عقائد الإمامية

عقائد الإمامية0%

عقائد الإمامية مؤلف:
الناشر: محمّد رضا المظفر
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 176

عقائد الإمامية

مؤلف: العلامة الكبير الشيخ محمد رضا المظفر
الناشر: محمّد رضا المظفر
تصنيف:

الصفحات: 176
المشاهدات: 42328
تحميل: 3402

توضيحات:

عقائد الإمامية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 176 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 42328 / تحميل: 3402
الحجم الحجم الحجم
عقائد الإمامية

عقائد الإمامية

مؤلف:
الناشر: محمّد رضا المظفر
العربية

وكبروا، بل يجب النظر فيها كما يجب النظر في التوحيد والنبوّة.

وعلى الاَقل أنّ الاعتقاد بفراغ ذمّة المكلَّف من التكاليف الشرعية المفروضة عليه يتوقّف على الاعتقاد بها ايجاباً أو سلباً، فإذا لم تكن أصلاً من الاُصول لا يجوز فيها التقليد؛ لكونها أصلاً، فإنّه يجب الاعتقاد بها من هذه الجهة، أي من جهة أنّ فراغ ذمة المكلَّف من التكاليف المفروضة عليه قطعاً من الله تعالى واجب عقلاً، وليست كلّها معلومة من طريقة قطعية، فلا بدَّ من الرجوع فيها إلى من نقطع بفراغ الذمة باتّباعه، أمّا الامام على طريقة الامامية، أو غيره على طريقة غيرهم.

كما نعتقد: أنّها كالنبوَّة لطف من الله تعالى؛ فلا بدَّ أن يكون في كل عصر إمام هادٍ يخلف النبي في وظائفه من هداية البشر(١) وارشادهم إلى ما فيه الصلاح والسعادة في النشأتين، وله ما للنبي من الولاية العامّة على الناس، لتدبير شؤونهم ومصالحهم، وإقامة العدل بينهم، ورفع الظلم والعدوان من بينهم.

وعلى هذا، فالامامة استمرار للنبوّة، والدليل الذي يوجب إرسال الرسل وبعث الاَنبياء هو نفسه يوجب أيضاً نصب الاِمام بعد الرسول.

فلذلك نقول: إنّ الامامة لا تكون إلاّ بالنص من الله تعالى على لسان النبي أو لسان الاِمام الذي قبله، وليست هي بالاختيار، والانتخاب من

____________________

(١) فقد قال تعالى:( إنَّا أَرْسَلْنكَ بِاْلحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إلاّ خَلا فيها نَذِيرٌ ) فاطر ٣٥ : ٢٤.

ووردت أحاديث كثيرة تدلّ على أنّ الاَرض لا تخلو من حجّة. راجع الاصول من الكافي: ١/ ١٣٦ باب أنّ الاَرض لا تخلو من حجّة و١٣٧ باب أنّه لو لم يبق في الاَرض إلاّ رجلان لكان أحدهما الحجة. وغيرها.

٨١

الناس(١) ، فليس لهم إذا شاؤوا ينصبوا أحدا نصّبوه ، واذا شاء وا أن يعيّنوا إمام لهم عيّنوه ، ومتى شاؤوا أن يتركوا تعيينه تركوه، ليصح لهم البقاء بلا إمام، بل «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة»(٢) على ما ثبت

____________________

(١) فقد اشتهر بين علماء الاسلام أنهم بين قولين لا ثالث لهما حول تنصيب الامام؛ فهم بين قائل بأنّ الامامة بالرأي والاختيار، وبين قائل بأنّها من العزيز الجبار. وبطلان الاَول متفق عليه عند الشيعة الامامية، حيث أنّ الامام يجب أن يكون بتعيين الله عزّ وجلّ، ويدلّ عليه النبي بأن يوصي بطاعته من بعده - كما فعلصلى‌الله‌عليه‌وآله في غدير خم - ومن ثمّ يوصي الامام بالامام الذي يليه وهكذا. أو يكون بظهور المعجزة على يده؛ لاَنّ شرط الامامة العصمة وهي من الامور الخفيّة الباطنيّة التي لا يعلمها إلاّ الله تعالى.

أما المذاهب الاخرى - غير الامامية - فقالوا: إنّ الامامة لا يشترط فيها استخلاف النبي وعهده، بل قد تكون بالمبايعة، وهي أن يبايع أهل الحل والعقد شخصاً يجعلونه إماماً - وهذا يبتني على عدم اشتراط العصمة في الامام - ولا يشترط أن يتفق الجميع على بيعته، بل قد تكفي مبايعة شخص واحد فقط. وإذا لم تتم البيعة فهنالك طريق آخر لتنصيب الامام هو: القهر والاستيلاء؛ فإذا مات الامام وتصدّى للامامة من يستجمع شرائطها من غير بيعة ولا استخلاف وقهر الناس بشوكته انعقدت الخلافة له، حتى وإن كان فاسقاً جاهلاً جائراً ظالماً، وقالوا أنّه لا يجوز عزل الامام حتى وإن كان فاسقاً، لكن لو جاء من هو أقوى منه فعزله وقهره انعزل وصار القاهر إماماً.

فهل يرضى العاقل لنفسه الانقياد إلى مذهب ويوجب إمامة الفاسق والجائر والجاهل لا لسبب، إلاّ لاَنّه الاَقوى والاَقدر على قهر غيره ولو بالفسق والجريمة؟!

ولا يجوز عزله إلاّ بمن هو أقوى منه فيقهره فيكون إماماً عليه بعد أن كان مأموماً له؟! وهل هذا هو الامام الذي من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية؟! وأين هذا المذهب من قوله تعالى:( أفَمنْ يَهْدِي إِلى الحْقِّ أَحقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهْدي إلاَّ أَنْ يُهدَى فَمالَكُم كَيْفَ تَحْكُموُنَ ) يونس ١٠: ٣٥.

ولمزيد من الاطلاع راجع: نهج الحق وكشف الصدق: ١٦٨، شرح المقاصد للتفتازاني: ٥: ٢٣٣، التمهيد للباقلاني: ١٨٦، أصل الشيعة واصولها: ٢٢١، عقائد الجعفرية: ٢٩.

(٢) انظر: الكافي: ١/٣٧٧ ح٣، المحاسن: ١/١٧٦ ح٢٧٣، عيون أخبار الرضا (عليه

٨٢

ذلك عن الرسول الاَعظم بالحديث المستفيض.

وعليه لا يجوز أن يخلو عصر من العصور من إمام مفروض الطاعة، منصوب من الله تعالى؛ سواء أبى البشر أم لم يأبوا، وسواء ناصروه أم لم يناصروه، أطاعوه أم لم يطيعوه، وسواء كان حاضراً أم غائباً عن أعين الناس؛ إذ كما يصح أن يغيب النبي - كغيبته في الغار(١) والشعب(٢) - صحَّ أن يغيب الامام، ولا فرق في حكم العقل بين طول الغيبة وقصرها.

قال الله تعالى:( وَلِكُلِ قومٍ هَادٍ ) .(٣)

وقال:( وإِن مِن أُمّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيها نَذِيرٌ ) (٤)

____________________

=

السلام):٢/٥٨ ح٢١٤، إكمال الدين: ٤١٣ ح١٥، الغيبة للنعماني: ١٣٠ ح٦، رجال الكشي: ٢/٧٢٤ ح٧٩٩، مسند الطيالسي: ٢٥٩/١٩١٣، حلية الاَولياء: ٣/٢٢٤، المعجم الكبير للطبراني: ١٠/٣٥٠ ح١٠٦٨٧، مستدرك الحاكم: ١/٧٧، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ٩/١٥٥، ينابيع المودة: ٣/١٥٥، مجمع الزوائد: ٥/٢٢٤، مسند أحمد: ٤/٩٦.

(١) وهي غيبته التي قال فيها عزّ وجلّ:( إلاّ تَنْصرُوُهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إذْ أَخْرَجَهُ الَّذينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنيَنِ إذ هُما في الغَارِ إذْ يَقُولُ لِصَاحِبِه لاَ تَحْزَنْ إنَّ الله مَعَنَا فَأَنْزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأيَّدَهُ بجُنِودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَروُا السُّفْلَى وكَلِمَةُ الله هيَ العُلْيا وَالله عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) التوبة ٩: ٤٠.

(٢) الشِعب: هو ما انفرج بين جبلين. والمقصود به هنا هو شعب أبي طالب (رض) الذي دخله بنو هاشم ومعهم بنو عبد المطّلب بن عبد مناف - باستثناء أبي لهب - واستمرّوا فيه إلى السنة العاشرة حيث استمرت هذه المحنة سنتين أو ثلاثاً، ووضعت قريش عليهم الرقباء حتّى لا يأتيهم أحد بالطعام. وكانوا ينفقون من أموال خديجة وأبي طالب حتى نفدت. ولم يكونوا يخرجون من الشِعب إلاّ في موسم العمرة في رجب وموسم الحج. وكان خلال هذه الفترة يخرج عليعليه‌السلام فيأتيهم بالطعام سرّاً من مكّة.

راجع: الصحيح في سيرة النبي: ٢/١٠٨، لسان العرب: ١/٤٩٩.

(٣) الرعد ١٣: ٧.

(٤) فاطر ٣٥: ٢٤.

٨٣

٢٤ - عقيدتنا في عصمة الإمام

ونعتقد: أنّ الاِمام كالنبي يجب أن يكون معصوماً من جميع الرذائل والفواحش، ما ظهر منها وما بطن، من سنِّ الطفولة إلى الموت، عمداً وسهواً.

كما يجب أن يكون معصوماً من السهو والخطأ والنسيان؛ لاَنّ الاَئمّة حفظة الشرع، والقوَّامون عليه، حالهم في ذلك حال النبي، والدليل الذي اقتضانا أن نعتقد بعصمة الاَنبياء هو نفسه يقتضينا أن نعتقد بعصمة الاَئمة، بلا فرق(١) .

ليس على الله بمُستنكَرِ

أنْ يَجمعَ العالَمَ في واحدِ(٢)

____________________

(١) ولو لم يكونوا معصومين لما كانوا يستحقّون أن يكونوا خلفاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولاَنّ عدم عصمتهم يلزم منه التسلسل؛ حيث أنّ سبب الحاجة إلى الامام بعد النبي هو عدم عصمة الناس، فيحتاجون إلى من يرشدهم ويدلّهم على الطريق السوي، فإذا لم يكن هذا المرشد معصوماً لاحتاج إلى غيره، وهذا يؤدّي إلى وجوب وجود ما لانهاية من الاَئمة.

راجع: أوائل المقالات - للشيخ المفيد - القول ٣٧، تجريد الاعتقاد: ٢٢٢.

(٢) البيت لاَبي نواس في ديوانه، راجع: دلائل الاعجاز: ١٩٦ (٢١٨) و: ٤٢٤ (٤٩٩)، و: ٤٢٨ (٥٠٢).

٨٤

٢٥ - عقيدتنا في صفات الاِمام وعلمه

ونعتقد: أنّ الاِمام كالنبي يجب أن يكون أفضل الناس في صفات الكمال، من شجاعة، وكرم، وعفّة، وصدق، وعدل، ومن تدبير، وعقل وحكمة وخلق.

والدليل في النبي هو نفسه الدليل في الامام...

أمّا علمه؛ فهو يتلقّى المعارف والاَحكام الاِلهية وجميع المعلومات من طريق النبي أو الاِمام من قبله.

وإذا استجدّ شيء لا بدَّ أن يعلمه من طريق الاِلهام بالقوة القدسية التي أودعها الله تعالى فيه، فإنْ توجّه إلى شيء وشاء أن يعلمه على وجهه الحقيقي، لا يخطىَ فيه ولا يشتبه، ولا يحتاج في كلّ ذلك إلى البراهين العقلية، ولا إلى تلقينات المعلِّمين(١) ، وإن كان علمه قابلاً للزيادة والاشتداد، ولذا قالصلى‌الله‌عليه‌وآله في دعائه: «رَبِّ زدني علماً»(٢) .

أقول: لقد ثبت في الاَبحاث النفسيّة أنّ كل انسان له ساعة أو ساعات في حياته قد يعلم فيها ببعض الاَشياء من طريق الحدس الذي هو فرع من الاِلهام؛ بسبب ما أودع الله تعالى فيه من قوّة على ذلك، وهذه القوّة تختلف

____________________

(١) لاَنه - بطبيعة الحال - لو احتاج إلى معلّم يلقّنه ويعلّمه لكان ذلك الشخص أعلم منه في تلك المسألة التي علّمه إياها - على أقل التقديرات - فيكون هو إمامه وعليه أن يتّبعه ويلتزم بقوله، وفي نفس الوقت يكون هذا المعلم يحتاج إلى من يعلمه وهكذا، فيلزم التسلسل. ولذلك يفترض في الامام أن يكون أعلم الموجودين في زمانه ولا يحتاج إلى تعليم من أحد منهم.

(٢) تضمين قوله تعالى:( وَقُلْ ربِّ زِدْنِي عِلْماً ) : طه ٢٠: ١١٤.

٨٥

شدّة وضعفاً، وزيادة ونقيصة في البشر باختلاف أفرادهم، فيطفر ذهن الانسان في تلك الساعة إلى المعرفة من دون أن يحتاج إلى التفكير وترتيب المقدّمات والبراهين أو تلقين المعلّمين، ويجد كل إنسان من نفسه ذلك في فرص كثيرة في حياته.

وإذا كان الاَمر كذلك، فيجوز أن يبلغ الانسان من قوّته الالهامية أعلى الدرجات وأكملها، وهذا أمر قرَّره الفلاسفة المتقدّمون والمتأخرون.

فلذلك نقول - وهو ممكن في حدِّ ذاته - : إنّ قوّة الالهام عند الامام - التي تسمّى بالقوة القدسية - تبلغ الكمال في أعلى درجاته، فيكون في صفاء نفسه القدسية على استعداد لتلقّي المعلومات في كلّ وقت وفي كل حالة، فمتى توجَّه إلى شيء من الاَشياء وأراد معرفته استطاع علمه بتلك القوّة القدسية الالهامية بلا توقّف ولا ترتيب مقدمات ولا تلقين معلِّم، وتنجلي في نفسه المعلومات كما تنجلي المرئيات في المرآة الصافية، لاغطش فيها ولا إبهام.

ويبدو واضحاً هذا الاَمر في تاريخ الاَئمّةعليهم‌السلام كالنبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فإنّهم لم يتربَّوا على أحد، ولم يتعلَّموا على يد معلِّم، من مبدأ طفولتهم إلى سن الرشد، حتى القراءة والكتابة، ولم يثبت عن أحدهم انه دخل الكتاتيب، أو تلمذ على يد استاذ في شيء من الاشياء، مع ما لهم من منزلة علمية لا تجارى(١) وما سُئلوا عن شيء إلا أجابوا عليه في

____________________

(١) وقد قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : «رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله علّمني ألف باب، وكلّ باب منها يفتح ألف باب، فذلك ألف ألف باب، حتّى علمت ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، وعلمت علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب» الكافي: ١/٢٣٩، ينابيع المودة ١/٧٥.

وقالعليه‌السلام : «والله لو شئت أن أخبر كل رجل منكم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه

=

٨٦

وقته، ولم تمر على ألسنتهم كلمة (لا أدري)(١) ، ولا تأجيل الجواب إلى المراجعة أو التأمّل أو نحو ذلك(٢) .

في حين أنّك لا تجد شخصاً مترجماً له من فقهاء الاِسلام ورواته وعلمائه إلاّ ذكرت في ترجمته تربيته وتلمذته على غيره، وأخذه الرواية أو العلم على المعروفين، وتوقّفه في بعض المسائل، أو شكِّه في كثير من المعلومات، كعادة البشر في كلِّ عصر ومصر.

____________________

=

لفعلت، ولكن أخاف أن تكفروا فيّ برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ألا وإنّي مفضيه إلى الخاصة ممّن يؤمن ذلك منه. والذي بعثه بالحق واصطفاه على الخلق ما أنطق إلاّ صادقاً، وقد عهد إليّ بذلك كله وبمهلك من يهلك ومنجى من ينجو ومآل هذا الاَمر، وما أبقى شيئاً يمر على رأسي إلاّ أفرغه في اذني وأفضى به إليّ» نهج البلاغة: الخطبة ١٧٥.

وغيرها من الروايات والاَحاديث الدالة على أنّ علمهمعليهم‌السلام من الله عن طريق النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

(١) وقد ورد في الحديث عن هشام بن الحكم، عن الامام الصادقعليه‌السلام أنّه قال: «إنّ الله لا يجعل حجّته في أرضه يُسأل عن شيء فيقول لا أدري» الكافي: ١/١٧٧ ذيل الحديث١، التنبيه: ٣٢.

(٢) بل اشتهر عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه كان يقول: «أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني، فلاَنا بطرق السماء أعلم منّي بطرق الاَرض» نهج البلاغة: الخطبة: ١٨٤.

٨٧

٢٦ - عقيدتنا في طاعة الاَئمّة

ونعتقد: أنّ الاَئمة هم أولو الاَمر الذين أمر الله تعالى بطاعتهم(١) ، وأنّهم الشهداء على الناس(٢) ، وأنّهم أبواب الله، والسبل إليه، والاَدلاّء عليه(٣) ، وأنّهم عيبة علمه، وتراجمة وحيه، وأركان توحيده، وخُزّان معرفته(٤) ، ولذا كانوا أماناً لاَهل الاَرض كما أنّ النجوم أمان لاَهل السماء - على حد تعبيرهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٥) -.

____________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى:( يأَيُّها الّذِينَ آمَنوُا أَطِيعوُا اللهَ وأطيعوُا الرَّسُولَ وأُوْلِي الاَمْرِ منْكُمْ فَإنْ تَنَزَعْتُمْ فِي شَيءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللهِ والرَّسُولِ إِن كُنْتُم تُؤمِنُونَ باللهِ وَاليومِ الاَخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأوِيلاً ) النساء ٤: ٥٩.

(٢) فقد ورد عن الامام الباقرعليه‌السلام وعن الامام أبي عبدالله الصادقعليه‌السلام أنّهم قالوا: «نحن الاَمة الوسط، ونحن شهداء الله على خلقه» الكافي: ١/١٤٦ ح٢ و٤، حيث ورد قوله تعالى:( وَكَذَلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) البقرة ٢: ١٤٣.

(٣) حيث أنّهم هم الاَئمة بالحق، وقد تواتر عن النبي قوله: «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية». انظر: عقيدتنا في الامامة.

وورد عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قوله: «إنّ الله تبارك وتعالى لو شاء لعرّف العباد نفسهُ، ولكن جعلنا أبوابه، وصراطه، وسبيله، والوجه الذي يؤتى منه، فمن عدل عن ولايتنا أو فضّل علينا غيرنا فانّهم عن الصراط لناكبون» الكافي: ١/١٨٤.

(٤) ورد عن الاِمام الباقرعليه‌السلام : «نحن خزّان علم الله، ونحن تراجمة وحي الله، ونحن الحجة البالغة على من دون السماء ومن فوق الاَرض» الكافي: ١/١٩٢.

وورد - أيضاً - عن الامام الصادقعليه‌السلام قوله: «نحن ولاة أمر الله، وخزنة علم الله وعيبة وحي الله» الكافي: ١/١٩٢.

(٥) انظر: صحيفة الامام الرضاعليه‌السلام : ٤٧ ح٦٧، عيون أخبار

=

٨٨

وكذلك - على حدِّ قوله أيضاً - «إنّ مثلهم في هذه الاُمّة كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق وهوى»(١)

وأنّهم - حسبما جاء في الكتاب المجيد -( بَلْ عِبادٌ مُكرَمُون * لا يَسبِقُونَهُ بالقَولِ وَهُم بأَمرِه يَعمَلُونَ ) (٢) .

وأنّهم الّذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً(٣) .

____________________

=

الرضاعليه‌السلام : ٢/٢٧ ح١٤، علل الشرائع: ١٢٣ ح١، إكمال الدين: ١/٢٠٥ ح١٩، فضائل أحمد: ١٨٩/٢٦٧، المعجم الكبير للطبراني: ٧/٢٥ ح٦٢٦٠، المطالب العالية: ٤/٧٤ ح٤٠٠٢، إحياء الميت بفضائل أهل البيتعليهم‌السلام للسيوطي: ٤٢ ح٢١، ذخائر العقبى: ١٧، فرائد السمطين: ٢/٢٤١ ح٥١٥، كنز العمال: ١٢/١٠١ ح٣٤١٨٨، مستدرك الحاكم: ٣/١٤٩، مجمع الزوائد: ٩/١٧٤، الصواعق المحرقة: ٢٣٤.

(١) انظر: إكمال الدين: ٢٣٩ ذيل الحديث ٥٩، الاَمالي للطوسي: ٦٠ ح٨٨/٥٧ و٤٥٩ ح١٠٢٦/٣٢، عيون الاَخبار لابن قتيبة: ١/٣١٠، مستدرك الحاكم: ٢/٣٤٣ و٣/١٥٠، حلية الاَولياء: ٤/٣٠٦، تاريخ بغداد: ١٢/٩١ ح٦٥٠٧، مقتل الحسين للخوارزمي: ١/١٠٤، المعجم الكبير للطبراني: ١٢/٣٤ ح١٢٣٨٨، المعجم الصغير للطبراني: ٢/٢٢، المناقب لابن المغازلي: ١٣٢ - ١٣٤ ح١٧٣ - ١٧٧، ارجح المطالب: ٤/٧٥ ح٤٠٠٣، ٤٠٠٤، ذخائر العقبى: ٢٠، الخصائص الكبرى: ٢/٢٦٦، إحياء الميت بفضائل أهل البيتعليهم‌السلام للسيوطي: ٤٥ ح٢٤ - ٢٧، فرائد السمطين: ٢/٢٤٢ ح٥١٦، كنز العمال: ١٢/٩٥ ح٣٤١٥١، مجمع الزوائد: ٩/١٦٨، الصواعق المحرقة: ٢٣٤.

(٢) الاَنبياء ٢١: ٢٦ - ٢٧.

(٣) أجمع المفسرون، وروي عن أئمة أهل البيت وكثير من الصحابة أنّ قوله تعالى:( إِنَّمَا يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطْهِيراً ) الاَحزاب ٣٣: ٣٣. نزل في رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام . وإلى هذا أشار المصنّفقدس‌سره .

وللاطّلاع: راجع: نهج الحق: ١٧٣، شواهد التنزيل للحسكاني: ٢/١٠ - ١٩٢، الدر

=

٨٩

بل نعتقد: أنّ أمرهم أمر الله تعالى، ونهيهم نهيه، وطاعتهم طاعته، ومعصيتهم معصيته، ووليّهم وليّه، وعدوَّهم عدوّه(١) .

ولا يجوز الرد عليهم والراد عليهم كالراد على الرسول، والراد على الرسول كالراد على الله تعالى(٢) .

فيجب التسليم لهم والانقياد لاَمرهم والاَخذ بقولهم.

ولهذا نعتقد: أنّ الاَحكام الشرعية الاِلهية لا تستقى إلاّ من نمير مائهم، ولا يصحّ أخذها إلاّ منهم، ولا تفرغ ذمّة المكلَّف بالرجوع إلى غيرهم، ولا يطمئنّ بينه وبين الله إلى أنّه قد أدّى ما عليه من التكاليف المفروضة إلاّ من طريقهم(٣) إنّهم كسفينة نوح؛ من ركبها نجا، ومن تخلَّف

____________________

=

المنثور: ٥/١٩٨، مشكل الآثار: ١/٣٣٢، مجمع الزوائد: ٩/١٢١. مسند أحمد بن حنبل: ١/٣٣٠ و٤/١٠٧ و٦/٢٩٢، الصواعق المحرقة: ٨٥، تفسير الطبري: ٢٢/٥، أُسد الغابة: ٤/٢٩، خصائص النسائي: ٤، الغدير: ١/٤٩ و: ٣/١٩٥ و: ٥/٤١٦، احقاق الحق: ٢/٥٠١ - ٥٥٣ و: ٣/٥٣١ - ٥٥١ و: ٥/٥٤ و٥٨ - ٦٠ و: ٩/١ - ٦٩ و: ١٨/٣٥٩ - ٣٨٣، دلائل الصدق: ٢/١٠٣، صحيح مسلم: ٤/١٨٨٣، سنن الترمذي: ٥/٣٥١، تفسير ابن كثير: ٣/٤٩٣.

(١) حيث قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حق عليعليه‌السلام في حديث الغدير: «اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وادر الحق معه كيفما دار». وسيأتي الكلام عنه في مبحث عقيدتنا في أنّ الامامة بالنص.

(٢) بما أنّ الامام منصّب من قبل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبما أنّ الرسول قال نصاً: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه» فهذا يقتضي أنّ طاعة الامام هي طاعة الرسول، والراد عليه كالراد على الرسول، وقد قال تعالى:( مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ ) النساء: ٤: ٨٠.

(٣) فقد ورد عن أبي حمزة الثمالي، عن السجادعليه‌السلام : «قال لنا علي بن الحسينعليه‌السلام : أي البقاع أفضل؟ فقلنا: الله ورسوله وابن رسوله أعلم، فقال لنا: افضل البقاع ما بين الركن والمقام، ولو أنّ رجلاً عمّر ما عمّر نوح في قومه - ألف سنة إلاّ خمسين عاماً - يصوم النهار ويقوم الليل في ذلك المكان ثم لقى الله بغير ولايتنا لم ينفعه ذلك شيئاً». من لا يحضره

=

٩٠

عنها غرق في هذا البحر المائج الزاخر بأمواج الشبه والضلالات، والادّعاءات والمنازعات.

ولا يهمّنا من بحث الامامة في هذه العصور إثبات أنّهم هم الخلفاء الشرعيون وأهل السلطة الإلهية؛ فإنّ ذلك أمر مضى في ذمّة التأريخ، وليس في إثباته ما يعيد دورة الزمن من جديد، أو يعيد الحقوق المسلوبة إلى أهلها، وإنّما الذي يهمّنا منه ما ذكرنا من لزوم الرجوع إليهم في الاَخذ بأحكام الله الشرعية، وتحصيل ما جاء به الرسول الاَكرم على الوجه الصحيح الذي جاء به.

وإنّ في أخذ الاَحكام من الرواة والمجتهدين الذين لا يستقون من نمير مائهم، ولا يستضيئون بنورهم، ابتعاداً عن محجّةالصواب في الدين، ولا يطمئن المكلَّف من فراغ ذمته من التكاليف المفروضة عليه من الله تعالى؛ لاَنّه مع فرض وجود الاختلاف في الآراء بين الطوائف والنحل فيما يتعلَّق بالاَحكام الشرعية اختلافاً لا يرجى معه التوفيق، لا يبقى للمكلَّف مجال أن يتخيَّر ويرجع إلى أي مذهب شاء ورأي اختار، بل لا بدَّ له أن يفحص

____________________

=

الفقيه: ٢/١٥٩ ح١٧، عقاب الاعمال: ٢٤٣ ح٢، الاَمالي للطوسي: ١٣٢ ح٢٠٩/٢٢، وسائل الشيعة: ١/١٢٢ ح ٣٠٨، وكذا كافة أحاديث الباب ٢٩ من أبواب مقدمة العبادات في الوسائل: ١.

وأورد الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ج٢ ح١٤١ الحديث التالي: عن أبي أمامة الباهلي: «قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله خلق الاَنبياء من أشجار شتى وخلقت وعلي من شجرة واحدة، فأنا أصلها، وعلي فرعها، والحسن والحسين ثمارها، وأشياعنا أوراقها فمن تعلّق بغصن من أغصانها نجا، ومن زاغ هوى، ولو أنّ عبداً عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام، ثمّ ألف عام، حتى يصير كالشن البالي، ثمّ لم يدرك محبتنا أكبّه الله على منخريه في النار، ثمّ قرأصلى‌الله‌عليه‌وآله :( قُلْ لاَ أَسئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إلاّ الْمَوَدَّةَ في القُربَى ) [الشورى ٤٢: ٢٣]».

٩١

ويبحث، حتى تحصل له الحجة القاطعة بينه وبين الله تعالى على تعيين مذهب خاص يتيقّن أنّه يتوصِّل به إلى أحكام الله، وتفرغ به ذمّته من التكاليف المفروضة؛ فإنّه كما يقطع بوجود أحكام مفروضة عليه يجب أن يقطع بفراغ ذمّته منها؛ فان الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.

والدليل القطعي دالّ على وجوب الرجوع إلى آل البيت، وأنّهم المرجع الاَصلي بعد النبي لاَحكام الله المنزلة، وعلى الاَقل قوله عليه أفضل التحيات: «إنّي قد تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي أبداً؛ الثقلين، وأحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الاَرض، وعترتي أهل بيتي، ألا وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض»(١)

وهذا الحديث اتّفقت الرواية عليه من طرق أهل السنَّة والشيعة.

فدقّق النظر في هذا الحديث الجليل تجد ما يقنعك ويدهشك في مبناه ومعناه، فما أبعد المرمى في قوله: «إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي

____________________

(١) انظر: سنن الترمذي: ٥/٦٦٣ ح٣٧٨٨، مسند أحمد: ٣/١٤ و١٧ و: ٢٦، ٥/١٨٢ و١٨٩، سنن الدارمي: ٤٣١، المصنف لابن أبى شيبة: ١١/٤٥٢ ح١١٧٢٥، السنّة لابن أبي عاصم: ٢/٣٣٦ ح٧٥٤ و: ٦٢٨ - ٦٣٠ ح١٥٤٨ و١٥٤٩ و١٥٥٣ - ١٥٥٥، طبقات ابن سعد: ٢/١٩٤، مشكل الآثار: ٤/٣٦٨، مستدرك الحاكم: ٣/١٠٩ و١٤٨، حلية الاَولياء: ١/٣٥٥، المعجم الكبير للطبراني: ٥/١٥٣ - ١٥٤ ح ٤٩٢١ - ٤٩٢٣ و: ١٦٩ - ١٧٠ ح٤٩٨٠ - ٤٩٨٢ والمعجم الصغير: ١/١٣١، المناقب لابن المغازلي: ٢٣٤ - ٢٣٥ ح٢٨١ - ٢٨٣، مصابيح السنة: ٤/١٩٠ ح٤٨١٦، جامع الاصول: ١/٢٧٨، اُسد الغابة: ٢/١٢، ذخائر العقبى: ١٦، إحياء الميت بفضائل أهل البيتعليهم‌السلام للسيوطي: ٣٠ - ٣٢ ح٦ - ٨ مجمع الزوائد: ١/١٧٠ و٩/١٦٢، كنز العمال: ١/١٧٢ - ١٧٣ ح٨٧٠ - ٨٧٣ و٨٧٥ - ٨٧٦ و١٨٥ - ١٨٦ ح٩٤٣ - ٩٤٥ و٩٤٧، ٩٤٩ و: ١٨٧ ح ٩٥٢ - ٩٥٣، صحيح مسلم: ٤/١٨٧٣ ح٣٦ و٣٧، تفسير الرازي: ٨/١٦٣، تفسير ابن كثير: ٤/١٢٢.

٩٢

أبداً» والذي تركه فينا هما الثقلان معاً؛ إذ جعلهما كأمر واحد، ولم يكتف بالتمسُّك بواحد منهما فقط، فبهما معاً لن نضل بعده أبداً.

وما أوضح المعنى في قوله: «لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض»، فلا يجد الهداية أبداً من فرَّق بينهما ولم يتمسّك بهما معاً، فلذلك كانوا «سفينة النجاة»، و«أماناً لاَهل الاَرض»، ومن تخلَّف عنهم غرق في لجج الضلال، ولم يأمن من الهلاك.

وتفسير ذلك بحبّهم فقط من دون الاَخذ بأقوالهم واتّباع طريقهم هروب من الحق، لا يلجىء إليه إلاّ التعصُّب والغفلة عن المنهج الصحيح في تفسير الكلام العربي المبين.

٩٣

٢٧ - عقيدتنا في حبّ آل البيت

قال الله تعالى:( قُل لاَّ أَسْئَلُكُمْ عَلْيِه أَجْراً إلاَّ الْمَوَدَّةَ في الْقُربى ) (١) .

نعتقد: أنّه زيادة على وجوب التمسُّك بآل البيت، يجب على كل مسلم أن يدين بحبّهم ومودّتهم؛ لاَنّه تعالى في هذه الآية المذكورة حصر المسؤول عليه الناس في المودة في القربى.

وقد تواتر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنّ حبهم علامة الايمان، وأنّ بغضهم علامة النفاق(٢) وأن من أحبّهم أحب الله ورسوله، ومن أبغضهم أبغض الله ورسوله(٣) .

____________________

(١) الشورى ٤٢: ٢٣. وقد ورد عن ابن عباس قال: لما نزل:( قُل لاَ أَسْئَلُكُمْ عَلْيِه أَجْراً إلاّ الْمَوَدَّةَ في الْقُربى ) قالوا: يا رسول الله من قرابتك الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال: «علي وفاطمة والحسن والحسين».

لزيادة الاطلاع راجع: الدر المنثور: ٦/٧، تفسير الطبري: ٢٥/١٤، مستدرك الحاكم: ٢/٤٤٤، مسند أحمد: ١٩٩، ينابيع المودّة: ١٥، الصواعق المحرقة: ١١ و١٠٢، ذخائر العقبى: ٢٥ ومصادر اُخرى.

(٢) انظر: فضائل أحمد: ١٧٦ ح٢٤٨، ذخائر العقبى: ١٨، كنوز الحقائق للمناوي: ١٣٤، احياء الميت بفضائل أهل البيتعليهم‌السلام : ٣٥ ح١٣، مسند أحمد: ١/٨٤، ٩٥، ١٢٨، صحيح مسلم: ١/٨٦ ح١٣١، التاج الجامع للاصول: ٣/٣٣٥، سنن الترمذي: ٢/٣٠١، سنن النسائي: ٨/١١٧، الصواعق المحرقة: ٢٦٣، المحاسن: ١/١٧٦ ح٢٧٤، أمالي الصدوق: ٣٨٤.

(٣) انظر: أمالي الصدوق: ٣٨٤/١٦، كنز العمال: ١٢/٩٨ ح٣٤١٦٨ و١٢: ١٠٣ ح٣٤١٩٤ و١٢/١١٦ ح ٣٤٢٨٦، متقل الحسين للخوارزمي: ١/١٠٩

=

٩٤

بل حبّهم فرض من ضروريات الدين الاِسلامي التي لا تقبل الجدل والشك، وقد اتّفق عليه جميع المسلمين على اختلاف نِحلهم وآرائهم، عدا فئة قليلة اُعتبروا من أعداء آل محمد، فنُبزوا باسم (النواصب) أي مَن نصبوا العداوة لآل بيت محمد، وبهذا يُعدُّون من المنكرين لضرورة إسلامية ثابتة بالقطع، والمنكر للضرورة الاسلامية - كوجوب الصلاة والزكاة - يُعدّ في حكم المنكر لاَصل الرسالة، بل هو على التحقيق منكر للرسالة، وإن أقرَّ في ظاهر الحال بالشهادتين.

ولاَجل هذا كان بغض آل محمد من علامات النفاق، وحبّهم من علامات الايمان، ولاَجله أيضاً كان بغضهم بغضاً لله ولرسوله.

ولا شكّ أنّه تعالى لم يفرض حبّهم ومودّتهم إلاّ لاَنّهم أهل للحب والولاء، من ناحية قربهم إليه سبحانه، ومنزلتهم عنده، وطهارتهم من الشرك والمعاصي، ومن كل ما يبعد عن دار كرامته وساحة رضاه.

ولا يمكن أن نتصوَّر أنّه تعالى يفرض حب من يرتكب المعاصي، أو لا يطيعه حقّ طاعته؛ فإنّه ليس له قرابة مع أحد أو صداقة، وليس عنده الناس بالنسبة إليه إلاّ عبيداً مخلوقين على حد سواء، وإنّما أكرمهم عند الله أتقاهم(١) فمن أوجب حبه على الناس كلهم لا بدَّ أن يكون أتقاهم وأفضلهم جميعاً، وإلاّ كان غيره أولى بذلك الحب، أو كان الله يفضِّل بعضاً على بعض في وجوب الحب والولاية عبثاً أو لهواً بلا جهة استحقاق وكرامة؟!

____________________

=

ذخائر العقبى: ١٨، الصواعق المحرقة: ٢٦٣.

(١) وقد قال عزّ وجلّ في محكم كتابه الكريم:( يأَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَكُمْ من ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْن-كُمْ شُعُوبَاً وَقَبائِلَ لِتَعارَفوُا إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أتْق-كُمْ إنَّ اللهَ عَليمٌ خَبِيرُ ) الحجرات ٤٩: ١٣.

٩٥

٢٨ - عقيدتنا في الاَئمّة

لا نعتقد في أئمتنا [عليهم أفضل الصلاة والسلام] ما يعتقده الغلاة(١)

____________________

(١) الغلاة: هم الذين يعتقدون في الاَئمةعليهم‌السلام غير الحق، ويقولون بأنّهم آلهة وأنّهم ليسوا بمخلوقين وغيرها من الاعتقادات الفاسدة. وهؤلاء الغلاة فرق متعدّدة:

منهم الخطّابية: أتباع أبي الخطاب محمد بن أبي زينب الاَجدع الاَسدي الذي ادّعى بأنّه نبي مرسل، وأنّه من الملائكة، وغير ذلك من الخرافات.

ومنهم الغرابية: الذين قالوا بأنّ الله جل وعلا أرسل جبرئيل إلى علي بالرسالة فاخطأ جبرئيل وأعطاها إلى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله بسبب الشبه الذي بينهما.

ومنهم العليائية: أتباع العلياء بن دراع الدوسي أو الاَسدي، وهم يعتقدون بربوبية علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وقالوا إنّ محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله عبد لعلي - العياذ بالله -.

ومنهم المخمسية: وهم يقولون بأنّ الرب هو علي بن أبي طالبعليه‌السلام وأنّ سلمان الفارسي، وأبا ذر الغفاري، والمقداد بن الاسود، وعمار بن ياسر، وعمر بن أمية الضمري هم النبيون والموكّلون بمصالح العالم من قبل الرب الذي هو علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

ومنهم البزيعية: أتباع بزيع بن موسى الحائك، ويقولون بأنّه نبي مرسل وأنّ الامام الصادقعليه‌السلام هو الذي أرسله بذلك، وقد سمع به الامام الصادق ولعنه بصراحة.

ومنهم السبائية: أتباع عبدالله بن سبأ - الذي اختلف المؤرخون في حقيقة وجوده وهل هو شخصية حقيقية واقعية أم مختلقة اختلقها أعداء الشيعة - وهؤلاء يعتقدون بإلوهية عليعليه‌السلام .

ومنهم المغيرية: أتباع المغيرة بن سعيد العجلي الذي ادّعى النبوّة، واستحلّ كثيراً من المحارم، ودسّ من خرافاته الكثير في كتب الشيعة، حتى ورد لعنه عن الامام الصادقعليه‌السلام .

ومنهم المنصورية: أتباع أبي منصور العجلي، الذي تبرّأ منه الامام الباقرعليه‌السلام ، وادّعى لنفسه الامامة. وقال إنّ علياًعليه‌السلام هو الكسف الساقط من السماء، وأنّ الرسل لا تنقطع ابداً.

=

٩٦

والحلوليون(١) ( كَبُرتْ كَلِمةً تَخرُجُ مِنْ أفواهِهِمْ ) (٢)

بل عقيدتنا الخاصّة: أنَّهم بشر مثلنا، لهم ما لنا، وعليهم ما علينا، وإنما هم عباد مكرمون، اختصّهم الله تعالى بكرامته، وحباهم بولايته؛ إذ كانوا في أعلى درجات الكمال اللائقة في البشر من العلم، والتقوى، والشجاعة، والكرم، والعفّة، وجميع الاَخلاق الفاضلة والصفات الحميدة، لا يدانيهم أحد من البشر فيما اختصوا به.

وبهذا استحقّوا أن يكونوا أئمة وهداة، ومرجعاً بعد النبي في كلّ ما يعود للناس من أحكام وحكم، وما يرجع للدين من بيان وتشريع، وما يختص بالقرآن من تفسير وتأويل.

قال إمامنا الصادقعليه‌السلام : «ما جاءكم عنّا ممّا يجوز أن يكون في المخلوقين ولم تعلموه ولم تفهموه فلا تجحدوه وردّوه إلينا، وما جاءكم عنّا ممّا لا يجوز أن يكون في المخلوقين فاجحدوه ولا تردّوه إلينا»(٣) .

____________________

=

وغيرهم من الفرق الضالّة المنحرفة الذين تبرّأ منهم الاَئمةعليهم‌السلام في أحاديث كثيرة وحذّروا منهم شيعتهم. فقد ورد - على سبيل المثال لا الحصر - عن الامام الصادقعليه‌السلام حيث سأله سدير وقال له: إنّ قوماً يزعمون أنّكم آلهة، يتلون بذلك علينا قرآناً( وَهُوَ الَّذي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الاَرْضِ إِلهٌ ) فقال: «يا سدير سمعي وبصري وبشري ولحمي ودمي وشعري من هؤلاء براء، وبرىء الله منهم ، ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي، والله لا يجمعني الله وإياهم يوم القيامة إلاّ وهو ساخط عليهم» الكافي: ١/٢٦٩.

راجع: الملل والنحل: ١/١٥٤، الفرق بين الفرق: ٢٣٨، فرق الشيعة: ٤٢، مروج الذهب: ٣/٢٢٠، مقباس الهداية: ٢/٣٦١، أصل الشيعة وأصولها: ١٧٢، وورد العديد من الاحاديث التي تحذّر من الغلاة، ومنها ما في بحار الاَنوار: ٢٥/٢٦٥، وغيرها.

(١) الحلوليون: وهم الذين يقولون بحلول روح الاله في جسم الامام، وهؤلاء مرجعهم إلى الغلاة، والحديث عنهم كالحديث عن الغلاة.

(٢) الكهف ١٨: ٥.

(٣) انظر: مختصر بصائر الدرجات: ٩٢.

٩٧

٢٩ - عقيدتنا في أنّ الاِمامة بالنص

نعتقد: أنّ الاِمامة كالنبوّة؛ لا تكون إلاّ بالنص من الله تعالى على لسان رسوله، أو لسان الامام المنصوب بالنص إذا أراد أن ينص على الامام من بعده.

وحكمها في ذلك حكم النبوّة بلا فرق، فليس للناس أن يتحكَّموا فيمن يعيّنه الله هادياً ومرشداً لعامّة البشر، كما ليس لهم حق تعيينه، أو ترشيحه، أو انتخابه؛ لاَنّ الشخص الذي له من نفسه القدسية استعداد لتحمّل أعباء الامامة العامّة وهداية البشر قاطبة يجب ألا يُعرف إلاّ بتعريف الله ولا يُعيَّن إلاّ بتعيينه(١) .

ونعتقد: أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصّ على خليفته والامام في البرية من بعده، فعيَّن ابن عمه علي بن أبي طالب أميراً للمؤمنين، وأميناً للوحي، وإماماً للخلق في عدّة مواطن، ونصّبه، وأخذ البيعة له بإمرة المؤمنين يوم الغدير فقال: «ألا مَن كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه، اللّهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه كيفما دار»(٢) .

____________________

(١) وقد مرّ أنّ الامام كالنبي إلاّ أنّ النبي يوحى إليه والامام لا يوحى إليه.

(٢) انظر: المصنّف لابن أبي شيبة: ١٢/٦٧ ح١٢١٤٠ و٦٨ ح١٢١٤١، سنن ابن ماجه: ١/٤٣ ح١١٦، سنن الترمذي: ٥/٦٣٣ ح٣٧١٣، السنة لابن أبي عاصم: ٥٩١ ح١٣٦١، مسند أحمد: ١/١١٨ - ١١٩ و٤/٢٨١ و٣٦٨ و٣٧٠ و٣٧٢، خصائص النسائي: ١٠٢/٨٨، أنساب الاَشراف للبلاذري: ٢/١٥٦ ح١٦٩، كشف الاَستار للبزار ٣/١٩٠ - ١٩١، المعجم الكبير للطبراني: ٣/٢١ ح٣٠٥٢

=

٩٨

ومن أوّل مواطن النص على إمامته قوله حينما دعا أقرباءه الاَدنين وعشيرته الاَقربين فقال: «هذا أخي، ووصيي، وخليفتي من بعدي، فاسمعوا له وأطعيوا»(١) وهو يومئذٍ صبي لم يبلغ الحلم.

وكرِّر قوله له في عدّة مرّات: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبي بعدي»(٢) .

____________________

=

و٤/١٧٣ ح٤٠٥٣، والمعجم الصغير: ١/٦٥، مستدرك الحاكم: ٣/١٠٩، أخبار اصفهان: ١/١٠٧ و٢/٢٢٨، تأريخ بغداد: ٧/٣٧٧ و١٤/ ٢٣٦، المناقب لابن المغازلي: ١٦ - ٢٧ ح٢٣ و٢٦ و٢٧ و٢٩ و٣٣ و٣٧ و٣٨، شواهد التنزيل للحسكاني: ١/١٥٧ ح٢١١، تاريخ دمشق لابن عساكر - ترجمة الامام عليعليه‌السلام : ٢: ٣٨ - ٨٤، تذكرة الخواص: ٣٦، اسد الغابة: ١/٣٦٧ و٤/٢٨، ذخائر العقبى: ٦٧، الاِصابة: ١/٣٠٤، وللمزيد من الاطلاع على المصادر، راجع كتاب الغدير للشيخ الاميني، وكتاب احقاق الحق، وكتاب عبقات الاَنوار، وكتاب دلائل الصدق، وغيرها كثير.

(١) انظر: أمالي الصدوق: ٥٢٣، إعلام الورى: ١٦٧، إحقاق الحق: ٤/٢٩٧، مسند أحمد: ١/١١١ و١٥٩، خصائص النسائي: ٨٣/٦٦، تاريخ الطبري: ٢/٣١٩، تفسير الطبري: ١٩/٧٤. وراجع أيضاً: شواهد التنزيل: ١/٤٢٠، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ٣/٢٦٧، ينابيع المودة: ١/١٠٤، الكامل: ٢/٦٢، مجمع الزوائد: ٨/٣٠٢، وغيرها ممّا لا يتيسّر حصره.

(٢) انظر: المصنّف لابن أبي شيبة: ١٢/٦٠ ح١٢١٢٥ و٦١ ح١٢١٢٦، التاريخ الكبير للبخاري: ١/١١٥ ح٣٣٣ و٧/٣٠١ ح١٢٨٤، صحيح مسلم: ٤/١٨٧٠ ح٢٤٠٤، سنن الترمذي: ٥/٦٤٠ ح٣٧٣٠، السنة لابن أبي عاصم: ذكره باسانيد مختلفة من حديث رقم ١٣٣٣ - ١٣٤٨، مسند أحمد: ١/١٧٩ و٣/٣٢ و٦/٤٣٨، خصائص النسائي ٦٨ - ٧٩ ح ٤٥ و٤٨ و٥٠ و٥١و ٦٢و ٦٣ و٦٤، حلية الاَولياء: ٤/٣٤٥ و٧/١٩٥ و١٩٦، تاريخ اصفهان: ٢/٢٨١ و٣٢٨، المعجم الكبير للطبراني: ١/١٤٦ ح٣٢٨ و١٤٨ ح٣٣٣ و٣٣٤ و٢/٢٤٧ ح٢٠٣٥ و٤/١٧ ح٣٥١٥ و١١/٧٤ ح١١٠٨٧ و٢٤/١٤٦ ح٣٨٤ - ٣٨٩، والمعجم الصغير: ٢/٥٣ - ٥٤، تأريخ بغداد: ١/٣٢٥ و٣/٤٠٦ و٨/٥٣ و٩/٣٦٥ و١٠/٤٣ و١٢/٣٢٣، الاستيعاب: ٣/٣٤، المناقب

=

٩٩

إلى غير ذلك من روايات وآيات كريمة دلَّت على ثبوت الولاية العامّة له، كآية:( إنَّما وَليُّكُم اللهُ ورَسوُلُهُ والَّذينَ آمنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَلَوةَ ويؤُتُونَ الْزَّكَوةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (١) ، وقد نزلت فيه عندما تصدَّق بالخاتم وهو راكع(٢) .

ولا يساعد وضع هذه الرسالة على استقصاء كلّ ما ورد في إمامته من الآيات والروايات، ولا بيان وجه دلالتها(٣) .

ثمّ إنّهعليه‌السلام نص على إمامة الحسن والحسين(٤) ، والحسين نص على إمامة ولده علي زين العابدين، وهكذا إماماً بعد إمام، ينصّ المتقدِّم منهم على المتأخِّر إلى آخرهم وهو أخيرهم على ما سيأتي.

____________________

=

لابن المغازلي: ٢٧ - ٣٦ ح٤٠ - ٥٦، تاريخ دمشق - ترجمة الامام عليعليه‌السلام : ١/٣٠٦ - ٣٩٠، مجمع الزوائد: ٩/١٠٩، وغيرها كثير.

(١) المائدة ٥: ٥٥.

(٢) انظر: تفسير فرات الكوفي: ٤٠: ٤١، أمالي الصدوق: ١٠٧/٤، تفسير التبيان للطوسي: ٣/٥٥٩، الاحتجاج للطبرسي: ٢/٤٨٩، تفسير الطبري: ٦/١٨٦، أسباب النزول للواحدي: ١١٣، المناقب لابن المغازلي: ٣١٢ ح٣٥٦ و٣١٣ ح٣٥٧، المناقب للخوارزمي: ٢٦٤، تذكرة الخواص: ٢٤، تفسير الرازي: ١٢/٢٦، كفاية الطالب: ٢٥٠، ذخائر العقبى: ٨٨، الفصول المهمة: ١٢٤، جامع الاصول: ٨/٦٦٤.

(٣) راجع كتاب السقيفة للمؤلف [النص على علي بن أبي طالبعليه‌السلام : ٥٩ - ٧٣] فيه بعض الشروح لهذه الشواهد القرآنية وغيرها.

(٤) بالاضافة إلى ما ورد عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فيهما، حيث تواتر عنه أنّه قال: «ابناي هذان إمامان، قاما أو قعدا».

انظر: النكت: ٤٨، علل الشرائع: ١/٢١١، الارشاد: ٢٢٠، كفاية الاَثر: ١١٧، التحف لمجد الدين: ٢٢، ينابيع النصيحة: ٢٣٧ حيث قال فيه: (لا شبهة في كون هذا الخبر ممّا تلقّته الاُمّة بالقبول وبلغ حدّ التواتر، فصح الاحتجاج به)، وقال فيه ابن شهر آشوب في مناقبه: ٢٢: (أجمع عليه أهل القبلة).

١٠٠