بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 597

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 597
المشاهدات: 39197
تحميل: 3800


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 597 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39197 / تحميل: 3800
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 4

مؤلف:
العربية

سيّئا عسى اللّه أن يتوب عليهم إنّ اللّه غفور رحيم ١ .

و آخرون مرجون لأمر اللّه إمّا يعذّبهم و إمّا يتوب عليهم و اللّه عليم حكيم ٢ .

« و مقصّر » أي : مفرّط في أمر آخرته .

« في النار هوى » أي : سقط و هلك .

قال جل اسمه : بلى من كسب سيّئة و أحاطت به خطيئته فاولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ٣ .

هذا ، و قد عرفت أنّ ابن أبي الحديد روى بعد ما مرّ زيادة « ثلاثة و اثنان ملك طار بجناحيه و نبي أخذ اللّه بيده لا سادس » و مثله ابن ميثم حيث روى بعد ما مرّ « ثلاثة و اثنان خمسة و ليس فيهم سادس ملك طائر بجناحيه و نبي أخذ بضبعيه » ٤ .

و الصواب رواية الكليني من جعل الزيادة قبل ما مرّ من قوله عليه السّلام « ساع سريع إلى في النار هوى » فقد عرفت أنّه روى كلامه عليه السّلام هكذا : « ثلاثة و إثنان خمسة ليس لهم سادس . ملك يطير بجناحيه ، و نبي أخذ اللّه بضبعيه ،

و ساع مجتهد ، و طالب يرجو ، و مقصّر في النار » ٥ .

فإنّ رواية ابن أبي الحديد و رواية ابن ميثم تحتاجان إلى تكلّف كثير في معنى « ثلاثة و اثنان » بأن يكون الأصل « من مرّ ثلاثة و من يأتي اثنان » و هو كما ترى بعيد عن كلام مثله عليه السّلام لخروجه عن الفصاحة بخلاف رواية الكليني

ــــــــــــــــــ

( ١ ) التوبة : ١٠٢ .

( ٢ ) التوبة : ١٠٦ .

( ٣ ) التوبة : ٨١ .

( ٤ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١ : ٩٢ و شرح ابن ميثم ١ : ٢٩٨ .

( ٥ ) الكافي ٨ : ٦٨ .

٥٤١
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الرابع الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

ففي كمال المناسبة و الربط .

و كيف كان ، فقال ابن أبي الحديد : « كلامه عليه السّلام يقتضي أنّ العصمة ليست إلاّ للأنبياء و الملائكة ، و لو كان الامام يجب أن يكون معصوما لكان قسما سادسا و قد نفاه » ١ .

قلت : بل لا يقتضي ما قاله لأنّ الإمام حاله حال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم فقوله « و نبي أخذ اللّه بيده » يدلّ عليه بادلالة العرفية بالاقتصار على أظهر الفردين و إرادة الأعم كما هو المتداول في المحاورات . فهما من سنخ واحد النبي الآتي بالشريعة و الإمام الحافظ للشريعة .

و لرعاية السنخية قال عليه السّلام « ثلاثة و اثنان » و لم يقل « خمسة » نعم على عقيدتهم في من نصبوه إماما حتّى ذي نوريهم يمكن أن يكون الإمام داخلا في قوله عليه السّلام : « و مقصّر في النار هوى » لقوله تعالى : و جعلناهم أئمّة يدعون إلى النار ٢ .

« اليمين و الشمال مضلّة و الطريق الوسطى هي الجادّة » بتشديد الدال قال تعالى : و انّ هذا صراطي مستقيما فاتّبعوه و لا تتّبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله ٣ .

« عليها باقي الكتاب » أي : الكتاب الباقي من اضافة الصفة . ثم يصدّق المتن من لفظ الجملة رواية ابن أبي الحديد و رواية الروضة و ابن ميثم ٤ و لكن عرفت أنّ العقد رواه بلفظ « منهج عليه أمّ الكتاب » ٥ قال جلّ و علا : الحمد للّه

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٩٢ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) القصص : ٤١ .

( ٣ ) الانعام : ١٥٣ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٩١ و شرح ابن ميثم ١ : ٣٠٢ و الكافي ٨ : ٦٨ .

( ٥ ) العقد الفريد ٤ : ١٣٣ .

٥٤٢

الّذي أنزل على عبده الكتاب و لم يجعل له عوجا قيما ١ .

« و آثار النبوّة » هو الّذي بعث في الامّيّين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته و يزكّيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة و إن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ٢ .

« و منها منفذ السنّة و إليها مصير العاقبة » الجملتان ليستا في رواية ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الروضة و غيرها ٣ ثم إنّ الضميرين في « منها » و « إليها » راجعان إلى الطريق الوسطى الّتي هي الجادة . قال تعالى : يأمرهم بالمعروف و ينهاهم عن المنكر و يحلّ لهم الطيّبات و يحرّم عليهم الخبائث و يضع عنهم إصرهم و الأغلال الّتي كانت عليهم فالذين آمنوا به و عزّروه و نصروه و اتّبعوا النور الّذي أنزل معه أولئك هم المفحلون » ٤ .

قال ابن أبي الحديد : مثل كلامه عليه السّلام خطبة عمر في سنة قتله « قد سننت لكم السنن و فرضت لكم الفرائض ، و تركتكم على الواضحة الاّ أن تميلوا بالناس يمينا و شمالا » ٥ .

قلت : هل كان نبيّا حتّى يسنّ هو لهم السنن و يفرض لهم الفرائض ؟ نعم هو غيّر سنن النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم و فرائض القرآن . فقال في خطبته : « متعتان كانتا على عهد رسول اللّه عليه السّلام و أنا أنهى عنهما ، و أعاقب عليهما » ٦ .

ثم كيف تركهم على الواضحة ، و هو لم يكن يعرف الطريق من غير

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكهف : ١ .

( ٢ ) الجمعة : ٢ .

( ٣ ) توجد الجملتان في شرح ابن أبي الحديد ١ : ٩١ و شرح ابن ميثم ١ : ٣٠٢ لكن لم توجدا في الكافي ٨ : ٦٨ و في البيان و التبيين ٢ : ٥٠ و ان جاء فيهما ما قبله و ما بعده .

( ٤ ) الأعراف : ١٥٧ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٩٢ .

( ٦ ) أخرجه الطحاوى في مشكل الآثار و أبو صالح في نسخته عنهما منتخب كنز العمال ٦ : ٤٠٤ و غيرهما .

٥٤٣

الطريق ففي ( تاريخ بغداد ) في الهياج بن بسطام قال أبو سعيد الخدري خطبنا عمر . فقال : « إنّي لعلّي أنهاكم عن أشياء تصلح لكم . و آمركم بأشياء لا تصلح لكم و انّ من آخر القرآن نزولا آية الربا و انّه قد مات النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم و لم يبيّنها لنا » ١ .

« هلك من ادعى » ما ليس له .

« و خاب من افترى » هو لفظ القرآن ، قال تعالى : قال لهم موسى و يلكم لا تفتروا على اللّه كذبا فيسحتكم بعذاب و قد خاب من افترى » ٢ .

قال ابن أبي الحديد : كأنّه يقول هلك من ادّعى الإمامة ، و روي من اقتحمها : و لجها عن غير استحقاق لأنّ كلامه عليه السّلام في هذه الخطبة كلّه كنايات عن الإمامة لا عن غيرها ٣ .

قلت : و فيها تعريضات بل تصريحات بهلاكة الثلاثة كما رواه الجاحظ و أبو عبيدة و الكليني ٤ ، و لا سيما مع ما في ذيلها « ألا إنّ أبرار عترتي . . . » كما مرّ .

« من أبدى صفحته للحقّ هلك » قال ابن أبي الحديد : « و في رواية من أبدى صفحته للحق هلك عند جهله الناس و التأويل المختلف فمراده على الرواية و هي الصحيحة « من كاشف الحقّ مخاصما له هلك ، و هي كلمة جارية مجرى المثل و مراده على الرواية الثانية من أبدى صفحته لنصرة الحق غلبه أهل الجهل لأنّهم العامة و فيهم الكثرة » ٥ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه الخطيب في تاريخ بغداد ١٤ : ٨١ و يعنى بآية الربا آيتي ٢٧٥ ٢٧٦ من سورة البقرة .

( ٢ ) طه : ٦١ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٩٢ .

( ٤ ) البيان و التبيين ٢ : ٥١ نقلا عن أبي عبيدة و كافي الكليني ٨ : ٦٨ لكن رواية الكليني بلا ذيل .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٩١ .

٥٤٤

قلت : الصواب الاولى : و ان اقتصر ابن ميثم على الثانية لأنّه لم يذكر أبو عبيدة و المفيد و المسعودي و الكليني و ابن ميثم في أصل العنوان غير الاولى ١ .

و لأنّه كرّر المصنّف الفقرة سهوا في الحكمة ( ١٨٨ ) كالاولى بلا خلاف ٢ ، و لأنّه لا معنى للثاني ، و ما قاله ابن أبي الحديد في معناه بلا محصّل بل الزيادة مفسدة . فانّ من أبدى صفحته يهلك في الواقع لا عند الجهلة . فإنّه مساوق لقوله عليه السّلام « من صارع الحق صرعه » ٣ .

و بالجملة ، لا ريب في أنّ المراد من إبداء الصفحة كشف مخاصمته .

ففي كتاب معاوية إلى مروان في أمر الحسين عليه السّلام « فاكمن عنه ما لم يبد لك صفحته » .

و في خطبة زياد البتراء : « انّي لو علمت أنّ أحدكم قتله السلّ من بغضي لم أكشف له قناعا و لم اهتك له سترا حتّى يبدي لي صفحته ، فإن فعل ذلك لم انظره » .

و في كتاب الوليد بن عقبة إلى معاوية في الطلب بدم عثمان : « إنّا على مداحاة و لمّا نبدأ صفحتنا بعد » .

و في خطبة النعمان بن بشير لمّا سمع باختلاف الشيعة إلى مسلّم في الكوفة : « إنّي لا اقاتل من لا يقاتلني ، و لكن إن أبديتم صفحتكم و نكثتم بيعتكم اقاتلكم » .

« و كفى بالمرء جهلا أن لا يعرف قدره » هذه الفقرة و الاثنتان بعدها ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) البيان و التبيين ٢ : ٥٠ نقلا عن أبي عبيدة و إرشاد المفيد : ١٢٨ و اثبات المسعودي : ١٢٦ و كافي الكليني ٨ : ٦٨ و شرح ابن ميثم ١ : ٣٠٢ و ٣٠٧ .

( ٢ ) نهج البلاغة ٤ : ٤٣ ، الحكمة ١٨٨ .

( ٣ ) نهج البلاغة ٤ : ٩٥ ، الحكمة ٤٠٨ .

٥٤٥

و الأخيرتان ليست في شي‏ء من أسانيد العنوان كما عرفت ، و إنّما الاثنتان بعدها جزء كلامه عليه السّلام في عنوان « من يتصدّى للحكم » ١ .

و كيف كان فهو كالمثل ، و من أمثالهم : « كفى بالشك جهلا » ٢ و « كفى بالمشرفية واعظا » ٣ و « كفى برغائها مناديا » ٤ .

و إنما يكفيه جهلا عدم عرفان قدره لأنّه يؤدّي به إلى الهلكة بقول ما ليس له قوله و فعل ما ليس له فعله .

« لا يهلك على التقوى سنخ أصل » في ( الأساس ) : « سنخت : إئتكلت اصولها ،

و طعام سنخ و أصله من سنخ الاسنان » ٥ هو أيضا كالمثل .

قال جلّ و علا : و من يتّق اللّه يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب ٦ و إن منكم إلاّ واردها كان على ربّك حتما مقضيا ثمّ ننجّي الذين اتقوا و نذر الظالمين فيها جثيّا ٧ .

« و لا يظمأ عليها زرع قوم » هو أيضا كالمثل و قال جلّ و علا : تلك الجنّة الّتي نورث من عبادنا من كان تقيا ٨ .

« فاستتروا ببيوتكم و أصلحوا ذات بينكم » يعني عوضا من أن تعلنوا عداوتكم فتهلكوا كما فعل طلحة و الزبير ، استتروا ببيوتكم لإصلاح ذات بينكم لكونه سبب نجاتكم .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) نهج البلاغة ١ : ١٩٦ ، الخطبة ١٠١ .

( ٢ ) أورده الزمخشري في المستقصى ٢ : ٢٢١ و الميداني في مجمع الامثال ٢ : ١٦١ .

( ٣ ) أورده الميداني في مجمع الامثال ٢ : ١٦٢ .

( ٤ ) أورده الزمخشري في المستقصى ٢ : ٢٢١ و الميداني في مجمع الامثال ٢ : ١٤٢ .

( ٥ ) أساس البلاغة : ٢٢١ ، مادة ( سنخ ) .

( ٦ ) الطلاق : ٢ و ٣ .

( ٧ ) مريم : ٧١ ٧٢ .

( ٨ ) مريم : ٦٣ .

٥٤٦

« و التوبة من ورائكم » أي : التوبة من تقديمكم الثلاثة . فقد عرفت أنّ في الأصل « قد كانت امور لم تكونوا عندي فيها محمودين » .

« و لا يحمد حامد » في ما يعمل من الخير .

« إلاّ ربّه » حيث وفقّه ، لا نفسه .

« و لا يلم لائم » في ما يعمل من الشرّ .

« إلاّ نفسه » حيث اختار بسوء طويّته الشرّ .

و إن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند اللّه و إن تصبهم سيّئة يقولوا هذه من عندك قل كلّ من عند اللّه فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ما أصابك من حسنة فمن اللّه و ما أصابك من سيّئة فمن نفسك ١ .

هذا و يأتي ٢ شرح باقي الفقرات الّتي كانت في الأسانيد دون النهج فذكرها المصنّف ثمّة .

٢٤

من الخطبة ( ٨٧ ) بعد كلامه عليه السّلام في بعثة النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم :

فَاعْتَبِرُوا عِبَادَ اَللَّهِ وَ اُذْكُرُوا تِيكَ اَلَّتِي آبَاؤُكُمْ وَ إِخْوَانُكُمْ بِهَا مُرْتَهَنُونَ وَ عَلَيْهَا مُحَاسَبُونَ وَ لَعَمْرِي مَا تَقَادَمَتْ بِكُمْ وَ لاَ بِهِمُ اَلْعُهُودُ وَ لاَ خَلَتْ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمُ اَلْأَحْقَابُ وَ اَلْقُرُونُ وَ مَا أَنْتُمُ اَلْيَوْمَ مِنْ يَوْمَ كُنْتُمْ فِي أَصْلاَبِهِمْ بِبَعِيدٍ . وَ اَللَّهِ مَا أَسْمَعَكُمُ ؟ اَلرَّسُولُ ؟ شَيْئاً إِلاَّ وَ هَا أَنَا ذَا اَلْيَوْمَ مُسْمِعُكُمُوهُ وَ مَا أَسْمَاعُكُمُ اَلْيَوْمَ بِدُونِ أَسْمَاعِكُمْ بِالْأَمْسِ وَ لاَ شُقَّتْ لَهُمُ اَلْأَبْصَارُ وَ لاَ جُعِلَتْ لَهُمُ اَلْأَفْئِدَةُ فِي ذَلِكَ اَلْأَوَانِ إِلاَّ وَ قَدْ أُعْطِيتُمْ

ــــــــــــــــــ

( ١ ) النساء : ٧٨ و ٧٩ .

( ٢ ) يأتي في العنوان ٢٤ من هذا الفصل .

٥٤٧

مِثْلَهَا فِي هَذَا اَلزَّمَانِ وَ اَللَّهِ مَا بُصِّرْتُمْ بَعْدَهُمْ شَيْئاً جَهِلُوهُ وَ لاَ أُصْفِيتُمْ بِهِ وَ حُرِمُوهُ وَ لَقَدْ نَزَلَتْ بِكُمُ اَلْبَلِيَّةُ جَائِلاً خِطَامُهَا رِخْواً بِطَانُهَا فَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ مَا أَصْبَحَ فِيهِ أَهْلُ اَلْغُرُورِ فَإِنَّمَا هُوَ ظِلٌّ مَمْدُودٌ إِلَى أَجَلٍ مَعْدُودٍ « فاعتبروا عباد اللّه و اذكروا تيك » : أي : تلك . قال الجوهري : « تا » : اسم يشار به إلى المؤنث ، فإن خاطبت جئت بالكاف فقلت : « تيك » ١ .

« التي آباؤكم و إخوانكم » الذين مضوا .

« بها » الآن .

« مرتهنون » كلّ نفس بما كسبت رهينة ٢ ، كلّ امرى‏ء بما كسب رهين ٣ .

« و عليها » أي : على تلك الأعمال .

« محاسبون » و إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه ٤ و أما من اوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم اوت كتابيه و لم أدر ما حسابيه ياليتها كانت القاضية ٥ .

« و لعمرى ما تقادمت » أي : ما صارت قديمة .

« بكم و لا بهم العهود » أي : الأعصار من قولهم : « كان ذلك على عهد فلان » أي عصره .

« و لا خلت » أي : مضت .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة ٦ : ٢٥٤٧ ، مادة ( تا ) ، و النقل بتقطيع .

( ٢ ) المدثر : ٣٨ .

( ٣ ) الطور : ٢١ .

( ٤ ) البقرة : ٢٨٤ .

( ٥ ) الحاقة : ٢٥ ٢٧ .

٥٤٨

« في ما بينكم و بينهم الأحقاب » أي : الدهور .

« و القرون » أي : الأزمنة . قال الشاعر :

إذا ذهب القرن الّذي أنت فيهم

و خلّفت في قرن فأنت غريب ١

« و ما أنتم اليوم من يوم كنتم في أصلابهم ببعيد » قال تعالى حاكيا عن شعيب : و يا قوم لا يجر منّكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح و ما قوم لوط منكم ببعيد ٢ .

« و اللّه ما أسمعهم الرسول » هكذا في ( المصرية ) ، و سقط منها بعده : « صلى اللّه عليه و آله » كما يشهد له ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٣ .

« شيئا » فقال لهم في حجّة الوداع : « ما من شي‏ء يقرّبكم من الجنّة و يباعدكم من النّار الاّ و قد أمرتكم به » ٤ .

« الا و ها انا ذا اليوم مسمعكموه » ففي ( تفسير الثعلبي ) كما نقل عنه ( تذكرة سبط ابن الجوزي ) قال زاذان : سمعت عليّا عليه السّلام يقول : و الّذي فلق الحبّة ، و برأ النسمة لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوارتهم ، و بين أهل الإنجيل بإنجيلهم ، و بين أهل الزبور بزبورهم ، و بين أهل الفرقان بفرقانهم ،

و الّذي نفسي بيده ما من رجل من قريش جرت عليه المواسي إلاّ و أنا أعرف له آية تسوقه إلى الجنّة أو تقوده إلى النار . فقال له رجل : فما آيتك الّتي انزلت فيك ؟ فقال عليه السّلام : أ فمن كان على بيّنة من ربّه و يتلوه شاهد منه ٥

ــــــــــــــــــ

( ١ ) اورده لسان العرب ١٣ : ٣٣٤ ، مادة ( قرن ) .

( ٢ ) هود : ٨٩ .

( ٣ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٣٤ لكن في شرح ابن ميثم ٢ : ٣٠٩ ايضا نحو المصرية .

( ٤ ) أخرجه في ضمن الخطبة الكليني في الكافي ٢ : ٧٤ ، ح ٢ و عاصم بن حميد في أصله : ٢٣ و غيرهما .

( ٥ ) هود : ١٧ .

٥٤٩

فالنبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم على بيّنة و أنا شاهد منه ١ .

« و ما أسماعكم اليوم بدون أسماعهم بالأمس » فإنّ السامعة الّتي أعطيت اولئك أعطاهم مثلها .

« و لا شقّت لهم الأبصار و لا جعلت » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب :

« و جعلت » بدون لا ، كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٢ .

« لهم الأفئدة في ذلك الأوان » أي : الزمان .

« إلاّ و قد اعطيتم مثلها » من الأبصار و الأفئدة .

« في هذا الزمان » أي : فكيف سمعوا و أبصروا و عقلوا ، و أنتم لا تسمعون و لا تبصرون و لا تعقلون .

« و اللّه » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب « و و اللّه » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٣ .

« ما بصّرتم بعدهم شيئا جهلوه ، و لا اصفيتم به » أي : اوثرتم به . من :

أصفيته بالشي‏ء إذا آثرت به .

« و حرموه » بأن يدّعوا أنّا لا نعمل كعملهم لأنّا بصّرنا شيئا كانوا هم جاهلين به ، و اصفينا بشي‏ء كانوا محرومين منه .

قال ابن أبي الحديد : يمكن أن يجيبه عليه السّلام مجيب بأنّ المخاطبين ، و إن كانوا متساوين إلاّ أنّ المخاطبين مختلفون . فانّك و إن كنت ابن عمّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم و أخاه و لحمه و دمه ، و فضائلك مشتّقة من فضائله ، و أنت قبس من نوره إلاّ أنّك لم ترزق القبول الّذي رزقه ، و لا انفعك لك النفوس انفعالها له ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) تذكرة الخواص : ١٦ .

( ٢ ) يوجد « لا » ايضا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٣٤ و شرح ابن ميثم ٢ : ٣١٠ .

( ٣ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٣٤ لكن في شرح ابن ميثم ٢ : ٣١٠ مثل المصرية أيضا .

٥٥٠

و تلك خاصية النبوّة الّتي امتاز بها عنك . فإنّه لا يسمع كلامه أحد إلاّ أحبّه و مال إليه ، و لذلك كانت قريش تسمّى المسلمين قبل الهجرة الصابئة ،

و يقولون : تخاف أن يصبو الوليد بن المغيرة إلى دين محمّد ، و لئن صبا الوليد ،

و هو ريحانة قريش ، لتصبونّ قريش بأجمعها ، و قالوا فيه : ما كلامه إلاّ السحر ،

و إنّه ليفعل بالألباب فوق ما يفعل الخمر ، و نهوا صبيانهم عن الجلوس إليه لئلاّ يستميلهم بكلامه و شمائله ، و كان إذا صلّى في الحجرة و جهر ، يجعلون أصابعهم في آذانهم ، و يستغشون ثيابهم ، و لذا أسلم الناس بمجرد سماع كلامه و رؤيته ، و مشاهدة روائه و منظره ، و هذا من أعظم معجزاته ، و هو القبول الّذي منحه اللّه تعالى ، و الطاعة الّتي جعلها في قلوب الناس له ، و ذلك على الحقيقة سرّ النبوّة الّتي تفرّد به النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم فكيف انتظر عليه السّلام من الناس أن يكونوا معه كما كان آباؤهم و إخوانهم مع النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم ١ ؟ قلت : ليس الفرق بينهما ما ذكر ، و إنّما الفرق أنّ الناس في أوّل الأمر كان من تبع منهم النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم تبعه طلبا للحقيقة و رفضا للخرافات و منكرات الجاهلية ، و ليس في يدهم من الدنيا شي‏ء ، و في عصره عليه السّلام قست قلوبهم و كانت الدنيا أقبلت عليهم من كلّ وجه .

و ما ذكره من تأثير كلام النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم إنّما كان من القرآن الّذي يقرأه عليهم فلمّا سألت قريش الوليد عن القرآن أي شي‏ء هو ؟ قال لهم : إن هذا إلاّ سحر يؤثر إن هذا إلاّ قول البشر ٢ و لم يكن من خاصية النبوّة ، و إلاّ فقد قال تعالى : يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلاّ كانوا به يستهزؤن ٣ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٣٥ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) المدثر : ٢٤ ، ٢٥ .

( ٣ ) يس : ٣٠ .

٥٥١

و مقصوده عليه السّلام من خطابه و عتابه أنّه كنفس النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم و فعل بهم ما فعل و قال لهم ما قال : و أتمّ عليهم الحجّة كما أتمّ ، و ليست الخصوصيات بدخيلة ، و إلاّ فجماعة غلوا في حقّه عليه السّلام لم يكونوا غلوا في حقّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم ،

و إنّما كان عليه السّلام يدعوهم إلى الحق المحض و الآخرة الخالصة ، و لا يقنع لهم باللسان كما كان النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم يقنع فنفروا عنه . فورد في تفسير قوله تعالى :

إنّما أنت منذر و لكلّ قوم هاد » ١ انه عليه السّلام كان الهادي ٢ .

و لو كان مجرّد المتابعة من خصوصيات النبوّة لكان أهل الدنيا أولى بالنبوّة . فإنّ الناس يميلون إليهم ، و لو كانوا في غاية الفظاظة ، و قد قال تعالى لنبيه صلى اللّه عليه و آله و سلّم : و لو كنت فظّا غليظ القلب لا نفضوا من حولك ٣ .

و لقد كانت المؤلّفة قلوبهم و المنافقون في كمال الموافقة مع الثلاثة المتقدّمين عليه عليه السّلام مع بغضهم للنبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم و دخولهم في الدين كرها .

و الوليد شخصه لم يكن ريحانة قريش بل قالوا مخزوم و هو منهم ريحانة قريش ، و لا معنى لإتيان حكم الكلّ للجزء ، و إن كانا كليّا و جزئيا .

ثم ما قاله من القبول الّذي منحه اللّه تعالى نبيّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم . و الطاعة الّتي قال جعلها اللّه له في قلوب الناس لم نرهما في صدّيقه و فاروقه في جيش اسامة و في وصيته صلى اللّه عليه و آله و سلّم .

« و لقد نزلت بكم البلية » أي : البلاء .

« جائلا » أي : مضطربا .

« خطامها » أي : زمامها .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الرعد : ٧ .

( ٢ ) أخرجه جمع كثير منهم ابن جرير و ابن مردويه و أبو نعيم و الديلمي و ابن عساكر و ابن النجار و الضياء المقدسي عنهم الدر المنثور ٤ : ٤٥ .

( ٣ ) آل عمران : ١٥٩ .

٥٥٢

« رخوا بطانها » أي : الحزام الّذي يجعل تحت بطن البعير يقال : التقت حلقتا البطن إذا اشتد الأمر .

قال عليه السّلام ذلك لقيام معاوية في قباله ، و اشتداد أمره بانحياز المنافقين إليه ، و كونه ملاذا للمنحرفين عنه عليه السّلام ، فمن أراد عليه السّلام أخذه بالحقّ ، لحق بمعاوية ، و قد كان المتقدّمون عليه أسّسوا ذلك له .

« فلا يغرّنكم ما أصبح فيه أهل الغرور . فانّما هو ظلّ ممدود إلى أجل معدود » قال تعالى : يا أيّها الناس اتّقوا ربّكم و اخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده و لا مولود هو جاز عن والده شيئا إنّ وعد اللّه حقّ فلا تغرّنكم الحياة الدنيا و لا يغرنكم باللّه الغرور ١ .

و مراده عليه السّلام أن لا ينظر أصحابه إلى أهل الدنيا الذين يتركونه و يلحقون بمعاوية . قال عدي بن حاتم بعد رفع أهل الشام المصاحف : « أيّها الناس إنّه و اللّه لو غير عليّ عليه السّلام دعانا إلى قتال أهل الصلاة ما أجبناه ، و لا وقع بأمر قطّ إلاّ و معه من اللّه برهان ، و في يده من اللّه سبب ، و انّه وقف عن عثمان بشبهة ،

و قاتل أهل الجمل على النكث ، و أهل الشام على البغي . فانظروا في اموركم و أمره . فإن كان له عليكم فضل و ليس لكم مثله فسلّموا له ، و إلاّ فنازعوا عليه .

و اللّه لئن كان إلى العلم بالكتاب و السنّة ، إنّه لأعلم الناس بهما ، و إن كان إلى الاسلام إنّه لأخو نبي اللّه ، و الرأس في الاسلام ، و لئن كان إلى الزهد و العبادة ،

إنّه لأظهر الناس زهدا ، و أنهكهم عبادة ، و لئن كان إلى العقول و النحائز ، إنّه لأشدّ الناس عقلا ، و أكرمهم نحيزة ، و لئن كان إلى الشرف و النجدة ، إنّه لأعظم الناس شرفا و نجدة ٢ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) لقمان : ٣٣ .

( ٢ ) الإمامة و السياسة ١ : ١٢١ .

٥٥٣

و في ( البيان ) : قال رجل للحسن البصري : بلغنا أنّك تقول : لو كان عليّ بالمدينة يأكل من حشفها لكان خيرا له ممّا صنع . فقال له : يالكع أما و اللّه لقد فقدتموه سهما من مرامي اللّه . غير سؤوم لأمر اللّه ، و لا سروقة لمال اللّه ، أعطى القرآن عزائمه في ما عليه و له . فاحلّ حلاله ، و حرّم حرامه ، حتّى أورده ذلك رياضا مونقة ، و حدائق مغدقة ، ذلك علي بن أبي طالب ، يالكع ١ .

٢٥

من الخطبة ( ١٨٠ ) بعد الإشارة إلى المهدي عليه السّلام ثم قال :

أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنِّي قَدْ بَثَثْتُ لَكُمُ اَلْمَوَاعِظَ اَلَّتِي وَعَظَ بِهَا اَلْأَنْبِيَاءُ أُمَمَهُمْ وَ أَدَّيْتُ إِلَيْكُمْ مَا أَدَّتِ اَلْأَوْصِيَاءُ إِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ وَ أَدَّبْتُكُمْ بِسَوْطِي فَلَمْ تَسْتَقِيمُوا وَ حَدَوْتُكُمْ بِالزَّوَاجِرِ فَلَمْ تَسْتَوْسِقُوا لِلَّهِ أَنْتُمْ أَ تَتَوَقَّعُونَ إِمَاماً غَيْرِي يَطَأُ بِكُمُ اَلطَّرِيقَ وَ يُرْشِدُكُمُ اَلسَّبِيلَ « أيّها الناس انّي قد بثثت لكم المواعظ الّتي وعظ الأنبياء بها اممهم » و ممّن كان من الأنبياء أو مثل الأنبياء لقمان الحكيم الّذي ينقل اللّه تعالى مواعظه في القرآن في قوله جلّ و علا : و إذ قال لقمان لابنه و هو يعظه يا بني لا تشرك باللّه إنّ الشرك لظلم عظيم و وصيّنا الإنسان بوالديه حملته امّه و هنا على و هن و فصاله في عامين أن أشكر لي و لوالديك إليّ المصير و إن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما و صاحبهما في الدنيا معروفا و اتّبع سبيل من أناب إليّ ثم إليّ مرجعكم فأنبئّكم بما كنتم تعملون يا بنيّ إنّها إن تك مثقال حبّة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الارض يأت بها اللّه إنّ ذلك من عزم الامور و لا تصعّر خدّك للناس و لا تمش

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه الجاحظ في البيان و التبيين ٢ : ١٢١ و ابن عبد البر في الاستيعاب ٣ : ٤٧ .

٥٥٤

في الأرض مرحا إنّ اللّه لا يحب كلّ مختال فخور و اقصد في مشيك و اغضض من صوتك إنّ أنكر الأصوات لصوت الحمير ١ .

و ممّن كان في درجة الأنبياء مؤمن آل فرعون و قد نقل اللّه مواعظه في قوله جلّ ثناؤه : و قال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربّي اللّه و قد جاءكم بالبيّنات من ربّكم و إن يك كاذبا فعليه كذبه و إن يك صادقا يصبكم بعض الّذي يعدكم إنّ اللّه لا يهدي من هو مسرف كذّاب يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس اللّه إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلاّ ما أرى و ما أهديكم إلاّ سبيل الرشاد و قال الّذي آمن يا قوم إنّي أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب مثل دأب قوم نوح و عاد و ثمود و الذين من بعدهم و ما اللّه يريد ظلما للعباد و يا قوم إنّي أخاف عليكم يوم التناد يوم تولّون مدبرين مالكم من اللّه من عاصم و من يضلل اللّه فماله من هاد و لقد جاءكم يوسف من قبل بالبيّنات فمازلتم في شكّ ممّا جاءكم به حتّى إذا هلك قلتم لن يبعث اللّه من بعده رسولا كذلك يضلّ اللّه من هو مسرف مرتاب الذين يجادلون في آيات اللّه بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند اللّه و عند الذين آمنوا كذلك يطبع اللّه على كلّ قلب متكبّر جبّار إلى أن قال و قال الّذي آمن يا قوم اتّبعون أهدكم سبيل الرشاد يا قوم إنّما هذه الحياة الدنيا متاع و إنّ الآخرة هي دار القرار من عمل سيّئة فلا يجزى إلاّ مثلها و من عمل صالحا من ذكر أو أنثى و هو مؤمن فاولئك يدخلون الجنّة يرزقون فيها بغير حساب و يا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة و تدعونني إلى النار تدعونني لأكفر باللّه و أشرك به ما ليس لي به علم و أنا أدعوكم إلى العزيز الغفّار لا جرم أنّ ما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا و لا في الآخرة و أنّ مرّدنا إلى

ــــــــــــــــــ

( ١ ) لقمان : ١٣ ١٩ .

٥٥٥

اللّه و أنّ المسرفين هم أصحاب النار فستذكرون ما أقول لكم و افوّض أمري إلى اللّه إنّ اللّه بصير بالعباد فوقاه اللّه سيّئات ما مكروا و حاق بآل فرعون سوء العذاب ١ .

« و ادّيت اليكم ما أدّت الأوصياء إلى من بعدهم » قال الرضا عليه السّلام : قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم : خلق اللّه عزّ و جلّ مئة ألف نبي و أربعة و عشرين ألف نبي أنا أكرمهم على اللّه و لا فخر ، و خلق اللّه عزّ و جلّ مئة ألف وصي ، و أربعة و عشرين ألف وصي فعليّ أكرمهم على اللّه و أفضلهم ٢ .

و روى ابن المغازلي عن ابن بريدة قال : قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم : لكلّ نبي وصي و وارث و إنّ وصيي و وارثي عليّ بن أبي طالب ٣ .

و لكونه عليه السّلام فعل فعل جميع الأنبياء و الأوصياء في وعظ الناس و دعوتهم إلى اللّه تعالى ، و ترغيبهم في دارهم الآخرة ، قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم كما روى أحمد ابن حنبل « من أراد أن ينظر إلى آدم في حلمه ، و إلى إبراهيم في خلّته ، و إلى يحيى في زهده ، و إلى موسى في بطشه و في خبر في مناجاته و إلى إدريس في تمامه و كماله و جماله . فلينظر إلى هذا الرجل المقبل » فتطاول الناس . فإذا هم بعليّ عليه السّلام كأنّما ينقلب في صبب ، و ينحطّ من جبل ٤ .

قال ابن أبي الحديد : الأوصياء الذين يأتمنهم الأنبياء على الأسرار الإلهية و قد يمكن أن لا يكونوا خلفاء بمعنى الإمرة و الولاية . فإنّ مرتبتهم

ــــــــــــــــــ

( ١ ) غافر : ٢٨ ٤٥ .

( ٢ ) أخرجه الصدوق في الخصال ٢ : ٦٤١ ، ح ١٨ و في أماليه : ١٩٦ ، ح ١١ ، المجلس ٤١ .

( ٣ ) رواه ابن المغازلي في مناقبه ٢٠٠ : ٢٣٨ .

( ٤ ) روى الحديثين عن احمد و غيره السروي في مناقبه ٣ : ٢٦٣ و روى الاول عن مسند أحمد ابن أبي الحديد في شرحه ٢ : ٤٢٩ ، شرح الخطبة ١٥٢ لكن لم يوجد في نسختنا من مسند احمد .

٥٥٦
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الرابع الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

أعلى من مراتب الخلفاء ١ .

قلت : يمكن أن لا يكون للأنبياء أنفسهم إمرة و ولاية . فنوح و ابراهيم و موسى و عيسى ، و هم من اولي العزم من الرسل لم يكن لهم إمرة و ولاية ،

و الإمرة و إن كانت حقّهم إلاّ أنّ جبابرة عصرهم لم يدعوها ، و نبيّنا صلى اللّه عليه و آله و سلّم و هو سيّد الرسل لم تكن له قبل هجرته إمرة ، و الملك أمروراء النبوّة و وراء و صاية النبوّة ، يؤتيه اللّه من يشاء و ينزعه ممّن يشاء ، و أمّا النبوّة و الوصاية ،

فأمران من اللّه لا يجعلهما إلاّ في نفس كاملة ملكوتية ، و لا يمكن انتزاعهما منهما ، و المتقدّمون على أمير المؤمنين عليه السّلام إنّما أخذوا منه سلطان النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم و حكومته دون وصايته و خلافته . فتعبير ابن أبي الحديد من مراتب الخلفاء غلط .

« و أدّبتكم بسوطي فلم تستقيموا و حدوتكم بالزواجر » من حدوت الإبل إذا سقتها .

« فلم تستوسقوا » من استوسقت الإبل إذا اجتمعت .

روى ( روضة الكافي ) عن الاصبغ خطبة له عليه السّلام لما طلب منه عليه السّلام ولد أبي بكر و ابن عمر ، و سعد بن أبي وقاص تفضيلهم في العطاء على غيرهم و في الخطبة : « و قد عاتبتكم بدرّتي الّتي أعاتب بها أهلي . فلم تبالوا ، و ضربتكم بسوطي الّذي اقيم به حدود ربّي ، فلم ترعووا ، و تريدون أن أضربكم بسيفي أما انّي اعلم الّذي تريدون ، و يقيم اودكم ، و لكن لا أشتري صلاحكم بفساد نفسي بل يسلّط اللّه عليكم قوما ، فينتقم لي منكم . فلا دنيا استمتعتم بها ، و لا آخرة صرتم إليها ، فبعدا و سحقا لأصحاب السعير ٢ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٥١٧ .

( ٢ ) الكافي ٨ : ٣٦١ ، ح ٥٥١ .

٥٥٧

و الشي‏ء بالشي‏ء يذكر ، و قد رأيت أن أنقل بمناسبة كلامه عليه السّلام هذا قصّة المغيرة بن شعبة مع حجر بن عدي . فإنّها شبيهة بالصورة مع كلامه عليه السّلام ،

هذا و إن كانت في المعنى بالعكس . ففي ( الطبري ) : أنّ معاوية لمّا ولّى المغيرة الكوفة في سنة ( ٤١ ) قال له : قد أردت إيصاءك بأشياء كثيرة . فأنّا تاركها اعتمادا على بصرك بما يرضيني ، و يسعد سلطاني ، و لست تاركا إيصاءك بخصلة و هي أن لا تتحمّ عن شتم علي و ذمّه ، و الترحّم على عثمان و الاستغفار له ، و العيب على أصحاب عليّ و الإقصاء لهم ، و ترك الاستماع منهم ، و بإطراء شيعة عثمان ، و الإدناء لهم و الاستماع منهم . فقال له المغيرة :

قد جرّبت و جرّبت ، و عملت قبلك لغيرك . فلم يذمم بي دفع ، و لا رفع و لا وضع فستبلو . فأقام عاملا سبع سنين و أشهرا ، و هو من أحسن شي‏ء سيرة ، غير أنّه لا يدع ذم عليّ عليه السّلام و الوقوع فيه و العيب لقتلة عثمان ، و اللعن لهم ، و الدعاء لعثمان بالرحمة و الاستغفار له ، و التزكية لأصحابه . فكان حجر بن عدي إذا سمع ذلك يقول : « بل إيّاكم ذمم اللّه و لعن » ثم يقول فيقول : « إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول : كونوا قوّامين بالقسط شهداء للّه » و أنا أشهد أنّ من تذمّون لأحقّ بالفضل ، و أنّ من تزكّون لأولى بالذمّ » فيقول له المغيرة : « لقد رمي بسهمك يا حجر إذ كنت أنا الوالي عليكم اتّق يا حجر ويحك غضب السلطان . فإنّ غضبه أحيانا ممّا يهلك أمثالك » ثم يكفّ عنه . فلم يزل كذلك حتّى كان في آخر امارته قام المغيرة فقال في عليّ و عثمان كما كان يقول ، و كانت مقالته : « اللهم ارحم عثمان ، و اجزه بأحسن عمله . فإنّه عمل بكتابك ، و سنّة نبيّك ، و قتل مظلوما ،

و ارحم أنصاره و الطالبين بدمه » و يدعو على قتلته ، فقام حجر فنعر بالمغيرة نعرة سمعها من كان خارجا من المسجد . و قال : « انّك لا تدري بمن تولع من هرمك . أصبحت مولعا بذمّ أمير المؤمنين ، و تقريظ المجرمين » فنزل المغيرة

٥٥٨

فقالوا له : « علام تترك هذا الرجل يقول هذه المقالة ، و أنّ ذلك إن بلغ معاوية كان أسخط » فقال لهم المغيرة : « إنّي قد قتلته . إنّه سيأتي أمير بعدي فيحسبه مثلي فيصنع به شبيها بما ترونه يصنع بي . فيأخذه عند أوّل و هلة فيقتله شرّ قتلة انّه قد اقترب أجلي ، و لا أحبّ أنّ ابتدى‏ء أهل هذا المصر بقتل خيارهم فيسعدوا بذلك و أشقى ، و يعزّ في الدنيا معاوية ، و يذل يوم القيامة المغيرة » ثم ذكر الطبري موت المغيرة سنة ( ٥١ ) و ولاية زياد و عمله مع حجر بما هو مذكور في التاريخ ١ .

« للّه أنتم أ تتوقّعون إماما غيري يطأبكم الطريق ، و يرشدكم السبيل » و قد قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم فيه : « الحقّ يدور مع على حيثما دار » ٢ .

و في ( بلاغات نساء البغدادي ) في وفود ام الخير البارقية على معاوية فقال معاوية لأصحابه : أيّكم يحفظ كلامها في صفين ؟ فقال أحدهم : أنا أحفظه مثل سورة الحمد . كأنّي بها و هي كالفحل يهدر في شقشقته تقول : « أيّها الناس إنّ اللّه قد أوضح الحق ، و نوّر السبيل . فلم يدعكم في عمياء مبهمة ، و لا سوداء مدلهمة . إلى أين تريدون . أفرارا عن أمير المؤمنين ؟ أم رغبة عن الاسلام ؟ أم ارتدادا عن الحقّ . هلمّوا إلى الإمام العادل . و الوصيّ الوفيّ ،

و الصدّيق الأكبر ، فإلى أين تريدون عن ابن عم رسول اللّه ، و زوج ابنته ، و أبي إبنيه . الّذي خلق من طينته ، و تفرّع من نبعته . الّذي خصّه بسرّه ، و جعله باب مدينته ، و أبان ببغضه المنافقين ، صلّى و الناس مشركون ، و أطاع و الناس مرتابون . حتّى قتل مبارزي بدر ، و أفنى أهل أحد ، و فرّق جمع هوازن . فيالها من وقائع زرعت في قلوب قوم نفاقا و رّدة و شقاقا ٣ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ١٨٨ و ١٨٩ ، سنة ٥١ .

( ٢ ) أخرجه الحاكم في المستدرك ٣ : ١٢٤ و الترمذي في سننه ٥ : ٦٣٣ ، ح ٣٧١٤ و غيرهما ، و النقل بالمعنى .

( ٣ ) بلاغات النساء : ٥٦ ، و النقل بتقطيع .

٥٥٩

٢٦

الخطبة ( ١٧٦ ) وَ إِنِّي لَأَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تَكُونُوا فِي فَتْرَةٍ وَ قَدْ كَانَتْ أُمُورٌ مَضَتْ مِلْتُمْ فِيهَا مَيْلَةً كُنْتُمْ فِيهَا عِنْدِي غَيْرَ مَحْمُودِينَ وَ لَئِنْ رُدَّ عَلَيْكُمْ أَمْرُكُمْ إِنَّكُمْ لَسُعَدَاءُ وَ مَا عَلَيَّ إِلاَّ اَلْجُهْدُ وَ لَوْ أَشَاءُ أَنْ أَقُولَ لَقُلْتُ عَفَا اَللَّهُ عَمَّا سَلَفَ ٤١ ٤٤ ٥ : ٩٥ أقول : قد مرّ أنّ العنوان جزء أوّل خطبة خطبها عليه السّلام بعد بيعة الناس له بعد عثمان رواه الجاحظ في بيانه عن أبي عبيدة ، و رواه ( الإرشاد ) و ( العقد ) و رواه ( الروضة ) ، و رواه ( ابن ميثم ) ١ .

« و إنّي لأخشي عليكم أن تكونوا في فترة » قد كان بين عيسى عليه السّلام و نبيّنا صلى اللّه عليه و آله و سلّم زمان الفترة . قال تعالى : يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبيّن لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير و لا نذير فقد جاءكم بشير و نذير ٢ .

و قد كان بعد نبيّنا صلى اللّه عليه و آله و سلّم فترتان : إحداهما ما بين مضي النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم و قيامه عليه السّلام في أيّام الثلاثة و هي الّتي ذكرها عليه السّلام ، و الثانية بعد مضيّه عليه السّلام إلى قيام قائم أهل بيته عليه السّلام . فقد قال الصادق عليه السّلام : لم ير الناس بعد أمير المؤمنين عليه السّلام عدلا ، و لا يرونه حتى يقوم قائمنا ٣ .

و يمكن أن يقال : إنّ بعد النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم فترة واحدة إلى قيام القائم عليه حيث إنّه عليه السّلام لم يتمكّن من تغيير بدع من تقدّم ، و لا إظهار الحقّ بكون الثلاثة

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مرّ في العنوان ٢٢ من هذا الفصل .

( ٢ ) المائدة : ١٩ .

( ٣ ) روى هذا المعنى الكليني في الكافي ٣ : ٥٣٦ ، ح ١ .

٥٦٠