بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة6%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 597

  • البداية
  • السابق
  • 597 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 44227 / تحميل: 5072
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

دويهية تصفرّ منها الأنامل ١ .

و قال ابن ميثم : « بعد اللتيا و الّتي : مثل ، و أصله أنّ رجلا تزوّج امرأة قصيرة سيّئة الخلق . فقاسى منها شدائد . فطلّقها ، و تزوّج طويلة . فقاسى منها أضعاف ما قاسى من القصيرة فطلّقها ، و قال بعد اللتيا و الّتي لا أتزوّج أبدا فصار ذلك مثلا » ٢ . قلت : لم يذكر ذلك أمثال العسكري ، و لا الميداني ٣ ، و لا أدري من أين نقله .

و كما خصّت اللتيا بإبقاء فتحها كترك صلة لها كذلك بعدم ذكرها إلاّ مع الّتي كما في كلامه عليه السلام هنا ، و كما في كلام سيّدة النساء صلوات اللّه عليها في احتجاجها على أبي بكر في فدك « فأنقذكم اللّه تعالى بنبيه صلّى اللّه عليه و آله و سلم بعد اللتيا و الّتي ، و بعد أن مني ببهم الرجال » ٤ . و كما في قول شاعر :

بعد اللتيا و اللّتيا و التي

إذا علتها أنفس تردّت

أيضا :

و لقد رأيت نأى العشيرة كلّها

و كفيت جانبها اللتيا و التي

و من الأخير يعلم أنّ ذكر « بعد » قبل اللّتيّا و الّتي ليس بلازم و إن كان كثيرا .

هذا و في ( اللسان ) : « و تصغير الّتي و اللاتي و اللات اللتيّا . و اللّتيا بالفتح و التشديد . قال العجّاج :

دافع عني بنفير موتتي

بعد اللتيا و اللتيا و الّتي

ــــــــــــــــــ

( ١ ) لسان العرب ١٥ : ٢٤٠ ، مادة ( لتا ) .

( ٢ ) شرح ابن ميثم ١ : ٢٧٩ .

( ٣ ) ذكر المثل العسكري في جمهرة الامثال : ٦٠ ، و الميداني في مجمع الامثال ١ : ٩٢ ، و ذكر الميداني القصة أيضا .

( ٤ ) رواه عن سقيفة الجوهري الاربلي في كشف الغمة ٢ : ١١١ ، و غيره .

٤٢١
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الرابع الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

اذا علتها أنفس تردّت » ١ « و اللّه لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي امّه » كان عليه السلام متفردا بهذا الكلام كما بقوله « لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا » ٢ قلنا : إنّه عليه السلام متفرد بذلك لأنّ الأخبار وردت بأنّ الأنبياء من آدم الّذي وهب مقدارا من عمره لداود إلى غيره حتّى ابراهيم عليه السلام الّذي كان أشرف اولي العزم كانوا مستوحشين من الموت . ففي الخبر لمّا هبط ملك الموت لقبض روح ابراهيم عليه السلام قال له : أداع أم ناع ؟ قال : بل ناع . فقال : هل رأيت خليلا يميت خليله ؟ فقال : إلهي قد سمعت ما قال خليلك . فقال تعالى : قل له : هل رأيت حبيبا يكره لقاء حبيبه ؟ إنّ الحبيب يحبّ لقاء حبيبه ٣ .

و أمّا قصّة آدم . فروى ( الكافي ) عن عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام في خبر أنّ ابن شبرمة القاضي قال له : ما تقول في شي‏ء سألني عنه الأمير أي عيسى بن موسى العباسي فلم يكن عندي فيه شي‏ء . فقال : و ما هو ؟ قال :

سألني عن أوّل كتاب كتب في الأرض قال : نعم إنّ اللّه عزّ و جلّ عرض على آدم عليه السلام ذريّته عرض العين في صور الذرّ نبيّا فنبيّا ، و ملكا فملكا و مؤمنا فمؤمنا ، و كافرا فكافرا ، فلمّا انتهى إلى داود عليه السلام قال : من هذا الّذي نبّيته ،

و كرّمته ، و قصّرت عمره ؟ فأوحى إليه : هذا ابنك داود ، عمره أربعون سنة ،

و إنّي كتبت الآجال ، و قسمت الأرزاق ، و أنا أمحو ما أشاء ، و أثبت و عندي امّ الكتاب . فإن جعلت له شيئا من عمرك ألحقته له . قال : يا ربّ قد جعلت له من عمري ستّين سنة تمام المئة . فقال عزّ و جلّ لجبرئيل و ميكائيل ، و ملك الموت :

ــــــــــــــــــ

( ١ ) لسان العرب ١٥ : ٤٤٦ ، مادة ( لتا ) ، و النقل بتصرف .

( ٢ ) رواه الجاحظ في مائة كلمة ، و شرحه لابن ميثم : ٥٢ ، و الخوارزمي في مناقبه : ٢٧١ ، و غيرهما .

( ٣ ) أخرجه الصدوق في علل الشرائع ١ : ٣٦ ح ٩ ، و في اماليه : ١٦٤ ح ١ ، المجلس ٣٦ ، و النقل بتخليص .

٤٢٢

اكتبوا عليه كتابا فإنّه سينسى . فكتبوا عليه كتابا و ختموه بأجنحتهم من طينة عليين . فلمّا حضرت آدم الوفاة أتاه ملك الموت . فقال له آدم : ما جاء بك ؟ قال :

لأقبض روحك . قال : قد بقي من عمري ستّون سنة . فقال : إنّك جعلتها لابنك داود ، و نزل عليه جبرئيل و أخرج له الكتاب . قال أبو عبد اللّه عليه السلام : فمن أجل ذلك إذا خرج الصك على المديون ذلّ ، فقبض روحه ١ .

و أمّا هو عليه السلام فروى نصر بن مزاحم في ( صفّينه ) مسندا عن حبّة العرني قال : لمّا نزل علي عليه السلام الرقّة بمكان يقال له بليخ على جانب الفرات ، نزل راهب من صومعته . فقال لعليّ عليه السلام : إنّ عندنا كتابا توارثناه عن آبائنا كتبه عيسى بن مريم عليه السلام أعرضه عليك ؟ قال : نعم فما هو ؟ قال هو : « بسم اللّه الرحمن الرحيم الّذي قضى في ما قضى ، و سطر في ما سطر أنّه باعث في الاميين رسولا منهم يعلّمهم الكتاب و الحكمة ، و يدلّهم على السبيل لا فظ و لا غليظ ، و لا صخّاب في الأسواق ، و لا يجزي بالسيّئة السيئة ، و لكن يعفو و يصفح ، امّته الحمّادون الذين يحمدون اللّه على كلّ نشز ، و في كلّ صعود و هبوط . تذلّ ألسنتهم بالتهليل و التكبير . ينصره اللّه على كلّ من ناواه . فإذا توفّاه اختلفت امّته ثم اجتمعت ، فلبثت بذلك ما شاء اللّه ، ثم اختلفت ، فيمرّ رجل من امّته بشاطئ هذا الفرات . يأمر بالمعروف ، و ينهى عن المنكر ، و يقضي بالحقّ ، و لا يرتشي في الحكم ، الدّنيا أهون عليه من الرّماد في يوم عصفت فيه الريح ، و الموت أهون عليه من شرب الماء على الظمأ » الخبر ٢ .

و مثله عليه السلام كانت سيّدة النساء صلوات اللّه عليها ففي ( طبقات كاتب الواقدي ) عن عائشة قالت : إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم دعا ابنته فاطمة في وجعه الّذي

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه الكليني في الكافي ٧ : ٣٧٨ ح ١ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) وقعة صفين : ١٤٧ ، و النقل بتصرف يسير .

٤٢٣

توفّي فيه . فسارّها بشي‏ء . فبكت ، ثم دعاها فسارّها فضحكت . قالت فسألتها عن ذلك . فقالت : أخبرني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم أنّه يقبض في وجعه هذا فبكيت . ثم أخبرني أنّي أوّل أهله لحاقا به فضحكت ١ .

و كذلك كان باقى أئمّتنا عليهم السلام و في ( اعتقادات الصدوق ) : قال الحسين عليه السلام يوم الطف لبعض أصحابه و كان تعجب من عدم مبالاته بالموت : ما الموت إلاّ قنطرة تعبر بكم عن البؤس و الضرّ ، إلى الجنان الواسعة و النعيم الدائم ٢ .

و فيه : و قال السجاد عليه السلام : الموت للمؤمن كنزع ثياب و سخة قملة . و فكّ قيود و أغلال ثقيلة ، و الاستبدال بأفخر الثياب و أطيبها روائح ، و أوطأ المراكب ،

و آنس المنازل الخبر ٣ .

هذا و قيل في مدح الموت أشعار كثيرة منها :

و ما الموت إلاّ راحة غير أنّها

من المنزل الفاني إلى المنزل الباقي

أيضا :

جزى اللّه عنّا الموت خيرا فإنّه

أبرّ بنا من كلّ برّ و أرأف

يعجّل تخليص النفوس من الأذى

و يدني من الدار الّتي هي أشرف

أيضا :

قد قلت إذ مدحوا الحياة فأسرفوا

في الموت ألف فضيلة لا تعرف

منها أمان لقاءه بلقائه

و فراق كلّ معاشر لا ينصف

أيضا :

من كان يرجوا أن يعيش فإنّني

أصبحت أرجو أن أموت فأعتقا

ــــــــــــــــــ

( ١ ) طبقات ابن سعد ٢ ق ٢ : ٣٩ .

( ٢ ) الاعتقادات للصدوق : ١٥ .

( ٣ ) الاعتقادات للصدوق : ١٥ .

٤٢٤

في الموت ألف فضيلة لو أنّها

عرفت لكان سبيله أن يعشقا

أيضا :

نحن و اللّه في زمان غشوم

لو رأيناه في المنام فزعنا

أصبح الناس فيه من سوء حال

حقّ من مات منهم أن يهنّا

« بل اندمجت » أي : انطويت .

« على مكنون علم » أي : مصونه و مستوره عن العامّة .

« لو بحت به » أي : أظهرته من باح الرجل بسرّه أظهره .

« لاضطربتم اضطراب الأرشية » الأرشية جمع الرشاء : حبل يستقى به من البئر ، و الرشوة قيل إنّها من هذا لأنّه يتوصّل بها إلى الحاجة كما يتوصل بالحبل إلى الماء ، و قيل : إنّها من رشا الفرخ إذا مدّ رأسه إلى امّه لتزقّه .

« في الطويّ البعيدة » أي : في البئر العميقة ، و بحسب ازدياد العمق يزداد اضطراب الحبل .

كان هو عليه السلام و أهل بيته ، و خواص شيعته يكتمون كثيرا ممّا يعلمون عن كثير من الناس لعدم استعدادهم لفهمه . و في كتاب سليم بن قيس : قال أمير المؤمنين عليه السلام : لو حدّثت عامّة شيعتي الذين سمّوني أمير المؤمنين و استحلوا جهاد من خالفني ببعض ما أعلم ممّا نزل به جبرئيل عليه السلام و سمعته من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم لتفرّقوا عنّي حتّى أبقى في عصابة حقّ قليلة إنّ أمرنا صعب مستصعب ، لا يعرفه و لا يقرّ به إلاّ ثلاثة : ملك مقرّب ، أو نبيّ مرسل ، أو عبد مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان ١ .

و عن السجاد عليه السلام كما في ( فواتح الميبدي ) ثم ( وافي الكاشاني ) ، و إن نسبها الخطيب إلى العتابي :

ــــــــــــــــــ

( ١ ) كتاب سليم بن قيس : ٦٩ ، و النقل بتصرف .

٤٢٥

إنّي لأكتم من علمي جواهره

كيلا يرى الحقّ ذو جهل فيفتتنا

و قد تقدّم في هذا أبو حسن

إلى الحسين و وصّى قبله الحسنا

و ربّ جوهر علم لو أبوح به

لقيل لي أنت ممّن يعبد الوثنا

و لا ستحلّ رجال مسلمون دمي

يرون أقبح ما يأتونه حسنا ١

و في ( الحلية ) عن أبي داود قال : كنّا يوما عند شعبة و في البيت جراب معلّق في السقف . فقال : أترون ذلك الجراب ؟ و اللّه لقد كتبت فيه عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن علي كرّم اللّه وجهه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ما لو حدّثتكم به لرقصتم ، و اللّه لا حدّثتكموه ٢ .

و في ( الكافي ) : قيل لأبي جعفر الباقر عليه السلام أنّ الحسن البصري يزعم أنّ الّذين يكتمون العلم يؤذي ريح بطونهم أهل النار . فقال عليه السلام : فهلك إذن مؤمن آل فرعون . ما زال العلم مكتوما منذ بعث اللّه نوحا ، فليذهب الحسن يمينا و شمالا فو اللّه ما يوجد العلم إلاّ ها هنا ٣ .

و في ( عيون القتيبي ) : قال سلمان : لو حدّثت الناس بكلّ ما أعلم لقالوا :

رحم اللّه قاتل سلمان ٤ .

و في ( رجال الكشّي ) عن الصادق عليه السلام قال سلمان في خطبته : أيّها الناس اسمعوا من حديثي ، ثم اعقلوه عنّي . قد اوتيت من العلم كثيرا ، و لو أخبرتكم بكلّ ما أعلم لقالت طائفة : إنّه لمجنون ، و قالت طائفة : اللّهمّ اغفر لقاتل سلمان . ألا إنّ لكم منايا تتبعها بلايا . فإنّ عند علي عليه السلام علم المنايا و علم

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه الميبدي في الفواتح ، مخطوط ، و الكاشاني في المحجة البيضاء ١ : ٦٥ ، و الشبراوي في الإتحاف : ١٣٨ ، و الآلوسي في روح المعاني ٦ : ١٩٠ ، عن السجّاد عليه السلام ، و رواه الخطيب في تاريخ بغداد ١٢ : ٤٨٩ ، عن العتابي .

( ٢ ) حلية الأولياء ٧ : ١٥٧ .

( ٣ ) الكافي ١ : ٥١ ، ١٥ .

( ٤ ) عيون الأخبار ٢ : ١٢٧ .

٤٢٦

الوصايا ، و فصل الخطاب على منهاج هارون بن عمران . قال له النبي عليه السلام : أنت وصيّي و خليفتي في أهلي بمنزلة هارون من موسى ، و لكنكم أصبتم سنّة الأوّلين ، و أخطأتم سبيلكم ، و الّذي نفس سلمان بيده لتركبنّ طبقا عن طبق ،

سنّة بني اسرائيل القذّة بالقذّة ، أما و اللّه لو ولّيتموها عليّا لأكلتم من فوقكم و من تحت أرجلكم . فأبشروا بالبلاء . و اقنطوا من الرجاء ، و أنذرتكم على سواء ، و انقطعت العصمة فيما بيني و بينكم من الولاء الخبر ١ .

و في ( استيعاب ابن عبد البر ) : سئل علي عليه السلام عن أبي ذر . فقال : ذاك رجل وعى علما عجز عنه الناس ، ثم أوكأ عليه و لم يخرج شيئا منه ٢ .

و روى المرتضى في ( شافيه ) : أنّ الشعبي كان يقول : كان عند عبد اللّه بن عباس دفائن علم يعطيها أهله ، و يصرفها عن غيرهم ، و كان حذيفة يقول : كان أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم يسألونه عن الخير ، و أنا أسأله عن الشرّ مخافة أن أقع فيه ، و كان يقول : لو كنت على شاطئ نهر ، و قد مددت يدي لاغترف . فحدّثتكم بكل ما اعلم ما وصلت يدي إلى فمي حتّى اقتل ٣ .

و روى الخطيب عن عيسى بن يونس قال : حدّثنا الأعمش بأربعين حديثا فيها ضرب الرقاب لم يشركني فيها غير محمّد بن إسحاق ربما قال الأعمش لمحمّد بن إسحاق : من معك ؟ فيقول : عيسى بن يونس . فيقول : أدخلا و أجيفا الباب ، و كان يسأله عن حديث الفتن ٤ .

قلت : و هل تحتمل أن يكون حديث : لو حدّثهم سلمان لقالوا : رحم اللّه قاتله ، و لو حدّثهم حذيفة ما أمهلوه حتّى يشرب ماءه الّذي اغترفه من

ــــــــــــــــــ

( ١ ) اختيار معرفة الرجال : ٢١ .

( ٢ ) الاستيعاب ٤ : ٦٤ .

( ٣ ) لم أظفر به في مظانه في الشامن .

( ٤ ) رواه الخطيب في تاريخ بغداد ١١ : ١٥٣ ، و النقل بتصرف يسير .

٤٢٧

النهر ليشربه ، و لو حدّثهم الأعمش كان فيه ضرب الرقاب ، إلاّ بطلان أمر الأوّلين ؟ كيف لا و كان مالك بن نويرة قد خاطب خالد بن الوليد في التعبير عن أبي بكر بصاحبك . فقتله خالد لذلك ، و معاوية و من بعده من خلفاء بني اميّة لا يمهلون أحدا يتفوّه بإنكار خلافتهم حفظا لسلطنتهم ،

و كذلك العباسيّة ، و قد خوّف معاوية الحسن عليه السلام لمّا قال : إنّ قريشا آثروا علينا بأنّك صرّحت بتهمة أبي بكر الصدّيق ، و عمر الفاروق و أبي عبيدة الأمين .

و لقد صدق عليه السلام في أنّه اندمج على مكنون علم لو باح به لمن كان ميله إليه عمّه و غيره اضطربوا اضطراب الارشية في الطويّ البعيدة .

فكيف كانوا يخلّونه عليه السلام يتصدّى للأمر مع أنّه بعد مضيّ ثلاثة منهم ، و بعد ما قاسوا من ثالثهم حتّى اضطروا إلى قتله دفعا لشرّه بتسليطه بني اميّة على الناس ، و أخذهم مال اللّه دولا ، و عباده خولا ، و بعد بيعة العامة له عليه السلام بتلك الكيفية حتّى شقّوا من الشوق و الولع إلى بيعته عطفيه ،

و وطؤا الحسنين عليه السلام ما تركوه و الناس بل نكثت طائفة منهم ، و قسطت اخرى ، و مرقت ثالثة حتّى قتلوه و خضبوا لحيته من رأسه . و كان عليه السلام عالما بجميع ذلك كما يعلم من أخباره عليه السلام بخصوصيات ما يتّفق قبل وقوعها في الجمل و صفّين و النهروان . فقد أخبر في النهروان بأنّه لا يقتل من أصحابه عشرة ، و لا يفلت من المارقة عشرة ، و ان مصارعهم دون النطفة و كون شيطان الردهة ذي الثديّة فيهم حتّى أنّهم لمّا قالوا له لا نجده فيهم قال عليه السلام : ما كذبت و لا كذبت ، و قام بنفسه حتّى أخرجه من تحت قتلاهم ١ إلى غير ذلك .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه المسعودي في مروج الذهب ٢ : ٤٠٥ و ٤٠٦ ، و غيره .

٤٢٨

١٩

من الخطبة ( ٢٦ ) و منها :

فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ لِي مُعِينٌ إِلاَّ أَهْلُ بَيْتِي فَضَنِنْتُ بِهِمْ عَنِ اَلْمَوْتِ وَ أَغْضَيْتُ عَلَى اَلْقَذَى وَ شَرِبْتُ عَلَى اَلشَّجَا وَ صَبَرْتُ عَلَى أَخْذِ اَلْكَظَمِ وَ عَلَى أَمَرَّ مِنْ طَعْمِ اَلْعَلْقَمِ من الخطبة ( ١٧٠ ) منها :

وَ قَدْ قَالَ قَائِلٌ إِنَّكَ عَلَى هَذَا اَلْأَمْرِ يَا ؟ اِبْنَ أَبِي طَالِبٍ ؟ لَحَرِيصٌ فَقُلْتُ بَلْ أَنْتُمْ وَ اَللَّهِ لَأَحْرَصُ وَ أَبْعَدُ وَ أَنَا أَخَصُّ وَ أَقْرَبُ وَ إِنَّمَا طَلَبْتُ حَقّاً لِي وَ أَنْتُمْ تَحُولُونَ بَيْنِي وَ بَيْنَهُ وَ تَضْرِبُونَ وَجْهِي دُونَهُ فَلَمَّا قَرَّعْتُهُ بِالْحُجَّةِ فِي اَلْمَلَإِ اَلْحَاضِرِينَ هَبَّ كَأَنَّهُ بُهِتَ لاَ يَدْرِي مَا يُجِيبُنِي بِهِ اَللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَعْدِيكَ عَلَى ؟ قُرَيْشٍ ؟ وَ مَنْ أَعَانَهُمْ فَإِنَّهُمْ قَطَعُوا رَحِمِي وَ صَغَّرُوا عَظِيمَ مَنْزِلَتِيَ وَ أَجْمَعُوا عَلَى مُنَازَعَتِي أَمْراً هُوَ لِي ثُمَّ قَالُوا أَلاَ إِنَّ فِي اَلْحَقِّ أَنْ تَأْخُذَهُ وَ فِي اَلْحَقِّ أَنْ تَتْرُكَهُ من الخطبة ( ٢١٥ ) و من كلام له عليه السلام :

اَللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَعْدِيكَ عَلَى ؟ قُرَيْشٍ ؟ وَ مَنْ أَعَانَهُمْ فَإِنَّهُمْ قَدْ قَطَعُوا رَحِمِي وَ أَكْفَئُوا إِنَائِي وَ أَجْمَعُوا عَلَى مُنَازَعَتِي حَقّاً كُنْتُ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِي وَ قَالُوا أَلاَ إِنَّ فِي اَلْحَقِّ أَنْ تَأْخُذَهُ وَ فِي اَلْحَقِّ أَنْ تُمْنَعَهُ فَاصْبِرْ مَغْمُوماً أَوْ مُتْ مُتَأَسِّفاً فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ لِي رَافِدٌ وَ لاَ ذَابٌّ وَ لاَ مُسَاعِدٌ إِلاَّ أَهْلَ بَيْتِي فَضَنَنْتُ بِهِمْ عَنِ اَلْمَنِيَّةِ فَأَغْضَيْتُ عَلَى اَلْقَذَى

٤٢٩

وَ جَرِعْتُ رِيقِي عَلَى اَلشَّجَا وَ صَبَرْتُ مِنْ كَظْمِ اَلْغَيْظِ عَلَى أَمَرَّ مِنَ اَلْعَلْقَمِ وَ آلَمَ لِلْقَلْبِ مِنْ وَخْزِ اَلشِّفَارِ و قد مضى هذا الكلام في أثناء خطبة متقدمة إلا أني ذكرته هاهنا لاختلاف الروايتين من الكتاب ( ٣٦ ) في كتابه عليه السلام إلى عقيل :

فَدَعْ عَنْكَ ؟ قُرَيْشاً ؟ وَ تَرْكَاضَهُمْ فِي اَلضَّلاَلِ وَ تَجْوَالَهُمْ فِي اَلشِّقَاقِ وَ جِمَاحَهُمْ فِي اَلتِّيهِ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى حَرْبِي كَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى حَرْبِ ؟ رَسُولِ اَللَّهِ ص ؟ قَبْلِي فَجَزَتْ ؟ قُرَيْشاً ؟ عَنِّي اَلْجَوَازِي فَقَدْ قَطَعُوا رَحِمِي وَ سَلَبُونِي سُلْطَانَ اِبْنِ أُمِّي أقول : الأصل في الثلاثة الاولى هو كتاب كتبه عليه السلام للناس ليخطب به عبيد اللّه بن أبي رافع لمّا سأله الناس عن قوله في أبي بكر و عمر و عثمان بعد فتح معاوية لمصر ، و قتله محمّد بن أبي بكر . شرح عليه السلام في كتابه ذاك الأمر من بعثة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم إلى وفاته ، و أيام أبي بكر و عمر و عثمان . ثم بيعة الناس له .

ثم قيام الناكثة والقاسطة و المارقة عليه . ثم غارات معاوية ، و خذلان الناس له .

و العناوين الثلاثة الأول كلامه عليه السلام من ذاك الكتاب في بيان حال قريش يوم الشورى ، و اتّفاقهم على صرف الأمر عنه عليه السلام إلى عثمان . ذكر ذاك الكتاب الثقفي في ( غاراته ) ، و القتيبي في ( خلفائه ) ، و الكليني في ( رسائله ) . و ابن رستم الطبري في ( مسترشده ) ١ .

قال الثقفي و القتيبي في جملة نقلهما الكتاب « فجعلني الثاني سادس ستّة . فما كانوا لولاية أحد أشد كراهية منهم لولايتي عليهم فكانوا يسمعوني

ــــــــــــــــــ

( ١ ) جاء في الغارات للثقفي ١ : ٣٠٢ ، و الإمامة و السياسة ١ : ١٥٤ ، و رسائل الكليني ، عنه كشف المحجة : ١٧٤ .

٤٣٠

عند وفاة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم احاجّ أبا بكر و أقول : يا معشر قريش إنّا أهل البيت أحقّ بهذا الأمر منكم ما كان فينا من يقرأ القرآن و يعرف السنّة ، و يدين دين الحق . فخشي القوم إن أنا ولّيت عليهم ألاّ يكون لهم في الأمر نصيب ما بقوا .

فأجمعوا إجماعا واحدا فصرفوا الولاية عنّي الى عثمان ، و أخرجوني منها رجاء أن ينالوها و يتداولوها ، إذ يئسوا أن ينالوها من قبلي . ثم قالوا : هلمّ فبايع و إلاّ جاهدناك . فبايعت مستكرها ، و صبرت محتسبا . فقال قائلهم : يا ابن أبي طالب إنّك على هذا الأمر لحريص . فقلت : أنتم أحرص منّي و أبعد . أأنا أحرص اذا طلبت تراثي ، و حقّي الّذي جعلني اللّه و رسوله أولى به ، أم أنتم ؟

تضربون وجهي دونه ، و تحولون بيني و بينه . فبهتوا ، و اللّه لا يهدي القوم الظالمين . اللّهمّ إنّي أستعديك على قريش . فإنّهم قطعوا رحمي و أصغوا إنائي ،

و صغّروا عظيم منزلتي ، و أجمعوا على منازعتي حقّا كنت أولى به منهم فسلبونيه . ثم قالوا : ألاّ إنّ في الحق أن تأخذه و في الحق أن تمنعه . فاصبر كمدا متوخما . أو مت متأسفا حنقا . فنظرت فإذا ليس معي رافد و لا ذابّ و لا مساعد إلاّ أهل بيتي . فضننت بهم عن الهلاك . فأغضيت على القذى ، و تجرّعت ريقي على الشجا ، و صبرت من كظم الغيظ على امرّ من العلقم و في الأوّل آلم للقلب من حزّ الشفار و في الثاني و آلم للقلب من حزّ الحديد .

و قال محمّد بن يعقوب « و لم يكونوا لولاية أحد منهم أكره منهم لولايتي . كانوا يسمعون و أنا احاجّ أبا بكر و أقول : يا معشر قريش أنا أحقّ بهذا الأمر منكم . ما كان منّا من يقرأ القرآن و يعرف السنّة ، و يدين دين اللّه الحق ، و إنّما حجّتي أنّي وليّ هذا الأمر من دون قريش ، أنّ نبيّ اللّه قال « الولاء لمن أعتق » فجاء الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم بعتق الرقاب من النار ، و أعتقها من الرقّ . فكان للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم ولاء هذه الامّة ، و كان لي بعده ما كان له . فما جاز لقريش من

٤٣١

فضلها عليها بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم جاز لبني هاشم على قريش ، و جاز لي على بني هاشم بقول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم يوم غدير خم « من كنت مولاه فهذا علي مولاه » إلاّ أن تدّعي قريش فضلها على العرب بغير النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم فإن شاءوا فليقولوا ذلك فخشى القوم إن أنا ولّيت عليهم أن آخذ بأنفاسهم ، و اعترض في حلوقهم ، و لا يكون لهم في الأمر نصيب . فأجمعوا علي إجماع رجل واحد منهم حتّى صرفوا الولاية عنّي إلى عثمان رجاء أن ينالوها و يتداولوها فيما بينهم .

فبيناهم كذلك إذ نادى مناد لا يدرى من هو ، و أظنّه جنيّا فأسمع أهل المدينة ليلة بايعوا عثمان . فقال :

يا ناعي الاسلام قم فانعه

قد مات عرف و بدا منكر

ما لقريش لا علا كعبها

من قدّموا اليوم و من أخّروا

إنّ عليّا هو أولى به

منه فولّوه و لا تنكروا

فكان لهم في ذلك عبرة ، و لو لا أنّ العامّة قد علمت بذلك لم أذكره فدعوني إلى بيعة عثمان ، فبايعت مستكرها ، و صبرت محستبا ، و علّمت أهل القنوت أن يقولوا : « اللّهمّ لك أخلصت القلوب ، و إليك شخصت الأبصار و أنت دعيت بالألسن ، و إليك تحوكم في الأعمال . فافتح بيننا و بين قومنا بالحق .

اللهم إنّا نشكوا اليك غيبة نبيّنا ، و كثرة عدوّنا ، و قلّة عددنا ، و هواننا على الناس ،

و شدّة الزمان ، و وقوع الفتن بنا . اللّهمّ ففرّج ذلك بعدل تظهره ، و سلطان حق تعرفه » .

فقال عبد الرحمن بن عوف : يا ابن أبي طالب إنّك على هذا الأمر لحريص .

فقلت : لست عليه حريصا . إنّما أطلب ميراث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و حقّه ، و أنّ ولاء أمّته لي من بعده ، و أنتم أحرص عليه منّي إذ تحولون بيني و بينه ، و تصرفون وجهي دونه بالسيف . اللّهمّ إنّي أستعديك على قريش . فإنّهم قطعوا رحمي ،

٤٣٢

و أضاعوا أيّامي ، و دفعوا حقّي ، و صغّروا قدري ، و عظيم منزلتي ، و أجمعوا على منازعتي حقّا كنت أولى به منهم فاستلبونيه ثم قالوا : إصبر مغموما أو مت متأسّفا . و ايم اللّه لو استطاعوا أن يدفعوا قرابتي كما قطعوا سببي فعلوا ،

و لكنّهم لا يجدون إلى ذلك سبيلا إلى أن قال :

فقال ( لي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ) : يا ابن أبي طالب لك ولاء امّتي . فإن ولّوك في عافية و أجمعوا عليك بالرضا فقم بأمرهم . و إن اختلفوا عليك فدعهم و ما هم فيه . فإنّ اللّه سيجعل لك مخرجا . فنظرت فإذا ليس لي رافد ، و لا معي مساعد ، إلاّ أهل بيتي ، فضننت بهم عن الهلاك ، و لو كان لي بعد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم عمّي حمزة ، و اخي جعفر ، لم ابايع كرها ، و لكنّني بليت برجلين حديثي عهد بالاسلام العباس و عقيل . فأغضيت عيني على القذى ، و تجرّعت ريقي على الشجا ، و صبرت على أمرّ من العلقم و آلم للقلب من حزّ الشفار . و مثله قال ابن رستم الطبري مع اختلاف يسير .

و أما العنوان الرابع فذكره ابن قتيبة في جواب كتاب أخيه عقيل ، و قد كان وصل إليه كتابه في الطريق لمّا شخص عليه السلام من المدينة إلى البصرة .

و في كتاب عقيل إليه عليه السلام و انّي خرجت معتمرا فلقيت عائشة معها طلحة و الزبير و ذووهما و هم متوجّهون إلى البصرة . قد أظهروا الخلاف ،

و نكثوا البيعة ، و ركّبوا عليك قتل عثمان ، و تبعهم على ذلك كثير من الناس من طغاتهم و أوباشهم . ثم مرّ عبد اللّه بن أبي سرح في نحو من أربعين راكبا من أبناء الطلقاء من بني اميّة . فقلت لهم و عرفت المنكر في وجوههم أ بمعاوية تلحقون عداوة للّه ، و اللّه إنّها منكم ظاهرة غير مستنكرة تريدون بها اطفاء نور اللّه و تغيير أمر اللّه إلى أن قال :

فكتب علي عليه السلام في جوابه : « تذكر في كتابك انّك لقيت ابن أبي سرح في

٤٣٣

أربعين من أبناء الطلقاء من بني اميّة متوجّهين إلى الغرب ، و ابن أبي سرح يا أخي طالما كاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم ، و صدّ عن كتابه و سنته و بغاهما عوجا . فدع ابن أبي سرح و قريشا و تركاضهم في الضلال . فإنّ قريشا قد اجتمعت على حرب أخيك اجتماعها على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قبل اليوم ، و جهلوا حقّي ،

و جحدوا فضلي و نصبوا لي الحرب ، و جدّوا في إطفاء نور اللّه . اللّهمّ فاجز قريشا عنّي بفعالها ، فقد قطعت رحمي ، و ظاهرت علي ، و سلبتني سلطان ابن عمّي ، و سلّمت ذلك لمن ليس في قرابتي ، و حقّي فى الاسلام ، و سابقتي الّتي لا يدّعي مثلها مدّع إلاّ أن يدّعي ما لا أعرف ، و لا أظن اللّه يعرفه » ١ .

و نقله ( الأغاني ) في عنوان ذكر الخبر في مقتل ابني عبيد اللّه بن العباس راويا له باسناده عن أبي مخنف ، عن سليمان بن أبي راشد ، عن ابن أبي الكنود عبد الرحمن بن عبيد ٢ .

و رواه ( غارات الثقفي ) كما نقله ابن أبي الحديد عند ذكر خطبته عليه السلام « أيّها الناس المجتمعة أبدانهم » ٣ .

قوله عليه السلام في العنوان الأوّل « فنظرت فإذا ليس لي معين إلاّ أهل بيتي .

فضننت بهم عن الموت » . و في العنوان الثالث « فنظرت فإذا ليس لي رافد ، و لا ذابّ و لا مساعد إلاّ أهل بيتي . فضننت بهم عن المنية » الأصل فيهما واحد و قد عرفت أنّه عليه السلام قاله لمّا اتفق قريش الطلقاء مع عبد الرحمن بن عوف حكم عمر على صرف الامر عنه عليه السلام إلى عثمان ، و أنّهم قالوا له إن لا تبايع عثمان نقاتلك ،

و قد كان عمر أيضا دعا قبل موته أبا طلحة الأنصاري ، و قال له : كن في

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الإمامة و السياسة ١ : ٥٤ ٥٦ ، و النقل بتلخيص .

( ٢ ) الأغاني ١٦ : ٢٦٨ .

( ٣ ) الغارات ٢ : ٤٢٨ ، و شرح ابن أبي الحديد ١ : ١٥٥ ، شرح الخطبة ٢٩ .

٤٣٤

خمسين رجلا من قومك فاقتل من أبى من ستّة الشورى حكمي و حكمية ابن عوف ، و قد كان علم أنّ الآبي منهم إنّما هو أمير المؤمنين عليه السلام فنظر عليه السلام فلم ير له رافدا و معينا ، و لا ذابّا و مدافعا عنه ، و لا مساعدا له و ناصرا إلاّ أهل بيته . فان أرادوا الدفاع عنه عليه السلام قتلوا كما قتل أهل بيت الحسين عليه السلام يوم الطف لمّا ساعدوه . فضنّ عليه السلام أي بخل بهم لنفاسهتم عن المنية أي الموت ، و الأصل في الضنّة البخل عن شي‏ء نفيس يقال « علق مضنّة » : أي شي‏ء نفيس علق القلب به فلا يرضى ببذله .

و نفاسة أهل بيته عليهم السلام معلومة ، و قد أخبر اللّه سبحانه عن نفاستهم في قوله عزّ اسمه إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ١ .

و كذلك أخبر رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن نفاستهم في قوله « مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا و من تخلّف عنها غرق » ٢ ، و في قوله « إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي و لن يفترقا حتّى يردا علي الحوض و إن تمسّكتم بهما لن تضلوا أبدا » ٣ .

و لأنّ بهم قوام الأرض كما بالكواكب قوام السماء ، و لو هلكوا لهلك أهل الأرض ، و لأنّهم كانوا حججه على عباده ، و لا يخلي عزّ اسمه أرضه من حجّة طرفة عين .

و قوله عليه السلام في الأوّل « و أغضيت على القذى » و أمّا ما في ( المصرية )

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الاحزاب : ٣٣ .

( ٢ ) حديث السقيفة أخرجه الحاكم في المستدرك ٢ : ٣٤٣ ، و ابو يعلى في مسنده ، و عنه المطالب العالية ٤ : ٧٥ ح ٤٠٠٣ و ٤٠٠٤ ، و غيرهم عن أبي ذر و علي عليه السلام و ابن عباس و أبي سعيد و غيرهم .

( ٣ ) حديث الثقلين أخرجه مسلم في صحيحه ٤ : ١٨٧٣ و ١٨٧٤ ح ٣٦ ، و ٣٧ و الترمذي في سننه ٥ : ٦٦٣ ، ح ٣٧٨٨ و الحاكم في المستدرك ٣ : ١٤٨ ، و جماعة كثيرة اخرى .

٤٣٥

« عن القذى » بدل « على القذى » فتصحيف ١ .

« و شربت على الشجا ، و صبرت على أخذ الكظم ، و على أمرّ من طعم العلقم » و في ( ابن ميثم ) الّذي نسخته بخط مصنّفه « من العلقم » بدل « من طعم العلقم » ٢ و قوله عليه السلام في الثالث : « فأعضيت على القذى ، و جرعت ريقي على الشجار و صبرت من كظم الغيظ على أمرّ من العلقم ، و آلم للقلب من حزّ الشفار » أيضا الأصل فيهما واحد كما عرفت .

و الإغضاء على القذى الّذي معناه غضّ البصر على ما دخل فيه من التراب كرها ، و كان عليه السلام في إكراههم له على بيعة عثمان مصداق ما قيل « الكريم ربّما أغضى و بين جنبيه نار الغضا » « و الشرب على الشّجا » و « جرع الريق على الشجا » معناه أن يكون اعترض في حلقه شي‏ء حتى يجفّ لعابه .

فيكون شربه ، و طلب الرطوبة لحلقه حتّى يتنفّس في غاية الشدّة و كان عليه السلام في ذلك مصداق ما قيل « عليك بالكظم ، و ان شجيت بالعظم » .

و صبر عليه السلام من كظم الغيظ على أمرّ من العلقم و العلقم شجر مرّ و يقال للحنظل و كلّ شي‏ء مرّ علقم . و قال في ذلك السيّد الحميري :

لم يشكروا لمحمّد إنعامه

أفيشكرون لغيره إن أنعما

اللّه منّ عليهم بمحمّد

و هداهم و كسا الجلود و أطعما

ثم انهروا لوصيّه و وليّه

بالمنكرات فجرّعوه العلقما

و صبر عليه السلام في ذلك على ما هو آلم للقلب من حزّ الشفار : أي قطع السكّين . روى الجوهري و الثقفي في ( سقيفتيهما ) و عوانة في ( شوراه ) عن الشعبي عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه قال : كنت جالسا بالمسجد حين

ــــــــــــــــــ

( ١ ) لفظ نهج البلاغة ١ : ٦٧ ، و شرح ابن أبي الحديد ١ : ١٢٢ ، و شرح ابن ميثم ٢ : ٢٦ ، « على القذى » .

( ٢ ) شرح ابن ميثم ٢ : ٢٦ .

٤٣٦
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الرابع الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

بويع عثمان فجئت إلى المقداد . فسمعته يقول : « و اللّه ما رأيت مثل ما اتى إلى أهل هذا البيت » و كان عبد الرحمن بن عوف جالسا فقال : و ما أنت و ذاك يا مقداد . قال المقداد : « إنّي و اللّه احبّهم بحبّ رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم و إنّي لأعجب من قريش و تطاولهم بفضل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و انتزاعهم سلطانه من أهله » قال عبد الرحمن : اما و اللّه لقد أجهدت نفسي لكم . قال المقداد : « أما و اللّه لقد تركت رجلا من الّذين يأمرون بالحقّ و به يعدلون ، أما و اللّه لو أنّ لي على قريش أعوانا لقاتلتهم قتالي ايّاهم ببدر واحد » فقال له عبد الرحمن : ثكلتك امّك لا يسمعنّ هذا الكلام الناس . فإنّي أخاف أن تكون صاحب فتنة و فرقة . و تربدّ وجهه . ثم قال : « لو أعلم أنّك إيّاي تعني لكان لي و لك شأن . قال المقداد : « إيّاي تهدّد يا ابن ام عبد الرحمن ؟ » ثم قام فانصرف . قال جندب : فاتّبعته و قلت له : يا عبد اللّه أنا من أعوانك . فقال : رحمك اللّه إنّ هذا الأمر لا يغني فيه الرجلان و لا الثلاثة فدخلت من فوري ذلك على علي عليه السلام . فلمّا جلست إليه قلت : يا أبا الحسن و اللّه ما أصاب قومك بصرف هذا الأمر عنك . فقال : صبر جميل و اللّه المستعان . فقلت : و اللّه انّك لصبور قال : فإن لم أصبر فماذا أصنع . قلت : « إنّي جلست إلى المقداد و عبد الرحمن بن عوف ، فقالا كذا و كذا ، ثم قام المقداد فاتّبعته فقلت له كذا فقال لي كذا » . فقال علي عليه السلام : صدق المقداد . فما اصنع ؟

فقلت : « تقوم في الناس فتدعوهم إلى نفسك و تخبرهم أنّك أولى بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم و تسألهم النصر على هؤلاء المتظاهرين عليك . فإن أجابك عشرة من مائة شددت بهم على الباقين . فإن دانوا لك فذاك و إلاّ قاتلتهم ، و كنت أولى بالعذر قتلت أو بقيت و كنت عند اللّه على حجّة » . فقال « أ ترجو يا جندب أن يبايعني من كلّ عشرة واحد » ؟ قلت : أرجو ذلك . قال « لكنّي لا أرجو ذلك لا و اللّه ، و لا من المائة واحد ، و ساخبرك أنّ الناس إنّما ينظرون إلى قريش فيقولون : هم قوم

٤٣٧

محمّد و قبيلته ، و أمّا قريش فتقول : إنّ آل محمّد يرون على الناس بنبوّته فضلا يرون أنّهم أولياء هذا الأمر دون قريش ، و دون غيرهم من الناس ، و أنّهم إن ولّوه لم يخرج السلطان منهم إلى أحد أبدا ، و متى كان في غيرهم تداولته قريش بينها . لا و اللّه لا يدفع الناس إلينا هذا الأمر طائعين أبدا » . فقلت : جعلت فداك يا ابن عم رسول اللّه ، لقد صدعت قلبي بهذا القول . أفلا أرجع إلى المصر فأوذن الناس بمقالتك ، و أدعو الناس إليك . فقال : يا جندب ليس هذا زمان ذاك ،

فانصرفت إلى العراق فكنت أذكر فضل علي عليه السلام على الناس . فلا أعدم رجلا يقول لي ما أكره ، و أحسن من أسمعه قولا من يقول : دع عنك هذا و خذ في ما ينفعك فاقول : « إنّ هذا مما ينفعني و ينفعك » . فيقوم عنّي و يدعني .

و زاد الجوهري في خبره : « حتّى رفع ذلك من قولي إلى الوليد بن عقبة أيّام ولينا فبعث إلىّ فحبسني حتّى كلّم فيّ فخلّى سبيلي » ١ .

و في ( سقيفة الجوهري ) و ( شورى عوانة ) عن الشعبي بعد ذكر بيعة ابن عوف لعثمان و أقبل عمّار ينادي :

يا ناعي الاسلام قم فانعه

قد مات عرف و بدا نكر

أما و اللّه لو أنّ لي أعوانا لقاتلتهم ، و اللّه لئن قاتلهم واحد لأكونن له ثانيا .

فقال علي عليه السلام « يا ابا اليقظان و اللّه لا أجد عليهم أعوانا ، و لا احبّ أن أعرضكم لما لا تطيقون » و بقي عليه السلام في داره ، و عنده نفر من أهل بيته ، و ليس يدخل إليه أحد مخافة عثمان ٢ .

و روى الخليل بن أحمد أنّ أعرابيا ورد على الوليد بن يزيد بن عبد الملك

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه الجوهري في السقيفة : ٨٨ ، و الثقفي ، و عنه امالي المفيد : ١٦٩ ح ٥ ، المجلس ٢١ ، و عوانة في الشورى ، و عنه شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٣٩١ ، شرح الخطبة ١٣٧ ، و النقل بتصرف .

( ٢ ) رواه الجوهري في السقيفة : ٨٧ ، و عوانة في الشورى ، و عنه شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٣٩١ ، شرح الخطبة ١٣٧ .

٤٣٨

إلى أن قال بعد ذكره لمقامات علي عليه السلام طلب منه الوليد هجاءه . فقال له : أمثل هذا يستحق الهجاء ، و عزمه الحاذق ، و قوله الصادق ، و سيفه الفالق و إنّما يستحق الهجاء من سامه عليه ، و أخذ الخلافة ، و أزالها من الوراثة ، و صاحبها ينظر إلى فيئه ، و كأنّ الشبادع تلسعه الخبر و الشبادع : العقارب .

قول المصنّف : « و قد مضى هذا الكلام في أثناء خطبة متقدّمة إلاّ أنّي كرّرته هنا لاختلاف الروايتين » أقول : لم يمض الكلام كله في موضع واحد بل صدره : « اللّهمّ إنّي أستعديك على قريش إلى و في الحق أن تمنعه » مضى في ذيل العنوان الثاني ، و ذيله « فنظرت » إلخ مضى في العنوان الأوّل .

قوله عليه السلام في الثاني : « و قد قال قائل : إنّك على هذا الأمر يا ابن أبي طالب لحريص » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ما في ( ابن ميثم ) و كذا ( ابن أبي الحديد و الخطيّة ) « و قال لي قائل إنّك يا ابن أبي طالب على هذا الأمر لحريص » ١ .

قال ابن أبي الحديد : قال عليه السلام : هذا الكلام يوم الشورى ، و القائل الّذي قال له « إنّك على هذا الأمر لحريص » سعد بن أبي وقاص مع روايته فيه « أنت بمنزلة هارون من موسى » و هذا عجب ، و قالت الامامية : قال يوم السقيفة و القائل أبو عبيدة بن الجراح ٢ .

قلت : كيف نسب ما قاله إلى الامامية ، و قد روى محمّد بن يعقوب الكليني و محمّد بن جرير بن رستم الطبري و هما من قدماء الامامية : إنّه عليه السلام قاله يوم الشورى ، و قد عرفت من خبرهما أنّ القائل كان عبد الرحمن بن عوف لا أبو عبيدة الّذي قال .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٧٥ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ٣٢٩ ، أيضا نحو المصرية .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٧٥ ، و النقل بتلخيص .

٤٣٩

ثم أيّ شي‏ء يغني عنه في كونه كلامه عليه السلام يوم الشورى في صحة أمر يوم السقيفة ، و قد تضمّن قوله عليه السلام يوم الشورى بطلان أمر السقيفة ، و أنّه الأساس فمرّ في رواياتهم عن الثقفي ، و ابن قتيبة قوله عليه السلام يوم الشورى « فما كانوا لولاية أحد منهم بأكره منهم لولايتي ، لأنّهم كانوا يسمعونني و أنا أحاجّ أبا بكر فأقول : يا معشر قريش ، إنّا أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم إلى آخر ما مرّ ١ .

ثم لم ادر إلى أي شي‏ء استند في قوله : إن القائل كان سعدا ، و خبر الثقفي الوارد من طريقهم و قد نقله نفسه في شرح قوله عليه السلام « و من كلام له عليه السلام لمّا قلّد محمّد بن أبي بكر مصر » خال من اسم القائل كخبر ابن قتيبة ، و المجمل يحمل على المفصل خبر الكليني و الطبري المصرّح بعبد الرحمن ٢ .

و أيضا الجري‏ء منهم على أن يقول له هذا الكلام ، و يخاطبه بذاك الخطاب إنّما كان عبد الرحمن لكونه حكم عمر في اختيار من شاء منهم .

« فقلت : بل انتم و اللّه أحرص و أبعد ، و أنا أخص و أقرب » إنّما قال عليه السلام « بل أنتم » مع أنّ القائل له « انّك لحريص » إنما كان واحدا لقوله عليه السلام قبل « و قال لي قائل » لكون باقيهم على رأيه . فيصحّ النسبة إلى جميعهم كما في قوله تعالى :

فعقروها ٣ مع أنّ العاقر كان واحدا .

ثم الأصل في قول عبد الرحمن له عليه السلام « انّك على هذا الأمر لحريص » قول فاروقهم فقال له عليه السلام في مال قال للستّة كما قال ابن قتيبة « و ما يمنعني

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مر في اوائل هذا العنوان .

( ٢ ) جاء في الغارات ١ : ٣١٨ ، و عنه ابن أبي الحديد في شرحه ٢ : ٣٦ ، شرح الخطبة ٦٩ ، و الإمامة و السياسة ١ : ١٥٥ ، و رسائل الكليني ، عنه كشف المحجة : ١٧٩ .

( ٣ ) الشمس : ١٤ .

٤٤٠

منك يا علي إلاّ حرصك عليها » ١ .

و رماه بالرياء أيضا كما عابه بصغر السنّ . فرووا عن ابن عباس أنّه قال : دخلت على عمر يوما . فقال : يا ابن عباس لقد أجهد هذا الرجل نفسه في العبادة حتّى نحلته رياء . قلت : من هو ؟ قال : ابن عمّك . قلت : و ما يقصد بالرياء قال : يرشّح نفسه للخلافة . قلت : و ما يصنع بالترشيح ؟ قد رشّحه لها النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم فصرفت عنه . قال : كان شابّا حدثا فاستصغرت العرب سنّة ، و قد كمل الآن . ألم تعلم انّ اللّه لم يبعث نبيّا إلاّ بعد أربعين . قلت : أمّا أهل الحجى و النهى ما زالوا يعدّونه كاملا منذ رفع اللّه منار الاسلام ، و لكنّهم يعدّونه محروما مجدودا . فقال : أمّا إنّه سيليها بعد هياط ثم تزلّ قدمه ، و لا يقضي منها اربه ، و لتكونن شاهدا ذلك . ثم يتبين الصبح لذي عينين ، و تعلم العرب صحّة رأي المهاجرين الأوّلين الّذين صرفوها عنه بادئ بدء فليتني أراكم بعدي يا عبد اللّه إنّ الحرص محرمة و إنّ دنياك كظلّك ٢ .

و أقول : أما قوله « يجتهد رياء للخلافة » فابن عباس أجابه باستخلاف النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم له و إنّما أخّره هو و صاحبه ، و قد اعترف بذلك معاوية في كتابه إلى محمّد بن أبي بكر .

و أما قوله « بصغر سنّه » فأجابه أيضا بانّه عند أهل المعرفة كان من أوّل الاسلام الّذي كان يومئذ ابن عشر كاملا . فلا يضرّه طعن الأجلاف ،

و اولي الغلّ و الحقد مثله ، و من كان على رأيه .

و أجابه في موضع آخر بأنّ اللّه تعالى و رسوله ما استصغراه حيث أمراه بأخذ سورة البراءة من صاحبه .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الإمامة و السياسة ١ : ٢٥ .

( ٢ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ١١٥ ، شرح الخطبة ٢٢٦ ، و النقل بتلخيص .

٤٤١

و أما قوله بعدم استقرار الأمر له « فتعلم العرب صحّة رأي المهاجرين الأوّلين الّذين صرفوها عنه » فيقال له : أنت و صاحبك زلزلت أمره بمساعدة المنافقين و الطلقاء ، و قد ولّيت الأمر عثمان و بني اميّة أعداء النبي حتّى لا ثتبت له قدم إن ولي يوما ، و تبيّن الصبح لذي عينين بعملك ، و لا غرو ان لم يبصر الأعمى .

و كل أقواله صار منشأ لجرأة جمع و شبهة فريق حتّى سمّى كثير منهم خلافته فتنة كخلافة ابن الزبير ، و نحن لا نسوء من ذلك فيكفيهم ثلاثتهم ،

و يكفينا هو و أحد عشر من عترته الّذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا .

و من المضحك حديثه « ما بعث اللّه نبيّا إلاّ بعد أربعين » أو لم يسمع قوله تعالى في يحيى و آتيناه الحكم صبيا ١ و حكايته عن عيسى عليه السلام في مهده إنّي عبد اللّه آتاني الكتاب و جعلني نبيّا ٢ .

كما أنّ من المضحك وعظه لأمير المؤمنين برسالة ابن عباس « إنّ الحرص محرمة » أو لم يقل ذلك لنفسه حيث أراد إحراق أهل بيت نبيّه ، و قتل من كان بمنزلة نفس النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم حرصا على نيل الامارة ، و لعمر اللّه و إن قال لصاحبه مغالطة « قدّمك النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم لديننا في أمرك بالصلاة لنا أفلا نرضاك لدنيانا للخلافة » ٣ إلاّ أنّه ما أراد بذلك أن يصلّوا و يصوموا بل ليتأمّر عليهم مثل معاوية إلاّ أنّ معاوية أظهر ، و هو أسرّ ، و لكنّه إن لم يصرّح أفصح بما جرى على لسانه « أ فلا نرضاك لدنيانا » .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مريم : ١٢ .

( ٢ ) مريم : ٣٠ .

( ٣ ) رواه عن المدائني ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ١٢٣ ، شرح الخطبة ٢٦ ، و النقل بالمعنى .

٤٤٢

« و إنّما طلبت حقّا لي ، و انتم تحولون بيني و بينه ، و تضربون وجهي دونه » أي : أنتم معشر قريش مع رأسكم فاروقكم الّذين نسبتموني إلى الحرص على هذا الأمر لم تفهموا معنى الحرص و مورد استعماله . فالحرص يقال لمن طلب شيئا لم يكن له ، و أما من طالب بحقّه الثابت الواضح عند الكلّ إذا طلبه من المتغلبين عليه لا يقال له إنّه حريص عليه و لو كان جادّا .

مع أنّه عليه السلام إنّما طلب وقتا أمكنه الطلب ، و هو يوم السقيفة و يوم الشورى دون قيام عمر بنصب أبي بكر له بقدر إتمام الحجّة ليهلك من هلك عن بيّنة و يحيى من حيّ عن بيّنة .

و كيف نسبوا إليه عليه السلام الحرص مع أنّه رضي بترك حقّه الثابت لما عرض عليه عبد الرحمن بن عوف بيعته له بشرط عمله بسنّة الشيخين .

فأنكر عليه السلام عليه ذلك و طوى عنه كشحا مع زعمهم حرصه عليه السلام عليه دلالة على بطلان سنّتهما .

هذا ، و قال ابن حاطب : ابن الزبير طالما حرص على الامارة قيل له :

كيف ؟ قال : أمر أبو بكر أغيلمة من أبناء المهاجرين أنا فيهم بقتل لصّ . فقال ابن الزبير : أمّروني عليكم فأمّرناه ثم انطلقنا به فقتلناه .

قلت : و كان من حرصه على الامارة أنّه صار في من نصر عثمان مع كون أبيه في من قتل عثمان ، و مع كونه مثل أبيه في بغض عثمان إلاّ أنّه علم أنّ عثمان يقتل و علم أنّ الأمر يصير إلى أمير المؤمنين عليه السلام . فأراد أن يكون له مستمسك لادعاء الخلافة إن اتّفق يوم يمكنه القيام بأنّه لمّا نصر عثمان جعله وصيّه . فهكذا ادّعى يوم قيامه بعد يزيد و منّ يوما على معاوية بأنّه نصر عثمان . فقال له معاوية و كان يعرف الناس حق المعرفة فو اللّه لو لا شدّة بغضك لابن أبي طالب لجررت برجل عثمان مع الضبع .

٤٤٣

« فلمّا قرعته بالحجّة » القرع بالحجّة استعارة . فالأصل في القرع ضرب الرأس بالعصا .

« في الملأ الحاضرين » الملأ : الجماعة في محلّ قيل لهم الملأ لا متلاء المحلّ بهم .

« هبّ كأنّه بهت لا يدري ما يجيبني به » هكذا في ابن أبي الحديد ١ و لكن في ( ابن ميثم ) : « بهت كأنّه لا يدري ما يجيبني به » و جعل « هبّ » رواية ٢ ، و معنى هبّ استيقظ .

و وجه بهته و عدم درايته لجواب ، أنّ كلّهم كانوا مشاهدين لاستخلاف النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم له ، و عارفين بسوابقه و مقاماته ، و أحقيّته بأقربيّته إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم من كلّ أحد . فإذا ذكّرهم ذلك لا بدّ أن يبهتوا لعدم جواب لهم .

كما أنّ إبراهيم عليه السلام لما قال للملك الّذي يدّعي الربوبية إنّ اللّه يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب ٣ بهت و لم يدر ما يجيبه .

هذا ، و ممّا ذكروا من الجواب المسكت للخصم أنّ ثابت بن عبد اللّه بن الزبير نظر إلى أهل الشام . فقال : إنّي لأبغض هذه الوجوه . فقال له سعيد بن عمرو بن عثمان : تبغضهم لأنّهم قتلوا أباك . قال : صدقت و لكنّ أباك قتله المهاجرون و الأنصار .

و أنّ معاوية قال يوما : أيّها الناس إنّ اللّه فضّل قريشا بثلاث . فقال :

و انذر عشيرتك الأقربين ٤ فنحن عشيرته ، و قال : و انّه لذكر لك

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٧٥ .

( ٢ ) في شرح ابن ميثم ٣ : ٣٢٩ ، نقلا عن نسختين « هبّ » و « بهت » .

( ٣ ) البقرة : ٢٥٨ .

( ٤ ) الشعراء : ٢١٤ .

٤٤٤

و لقومك ١ و نحن قومه و قال : لإيلاف قريش إلى آخر السورة ٢ ، و نحن قريش . فأجابه رجل من الأنصار فقال : على رسلك يا معاوية فإنّ اللّه يقول :

و كذّب به قومك ٣ و أنتم قومه ، و قال : و لمّا ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدّون ٤ و أنتم قومه ، و قال : و قال الرسول يا ربّ إنّ قومي اتّخذوا هذا القرآن مهجورا ٥ و أنتم قومه ثلاثة بثلاثة ، و لو زدتنا لزدناك ،

فأفحمه .

قلت : و افترى معاوية في كونه عشيرته ، و إنّما عشيرته بنو هاشم ، و لذا جمعهم حسب بعد نزول الآية ، و أنذرهم ، و الأخيران لا مدح فيهما مع أنّ معاوية كان مصداق قوله تعالى : و لو أنّنا نزّلنا إليهم الملائكة و كلمهم الموتى و حشرنا عليهم كل شي‏ء قبلا ما كانوا ليؤمنوا ٦ فأيّ أثر لإنذاره ،

و أيّ وقت كان القرآن ذكرا له .

و قالوا : كان عدي بن حاتم فقئت عينه يوم الجمل . فقال له ابن الزبير يوما : متى فقئت عينك ؟ قال : يوم قتل أبوك ، و هربت عن خالتك ، و أنا للحقّ ناصر و أنت له خاذل .

قوله عليه السلام في ذيل الثاني « اللّهمّ إنّي استعديك على قريش و من أعانهم فإنّهم قطعوا رحمي ، و صغّروا عظيم منزلتي ، و أجمعوا على منازعتي أمرا هو لي . ثم قالوا :

الا إنّ في الحق أن تأخذه و في الحق أن تتركه » و قوله عليه السلام في صدر الثالث « اللّهمّ إنّي

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الزخرف : ٤٤ .

( ٢ ) قريش : ١ .

( ٣ ) الانعام : ٦٦ .

( ٤ ) الزخرف : ٥٧ .

( ٥ ) الفرقان : ٣٠ .

( ٦ ) الانعام : ١١١ .

٤٤٥

أستعديك على قريش ، و من أعانهم . فإنّهم قد قطعوا رحمي و أكفؤوا إنائي ، و أجمعوا على منازعتي حقّا كنت أولى به من غيري ، و قالوا : ألا إنّ في الحقّ أن تأخذه و في الحق أن تمنعه » أيضا الأصل فيهما واحد كما عرفت .

ثم قوله في الثالث « و من أعانهم » إنّما نقله ابن أبي الحديد ١ و ليس في ( ابن ميثم ) ٢ و لا بد أنّه لم يكن في النهج حيث إنّ نسخته بخط مصنّفه ، و لا بدّ أنّه كان في نسخة ابن أبي الحديد حاشية اخذا من الثاني خلط بالمتن .

و أمّا قوله في الثاني : « ان تأخذه » و قوله : « أن تتركه » بالتاء فيهما . فكذا في ( المصرية ) ، و نقل ابن أبي الحديد ٣ الأول « نأخذه » بالنون ، و الثاني « تتركه » بالتاء ، و قال معناه « قالوا له الحق أخذنا و تركك » و نقل « ثم » عن خط الرضيّ كونهما بالنون ، و قال معناه « قالوا له نتصرف بالأخذ و الترك دونك » ٤ .

كما أنّ قوله في الثالث : « أن تأخذه » و « أن تمنعه » بالتاء فيهما هو في ( المصرية ) و قال ابن أبي الحديد : قال الراوندي في خط الرضيّ تأخذه بالتاء و قيل : إنّه بالنون ٥ .

و كيف كان ، فالصواب أن « نأخذه » فيهما بالنون و « تتركه » و « تمنعه » فيهما بالتاء ، و المراد أنّ قريشا قالوا مكابرة في قبال حجّته عليه السلام أخذنا حقّ ، و تركك و منعك حق ، و يشهد لما قلنا رواية الثقفي ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٣٦ .

( ٢ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٤٩ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤٧٥ .

( ٤ ) شرح ابن ميثم ٣ : ٣٣١ .

( ٥ ) كذا قال ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ٣٧ ، لكن الراوندي في شرحه ٢ : ١٥٢ ، ذكر كونه بقاء و لم يوجد فيه نسبة إلى خط الرضي .

٤٤٦

و رواية ابن قتيبة للكلام المتقدّمتان ١ .

هذا و قال ابن أبي الحديد بعد الثالث : « لم يؤرخ الوقت الّذي قال عليه السلام هذا الكلام ، و حمله أصحابنا على أنّه قاله يوم الشورى » ٢ و قال ابن ميثم يشبه أن يكون صدور هذا الكلام منه عليه السلام حين خروج طلحة و الزبير ٣ .

قلت : قد عرفت من أسانيده الأربعة أنّه جزء كلامه عليه السلام بعد قتل محمّد بن أبي بكر ، و فتح مصر . قال : الكلام كله لمّا سألوه عن رأيه عليه السلام في حقّ الخلفاء و الثلاثة فكتب لهم ما مرّ .

و حمل أصحاب ابن أبي الحديد له على أنّه قاله يوم الشورى غير مفيد لهم لأنّه كما تضمن شكايته عليه السلام من الشورى تضمن شكايته من السقيفة ،

و هل مؤسس الشورى و مؤسس السقيفة غير فاروقهم مع أنّ مراده عليه السلام بقوله « اللّهمّ انّي أستعينك أو أستعديك على قريش » عمومهم حتّى صدّيقهم و فاروقهم . فإنّه عليه السلام لم يقل « أستعينك على اولئك » : أي الّذين حكى إجبارهم له على بيعة عثمان بل قال « على قريش » : أي : هؤلاء و من أسّس لهم .

و ممّا يوضح إرادته العموم كلام المقداد لابن عوف لمّا بايع عثمان « ما رأيت مثل ما أتي على أهل هذا البيت بعد نبيّهم . إنّي لأعجب من قريش إنّهم تركوا رجلا ما أقول إنّ أحدا أعلم و لا أقضى منه بالعدل ، و إنّي لأعجب من تطاولهم بفضل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ثم انتزاعهم سلطانه من أهله لو أنّ لي على قريش أعوانا لقاتلتهم قتالي إيّاهم ببدر و احد » ٤ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) كذا في الغارات ١ : ٣٠٩ ، و بفرق في الإمامة و السياسة ١ : ١٥٥ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٣٧ ، و النقل بالمعنى .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٥٠ .

( ٤ ) رواه الجوهري في السقيفة : ٨٨ ، و الطبري في تاريخه ٣ : ٢٧٩ ، سنة ٢٣ ، و المسعودي في مروج الذهب ٢ : ٣٤٣ ، و غيرهم و النقل بالمعنى .

٤٤٧

قوله عليه السلام في الثالث : « اللّهمّ إنّي استعينك على قريش و من أعانهم » روى أبو مخنف في جمله عنه عليه السلام قال : « ما لي و لقريش أما و اللّه لقد قاتلتهم كافرين و لأقتلنّهم مفتونين إلى أن قال و اللّه لأبقرن الباطل حتّى يظهر الحق من خاصرته فقل لقريش فلتضجّ ضجيجها » ١ .

و في ( معجم الادباء ) قرأت بخط الازهري ، قال المازني : لم يصحّ عندنا تكلّم علي عليه السلام بشي‏ء من الشعر غير قوله :

تلكم قريش تمنّانى لتقتلني

و لا وجدّك ما برّوا و لا ظفروا

فإن هلكت فرهن ذمّتي لهم

بذات روقين لا يعفو لها أثر

« بذات روقين » أي : بداهية عظيمة ٢ .

و في أمثال أبي عكرمة الضبي يقال : إنّ عليّا عليه السلام تمثّل بقول الشاعر في المثل لظالمية الحيّة .

لعمري إنّي لو اخاصم حيّة

إلى فقعس ما أنصفتني فقعس

فو اللّه ما أدري و إنّي للابس

لكم لبسة أيّ النسيجين ألبس

ألبسة بقيا لا بقاء على الّذي

تريدون بي أم أستمرّ فأعبس ٣

قوله عليه السلام « فانهم قطعوا رحمي » في ( إرشاد المفيد ) : روى العبّاس بن عبد اللّه العبدي ، عن عمرو بن شمر عن رجاله قالوا : سمعنا عليّا عليه السلام يقول : ما رأيت منذ بعث اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلم رخاء و الحمد للّه . و اللّه لقد خفت صغيرا ،

و جاهدت كبيرا اقاتل المشركين ، و اعادي المنافقين حتّى قبض اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم فكانت الطامّة الكبرى ٤ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه عن أبي مخنف في الجمل ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ٧٨ ، شرح الخطبة ٦ .

( ٢ ) جاء في معجم الادباء ١٤ : ٤٣ .

( ٣ ) الأمثال لأبي عكرمة الضبي : ٦٩ ٧٠ .

( ٤ ) الارشاد : ١٥١ .

٤٤٨

« و صغّروا عظيم منزلتي » في ( صفين نصر ) ، و ( مروج المسعودي ) ،

و غيرهما : كتب معاوية إلى محمّد بن أبي بكر في جواب كتابه و كان في كتاب محمد بن أبي بكر إليه « فكيف يا لك الويل تعدل نفسك بعلي ، و هو وارث رسوله ، و وصيه ، و أبو ولده ، أوّل الناس له اتّباعا ، و أقربهم به عهدا . يخبره بسرّه ، و يطلعه على أمره ، و أنت عدوّه و ابن عدوّه » إلى أن قال « ذكرت في كتابك فضل ابن أبي طالب ، و قديم سوابقه ، و قرابته إلى الرسول ، و مواساته إيّاه في كلّ هول و خوف . فكان احتجاجك علي و عيبك لي إلى أن قال فقد كنّا و أبوك فينا نعرف فضل ابن أبي طالب ، و حقّه لازما لنا مبرورا علينا . فلمّا اختار اللّه لنبيّه ما عنده ، و أتمّ له ما وعده و أظهر دعوته و ابلج حجته قبضه اللّه إليه فكان أبوك و فاروقه أوّل من ابتزّه حقّه ، و خالفه على أمره . على ذلك اتّفقا و اتّسقا ، ثم إنّهما دعواه إلى بيعتهما فابطأ عنهما ، و تلكّأ عليهما فهمّا به الهموم ،

و أرادا به العظيم . ثم إنّه بايع لهما و سلّم لهما ، و أقاما لا يشركانه في أمرهما ،

و لا يطلعانه على سرّهما حتّى قبضهما اللّه إلى أن قال :

مشيرا إلى نفسه و قيامه في قباله عليه السلام مهّد أبوك مهاده و بنى له ملكه و شاده . فإن يك ما نحن فيه صوابا . فأبوك أوّله ، و إن يكن جورا ، فأبوك أسّسه ،

و نحن شركاؤه ، و بهديه أخذنا ، و بفعله اقتدينا ، و لو لا ما سبقنا إليه أبوك ما خالفنا ابن أبي طالب و سلّمنا له ، و لكنّا رأينا أباك فعل ذلك . فاحتذينا بمثاله ،

و اقتدينا بفعاله . فعب أباك أو دع » ١ .

« و أكفؤوا إنائي » أي : اكبّوه ، و قلبوه . روت العامّة أنّ عمر قال لابن عباس :

أنتم أهل رسول اللّه و آله و بنو عمّه ، فما تقول في منع قومكم منكم ؟ قال : لا

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه ابن مزاحم في وقعة صفين : ١١٩ ، و المسعودي في مروج الذهب ٣ : ١٢ ، و البلاذري في انساب الاشراف ٢ : ٣٩٣ ، و اللفظ للمسعودي .

٤٤٩

أدري علّتها ، و اللّه ما أضمرنا لهم إلاّ خيرا » قال : اللّهمّ غفرا . إنّ قومكم كرهوا أن يجتمع لكم النبوّة و الخلافة فتذهبوا في السماء شمخا و بذخا ، و لعلكم تقولون إنّ أبا بكر أوّل من أخّركم أما إنّه لم يقصد ذلك ، و لكن حضر أمر لم يكن بحضرته أحزم ممّا فعل ، و لو لا رأي أبي بكر فيّ لجعل لكم من الأمر نصيبا ،

و لو فعل ما هنّأكم مع قومكم انّهم ينظرون إليكم نظر الثور إلى جازره ١ .

قلت : إنّ اللّه جلّ و علا جمع لهم النبوّة و الخلافة . ألم يقل نبيّهم لهم « من كنت مولاه و أولى به من نفسه . فعليّ مولاه و أولى به من نفسه » ؟

و أما كراهة قومهم ذلك فقد قال عزّ اسمه ذلك بأنّهم كرهوا ما أنزل اللّه فأحبط أعمالهم ٢ و لقد أجاب ابن عباس عمر بذلك في خبر آخر ٣ .

و رووا أيضا عن أمير المؤمنين عليه السلام قال مشيرا إلى أبي بكر و عمر « اصغيا باناءنا و حملا الناس على رقابنا » ٤ .

« و أجمعوا على منازعتي أمرا هو لي أو حقّا كنت أولى به من غيري » روى أبو هلال في ( أوائله ) : انّ أبا الهيثم بن التيّهان و هو اوّل من ضرب على يد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم للبيعة في أوّل نبوّته قام خطيبا بين يدي علي عليه السلام . فقال : إنّ حسد قريش إيّاك على وجهين : أمّا خيارهم فتمنّوا أن يكونوا مثلك منافسة في الملأ و ارتفاع الدرجة ، و أمّا أشرارهم فحسدوا حسدا أثقل القلوب ، و أحبط الأعمال ، و ذلك أنّهم رأوا عليك نعمة قدّمك اليها الحظّ ، و أخّرهم عنها الحرمان .

فلم يرضوا أن يلحقوك حتّى طلبوا أن يسبقوك ، فبعدت عليهم و اللّه الغاية ،

و أسقط المضمار . فلمّا تقدّمتهم بالسبق ، و عجزوا عن اللحاق . بلغوا منك ما

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ٩٤ ، شرح الخطبة ٢٢٦ .

( ٢ ) محمد : ٩ .

( ٣ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ١٠٧ ، شرح الخطبة ٢٢٦ .

( ٤ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ٢ : ٤٧٦ ، شرح الخطبة ١٧٠ .

٤٥٠

رأيت ، و كنت و اللّه أحقّ قريش بشكر قريش . نصرت نبيّهم حيّا ، و قضيت عنه الحقوق ميّتا ، و اللّه ما بغيهم إلاّ على أنفسهم ، و لا نكثوا إلاّ بيعة اللّه . يد اللّه فوق أيديهم فها نحن معاشر الأنصار ، أيدينا و ألسنتنا لك ، فأيدينا على من شهد ،

و ألسنتنا على من غاب ١ .

« ثم قالوا في الحق أن ناخذه و في الحقّ أن تتركه أو أن تمنعه » روى الزبير بن بكار كما في ( أمالي المفيد ) انّ ابن عباس حضر مجلس معاوية فأقبل عليه معاوية . فقال له : إنّكم تريدون أن تحرزوا الإمامة كما اختصصتم بالنبوّة و اللّه لا يجتمعان أبدا . إنّ حجّتكم في الخلافة مشتبهة على الناس . إنّكم تقولون : نحن أهل بيت النبوّة فما بال خلافة النبي في غيرنا و هذه شبهة لانّها تشبه الحق و بها مسحة من العدل و ليس الأمر كما تظنون . إنّ الخلافة تتقلب في أحياء قريش برضى العامّة و شورى الخاصة و لسنا نجد الناس يقولون ليت بني هاشم ولونا و لو ولونا كان خيرا لنا في دنيانا و آخرتنا ، و لو كنتم زهدتم فيها أمس كما تقولون ما قاتلتم عليها اليوم ، و و اللّه لو وليتموها يا بني هاشم لما كانت ريح عاد و صاعقة ثمود باهلك للناس منكم .

فقال له ابن عباس : امّا قولك : إنّا نحتجّ بالنبوّة في استحقاق الخلافة فهو و اللّه كذلك ، و إن لم تستحقّ الخلافة بالنبوّة فبم تستحق .

و امّا قولك : انّ النبوة و الخلافة لا تجتمعان لأحد ، فأين قوله عزّ و جلّ :

أم يحسدون الناس على ما آتاهم اللّه من فضله فقد آتينا آل ابراهيم الكتاب و الحكمة و آتيناهم ملكا عظيما ٢ فالكتاب هو النبوّة و الحكمة هي السنّة و الملك هو الخلافة ، فنحن آل ابراهيم و الحكمة جارية فينا إلى يوم القيامة .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الاوائل : ١٧٦ .

( ٢ ) النساء : ٥٤ .

٤٥١
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الرابع الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

و امّا دعواك على حجّتنا أنّها مشتبهة فليس كذلك ، فإنّ حجّتنا أضوأ من الشمس ، و أنور من القمر ، كتاب اللّه معنا ، و سنّة نبيّه فينا ، و انّك لتعلم ذلك و لكن شي‏ء عطفك و صعّرك ، قتلنا أخاك و جدك و خالك و عمّك . فلا تبك على أعظم حائلة و أرواح في النار هالكة ، و لا تغضبوا لدماء أراقها الشرك ، و أحلّها الكفر ، و وضعها الدين .

و امّا ترك تقديم الناس لنا في ما خلا و عدولهم عن الاجماع علينا فما حرموا منّا أعظم ممّا حرمنا منهم ، و كل أمر إذا حصل ثبت حقّه و زال باطله .

و أمّا قولك : إنّا لو ملكنا كان ملكنا أهلك للناس من ريح عاد و صاعقة ثمود فقوله تعالى : و ما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين ١ يكذّبك ، فنحن أهل بيته الأدنون ، و رحمة اللّه بنا خلقه ، كرحمة اللّه بنبيّه خلقه ٢ .

و أقول : و صدق معاوية ، لو وليها بنو هاشم ، أي أمير المؤمنين عليه السلام ،

كانوا أهلك من ريح عاد و صاعقة ثمود ، لكن لمعاوية و أضرابه أحزاب الشيطان ، و أمّا للمؤمنين فكانوا رحمة اللّه الواسعة ، و نعمته السابغة . قال تعالى : أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم ٣ .

و قالت سيّدة نساء العالمين لمّا غصبوا الخلافة من أمير المؤمنين عليه السلام في خطبتها في فدك : « و ما نقموا من أبي الحسن عليه السلام إلاّ تنمّره و شدّة و طأته في ذات اللّه » ٤ .

و في زيارته عليه السلام : « كنت على الكافرين عذابا صبّا و نهبا ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الانبياء : ١٠٧ .

( ٢ ) امالي المفيد : ١٤ ح ٤ ، المجلس ٢ ، و النقل بتصرف .

( ٣ ) الفتح : ٢٩ .

( ٤ ) رواه عن سقيفة الجوهري الاربلي في كشف الغمة ٢ : ١١١ ، و غيره ، و النقل بالمعنى .

٤٥٢

و للمؤمنين غيثا و خصبا » ١ .

« فاصبر مغموما أو مت متأسّفا » كتب معاوية إليه عليه السلام : « عرفنا ذلك في نظرك الشّزر ، و في قولك الهجر ، و في تنفسك الصّعداء » ٢ .

و مرّ قوله عليه السلام لجندب : « و اللّه لا يدفع الناس إلينا هذا الأمر طائعين أبدا » ،

و مرّ قوله عليه السلام له : « فإن لم أصبر فما ذا أصنع ؟ » ، و مرّ قول جندب له عليه السلام يا ابن عمّ رسول اللّه لقد صدعت قلبي بهذا القول ٣ .

و قال المدائني : قال عبد اللّه بن جنادة : قدمت من الحجاز اريد العراق في أوّل أمارة علي عليه السلام . فمررت بمكّة . فاعتمرت . ثم قدمت المدينة . فدخلت مسجد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم إذ نودي : الصلاة جامعة . فاجتمع الناس ، و خرج علي عليه السلام متقلّدا سيفه . فشخصت الأبصار نحوه . فحمد اللّه و صلّى على رسوله . ثم قال :

أمّا بعد فإنّه لمّا قبض اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قلنا : نحن أهله و ورثته ، و عترته و أولياؤه دون الناس . لا ينازعنا سلطانه أحد ، و لا يطمع في حقّنا طامع إذ انبرى لنا قومنا فغصبونا سلطان نبيّنا ، فصارت الإمرة لغيرنا ، و صرنا سوقة يطمع فينا الضعيف و يتعزز علينا الذليل . فبكت الأعين منّا لذلك ، و خشنت الصدور ،

و جزعت النفوس . و أيم اللّه لو لا مخافة الفرقة بين المسلمين ، و أن يعود الكفر و يبور الدين ، لكنّا على غير ما كنّا لهم الخبر ٤ .

قوله عليه السلام في الرابع : « فدع عنك قريشا و تركاضهم في الضّلال » في ( الصحاح ) الركض : تحريك الرجل قال تعالى اركض برجلك ٥ و ركضت

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه المجلسي في بحار الأنوار ١٠٠ : ٣٢٢ ، و بفرق يسير في المصدر ١٠٠ : ٣٧٦ ، ضمن زيارة عن عدة مصادر .

( ٢ ) رواه ابن مزاحم في وقعة صفين : ٨٧ ، و ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ٤٥٧ ، شرح الكتاب ٢٨ .

( ٣ ) مرّ في هذا العنوان .

( ٤ ) رواه عن المدائني ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ١٠١ ، شرح الخطبة ٢٢ .

( ٥ ) ص : ٤٢ .

٤٥٣

الفرس برجلي إذا استحثثته ليعدو ، ثم كثر حتّى قيل ركض الفرس إذا عدا .

و الصواب ركض الفرس مجهولا فهو مركوض ١ .

قلت : و يفسّر التركاض بالفارسية بقولهم « تاخت كردن » .

« و تجوالهم » أي : تطوافهم . و تجوال كتركاض للمبالغة ففي الجمهرة « رجل تكلام كثير الكلام ، و رجل تلقام : عظيم اللقم ، و تلعاب : كثير اللعب » و قد عقد لما جاء على تفعال بابا ٢ .

« في الشقاق » أي : الخلاف و العداوة .

« و جماحهم في التيه » قال الجوهري : الجموح : الّذي يركب هواه فلا يمكن ردّه ٣ ، و التيه المفازة يتاه فيها . و تاه في الأرض : أي : ذهب متحيرا .

« فإنّهم قد أجمعوا على حربي كإجماعهم على حرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم قبلي » قال الصادق عليه السلام في قوله تعالى : أ لم تر إلى الّذين بدّلوا نعمة اللّه كفرا ٤ عنى اللّه تعالى بهم قريشا الذين عادوا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و جحدوا وصية وصيّه ٥ .

و قال الباقر عليه السلام على رواية العامة عنه عليه السلام : ما لقينا من ظلم قريش إيّانا ، و تظاهرهم علينا ، و ما لقي شيعتنا و محبّونا من الناس ، أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم قبض ، و قد أخبر أنّا أولى الناس بالناس . فتمالأت علينا قريش حتى أخرجت الأمر عن معدنه ، و احتجّت على الأنصار بحقّنا و حجّتنا .

ثم تداولتها قريش ، واحدا بعد واحد حتّى رجعت إلينا ، فنكثت بيعتنا ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة ٣ : ١٠٧٩ ، مادة ( ركض ) .

( ٢ ) جمهرة اللغة ٣ : ٣٨٨ .

( ٣ ) صحاح اللغة ١ : ٣٦٠ ، مادة ( جمح ) .

( ٤ ) ابراهيم : ٢٨ .

( ٥ ) رواه الكليني في الكافي ١ : ٢١٧ ح ٤ .

٤٥٤

و نصبت الحرب لنا الخبر ١ .

و في ( ذيل الطبري ) : عن عبد المطلب بن ربيعة الهاشمي قال : دخل العباس على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و هو مغضب و أنا عنده . فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : ما أغضبك ؟ فقال : يا رسول اللّه ما لنا و لقريش إذا تلاقوا تلاقوا بوجوه مستبشرة ، و إذا لقونا لقونا بغير ذلك ؟ فغضب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم حتى احمرّ وجهه حتّى استدرّ عرق بين عينيه و كان إذا غضب استدرّ فلمّا سرّي عنه قال :

« و الّذي نفس محمّد بيده لا يدخل قلب امرئ من الايمان أبدا حتّى يحبّكم للّه و لرسوله » ٢ .

و أمّا إجماعهم على حرب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم فمعلوم ، و في ( الطبري ) : قال سعد بن معاذ بعد أن حكم في بني قريظة بما حكم اللّهمّ إنّك قد علمت أنّه لم يكن قوم أحبّ إليّ أن اقاتل أو اجاهد من قوم كذّبوا رسولك ، اللّهمّ إن كنت أبقيت من حرب قريش على رسولك شيئا فابقني لها ، و إن كنت قد قطعت الحرب بينه و بينهم فاقبضني إليك إلى أن قال فلمّا انصرف النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن الخندق قال « الآن نغزو قريشا و لا يغزونا » فكان كذلك حتّى فتح اللّه على رسوله مكّة ٣ .

و الرجلان و إن لم يحارباه ظاهرا بل صارا من تبعه إلاّ أنّه كان ضررهما على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أكثر من ضرر محاربيه . فمنعاه من الوصية ،

و تخلّفا عن جيش أكّد تجهيزه حتّى لعن المتخلّف عنه ، و بنتاهما تظاهرا عليه صلّى اللّه عليه و آله و سلم أشدّ تظاهر حتّى أخبر جلّ و علا عن عملهما في قوله : و إن

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ١٥ ، شرح الخطبة ٢٠٨ .

( ٢ ) منتخب ذيل الهذيل : ٤٩ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٢ : ٢٥٣ ، سنة ٢٥ .

٤٥٥

تظاهرا عليه فإنّ اللّه هو مولاه و جبريل و صالح المؤمنين و الملائكة بعد ذلك ظهير ١ .

و قريش كانوا أشد قريش عداوة له صلّى اللّه عليه و آله و سلم ظاهرا و باطنا ، و هم بنو اميّة .

فعلوا ما فعلوا بتوسطهما . فجعل الثاني رئيسهم خليفته .

« فجزت قريشا عنّي الجوازي » قال كعب بن مالك الأنصاري في حرب قريش كانت قريش : لأكلها السخينة و هي طعام يتّخذ من الدقيق دون العصيدة في الرقة سمّيت بسخينة :

زعمت سخينة أن ستغلب ربّها

و ليغلبنّ مغالب الغلاّب

و تمثّل به الكاظم عليه السلام لما هدّده موسى الهادي العباسي بالقتل . فعجّل اللّه تعالى هلاكه ٢ .

« فقد قطعوا رحمي ، و سلبوني سلطان ابن امّي » هو نظير قول هارون لموسى يا ابن امّ إنّ القوم استضعفوني ٣ إلاّ أنّ هارون و موسى كانا بنفسيهما من امّ واحدة ، و أمير المؤمنين عليه السلام و النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أبواهما كانا من امّ واحدة هي فاطمة المخزومية ، و باقي أعمامه غير الزبير كانت امّهم غير امّ أبي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم .

و أما قول ابن ميثم : قيل إنّه عليه السلام قال : « و سلبوني سلطان ابن امّي » لأنّ امّه فاطمة بنت أسد كانت تربّي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم حين كفّله أبو طالب يتيما فهي كالامّ له فأطلق عليه البنوّة لها مجازا ٤ ، فبعيد عن لحن اللغة العربية و خطاباتهم . قال تعالى : و إلى عاد أخاهم هودا و إلى ثمود أخاهم

ــــــــــــــــــ

( ١ ) التحريم : ٤ .

( ٢ ) رواه ابن طاووس في مهج الدعوات : ٢١٩ .

( ٣ ) الاعراف : ١٥٠ .

( ٤ ) شرح ابن ميثم ٥٠ : ٨٠ .

٤٥٦

صالحا ١ و إنّما كانا من قوم عاد و ثمود .

و كان بنو زهرة يعدّون النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ابن اختهم لأنّ امّه كانت منهم ،

و عدّ الضبابي العباس عليه السلام ، و إخوته من امّه بني اختهم لأنّ امّهم كانت من عشيرتهم .

و إنّما قال عليه السلام لأخيه عقيل « فدع عنك قريشا و تركاضهم في الضلال و تجوالهم في الشقاق ، و جماحهم في التيه » لأنّهم سمّوا تارة طلبه عليه السلام لحقه حرصا و عدّوا عزّة نفسه و قد جعل اللّه العزّة للمؤمنين ، و هو أميرهم حقّا كبرا و عجبا ، و ثالثة : بشره الّذي هو من صفات المؤمن و هو اوّل مؤمن باللّه بعد رسوله دعابة ، و رابعة : خلوصه الّذي شهد له تعالى في هل أتى ٢ رياء ، و تشكّكوا في سبق إيمانه بعدم بلوغه مع أنّ لازمه عدم عرفان اللّه تعالى و عرفان رسوله حيث قبلاه ، و تشكّكوا في نصب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم له بخمّ مع تواتر الروايات به من طريقهم ، تارة بانكاره رأسا ، و اخرى على أنّ المراد كونه ابن عمه أو مولى معتق زيد بن حارثة ، و ثالثة بإخفائه حتّى استنشدهم أمير المؤمنين عليه السلام ذلك بأنّ من شهد ذاك اليوم يشهد . فاعتذر بعضهم بنسيانه . فدعا عليهم بالعمى و البرص و غير ذلك . فابتلوا بما دعا ، و بهتوا عليه بخطبته بنت أبي جهل ، و موجدة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم عليه بذلك ، مع أنّه لو فرض صحته كان اعتراضا على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم حيث أنكر ما أحلّته شريعته .

و عبّروا عنه عليه السلام تحقيرا من جهالتهم بأبي تراب كما عيّروه بذلك ما عيّر ابليس آدم بكونه من تراب ، و عبّروا عن شيعته بالترابية لذلك ، كما أنّهم عبّروا عنهم تلبيسا بالسبائية . فكانوا يعبّرون عن حجر بن عدى ، و عمرو بن

ــــــــــــــــــ

( ١ ) هذا تلفيق بين آيتي الاعراف : ٧٣ و ٦٥ .

( ٢ ) الانسان : ١ .

٤٥٧

الحمق و صعصعة بن صوحان ، و نظرائهم الّذين لا يعتقدون بسواه حتّى بأبي بكر و عمر فضلا عن عثمان بذلك ليموّهوا على الناس بأنّهم كعبد اللّه بن سبأ ١ من الغلاة و تبع قريشا اولئك مؤرّخوهم كالجاحظ و ابن قتيبة و ابن عبد ربه و غيرهم . فإنّهم عنونوا في كتبهم الشيعة ، و لم يذكروا غير الغلاة و خلّطوا و لبّسوا ، و نسبوا إلى أبيه عليه السلام الكفر مع تفادياته تلك الّتي لم يأت أحد بمثلها للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم إلاّ ابنه أمير المؤمنين عليه السلام و مع أبياته المصرّح فيها بحقيّة دينه .

و بالجملة دين إخواننا من يوم السقيفة لأبي بكر إلى يوم الشورى لعثمان دين قريش الّذين كانوا مسلمين ظاهرا و كافرين باطنا ، و إنّما أسرّوا كفرهم بعد قهر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم لهم في حياته . فلمّا وجدوا بعده أعوانا أظهروه .

أما في السقيفة فقد أقرّ فاروقهم بأنّ نصب صدّيقهم كان من قبل اولئك فقال لابن عباس كما في ( الطبري ) و غيره « أ تدري ما منع الناس منكم ؟ قال : لا . قال : كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوّة و الخلافة .

فتجحفوا الناس جحفا فنظرت قريش لأنفسهما فاختارت ، و وفّقت فأصابت » فقال له ابن عباس : أمّا قولك : إنّ قريشا كرهت ، فانّ اللّه تعالى قال لقوم :

ذلك بأنّهم كرهوا ما أنزل اللّه فأحبط أعمالهم ٢ و أمّا قولك : إنّ قريشا اختارت فإنّ اللّه تعالى يقول : و ربّك يخلق ما يشاء و يختار ما كان لهم الخيرة ٣ و قد علمت أنّ اللّه اختار لذلك من اختار . فلو نظرت قريش من

ــــــــــــــــــ

( ١ ) عبد اللّه بن سبأ لا وجود له ، كما أثبت ذلك العلاّمة السيّد مرتضى العسكري في كتابه « اسطورة عبد اللّه بن سبأ » فراجع .

( ٢ ) محمد : ٩ .

( ٣ ) القصص : ٦٨ .

٤٥٨

حيث نظر اللّه لها لوفّقت و أصابت ١ .

و امّا يوم الشورى ، ففي ( الطبري ) و غيره قال عبد الرحمن بن عوف :

اشيروا علي . فقال عمّار : إن أردت أن لا يختلف المسلمون فبايع عليّا . فقال المقداد : صدق عمّار . إن بايعت عليّا قلنا سمعنا و أطعنا . فقال ابن أبي سرح : إن أردت أن لا تختلف قريش فبايع عثمان . فقال عبد اللّه بن أبي ربيعة : صدق ابن أبي سرح إن بايعت عثمان قلنا سمعنا و أطعنا . فشتم عمّار ابن أبي سرح ،

و قال : متى كنت تنصح المسلمين . فتكلّم بنو هاشم و بنو اميّة . فقال عمّار : أيّها الناس إنّ اللّه عزّ و جلّ أكرمنا بنبيه ، و أعزّنا بدينه ، فانّى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم . فقال رجل من بني مخزوم : لقد عدوت طورك يا ابن سمية ،

و ما أنت و تأمير قريش لأنفسها . فقال سعد لعبد الرحمن : افرغ قبل أن يفتتن الناس ٢ .

فترى انّ عمارا و مقدادا و جلالهما في الاسلام و شموخ مقامها معلوم جعلا قريشا مقابلة للمسلمين كما ترى أنّ الداعي إلى عثمان لميل قريش إليه ابن أبي سرح و نظراؤه الّذين نزل القرآن بكفرهم .

و في ( المروج ) بعد ذكر قول أبي سفيان لمّا بويع عثمان « يا بني اميّة تلقفوها تلقف الكرة . فو الّذي يحلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها لكم ،

و لتصيرن إلى صبيانكم وراثة » . فانتهره عثمان و ساءه ما قال و نمي هذا القول و غيره من الكلام إلى المهاجرين و الأنصار و غير ذلك فقام عمّار في المسجد . فقال : يا معشر قريش أمّا إذ صرفتم هذا الأمر عن أهل بيت نبيّكم

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه الطبري في تاريخه ٣ : ٢٨٩ ، سنة ٢٣ ، و ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ١٠٧ ، شرح الخطبة ٢٢٦ ، و النقل بالمعنى .

( ٢ ) رواه الطبري في تاريخه ٣ : ٢٩٧ ، سنة ٢٣ ، و الجوهري في السقيفة ٥ : ٨٤ ، و النقل بتصرف يسير .

٤٥٩

ها هنا مرّة ، و ها هنا مرّة . فما أنا بآمن أن ينزعه اللّه منكم فيضعه في غيركم كما نزعتموه من أهله و وضعتموه في غير أهله ، و قام المقداد . فقال : ما رأيت مثل ما أوذي به أهل هذا البيت بعد نبيّهم فقال له عبد الرحمن : و ما أنت و ذاك يا مقداد . فقال : إنّي و اللّه لاحبّهم لحبّ رسوله ، و انّ الحق معهم و فيهم . يا عبد الرحمن أعجب من قريش ، و من تطوّلهم على الناس بفضل أهل هذا البيت .

قد اجتمعوا على نزع سلطان الرسول من بعده من أيديهم . أما و أيم اللّه يا عبد الرحمن لو أجد على قريش انصارا لقاتلتهم كقتالي ايّاهم مع النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم يوم بدر ١ .

فتراه دالاّ على كون قريش في قبال أمير المؤمنين عليه السلام يوم الشورى ككونهم في قبال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم يوم بدر ، و أنّهم و على رأسهم عبد الرحمن بن عوف كأبي جهل و عتبة و شيبة و نظرائهم يجب الجهاد ضدّهم لو وجد أعوان و المقداد و عمّار ممّن أجمع على جلالهما و أنّهما من أربعة لم يكن أحد فوقهم في الصحابة .

هذا و قال ابن أبي الحديد بعد العنوان الأوّل : و اعلم أنّ الآثار و الأخبار في هذا الباب كثيرة جدا ، و من تأمّلها و أنصف علم أنّه لم يكن هناك نص صريح و مقطوع به تختلجه الشكوك و لا يتطرق اليه الاحتمالات كما تزعم الامامية . فإنّهم يقولون : إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم نصّ على أمير المؤمنين عليه السلام نصّا صريحا جليا ليس بنص يوم الغدير ، و لا خبر المنزلة و لا ما شابههما من الأخبار الواردة من طرق العامّة ، و غيرها بل نصّ عليه بالخلافة و بإمرة المؤمنين ، و أمر المسلمين أن يسلّموا عليه بذلك . فسلموا عليه بها ، و صرّح لهم في كثير من المقامات بأنّه خليفة عليهم من بعده ، و أمرهم بالسمع و الطاعة له ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب ٢ : ٣٤٣ .

٤٦٠

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597