عقائد الإمامية

عقائد الإمامية0%

عقائد الإمامية مؤلف:
الناشر: محمّد رضا المظفر
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 176

عقائد الإمامية

مؤلف: العلامة الكبير الشيخ محمد رضا المظفر
الناشر: محمّد رضا المظفر
تصنيف:

الصفحات: 176
المشاهدات: 42335
تحميل: 3404

توضيحات:

عقائد الإمامية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 176 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 42335 / تحميل: 3404
الحجم الحجم الحجم
عقائد الإمامية

عقائد الإمامية

مؤلف:
الناشر: محمّد رضا المظفر
العربية

آل البيت فيها. حاشا أولئك الذين أخلصوا لله نيّاتهم، وتجرّدوا له في عباداتهم، وبذلوا مهجهم في نصرة دينه أن يدعو الناس إلى الشرك في عبادة الله.

٨ - ومن آداب الزيارة: أن يلزم للزائر حسن الصحبة لمن يصحبه، وقلّة الكلام إلاّ بخير، وكثرة ذكر الله(١) والخشوع، وكثرة الصلاة، والصلاة على محمَّد وآل محمَّد، وأن يغضّ من بصره، وأن يعدو إلى أهل الحاجة من إخوانه إذا رأى منقطعاً، والمواساة لهم، والورع عمّا نُهي عنه، وعن الخصومة، وكثرة الاَيمان، والجدال الذي فيه الاَيمان(٢)

ثمّ أنّه ليست حقيقة الزيارة إلاّ السلام على النبي أو الامام باعتبار أنّهم( أحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (٣) ؛ فهم يسمعون الكلام، ويردّون الجواب، ويكفي أن يقول فيها مثلاً: (السلام عليك يا رسول الله).

غير أنّ الاَولى أن يقرأ فيها المأثور الوارد من الزيارات عن آل البيت؛ لما فيها - كما ذكرنا - من المقاصد العالية، والفوائد الدينية، مع بلاغتها وفصاحتها، ومع ما فيها من الاَدعية العالية التي يتّجه بها الانسان إلى الله تعالى وحده.

____________________

(١) ليس المراد من كثرة ذكر الله تكرار التسبيح والتكبير ونحوهما فقط، بل المراد ما ذكره الصادقعليه‌السلام في بعض الحديث في تفسير ذكر الله كثيراً أنّه قال: «أما أني لا أقول سبحان الله والحمد لله ولا اله إلاّ الله والله أكبر، وإن كان هذا من ذاك، ولكن ذكر الله في كل موطن إذا هجمت على طاعة أو معصية».

(٢) راجع كامل الزيارات: ١٣١ ح١.

(٣) إشارة إلى قوله تعالى( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذيِنَ قُتِلُوا في سَبيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحياءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) آل عمران ٣: ١٦٩.

١٤١

٣٧ - عقيدتنا في معنى التشيُّع عند آل البيت

إنّ الاَئمّة من آل البيتعليهم‌السلام لم تكن لهم همّة - بعد أن انصرفوا عن أن يرجع أمر الاَمَّة إليهم - إلاّ تهذيب المسلمين، وتربيتهم تربية صالحة كما يريدها الله تعالى منهم، فكانوا مع كلِّ من يواليهم ويأتمنونه على سرّهم يبذلون قصارى جهدهم في تعليمه الاَحكام الشرعية، وتلقينه المعارف المحمدية، ويعرّفونه ماله وما عليه.

ولا يعتبرون الرجل تابعاً وشيعة لهم إلاّ إذا كان مطيعاً لاَمر الله، مجانباً لهواه، آخذاً بتعاليمهم وإرشاداتهم.

ولا يعتبرون حبّهم وحده كافياً للنجاة، كما قد يمنّي نفسه بعض من يسكن إلى الدعة والشهوات، ويلتمس عذراً في التمرّد على طاعة الله سبحانه، إنّهم لا يعتبرون حبهم وولاءهم منجاة إلاّ إذا اقترن بالاَعمال الصالحة، وتحلّى الموالي لهم بالصدق والاَمانة، والورع والتقوى.

«يا خيثمة، أبلغ موالينا(١) أنّه لا نغني عنهم من الله شيئاً إلاّ بعمل، وأنّهم لن ينالوا ولايتنا إلاّ بالورع، وإنّ أشدّ الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلاً ثم خالفه إلى غيره»(٢) .

بل هم يريدون من أتباعهم أن يكونوا دعاة الحق، وأدلاّه على الخير والرشاد، ويرون أنّ الدعوة بالعمل أبلغ من الدعوة باللسان: «كونوا دعاة

____________________

(١) في المصدر: «أبلغ من ترى من موالينا».

(٢) الكافي: ٢/١٤٠ ذيل الحديث ٢.

١٤٢

للناس بالخير بغير ألسنتكم؛ ليروا منكم الاجتهاد والصدق والورع»(١) .

ونحن نذكر لك الآن بعض المحاورات التي جرت لهم مع بعض اتباعهم؛ لتعرف مدى تشديدهم وحرصهم على تهذيب أخلاق الناس:

١ - محاورة أبي جعفر الباقرعليه‌السلام مع جابر الجعفي:

«يا جابر، أيكتفي من ينتحل التشيُّع أن يقول بحبنا أهل البيت؟! فوالله ما شيعتنا إلاّ من اتّقى الله وأطاعه.

وما كانوا يعرفون إلا بالتواضع، والتخشُّع، والاَمانة، وكثرة ذكر الله، والصوم، والصلاة، والبر بالوالدين، والتعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والاَيتام، وصدق الحديث، وتلاوة القرآن، وكفّ الاَلسن عن الناس إلاّ من خير، وكانوا أُمناء عشائرهم في الاَشياء.

فاتقوا الله واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحد قرابة، أحب العباد إلى الله عزّ وجلّ أتقاهم وأعملهم بطاعته(٢) .

يا جابر، والله ما نتقرَّب إلى الله تبارك وتعالى إلاّ بالطاعة، وما معنا براءة من النار، ولا على الله لاَحد من حجّة، من كان لله مطيعاً فهو لنا ولي، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدو، وما تنال ولايتنا إلاّ بالعمل والورع»(٣) .

٢ - محاورة أبي جعفرعليه‌السلام أيضاً مع سعيد بن الحسن:

أبو جعفرعليه‌السلام : «أيجيء أحدكم إلى أخيه فيدخل يده في كيسه فيأخذ حاجته فلا يدفعه؟».

____________________

(١) الكافي: ٢/٦٤ ح١٢.

(٢) وبهذا المعنى قال أمير المؤمنين في خطبته القاصعة: «إنّ حكمه في أهل السماء وأهل الاَرض لواحد، وما بين الله وبين أحد من خلقه هوادة في إباحة حمى حرمه على العالمين» نهج البلاغة: الخطبة ١٩٢.

(٣) الكافي: ٢/٦٠ ح٣.

١٤٣

سعيد: ما أعرف ذلك فينا.

أبو جعفرعليه‌السلام : «فلا شيء إذن».

سعيد: فالهلاك إذن!

أبو جعفرعليه‌السلام : «إنّ القوم لم يعطوا أحلامهم بعد»(١) .

٣ - محاورة أبي عبدالله الصادقعليه‌السلام مع أبي الصباح الكناني: الكناني لأبي عبدالله: ما نلقى من الناس فيك؟!

أبو عبدالله: «وما الذي تلقى من الناس؟»

الكناني: لا يزال يكون بيننا وبين الرجل الكلام، فيقول: جعفري خبيث.

أبو عبدالله: «يعيّركم الناس بي؟!»

الكناني: نعم!

أبو عبدالله: «ما أقل والله من يتّبع جعفراً منكم! إنّما أصحابي من اشتدّ ورعه، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه. هؤلاء أصحابي!»(٢) .

٤ - ولأبي عبداللهعليه‌السلام كلمات في هذا الباب نقتطف منها ما يلي:

أ - «ليس منّا - ولا كرامة - من كان في مصر فيه مائة ألف أو يزيدون، وكان في ذلك المصر أحد أورع منه»(٣) .

ب - «إنّا لا نعدّ الرجل مؤمناً حتّى يكون لجميع أمرنا متّبعاً ومريداً، ألا وإن من اتباع أمرنا وأرادته الورع، فتزيَّنوا به يرحمكم الله»(٤) .

____________________

(١) الكافي: ٢/١٣٩ ح١٣.

(٢) الكافي: ٢/٦٢ ح٦.

(٣) الكافي: ٢/٦٣ ح١٠.

(٤) الكافي: ٢/٦٣ ح١٣.

١٤٤

ج- - «ليس من شيعتنا من لا تتحدَّث المخدَّرات بورعه في خدورهن، وليس من أوليائنا من هو في قرية فيها عشرة آلاف رجل فيهم خلق لله أورع منه»(١) .

د - «إنّما شيعة جعفر مَن عفّ بطنه وفرجه، واشتد جهاده، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، وخاف عقابه. فاذا رأيت فأولئك شيعة جعفر»(٢) .

____________________

(١) الكافي: ٢/٦٤ ح١٥.

(٢) الكافي: ٢/١٨٣ ح٩.

١٤٥

٣٨ - عقيدتنا في الجور والظلم

من أكبر ما كان يعظِّمه الاَئمةعليهم‌السلام على الانسان من الذنوب العدوان على الغير والظلم للناس، وذلك اتّباعاً لما جاء في القرآن الكريم من تهويل الظلم واستنكاره، مثل قوله تعالى:( وَلا تَحسَبَنَّ اللهَ غفِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّلِمونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُم لِيَوْمٍ تَشخَصُ فيه الاْبصرُ ) (١) .

وقد جاء في كلام أمير المؤمنينعليه‌السلام ما يبلغ الغاية في بشاعة الظلم والتنفير منه، كقوله - وهو الصادق المصدَّق - من كلامه في نهج البلاغة برقم ٢١٩.

«واللهِ لَو أُعطِيتُ الاَقالِيمَ السَّبعةَ بما تَحتَ أَفلاكِها على أنْ أَعصِي اللهَ في نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جِلْبَ شَعِيرةٍ ما فَعَلْتُ»(٢) .

وهذا غاية ما يمكن أن يتصوَّره الانسان في التعفُّف عن الظلم، والحذر من الجور، واستنكار عمله.

إنّه لا يظلم نملة في قشرة شعيرة وإن أُعطي الاَقاليم السبعة، فكيف حال من يلغ في دماء المسلمين، وينهب أموال الناس، ويستهين في أعراضهم وكراماتهم؟! كيف يكون قياسه إلى فعل أمير المؤمنين؟! وكيف تكون منزلته من فقهه صلوات الله عليه؟

إنّ هذا هو الاَدب الاِليهي الرفيع الذي يتطلَّبه الدين من البشر.

نعم، إنّ الظلم من أعظم ما حرَّم الله تعالى، فلذا أخذ من أحاديث

____________________

(١) إبراهيم ١٤: ٤٢.

(٢) نهج البلاغة: (من كلام لهعليه‌السلام يتبرأ من الظلم).

١٤٦

آل البيت وأدعيتهم المقام الاَوّل في ذمّه وتنفير أتباعهم عنه.

وهذه سياستهمعليهم‌السلام ، وعليها سلوكهم حتّى مع من يعتدي عليهم، ويجترئ على مقامهم.

وقصّة الامام الحسنعليه‌السلام معروفة في حلمه عن الشامي الذي اجترأ عليه وشتمه، فلاطفه الامام وعطف عليه، حتّى أشعره بسوء فعلته(١) .

وقد قرأت آنفاً في دعاء سيد الساجدين من الاَدب الرفيع في العفو عن المعتدين، وطلب المغفرة لهم، وهو غاية ما يبلغه السموَّ النفسي، والانسانية الكاملة، وإن كان الاعتداء على الظالم بمثل ما اعتدى جائزاً في الشريعة(٢) وكذا الدعاء عليه جائز مباح، ولكن الجواز شيء، والعفو - الذي هو من مكارم الاَخلاق - شيء آخر، بل عند الاَئمّة أنّ المبالغة في الدعاء على الظالم قد تعدّ ظلماً، قال الصادقعليه‌السلام : «إنّ العبد ليكون مظلوماً فما يزال يدعو حتى يكون ظالماً»(٣) أي حتّى يكون ظالماً في دعائه على الظالم

____________________

(١) راجع مناقب ابن شهر آشوب: ٤/ ١٩ فقد ذكر هذه القصة عن المبرّد وابن عائشة، قال: إنّ شامياً رآه راكباً فجعل يلعنه والحسن لا يرد، فلمّا فرغ أقبل الحسن عليه فسلم عليه وضحك وقال: «أيها الشيخ أظنك غريباً، ولعلك شبهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا حملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسوناك وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حرّكت رحلك إلينا وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك؛ لاَن لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كثيراً». فلما سمع الرجل كلامه بكى، ثم قال: اشهد أنّك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالاته، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إلي، والآن أنت أحب خلق الله إلي. وحوّل رحله إليه وكان ضيفه إلى أن ارتحل، وصار معتقداً لمحبتهم.

(٢) فقد قال تعالى:( فَمنِ اعْتدَى عَليْكَمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا الله وَاعْلَموُا أنَّ اللهَ مَعَ الْمُتّقِينَ ) البقرة ٢: ١٩٤.

(٣) الكافي: ٢/ ٢٥٠ ح١٧، عقاب الاَعمال: ٢٧٤.

١٤٧

بسبب كثرة تكراره.

يا سبحان الله! أيكون الدعاء على الظالم إذا تجاوز الحد ظلماً؟ إذن ما حال من يبتدئ بالظلم والجور، ويعتدي على الناس، أو ينهش أعراضهم، أو ينهب أموالهم، أو يشي عليهم عند الظالمين، أو يخدعهم فيورّطهم في المهلكات، أو ينبزهم ويؤذيهم، أو يتجسّس عليهم؟ ما حال أمثال هؤلاء في فقه آل البيتعليهم‌السلام .

إنّ أمثال هؤلاء أبعد الناس عن الله تعالى، وأشدّهم إثماً وعقاباً، وأقبحهم أعمالاً وأخلاقاً.

١٤٨

٣٩ - عقيدتنا في التعاون مع الظالمين

ومن عظم خطر الظلم وسوء مغبّته أن نهى الله تعالى عن معاونة الظالمين والركون إليهم( وَلاَ تَركُنوا إلى الَّذِينَ ظَلَموُا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ومَا لَكُمْ مِن دُونِ اللهِ مِنْ أَولياءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ ) (١) .

هذا هو أدب القرآن الكريم، وهو أدب آل البيتعليهم‌السلام ، وقد ورد عنهم ما يبلغ الغاية من التنفير عن الركون إلى الظالمين، والاتّصال بهم، ومشاركتهم في أي عمل كان، ومعاونتهم، ولو بشق تمرة(٢) .

ولا شك أنّ أعظم ما مُني به الاسلام والمسلمون هو التساهل مع أهل الجور، والتغاضي عن مساوئهم، والتعامل معهم، فضلاً عن ممالأتهم ومناصرتهم واعانتهم على ظلمهم.

وما جرَّ الويلات على الجامعة الاسلامية إلاّ ذلك الانحراف عن جدد الصواب والحق، حتى ضعف الدين بمرور الاَيام، فتلاشت قوّته، ووصل إلى ما عليه اليوم، فعاد غريباً، وأصبح المسلمون أو ما يسمّون أنفسهم بالمسلمين، وما لهم من دون الله أولياء ثم لا ينصرون(٣) حتى على أضعف أعدائهم، وأرذل المجترئين عليهم، كاليهود الاَذلاّء، فضلاً عن الصليبيين الاَقوياء.

لقد جاهد الاَئمةعليهم‌السلام في إبعاد من يتّصل بهم عن التعاون

____________________

(١) هود ١١: ١١٣.

(٢) انظر: وسائل الشيعة: ١٨٣/١٧ - باب تحريم معونة الظالمين -.

(٣) إشارة إلى الآية ١١٣ من سورة هود. المذكورة أعلاه.

١٤٩

مع الظالمين، وشدّدوا على أوليائهم في مسايرة اهل الظلم والجور وممالأتهم. ولا يحصى ما ورد عنهم في هذا الباب، ومن ذلك ما كتبه الامام زين العابدينعليه‌السلام إلى محمد بن مسلم الزهري بعد أن حذره عن إعانة الظلمة على ظلمهم:

«أو ليس بدعائهم إيّاك حين دعوك جعلوك قطباً أداروا بك رحى مظالمهم، وجسراً يعبرون عليك إلى بلاياهم، وسلَّماً إلى ضلالتهم، داعياً إلى غيّهم، سالكاً سبيلهم، يدخلون بك الشك على العلماء، ويقتادون بك قلوب الجهّال إليهم، فلم يبلغ أخص وزرائهم، ولا أقوى أعوانهم إلاّ دون ما بلغت من إصلاح فسادهم، واختلاف الخاصة والعامة إليهم، فما أقلّ ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك، وما أيسر ما عمَّروا لك في جنب ما خرَّبوا عليك. فانظر لنفسك؛ فإنّه لا ينظر لها غيرك، وحاسبها حساب رجل مسؤول...»(١) .

ما أعظم كلمة «وحاسبها حساب رجل مسؤول»؛ فإنّ الانسان حينما يغلبه هواه يستهين في أغوار مكنون سرّه بكرامة نفسه، بمعنى إنّه لا يجده مسؤولاً عن أعماله، ويستحقر ما يأتي به من أفعال، ويتخيَّل أنّه ليس بذلك الذي يُحسب له الحساب على ما يرتكبه ويقترفه إنّ هذا من أسرار النفس الانسانية الاَمّارة، فأراد الامام أن ينبِّه الزهري على هذا السر النفساني في دخيلته الكامنة؛ لئلاّ يغلب عليه الوهم فيفرط في مسؤوليته عن نفسه.

وأبلغ من ذلك في تصوير حرمة معاونة الظالمين حديث صفوان الجمَّال مع الامام موسى الكاظمعليه‌السلام ، وقد كان من شيعته، ورواة حديثه الموثّقين قال - حسب رواية الكشي في رجاله بترجمة صفوان -:

____________________

(١) تحف العقول: ٢٧٥.

١٥٠

دخلت عليه فقال لي: «يا صفوان كلّ شيء منك حسن جميل، خلا شيئاً واحداً».

قلت: جعلت فداك! أيّ شيء؟

قال: «إكراؤك جمالك من هذا الرجل - يعني هارون -».

قلت: والله ما أكريته أشراً ولا بطراً، ولا للصيد، ولا للهو، ولكن أكريته لهذا الطريق - يعني طريق مكة - ولا أتولاّه بنفسي، ولكن أبعث معه غلماني.

قال: «يا صفوان أيقع كراؤك عليهم؟»

قلت: نعم جعلت فداك.

قال: «أتحب بقاءهم حتى يخرج كراك؟»

قلت: نعم.

قال: «فمن أحبّ بقاءهم فهو منهم، ومن كان منهم فهو كان ورد النار».

قال صفوان: فذهبت وبعت جمالي عن آخرها(١) .

فإذا كان نفس حب حياة الظالمين وبقائهم بهذه المنزلة، فكيف بمن يستعينون به على الظلم، أو يؤيدهم في الجور، وكيف حال من يدخل في زمرتهم، أو يعمل بأعمالهم، أو يواكب قافلتهم، أو يأتمر بأمرهم؟!

____________________

(١) رجال الكشي: ٤٤٠ ح٨٢٨.

١٥١

(٢)

٤٠ - عقيدتنا في الوظيفة في الدولة الظالمة

إذا كان معاونة الظالمين ولو بشق تمرة، بل حب بقائهم، من أشد ما حذَّر عنه الاَئمةعليهم‌السلام ، فما حال الاشتراك معهم في الحكم، والدخول في وظائفهم وولاياتهم؟ بل ما حال من يكون من جملة المؤسسين لدولتهم، أو من كان من أركان سلطانهم، والمنغمسين في تشييد حكمهم «وذلك أن ولاية الجائر دروس الحق كلّه، وإحياء الباطل كلّه، وإظهار الظلم والجور والفساد»(١) كما جاء في حديث «تحف العقول» عن الصادقعليه‌السلام .

غير أنّه ورد عنهمعليهم‌السلام جواز ولاية الجائر إذا كان فيها صيانة العدل، وإقامة حدود الله، والاحسان إلى المؤمنين، والاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر «إن لله في أبواب الظلمة مَنْ نوَّر الله به البرهان، ومكَّن له في البلاد، فيدفع بهم عن أوليائه، ويصلح بهم اُمور المسلمين... اُولئك هم المؤمنون حقّاً، أولئك منار الله في أرضه، أولئك نور الله في رعيته...» كما جاء في الحديث عن الامام موسى بن جعفرعليه‌السلام (٢) .

وفي هذا الباب أحاديث كثيرة توضّح النهج الذي ينبغي أن يجري عليه الولاة والموظفون، مثل ما في رسالة الصادقعليه‌السلام إلى عبدالله

____________________

(١) تحف العقول: ٣٣٢.

(٢) بحار الاَنوار: ٧٥/٣٨١ ح٤٦. عن منية المريد. وفيه الحديث عن الامام الرضاعليه‌السلام .

١٥٢

النجاشي أمير الاَهواز (راجع الوسائل كتاب البيع الباب ٧٨)(١) .

____________________

(١) انظر وسائل الشيعة: ١٧/١٩٦ ح٢٢٣٣٨ وباقي أحاديث الباب ٤٦ من أبواب ما يكتسب به. كشف الريبة: ٨٦.

١٥٣

٤١ - عقيدتنا في الدعوة إلى الوحدة الاِسلامية

عرف آل البيتعليهم‌السلام بحرصهم على بقاء مظاهر الاسلام، والدعوة إلى عزّته، ووحدة كلمة أهله، وحفظ التآخي بينهم، ورفع السخيمة من القلوب، والاَحقاد من النفوس.

ولا يُنسى موقف أمير المؤمنينعليه‌السلام مع الخلفاء الذين سبقوه، مع توجّده عليهم، واعتقاده بغصبهم لحقه، فجاراهم وسالمهم، بل حبس رأيه في انّه المنصوص عليه بالخلافة؛ حتّى أنه لم يجهر في حشد عام بالنصِّ إلا بعد أن آل الاَمر إليه، فاستشهد بمن بقي من الصحابة عن نص الغدير في يوم الرحبة المعروف(١) .

وكان لا يتأخّر عن الاشارة عليهم فيما يعود على المسلمين أو للاِسلام بالنفع والمصلحة، وكم كان يقول عن ذلك العهد: «فَخَشِيتُ إنْ لَمْ أَنصُر الاِسلامَ وَأَهلَهُ أَنْ أَرى فِيهِ ثَلْماً أو هدْماً»(٢) .

كما لم يصدر منه ما يؤثِّر على شوكة ملكهم، أو يضعف من سلطانهم، أو يقلِّل من هيبتهم، فانكمش على نفسه وجلس حلس البيت،

____________________

(١) انظر: مسند أحمد: ١/٨٤، فضائل أحمد: ٧٧/١١٥، السنة لابن أبي عاصم: ٥٩٣ ح١٣٧٢ و١٣٧٣ و١٣٧٤، مشكل الآثار: ٢/٣٠٧، خصائص النسائي ١٠٠ - ١٠١ ح٨٥ - ٨٧، المعجم الصغير للطبراني: ١/٦٥، المعجم الاوسط: ٢/٦٨، حلية الاولياء: ٥/٢٦، المناقب لابن المغازلي: ٢٠ ح٢٧، كنز العمال: ١٣/١٥٧ ح٣٦٤٨٥ و٣٦٤٨٦ و: ١٧٠ ح٣٦٥١٤ و٣٦٥١٥. اُسد الغابة: ٣/٣٢١، ٤/٢٨.

(٢) نهج البلاغة: الكتاب ٦٢ (من كتاب لهعليه‌السلام إلى أهل البصرة).

١٥٤

بالرغم ممّا كان يشهده منهم.

كل ذلك رعاية لمصلحة الاسلام العامة، ورعاية أن لا يرى في الاسلام ثلماً أو هدماً، حتى عرف ذلك منه، وكان الخليفة عمر بن الخطاب يقول ويكرّر القول: (لا كنت لمعضلة ليس لها أبو الحسن)(١) أو (لولا علي لهلك عمر)(٢) .

ولا يُنسى موقف الحسن بن عليعليه‌السلام من الصلح مع معاوية(٣) بعد أن رأى أنّ الاصرار على الحرب سيديل من ثقل الله الاَكبر،

____________________

(١) انظر: طبقات ابن سعد: ٢/٣٣٩، فضائل أحمد: ١٥٥ ح٢٢٢، انساب الاشراف للبلاذري: ٢/٩٩ ح٢٩، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ١/١٨، المناقب للخوارزمي: ٩٦ - ٩٧ ذيل ح٩٧ و٩٨، اُسد الغابة: ٤/٢٢، كفاية الطالب: ٢١٧، الاصابة: ٢/٥٠٩، ذخائر العقبى: ٨٢، تهذيب التهذيب: ٧/٢٩٦، تذكرة الخواص: ١٣٤ و١٣٧، الرياض النضرة: ٣/١٦١، فرائد السمطين: ١/٣٤٤ ح٢٦٧.

(٢) المناقب للخوارزمي: ٨٠ ح٦٥، تذكرة الخواص: ١٣٧، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ١/١٨ و١٤١ و١٢/١٧٩ و٢٢٣، كفاية الطالب: ٢١٩، ذخائر العقبى: ٨٢، الرياض النضرة: ٣/١٦١.

(٣) يمكن النظر إلى الصلح الذي وقع بين الامام الحسنعليه‌السلام ومعاوية من نواحٍ عدّة، منها:

أولاً: كسر الطوق المعنوي الذي حاول معاوية أن يوهم به عامة المسلمين من إلحاحه المستمر لطلب الصلح واغترار الناس به، وقد أبان الامام الحسنعليه‌السلام ابتداءاً اعتذاره عن ذلك بأنّ معاوية لا يفي بشرط، ولا هو بمأمون على الدين ولا على الامّة.

ثانياً: لو حاول الامام الحسنعليه‌السلام الاصرار على موقفه من قتال معاوية لكانت في ذلك مغامرة مواجهة قوّة لا قبل بها، ولا نكشف الامر عن التضحية بنفسه وكافة الهاشميين وأوليائهم، ولعذله العاذلون وقالوا فيه.

ثالثا: اتّضح الاَمر - بعد ذلك - بفضيحة معاوية الذي لم يلتزم ببنود الصلح قيد أنملة، ثم انكشف بعد ذلك الغطاء في دور أبيّ الضيم الامام الحسينعليه‌السلام وما قدّمه من تضحيات تقف متممة لدور الامام الحسنعليه‌السلام في مواجهة الظالمين، ورد موجة

=

١٥٥

ومن دولة العدل، بل اسم الاسلام إلى آخر الدهر، فتمحى الشريعة الاِلهية، ويُقضى على البقية الباقية من آل البيت، ففضَّل المحافظة على ظواهر

____________________

الانحراف في الامة.

رابعاً: امتثل الامام الحسنعليه‌السلام ما ورد في سيرة النبي المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله اُسوة به، حيث استرشد بالرسالة، وامتحن بهذه الخطة، وقد اخذها في إقدامه واحجامه من صلح الحديبية.

خامساً: كان الصلح نموذجاً فريدا صاغ به أئمة أهل البيتعليهم‌السلام سياستهم الحكيمة، حيث غرس الامام الحسنعليه‌السلام في طريق معاوية كميناً من نفسه يثور عليه من حيث لا يشعر فيرديه، وتسنّى له به أن يلغم قصر الاَموية ببارود الاَموية نفسها.

وقد نقل التاريخ بصراحة زيف معاوية بوعوده حينما انضم جيش العراق إلى لوائه في النخيلة، فقال، وقد قام خطيباً فيهم: (يا أهل العراق! إني - والله - لم اُقاتلكم لتصلّوا، ولا لتصوموا، ولا لتزكّوا، ولا لتحجّوا، وإنما قاتلتكم لاَتأمّر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون!، ألا وإنّ كل شيء أعطيته للحسن بن علي جعلته تحت قدمي هاتين!) - كما نقله ابن عساكر في مختصر تاريخ دمشق - فلما تمت البيعة لمعاوية خطب فذكر علياً فنال منه، ونال من الحسن.. إلى آخر ما وقع من الوقائع الجسيمة...

ويذكر الامام السيد عبد الحسين شرف الدينقدس‌سره : إنّ الامامين الحسن والحسينعليهما‌السلام كانا وجهين لرسالة واحدة، كل وجه منهما في موضعه منها، وفي زمانه من مراحلها يكافئ الآخر في النهوض بأعبائها ويوازيه بالتضحية في سبيلها... وكان (يوم ساباط) أعرف بمعاني التضحية من (يوم الطف) لدى اُولي الاَلباب ممّن تعمّق... وكانت شهادة الطف حسنية أوّلاً وحسينية ثانياً؛ لاَنّ الحسن أنضج نتائجها، ومهّد أسبابها.

وقد وقف الناس بعد حادثتي ساباط والطف يمعنون في الاحداث، فيرون في الامويين عصبة جاهلية منكرة...

للتفصيل: راجع صلح الحسن للشيخ راضي آل ياسين، المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة، شرح نهج البلاغة: ج٤، الامام الحسينعليه‌السلام للاستاذ عبدالله العلايلي، مختصر تاريخ دمشق: ٢٥/٤٣، تاريخ الطبري: ٥/١٦٢، الكامل في التاريخ لابن الاثير: ٣/٤٠٤، تاريخ الاسلام للذهبي: ٤/٥، تاريخ الخلفاء (الامامة والسياسة) لابن قتيبة: ١/١٦٤

١٥٦

الاسلام واسم الدين، وإن سالم معاوية - العدو الاَلد للدين وأهله، والخصم الحقود له ولشيعته - مع ما يتوقّع من الظلم والذل له ولاَتباعه، وكانت سيوف بني هاشم وسيوف شيعته مشحوذة تأبى أن تغمد دون أن تأخذ بحقّها من الدفاع والكفاح، ولكن مصلحة الاسلام العليا كانت عنده فوق جميع هذه الاعتبارات.

وأمّا الحسين الشهيدعليه‌السلام فلئن نهض فلاَنّه رأى من بني أُمية إن دامت الحال لهم ولم يقف في وجههم من يكشف سوء نيّاتهم، سيمحون ذكر الاسلام، ويطيحون بمجده، فأراد أن يثبت للتاريخ جورهم وعدوانهم، ويفضح ما كانوا يبيّتونه لشريعة الرسول، وكان ما أراد. ولولا نهضته المباركة لذهب الاسلام في خبر كان يتلهّى بذكره التأريخ كأنّه دين باطل.

وحرص الشيعة على تجديد ذكراه بشتّى أساليبهم إنّما هو لاتمام رسالة نهضته في مكافحة الظلم والجور، ولاحياء أمره امتثالاً لاَوامر الاَئمة من بعده.

وينجلي لنا حرص آل البيتعليهم‌السلام على بقاء عز الاسلام - وإن كان ذو السلطة من ألد أعدائهم - في موقف الاَمام زين العابدينعليه‌السلام من ملوك بني أُمية، وهو الموتور لهم، والمنتهكة في عهدهم حرمته وحرمه، والمحزون على ما صنعوا مع أبيه وأهل بيته في واقعة كربلاء، فإنّه - مع كل ذلك - كان يدعو في سرِّه لجيوش المسلمين بالنصر، وللاسلام بالعز، وللمسلمين بالدعة والسلامة، وقد تقدَّم أنّه كان سلاحه الوحيد في نشر المعرفة هو الدعاء، فعلَّم شيعته كيف يدعون للجيوش الاِسلامية والمسلمين، كدعائه المعروف ب- (دعاء أهل الثغور)(١) الذي يقول فيه:

____________________

(١) الصحيفة السجادية: الدعاء (٢٧): من دعائهعليه‌السلام لاَهل الثغور.

١٥٧

«اللّهمَّ صلِّ على محمَّدٍ وآل محمَّدٍ، وكثِّرْ عددَهُمْ(١) واشحَذْ أسلحَتَهمْ، واحرُسْ حوزَتَهُمْ، وامنَعْ حومَتَهُمْ، وألِّفْ جمعَهُمْ، ودبِّرْ أمرَهُمْ، وواتِرْ بينَ ميرِهِمْ، وتوحَّدْ بكفايَةِ مؤَنِهُمْ، واعضُدهُمْ بالنصرِ، وأعِنهُمْ بالصبْرِ، والطُفْ لهُمْ في المكْرِ ».

إلى أن يقول - بعد أن يدعو على الكافرين - :

«اللّهمَّ وقوِّ بذلِكَ مِحَالَ أهلِ الاِسلام، وحصِّنْ بهِ ديارَهُمْ، وثمِّرْ بهِ أموالَهُمْ، وفرِّغْهُمْ عن محاربتِهِمْ لعبادَتِكَ، وعنْ منابذَتِهمْ للخلَوةِ بكَ؛ حتّى لا يُعبَدَ في بقاعِ الاَرْضِ غيرُكَ، ولا تُعَفَّرَ لاَحدٍ منهُمْ جبهةٌ دونَكَ »(٢)

وهكذا يمضي في دعائه البليغ - وهو من أطول أدعيته - في توجيه الجيوش المسلمة إلى ما ينبغي لها من مكارم الاَخلاق، وأخذ العدّة للاَعداء، وهو يجمع إلى التعاليم الحربية للجهاد الاسلامي بيان الغاية منه وفائدته، كما ينبِّه المسلمين إلى نوع الحذر من أعدائهم، وما يجب أن يتخذوه في معاملتهم ومكافحتهم، وما يجب عليهم من الانقطاع إلى الله تعالى، والانتهاء عن محارمه، والاخلاص لوجهه الكريم في جهادهم.

وكذلك باقي الاَئمةعليهم‌السلام في مواقفهم مع ملوك عصرهم، وإن لاقوا منهم أنواع الضغط والتنكيل بكل قساوة وشدّة؛ فانّهم لما علموا أنّ دولة الحق لا تعود إليهم انصرفوا إلى تعليم الناس معالم دينهم، وتوجيه أتباعهم التوجيه الديني العالي.

وكلّ الثورات التي حدثت في عصرهم من العلويين وغيرهم لم تكن

____________________

(١) كذا، وفي المصدر: (عِدَّتهم).

(٢) ما أجمل هذا الدعاء، وأجدر بالمسلمين في هذه العصور أن يتلوا هذا الدعاء؛ ليعتبروا به، وليبتهلوا إلى الله تعالى في جمع كلمتهم وتوحيد صفوفهم وتنوير عقولهم. (منهرحمه‌الله ).

١٥٨

عن إشارتهم ورغبتهم، بل كانت كلّها مخالفة صريحة لاَوامرهم وتشديداتهم؛ فانّهم كانوا أحرص على كيان الدولة الاسلامية من كل أحد، حتى من خلفاء بني العباس أنفسهم.

وكفى أن نقرأ وصية الامام موسى بن جعفرعليه‌السلام لشيعته:

«لا تذلُوا رقابكم بترك طاعة سلطانكم، فإن كان عادلاً فاسألوا الله بقاءه، وإن كان جائراً فاسألوا الله اصلاحه؛ فإنّ صلاحكم في صلاح سلطانكم، وإنّ السلطان العادل بمنزلة الوالد الرحيم، فأحبّوا له ما تحبون لاَنفسكم، واكرهوا له ما تكرهون لاَنفسكم»(١) .

وهذا غاية ما يوصف في محافظة الرعية على سلامة السلطان أن يحبوا له ما يحبون لاَنفسهم، ويكرهوا له ما يكرهون لها.

وبعد هذا، فما أعظم تجنِّي بعض كتّاب العصر؛ إذ يصف الشيعة بأنّهم جميعة سرّية هدّامة، أو طائفة ثوروية ناقمة(٢) !

صحيح أنّ من خلق الرجل المسلم المتّبع لتعاليم آل البيتعليهم‌السلام يبغض الظلم والظالمين، والانكماش عن أهل الجور والفسوق، والنظرة إلى أعوانهم وأنصارهم نظرة الاشمئزاز والاستنكار، والاستيحاش والاستحقار، وما زال هذا الخلق متغلغلاً في نفوسهم يتوارثونه جيلاً بعد جيل، ولكن مع ذلك ليس من شيمتهم الغدر والختل، ولا من طريقتهم الثورة والانتفاض على السلطة الدينية السائدة باسم الاسلام؛ لا سراً ولا علناً، ولا يبيحون لاَنفسهم الاغتيال أو الوقيعة بمسلم مهما كان مذهبه

____________________

(١) أمالي الصدوق: ٢٧٧ ح٢١، وسائل الشيعة: ١٦/٢٢٠ ح٢١٤٠٦.

(٢) وقدمرت الاشارة - عند موضوع (عقيدتنا في التقية) - إلى قول الكوثري في تعليقه على كتاب التبصير في الدين للاسفرائيني، في وصفه للشيعة بأنّها جمعيات سرّية.

١٥٩

وطريقته؛ أخذاً بتعاليم أئمّتهمعليهم‌السلام .

بل المسلم الذي يشهد الشهادتين مصون المال، محقون الدم، محرَّم العرض؛ «لا يحل مال امرئ مسلم إِلا بطيب نفسه»(١) .

بل المسلم أخو المسلم، عليه من حقوق الاَخوة لاَخيه ما يكشف عنه البحث الآتي.

____________________

(١) الفقيه: ٤/٦٦ ح١٩٥، عوالي اللآلي: ٣/٤٧٣ ح٣، تحف العقول: ٣٤، وسائل الشيعة: ٥/١٢٠ ح٦٠٨٩، سنن الدارقطني: ٣/٢٦ ح٩١ و٩٢، كنز العمال: ١/٩٢ ح٣٩٧.

١٦٠