بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٣

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 446

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 446
المشاهدات: 40141
تحميل: 3971


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 446 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40141 / تحميل: 3971
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 3

مؤلف:
العربية
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثالث الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

كتاب بهج الصباغة

في شرح نهج البلاغة

المجلد الثالث

الشيخ محمد تقي التّستري


١
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثالث الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

المجلد الثالث

الشيخ محمّد تقي التّستري (الشوشتري)

٣

المجلد الثالث

تتمة الفصل السابع

٥

من الخطبة ( ٤ ) و من خطبة له عليه السّلام بِنَا اِهْتَدَيْتُمْ فِي اَلظَّلْمَاءِ وَ تَسَنَّمْتُمُ اَلْعَلْيَاءَ وَ بِنَا اِنْفَجَرْتُمْ عَنِ السِّرَارِ .

وُقِرَ سَمْعٌ لَمْ يَفْقَهِ اَلْوَاعِيَةَ وَ كَيْفَ يُرَاعِي اَلنَّبْأَةَ مَنْ أَصَمَّتْهُ اَلصَّيْحَةُ رُبِطَ جَنَانٌ لَمْ يُفَارِقْهُ اَلْخَفَقَانُ مَا زِلْتُ أَنْتَظِرُ بِكُمْ عَوَاقِبَ اَلْغَدْرِ وَ أَتَوَسَّمُكُمْ بِحِلْيَةِ اَلْمُغْتَرِّينَ سَتَرَنِي عَنْكُمْ جِلْبَابُ اَلدِّينِ وَ بَصَّرَنِيكُمْ صِدْقُ اَلنِّيَّةِ أَقَمْتُ لَكُمْ عَلَى سَنَنِ اَلْحَقِّ فِي جَوَادِّ اَلْمَضَلَّةِ حَيْثُ تَلْتَقُونَ وَ لاَ دَلِيلَ وَ تَحْتَفِرُونَ وَ لاَ تُمِيهُونَ اَلْيَوْمَ أُنْطِقُ لَكُمُ اَلْعَجْمَاءَ ذَاتَ اَلْبَيَانِ .

عَزَبَ رَأْيُ اِمْرِئٍ تَخَلَّفَ عَنِّي مَا شَكَكْتُ فِي اَلْحَقِّ مُذْ رَأَيْتُهُ لَمْ يُوجِسْ ؟ مُوسَى ؟ ع خِيفَةً عَلَى نَفْسِهِ أَشْفَقَ مِنْ غَلَبَةِ اَلْجُهَّالِ وَ دُوَلِ اَلضَّلاَلِ .

اَلْيَوْمَ تَوَاقَفْنَا عَلَى سَبِيلِ اَلْحَقِّ وَ اَلْبَاطِلِ مَنْ وَثِقَ بِمَاءٍ لَمْ يَظْمَأْ

٤

الحكمة ( ١٨٤ ) و قال عليه السّلام :

مَا شَكَكْتُ فِي اَلْحَقِّ مُذْ أُرِيتُهُ أقول : نقل الخوئي ما في ( الإرشاد ) : « و من كلامه عليه السّلام حين قتل طلحة و انقضّ أهل البصرة : بنا تسنّمتم الشّرف ، و بنا انفجرتم عن السّرار ، و بنا اهتديتم في الظلماء . و قر سمع لم يفقه الواعية . كيف يراعي النّبأة من أصمّته الصّيحة . ربط جنان لم يفارقه الخفقان . ما زلت أتوقّع بكم عواقب الغدر ،

و أتوسّمكم بحلية المغترّين . سترني عنكم جلباب الدّين ، و بصّرنيكم صدق النيّة . أقمت لكم الحقّ حيث تعرفون و لا دليل ، و تحتفرون و لا تمتهون . اليوم انطق لكم العجماء ذات البيان . عزب فهم امرى‏ء تخلّف عنّي . ما شككت في الحقّ منذ اريته . كان بنو يعقوب على المحجّة العظمى حتّى عقّوا أباهم ، و باعوا أخاهم ، و بعد الإقرار كانت توبتهم ، و باستغفار أبيهم و أخيهم غفر لهم » ١ .

و نقل أيضا ما في ( البحار ) من نقل سند الخطبة عن الرّاوندي ، عن جماعة عن جعفر الدّوريستي ، عن أبيه محمّد بن العبّاس ، عن محمّد بن عليّ بن موسى ، عن محمّد بن عليّ الإسترابادي ، عن عليّ بن محمّد بن سيار ، عن أبيه ، عن الحسن العسكري عليه السّلام ، عن آبائه عليهم السّلام ، عن أمير المؤمنين عليه السّلام ٢ .

قلت : ما في ( البحار ) محمّد بن عليّ الاسترابادي محرّف محمّد بن القاسم الاسترابادي ، فهو الذي يروي عنه الصّدوق ٣ .

« بنا اهتديتم في الظلماء » لأنّهم أنوار اللَّه ، قال الباقر عليه السّلام : بليّة الناس علينا

ــــــــــــــــ

( ١ ) رواه المفيد في الإرشاد : ١٣٥ عنه الخوئي في شرحه ١ : ٣١٤ .

( ٢ ) رواه الراوندي في شرحه ١ : ١٤٢ عنه المجلسي في الفتن من البحار : ٤١٣ و عنه الخوئي في شرحه ١ : ٣١٤ .

( ٣ ) لفظ شرح الراوندي « محمد بن علي » أيضا و هو من مشائخ الصدوق أيضا كما ذكره أصحاب الرجال ، و روى عنه الصدوق في أماليه : ١٤٧ ح ١ المجلس ٣٣ بقوله : « حدّثنا محمّد بن علي الاسترابادي » .

٥

عظيمة ، إن دعوناهم لم يستجيبوا لنا ، و إن تركناهم يهتدوا بغيرنا ١ .

و روى الطبري في ( ذيله ) في عنوان ( من روى عنه صلّى اللَّه عليه و آله من همدان ) مسندا عن زياد بن مطرف قال : سمعت النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله يقول : من أحبّ أن يحيى حياتي ، و يموت ميتتي ، و يدخل الجنّة التي و عدني ربّي قضبانا من قضبانها غرسها في جنّة الخلد فليتولّ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و ذريّته من بعده ، فإنّهم لن يخرجوهم من باب هدى ، و لن يدخلوهم في باب ضلالة ٢ .

و قد أقرّت العامّة بأنّه لو لا أمير المؤمنين عليه السّلام لما علم الناس قتال أهل القبلة ، و في ( نوادر حجّ الفقيه ) عن أبي حنيفة قال : لو لا جعفر بن محمّد ما علم النّاس مناسك حجّهم ٣ .

و في ( زيادات حجّ التهذيب ) : لقي مسلم مولى أبي عبد اللَّه عليه السّلام صدقة الأحدب و قد قدم من مكّة ، فقال له مسلم : الحمد للَّه الذي يسّر سبيلك ، و هدى دليلك ، و أقدمك بحال عافية ، و قد قضى الحجّ ، و أعان على السّعة ، فقبل اللَّه منك ،

و أخلف عليك نفقتك ، و جعلها حجّة مبرورة ، و لذنوبك طهورا . فبلغ ذلك أبا عبد اللَّه عليه السّلام فقال له : كيف قلت لصدقة ؟ فأعاد عليه ، فقال له : من علّمك هذا ؟ قال :

جعلت فداك ، مولاي أبو الحسن عليه السّلام . فقال له : نعم ما تعلّمت ، إذا لقيت أخا من إخوانك فقل له هكذا ، فإنّ المهدي بنا هدي ، و إذا لقيت هؤلاء فقل لهم ما يقولون ٤ .

هذا ، و سمّي اسامة أبو شداد الصّحابي ( الهادي ) لأنّه كان يوقد النّار ليلا لمن يسلك الطريق .

ــــــــــــــــ

( ١ ) الارشاد للمفيد : ٢٦٦ ، و المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٢٠٦ .

( ٢ ) ذيل المذيل للطبري ، منتخبه : ٨٣ ، و المناقب للخوارزمي : ٣٤ .

( ٣ ) الفقيه للصدوق ٢ : ٣٠٧ ح ٣ .

( ٤ ) التهذيب للطوسي ٥ : ٤٤٤ ح ١٩٣ .

٦

« و تسنّمتم العلياء » قال الخوئي : أي : بتلك الهداية و شرافة الإسلام ركبتم سنام العلياء و الرّفعة ١ .

قلت : بل المعنى : بنا ركبتم سنام العلياء .

« و بنا انفجرتم عن السّرار » قال المجلسي و تبعه الخوئي : لعل معنى ( انفجرتم ) أنّه انفجرتم انفجار العين من الأرض أو الصبح من الليل ٢ .

و قال ابن أبي الحديد : أي : دخلتم في الفجر ، و السّرار الليلة و الليلتان يستتر فيهما القمر في آخر الشهر فلا يظهر . و روي : أفجرتم ، و هو أفصح و أصحّ ، لأنّ انفعل لا يكون إلاّ مطاوع فعل ٣ .

قلت : في الأوّل أنّه لم يقل أحد : إنّ السّرار يأتي بمعنى الأرض أو مطلق الليل . و في الثاني : إنّ الدخول في الفجر لا يختصّ بليلة استتار القمر . و لا يبعد أن يكون المراد : أنّ بسببنا صرتم من أفاضل الناس ، قال الجوهري : و سرّ الوادي أفضل موضع فيه ، و كذلك سرارة الوادي ، و الجمع سرار . قال :

فإن أفخر بمجد بني سليم

أكن منها التّخومة و السّرار ٤

« وقر » في ( الصحاح ) : و قرت أذنه بالكسر ، أي : صمّت ، و وقرت اذنه على ما لم يسمّ فاعله ٥ .

و عليه فيحتمل ( وقر ) وجهين معلوما بكسر العين ، و مجهولا .

« سمع لم يفقه الواعية » أي : الصوت المرتفع ، و معلوم أنّ سمعا لم يفهمه موقور ، و عنه عليه السّلام في حديث الأربعمائة : من شهدنا في حربنا أو سمع واعيتنا

ــــــــــــــــ

( ١ و ٢ ) شرح الخوئي ١ : ٣١٦ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٧٠ .

( ٤ ) صحاح اللغة للجوهري ٢ : ٦٨١ مادة ( سرّ ) و النقل بتقطيع .

( ٥ ) صحاح اللغة للجوهري ٢ : ٨٤٨ مادة ( وقر ) .

٧

فلم ينصرنا أكبّه اللَّه على منخريه في النّار ١ .

و ممّا قلنا اتّضح أنّ جملة « وقر سمع لم يفقه الواعية » خبر ، و المراد من أنّ من لم يسمع صراخ النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله بذكر مقاماتنا أهل البيت كقوله صلّى اللَّه عليه و آله : إنّي تارك فيكم الثّقلين : كتاب اللَّه و عترتي ، و أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ٢ . و كقوله صلّى اللَّه عليه و آله : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ، و من تخلّف عنها غرق ٣ . إلى غير ذلك ممّا يتعذّر استقصاؤه أصمّ موقور ، كالذين قال تعالى فيهم : . . . لهم قلوب لا يفقهون بها و لهم أعين لا يبصرون بها و لهم آذان لا يسمعون بها . . . ٤ ، و كالّذين قال عزّ و جلّ فيهم : ختم اللَّه على قلوبهم و على سمعهم و على أبصارهم غشاوة . . . ٥ .

و أمّا قول ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخوئي و المجلسي ٦ : إنّه دعاء .

فهو كما ترى ، لأنّه لا محل للدعاء هنا ، فإنّه يكون من قبيل الدعاء على الأصم بالصم .

هذا ، و في ( الصحاح ) : الواعية : الصارخة ٧ . و قال ( القاموس ) : الواعية :

الصراخ و الصوت لا الصارخة ، و وهم الجوهري ٨ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) رواه ضمن حديث الاربعمائة الصدوق في الخصال : ٦٢٥ ، و ابن شعبة في تحف العقول : ١١٥ و غيرهما .

( ٢ ) هذا حديث الثقلين مرّ تخريجه في شرح فقرة « اليهم يفي‏ء الغالي » في العنوان ٤ من هذا الفصل .

( ٣ ) هذا حديث السفينة أخرجه جمع كثير ، منهم : الحاكم في المستدرك ٢ : ٣٤٢ ، و أبو يعلى بطريقين في مسنده عنه المطالب العالية ٤ : ٧٥ ح ٤٠٠٣ ، ٤٠٠٤ ، و البزار بطريقين في مسنده عنه إحياء الميت : ٢٥ ، ٢٦ ح ٢٤ ، ٢٥ ، و صاحب صحيفة الرضا عليه السّلام فيها : ٥٧ ح ٧٦ ، و القاضي الصعدي في الدرر : ٥١ .

( ٤ ) الاعراف : ١٧٩ .

( ٥ ) البقرة : ٧ .

( ٦ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١ : ٧٠ ، و شرح ابن ميثم ١ : ٢٧١ ، و شرح الخوئي ١ : ٣١٧ ، و فتن البحار : ٤١٣ .

( ٧ ) صحاح اللغة للجوهري ٦ : ٢٥٢٦ مادة ( وعى ) .

( ٨ ) القاموس المحيط ٤ : ٤٠٠ مادة ( وعى ) .

٨

قلت : بل الوهم منه ، فإنّه توهّم أنّ مراد الجوهري بالصّارخة امرأة تصرخ ، مع أنّ مراده نفس الصّراخ ، و ليته تذكّر ما قاله نفسه في مادّة ( صرخ ) من أن الصارخة الإغاثة ، مصدر على فاعلة و صوت الاستغاثة .

ثمّ إنّ ابن أبي الحديد و ابن ميثم قالا تبعا ( للصحاح ) : و الواعية :

الصارخة ١ . و قال الخوئي : الواعية : الصراخ و الصوت كما في ( القاموس ) ، لا الصارخة كما ذكر ابن أبي الحديد و ابن ميثم تبعا للجوهري ٢ . و على ما قلنا قوله ساقط .

« و كيف يراعي النّبأة من أصمّته الصيحة » قال ابن أبي الحديد : النّبأة :

الصوت الخفي . أي : كيف يراعي العبر الضعيفة من لم ينتفع بالعبر الجليلة ،

شبّه ذلك بمن أصمّته الصيحة القويّة فإنّه محال أن يراعي بعد ذلك الصوت الضعيف ٣ .

قلت : لا معنى لكلامه ، فإنّ الأصمّ لا يراعي الصوت الضعيف ، و لو لم يكن صممه من صيحة قويّة . و الصواب : أنّ قوله عليه السّلام : « أصمّته الصّيحة » كناية عن عدم ترتيبه الأثر على الصوت القوي كالأصمّ عنه ، و حينئذ فمن لم يراع الصيحة كيف يراعي النّبأة ؟ و مراده عليه السّلام أنّ الامّة الذين لم يراعوا محكمات القرآن في أهل البيت عليهم السّلام ، كقوله تعالى : إنّما وليّكم اللَّه و رسوله و الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون ٤ ، و قوله تعالى : . . . فقل

ــــــــــــــــ

( ١ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١ : ٧٠ ، و شرح ابن ميثم ١ : ٢٧٠ .

( ٢ ) شرح الخوئي ١ : ٣١٥ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٧٠ ، و النقل بالمعنى .

( ٤ ) المائدة : ٥٥ .

٩

تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم . . . ١ ،

و قوله تعالى : . . . إنّما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ٢ ، و لم يراعوا تأكيدات النّبي صلّى اللَّه عليه و آله فيهم ، كقوله صلّى اللَّه عليه و آله في أمير المؤمنين عليه السّلام : من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه ، اللّهمّ وال من والاه ، و عاد من عاداه ، و انصر من نصره ، و اخذل من خذله ٣ ، و قوله صلّى اللَّه عليه و آله في الصّدّيقة عليها السّلام :

إنّها سيّدة نساء العالمين ٤ ، و إنّها بضعة منه يؤذيه ما يؤذيها ، و رضاها رضاه ، و سخطها سخطه ٥ ، و قوله صلّى اللَّه عليه و آله في الحسن و الحسين عليهما السّلام : إنّهما سيّدا شباب أهل الجنّة ٦ ، مع اعترافهم في الظاهر بحجّيتهما . كيف يراعون كلامه عليه السّلام في أهل البيت عليهم السّلام مع عدم إقرارهم به عليه السّلام .

و قال ابن ميثم : كنّى بالصّمم عن بلوغ تكرار كلام اللَّه على أسماعهم إلى حدّ أنّها محلّه ، و ملّت سماعه بحيث لا تسمع بعده ما هو في معناه خصوصا ما هو أضعف ٧ . و هو كما ترى .

« ربط » قال الجوهري : رابط الجأش : أي : شديد القلب ، كأنّه يربط نفسه

ــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ٦١ .

( ٢ ) الأحزاب : ٣٣ .

( ٣ ) هذه احدى روايات حديث الغدير الذي مرّ تخريجه في شرح فقره « و لهم خصائص » في العنوان ٤ من هذا الفصل .

( ٤ ) أخرجه البخاري في صحيحه ٤ : ٩٦ ، و مسلم بطريقين في صحيحه ٤ : ١٩٠٤ ، ١٩٠٥ ح ٩٨ ، ٩٩ و غيرهما عن عائشة ، و في الباب عن فاطمة عليها السّلام و أبي سعيد و حذيفة .

( ٥ ) المشهور في ذلك حديث سفيان بن عيينة عن المسور بن مخرمة : « فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني » .

أخرجه البخاري في صحيحه ٢ : ٣٠٢ ، ٣٠٨ ، و مسلم في صحيحه ٤ : ١٩٠٣ ح ٩٤ و غيرهما ، و روي بطرق و ألفاظ اخرى .

( ٦ ) أخرجه الترمذي بطريقين في سننه ٥ : ٦٥٦ ح ٣٧٦٨ ، و أحمد بثلاث طرق في مسنده ٣ : ٣ ، ٦٢ ، ٦٤ ، ٨٢ ، و البلاذري في أنساب الأشراف ٣ : ٦٤ ح ٨٠ و غيرهم .

( ٧ ) شرح ابن ميثم ١ : ٢٧٢ .

١٠

عن الفرار ١ .

« جنان » بالفتح ، أي : قلب .

« لم يفارقه الخفقان » أي : الاضطراب . و النسخ ٢ متّفقة على كون الجملة هكذا : « ربط جنان لم يفارقه الخفقان » فأمّا هو دعاء ، أي : يربط اللَّه قلبا لم يفارقه الاضطراب ، و المراد قلبه ، و قلب شيعته في أيّام الثلاثة و بعدهم ، لابتلائه بالجمل و صفّين و النّهروان ، و أمّا ( ربط ) محرّف ( يربط ) و يكون خبرا و عطفا على ( يراعي ) و المراد قلوب غير شيعته من أصحابه ، أي : كيف يربط قلب بولايته و إمامته بعد النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله . و الحال لم يفارقه الاضطراب من أيّامهم إلى يومه .

« ما زلت أنتظر بكم عواقب الغدر » في ( السّير ) لمّا بايعه الزّبير ، قال عليه السّلام له :

إنّي لخائف أن تغدر بي فتنكث بيعتي . قال : لا تخافنّ ، فإنّ ذلك لا يكون منّي أبدا . فقال عليه السّلام : فلي اللَّه عليك بذلك راع و كفيل . قال : نعم ، اللَّه لك عليّ بذلك راع و كفيل ٣ .

« و أتوسّمكم » أي : أتفرّس فيكم .

« بحلية المغترّين » فلمّا رفع أهل الشام المصاحف ، و قالوا : القرآن بيننا و بينكم . لم يتميّزوا إنّه لا مورد لفعلهم و قولهم ، و إنّهم لو كانوا حقيقة مصدّقين بالقرآن كان الواجب عليهم أن يتابعوه و يطاوعوه ، لأنّه عليه السّلام كان بمنزلة نفس النّبي صلّى اللَّه عليه و آله بعد سوابقه تلك في الإسلام ، و كلام اللَّه تعالى ، و كلام رسوله صلّى اللَّه عليه و آله فيه عليه السّلام في جميع أيّامه ، و معاوية عدوّ النّبي و عدوّ الإسلام ، و من

ــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة للجوهري ٣ : ١١٢٧ مادة ( ربط ) .

( ٢ ) كذا في نهج البلاغة ١ : ٣٨ ، و شرح ابن أبي الحديد ١ : ٧٠ ، و شرح ابن ميثم ١ : ٢٧٠ .

( ٣ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ٧٧ ، شرح الخطبة ٨ ، و النقل بالمعنى .

١١

الشجرة الملعونة ، و من الذين أسرّوا الكفر و أظهروا الإسلام يوم فتح مكّة ،

فاغترّوا و قالوا له عليه السّلام : لو لم تترك القتال لنقتلك كما قتلنا عثمان ، أو نعطيك بيد معاوية .

« سترني عنكم جلباب الدّين ، و بصّرنيكم صدق النّيّة » أي : أنّ تظاهركم بالدّين ، و وضعكم جلبابه على وجوهكم سترني عنكم أو ستركم عنّي كما نقل عن نسخة ، و المعنى واحد حتّى لا أرى أنّكم غير معتقدين لشي‏ء ، و لكن بصّرني بكم بأنّ تظاهركم بالدّين مجرّد صورة و محض ظاهر صدق نيّتي ،

و صحّة فراستي .

« أقمت لكم سنن الحقّ » أي : طريقه .

« في جوادّ » بالتشديد جمع جادّة .

« المضلّة » بالفتح ، أي : الضلالة . فأرشدهم عليه السّلام إلى ما هو وظيفتهم من اللَّه تعالى ، و في خبر علقمة ، و أبي أيوب قالا : لمّا نزل قوله تعالى : الم . أ حسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا و هم لا يفتنون ١ قال النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله لعمّار : إنّه سيكون بعدي هنات حتّى يختلف السّيف في ما بينهم ، و حتّى يقتل بعضهم بعضا ، و حتّى يتبرّأ بعضهم من بعض ، فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الأصلع عن يميني عليّ بن أبي طالب ، فإن سلك النّاس كلّهم و اديا فاسلك وادي عليّ و خلّ عن النّاس . يا عمّار إنّ عليّا لا يردّك عن هدى ، و لا يردّك إلى ردى . يا عمّار طاعة عليّ طاعتي ، و طاعتي طاعة اللَّه ٢ .

و هو عليه السّلام و إن أقامهم على سنن الحقّ من ساعة وفاة النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله حتّى في كيفيّة غسله ، و الصلاة عليه ، و موضع دفنه ، و وضع تاريخه ، و في كشف

ــــــــــــــــ

( ١ ) العنكبوت : ١ ٢ .

( ٢ ) المناقب لابن شهر آشوب ٣ : ٢٠٣ .

١٢

المعضلات في زمن الثلاثة و ردعهم عن خطأهم ، إلاّ أنّ الظاهر أنّ مراده عليه السّلام هنا كيفيّة القتال مع أهل القبلة ، فلم يتّفق ذلك في زمان النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله حتّى يعرفوا منه شيئا ، فلم يقاتل صلّى اللَّه عليه و آله إلاّ على التّنزيل ، و قتالاته عليه السّلام كانت على التّأويل ،

حسبما أخبره بذلك ١ .

« حيث تلتقون و لا دليل » لولاه عليه السّلام .

« و تحتفرون و لا تميهون » أي : لا تصلون إلى ماء ، و الجملتان كناية عن أنّهم كانوا يتفاوضون في الأحكام و المعضلات و لم يكونوا يحصلوا شيئا ،

كمن في مفازة و لا دليل له ، و كمن يحفر لاستنباط ماء و لا يصل إلى ماء حتّى كان عليه السّلام يرشدهم و يهديهم . و إن أحببت عرفان ذلك فارجع إلى كتابنا في قضاياه عليه السّلام فإنّه تكفل مقدارا من ذلك .

« اليوم انطق لكم العجماء ذات البيان » قال ابن أبي الحديد : الجملة إشارة إلى الرموز التي تتضمنّها هذه الخطبة ، يقول : هي خفيّة غامضة ، و هي مع غموضها جليّة لاولي الألباب ، فكأنّها تنطق كما ينطق ذوو الألسنة ٢ .

و قال ابن ميثم : كنّى بالعجماء ذات البيان على الحال التي يشاهدونها من العبر الواضحة ، و المثلات التي حلّت بقوم فسقوا أمر ربّهم ، و عمّا هو واضح من كمال فضله عليه السّلام بالنّسبة إليهم ، و ما ينبغي لهم أن يعتبروا من حال الدّين ، و مقتضى أوامر اللَّه التي يحثّهم على اتّباعها ، فإنّ كلّ هذه الأحوال امور لا نطق لها مقالي . فشبهها لذلك بالعجماء من الحيوان ، و استعار لها لفظها ،

ــــــــــــــــ

( ١ ) انظر الى حديث النّبي صلّى اللَّه عليه و آله : « إنّ منكم رجلا يقاتل الناس على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله » . أخرجه النسائي في الخصائص : ١٣١ ، و أحمد بطريقين في مسنده : ٣٣ ، ٨٢ ، و أبو يعلى و ابن أبي شيبة في مسنديهما ، و ابن حبان في صحيحه ، و الحاكم في المستدرك ، و سعيد بن منصور في سننه ، و الضياء في المختارة ، و البيهقي في الشعب ، و أبو نعيم في الحلية عنهم منتخب كنز العمال ٥ : ٣٣ ، ٣٧ ، و ابن أخي تبوك في مسنده ، منتخبه : ٤٣٨ ح ٢٣ و غيرهم .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٧١ .

١٣

و وصفها بكونها ذات البيان ، لأنّ لسانها الحال مخبر بمثل مقاله عليه السّلام ، ناطق بوجوب اتّباعه ١ .

قلت : و يمكن أن يكون قوله عليه السّلام هذا مساوقا لقوله الآخر : « لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة و الإنجيل و الزّبور و الفرقان بكتبهم ، حتّى ينطق كلّ كتاب بأنّ عليّا حكم فيّ بما حكم اللَّه فيّ » ٢ . و ورد أنّ القرآن كتاب اللَّه الصّامت و هو عليه السّلام كتاب اللَّه النّاطق ٣ . و يمكن أن يكون إشارة إلى قوله تعالى :

و إذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابّة من الأرض تكلّمهم أنّ النّاس كانوا بآياتنا لا يوقنون ٤ .

هذا ، و قيل في الألغاز :

أبى علماء الناس أن يخبرونني

بناطقة خرساء مسواكها الحجر

قيل : المراد الطاحونة .

« عزب رأي امرى‏ء تخلّف عنّي » يمكن أن يكون مراده عليه السّلام المتخلّفين عن بيعته و غزواته ، كسعد بن أبي وقاص ، و مع ذلك قال لمعاوية : سمعت النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله يقول : « عليّ مع الحقّ و الحقّ مع عليّ يدور حيثما دار » و هو حديث متواتر فقال له معاوية : أنت الآن ألوم ما كنت عندي ، و اللَّه لو سمعت أنا هذا من النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ما زلت خادما لعليّ حتّى أموت ٥ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن ميثم ١ : ٢٧٤ .

( ٢ ) هذا حديث مشهور بفرق بين ألفاظه ، أخرجه الخوارزمي في مناقبه : ٤٧ و غيره ، مرّ تخريجه في شرح فقرة « من الكلام النّبوي » من خطبة الرضي .

( ٣ ) روى هذا المضمون في موارد ، منها في وقعة صفّين حينما رفعوا المصاحف على رؤوس الرماح .

( ٤ ) النمل : ٨٢ .

( ٥ ) أخرجه ابن عساكر في تاريخه عنه ذيل ترجمة علي عليه السّلام ٣ : ١٥٦ ، و البزار في مسنده عنه مجمع الزوائد ٧ : ٢٣٦ ، و ابن مردويه في مناقبه ، عنه إحقاق الحق ٥ : ٦٣١ بفرق بين الألفاظ ، و في الباب عن علي عليه السّلام و امّ سلمة .

١٤

و أقول : إنّ معاوية و إن قال لسعد : إنّه لم يسمع ذلك من النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ، إلاّ أنّه علم أنّ النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله قال ذلك ، و لم يكن معتقدا بالنّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ، إلاّ أنّه قال ذلك لسعد جدلا ، حيث إنّه أقرّ بسماعه و اعتزله عليه السّلام .

و يمكن أن يكون مراده عليه السّلام المتخلّفين عن القول بإمامته بعد النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ، و قد قال صلّى اللَّه عليه و آله في المستفيض : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ، و من تخلّف عنها غرق ١ .

« ما شككت في الحقّ مذ أريته » هذا الكلام تعريض بالمتقدّمين عليه ، فإنّهم نقلوا عن أبي بكر أنّه تمنّى في حال احتضاره سؤال النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله : هل كان له حق في الخلافة أم لا ٢ ؟ و نقلوا عن عمر أنّه لمّا اشير عليه بنصب ابنه بعده قال : إن كان له فيها حقّ فحسب آل الخطاب بشخصه ، و إن لم يكن له حقّ فلم يتحمّل مظلمة ابنه ٣ زائدة على مظلمته . كما أنّه أقرّ أنّه شكّ في حقّية الإسلام ،

و حقّية النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله يوم الحديبيّة ٤ ، و أمّا هو صلوات اللَّه عليه فكان على بيّنة من ربّه من أوّله إلى آخره ، بقعوده أيّام الثلاثة ، و قيامه بعدهم ، و قتال النّاكثة ،

و القاسطة ، و المارقة كالنّبي صلّى اللَّه عليه و آله في مكّة و في المدينة ، في قعوده أوّلا و قيامه أخيرا .

ــــــــــــــــ

( ١ ) هذا حديث السفينة مر تخريجه في أوائل هذا العنوان .

( ٢ ) رواه الجوهري في السفينة : ٣٩ ، و الطبري في تاريخه ٢ : ٦١٩ سنة ١٣ ، و المسعودي في مروج الذهب ٢ : ٣٠١ ، و أبو عبيدة في الأموال ، و العقيلي في الضعفاء ، و الطرابلسي في الفضائل ، و الطبراني في معجمه الكبير ، و ابن عساكر في تاريخه ، و الضياء في المختارة عنهم منتخب كنز العمال ٢ : ١٧١ ، و ابن قتيبة في الإمامة و السياسة ١ : ١٨ ضمن كلام طويل عنه « فوددت أني سألته هذا الأمر فكنّا لا ننازعه أهله » .

( ٣ ) رواه الطبري في تاريخه ٣ : ٢٩٢ سنة ٢٣ ، و ابن النجار في تاريخه عنه منتخب كنز العمال ٢ : ١٨٩ ، و ابن قتيبة في الإمامة و السياسة ١ : ٢٤ ، و النقل بالمعنى .

( ٤ ) صحيح البخاري ٢ : ٢٠٥ ، و صحيح مسلم ٣ : ١٤١١ ح ٩٤ ، و سيرة ابن هشام ٣ : ٢٠٣ ، و المغازي للواقدي ١ : ٦٠٦ ، ٦٠٨ ، و تاريخ الطبري ٢ : ٢٨٠ سنة ٦ .

١٥

و روى المدائني : أنّ عمرو بن العاص لقي الحسن عليه السّلام في الطواف ، فقال له : يا حسن زعمت أنّ الدين لا يقوم إلاّ بك و بأبيك ، فقد رأيت اللَّه أقامه بمعاوية فجعله راسيا بعد ميله ، و بيّنا بعد خفائه ، أفرضي اللَّه بقتل عثمان ، أو من الحق أن تطوف بالبيت كما يدور الجمل بالطّحن عليك ثياب كغرقى البيض ، و أنت قاتل عثمان ؟ و اللَّه ، إنّه لألمّ للشّعث ، و أسهل للوعث أن يوردك معاوية حياض أبيك . فقال الحسن عليه السّلام : إنّ لأهل النّار لعلامات يعرفون بها : إلحادا لأولياء اللَّه ،

و موالاة لأعداء اللَّه ، و اللَّه إنّك لتعلم أنّ عليّا عليه السّلام لم يرتب في الدّين ، و لم يشكّ في اللَّه ساعة ، و لا طرفة عين قطّ . و أيم اللَّه لتنتهينّ يابن ام عمرو أو لأنفذنّ حضنيك بنوافذ أشدّ من القعضبيّة ، فإيّاك و التّهجّم عليّ ، فإنّي من قد عرفت :

لست بضعيف الغمزة ، و لا هشّ المشاشة ، و لا مري‏ء المأكلة ، و إنّي من قريش كواسطة القلادة يعرف حسبي ، و لا ادعى لغير أبي ، و أنت من تعلم و يعلم النّاس تحاكمت فيك رجال قريش فغلب عليك جزّارها ، ألأمهم حسبا ،

و أعظمهم لؤما . فإيّاك عنّي فإنّك رجس ، و نحن أهل بيت الطهارة اذهب عنّا الرّجس و طهّرنا تطهيرا . فأفحم عمرو و انصرف كئيبا ١ .

« لم يوجس » في ( الصحاح ) : الوجس أيضا : فزعة القلب ، و أوجس في نفسه خيفة : أي أضمر ٢ .

« موسى عليه السّلام خيفة على نفسه أشفق » أي : خاف .

« من غلبة الجهّال و دول الضلال » يعني كما لم يخف موسى على نفسه على الضلال من سحر السّحرة ، بل من اشتباه الأمر على العوامّ و الجهّال ، كذلك هو عليه السّلام لم يبال بتقدّم الثلاثة عليه في القيام بالأمر ، فإنّ الإمام كالنّبيّ ليس

ــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ١٠ شرح الكتاب ٣١ عن المدائني .

( ٢ ) صحاح اللغة للجوهري ٢ : ٩٨٤ مادة ( وجس ) .

١٦

شرط منصبه السلطنة و القيام بالأمر ، و لكنّه خاف من اشتباه الأمر على العوامّ و الجهّال ، فإنّهم لا يفرّقون في ذلك بين الحقّ و الباطل ، و يتوهّمون أنّ كلّ من قام إمام ، و أنّ الاعتقاد بالثّلاثة جزء الدّيانة ، و أنّ غير المعتقد بهم خارج من الملّة ، كما عليه إخواننا من أهل السّنّة ، مع أنّ فاروقهم لمّا دعا النّاس إلى قيام صدّيقهم جعله مجرّد سلطنة ، و أهون من إمامة صلاة جماعة ، فقال له :

رضيك النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله لديننا ، في ما ادّعاه من أنّ تقدّمه في الصّلاة كان بأمر النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ، قال : فكيف لا نرضاك لدنيانا ؟ و لو كان إخواننا فرّقوا بين الأمرين لارتفع النّزاع من البين ، و لأدّى قيام الأوّلين إلى وصول الأمر إلى بني اميّة الشجرة الملعونة في القرآن .

و نظير مرمى كلامه عليه السّلام من أنّ أسفه من تقدّم اولئك إنّما كان لضلالة جمع غير ذوي بصيرة ، ما عن ( تاريخ الثقفي ) : أنّ رجلا جاء إلى ابيّ بن كعب ،

فقال : يا أبا المنذر ألا تخبرني عن عثمان ما قولك فيه ؟ فأمسك عنه . فقال الرجل : جزاكم اللَّه شرّا يا أصحاب محمّد شهدتم الوحي و عاينتموه ، ثمّ نسألكم التّفقّه في الدّين فلا تعلّمونا . فقال ابيّ : عند ذلك هلك أصحاب العقدة و ربّ الكعبة ، أما و اللَّه ما عليهم آسى و لكن آسى على من أهلكوا ، أما و اللَّه لئن أبقاني اللَّه إلى يوم الجمعة ، لأقومنّ مقاما أتكلّم فيه بما أعلم ، قتلت أو استحييت . فمات رحمه اللَّه يوم الخميس ١ .

و روى أبو نعيم في ( حليته ) مسندا عن قيس بن عباد قال : قدمت المدينة للقاء أصحاب محمّد صلّى اللَّه عليه و آله ، فلم يكن فيهم أحد أحبّ إليّ لقاء من أبيّ بن كعب ،

فقمت في الصّفّ الأوّل فخرج ، فلمّا صلّى حدّث ، فما رأيت الرّجال متحت أعناقها إلى شي‏ء توجها إليه ، فسمعته يقول : هلك أهل العقدة و ربّ الكعبة

ــــــــــــــــ

( ١ ) نقله عنه الحلبي في تقريب المعارف عن فتن البحار : ٣١٦ .

١٧

قالها ثلاثا هلكوا و أهلكوا أما أنّي لا آسى عليهم و لكنّي آسي على من يهلكون من المسلمين ١ .

و مراد ابيّ بأهل العقدة من رواه محمّد بن يعقوب عن أبي جعفر عليه السّلام قال : كنت دخلت مع أبي الكعبة فصلّى على الرّخامة الحمراء بين العمودين ،

فقال في هذا الموضع : تعاقد القوم إن مات رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله أو قتل ، أن لا يردّوا هذا الأمر في أحد من أهل بيته . قلت : و من كان ؟ قال : كان الأوّل و الثاني ، و أبو عبيدة بن الجرّاح و سالم بن الحبيبة ٢ .

« اليوم توافقنا على سبيل الحقّ و الباطل » قال عمّار : لو ضربونا بأسيافهم حتّى يبلغونا سعفات هجر لعرفت أنّا على الحقّ ، و هم على الباطل ٣ .

و تواتر عن النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله أنّه عليه السّلام على الحقّ ، و الحقّ يدور معه ، و مخالفه على باطل ٤ .

« من وثق بماء لم يظمأ » هو مثل ، و المراد منه : أنّه كما أنّ من كان مطمئنّا بأنّ عنده ماء موجودا لم يبال بظمئه الآني ، كذلك من علم أنّه على دين الحقّ لم يبال بما يصيبه في دنياه ، فإنّه يقطع برفع ذلك عنه سريعا .

و من أمثال العرب : إن ترد الماء بماء أكيس ٥ .

و ممّا روي عنه عليه السّلام من الحكم المثلية : من سبق إلى الظلّ ضحى ، و من

ــــــــــــــــ

( ١ ) حلية الأولياء لأبي نعيم ١ : ٢٥٢ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٤ : ٥٤٥ ح ٢٨ .

( ٣ ) وقعة صفّين لابن مزاحم : ٣٢٢ .

( ٤ ) أخرج هذا المعنى الترمذي في سننه ٥ : ٦٣٣ ح ٣٧١٤ و ترجمة علي عليه السّلام لابن عساكر ٣ : ١٥١ و ١٥٢ ح ١١٦٩ و ١١٧٠ ، في ذيل حديث عن علي عليه السّلام و في الباب عن ام سلمة و سعد.

( ٥ ) مجمع الأمثال للميداني ١ : ٣٢ ، و المستقصى للزمخشري ١ : ٣٧٠ .
١٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثالث الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

سبق إلى الماء ظمى‏ء ١ .

قوله عليه السّلام في رواية ( الإرشاد ) : « كان بنو يعقوب على المحجّة العظمى ،

حتّى عقّوا أباهم و باعوا أخاهم ، و بعد الإقرار كانت توبتهم ، و باستغفار أبيهم و أخيهم غفر لهم » ٢ المراد بهذا الكلام أنّ طلحة و الزّبير كانا في سلك المسلمين ما لم يكونا نكثا ، و بعد نكثهما خرجا من سلكهم ، و الزّبير و إن رجع من العسكر ، و طلحة قتل في العسكر إلاّ أنّهما لم يتوبا بعودهما إلى طاعته ،

و الانخراط في سلكه ، كما فعل الحرّ الرّياحي لمّا خرج على الحسين عليه السّلام ، و لم يستغفر عليه السّلام لهما ، لأنّهما لم يكونا قابلين لذلك ، كما قال تعالى لنبيّه صلّى اللَّه عليه و آله :

إن تستغفر لهم سبعين مرّة فلن يغفر اللَّه لهم . . . ٣ . فبقيا في ما دخلا فيه من الخروج عن سلك الإسلام .

٦

من الخطبة ( ٩٥ ) اُنْظُرُوا أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ فَالْزَمُوا سَمْتَهُمْ وَ اِتَّبِعُوا أَثَرَهُمْ فَلَنْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ هُدًى وَ لَنْ يُعِيدُوكُمْ فِي رَدًى فَإِنْ لَبَدُوا فَالْبُدُوا وَ إِنْ نَهَضُوا فَانْهَضُوا وَ لاَ تَسْبِقُوهُمْ فَتَضِلُّوا وَ لاَ تَتَأَخَّرُوا عَنْهُمْ فَتَهْلِكُوا أقول : قال ابن أبي الحديد في شرح خطبته عليه السّلام : « أمّا بعد أيّها النّاس فأنا فقأت عين الفتنة » : هذه الخطبة ذكرها جماعة من أصحاب السيرة و هي متداولة منقولة مستفيضة خطب بها عليّ عليه السّلام بعد انقضاء أمر النهروان ،

و فيها ألفاظ لم يوردها الرضي إلى أن قال و منها : « فانظروا أهل بيت نبيّكم ،

ــــــــــــــــ

( ١ ) لم أجده في حديث أمير المؤمنين عليه السّلام .

( ٢ ) الإرشاد : ١٣٥ .

( ٣ ) التوبة : ٨٠ .

١٩

فإن لبدوا فالبدوا ، و إن استنصروكم فانصروهم . فليفرجّنّ اللَّه الفتنة برجل منّا أهل البيت ، بأبي ابن خيرة الإماء ، لا يعطيهم إلاّ السيف هرجا مرجا موضوعا على عاتقه ثمانية أشهر ، حتّى تقول قريش : لو كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا .

يغريه اللَّه ببني اميّة حتّى يجعلهم حطاما و رفاتا ملعونين أينما ثقفوا اخذوا و قتّلوا تقتيلا ١ الآية ٢ و غفل عنه هنا .

و روى ( البحار ) عن ( غارات الثقفي ) بسندين عن زر بن حبيش قال :

خطب عليّ عليه السّلام بالنّهروان إلى أن قال : فقام رجل فقال : يا أمير المؤمنين ما نصنع في ذلك الزّمان ؟ قال عليه السّلام : انظروا أهل بيت نبيّكم ، فإن لبدوا فالبدوا ، و إن استصرخوكم فانصروهم تؤجروا ، و لا تسبقوهم فتصرعكم البليّة فقام رج . ل آخر ، فقال : ثمّ ماذا يكون بعد هذا يا أمير المؤمنين ؟ قال عليه السّلام : ثمّ إنّ اللَّه تعالى يفرّج الفتن برجل منّا أهل البيت ، كتفريج الأديم ٣ .

و في ( كتاب سليم بن قيس ) بعد ذكر فتنة بني اميّة قال رجل : فما أصنع في ذلك الزّمان يا أمير المؤمنين ؟ قال : انظروا أهل بيت نبيّكم ، فإن لبدوا و إن استنصروكم فانصروهم تنصروا و تعذروا ، فإنّهم لن يخرجوكم من هدى و لن يدعوكم إلى ردى ، و لا تسبقوهم بالتقدّم ، فيصرعكم البلاء و تشمت بكم الأعداء . قال : فما يكون بعد ذلك يا أمير المؤمنين ؟ قال : يفرّج اللَّه برجل من بيتي ، كانفراج الأديم من بيته ٤ .

و قال النّعماني في ( غيبته ) : قال أمير المؤمنين عليه السّلام في خطبته المشهورة التي رواها الموافق و المخالف ، في جملة ما قال : و لقد علم

ــــــــــــــــ

( ١ ) الاحزاب : ٦١ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٧٨ شرح الخطبة ٩١ .

( ٣ ) الغارات للثقفي ١ : ٢ ، و نقله عنه المجلسي في الفتن من البحار : ٥٥٨ .

( ٤ ) كتاب سليم بن قيس : ١٥٨ ضمن حديث .

٢٠