آداب الاسرة في الإسلام

آداب الاسرة في الإسلام0%

آداب الاسرة في الإسلام مؤلف:
تصنيف: الأسرة والطفل
الصفحات: 142

آداب الاسرة في الإسلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مركز الرسالة
تصنيف: الصفحات: 142
المشاهدات: 50174
تحميل: 4947

توضيحات:

آداب الاسرة في الإسلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 142 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 50174 / تحميل: 4947
الحجم الحجم الحجم
آداب الاسرة في الإسلام

آداب الاسرة في الإسلام

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فإنّ صحبتها بلاء، وولدها ضياع) (1) .

وكذا الحال في الزواج من المجنونة، فحينما سُئل الإمام الباقر (عليه السلام) عن ذلك أجاب: (لا، ولكن إن كانت عنده أَمَة مجنونة فلا بأس أن يطأها، ولا يطلب ولدها) (2) .

اختيار الزوج:

الزوج هو شريك عمر الزوجة، وهو المسؤول عنها، وعن تنشئة الأطفال، وإعدادهم نفسياً وروحياً، وهو المسؤول عن توفير ما تحتاجه الأُسرة، من حاجات مادية ومعنوية؛ لذا يستحبّ اختياره طبقاً للموازين الإسلامية، من أجل سلامة الزوجة والأُسرة من الناحية الخُلقية والنفسية؛ لانعكاس صفاته وأخلاقه على جميع أفراد الأُسرة من خلال المعايشة، فله الدور الكبير في سعادة الأُسرة أو شقائها.

وعليه فقد أكّدت الشريعة المقدّسة، على أن يكون الزوج مرضياً في خُلقه ودينه، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (إذا جاءكم مَن ترضَون خُلقه ودينه فزوّجوه)، وأردف (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك بالنهي عن ردّ صاحب الخُلق والدِّين فقال: (إنّكم إلاّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) (3) .

وأضاف الإمام محمد الجواد (عليه السلام) صفة الأمانة إلى التديّن فقال: (مَن خطب إليكم فرضيتم دينه وأمانته فزوّجوه، إلاّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض

____________________

(1) الكافي 5: 354.

(2) وسائل الشيعة 20: 85.

(3) تهذيب الأحكام 7: 394.

٢١

وفساد كبير) (1) .

الكفاءة في الزوج:

كانت العرب لا تقدِّم شيئاً على عنصر الكفاءة في الرجل، والرجل الكفؤ عندهم، هو مَن كان ذا نسبٍ مناظر لنسب المرأة التي تقدَّم لخطوبتها، ولا يُقدّم عندهم على النسب شيء، ومازال هذا الفهم سائداً لدى الكثير من المجتمعات، لا سيّما القبلية منها، أو التي احتفظت بعاداتها القبلية وإن تمدّنت في الظاهر.

لكنّ الإسلام قدّم رؤيته للكفاءة في معناها الصحيح، وإطارها السليم، المنسجم مع ميزان السماء: ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) مع الأخذ بنظر الاعتبار حقّ المرأة في العيش، فعرّف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الرجل الكفؤ بقوله: (الكفوء أن يكون عفيفاً وعنده يسار) (2) .

وقيل: إنّ الكفاءة المعتبرة في النكاح أمران: الإيمان واليسار بقدر ما يقوم بأمرها والإنفاق عليها، ولا يراعى ما وراء ذلك من الأنساب والصنائع، فلا بأس أن يتزوج أرباب الصنائع الدنيّة بأهل المروّات والبيوتات (3) .

ويحرم رفض الرجل المتقدّم للزواج المتصف بالدِّين، والعفة، والورع، والأمانة، واليسار، إذا كان حقير النسب (4) .

____________________

(1) تهذيب الأحكام 7: 396.

(2) الكافي 5: 347.

(3) السرائر 2: 557. وجامع المقاصد 12: 135 - 136.

(4) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 290 - 291. وجامع المقاصد 12: 138.

٢٢

ولقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: (إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، زوّج المقداد بن الأسود ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، وإنّما زوّجه؛ لتتّضع المناكح، وليتأسوا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وليعلموا أنّ أكرمهم عند الله أتقاهم) (1) .

والملاحظ أنّ المرأة تتأثر بدين زوجها والتزامه، بقدر تأثّرها بأخلاقه وأدبه، أكثر من تأثّره هو بدينها وأدبها، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (تزوّجوا في الشكّاك ولا تزوّجوهم؛ لأنّ المرأة تأخذ من أدب زوجها، ويقهرها على دينه) (2) .

ويكره للأب أن يزوّج ابنته من شارب الخمر، والمتظاهر بالفسق، والسيّئ السيرة (3) .

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (مَن شرب الخمر بعدما حرّمها الله على لساني، فليس بأهلٍ أن يُزوّج إذا خطب) (4) ؛ لأنّ شرب الخمر والإدمان عليه، يؤدّي إلى خلق الاضطراب الأُسري، والتفكّك الاجتماعي في جميع ألوانه، إضافةً إلى ذلك، فإنّه عقاب لشارب الخمر ليكون رادعاً له.

وكما حذّر الإسلام من تزوّج المرأة المشهورة بالزنا، فقد حذّر أيضاً من تزويج الرجل المعلِن بالزنا، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (لا تتزوج المرأة

____________________

(1) الكافي 5: 344.

(2) الكافي 5: 348.

(3) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 291. وجامع المقاصد 12: 140.

(4) الكافي 5: 348.

٢٣

المعلِنة بالزنا، ولا يُزوّج المعلِن بالزنا، إلاّ بعد أن يعرف منهما التوبة) (1) .

الأحكام المتعلّقة بالخطبة:

الخطبة تعني مبادرة الرجل لطلب الزواج من امرأةٍ، تبقى أجنبيةً عليه ما دام لم يعقد عليها عقد الزواج.

وهي بداية للتعارف عن قرب، يطّلع من خلالها كل من الرجل والمرأة على خصوصيات الآخر، وخصوصاً ما يتعلّق بالجانب الجسدي والجمالي؛ لذا جوّز الإسلام النظر في حدود مشروعة، وقيود منسجمة مع قيمه وأُسسه، في العلاقة بين الرجل والمرأة.

فيجوز للرجل أن ينظر إلى وجه المرأة، ويرى يديها بارزةً من الثوب، وينظر إليها ماشيةً في ثيابها (2) ، ويجوز لها كذلك، ولا يحلّ لهما ذلك من دون إرادة التزويج (3) .

عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: (لا بأس بأن ينظر إلى وجهها ومعاصمها إذا أراد أن يتزوجها) (4) .

وقال أيضاً: (لا بأس بأن ينظر الرجل إلى المرأة إذا أراد أن يتزوجها، ينظر إلى خَلفها وإلى وجهها) (5) .

____________________

(1) تهذيب الأحكام 7: 327.

(2) المقنعة: 520: وجامع المقاصد 12: 26 - 27.

(3) الكافي في الفقه: 296. وجواهر الكلام 29: 65.

(4) الكافي 5: 365.

(5) المصدر السابق.

٢٤

وله أيضاً جواز تكرار النظر، وأن ينظر إليها قائمةً وماشيةً، وأن ينظر إلى شعرها ومحاسنها وجسدها من فوق الثياب (1) .

وقيّد الإمام الصادق (عليه السلام) ذلك بعدم التلذّذ، فحينما سُئل عن النظر إلى شعرها ومحاسنها قال (عليه السلام): (لا بأس بذلك إذا لم يكن متلذذاً) (2) .

وخلاصة الأحكام المتعلّقة بالخطبة، هي جواز النظر بشرط إرادة التزويج، فمَن لم ينوِ التزويج يكون نظره محرّماً، ويشترط عدم التلذّذ؛ لأنّه حرام بأيّ حال من الأحوال.

استحباب الخطاب أثناء الخطبة:

يستحبّ ذكر الله تعالى أثناء الخطبة؛ ليحصل الارتباط به تعالى في جميع الأحوال، ويكون ذلك انطلاقاً للالتزام بمفاهيم الإسلام وقيمه، وتقريرها في واقع الحياة الزوجية، ليكون الوِئام والحب والأُلفة والأُنس، هو الحاكم على العلاقات بعد الزواج، والخطبة المسنونة المروية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هي كالتالي:

(الحمدُ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهدي الله فلا مضلَّ له، ومَن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، إنّ الله كان عليكم رقيباً، اتقوا الله حق تُقاته، ولا تموتُنّ إلاّ وأنتم مسلمون، اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً، يُصلح لكم أعمالكم، ويغفر لكم ذنوبكم، ومَن يطع الله ورسوله فقد

____________________

(1) شرائع الإسلام 4: 188. وجواهر الكلام 29: 66 - 67.

(2) الكافي 5: 365.

٢٥

فاز فوزاً عظيماً) (1) .

أحكام خطبة المرأة ذات العِدّة:

المرأة المطلّقة طلاقاً رجعياً تعتبر ذات زوج، فللزوج حق الرجوع إليها في أثناء العِدّة دون عقد جديد، وقد حكم الإسلام بحرمة التقدّم لخطبتها، تعريضاً كانت أم تصريحاً؛ لأنّها ذات زوج (2) .

والتعريض هو: أن يخاطب الرجل المرأة بكلام يحتمل فيه إرادة النكاح وغيره، مثل أن يقول لها: رُبّ راغب فيك، رُبّ حريص عليك، لا تبقين بلا زوج (3) .

والتصريح هو: أن يخاطب الرجل المرأة خطاباً صريحاً، لا يحتمل فيه غير إرادة النكاح، بأن يقول لها: إذا انقضت عدّتك تزوجتك (4) .

والإسلام حينما حرّم ذلك أراد أن يهذّب النفوس أَوّلاً، وأن يصلح العلاقة الزوجية ثانياً، فالمرأة في العِدّة الرجعية تبقى في عصمة الزوجية، واحتمال رجوع الزوج إليها احتمالاً وارداً، فإذا خُطبت من قِبل الغير بالتعريض أو التصريح، فإنّ ذلك يؤدّي إلى تشجيعها على عدم الرجوع إلى حياتها الزوجية، ولو علم زوجها أنّ أحداً تعرّض لها، أو صرّح بالزواج منها أثناء العدّة، فإنّ ذلك يمنعه من الرجوع إليها.

أمّا المعتدّة عن الطلاق البائن فهي أجنبية عن زوجها، لا ترجع إليه إلاّ

____________________

(1) المبسوط 4: 195.

(2) المبسوط 4: 217. وجامع المقاصد 12: 48. وجواهر الكلام 30: 119.

(3) المبسوط 4: 218.

(4) المبسوط 4: 218.

٢٦

بعد أن تنكح زوجاً آخر، فيجوز لزوجها الأَوّل أن يتزوجها بعقد جديد بعد طلاقها من الزوج الثاني، ففي هذه الحالة يكون التعريض لها جائز، فقد روي أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لفاطمة بنت قيس - المطلّقة ثلاثاً - (إذا حللتِ فأذنيني) (1) .

أمّا التصريح لها بالخطبة فحرام، وكذا الحال في المعتدّة عدّة الوفاة، فيجوز التعريض بخطبتها، ويحرم التصريح (2) .

قال تعالى: ( وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفًا وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ.. ) (3) .

المهر والصَداق:

المهر هو مِنحة من الرجل إلى المرأة التي يريد الزواج منها، قال تعالى: ( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ) (4) ، والنِحلة هي (العطية من غير مثامنة) (5) .

وجوّز الفقهاء أن يكون المهر تعليم سورة أو آية من القرآن، أو شيء من الحِكم والآداب (6) ، عملاً بما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أنّه زوّج

____________________

(1) المبسوط 4: 218.

(2) المبسوط 4: 218. وجواهر الكلام 30: 120.

(3) سورة البقرة: 2 / 234 - 235.

(4) سورة النساء: 4 / 4.

(5) الميزان في تفسير القرآن 4: 169.

(6) المقنعة: 508. وجامع المقاصد 13: 333.

٢٧

لرجل لا يملك شيئاً، فقال له: (قد زوّجتك على ما تُحسن من القرآن، فعلّمها إيّاه) (1) .

وهذه المِنحة هي حقّ للمرأة يبقى في ذمّة الرجل، عن عبد الحميد الطائي، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أتزوج المرأة، وأدخل بها، ولا أعطيها شيئاً؟ قال: (نعم، يكون دَيناً عليك) (2) .

وسُئل (عليه السلام) عن رجل تزوج امرأةً، ولم يفرض لها صَداقها، ثمّ دخل بها، فقال: (لها صَداق نسائها) (3) .

وعنه (عليه السلام) أنّه قال: (مَن أمهر مهراً ثمّ لا ينوي قضاءه، كان بمنزلة السارق) (4) .

وحرّم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نكاح الشِّغار، وهو كما في قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (أن يقول الرجل للرجل: زوّجني ابنتك حتى أُزوّجك ابنتي، على أن لا مهر بيننا) (5) ؛ وذلك لأنّ في هذا النوع من الزواج امتهان للمرأة، وتجاوز على حقّها المشروع في المهر.

ومقدار المهر متروك لِما يتراضى عليه الناس، وعن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) أنّه قال: (الصَداق ما تراضيا عليه قلّ أو كثُر) (6) . فليس له حدّ

____________________

(1) تهذيب الأحكام 7: 354 - 355.

(2) الاستبصار 3: 220.

(3) تهذيب الأحكام 7: 362.

(4) الكافي 5: 383.

(5) تهذيب الأحكام 7: 355. وجامع المقاصد 12: 487.

(6) تهذيب الأحكام 7: 353.

٢٨

وإنّه يجوز (بالقليل والكثير) (1) .

ويصحّ المهر في كلِّ ما يجوز كونه ذا قيمة، قلَّ أو كثر، من عين تباع - كالدار وواسطة النقل والكتاب - وعمل يعمله لها (2) ، وقد تقدّم: أنّه يصح جعل تعليم القرآن، أو الحِكَم، أو الآداب، مهراً للمرأة.

والمستحب في المهر التخفيف (3) ، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (أفضل نساء أُمّتي أصبحهنَّ وجهاً، وأقلهنَّ مهراً) (4) .

حكم ما يأخذه الأب:

المهر حق للزوجة مختص بها، ولا يصح للأب أن يطلب شيئاً له من مهرها بنحو الإلزام، وفي ذلك عدّة أحكام (5) :

1 - يصح للزوج أن يهب شيئاً مستقلاً للأب من غير دخله في المهر.

2 - ويصح للزوجة أن تهب شيئاً لأبيها برضاها.

3 - يحرم على الأب أن يأخذ من مهر ابنته شيئاً من دون رضاها.

4 - يحرم على الأب التصرّف ببعض الأمتعة التي يسوقها الزوج إلى البنت بدون إذنها.

____________________

(1) الانتصار: 290. وجواهر الكلام 31: 3.

(2) الجامع للشرائع: 439. وجواهر الكلام 31: 4.

(3) المبسوط 4: 273. وجامع المقاصد 13: 368. وجواهر الكلام 31: 47.

(4) تهذيب الأحكام 7: 404. وجامع المقاصد 12: 12.

(5) مهذّب الأحكام / السبزواري 25: 156، مؤسسة المنار، قم، 1417 هـ. ونحوه في: جواهر الكلام 31: 29 وما بعدها.

٢٩

5 - يصح بذل مبلغ من المال للأب أو للأخ؛ من أجل إقناع المرأة بالقبول على الزواج.

٣٠

الفصل الثاني

الأحكام العملية لبناء الأُسرة

تبدأ العلاقة الزوجية شرعاً من حين العقد، وهو التعبير العلني عن الالتزام الجدي بمضمون محدّد اتجاه الطرف الآخر الذي يتعاقد معه.

صيغة العقد:

أجمع العلماء على توقّف العقد على الإيجاب والقبول اللفظيين.

والإيجاب أن تقول الزوجة: (زوَّجتُكَ وأنكَحتُكَ نفسي على المهر المعلوم).

والقبول أن يقول الزوج: (قَبِلتُ التزويج، أو قَبِلتُ النكاح).

ولا يكفي مجرد التراضي القلبي، ولا الكتابة، ولا الإشارة المفهِمة لمَن يستطيع النطق.

والعقد الصحيح يجب أن يكون باللغة العربية لمَن يتمكّن منها، ويصح

٣١

بغير العربية لغير المتمكن منها (1) .

وفي عصرنا الراهن تعارف الناس على إجراء العقد من قِبل المأذون، فتيسّر الأمر لجميع أبناء المجتمع.

الإشهاد في العقد:

الإشهاد في العقد سُنّة سنّتها الشريعة الإسلامية، والتزم المسلمون بها، وتوارثوها جيلاً بعد جيل، وهي ليست شرطاً في صحة العقد (2) . سُئل الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): في الرجل يتزوج بغير بيّنة، قال: (لا بأس) (3) . واستحباب الإشهاد والإعلان إنّما سُنَّ من أجل إثبات الأنساب، والميراث، وإيجاب النفقة، ودرء الحدود، وإزالة الشبهات (4) .

سُئل الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): عن الرجل يتزوج المرأة بغير شهود، فقال (عليه السلام): (لا بأس بتزويج البتَّة فيما بينه وبين الله، إنّما جُعل الشهود في تزويج البتَّة من أجل الولد، لولا ذلك لم يكن به بأس) (5) .

وقال أيضاً: (إنّما جُعلت البيّنات للنسب والمواريث)، وفي رواية أُخرى (والحدود) (6) .

____________________

(1) جامع المقاصد 12: 67. والصراط القويم: 199. ومنهاج الصالحين / السيد السيستاني، المعاملات، القسم الثاني: 16 - 30.

(2) الانتصار: 281. وجامع المقاصد 12: 84.

(3) الكافي 5: 387.

(4) المقنعة: 498. وجواهر الكلام 29: 40.

(5) الكافي 5: 387 / 1.

(6) الكافي 5: 387.

٣٢

شروط العقد الذاتية والإضافية:

1 - يشترط في صحة العقد رضا الزوجين واقعاً، فلو تظاهرت الزوجة بالكراهة مع العلم برضاها القلبي صحّ العقد، ولو تظاهرت بالرضا مع العلم بكراهتها واقعاً بطل العقد.

ولو أُكره الزوجان على العقد، ثمّ رضيا بعد ذلك، وأجازا العقد صحّ، وكذلك الحال في إكراه أحدهما، والأفضل إعادة العقد بعد الإجازة (1) .

2 - لا يشترط أن يكون المجري لصيغة العقد ذَكراً، فيجوز للمرأة أن تكون مجريةً للعقد (2) ، ولكنّ ذلك مخالف للعرف، فلم نسمع أنّ امرأةً قامت بذلك في مختلف المراحل الزمنية لمسيرة المسلمين.

3 - يجب الوفاء بالشروط الخارجة عن أصل العقد، فإذا اشترط أحد الزوجين على الآخر شروطاً خارجة عن أصل العقد، وجب الوفاء بها، إن كانت شروطاً موافقة للشريعة، ولا يبطل العقد بعدم الوفاء (3) .

سُئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن ذلك فقال: (يفي لها بذلك) (4) .

وإن شرطت أو شرطا شرطاً يخالف الشريعة فلا يصح الشرط، فلو شرطا عدم التوارث، وعدم النفقة، فالشرط باطل (5) ؛ لأنّه يخالف سنن التشريع.

____________________

(1) منهاج الصالحين، المعاملات: 20.

(2) مهذّب الأحكام 24: 226.

(3) الجامع للشرائع: 443.

(4) الكافي 5: 402 / 2.

(5) الجامع للشرائع: 442. وجواهر الكلام 31: 95 وما بعدها.

٣٣

أولياء العقد:

لا يجوز للصغيرة العقد على نفسها إلاّ بإذن الأب والجد (1) ، ولا يجوز للبالغة البِكر غير الرشيدة أن تجري العقد إلاّ بإذنهما، فإن عقدت بغير إذنهما خالفت السُنّة، وكان العقد موقوفاً على إمضائهما (2) .

قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (لا تُزوج ذوات الآباء من الأبكار إلاّ بإذن آبائهنّ) (3) .

فللأب والجد ولاية على الصغيرة والبالغة غير الرشيدة، فهما أعرف منها بمصلحتها في اختيار الزوج والاقتران به؛ للتجربة التي عايشاها، ومعرفتهما بأحوال الناس، ومدى أهليتهم للقيام بمسؤولية الأُسرة من الناحية المادية والمعنوية، وللحيلولة دون انسياق الفتاة وراء المخادعين والمنحرفين من الرجال.

وقد تُرجّح ولاية الجد على ولاية الأب، وإن سبق الأب إلى العقد لم يكن للجدّ اعتراض عليه (4) .

وإذا سبق أحدهما إلى العقد لم يكن للآخر فسخه (5) .

وتسقط الولاية في حالة منعهما البنت البالغة الرشيدة من الزواج بالأكفاء، فلها الحقّ أن تجري العقد بغير إذن منهما، ولم يكن لهما

____________________

(1) السرائر 2: 560. ونحوه في جواهر الكلام 29: 174. والصراط القويم: 201.

(2) الكافي في الفقه: 292. ونحوه في جواهر الكلام 29: 182 - 183.

(3) تهذيب الأحكام 7: 379.

(4) الانتصار: 287. ونحوه في: جواهر الكلام 29: 174، 209.

(5) جامع المقاصد 12: 103. والكافي في الفقه: 292.

٣٤

الفسخ (1) .

ولا ولاية لأحد على غير الباكر، ولكن يستحبّ لها أن تعقد بإذنهما (2) ، واستشارة الأب أو الجد، وطلب إذنهما من القضايا المحبّبة لدى الشريعة ولدى العرف؛ لأنّ الزواج هو تعميق للعلاقات الاجتماعية بين الزوج والزوجة وأرحامهما، فليس من الحصافة أن تتزوج المرأة دون إذن من أبيها أو جدها أو كليهما، وكذا الحال في الرجل.

سُئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن زواج غير الباكر، فقال: (هي أملك بنفسها، تولّي أمرها مَن شاءت إذا كان كفواً، بعد أن تكون قد نكحت زوجاً قبل ذلك) (3) .

ويجوز للباكر العقد على نفسها في حالة غيبة وليّها عنها (4) .

والغيبة هنا هي الغيبة الطويلة، التي ينقطع بها الاتصال بين البنت وأبيها أو جدّها، بحيث لا تستطيع الاستئذان، ومثال ذلك، سفر الولي إلى خارج البلاد، أو فقده، فليس من العقل أن تنتظر الفتاة وليّها المجهول الحال فترةً زمنية تضر بحالها، وهي بحاجة إلى الزواج.

المحلّل والمحرّم في النكاح:

وضع الإسلام قيوداً في تحليل وتحريم النكاح، منسجمةً مع الفطرة الإنسانية، وطبيعة الأواصر الأُسريّة، فحرّم النكاح من أصناف النساء

____________________

(1) جامع المقاصد 12: 127. وجواهر الكلام 29: 184.

(2) الكافي في الفقه: 293، والوسيلة إلى نيل الفضيلة: 300. ونحوه في جواهر الكلام 29: 186.

(3) مَن لا يحضره الفقيه 3: 397.

(4) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 299.

٣٥

والرجال، قال تعالى: ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ... ) (1) .

أَوّلاً: المحرّم بالنسب:

يحرم الزواج من الأصناف التالية من النساء من جهة الأنساب (2) :

1 - الأُمّ وإن علت كأُمّ الأُمّ.

2 - البنت وإن نزلت كبنت البنت.

3 - الأخت وبناتها وإن نزلنَ.

4 - العمّة والخالة وإن علتا كعمّة العمّة وخالة الخالة.

5 - بنات الأخ وإن نزلنَ.

لا تُحرم زوجة العمّ وزوجة الخال على ابن الأخ وابن الأخت في حال طلاقهما أو موتهما.

ولا يجوز للرجل أن يتزوج بنت أخت الزوجة، أو بنت أخيها، جمعاً بينهما وبين الخالة أو العمة إلاّ بإذنهما، قال الإمام الباقر (عليه السلام): (لا تتزوج

____________________

(1) سورة النساء: 4 / 23.

(2) جامع المقاصد 12: 188.

٣٦

على الخالة والعمّة ابنة الأخ وابنة الأخت بغير إذنهما) (3) .

ويجوز للرجل أن يتزوج العمّة والخالة دون إذن ابنة أخيها وابنة أختها (2) .

ثانياً: المحرّم بالرضاع:

يحرم من الرضاع جميع ما يحرم من النسب (3) ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) (4) .

حيث تصبح المرضِعة أُمّاً للرضيع، وزوجها - صاحب اللبن - أباً له، وإخوتهما أخوالاً وأعماماً له، وأخواتهما خالات وعمات له، وأولادهما إخوة له، بعد توفر شروط التحريم من الرضاعة وهي (5) :

1 - أن تكون مدة الرضاعة يوم وليلة، أو خمس عشرة رضعةً مباشرة من الثدي، غير مفصولة برضاع آخر من مرضعة ثانية.

2 - أن يكون اللبن الذي يرتضعه الطفل منتسباً بتمامه إلى رجل واحد.

3 - عدم تجاوز الرضيع السنتين من العمر حال الرضاعة.

ولا يعتبر أخ وأُخت المرتضع أبناءً للمرتضِعة، فيجوز لهما الزواج من

____________________

(1) الاستبصار 3: 177. وجامع المقاصد 12: 340.

(2) الانتصار: 278. وجامع المقاصد 12: 340.

(3) جامع المقاصد 12: 196. والمقنعة: 499.

(4) المقنعة: 499.

(5) جامع المقاصد 12: 213 - 223. وجواهر الكلام 29: 264 وما بعدها. ومنهاج الصالحين، المعاملات / القسم الثاني: 41 - 42. والصراط القويم: 203.

٣٧

أبنائها وبناتها.

ثالثاً: المحرّم بالمصاهرة:

ذكرت الآية المتقدّمة حرمة الزواج من: زوجة الأب، وزوجة الابن، ومَن عقد على امرأة ودخل بها فلا تحلّ له ابنتها بنكاح أبداً (1) .

أمّا إذا لم يدخل بالأُمّ فيجوز له نكاح ابنتها، وهو نصّ القرآن الكريم في الآية المتقدّمة، وقال الإمام علي (عليه السلام): (إذا تزوج الرجل المرأة حرمت عليه ابنتها إذا دخل بالأُمّ، فإذا لم يدخل بالأُمّ فلا بأس أن يتزوج بالابنة) (2) .

وإذا عقد على البنت حرمت عليه أُمّها، سواء دخل بها أم لم يدخل، قال الإمام علي (عليه السلام): (وإذا تزوج الابنة فدخل بها أو لم يدخل بها، حرمت عليه الأُمّ) (3) .

ومَن عقد على امرأة حرمت على ابنه ولم تحل له أبداً، وكذلك تحرم معقودة الابن على الأب حرمةً دائمة، ولا يشترط في جميع ذلك الدخول، فمجرد العقد يؤدي إلى الحرمة (4) .

رابعاً: المحرّم بسبب تجاوز القيود الشرعية:

الزواج في الإسلام رابطة مقدّسة بين الرجل والمرأة، وهو مقدمة

____________________

(1) جامع المقاصد 12: 282. والمقنعة: 502.

(2) تهذيب الأحكام 7: 273.

(3) المصدر السابق.

(4) المقنعة: 502. وجواهر الكلام 29: 350 وما بعدها.

٣٨

لتعميق أواصر الإخاء والتآزر والتعاون بين الأُسر؛ لذا حرّم الإسلام العلاقات الزوجية التي تؤدي إلى التنافر والتباغض، مراعياً الفطرة الإنسانية وما ينسجم معها من علاقات.

فلو عقد الرجل على امرأة ذات زوج، حرمت عليه أبداً، إذا كان عالماً أنّها ذات زوج، سواء دخل بها أم لم يدخل، فلا يجوز له العقد عليها ثانية بعد طلاقها من زوجها أو بعد موته.

ولا فرق في ذلك بأن كانت في عصمة زوجها، أو في عدّةٍ لها من طلاق أو موت.

أمّا إذا كان جاهلاً بأنّها ذات زوج ولم يدخل بها، فإنّها تحلّ له بعد طلاقها من زوجها أو بعد موته، أمّا إذا دخل بها فتحرم حرمةً أبدية (1) .

ومَن زنى بامرأة ذات زوج، أو ذات عدّة حرمت عليه أبداً، فلا يجوز له الزواج منها بعد الطلاق أو بعد إتمام العدّة (2) .

مراسيم الزواج:

من المتعارف عليه عند المسلمين، هو إقامة مراسيم الزواج في اليوم الأَوّل، من أيام البدء الفعلي للعلاقات الزوجية بالدخول إلى بيت الزوجية، حيث يجتمع أهل الزوجين والأقارب والجيران والأصدقاء سويّةً، وبذلك تتهيّأ الفرصة للتعارف، وتمتين العلاقات الأُسريّة والاجتماعية، ومن السُنّة

____________________

(1) جامع المقاصد 12: 306. وتهذيب الأحكام 7: 306 - 307، والانتصار: 264. وجواهر الكلام 29: 430.

(2) جامع المقاصد 12: 314. وجواهر الكلام 29: 430. والانتصار: 262، 264.

٣٩

إقامة الوليمة في يوم الزفاف، وجمع الإخوان على الطعام، وإظهار المسرّة، والشكر لله تعالى، والحمد على نِعَمه (1) .

فحينما تزوج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ميمونة بنت الحارث، أَولَم عليها وأطعم الناس (2) ، ويستحب أن يكون الزفاف ليلاً، عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنّه قال: (إنّ من السُنّة التزويج بالليل؛ لأنّ الله عزَّ وجلَّ جعل الليل سكناً، والنساء إنّما هنّ سكن) (3) .

وقال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): (زفّوا عرائسكم ليلاً، وأَطعموا ضحىً) (4) .

ويستحبُّ للزوج أن يتجمّل، ويتنظّف، ويمسّ الطيب (5) .

ويستحبُّ تقديم شيء من المهر للزوجة، قبل الدخول (6) ؛ فالعطاء يدخل السرور على المرأة في بداية حياتها الزوجية.

ويستحبّ أن يكون الزوجان على طهارة، وأن يصليا ركعتين، ثمّ يحمدا الله تعالى، ويصليا على محمد وآله الطيبين الطاهرين (7) .

____________________

(1) المقنعة: 515.

(2) تهذيب الأحكام 7: 409.

(3) تهذيب الأحكام 7: 418. وجامع المقاصد 12: 15 - 19.

(4) تهذيب الأحكام 7: 418.

(5) المقنعة: 515.

(6) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 298.

(7) تهذيب الأحكام 7: 410.

٤٠