و شريعته و منهاجه ، حتّى جاء المسيح عليه السّلام بالانجيل و بعزيمة ترك شريعة موسى و منهاجه ، فكلّ نبيّ جاء بعد المسيح عليه السّلام أخذ بشريعته و منهاجه ، حتّى جاء محمّد صلى اللّه عليه و آله فجاء بالقرآن و بشريعته و منهاجه ، فحلاله حلال إلى يوم القيامة ، و حرامه حرام إلى يوم القيامة ، فهؤلاء أولو العزم من الرّسل ٢ .

و في ( تفسير القمي ) : معنى أولي العزم أنّهم سبقوا الأنبياء إلى الإقرار باللّه ، و الإقرار بكلّ نبيّ كان قبلهم و بعدهم ، و عزموا على الصبر على التكذيب و الأذى ٣ .

و توهم الخوئي المنافاة بين كلامه عليه السّلام و كون أولي العزم خمسة ،

ـــــــــــــــــ

( ١ ) نوح : ٥ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٢ : ١٧ ح ٢ ، و البرقي في المحاسن : ٢٦٩ ح ٣٥٨ عن الصادق عليه السّلام و قريبا منه أخرجه الصدوق في عيون الأخبار ٢ : ٧٩ ح ١٣ ، و علل الشرائع : ١٢٢ ح ٢ عن الرضا عليه السّلام .

( ٣ ) تفسير القمي ٢ : ٣٠٠ .

٧١

فقال : قال بعض المفسّرين في قوله تعالى : فاصبر كما صبر أولو العزم من الرّسل . . . ١ : إنّ ( من ) للتبيين لا للتبعيض ، و إن كلّ الرسل أولو العزم ٢ .

و هو كما ترى كخرق الإجماع ، و كيف كان فيشهد لقوله عليه السّلام من كون جميعهم أولي قوّة في عزائمهم أنّ يوسف عليه السّلام في السّجن كان يدعو الناس إليه تعالى ، فقال لصاحبي سجنه : . . . أ أرباب متفرّقون خير أم اللّه الواحد القهّار . ما تعبدون من دونه إلاّ أسماء سمّيتموها أنتم و آباؤكم ما أنزل اللّه بها من سلطان . . . ٣ . و أنّ يعقوب عليه السّلام حتّى في احتضاره كان يدعو إليه تعالى ،

قال سبحانه : أم كنتم شهداء إذا حضرت يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك و إله آبائك إبراهيم و إسماعيل و إسحاق إلها واحدا و نحن له مسلمون ٤ .

« و ضعفة في ما ترى الأعين من حالاتهم » قال تعالى حكاية عن قوم شعيب له : . . . ما نفقه كثيرا ممّا تقول و إنّا لنراك فينا ضعيفا . . . ٥ .

« مع قناعة تملأ القلوب و العيون غنى » أصل الغنى غنى القلب و العين ،

و ليس غناهما إلاّ بالقناعة ، و أمّا الحريص فقلبه و عينه مشحونان من الفقر ،

و إن كان ذا ثروة و وفرة ، قال سليمان عليه السّلام لرسل بلقيس ملكة اليمن : . . . بل أنتم بهديّتكم تفرحون ٦ .

و لمّا قالت قريش للنبيّ صلى اللّه عليه و آله : دع دعوتك نغنيك و نملّك علينا . قال لهم :

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الأحقاف : ٣٥ .

( ٢ ) شرح الخوئي ٥ : ٢٦١ ، و الظاهر أن مراده ببعض المفسرين : الطبرسي في مجمع البيان ٩ : ٩٤ .

( ٣ ) يوسف : ٣٩ ٤٠ .

( ٤ ) البقرة : ١٣٣ .

( ٥ ) هود : ٩١ .

( ٦ ) النمل : ٣٦ .

٧٢

لو كنتم تقدرون على أن تجعلوا الشّمس في يميني ، و القمر في شمالي ما تركت طريقتي ١ .

هذا ، و في ( تفسير القمي ) في غزوة الخندق : فبينا المهاجرون و الأنصار يحفرون إذ عرض لهم جبل لم تعمل المعاول فيه ، فبعثوا جابر بن عبد اللّه الأنصاري إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله يعلمه بذلك ، قال جابر : فجئت إلى المسجد و النبيّ صلى اللّه عليه و آله مستلق على قفاه ، و رداؤه تحت رأسه ، و قد شدّ على بطنه حجرا . . .

فعلمت أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله مقو أي : جائع لما رأيت على بطنه الحجر . فقلت : يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله هل لك في الغذاء . قال : ما عندك يا جابر ؟ فقلت : عناق و صاع من شعير . فقال : تقدم و أصلح ما عندك . قال : فجئت إلى أهلي فأمرتها فطحنت الشعير ، و ذبحت العنز و سلختها ، و أمرتها أن تختبز و تطبخ و تشوي ، فلمّا فرغت من ذلك جئت إلى النبيّ صلى اللّه عليه و آله فقلت : بأبي أنت و أمّي يا رسول اللّه قد فرغنا فاحضر مع من أحببت . فقام إلى شفير الخندق ثمّ قال : معاشر المهاجرين و الأنصار ، أجيبوا جابرا . قال جابر : و كان في الخندق سبعمائة رجل ، فخرجوا كلّهم ثمّ لم يمرّ بأحد من المهاجرين و الأنصار إلاّ قال : أجيبوا جابرا . قال جابر : فتقدّمت و قلت لأهلي : و اللّه قد أتاك النبي صلى اللّه عليه و آله بما لا قبل لك به .

فقالت : أعلمته أنت بما عندنا ؟ قال : نعم . قالت : هو أعلم بما أتي .

قال جابر : فدخل النبي صلى اللّه عليه و آله فنظر في القدر ، ثمّ قال : اغرفي و أبقي . ثمّ نظر في التنور ، ثمّ قال : اخرجي و أبقي . ثمّ دعا بصحنة فثرد فيها و غرف . فقال :

يا جابر أدخل عليّ عشرة . فأدخلت عشرة . فأكلوا حتّى نهلوا ، و ما يرى في القصعة إلاّ آثار أصابعهم . . . قال جابر : فقلت : يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله كم للشاة من ذراع قال : ذراعان . فقلت : و الّذي بعثك بالحقّ نبيّا لقد أتيتك بثلاثة . فقال : أما لو

ـــــــــــــــــ

( ١ ) نقله ابن هشام في السيرة ١ : ٢٤٠ ، و الطبري في تاريخه ٢ : ٦٧ ، و ابن شهر آشوب في المناقب ١ : ٥٨ .

٧٣

سكّت يا جابر لأكل النّاس كلّهم من الذراع . قال جابر : فأقبلت أدخل عشرة عشرة ، فدخلوا يأكلون حتّى أكلوا كلّهم ، و بقي و اللّه لنا من ذلك الطعام ما عشنا به أيّاما ١ .

« و خصاصة » أي : فقر .

« تملأ الأبصار » برؤيتها .

« و الأسماع » بسماعها .

« أذى » ورثى قلبه لهم .

« و لو كانت الأنبياء أهل قوّة لا ترام » من رام يروم ، أي : طلب .

« و عزّة لا تضام » من الضّيم بمعنى : الاستذلال .

« و ملك تمتدّ نحوه أعناق الرّجال » كناية عن الرغبة الشديدة ، فمن اشتاق إلى شي‏ء شديدا يمدّ عنقه نحوه ليراه كاملا .

« و تشدّ إليه عقد الرّحال » الرحل للبعير كالسرج للدابّة ، و هو أيضا كناية عن غاية الشوق ، حتّى يحمل صاحبه على الشخوص نحو المطلوب إلى مسافة بعيدة .

« لكان ذلك أهون على الخلق في الاعتبار » و في ( الكافي ) « في الاختبار » ٢ و هو الأصح كما لا يخفى .

« و أبعد لهم في الاستكبار » و قالوا لو لا نزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ٣ . و كانوا يقولون : كيف نتّبع يتيم أبي طالب .

« و لآمنوا عن رهبة قاهرة لهم » كإيمان أبي سفيان و معاوية ، و كثير من

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تفسير القمّي ٢ : ١٧٨ .

( ٢ ) الكافي ٤ : ١٩٩ ح ٢ .

( ٣ ) الزخرف : ٣١ .

٧٤

أهل مكّة بعد فتح النبي صلى اللّه عليه و آله لها ، فآمنوا ظاهرا ليحقنوا به دماءهم ، و قال عليه السّلام في معاوية و أصحابه : ما أسلموا ، و لكن استسلموا و أسرّوا الكفر ، فلمّا و جدوا أعوانا عليه أظهروه ١ .

« أو رغبة مائلة بهم » روى الطبري عن هشام عن عوانة عن لبطة بن الفرزدق عن أبيه و ذكر لقاءه الحسين عليه السّلام في الحرم لمّا أراد الكوفة خارجا من مكّة ، و سؤاله عن أشياء من نذور و مناسك قال الفرزدق : ثمّ مضيت فإذا بفسطاط مضروب في الحرم ، و هيئته حسنة ، فأتيته فإذا هو لعبد اللّه بن عمرو بن العاص ، فسألني ، فأخبرته بلقاء الحسين بن علي عليهما السّلام ، فقال لي : و يلك فهلاّ أتّبعته ، فو اللّه ليملكنّ و لا يجوز السلاح فيه ، و لا في أصحابه قال : فهممت و اللّه أن ألحق به ، و وقع في قلبي مقالته ، ثمّ ذكرت الأنبياء و قتلهم ، فصدّني ذلك عن اللّحاق بهم ٢ .

قلت : كان عبد اللّه بن عمرو سمع من أخبار الملاحم شيئا ، و الظاهر أنّه سمع أنّ الحسين عليه السّلام و أصحابه لا يجدون ألم السّلاح ، كما ورد في خبر آخر ،

لشدّة شوقهم ، فوهم و بدّله بعدم جواز السلاح و أثره فيهم .

و روى الطبري أيضا عن أبي مخنف ، عن أبي عليّ الأنصاري ، عن بكر بن مصعب المزني ، قال : كان الحسين عليه السّلام لا يمرّ أهل ماء إلاّ اتّبعوه ، حتّى انتهى إلى زبالة سقط إليه مقتل أخيه من الرضاعة ، فأخرج للناس كتابا فقرأ عليهم : « أمّا بعد فإنّه قد أتانا خبر فظيع : قتل مسلم بن عقيل ، و هانى‏ء بن عروة ، و عبد اللّه بن بقطر ، و قد خذلتنا شيعتنا . فمن أحبّ منكم الانصراف ، فلينصرف ليس عليه منّا ذمام » فتفرّق النّاس عنه تفرّقا ، فأخذوا يمينا و شمالا حتّى بقي

ـــــــــــــــــ

( ١ ) نهج البلاغة للشريف الرضي ٣ : ١٦ الكتاب ١٦ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٤ : ٢٩٠ سنة ٦٠ .

٧٥

في أصحابه الّذين جاؤوا معه من المدينة ، و إنّما فعل ذلك لأنّه ظنّ أنّما اتّبعه الأعراب ، لأنّهم ظنّوا أنّه يأتي بلدا قد استقامت له طاعة أهله ، فكره أن يسيروا معه إلاّ و هم يعلمون علام يقدمون ، و قد علم أنّهم إذا بيّن لهم لم يصحبه إلاّ من يريد مواساته و الموت معه ١ .

« فكانت النيّات مشتركة و الحسنات مقتسمة » قال ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخوئي ٢ : أي تكون النيّات حينئذ مشتركة بين تعالى و بين ما يأملونه من الشهوات و الحسنات ، و مقتسمة بينه تعالى ، و بين تلك الشهوات ، غير خالصة من هوى الأنفس .

قلت : بل المراد أنّ النيّات تصير حينئذ مشتركة بين الموحّد و الملحد ،

و الحسنات مقتسمة بين الصالح و الطالح .

« و لكنّ اللّه سبحانه أراد أن يكون الاتّباع لرسله » الظرف لغو ، و كذلك في الفقرات الأربع بعده .

« و التّصديق لكتبه » الصحف ، و التّوراة ، و الإنجيل ، و الزبور ، و القرآن .

« و الخشوع لوجهه » أي : لذاته .

« و الاستكانة » أي : الخضوع و المسكنة .

« لأمره » التكليفي .

« و الاستسلام » أي : الانقياد .

« لطاعته أمورا له » تعالى .

« خاصّة لا يشوبها » أي : لا يختلطها .

« من غيرها شائبة » و الأصل فيها قذر يشرب و يختلط بشي‏ء طيب ، قال

ـــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٣٠٠ سنة ٦٠ و النقل بتقطيع .

( ٢ ) هذا المعنى قاله ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ٢٣٥ ، و ابن ميثم في شرحه ٤ : ٢٧٧ ، و الخوئي في شرحه ٥ : ٢٦١ .

٧٦

تعالى : . . . فمن كان يرجو لقاء ربّه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعبادة ربّه أحدا ١ .

و عن النبي صلى اللّه عليه و آله : أنّ الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجا به ، فإذا صعد بحسناته يقول اللّه تعالى : اجعلوها في سجّين ، إنّه ليس إيّاي أراد بها ٢ .

و عن الصادق عليه السّلام قال اللّه عزّ و جلّ : أنا خير شريك ، من أشرك معي غيري في عمله لم أقبله إلاّ ما كان لي خالصا ٣ .

٧

من الخطبة ( ١٥٨ ) وَ إِنْ شِئْتُ ثَنَّيْتُ ؟ بِمُوسَى كَلِيمِ اَللَّهِ ص ؟ إِذْ يَقُولُ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ٢٨ : ٢٤ ٤ وَ اَللَّهِ مَا سَأَلَهُ إِلاَّ خُبْزاً يَأْكُلُهُ لِأَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ بَقْلَةَ اَلْأَرْضِ وَ لَقَدْ كَانَتْ خُضْرَةُ اَلْبَقْلِ تُرَى مِنْ شَفِيفِ صِفَاقِ بَطْنِهِ لِهُزَالِهِ وَ تَشَذُّبِ لَحْمِهِ . وَ إِنْ شِئْتُ ثَلَّثْتُ ؟ بِدَاوُدَ ص ؟ صَاحِبِ اَلْمَزَامِيرِ وَ قَارِئِ أَهْلِ اَلْجَنَّةِ فَلَقَدْ كَانَ يَعْمَلُ سَفَائِفَ اَلْخُوصِ بِيَدِهِ وَ يَقُولُ لِجُلَسَائِهِ أَيُّكُمْ يَكْفِينِي بَيْعَهَا وَ يَأْكُلُ قُرْصَ اَلشَّعِيرِ مِنْ ثَمَنِهَا وَ إِنْ شِئْتُ قُلْتُ فِي ؟ عِيسَى اِبْنِ مَرْيَمَ ع ؟ فَلَقَدْ كَانَ يَتَوَسَّدُ اَلْحَجَرَ وَ يَلْبَسُ اَلْخَشِنَ وَ كَانَ إِدَامُهُ اَلْجُوعَ وَ سِرَاجُهُ بِاللَّيْلِ اَلْقَمَرَ وَ ظِلاَلُهُ فِي اَلشِّتَاءِ مَشَارِقَ اَلْأَرْضِ وَ مَغَارِبَهَا وَ فَاكِهَتُهُ وَ رَيْحَانُهُ مَا تُنْبِتُ

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الكهف : ١١٠ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٩٤ ح ٧ ، و ابن الأشعث في الأشعثيات : ١٦٣ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٢ : ٢٩٥ ح ٩ ، و الأهوازي في الزهد : ٦٣ ، و البرقي في المحاسن : ٢٥٢ ، و تفسير العياشي ٢ : ٣٥٣ ح ٩٤ ، و رواه الطبرسي في مشكاة الأنوار : ١١ ، و ابن فهد في عدّة الداعي و صاحب فقه الرضا فيه عنهما المستدرك ١ : ١٠ ح ٥ ، ٧ .

( ٤ ) القصص : ٢٤ .

٧٧

اَلْأَرْضُ لِلْبَهَائِمِ وَ لَمْ تَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ تَفْتِنُهُ وَ لاَ وَلَدٌ يَحْزُنُهُ وَ لاَ مَالٌ يَلْفِتُهُ وَ لاَ طَمَعٌ يُذِلُّهُ دَابَّتُهُ رِجْلاَهُ وَ خَادِمُهُ يَدَاهُ « و إن شئت ثنّيت » أي : جعلت دليلا ثانيا في ذمّ الدّنيا و عيبها ، و كثرة مخازيها و مساويها .

« بموسى كليم اللّه صلى اللّه عليه و آله » و الدّليل الأوّل : عمل الدّنيا مع نبيّنا صلى اللّه عليه و آله ، إذ قبضت عنه أطرافها ، و وطئت لغيره أكنافها ، كما يأتي في فصل النبوّة الخاصّة ، و كون موسى عليه السّلام كليم اللّه ممّا نطق به القرآن ، قال عزّ و جلّ . . . و كلّم اللّه موسى تكليما ١ ، و عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم : أنّ اللّه تعالى ناجى موسى بن عمران بمائة كلمة ، و أربعة و عشرين ألف كلمة ، في ثلاثه أيّام و لياليهنّ ، ما طعم فيها موسى و لا شرب فيها ، فلمّا انصرف إلى بني إسرائيل و سمع كلامهم مقتهم ، لما كان وقع في مسامعه من حلاوة كلام اللّه تعالى ٢ .

و روى ( العلل ) عن الصادق عليه السّلام : أوحى اللّه تعالى إلى موسى ، أتدري لم اصطفيتك لكلامي دون خلقي ؟ فقال موسى : لا ياربّ . فقال يا موسى : إنّي قلّبت عبادي ظهرا لبطن ، فلم أجد فيهم أحدا أذلّ لي منك نفسا . يا موسى إنّك إذا صلّيت وضعت خدّيك على التّراب ٣ . و كان موسى عليه السّلام إذا صلّى لم ينفتل حتّى يلصق خدّه الأيمن بالأرض و الأيسر ٤ .

« إذ يقول : ربّ إنّي لما أنزلت إليّ من خير فقير » الآية في سورة القصص ، و قبلها : و لمّا ورد ماء مدين وجد عليه أمّة من النّاس يسقون

ـــــــــــــــــ

( ١ ) النساء : ١٦٤ .

( ٢ ) الخصال للصدوق : ٦٤١ ح ٢٠ باب ( الأنف ) .

( ٣ ) علل الشرائع للصدوق : ٥٦ ح ١ ، و الكافي للكليني ٢ : ١٢٣ ح ٧ ، و أبو علي الطوسي في أماليه ١ : ١٦٦ ، و رواه الراوندي في قصص الأنبياء عنه البحار ١٣ : ٨ ح ٨ ، و الطبرسي في مشكاة الأنوار : ٢٢٧ .

( ٤ ) علل الشرائع للصدوق : ٥٧ ح ٢ ، في ذيل الحديث .

٧٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثاني الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

و وجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتّى يصدر الرّعاء و أبونا شيخ كبير . فسقى لهما ثمّ تولّى إلى الظلّ فقال . . . ١.

« و اللّه ما سأله إلاّ خبزا يأكله » في ( الكافي ) عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله : الخبز مبارك ،

أرسل اللّه تعالى له السماء مدرارا ، و له أنبت اللّه المرعى ، و به صلّيتم ، و به صمتم ، و به حججتم بيت ربّكم ٢ .

و عنه صلى اللّه عليه و آله : أكرموا الخبز ، فانّه قد عمل فيه ما بين العرش إلى الأرض و ما فيها كثير من خلقه ٣ .

و في ( العيون ) عن الرضا عليه السّلام : أنّ سلمان دعا أباذر إلى منزله فقدّم إليه رغيفين ، فأخذ أبوذر الرغيفين فقلّبهما ، فقال سلمان : يا أباذر لأي شي‏ء تقلّب هذين الرّغيفين ؟ قال : خفت أن لا يكونا نضيجين ، فغضب سلمان من ذلك غضبا شديدا ، ثمّ قال : ما أجرأك حيث تقلّب هذين الرغيفين ، فو اللّه لقد عمل في هذا الخبز الماء الّذي تحت العرش ، و عملت فيه الملائكة حتّى ألقوه إلى الرّيح ،

و عملت فيه الريح حتّى ألقته إلى السحاب ، و عمل فيه السحاب حتّى أمطره إلى الأرض ، و عمل فيه الرّعد و البرق و الملائكة حتّى وضعوه مواضعه ، و عملت فيه الأرض و الخشب و الحديد و البهائم و النار و الحطب و الملح ، و ما لا أحصيه أكثر ، فكيف لك أن تقوم بهذا الشكر ؟ فقال أبو ذر : إلى اللّه أتوب و أستغفر إليه ممّا أحدثت ٤ .

« لأنّه كان يأكل بقلة الأرض ، و لقد كانت خضرة البقل ترى » البقلة .

« من شفيف » من شف عليه ثوبه ، إذا رقّ حتّى يرى ما خلفه .

ـــــــــــــــــ

( ١ ) القصص : ٢٣ ٢٤ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٦ : ٣٠٣ ح ٦ ، و المحاسن للبرقي : ٥٨٥ ح ٨٢ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٦ : ٣٠٢ ح ٢ ، و المحاسن للبرقي : ٥٨٥ ح ٨١ ، و مكارم الأخلاق للطبرسي : ١٥٤ .

( ٤ ) عيون الأخبار للصدوق ٢ : ٥٢ ح ٢٠٣ ، و أمالي الصدوق : ٣٥٩ ح ٦ المجلس ( ٦٨ ) .

٧٩

« صفاق » أي : الجلد الأسفل الذي تحت الجلد الذي عليه الشعر .

« بطنه لهزاله » الهزال مقابل السمين .

« و تشذّب لحمه » أي : تفرّقه .

« و إن شئت ثلّثت » أي : جعلت دليلا ثالثا لك في نقص الدّنيا .

« بداود صلى اللّه عليه و آله صاحب المزامير » جمع المزمار ، قيل : قيل له صاحب المزامير ، لأنّه كان كأنّ في حلقه مزامير من حسن صوته .

« و قارى أهل الجنّة » قال تعالى : . . . و آتينا داود زبورا ١ ، . . . و اذكر عبدنا داود ذا الأيد إنّه أوّاب . إنّا سخّرنا الجبال معه يسبّحن بالعشيّ و الإشراق . و الطير محشورة كلّ له أوّاب . و شددنا ملكه و آتيناه الحكمة و فصل الخطاب ٢ ، و لقد آتينا داود منّا فضلا يا جبال أوّبي معه و الطير و ألنّا له الحديد . أن اعمل سابغات و قدّر في السرد . . . ٣ .

« فلقد كان يعمل سفائف » أي : نسائج .

« الخوص » أي : ورق النخل .

« بيده و يقول لجلسائه أيّكم يكفيني بيعها » و روى الطبري في ( ذيله ) أنّه كان عطاء سلمان خمسة آلاف ، و كان على ثلاثين ألفا من الناس يحطب في عباءة يفترش نصفها ، و يلبس نصفها ، و كان إذا خرج عطاؤه أمضاه و يأكل من سفيف يده ٤ .

و روى ( الاستيعاب ) أنّ قوما دخلوا على سلمان و هو أمير على المدائن ،

و هو يعمل الخوص ، فقيل له : تعمل هذا و أنت أمير يجري عليك رزق ؟ فقال : إنّي

ـــــــــــــــــ

( ١ ) الإسراء : ٥٥ .

( ٢ ) ص : ١٧ ٢٠ .

( ٣ ) سبأ : ١٠ ١١ .

( ٤ ) منتخب ذيل المذيل للطبري : ٣٣ .

٨٠