بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 597

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 597
المشاهدات: 39164
تحميل: 3800


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 597 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39164 / تحميل: 3800
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 4

مؤلف:
العربية

منكما ١ . قلت و رواه الطبري و روى ما بعده ٢ .

قال : و روى المحدثون أيضا أنّ المسلمين سمعوا ذلك اليوم صائحا من جهة السماء ينادي : « لا سيف إلاّ ذو الفقار ، و لا فتى إلاّ علي » فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم لمن حضره : ألا تسمعون ؟ هذا صوت جبريل .

قال : و أما يوم حنين . فثبت معه في نفر يسير من بني هاشم بعد أن ولّى المسلمون الأدبار ، و حامى عنه ، و قتل قوما من هوازن بين يديه ، حتى ثابت إليه الأنصار ، و انهزمت هوازن ، و غنمت أموالها ، و أما يوم خيبر فقصّته مشهورة ، الخ ٣ .

قلت : لم خصّ تلك المواطن باحد و حنين و خيبر ؟ و لم لم يذكر يوم الأحزاب ، يوم عمرو بن عبد ود ، و قد كان الفتح في جميع غزوات النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم على يده ، و تقدم الكلام فيها في الأوّل عند قوله عليه السلام : « أما و اللّه إن كنت لفي ساقتها حتّى ولّت بحذافيرها ما ضعفت و لا جبنت » ٤ و لم تكن مواساته عليه السلام مختصة بغزواته . لم لم يذكر ليلة المبيت ، و قد ذكر الثعلبي منهم في قوله تعالى : و من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة اللّه ٥ أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم لمّا أراد الهجرة خلّف عليا عليه السلام بمكّة لقضاء ديونه و ردّ الودايع الّتي كانت عنده ، و أمره ليلة خرج إلى الغار ، و قد أحاط المشركون بالدار ، أن ينام على فراشه . ففعل فأوحى عزّ و جلّ إلى جبرئيل و ميكائيل : إنّي قد آخيت بينكما ،

و جعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر . فأيّكم يؤثر صاحبه بالحياة ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٤٢ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٢ : ١٩٧ سنة ٣ .

( ٣ ) المصدر نفسه .

( ٤ ) مر في عنوان ٢ من هذا الفصل .

( ٥ ) البقرة : ٢٠٧ .

١٠١

فاختار كلاهما الحياة ، فأوحى إليهما : ألاّ كنتما مثل علي آخيت بينه و بين محمّد فبات على فراشه يفديه بنفسه ، و يؤثره بالحياة ، فاهبطا إلى الارض .

فاحفظاه من عدوه ، فنزلا فكان جبرئيل عند رأسه ، و ميكائيل عند رجليه ، فقال جبرئيل : بخ بخ . من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي اللّه بك الملائكة . فأنزل اللّه تعالى على رسوله ، و هو متوجّه إلى المدينة في شأن علي عليه السلام و من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة اللّه ١ و لم لم يذكر يوم البراءة .

« نجدة أكرمني اللّه بها » أي : شجاعة . جعله ( ابن أبي الحديد ) مفعولا مطلقا حذف عامله ٢ ، و جعله « خو » مفعولا له لقوله « و لقد واسيته » ٣ ، و الصواب :

كونه خبرا ، أي : تلك المواساة نجدة أكرمني اللّه بها .

رووا أنّه قيل لخلف الأحمر : أيّهما أشجع عنبسة و بسطام أم علي ؟ فقال :

إنّما يذكران مع البشر لا مع من يرتفع عن هذه الطبقة . فقيل له : فعلى كل حال .

فقال : و اللّه لو صاح في وجوههما لماتا قبل أن يحمل عليهما ٤ .

« و لقد قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و إنّ رأسه لعلى صدري » قال الطبري : ان عليا عليه السلام كان يغسّله ، قد أسنده إلى صدره ، و عليه قميصه يدلكه من ورائه ٥ .

و في ( الإرشاد ) : و النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم لمّا قرب خروج نفسه قال له : ضع يا علي رأسي في حجرك ، فقد جاء أمر اللّه تعالى . فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك ،

و امسح بها وجهك ثم وجّهني ، و تولّ امري ، و صلّ علي أوّل الناس ، و لا تفارقني حتّى تواريني في رمسي ، و استعن باللّه تعالى . فأخذ علي عليه السلام رأسه

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه عن الثعلبي ابن طاووس في الطرائف ١ : ٣٧ ، ح ٢٧ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٤٢ .

( ٣ ) شرح الخوئي ٦ : ٤٤ .

( ٤ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ٤ : ٥٥ ، شرح الكتاب ٣٥ .

( ٥ ) تاريخ الطبري ٢ : ٤٥١ سنة ١١ .

١٠٢

في حجره فاغمي عليه فأكبّت فاطمة عليها السلام تنظر في وجهه و تندبه و تبكي و تقول :

و أبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل

ففتح النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم عينه و قال بصوت ضئيل : يا بنية هذا قول عمّك أبي طالب لا تقوليه ، و لكن قولي : و ما محمّد إلاّ رسول قد خلت من قبله الرّسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ١ فبكت طويلا فأومأ إليها بالدنو منه ،

فدنت منه فأسرّ إليها شيئا تهلّل وجهها له ٢ .

و روى أحمد بن حنبل في ( فضائله ) عن ام سلمة قالت : و الّذي أحلف به إن كان علي لأقرب الناس عهدا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم ، و كان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بعثه في حاجة غداة قبض فكان يقول : أجاء علي ثلاث مرّات فجاء علي قبل طلوع الشمس فخرجنا من البيت لمّا عرفنا أنّ له إليه حاجة . فأكبّ عليه علي عليه السلام فكان آخر الناس به عهدا و جعل يسارّه و يناجيه ٣ .

و عن الطبري في ( الولاية ) و الدار قطني في ( الصحيح ) ، و السمعاني في ( فضائله ) عن عائشة قالت : قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم و هو في بيتها : ادعوا لي حبيبي .

فدعوت له أبا بكر فنظر إليه ثم وضع رأسه . ثم قال : ادعوا لي حبيبي . فدعوا له عمر . فلمّا نظر إليه قال : ادعوا لي حبيبي . فقلت : ويلكم ادعوا له عليّا . فو اللّه ما يريد غيره . فلمّا رآه أفرج الثوب الّذي كان عليه ثم أدخله فيه ، و لم يزل يحتضنه حتّى قبض و يده عليه ٤ .

و روى أحمد بن حنبل في ( مسنده ) عن ابن عباس قال : لمّا مرض

ــــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ١٤٤ .

( ٢ ) الارشاد : ١٠٠ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٣ ) أخرجه أحمد في مسنده ٦ : ٣٠٠ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٤ ) رواه عنهم السروي في مناقبه ١ : ٢٣٦ .

١٠٣

النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم مرضه الّذي مات فيه قال : ادعوا عليّا . قالت عائشة : ندعو لك أبا بكر و قالت حفصة : ندعو لك عمر . و قالت امّ الفضل ، ندعو لك العبّاس . فلمّا اجتمعوا رفع رأسه فلم ير عليّا صلّى اللّه عليه و آله و سلم ، فسكت فقال عمر : قوموا عن رسول اللّه ١ .

و روى كاتب الواقدي في ( طبقاته ) عن أبي غطفان قال : سألت ابن عباس أرأيت النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم توفّي و رأسه في حجر أحد ؟ قال : توفّي و هو لمستند إلى صدر علي عليه السلام . قلت : فإنّ عروة حدّثني عن عايشة أنّها قالت توفي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم بين سحري و نحري . فقال ابن عباس : أتعقل ؟ و اللّه لتوفي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و أنّه لمستند إلى صدر علي عليه السلام و هو الّذي غسّله ، و أخي الفضل ،

و أبى أبي أن يحضر ، و قال : إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم كان يأمرنا أن نستتر فكان عند الستر ٢ .

و من المضحك أنّ عائشة خطبت يوم الجمل كما في ( بلاغات أحمد بن أبي طاهر البغدادي ) فقالت : قبض النبي بين سحري و نحري ، و أنا إحدى نسائه في الجنّة له ادّخرنى ربي ، و حصتى من كل بضع ، و بي ميّز مؤمنكم من منافقكم ٣ فقولها : « قبض النبي بين سحري و نحري » كقولها : « بي ميّز مؤمنكم من منافقكم » و على قولها يكون اللّه منافقا حيث لم يرض خروجها و قال لها و قرن في بيوتكن و لا تبرّجن تبرّج الجاهلية الاولى ٤ فضلا عن جبرئيل و أمير المؤمنين عليهما السلام حيث قال تعالى أيضا و لصاحبتها : و ان

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه عنهم السروي في مناقبه ١ : ٢٣٦ .

( ٢ ) طبقات ابن سعد ٢ ق ٢ : ٥١ .

( ٣ ) بلاغات النساء : ١٢ .

( ٤ ) الاحزاب : ٣٣ .

١٠٤

تظاهرا عليه فإنّ اللّه هو مولاه و جبريل و صالح المؤمنين ١ و لزم أن يكون مروان بن الحكم مؤمنا حيث ساعدها في الجمل .

قال ابن أبي الحديد : قالت الشيعة : إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم توفي لليلتين بقيتا من صفر و الأكثرون أنّه في شهر ربيع الأوّل بعد مضي أيّام منه ٢ .

قلت : ما نسبه إلى الشيعة إنّما هو قول بعضهم ، المفيد و الطوسي و ذهب الكليني في ( كافيه ) : إلى كونه في الثاني عشر من ربيع الأول ، و في ( إثبات الوصيّة ) أيضا : انّه في ربيع الأول ٣ .

« و لقد سالت نفسه في كفّي فأمررتها على وجهي » روى ابن المغازلي في ( مناقبه ) : أنّ عائشة سئلت : من كان أحبّ الناس إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ؟ فقالت :

فاطمة . فقيل لها : من الرجال ؟ قالت : زوجها و ما يمنعه منه ، و اللّه إنّه كان صوّاما قوّاما ، و لقد سالت نفس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم في يده فردّها إلى فيه ٤ .

و اختلاف قولها هذا مع قولها يوم الجمل المتقدم محمول على اختلاف المقامات في سخطها و رضاها ، و أيضا قد يجري اللّه الحق على لسان أهل الباطل فيقرّون بها إتماما للحجّة . و مر خبر كاتب الواقدي في تكذيب ابن عباس لها في قولها الأوّل .

ثم اختلف في المراد من سيلان نفسه صلّى اللّه عليه و آله و سلم فالمفهوم من ابن أبي الحديد و ابن ميثم كون المراد به سيلان الدم من قولهم « ذو نفس سائلة » فقالا : « يقال انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قاء دما يسيرا وقت موته ، و أنّ عليا عليه السلام مسح بذلك الدم

ــــــــــــــــــ

( ١ ) التحريم : ٤ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٤٣ .

( ٣ ) قاله المفيد في الارشاد : ١٠١ ، و في تاريخه : ٦٣ ، و الطوسي في التهذيب ٦ : ٢ ، و أيضا الراوندي في قصص الأنبياء ، و عنه : البحار ٢٢ : ٥١٤ و قال القول الثاني : الكليني في الكافي ١ : ٤٣٩ ، و المسعودي في إثبات الوصية : ١٠٦ .

( ٤ ) رواه عن مناقب ابن المغازلي ابن طاووس في الطرائف ١ : ١٥٧ ح ٢٤٤ ، لكن لم يوجد في النسخة المطبوعة .

١٠٥

وجهه » ١ و المفهوم من المفيد كون المراد به خروج روحه . ففي ( إرشاده ) :

قبض النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و يد امير المؤمنين اليمنى تحت حنكه ففاضت نفسه فيها فرفعها الى وجهه فمسحه بها ، فعبر بفيضان نفسه ٢ .

و في ( الصحاح ) : « فاضت نفسه » أي : خرجت روحه . قال أبو عبيدة و الفراء : هي لغة في تميم ، و نقل عن الأصعمي عن أبي عمرو بن العلاء انّه قال بدل « فاضت نفسه » « فاظت نفسه » ٣ .

فإن قيل : فما المراد ؟ قلت : يمكن أن يكون المراد إمرار الكف الّتي تأثرت من خروج الروح فيها على الوجه .

« و لقد ولّيت غسله و الملائكة أعواني » روى كاتب الواقدي في ( طبقاته ) مسندا عن يزيد بن بلال قال : قال علي عليه السلام : أوصى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أن لا يغسّله أحد غيري ، فإنّه لا يرى أحد عورتي إلاّ طمست عيناه . قال علي عليه السلام : فكان الفضل و اسامة يناولاني الماء من وراء الستر و هما معصوبا العين . قال علي عليه السلام : فما تناولت عضوا إلاّ كانّما يقلّبه معي ثلاثون رجلا حتّى فرغت من غسله ٤ .

قال ابن أبي الحديد : الغسل تولاّه علي عليه السلام بيده ، و كان الفضل بن العباس يصبّ عليه الماء ، و يروي الشيعة أنّ عليّا عليه السلام عصب عيني الفضل حين صبّ عليه الماء ، و أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أوصاه بذلك ، و قال له : إنّه لا يبصر عورتي أحد غيرك إلاّ عمي ٥ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٤٢ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ٤٤١ .

( ٢ ) الارشاد : ١٠٠ .

( ٣ ) صحاح اللغة ٣ : ١٠٩٩ و ١١٧٧ ، مادة ( فيض و فيظ ) .

( ٤ ) طبقات ابن سعد ٢ ق ٢ : ٦١ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٤٣ ، و النقل بتلخيص .

١٠٦
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الرابع الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

قلت : لم يختص بذلك الشيعة . فقد عرفت رواية كاتب الواقدي له ، و هو من نصّاب العامة ، و نقل عن ابن بطة و ابن المغازلي و هما أيضا من العامة روايتهما لذلك ١ و قال الحميري مشيرا إلى ذلك :

هذا الّذي ولّيته عورتي و لو

رأى عورتي سواه عمي

و مرّ خبر ابن عباس خوف أبيه من حضور غسله صلّى اللّه عليه و آله و سلم لذلك .

و في ( تاريخ اليعقوبي ) : كان بعض نساء النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أتين فاطمة عليها السلام في مرضها فقلن : يا بنت رسول اللّه صيّري لنا في حضور غسلك حظّا . قالت :

أتردن تقلن فيّ كما قلتن في أبي ؟ لا حاجة لي في حضوركن ٢ .

« فضجت الدار و الأفنية » جمع الفناء ، و فناء الدار ما امتد من جوانبها .

« ملأ يهبط و ملأ يعرج » قال الخوئي : روى ( البحار ) من ( البصائر ) عن أحمد بن محمّد عن القاسم بن يحيى ، عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه السلام :

لمّا قبض النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم هبط جبرئيل عليه السلام و معه الملائكة و الروح الّذين كانوا يهبطون في ليلة القدر . ففتح لأمير المؤمنين عليه السلام بصره . فرآهم في منتهى السماوات إلى الأرض يغسّلون النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم معه ، و يصلّون عليه معه و يحفرون له ، و اللّه ما حفر له غيرهم حتّى إذا وضع في قبره نزلوا مع من نزل فوضعوه ٣ .

قلت : الخبر ليس بالسند الّذي ذكر . ففي « باب ما يلقى إليهم عليهم السلام في ليلة القدر » من ( البصائر ) روى أوّلا خبرا بذلك السند . ثم روى خبرا عن أحمد بن

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه ابن المغازلي في مناقبه : ٩٣ ح ١٣٧ ، و أيضا الديلمي في الفردوس و عنه كنوز الحقائق ٢ : ١٧٥ ، و أما ابن بطة فلم يروه بل نقل السروي في مناقبه ١ : ٢٣٩ حديثا آخر عن أبانة ابن بطة ثم قال « و روي » فذكر هذا الحديث و الظاهر أن قوله « روي » بلفظ المجهول .

( ٢ ) رواه اليعقوبي في تاريخه ٢ : ١١٥ و النقل بتلخيص و فيه « كما قلتن في امّي » .

( ٣ ) شرح الخوئي ٦ : ٥٨ .

١٠٧

الحسن ، عن أحمد بن محمّد ، عن العباس بن حريش عن الجواد عليه السلام ثم قال « و بهذا الاسناد » و روى هذا الخبر ١ ، و هو كما ترى إشارة إلى الخبر الأخير لا الأوّل .

« و ما فارقت سمعي هينمة » أي : صوت خفي .

« منهم يصلّون عليه » روى ( الكافي ) عن أمير المؤمنين عليه السلام سمعت النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم في صحته و سلامته يقول : إنما انزلت آية : إنّ اللّه و ملائكته يصلّون على النبي ، يا أيّها الّذين آمنوا صلّوا عليه و سلّموا تسليما ٢ في الصلاة علي بعد قبض اللّه تعالى لي ٣ .

و في ( كامل الجزري ) : قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : ضعوني على سريري على شفير قبري . ثم اخرجوا عنّي ساعة ليصلّي علي جبرئيل و إسرافيل و ميكائيل و ملك الموت مع الملائكة ٤ .

و رواه الطبري عن ابن مسعود و زاد « قال : قلنا فمن يدخلك في قبرك يا نبيّ اللّه ؟ قال : أهلي مع ملائكة كثيرين يرونكم من حيث لا ترونهم » ٥ .

و قال ابن أبي الحديد : و صلّوا عليه إرسالا لا يؤمّهم أحد ، و قيل : إنّ عليّا عليه السلام أشار بذلك فقبلوه . و أنا أعجب من ذلك لأنّ الصلاة عليه صلّى اللّه عليه و آله و سلم كانت بعد بيعة أبي بكر فما الّذي منع من أن يتقدّم أبو بكر فيصلّي عليه إماما ٦ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) يوجد الحديث بهذا السند في البصائر : ٢٤٥ ح ١٧ ، كما رواه المجلسي و الخوئي و أمّا الحديث الثاني فهو قبل الحديث الاول في البصائر : ٢٦٢ و ٢٦٣ ح ١٢ و ١٤ ، بمتنين ، سند أحدهما أحمد بن محمّد عن الحسن بن العباس بن حريش ، و الآخر الحسن بن أحمد بن محمّد عن أبيه عن الحسن بن العباس بن حريش .

( ٢ ) الاحزاب : ٥٦ .

( ٣ ) الكافي ١ : ٤٥١ ح ٣٨ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٤ ) رواه ابن الاثير في الكامل ٢ : ٣٢٠ ، سنة ١١ ، و ايضا الطبري في تاريخه ٢ : ٤٣٥ ، سنة ١١ .

( ٥ ) تاريخ الطبري ٢ : ٤٣٦ ، سنة ١١ .

( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٤٣ .

١٠٨

قلت : كيف يصلّي عليه إماما ، و قد أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بصلاتهم عليه إرسالا قد رووا أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم سئل عمّن يصّلى عليه . فقال : « إذا غسّلتموني ،

و كفّنتموني ، فضعوني على سريري في بيتي هذا على شفير قبري . ثم اخرجوا عنّي ساعة . فإنّ أوّل من يصلّي علي جليسي و حبيبي و خليلي جبرائيل ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم ملك الموت مع جنوده من الملائكة . ثم ادخلوا علي فوجا فوجا فصلّوا علي و سلّموا إلى أن قال و ليبدأ بالصلاة علي رجال أهل بيتي ثم نساؤهم ثم أنتم بعد » و قد نقل الخبر ابن أبي الحديد نفسه في موضع آخر ١ .

و مع ذلك فعجبه في محله فحيث تخلف أبو بكر عن جيش اسامة و لم يقنع بذلك و تقدم إلى الصلاة في مكان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم حتّى يجعل ذلك وسيلة لتصديه الأمر حتّى خرج النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم مع شدّة مرضه و عدم قدرته على المشي مستقلا و أخّره ، كيف لم يصلّ عليه بعد بيعتهم له ؟ إلاّ أنّه يرفع العجب أنّه كان نال غرضه حينئذ ، و لم يبال بالصلاة عليه بعد ، و لئلاّ يطعن بمخالفته في ذلك أيضا .

و روى ( الكافي ) في باب مولد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن الباقر عليه السلام قال : لمّا قبض النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بات آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم بأطول ليلة حتّى ظنّوا أن لا سماء تظلّهم ،

و لا أرض تقلّهم لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و تر الأقربين و الأبعدين في اللّه . فبينما هم كذلك إذ أتاهم آت لا يرونه و يسمعون كلامه . فقال : « السلام عليكم أهل البيت و رحمة اللّه و بركاته . إنّ في اللّه عزاء من كلّ مصيبة ، و نجاة من كلّ هلكة ،

و دركا لما فات كلّ نفس ذائقة الموت ، و إنّما توفّون اجوركم يوم القيامة ،

فمن زحزح عن النار ، و ادخل الجنّة فقد فاز ، و ما الحياة الدنيا إلاّ متاع

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ١٩٠ ، شرح الخطبة ٢٣٣ .

١٠٩

الغرور ١ انّ اللّه اختاركم و فضّلكم و طهّركم ، و جعلكم أهل بيت نبيّه ،

و استودعكم علمه ، و اورثكم كتابه ، و جعلكم تابوت علمه ، و عصا عزّة ،

و ضرب لكم مثلا من نوره ، و عصمكم من الزلل ، و آمنكم من الفتن ، فتعزّوا بعزاء اللّه فإنّ اللّه لم ينزع منكم رحمته ، و لن يزيل عنكم نعمته ، فأنتم أهل اللّه عزّ و جلّ الّذين بهم تمّت النعمة إلى أن قال :

و قد قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و أكمل لكم الدين ، و بيّن لكم سبيل المخرج .

فلم يترك لجاهل حجّة ، فمن جهل أو تجاهل أو أنكر أو نسي أو تناسى فعلى اللّه حسابه ، و اللّه من وراء حوائجكم ، و أستودعكم اللّه ، و السلام عليكم » .

و سئل أبو جعفر عليه السلام ممّن أتاهم التعزية فقال : من اللّه تبارك و تعالى ٢ .

« حتى واريناه في ضريحه » في مسند أحمد بن حنبل عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال : لقد أعطيت في علي خمس خصال هي أحبّ إلىّ من الدنيا و ما فيها إلى أن قال :

و أمّا الرابعة : فساتر عورتي ، و مسلّمي إلى ربي ٣ .

و في ( الإرشاد ) : دخل أمير المؤمنين عليه السلام و العبّاس ، و ابنه الفضل ،

و اسامة بن زيد ليتولّوا دفن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم فنادت الأنصار من وراء البيت : يا علي انّا نذكرك اللّه ، و حقنا اليوم من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أن يذهب ، أدخل منّا رجلا يكون لنا به حظّ من مواراة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم فقال عليه السلام : ليدخل أوس بن خولي و كان بدريا فاضلا من بني عوف من الخزرج فلمّا دخل قال عليه السلام له : إنزل القبر . فنزل ، و وضع عليه السلام النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم على يديه ، و ولاّه في حفرته ، فلمّا حصل

ــــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ١٨٥ .

( ٢ ) اخرجه الكليني في الكافي ١ : ٤٤٥ ح ١٩ .

( ٣ ) رواه عن مسند أحمد ، ابن طاووس في الطرائف ١ : ١٥٧ ح ٢٤٦ ، و عن فضائل أحمد ، ابن أبي الحديد في شرحه ٢ : ٤٣١ ، شرح الخطبة ١٥٢ ، لكن لم يوجد في نسختنا من مسند أحمد .

١١٠

في الأرض قال عليه السلام له : اخرج فخرج ، و نزل عليه السلام القبر فكشف عن وجه النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و وضع خده على الأرض موجّها إلى القبلة على يمينه . ثم وضع عليه اللبن ، و أهال عليه التراب ١ .

و روى ابن أبي الحديد عند عنوان و من كلام له عليه السلام و هو يلي غسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم عنهم قريبا منه و قال : من تأمل هذه الأخبار علم ان عليا عليه السلام كان الاصل و الجملة و التفصيل في أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و جهازه . ألا ترى أنّ أوس بن خولي لا يخاطب أحدا من الجماعة غيره ، و لا يسأل غيره في حضور الغسل و النزول في القبر . قال : ثم انظر إلى كرم علي عليه السلام و سجاحة أخلاقه ،

و طهارة شيمته كيف لم يضنّ بمثل هذه المقامات الشريفة عن أوس ، و هو رجل غريب من الأنصار . فعرف له حقه ، و اطلبه بما طلبه فكم بين هذه السجيّة الشريفة و قول من قال : لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسّل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم إلاّ نساؤه ، و لو كان في ذلك المقام غيره من اولي الطباع الخشنة ،

و أرباب الفظاظة و الغلظة و قد سأل أوس ذلك ، لزجر و انتهر ، و رجع خائبا ٢ .

قلت : هل تستوي الظلمات و النور .

و قال ابن أبي الحديد أيضا : ثمّه نقلا عن الطبري روايته عن ابن مسعود في خبر بعد ذكر الغسل و الصلاة « قلنا فمن يدخلك قبرك يا رسول اللّه ؟ قال :

أهلي مع ملائكة كثيرة يرونكم و لا ترونهم » .

و قال ابن أبي الحديد : العجب لهم كيف لم يقولوا له في تلك الساعة « فمن يلي امورنا بعدك » لأنّ ولاية الأمر أهمّ من السؤال عن الدفن و عن كيفية الصلاة عليه ٣ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الارشاد ١٠١ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ١٩٣ ، شرح الخطبة ٢٣٣ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ١٩٠ ، شرح الخطبة ٢٣٣ ، و ما نقله عن تاريخ الطبري فهو فيه ٢ : ٤٣٦ ، سنة ١١ .

١١١

قلت : بل عيّن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم قبل من يلي امورهم في حجّة وداعه في صحته ، و أراد تجديده و تأكيده ذاك الوقت في مرضه فمنعه فاروقهم ، و قد نقل ابن أبي الحديد نفسه عن الطبري عن سعيد بن جبير قال : كان ابن عباس يقول : يوم الخميس و ما يوم الخميس ثم يبكي حتى تبل دموعه الحصباء .

فقلنا له و ما يوم الخميس ؟ قال : يوم اشتدّ بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم وجعه فقال : إئتوني باللوح و الدواة أو قال بالكتف و الدواة أكتب لكم ما لا تضلّون بعدي ،

فتنازعوا . فقال : « اخرجوا عنّي ، و لا ينبغي عند نبي ان يتنازع » قالوا : ما شأنه ؟

اهجر ؟ استفهموه ؟ فذهبوا يعيدون عليه . فقال : « دعوني فما أنا فيه خير مما يدعوني إليه » ١ .

و الطبري و ان أجمل القائل « أهجر » إلاّ انّ كاتب الواقدي و غيره صرّحوا في رواياتهم أنّ القائل « أهجر » عمر ، و رووا عنه إقراره بأنّه منع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم من الوصيّة ٢ لأنّه علم أنّه يريد أن يعيّن عليا و لم يكن صلاحا لإباء قريش عنه .

و قال ابن أبي الحديد : ثمه أيضا روت عمرة بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة عن عائشة قالت : ما علمنا بدفن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم حتّى سمعنا صوت المساحي في جوف الليل ليلة الأربعاء . و قال : فمن العجب كون عائشة و هو صلّى اللّه عليه و آله و سلم في بيتها لا تعلم بدفنه حتّى سمعت صوت المساحي ،

أتراها أين كانت ؟ قال : و قد سألت عن هذا جماعة . فقالوا : لعلّها كانت في بيت يجاور بيتها عندها نساء كما جرت عادة أهل الميت و تكون قد اعتزلت

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ١٩٠ ، شرح الخطبة ٢٣٣ ، و ما نقله عن تاريخ الطبري فهو فيه ٢ : ٤٣٦ ، سنة ١١ .

( ٢ ) اخرجه بلا تصريح باسم عمر الطبري في تاريخه ٢ : ٤٣٦ ، سنة ١٠ ، و جماعة اخرى ، و أخرجه مع تصريح البخاري في صحيحه ١ : ٣٢ ، و ٤ : ٧ و ٢٧١ ، و مسلم في صحيحه ٣ : ١٢٥٩ ح ٢٢ ، و جمع آخر و روى اعتراف عمر بمنعه ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ٩٧ ، شرح الخطبة ٢٢٦ .

١١٢

بيتها و سكنت ذلك البيت ١ .

قلت : بل الظاهر أنّها كأبيها و صاحبه أشفقت من بقاء الامّة بلا و ال فخلّت جنازته و كانت في تدبير ذلك معهما ، و كيف تصبر على أن لا تشاهد إلى ما يصير أمر أبيها ، و قد كانت في مرض النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بعثت إلى أبيها في صلاته بالناس عوض النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم .

« فمن ذا أحق به مني حيّا و ميّتا » من أحق بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم من أمير المؤمنين عليه السلام حيا و ميتا ، و قد قال عزّ و جلّ في محكم كتابه فيه خصوصا إنّما وليّكم اللّه و رسوله و الّذين آمنوا الّذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون ٢ و قال عزّ و جلّ و أنفسنا و أنفسكم ٣ و فيه و في أهل بيته المعصومين عموما إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا ٤ و قال تبارك اسمه قل لا أسألكم عليه أجرا إلاّ المودّة في القربى ٥ و قال رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم في المتواتر عنه بعد تقرير الناس بكونه أولى بهم من أنفسهم « أيّها الناس من كنت مولاه فعلي مولاه اللّهم و ال من والاه و عاد من عاداه » ٦ .

و من أحق به صلّى اللّه عليه و آله و سلم حيّا و ميّتا و قد قال سلمان و نقله ابن أبي الحديد في موضع آخر دخلت عليه صلّى اللّه عليه و آله و سلم صبيحة يوم قبل اليوم الذي مات فيه فقال

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ١٩٣ ، شرح الخطبة ٢٣٣ .

( ٢ ) المائدة : ٥٥ .

( ٣ ) آل عمران : ٦١ .

( ٤ ) الاحزاب : ٣٣ .

( ٥ ) الشورى : ٢٣ .

( ٦ ) حديث الغدير المتواتر أخرجه جمع كثير من أهل الحديث ، منها ما أخرجه ابن عساكر بطرق كثيرة في ترجمة علي عليه السلام ٢ : ٥ ٩٠ ح ٥٠٣ ٥٩٣ .

١١٣

لي : يا سلمان لا تسألني عمّا كابدته الليلة من الألم و السهر أنا و علي . فقلت : يا رسول اللّه ألاّ أسهر الليلة معك بدله . فقال : لا هو أحق بذلك منك ١ .

و قالت ام سلمة كما رواه أحمد بن حنبل في ( مسنده ) : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم يقول : أجاء علي ؟ مرارا أظنّه كان بعثه في حاجة ، فجاء بعد ذلك فظننت أنّ له إليه حاجة . فخرجنا من البيت . فقعدنا عند الباب فكنت أدنى إلى الباب . فأكبّ عليه علي عليه السلام فجعل يسارّه و يناجيه ، ثم قبض النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم في يومه ذلك ٢ .

و عن ( أربعين الخطيب ) في خبر طويل قال حذيفة : دخل علي عليه السلام على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و هو مريض ، فإذا رأسه في حجر رجل أحسن الخلق ،

و النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم نائم . فقال الرجل : ادن إلى ابن عمّك . فأنت أحق به منّي ، فوضع رأسه في حجره . فلمّا استيقظ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم سأله عن الرجل قال علي : كان كذا و كذا . فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : ذاك جبرئيل كان يحدّثني حتّى خفّ عنّي و جعي ٣ .

و في ( الطبري ) مسندا عن أبي رافع قال : لما قتل علي عليه السلام ( يوم احد ) أصحاب الألوية . أبصر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم جماعة من مشركي قريش . فقال لعليّ :

إحمل عليهم فحمل عليهم ، ففرّق جمعهم و قتل عمرو بن عبد اللّه الجمحي ،

ثم أبصر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم جماعة من مشركي قريش فقال لعلي : إحمل عليهم ،

فحمل عليهم ففرّق جماعتهم و قتل شيبة بن مالك أحد بني عامر بن لؤي .

فقال جبرئيل : يا رسول اللّه إنّ هذه للمواساة . فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله : إنّه منّي و أنا منه ، فقال جبرئيل : و أنا منكما . قال : فسمعوا صوتا : « لا سيف إلاّ ذو الفقار

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥٧١ ، شرح الخطبة ٢٠٠ .

( ٢ ) اخرجه أحمد في مسنده ٦ : ٣٠٠ ، و النقل بتصرف في اللفظ .

( ٣ ) رواه عن اربعين الخوارزمي السروي في مناقبه ٢ : ٢٣٧ ، و اخرجه ايضا الخوارزمي في مناقبه : ٨٣ .

١١٤

و لا فتى إلاّ علي » ١ .

و روى المرزباني : أنّ خزيمة بن ثابت ذا الشهادتين ( و قيل عبد اللّه بن سفيان الحرث بن عبد المطلب ) قال :

ما كنت أحسب هذا الأمر منصرفا

عن هاشم ثم منها عن أبي حسن

أ ليس أوّل من صلّى بقبلتهم

و أعرف الناس بالآثار و السنن

و آخر الناس عهدا بالنبيّ و من

جبريل عون له بالغسل و الكفن

من فيه ما فيهم لا يمترون به

و ليس في القوم ما فيه من الحسن

فما الّذي ردّكم عنه فنعلمه

ها إنّ بيعتكم من اغبن الغبن

و في لفظ : « ها إنّ بيعتكم في أوّل الفتن » ٢ .

و قال الحميري :

و كفاه تغسيله وحده أحمد

ميتا و وضعه في اللحد

و قال :

و من ذا تشاغل بالنبيّ و غسله

و رأى عن الدنيا بذاك عزاء

و قال العبدي :

من كان صنو النبي غير علي

من غسّل الطهر ثم واراه

و قال العوفي :

من غسّل المرسل و من أنزله

في لحده و عنه الدين قضى

و روى ابن سعد و هو من نصّابهم في ( طبقاته ) عن جابر ، أنّ كعب الأحبار قام زمن عمر فقال و نحن جلوس عند عمر : ما كان آخر ما تكلم به

ــــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٢ : ١٩٧ ، سنة ٣ .

( ٢ ) رواه عن المرزباني المفيد في الارشاد : ٢٢ ، و رواه ايضا المرتضى في الفصول المختارة ٢ : ٢١٦ ، و السروي في مناقبه ٣ : ١٩٦ ، بفرق .

١١٥

النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ؟ فقال عمر : سل عليّا . قال : أين هو ؟ قال : هو هنا . فسأله . فقال علي عليه السلام : أسندته إلى صدري فوضع رأسه على منكبي . فقال : الصلاة الصلاة ، فقال كعب كذلك آخر عهد الأنبياء و به امروا و عليه يبعثون . قال : فمن غسّله ؟ قال : سل عليّا . قال فسأله . فقال : كنت أنا اغسّله ، و كان عباس جالسا ،

و كان اسامة و شقران يختلفان إليّ بالماء ١ .

و روى أيضا عن عمر بن علي قال : قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم في مرضه : ادعوا لي أخي . قال : فدعي له علي . فقال : ادن منّي . قال : فدنوت منه . فاستند اليّ . فلم يزل مستندا إليّ و إنه ليكلّمني حتّى إنّ بعض ريق النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ليصيبني الخبر ٢ .

و من أحق به صلّى اللّه عليه و آله و سلم منه عليه السلام حيّا و ميّتا ، و قد قال صلّى اللّه عليه و آله و سلم في المستفيض : « أنا مدينة العلم و علي بابها . فمن أراد المدينة . فليأت من بابها » ٣ ،

و قد قال تعالى محيلا إلى بداهة العقول هل يستوي الّذين يعلمون و الّذين لا يعلمون إنّما يتذكر اولو الألباب ٤ .

ثم الغريب روايتهم أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أمر أبا بكر بالصلاة ، و جعلوا ذلك دليل إمامته ، فاستند إليه عمر في نصب أبي بكر جاعلا له فوق الإمامة خلافة الرسول ، فقال لأبي بكر : إنّ النبي اختارك لديننا بصلاتك بالناس . فكيف لا نرضاك لدنيانا بالإمامة لنا ، و هذا مع روايتهم أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أمر أبا بكر بخروجه في جيش اسامة ، و لعن المتخلّف ، فكيف أمره بالصلاة بالناس مع

ــــــــــــــــــ

( ١ ) طبقات ابن سعد ٢ ق ٢ : ٥١ .

( ٢ ) المصدر نفسه .

( ٣ ) اخرجه الحاكم في المستدرك ٣ : ١٢٦ و ١٢٧ ، و الكلابي في مسنده ، منتخبه : ٤٢٦ ح ٢ ، و البزّار في مسنده ، و الديلمي في الفردوس ، و عنهما ينابيع المودة : ٧٢ و ٢٨٢ ، و غيرهم .

( ٤ ) الزمر : ٩ .

١١٦

روايتهم أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال : ادعوا لي عليا فدعت عائشة و حفصة بأبويهما ،

فأعرض عنهما ١ و مع روايتهم أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله خرج بتلك الحال متّكئا على رجلين و صلّى بهم قاعدا ٢ .

و رووا في صلاة أبي بكر بالناس ما يبطل صدره ذيله ، و يكذّب آخره أوّله ، قال ابن أبي الحديد في عنوان « و من كلام له عليه السلام و هو يلي غسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم » : روى الأرقم ابن شرحبيل قال : سألت ابن عباس هل أوصى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم فقال : لا . قلت : فكيف كان فقال : إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال في مرضه ،

ابعثوا إلى علي فادعوه . فقالت عائشة : لو بعثت إلى أبي بكر ، و قالت حفصة : لو بعثت إلى عمر ، فاجتمعوا عنده هكذا لفظ الخبر على ما أورده الطبري في التاريخ و لم يقل : فبعث النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم إليهما .

قال ابن عباس فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : انصرفوا فإن تكن لي حاجة ابعث اليكم فانصرفوا ، و قيل للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم الصلاة ، فقال : مروا أبا بكر أن يصلّي بالناس . فقالت عائشة : ان أبا بكر رجل رقيق فمر عمر . فقال : مروا عمر . فقال :

عمر ما كنت لأتقدم و أبو بكر شاهد ، فتقدم أبو بكر ، فوجد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم خفّة فخرج . فلمّا سمع أبو بكر حركته تأخّر فجذب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم فأقامه مكانه و قعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم فقرأ حيث انتهى أبو بكر .

ثم قال ابن أبي الحديد : عندي في هذه الواقعة كلام و يعترضني فيها شكوك و اشتباه إذ كان قد أراد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أن يبعث إلى علي ليوصي إليه فنفست عائشة . فسألت أن يحضر أبوها ، و نفست حفصة عليه ، فسألت أن

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه السروي في مناقبه ١ : ٢٣٦ ، عن الطبري في الولاية و الدار قطني في سنته و السمعاني في الفضائل و أحمد في مسنده .

( ٢ ) اخرجه البخاري في صحيحه ١ : ١٢٢ و ١٢٦ ، و مسلم في صحيحه ١ : ٣١١ ح ٩٠ ، و غيرهما .

١١٧

يحضر أبوها ، ثم حضرا و لم يطلبا ، فلا شبهة أنّ ابنتيهما طلبتاهما ، هذا هو الظاهر و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و قد اجتمعوا عنده « إنصرفوا فإن تكن لي حاجة بعثت إليكم » قول من عنده ضجر و غضب باطن بحضورهما ، و تهمة للنساء في استدعائهما . فكيف يطابق هذا الفعل و هذا القول ما روي من انّ عائشة قالت : لمّا عيّن أبوها في الصلاة « إنّ أبي رجل رقيق فمروا عمر » ؟ و أين ذلك الحرص من هذا الاستعفاء و الاستقالة ؟ و هذا يوهم صحّة ما تقوله الشيعة من أنّ صلاة أبي بكر كانت عن أمر عائشة ، و ان كنت لا أقول بذلك ، و لا أذهب إليه إلاّ من تأمّل هذا الخبر ، و لمح مضمونه يوهم ذلك فلعل هذا الخبر غير صحيح .

قال ابن أبي الحديد : فإن قلت : لم قلت في صدر كلامك هذا : إنّه أراد أن يبعث إلى علي ليوصى إليه ، و لم لا يجوز أن يكون بعث إليه لحاجة له . قلت : لأنّ مخرج كلام ابن عباس هذا المخرج ، ألا ترى أنّ أرقم بن شرحبيل الرواي لهذا الخبر قال : سألت ابن عباس هل أوصى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ؟ فقال : لا . فقلت : فكيف كان ؟ فقال : إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال في مرضه : إبعثوا إلى علي فادعوه . فسألته المرأة أن يبعث إلى أبيها ، و سألته الاخرى أن يبعث إلى أبيها . فلو لا أنّ ابن عباس فهم من قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم « ابعثوا إلى علي فادعوه » أنّه يريد الوصية لما كان لأخبار الأرقم بذاك متّصلا بسؤاله عن الوصية معنى ١ .

قلت : لقد أجاد في كلامه ، ثم أيّ معنى لقراءة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم من حيث انتهى أبو بكر بعد عدم اقتداء النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم به كما تضمّنه خبرهم ؟ ثم أي استبعاد لصلاته بغير اذنه في مرضه مع صلاته بغير اذنه في صحته . روى مسلم و البخاري في ( صحيحيهما ) عن سهل الساعدي أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم . فجاءت الصلاة . فجاء المؤذن إلى

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ١٩١ ، شرح الخطبة ٢٣٣ ، و النقل بتصرف يسير .

١١٨

أبي بكر . فقال : تصلي بالناس فاقيم فقال : نعم . قال : فصلّى أبو بكر . فجاء النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم فخرق الصفّ حتى قام عند الصف المقدم فرجع أبو بكر القهقرى ١ ، و من أين ان مبادرة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم إلى المسجد ، و تأخير أبي بكر في الموضعين لا سيما في الأوّل الّذي كان في شدّة المرض للدلالة على عدم جواز الاقتداء به .

و من الغريب أنّ الجزري قال : و لمّا اشتد مرضه اذّنه بلال بالصلاة .

فقال : مروا أبا بكر يصلي بالناس ، قالت عائشة : فقلت : إنّه رجل رقيق ، و انّه متى يقوم مقامك لا يطيق ذلك ، فقال : مروا ابا بكر فيصلي بالناس فقلت مثل ذلك ،

فغضب و قال : إنكنّ صواحب يوسف ، مروا أبا بكر يصلي بالناس . فتقدم أبو بكر . فلمّا دخل في الصلاة وجد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم خفّة فخرج بين رجلين . فلمّا دنا من أبي بكر تأخّر أبو بكر فأشار إليه أن قم مقامك . فقعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم يصلّي إلى جنب أبي بكر جالسا ، فكان أبو بكر يصلّي بصلاة النبي ، و الناس يصلّون بصلاة أبي بكر و صلّى أبو بكر بالناس سبع عشرة صلاة و قيل : ثلاثة أيّام ثمّ انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم خرج في اليوم الّذي توفّي فيه إلى الناس في صلاة الصبح . فكاد الناس يفتتنون في صلاتهم فرحا بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم و تبسّم النبي فرحا لما رأى من هيئتهم في الصلاة ثم رجع ٢ .

فإن فيه مضافا إلى ما تقدم انّه أيّ ربط لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم « انّكن صواحبات يوسف » مع قول عائشة « إنّ أبا بكر رجل رقيق » و إنّما يناسب قول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ذاك مع ما في الخبر الأوّل أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أمر بإحضار

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه بطرق البخاري في صحيحه ١ : ١٢٥ و ٢٠٨ و ٢١١ و ٢١٤ ، و ٢ : ١١١ ، و ٤ : ٢٤٢ ، و مسلم في صحيحه ١ : ٣١٦ و ٣١٧ ح ١٠٢ ١٠٤ .

( ٢ ) رواه ابن الاثير في الكامل ٢ : ٣٢٢ ، سنة ١١ .

١١٩

أمير المؤمنين عليه السلام فبعثتا إلى أبويهما و أحضرتاهما .

و أيّ ربط بين قوله : « فوجد خفة » و قوله : « فخرج بين رجلين » بل بينهما تضاد ، ثم كيف أمر كرارا بأن يصلّي أبو بكر بالناس ثم لم يدعه بأن يتمّ صلاة واحدة بل يخرج بدخوله في الصلاة حتّى يتفرق خياله في الصلاة . إلى غير ذلك من المناقضات الّتي يفهمها كل من لم يكن ذا عصبيّة .

و إنّما الصحيح الّذي يشهد به أخبارهم بعد إسقاط متناقضاتها في تفصيل صلاة أبي بكر في مرض النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ما ذكره محمّد بن محمّد بن النعمان في ( إرشاده ) فقال : و كان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم إذ ذاك في بيت امّ سلمة .

فأقام به يوما أو يومين . فجاءت عائشة إليها تسألها أن تنقله إلى بيتها لتتولّى تعليله ، و سألت أزواج النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم في ذلك ، فأذنّ لها . فانتقل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم إلى البيت الّذي أسكنه عائشة ، و استمر به المرض فيه أيّاما ،

و ثقل فجاء بلال عند صلاة الصبح ، و النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم مغمور بالمرض . فنادى :

« الصلاة رحمكم اللّه » فاوذن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بندائه . فقال : يصلّى بالناس بعضهم فإنّي مشغول بنفسي . فقالت عائشة ، مروا أبا بكر ، و قالت حفصة : مروا عمر .

فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم حين سمع كلامهما و رأى حرص كل واحدة منهما على التنويه بأبيها و افتتنانهما بذلك ، و النبي حي : « اكففن فانّكن صويحبات يوسف » ثم قام صلّى اللّه عليه و آله و سلم مبادرا خوفا من تقدم أحد الرجلين و قد كان أمرهما بالخروج مع اسامة ، و لم بكن عنده أنّهما قد تخلّفا فلمّا سمع من عائشة و حفصة ما سمع ، علم أنّهما متأخران عن أمره . فبدر لكفّ الفتنة و إزالة الشبهة ، فقام صلّى اللّه عليه و آله و سلم و إنّه لا يستقلّ على الأرض من الضعف ، فأخذ بيده علي بن أبي طالب صلّى اللّه عليه و آله و سلم و الفضل بن العباس فاعتمد عليهما و رجلاه تخطّان الأرض من الضعف ، فلمّا خرج إلى المسجد وجد أبا بكر قد سبق إلى المحراب

١٢٠