بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٣

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 446

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 446
المشاهدات: 40316
تحميل: 4002


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 446 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40316 / تحميل: 4002
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 3

مؤلف:
العربية

يا بني طاهر كلوه و بيا

إنّ لحم النّبيّ غير مري

إنّ وترا يكون طالبه اللَّه

لوتر بالفوت غير حري ١

و في ( مقاتل أبي الفرج ) أيضا في يحيى ذاك : قال أبو هاشم الجعفري لمحمّد بن عبد اللَّه طاهر : قد جئتك مهنّئا بما لو كان رسول اللَّه حيّا لعزّي به .

قال : و أمر محمّد بن عبد اللَّه حينئذ اخته و نسوة من حرمه بالشّخوص إلى خراسان ، و قال : إنّ هذه الرؤوس من قتلى أهل هذا البيت ، لم تدخل بيت قوم قطّ إلاّ خرجت منه النّعمة ، و أزالت عنه الدّولة ٢ .

و كتب عبد الملك إلى الحجّاج : أمّا بعد ، فجنّبني دماء بني عبد المطلب ،

فإنّي رأيت آل أبي سفيان لمّا و لعوا فيها لم يلبثوا بعدها إلاّ قليلا .

و روى المسعودي عن ابن الغنوي عن ابن أبي عباد الجليس قال : رأى المعتضد باللَّه و هو في سجن أبيه كأنّ شيخا جالسا على دجلة ، يمدّ يده إلى ماء دجلة فيصير في يده و تجفّ دجلة ، ثمّ يردّه من يده ، فتعود دجلة كما كانت ،

فسأل عنه . فقيل له : هذا عليّ بن أبي طالب عليه السّلام . فقام إليه و سلّم عليه . فقال : يا أحمد إنّ هذا الأمر صائر إليك فلا تتعرّض لولدي و لا تؤذهم . فقال : السّمع و الطاعة يا أمير المؤمنين ٣ .

٢٤

من الخطبة ( ١٦٤ ) أَيُّهَا اَلنَّاسُ لَوْ لَمْ تَتَخَاذَلُوا عَنْ نَصْرِ اَلْحَقِّ وَ لَمْ تَهِنُوا عَنْ تَوْهِينِ اَلْبَاطِلِ لَم يَطْمَعْ فِيكُمْ مَنْ لَيْسَ مِثْلَكُمْ وَ لَمْ يَقْوَ مَنْ قَوِيَ عَلَيْكُمْ

ــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٤ : ٦٤ ، ١٨١ .

( ٢ ) المقاتل لأبي الفرج : ١٨٤ ، ٤٢٣ .

( ٣ ) مروج الذهب للمسعودي ٤ : ٦٤ و ١٨١ .

٣٤١

لَكِنَّكُمْ تِهْتُمْ مَتَاهَ ؟ بَنِي إِسْرَائِيلَ ؟ وَ لَعَمْرِي لَيُضَعَّفَنَّ لَكُمُ اَلتِّيهُ مِنْ بَعْدِي أَضْعَافاً بِمَا خَلَّفْتُمُ اَلْحَقَّ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَ قَطَعْتُمُ اَلْأَدْنَى وَ وَصَلْتُمُ اَلْأَبْعَدَ وَ اِعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِنِ اِتَّبَعْتُمُ اَلدَّاعِيَ لَكُمْ سَلَكَ بِكُمْ مِنْهَاجَ ؟ اَلرَّسُولِ ؟ وَ كُفِيتُمْ مَئُونَةَ اَلاِعْتِسَافِ وَ نَبَذْتُمُ اَلثِّقْلَ اَلْفَادِحَ عَنِ اَلْأَعْنَاقِ أقول : رواه الكليني في ( روضة كافيه ) و زاد قبله : « أيّها النّاس إنّ المنتحلين للإمامة من غير أهلها كثير » ١ .

« أيّها النّاس لو لم تتخاذلوا عن نصر الحقّ » تخاذل النّاس بعد نبيّهم صلّى اللَّه عليه و آله عن نصر الحقّ ، نصر أهل بيته ، فاستشفع نساء أمير المؤمنين عليه السّلام إليهم بسيّدة نساء العالمين ، التي قال النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله فيها بإقرار الأوّل و الثاني كما نقله ابن قتيبة : « رضا فاطمة من رضاي ، و سخط فاطمة من سخطي ، فمن أحبّ فاطمة ابنتي فقد أحبّني ، و من أرضى فاطمة فقد أرضاني ، و من أسخط فاطمة فقد أسخطني » ٢ فلم ينجع .

ففي ( خلفاء ابن قتيبة ) : و خرج عليّ كرّم اللَّه وجهه يحمل فاطمة بنت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله على دابة ليلا في مجالس الأنصار ، تسألهم النصرة ، فكانوا يقولون : يا بنت رسول اللَّه قد مضت بيعتنا لهذا الرّجل ، و لو أنّ زوجك و ابن عمّك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به . فيقول عليّ كرّم اللَّه وجهه : أفكنت أدع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله في بيته لم أدفنه ، و أخرج انازع النّاس بسلطانه ؟ فقالت فاطمة:

ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له ، و لقد صنعوا ما اللَّه حسيبهم و طالبهم ٣ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) رواه الكليني في الكافي ٨ : ٦٦ كتاب الروضة ضمن خطبة .

( ٢ ) الإمامة و السياسة لابن قتيبة ١ : ١٤ .

( ٣ ) الإمامة و السياسة لابن قتيبة ١ : ١٢ .

٣٤٢

« و لم تهنوا » أي : تضعفوا .

« عن توهين » أي : تضعيف .

« الباطل » خرجت عايشة عليه عليه السّلام و قد قال تعالى لها : و قرن في بيوتكنّ و لا تبرّجن تبرّج الجاهلية الاولى . . . ١ . و قال تعالى فيها و في صاحبتها حفصة : . . . و إن تظاهرا عليه فإنّ اللَّه هو مولاه و جبريل و صالح المؤمنين و الملائكة بعد ذلك ظهيرا ٢ . و ضرب عزّ و جلّ لهما ، رامزا بكفرهما باطنا ، مثلا باعتراف عمر كما في ( الكشّاف ) في قوله جلّ و علا :

ضرب اللَّه مثلا للّذين كفروا امرأة نوح و امرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من اللَّه شيئا و قيل ادخلا النار مع الدّاخلين ٣ فتبادر إلى نصرها آلاف و كانوا يقولون :

يا أيّها الناس عليكم امّكم

فإنّها صلاتكم و صومكم

و كانوا يشمّون بعر جملها و يقولون : ريح بعره أطيب من المسك .

و كذلك طلحة و الزّبير حاصرا عثمان حتّى قتل ، و كان عليه السّلام عن ذلك بمعزل ،

فخرجا عليه عليه السّلام بطلب ثاره ، فقتلا آلافا من عباد اللَّه الصالحين ، و كان بطلان دعواهما و دعوى عايشة من الوضوح بمثابة أنكرها مثل المغيرة بن شعبة ،

الذي كان منافقا ، و كان أوّل من أمر بسبّه عليه السّلام مقيما خطباء في ذلك ليسرّ معاوية ، ففي ( خلفاء ابن قتيبة ) لمّا نزل طلحة و الزّبير و عايشة بأوطاس ، قال المغيرة : أيّها النّاس إن كنتم إنّما خرجتم مع امّكم فارجعوا بها خيرا لكم ، و إن كنتم غضبتم لعثمان فرؤساؤكم قتلوا عثمان ، و إن كنتم نقمتم على عليّ شيئا

ــــــــــــــــ

( ١ ) الاحزاب : ٣٣ .

( ٢ ) رواه من طرق كثيرة السيوطي في الدر المنثور ٦ : ٢٣٩ ٢٤١ و الفيروز آبادي في السبعة من السلف : ١٣٥ ١٤٣ . و الآية ٤ من سورة التحريم .

( ٣ ) الكشاف للزمخشري ٤ : ٥٦٣ ، و الآية ١٠ من سورة التحريم .

٣٤٣

فبيّنوا ما نقمتم عليه ١ .

« لم يطمع فيكم من ليس مثلكم ، و لم يقو من قوي عليكم » من بني اميّة أيّام عثمان ، فإنّ استيلاء الأراذل على النّاس أثر قهري لرذيلة خذلان الحقّ و نصر الباطل ، قالوا : كان ابن عمر يبغض سلمان رحمه اللَّه لمّا رآه يوم السقيفة يقول :

« كرديد و نكرديد » . فلمّا رأى مروان عدوّ الإسلام على منبر النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ، قال :

رحم اللَّه سلمان قال ما قال بعلم ٢ .

و لو كانوا لم يتخاذلوا عن منع الأوّل و الثاني لم يطمع فيه الثّالث ، و لو لم يكن الثالث لم يطمع فيه معاوية ، اللعين بن اللعين على لسان النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و المحارب له إلى أن أسلم كرها ، فاستسلم و لم يسلم ، و لو لم يكن معاوية لم يطمع فيه السكّير القمّير القردي يزيد ، و لو لم يكن هو لم يطمع فيه بنو مروان طريد النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و الشجرة الملعونة في القرآن . و لذا قال النظام في جواب كلام عبد الملك ، الّذي قرأه في السير في وصف نفسه : « إنّه ليس الخليفة الضعيف يعني عثمان و لا المداهن يعني معاوية و لا المافون يعني يزيد » : أيّها الرجل لو لم يكن اولئك كنت أبعد من الخلافة من الثّرى إلى الثريا .

« لكنّكم تهتم » أي : تحيّرتم .

« متاه بني إسرائيل » قال ابن أبي الحديد : جاء في المسانيد الصحيحة أنّ النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله قال : لتركبن سنن من كان قبلكم حذو النّعل بالنّعل ، و القذة بالقذة حتّى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه . فقيل : يا رسول اللَّه اليهود و النصارى ؟

قال : فمن إذن ٣ ؟

ــــــــــــــــ

( ١ ) الإمامة و السياسة لابن قتيبة ١ : ٦٣ .

( ٢ ) الشافي للمرتضى عنه الفتن من البحار : ٧٦ ، و الاحتجاج للطبرسي : ٧٦ .

( ٣ ) رواهما ابن أبي الحديد في شرحه ٢ : ٤٧٠ .

٣٤٤

قال : و من الأخبار الصحيحة أيضا أمتهوّكون أنتم كما تهوّكت اليهود و النصارى ١ ؟

و في ( صحيح البخاري و مسلم ) : أنّه سيجاء يوم القيامة باناس من امتي فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فإذا رأيتهم اختلجوا دوني قلت : أي ربّ أصحابي .

فيقال لي : إنّك لا تدري ما عملوا بعدك . فأقول ما قال العبد الصالح : . . . و كنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلمّا توفّيتني كنت أنت الرّقيب عليهم و أنت على كلّ شي‏ء شهيد ٢ .

قال : و في ( الصحيحين ) أيضا : عن زينب بنت جحش قالت : استيقظ النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله يوما من نومه محمرّا وجهه و هو يقول : لا إله إلاّ اللَّه ، ويل للعرب من شرّ قد اقترب فقلت : يا رسول اللَّه أنهلك و فينا الصّالحون ؟ فقال : نعم إذا كثر الخبيث ٣ .

قال : و في ( الصحيحين ) أيضا : يهلك امّتي هذا الحي من قريش . قالوا : يا رسول اللَّه فما تأمرنا ؟ قال : لو أنّ النّاس اعتزلوهم ٤ .

قلت : لم يذكر المراد من هذه الأخبار ، و الخبر الأخير يوضّح أنّه صلّى اللَّه عليه و آله أشار إلى يوم السقيفة ، فإنّه مشتمل على أنّ قريشا تهلك امّته ، و كان الثاني استند في تقديم الأوّل إلى أنّ النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله قال : الأئمّة من قريش ٥ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) رواهما ابن أبي الحديد في شرحه ٢ : ٤٧٠ .

( ٢ ) صحيح البخاري ٤ : ٢٢١ ، و صحيح مسلم ٤ : ١٧٩٣ ١٨٠٠ ح ٢٦ ٢٩ ، ٣٢ ، ٤٠ ، و رواه عنهما ابن أبي الحديد في شرحه ٢ : ٤٧٠ ، و الآية ١١٧ من سورة المائدة .

( ٣ ) أخرجه البخاري بطريقين في صحيحه ٤ : ٢٢٢ ، ٢٣٣ ، و مسلم بأربع طرق في صحيحه ٤ : ٢٢٠٧ ، ٢٢٠٨ ح ١ ، ٢ ، و رواه عنهما ابن أبي الحديد في شرحه ٢ : ٤٧٠ .

( ٤ ) أخرجه البخاري في صحيحه ٤ : ٢٢٢ ، و مسلم بطريقين في صحيحه ٤ : ٢٢٣٦ ح ٧٤ ، و رواه عنهما ابن أبي الحديد في شرحه ٢ : ٤٧٠ .

( ٥ ) رواه الشريف الرضي في ضمن خطبة في نهج البلاغة ٢ : ٢٧ الخطبة ١٤٢ عن عليّ عليه السّلام ، و للحديث طرق كثيرة .

٣٤٥

فإن قيل : فلعلّه صلّى اللَّه عليه و آله أشار إلى بني امية ، فإنّهم أيضا كانوا من قريش .

قلت : نعم . لكن إنّما يعبّر باسمهم الخاص كبني هاشم ، و إنّما يعبّر عن الأوّلين بقريش لعدم شهرة تيم وعدي .

و لقد أفصح أمير المؤمنين عليه السّلام عن أنّ مراد النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله يوم السقيفة في جعلهم في تقديم الأوّل كمتبعي العجل ، ففي ( خلفاء ابن قتيبة ) : و لمّا أحضروا عليّا للبيعة لحق بقبر النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و يصيح و ينادي . . . ابن امّ إنّ القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني . . . ١ .

و أوضح من ذلك كلمات سيّدة النّساء صلوات اللَّه عليها و خطبها في ذلك ٢ .

« و لعمري ليضعّفنّ لكم التّيه من بعدي أضعافا بما » ليست كلمة ( بما ) في ( ابن ميثم و الخطيّة ) ٣ .

« خلّفتم الحقّ وراء ظهوركم ، و قطعتم الأدنى و وصلتم الأبعد » قال ( ابن أبي الحديد ) : يعني بالأدنى نفسه ، و وصلكم الأبعد يعني معاوية ٤ .

قلت : فكما معاوية أبعد منه عليه السّلام عن النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله كذلك صدّيقهم و فاروقهم ، فلم حمل اللفظ العام جزافا و اتّباعا للهوى على معنى خاص ، مع أنّ معاوية كان أقرب إلى النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله من الأوّل و الثاني ، فإنّه و النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله من بني عبد مناف ، و أين من ذلك تيم وعدي ؟ و لمّا أراد عمر نفسه يوم الشورى إشراك عثمان مع أمير المؤمنين عليه السّلام مع كونهما من حيث العمل كالنّور و الظلمة ، و الحي و الميّت قال مغالطة : إنّهما من بني عبد مناف . ليقرّب جعله

ــــــــــــــــ

( ١ ) الإمامة و السياسة لابن قتيبة ١ : ١٣ ، و الآية ١٥٠ من سورة الأعراف .

( ٢ ) مرّ تخريج خطبتيها المعروفتين في العنوان ١١ من الفصل الأوّل .

( ٣ ) لفظ شرح ابن ميثم ٣ : ٣١٦ مثل المصرية أيضا .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٧٠ .

٣٤٦

رديفا له عليه السّلام . و ما يفعل ابن أبي الحديد بقوله عليه السّلام لما سمع احتجاج الرّجلين في قبال الأنصار بأنّهما من قومه قريش : « احتجّوا بالشجرة و أضاعوا الثمرة » ١ .

و لعمر اللَّه ، لقد صدق صلوات اللَّه عليه في تضعيف التّيه لهم أضعافا على بني إسرائيل ، لتركهم مثل أمير المؤمنين عليه السّلام و أهل بيته المعصومين ،

و اتّباعهم لمثل الرّجلين ، مع منعهما النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله عن الوصيّة ، و تخلّفهما عن الشّخوص في جيش اسامة مع تأكيده ساعة بعد ساعة في تجهيزه حتّى لعن المتخلّف ٢ ، و تركهما لجنازة نبيّهم صلّى اللَّه عليه و آله ، و إرادتهما إحراق أهل بيته ٣ ،

و توطئتهما مع باقي قريش في جعل الأمر بينهم ، بإقرارهم بذلك في قصّة عمر مع ابن عبّاس ٤ ، و في نهرهم لمقداد و عمّار يوم الشّورى ٥ . فاحتاجوا لذلك إلى إنكار الضروريات و التشكيك في المتواترات و جحد البديهيات ، و إلاّ فكونه عليه السّلام أدنى إلى النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله من الأوّل و الثاني أمر بديهي . فلم يقول هذا الرّجل : المراد به الاموي ؟ و قد قال عليه السّلام يوم السقيفة كما اعترف به ابن قتيبة : اللَّه اللَّه يا معشر المهاجرين لا تخرجوا سلطان محمّد في العرب عن داره و قعر بيته إلى دوركم و قعور بيوتكم ، و لا تدفعوا أهله عن مقامه في النّاس و حقّه ، فو اللَّه يا معشر المهاجرين لنحن أحقّ النّاس به ، لأنّا أهل البيت ،

و نحن أحق بهذا الأمر منكم ما كان فينا القارى‏ء لكتاب اللَّه ، الفقيه في دين اللَّه ،

العالم بسنن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله المضطلع بأمر الرّعية ، المدافع عنهم الامور

ــــــــــــــــ

( ١ ) رواه الشريف الرضي ضمن خطبة في نهج البلاغة ١ : ١١٦ الخطبة ٦٥ .

( ٢ ) لعن النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله المتخلف عن جيشه ، رواه الجوهري في السقيفة : ٧٥ مسندا ، و غيره مجردا .

( ٣ ) حديث احراق بيت فاطمة عليها السّلام مرّ تخريجه في شرح ( الطلقاء ) في العنوان ١١ من هذا الفصل .

( ٤ ) تاريخ الطبري ٣ : ٢٨٩ سنة ٢٣ .

( ٥ ) السقيفة للجوهري : ٨٤ ، ٨٥ ، و غيره .

٣٤٧

السيّئة ، القاسم بينهم بالسّوية ، و اللَّه إنّه لفينا ، فلا تتّبعوا الهوى فتضلّوا عن سبيل اللَّه فتزدادوا من الحقّ بعدا ١ .

و صاروا بذلك مستحقّين لمثل وقعة الحرّة التي أباح صاحبها نساء المدينة لجيشه ، و أخذ منهم البيعة على أنّهم عبدقن ليزيد ، و صاروا بذلك شركاء أربابهم في كلّ ظلم ورد على أهل بيت نبيّهم من ذاك اليوم إلى الأبد ،

حتّى في قتل أمير المؤمنين عليه السّلام و الحسين عليه السّلام و باقي أهل البيت ، حتّى في ما لم يتصدّوا ، و حتّى من كان منهم اليوم مثل بني إسرائيل في زمان النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و أسلافهم ، و مثل قوم صالح في شركتهم مع عاقر الناقة في الوزر مع عدم التصدي .

« و اعلموا أنّكم إن اتبعتم الدّاعي لكم » يعني به نفسه عليه السّلام .

« سلك بكم منهاج الرّسول » و قد اعترف به فاروقهم فقال له عليه السّلام يوم الشورى كما قال ابن قتيبة و غيره : إنّك أحرى القوم إن وليتها أن تقيم على الحقّ المبين و الصراط المستقيم ٢ . و إن كان لمّا سمع ابنه عبد اللَّه ذلك منه ،

قال له : فلم لا تستخلفه ؟ قال : أكره أن أتحملها حيّا و ميّتا لكن ما أصلب وجهه ،

كما أنّه ما أقلّ شعورا اتباعه فكيف دبّر الأمر لعثمان ؟

« و كفيتم مؤونة الاعتساف » قال الجوهري : العسف : الأخذ على غير الطريق ، و كذلك التعسف و الاعتساف ٣ .

و المراد : خبط أئمّتهم في أحكام الشرع .

« و نبذتم الثّقل الفادح » أي : طرحتم الحمل الثقيل الذي لا تطيقونه .

« عن الأعناق » و روي : أنّه عليه السّلام قال في بعض خطبه : « أيّتها الامّة المتحيّرة

ــــــــــــــــ

( ١ ) الإمامة و السياسة لابن قتيبة ١ : ١٢ ، ٢٥ .

( ٢ ) الإمامة و السياسة لابن قتيبة ١ : ١٢ ، ٢٥ .

( ٣ ) صحاح اللغة للجوهري ٤ : ١٤٠٣ مادة ( عسف ) .

٣٤٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الثالث الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

بعد نبيّها ، أما إنّكم لو قدّمتم من قدّم اللَّه و أخّرتم من أخّر اللَّه ، و جعلتم الولاية و الوراثة حيث جعلها اللَّه ، ما عال ولي اللَّه ، و لا طاش سهم من فرائض اللَّه ، و لا اختلف اثنان في حكم اللَّه ، و لا تنازعت الامّة في شي‏ء من أمر اللَّه ، إلاّ علم ذلك عندنا من كتاب اللَّه فذوقوا و بال ما قدّمت أيديكم و ما اللَّه بظلاّم للعبيد . . . و سيعلم الّذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون ١ .

و إن شئت الاطّلاع على اختلافهم في الاصول و الفروع ، و تناقضاتهم و خبطاتهم ، و أقوالهم على خلاف مقتضى العقول ، فارجع إلى ( ملل الشهرستاني ) . و لو كانوا عليهم السّلام متصدّين للأمر لم يستطع أحد يقول برأيه في قبالهم ، كما لم يستطع أحد أن يقول شيئا في مقابل الرّسول صلّى اللَّه عليه و آله ، و اختلاف الشيعة في مسائل فقههم أيضا نتيجة تقدّم اولئك ، فكانوا كثيرا ما يفتون بالتّقية ، و إلاّ فكلام آخرهم كلام أوّلهم ، و كلام أوّلهم كلام النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله ، و كلام النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله كلام اللَّه تعالى .

٢٥

الخطبة ( ١٠٣ ) أَلاَ وَ إِنَّ أَبْصَرَ اَلْأَبْصَارِ مَا نَفَذَ فِي اَلْخَيْرِ طَرْفُهُ أَلاَ إِنَّ أَسْمَعَ اَلْأَسْمَاعِ مَا وَعَى اَلتَّذْكِيرَ وَ قَبِلَهُ . أَيُّهَا اَلنَّاسُ اِسْتَصْبِحُوا مِنْ شُعْلَةِ مِصْبَاحٍ وَاعِظٍ مُتَّعِظٍ وَ اِمْتَاحُوا مِنْ صَفْوِ عَيْنٍ قَدْ رُوِّقَتْ مِنَ اَلْكَدَرِ عِبَادَ اَللَّهِ لاَ تَرْكَنُوا إِلَى جَهَالَتِكُمْ وَ لاَ تَنْقَادُوا إِلَى أَهْوَائِكُمْ فَإِنَّ اَلنَّازِلَ بِهَذَا اَلْمَنْزِلِ نَازِلٌ بِشَفَا جُرُفٍ هَارٍ يَنْقُلُ اَلرَّدَى عَلَى ظَهْرِهِ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ لِرَأْيٍ يُحْدِثُهُ بَعْدَ رَأْيٍ يُرِيدُ أَنْ يُلْصِقَ مَا لاَ يَلْتَصِقُ وَ يُقَرِّبَ مَا لاَ يَتَقَارَبُ فَاللَّهَ اَللَّهَ أَنْ تَشْكُوا إِلَى مَنْ لاَ يُشْكِي شَجْوَكُمْ وَ لاَ يَنْقُضُ

ــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٧ : ٧٨ ح ١ ، ٢ بطريقين ، و الآية ٢٢٧ من سورة الشعراء .

٣٤٩

بِرَأْيِهِ مَا قَدْ أَبْرَمَ لَكُمْ إِنَّهُ لَيْسَ عَلَى اَلْإِمَامِ إِلاَّ مَا حُمِّلَ مِنْ أَمْرِ رَبِّهِ اَلْإِبْلاَغُ فِي اَلْمَوْعِظَةِ وَ اَلاِجْتِهَادُ فِي اَلنَّصِيحَةِ وَ اَلْإِحْيَاءُ لِلسُّنَّةِ وَ إِقَامَةُ اَلْحُدُودِ عَلَى مُسْتَحِقِّيهَا وَ إِصْدَارُ اَلسُّهْمَانِ عَلَى أَهْلِهَا فَبَادِرُوا اَلْعِلْمَ مِنْ قَبْلِ تَصْوِيحِ نَبْتِهِ وَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُشْغَلُوا بِأَنْفُسِكُمْ عَنْ مُسْتَثَارِ اَلْعِلْمِ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهِ وَ اِنْهَوْا غَيْرَكُمْ عَنِ اَلْمُنْكَرِ وَ تَنَاهَوْا عَنْهُ فَإِنَّمَا أُمِرْتُمْ بِالنَّهْيِ بَعْدَ اَلتَّنَاهِي « ألا و إنّ أبصر الأبصار ما نفذ » أي : دخل .

« في الخير طرفه » أي : عينه ، قال تعالى : لا يرتد إليهم طرفهم . . . ١ .

« ألا إنّ أسمع الأسماع ما وعى » بفتح العين ، أي : حفظ .

« التّذكير » الذي سمعه من المذكّر .

« و قبله » و بصر و سمع ليسا كذلك ، ليسا بسمع و بصر بل عين و اذن بلا ثمر ، قال تعالى : . . . و لهم أعين لا يبصرون بها و لهم آذان لا يسمعون بها . . . ٢ و لذا وصفهم تعالى بالصّم و العمى .

« أيّها النّاس استصبحوا من شعلة مصباح واعظ متّعظ » يعني عليه السّلام نفسه ،

كان يعظ النّاس بما يعمل به ، لا ككثير وعظهم مجرد قول ، و روي عن السّجاد عليه السّلام قال : مثلنا في كتاب اللَّه كمثل مشكاة ، فنحن المشكاة و المشكاة الكوة فيها مصباح ٣ .

و روي مثله عن الرّضا عليه السّلام في ما كتب إلى عبد اللَّه بن جندب و زاد :

ــــــــــــــــ

( ١ ) إبراهيم : ٤٣ .

( ٢ ) الأعراف : ١٧٩ .

( ٣ ) كنز الفوائد لشرف الدين عنه البحار ٢٣ : ٣١١ ح ١٦ عن السّجاد عليه السّلام ، و تفسير القمي ٢ : ١٠٤ ضمن الكتاب المذكور عن الرضا عليه السّلام ، و تفسير الفرات : ١٠٤ ، و كنز جامع الفوائد لشرف الدين عنه البحار ٢٣ : ٣٢٤ ح ٤٠ ضمن كتاب الرضا عليه السّلام إلى عبد اللَّه بن جندب عن السجاد عليه السّلام .

٣٥٠

فالنّور عليّ عليه السّلام يهدي اللَّه لولايتنا من أحبّ ، و حقّ على اللَّه أن يبعث وليّنا مشرقا وجهه ١ .

« و امتاحوا » في ( الصحاح ) : الماتح : المستقي و كذلك المتوح تقول : متح الماء يمتحه متحا إذا نزحه ، و الماتح الّذي ينزل البئر فيملأ الدّلو ٢ .

و في ( الأساس ) : ماح الماء يميحه و امتاحه ٣ .

و لا يصح هنا إلاّ الثاني لأنّه ليس في العين نزح ، و امتاحوا أيضا من الميح ، فقول ابن ميثم : الماتح : الجاذب للدّلو من البئر ٤ في غير محلّه .

روي أنّه سئل الرضا عليه السّلام عن قوله عزّ و جلّ : قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين ٥ ، فقال : ماؤكم أبوابكم ، أي :

الأئمة عليهم السّلام . و الأئمّة أبواب اللَّه بينه و بين خلقه . . . يأتيكم بماء معين ٦ يعني بعلم الامام ٧ .

و عن الصادق عليه السّلام في قوله عزّ و جلّ : و ألّو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا ٨ : لأفدناهم علما كثيرا يتعلّمونه من الأئمّة ٩ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) كنز الفوائد لشرف الدين عنه البحار ٢٣ : ٣١١ ح ١٦ عن السّجاد عليه السّلام ، و تفسير القمي ٢ : ١٠٤ ضمن الكتاب المذكور عن الرضا عليه السّلام ، و تفسير الفرات : ١٠٤ ، و كنز جامع الفوائد لشرف الدين عنه البحار ٢٣ : ٣٢٤ ح ٤٠ ضمن كتاب الرضا عليه السّلام إلى عبد اللَّه بن جندب عن السجاد عليه السّلام .

( ٢ ) صحاح اللغة للجوهري ١ : ٤٠٣ مادة ( متح ) ، و ١ : ٤٠٨ مادة ( ميح ) .

( ٣ ) اساس البلاغة : ٤٤٠ مادة ( ميح ) .

( ٤ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٢٤ .

( ٥ ) الملك : ٣٠ .

( ٦ ) الملك : ٣٠ .

( ٧ ) تفسير القمي ٢ : ٣٧٩ .

( ٨ ) الجن : ١٦ .

( ٩ ) رواه الطبرسي في مجمع البيان ١٠ : ٣٧٢ ، و شرف الدين بطريقين في كنز جامع الفوائد عنه البحار ٢٤ : ٢٨ ، ٢٩ ح ٦ ، ٧ .

٣٥١

و قال الصدوق : قال محمّد بن الحسن بن أبي خالد الأشعري الملقّب بشنبولة :

بئر معطّلة و قصر مشرف

مثل لآل محمّد مستطرف

فالنّاطق القصر المشيّد منهم

و الصامت البئر التي لا تنزف ١

« من صفو عين » أي : عين صافية .

« قد روّقت » أي : صفّيت .

« من الكدر » قال الشاعر :

لو كنت ماء كنت غير كدر ٢

« عباد اللَّه لا تركنوا » أي : لا تعتمدوا و لا تسكنوا .

« إلى جهالتكم » قال الباقر عليه السّلام لأبي حمزة الثمالي : يخرج أحدكم فراسخ فيطلب لنفسه دليلا ، و أنت بطرق السماء أجهل منك بطرق الأرض ، فاطلب لنفسك دليلا ٣ .

« و لا تنقادوا » أي : لا تكونوا متّبعين .

« إلى أهوائكم » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( لأهوائكم ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) ٤ ، قال الباقر عليه السّلام في قوله تعالى : . . . أ فكلّما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذّبتم و فريقا تقتلون ٥ : جاءكم محمّد صلّى اللَّه عليه و آله بما لا تهوى أنفسكم بموالاة عليّ عليه السّلام

ــــــــــــــــ

( ١ ) معاني الأخبار للصدوق : ١١٢ ، و غيره .

( ٢ ) لسان العرب ٥ : ١٣٤ مادة ( كدر ) .

( ٣ ) الكافي للكليني ١ : ١٨٤ ح ١٠ .

( ٤ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢١٧ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ٢٣ مثل المصرية أيضا .

( ٥ ) البقرة : ٨٧ .

٣٥٢

فاستكبرتم ، ففريقا من آل محمّد كذّبتم و فريقا تقتلون ١ .

« فإنّ النّازل بهذا المنزل » أي : الرّكون إلى جهالته و المنقاد لهواه .

« نازل بشفا » بفتح الشين ، قال تعالى : . . . و كنتم على شفا حفرة من النّار . . . ٢ أي : طرفها و حرفها .

« جرف » في ( الصحاح ) : الجرف و الجرف ، مثل عسر و عسر : ما تجرفته السّيول ، و أكلته من الأرض . و منه قوله تعالى : . . . على شفا جرف هار . . . ٣ .

« هار » في ( الصحاح ) : هار الجرف يهور هورا و هوورا فهو هائر ، و يقال أيضا : جرف هار . خفضوه في موضع الرّفع ، و أرادوا هائرا و هو مقلوب من الثّلاثي إلى الرّباعي ، كما قلبوا شائك السّلاح إلى شاكي السّلاح ٤ .

قال الباقر عليه السّلام في قوله تعالى : ذلك بأنّهم كرهوا ما أنزل اللَّه فأحبط أعمالهم ٥ : كرهوا ما أنزل اللَّه تعالى في عليّ عليه السّلام فأحبط أعمالهم ٦ .

و لمّا قال عمر لابن عباس كما في ( الطبري ) و غيره : إنّ قريشا كرهت أن يجمعوا لكم النّبوّة و الخلافة ، قال ابن عبّاس له : ذلك بأنّهم كرهوا ما أنزل اللَّه فأحبط أعمالهم ٧ .

« ينقل الرّدي » أي : أسباب هلكته من ( ردي ) بالكسر ، أي : هلك .

« على ظهره من موضع إلى موضع » فيكون قتل نفسه بيده ، و في ( الأمثال ) :

ــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ١ : ٤١٨ ح ٣١ ، و العياشي في تفسيره ١ : ٤٩ ح ٩٨ .

( ٢ ) آل عمران : ١٠٣ .

( ٣ ) صحاح اللغة ٤ : ١٣٣٦ مادة ( جرف ) ، و الآية ١٠٩ من سورة التوبة .

( ٤ ) صحاح اللغة ٢ : ٨٥٦ مادة ( هور ) .

( ٥ ) محمّد : ٩ .

( ٦ ) تفسير القمي ٢ : ٣٠٢ ، و تفسير محمد بن العباس عنه البرهان ٤ : ١٨٢ ح ٢ .

( ٧ ) تاريخ الطبري ٣ : ٢٨٩ سنة ٢٣ ، و الآية ٩ من سورة محمّد .

٣٥٣

كالباحث عن حتفه بظلفه ١ . و كالباحث عن الشّفرة ٢ .

« لرأي يحدثه بعد رأي ، يريد أن يلصق ما لا يلتصق و يقرّب ما لا يتقارب » كآراء عمر في ميراث الجدّ ، فنقلوا عنه مائة رأي فيه ، و كآراء أبي حنيفة ، فيفتي اليوم بامور عظام ، كقتل من فعل كذا ، و حلّية فرج امرأة كانت كذا ، و يفتي غدا بخلافها مع أنّ دين اللَّه تعالى لا يصاب بالعقول ، و من قاس كان أبعد عن دينه من الأرض إلى السماء ، فالقتل مع كونه أشدّ من الزّنا يثبت بشاهدين ، و الزّنا لا يثبت إلاّ بأربعة ، و الحائض تقضي الصوم و لا تقضي الصلاة مع كون الصلاة أعظم وجوبا من الصوم ، و أوّل من قاس إبليس قال تعالى له : . . . ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي . . . ٣ قال : أنا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين ٤ .

و غرضه عليه السّلام وجوب الرجوع بعد النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله إلى أهل بيته الّذين يقولون ما يقولون عنه صلّى اللَّه عليه و آله لا عن رأي .

« فاللَّه اللَّه أن تشكوا » من شكا يشكو .

« إلى من لا يشكي » من أشكى يشكي ، أي : لا يزيل .

« شجوكم » أي : همّكم و حزنكم .

« و لا ينقض برأيه ما قد ابرم » أي : احكم .

« لكم » قال ابن أبي الحديد : و يروى بدل « و لا ينقض . . . » : « و من ينقض برأيه ما قد أبرم لكم » ٥ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) لسان العرب لابن منظور ٢ : ١١٤ مادة ( بحث ) ، و لفظه : « كباحثة عن حتفها بظلفها » .

( ٢ ) مجمع الأمثال للميداني ٢ : ١٥٧ .

( ٣ ) ص : ٧٥ .

( ٤ ) ص : ٧٦ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢١٧ .

٣٥٤

قلت : لم ينقل ابن ميثم ١ غيره ، و نسخته بخطّ المصنّف فهو المتعيّن ، مع أنّه لا معنى للأوّل إلاّ بتكلّف ، و أمّا الثاني فلا غبار عليه .

و قد نقض فاروقهم ما أبرمه اللَّه تعالى لعباده برأيه من متعة الحجّ ،

و متعة النساء ، فقال : متعتان كانتا على عهد رسول اللَّه أنهي عنهما ، و أعاقب عليهما ٢ .

و قد نقض برأيه ما أبرمه اللَّه تعالى بقوله : . . . و اولو الأرحام بعضهم أولى ببعض . . . ٣ من تقديم بعض الطبقات على بعض ، كالوالدين و الأولاد على الجدّين و الإخوة و الأخوات ، و هم على الأعمام و الأخوال ، فرأى لهم التّعصيب ٤ .

و قد نقض برأيه ما أبرمه اللَّه تعالى لعباده من تقديم ذي الفرضين ،

كالزّوجين و الوالدين على ذي فرض واحد ، كالبنات و الأخوات بورود النّقص على الأخير ، فرأى لهم العول بجعل النّقص على الفريقين ٥ ، إلى غير ذلك ممّا فصّل في محلّه .

« إنّه ليس على الإمام إلاّ ما حمّل من أمر ربّه » و ما على الرسول إلاّ البلاغ ٦ .

« الإبلاغ في الموعظة » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( الإبلاغ في الموعظة ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطّية ) ٧ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٢٤ .

( ٢ ) رواه الطحاوي و أبو صالح في نسخته عنهما منتخب كنز العمال ٦ : ٦٠٤ ، و غيرهما .

( ٣ ) الأنفال : ٧٥ .

( ٤ ) روى بعض أقضية عمر في الفرائض بالتعصيب و العول المتقي في منتخب كنز العمال ٤ : ٢٠٥ الفصل الأول .

( ٥ ) روى بعض أقضية عمر في الفرائض بالتعصيب و العول المتقي في منتخب كنز العمال ٤ : ٢٠٥ الفصل الأول .

( ٦ ) العنكبوت : ١٨ .

( ٧ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢١٨ ، لكن لفظ شرح ابن ميثم ٣ : ٢٤ « إلاّ البلاغ » .

٣٥٥

كان عليه السّلام يعظ النّاس عموما و خصوصا ، ليلا و نهارا ، كتبا و شفاها ،

قريبه و بعيده ، وليّه و عدوّه ، كما كانت الأنبياء عليهم السّلام كذلك ، قال تعالى حكاية عن نوح : قال رب إنّي دعوت قومي ليلا و نهارا ١ .

و قد كان عليه السّلام كلّ ليلة بعد صلاة العشاء يقبل بوجهه على النّاس و يقول لهم : تجهّزوا رحمكم اللَّه فقد نودي فيكم بالرّحيل ، و إنّ أمامكم عقبة كؤودا ،

و منازل مخوفة مهولة لا بدّ من الورود عليها ، و الوقوف عندها ، و اعلموا أنّ ملاحظ المنية نحوكم دانية ، و كأنّكم بمخالبها ، و قد نشبت فيكم ، و قد دهمتكم منها مظلعات الامور ، و مفظعات المحذور ، فقطّعوا علائق الدّنيا ، و استظهروا بزاد التّقوى ٢ .

و كان عليه السّلام كلّ نهار يضع الدّرة على منكبه ، و يمشي إلى السوق ، و يقف على أهله صنفا صنفا ، و ينادي : معاشر النّاس قدّموا الاستخارة ، و تبرّكوا بالسّهولة ، و اقتربوا من المبتاعين ، و تزيّنوا بالحلم ، و تناهوا عن اليمين ،

و جانبوا الكذب ، و تجافوا عن الظّلم ، و أنصفوا المظلومين ، و لا تقربوا الرّبا ،

و أوفوا الكيل و الميزان و لا تبخسوا النّاس أشياءهم و لا تعثوا في الأرض مفسدين ٣ . ثمّ ينشدهم :

تفنى اللذاذة ممّن نال صفوتها

من الحرام و يبقى الإثم و العار

تبقى عواقب سوء في مغبتها

لا خير في لذّة من بعدها النّار ٤

و يقرأ لاولي الرياسة : تلك الدّار الآخرة نجعلها للّذين لا يريدون علوّا

ــــــــــــــــ

( ١ ) نوح : ٥ .

( ٢ ) الامالي الصدوق : ٤٠٢ ح ٧ المجلس ٧٥ ، بفرق يسير .

( ٣ ) هود : ٨٥ .

( ٤ ) الامالي الصدوق : ٤٠٢ ح ٦ المجلس ٧٥ ، بفرق يسير .

٣٥٦

في الأرض و لا فسادا و العاقبة للمتّقين ١ . و يكفيك هذا الكتاب في إبلاغه عليه السّلام في الموعظة .

« و الاجتهاد » أي : السعي .

« في النّصيحة » لأنّ الامام كالنّبيّ وجوده لطف من اللَّه على عباده ،

فالواجب عليه السّعي و الاجتهاد في نجاة العباد من النّار ، و في تخفيف عذابهم ، و لذا لمّا سمع الحسين عليه السّلام في قصر بني مقاتل بكون عبيد اللَّه بن الحرّ الجعفي هناك بعث إليه يدعوه فأبى أن يأتيه ، فذهب بنفسه إليه و حثّه على نصرته ، فأبى ، فقال له : فإن لا تنصرنا فاتّق اللَّه أن تكون ممّن يقاتلنا ، فو اللَّه لا يسمع و اعيتنا أحد ثمّ لا ينصرنا إلاّ هلك ٢ .

« و الإحياء للسّنة » أي : سنّة النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله لا غيره ، فلمّا شرط عبد الرحمن بن عوف عليه عليه السّلام يوم الشورى سنّة الشيخين إن أراد أن يبايعه قال عليه السّلام : لا سنّة إلاّ سنّة النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله . فنزل عليه السّلام عن حقّه ٣ ليفهم النّاس بطلان مسلكهم ،

و كونهم مبتدعين على خلاف كتاب اللَّه و سنّة رسوله .

و لمّا جعل المأمون عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام وليّ عهده ، و حضر العيد سأله أن يركب و يحضر و يخطب ، لتطمئنّ قلوب النّاس ، و يعرفوا فضله ،

فقال له : قد علمت ما كان بيني و بينك من الشروط في دخول هذا الأمر ، فإن أعفيتني فهو أحبّ إليّ ، و إلاّ خرجت كما كان النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله و أمير المؤمنين عليه السّلام يخرج . فقال : اخرج كما تحبّ . و أمر المأمون القوّاد و النّاس أن يبكّروا إلى بابه ،

فقعد النّاس له في الطرقات و السطوح ، من الرجال و النساء و الصبيان ، و اجتمع

ــــــــــــــــ

( ١ ) مجمع البيان للطبرسي ٧ : ٢٦٨ ، و الآية ٨٣ من سورة القصص .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٤ : ٣٠٧ سنة ٦١ .

( ٣ ) أخرج هذا المعنى البلاذري في أنساب الأشراف ٥ : ٢٢ ، و الجوهري في السقيفة : ٨٥ ، و الطبري في تاريخه ٣ : ٣٠١ سنة ٢٣ ، و غيرهم .

٣٥٧

القوّاد على بابه ، فلمّا طلعت الشّمس قام فاغتسل و تعمّم بعمامة بيضاء من قطن ، و ألقى طرفا منها على صدره و طرفا بين كتفيه ، و تشمّر ثمّ قال لجميع مواليه : افعلوا مثل ما فعلت . فأخذ بيده عكازة و هم بين يديه ، و هو حاف قد شمّر سراويله إلى نصف السّاق ، و عليه ثياب مشمّرة ، فلمّا قام و مشينا بين يديه ، رفع رأسه إلى السّماء و كبّر أربع تكبيرات ، فخيّل إليهم أنّ الهواء و الحيطان تجاوبه ، و القوّاد و النّاس على الباب و قد تزيّنوا و لبسوا السّلاح ،

فلمّا طلعوا عليهم ، و طلع عليه السّلام وقف على الباب ، و قال : اللَّه أكبر اللَّه أكبر اللَّه أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام ، و الحمد للَّه على ما أبلانا . و رفع بذلك صوته ،

و رفعوا أصواتهم ، فتزعزت مرو من البكاء و الصّياح ، فقالها ثلاث مرّات ،

فسقط القوّاد عن الدّواب و رموا بخفافهم لمّا نظروا إليه ، و لم يتمالك النّاس من البكاء و الصيحة ، و كان عليه السّلام يمشي و يقف في كلّ عشر خطوات ، فكبّر اللَّه أربع مرّات يتخيّل إليهم أنّ السماء و الأرض و الحيطان تجاوبه ، فبلغ المأمون ذلك ، فقال له الفضل بن سهل : إن بلغ الرضا المصلّى على هذا افتتن به النّاس ، فالرأي أن تسأله أن يرجع . فبعث إليه بالرّجوع ، فدعا بخفه ،

فلبسه و رجع ١ .

« و إقامة الحدود على مستحقيها » قال النّبيّ صلّى اللَّه عليه و آله كما روى ( الكافي ) : ساعة من إمام عدل أفضل من عبادة سبعين سنة ، و حدّ يقام للَّه في الأرض أفضل من مطر أربعين صباحا ٢ .

روي عن الصادق عليه السّلام : كان عليّ عليه السّلام إذا اتي بغلام و جارية لم يدركا لا يبطل حدّا من حدود اللَّه ، كان يأخذ السّوط بيده و من وسطه أو من ثلثه ، ثمّ

ــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ١ : ٤٨٨ ح ٧ ، و عيون الأخبار للصدوق ٢ : ١٤٧ ح ٢١ ، و الإرشاد للمفيد : ٣١٢ .

( ٢ ) الكافي للكليني ٧ : ١٧٥ ح ٨ .

٣٥٨

يضرب به على قدر أسنانهم ١ .

و في ( مروج المسعودي ) : لمّا شاع بالكوفة أمر الوليد بن عقبة في شربه هجم عليه جماعة ، منهم أبو زينب بن عوف الأزدي ، و جندب بن زهير الأزدي ،

و غيرهما فوجدوه سكران مضطجعا على سريره لا يعقل ، فأيقظوه من رقدته فلم يستيقظ ، ثمّ تقايأ عليهم ما شرب من الخمر ، فانتزعوا خاتمه من يده ،

و خرجوا من فورهم إلى المدينة ، فأتوا عثمان فشهدوا عنده : أنّه شرب الخمر .

فقال : و ما يدريكما أنّه شرب خمر ؟ قالا : هي الخمر التي كنّا نشربها في الجاهلية . و أخرجا خاتمه فدفعاه إليه ، فدفع في نحورهما و قال : تنحّيا عنّي .

فخرجا و أتيا عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و أخبراه بالقصّة ، فأتى عثمان و هو يقول :

دفعت الشّهود ، و أبطلت الحدود . فقال له عثمان : فما ترى ؟ قال : أرى أن تبعث إلى صاحبك ، فإن أقاما الشهادة عليه في وجهه ، و لم يدل بحجّة أقمت عليه الحدّ . فلمّا حضر الوليد دعاهما عثمان ، فأقاما الشهادة عليه و لم يدل بحجّة ،

فألقى عثمان السوط إلى عليّ عليه السّلام ، فقال عليّ عليه السّلام لابنه الحسن عليه السّلام : قم يا بني فأقم عليه ما أوجب اللَّه عليه . فقال : يكفيه بعض من ترى . فلمّا نظر إلى امتناع الجماعة عن إقامة الحدّ عليه توقّيا لغضب عثمان لقرابته منه ، أخذ عليّ عليه السّلام السوط و دنا منه ، فلمّا أقبل نحوه سبّه الوليد ، و قال : يا صاحب مكس . فقال عقيل بن أبي طالب و كان ممّن حضر : إنّك لتتكلّم يابن أبي معيط كأنّك لا تدري من أنت ؟ إنّما أنت علج من أهل صفورية كان ذكر أنّ أباه كان يهوديا منها فأقبل الوليد يروغ من عليّ عليه السّلام فاجتذبه فضرب به الأرض ، و علاه بالسّوط . فقال عثمان : ليس لك أن تفعل به هذا . قال : بلى و شرّا من هذا ، إذا فسق

ــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي للكليني ٧ : ١٧٦ ح ١٣ ، و المحاسن للبرقي : ٢٧٣ ح ٣٧٧ ، و الفقيه للصدوق ٤ : ٥٣ ح ١٤ ، و التهذيب للطوسي ١٠ : ١٤٦ ح ١٠ ، ضمن حديث .

٣٥٩

و منع من حقّ اللَّه تعالى أن يؤخذ منه ١ .

و فاروقهم عطّل الحدّ على المغيرة ، فمنع زيادا عن إقامة الحدّ عليه ،

لاحتياجه إليه في دهائه ، و كان مقرّا بذلك ، فكان إذا رأى المغيرة قال كما في ( أغاني أبي الفرج ) : و اللَّه ما أظنّ أبا بكرة كذب عليك ، و ما رأيتك إلاّ خفت أن ارمى بالحجارة ٢ من السماء . و كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول : لئن ظفرت بالمغيرة لا تبعته حجارة ٣ . و قال الحسن عليه السّلام لمعاوية : و اللَّه سائل عمر عن تعطيله الحدّ على المغيرة ٤ .

« و إصدار السّهمان » في ( الصحاح ) : السّهم : النّصيب ، و الجمع السّهمان ٥ .

« على أهلها » و لمّا قيل له عليه السّلام : لو فضّلت الأشراف كان أجدر أن يناصحوك ، غضب و قال : أتأمروني أن أطلب النّصر بالجور في من ولّيت عليه ٦ ؟

و روى المدائني : أنّ ابن عبّاس كتب إلى الحسن عليه السّلام بعد أبيه : و اعلم أنّ عليّا أباك إنّما رغب النّاس عنه إلى معاوية أنّه آسى بينهم في الفي‏ء ، و سوّى بينهم في العطاء فثقل عليهم ٧ .

و لمّا سأله عقيل أخوه صاعا زائدا على سهمه من بيت المال ،

أحمى له حديدة و أدناها منه ، فضجّ فقال عليه السّلام له : ثكلتك الثواكل أتئنّ

ــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب للمسعودي ٢ : ٣٣٥ .

( ٢ ) الأغاني لأبي الفرج ١٦ : ٩٩ .

( ٣ ) الكافي للكليني ٧ : ١٨٢ ح ٨ ، و التهذيب للطوسي ١٠ : ٤٢ ح ١٥٢ ، و الاستبصار ٤ : ٢١٥ ح ١٢ ، و غيرهم .

( ٤ ) المفاخرات للزبير بن بكار عنه شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٠٤ ، شرح الخطبة ٨٢ ضمن حديث طويل ، و النقل بالمعنى .

( ٥ ) صحاح اللغة ٥ : ١٩٥٦ مادة ( سهم ) .

( ٦ ) رواه الشريف الرضي ضمن خطبة في نهج البلاغة ٢ : ٦ الخطبة ١٢٤ .

( ٧ ) نقله عن المدائني ابن أبي الحديد في شرحه ٤ : ٩ ، شرح الحكمة ٢٠٥ ضمن كتاب .

٣٦٠