بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٤

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة6%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 597

  • البداية
  • السابق
  • 597 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 44226 / تحميل: 5072
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٤

مؤلف:
العربية
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الرابع الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

كتاب بهج الصباغة

في شرح نهج البلاغة

المجلد الرابع

الشيخ محمد تقي التّستري


١
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الرابع الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

المجلد الرابع

الشيخ محمّد تقي التّستري (الشوشتري)

٣

المجلد الرابع

الفصل الثامن في الإمامة الخاصة

١

١ من الكتاب ( ٢١ ) وَ مِنْهُ فَإِنَّهُ لاَ سَوَاءَ إِمَامُ اَلْهُدَى وَ إِمَامُ اَلرَّدَى وَ وَلِيُّ ؟ اَلنَّبِيِّ ص ؟

وَ عَدُوُّ ؟ اَلنَّبِيِّ ص ؟ وَ لَقَدْ قَالَ لِي ؟ رَسُولُ اَللَّهِ ص ؟ إِنِّي لاَ أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي مُؤْمِناً وَ لاَ مُشْرِكاً أَمَّا اَلْمُؤْمِنُ فَيَمْنَعُهُ اَللَّهُ بِإِيمَانِهِ وَ أَمَّا اَلْمُشْرِكُ فَيَقْمَعُهُ اَللَّهُ بِشِرْكِهِ وَ لَكِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ كُلَّ مُنَافِقِ اَلْجَنَانِ عَالِمِ اَللِّسَانِ يَقُولُ مَا تَعْرِفُونَ وَ يَفْعَلُ مَا تُنْكِرُونَ قول المصنّف : و منه : انّما قال : « و منه » لأنّ قبله « فإن استطعتم يا أهل مصر أن تصدّق أقوالكم أفعالكم ، و أن يتوافق سرّكم و علانيتكم ، و لا يخالف ألسنتكم قلوبكم ، فافعلوا . عصمنا اللّه و إيّاكم ، و سلك بنا و بكم المحجّة الوسطى ، و إيّاكم و دعوة الكذّاب ابن هند ، و تأمّلوا و اعلموا » .

قوله عليه السّلام : « فإنّه لا سواء ، إمام الهدى و إمام الردى » : أي : الهلكة . قال ( ابن أبي الحديد ) يعنى عليه السّلام بإمام الهدى ، نفسه ، و بإمام الردى ، معاوية كما قال تعالى

ــــــــــــــــــ

( ١ ) قال الشارح ، و يأتي في العناوين ٣٢ ، ٣٣ ، ٣٤ من الفصل التاسع كلامه عليه السلام في المهدي عليه السلام .

٤

و جعلناهم أئمّة يدعون إلى النار ١ .

قلت : إنّه عليه السلام و إن قال ذلك ، و كان في قباله معاوية في ذلك الوقت إلاّ أنّه عليه السلام أراد بإمام الردى غيره مطلقا ، معاوية و الثلاثة المتقدّمة عليه ، ففي رواية الثقفي لعهده عليه السلام إلى محمّد بن أبي بكر الّذي هذا الكلام جزء منه و قد نقله ( ابن أبي الحديد ) نفسه عند قوله عليه السلام : « و قد أردت تولية مصر هاشم بن عتبة » :

« و اعلموا عباد اللّه إنّكم ان اتقيتم ربّكم ، و حفظتم نبيّكم في أهل بيته ، فقد عبدتموه بأفضل ما عبد ، و ذكرتموه بأفضل ما ذكر ، و شكرتموه بأفضل ما شكر ، و أخذتم بأفضل الصبر ، و جاهدتم بأفضل الجهاد ، و إن كان غيركم أطول صلاة منكم ، و أكثر صياما ، إذ كنتم أتقى للّه ، و أنصح لأولياء اللّه من آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أخشع » ٢ .

و هل كان معاوية إلاّ تابعا لهم ، و سالكا سبيلهم ، و في كتاب معاوية إلى محمّد ابن أبي بكر و كان ازرى على معاوية قيامه في قباله عليه السلام « فإن يك ما نحن فيه صوابا فأبوك أوّله ، و إن يك جورا فأبوك أسّه ، و نحن شركاؤه و بهديه أخذنا ، و بفعله اقتدينا ، فعب أباك ما بدا لك أو دع » .

و فيه أيضا « ذكرت حق ابن أبي طالب و قديم سوابقه و قرابته من نبي اللّه ، و نصرته له و مواساته إيّاه في كل خوف و هول ، إلى أن قال : و قد كنّا و أبوك معنا في حياة من نبيّنا ، نرى حق ابن أبي طالب لازما لنا ، و فضله مبرزا علينا . فلمّا اختار اللّه لنبيّه ما عنده ، كان أبوك و فاروقه أوّل من ابتزّه و خالفه ، على ذلك اتّفقا و اتّسقا ، ثم دعواه إلى أنفسهم فأبطأ عنهما و تلكأ

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٣ : ٤٥٠ ، و الآية ٤١ من سورة القصص .

( ٢ ) رواه الثقفي في الغارات ١ : ٢٣٦ و نقله عنه ابن أبي الحديد في شرحه ٢ : ٢٦ شرح الخطبة ٦٦ .

٥

عليهما فهمّا ، به الهموم ، و أرادا به العظيم ، فبايع و سلّم لهما لا يشركانه و لا يطلعانه على سرّهما حتّى قبضا » رواه المسعودي و نصر بن مزاحم و أشار إليه الطبري لكنّه كفّ عن نقله عنادا و قال : لا تحتمله العامة ١ .

كما أنّ ما قاله من أنه عليه السلام أراد بامام الهدى نفسه ، صحيح ، لكن لم يرد نفسه بالخصوص بل مع عترته ، و كان عليه السلام ميزانا في تمييز المؤمنين من المنافقين من عهد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ، و قد قال تعالى لنبيه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيه و في عترته :

إنّما أنت منذر و لكلّ قوم هاد ٢ .

« و وليّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم » قال تعالى : إنّما وليّكم اللّه و رسوله و الّذين آمنوا الّذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون ٣ .

قال سبط ابن الجوزي في ( تذكرته ) : ذكر الثعلبي في ( تفسيره ) عن السدّي ، و عتبة بن أبي حكيم ، و غالب بن عبد اللّه قالوا : انزلت آية إنّما وليكم اللّه في عليّ عليه السلام مرّ به سائل و هو في المسجد راكع فأعطاه خاتمه ٤ .

و روى الثعلبي أيضا مسندا عن أبي ذر قال : صلّيت يوما صلاة الظهر في المسجد و النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حاضر فقام سائل فسأل . فلم يعطه أحد شيئا إلى أن قال فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : اللهم و أنا محمّد صفيّك و نبيّك فاشرح لي صدري ،

و يسّر لي أمري ، و اجعل لي وزيرا من أهلي عليّا اشدد به أزري أو قال ظهري ،

قال أبو ذر : فو اللّه ما استتم الكلام حتّى نزل جبرئيل عليه السلام من عند اللّه تعالى فقال : يا محمّد اقرأ إنّما وليّكم اللّه و رسوله و الذين آمنوا الّذين يقيمون

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه المسعودي في مروج الذهب ٣ : ١٢ و ابن مزاحم في وقعة صفين : ١١٩ و البلاذري في انساب الاشراف ٢ : ٣٩٦ و اشار اليه الطبري في تاريخه ٣ : ٥٥٧ سنة ٣٦ .

( ٢ ) الرعد : ٧ .

( ٣ ) المائدة : ٥٥ .

( ٤ ) تذكرة الخواص : ١٥ .

٦

الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون ١ .

و قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في المتواتر : « من كنت مولاه فعلي مولاه » قال سبط ابن الجوزي في ( تذكرته ) : روى أحمد بن حنبل في ( مسنده ) و في ( فضائله ) ،

و الترمذي في ( سننه ) عن زاذان قال : سمعت عليّا عليه السلام يقول في الرحبة و هو ينشد الناس : انشد اللّه رجلا سمع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول في يوم غدير خم : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فقام ثلاثة عشر رجلا من الصحابة فشهدوا أنّهم سمعوا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول ذلك ٢ .

و روى في فضائله عن رياح بن حارث قال : جاء رهط إلى على عليه السلام فقالوا : السلام عليك يا مولانا و كان بالرحبة فقال : كيف أكون مولاكم و أنتم قوم عرب ؟ قالوا : سمعنا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول يوم غدير خم : « من كنت مولاه فعليّ مولاه » قال رياح : فقلت : من هؤلاء ؟ فقيل : نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري صاحب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم ٣ .

و عن عبد الملك بن عطية العوفي قال : أتيت زيد بن أرقم فقلت له : إنّ ختنا لي حدّثني عنك بحديث في شأن علي عليه السلام يوم الغدير و أنا أحبّ أن أسمعه منك فقال : إنّكم معشر أهل العراق فيكم ما فيكم ، فقلت : ليس عليك منّي بأس فقال : نعم . كنّا بالجحفة ، فخرج النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم علينا ظهرا و هو آخذ بعضد علي عليه السلام فقال : أيّها الناس ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟

فقالوا : بلى ، فقال : « من كنت مولاه فعليّ مولاه » قالها أربع مرات ٤ .

و عن البراء بن عازب قال : كنّا مع النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فنزلنا بغدير خم ، فنودي

ــــــــــــــــــ

( ١ ) تذكرة الخواص : ١٥ . و الآية ٥٥ من سورة المائدة .

( ٢ ) تذكرة الخواص : ٢٨ .

( ٣ ) تذكرة الخواص : ٢٩ .

( ٤ ) تذكرة الخواص : ٢٩ .

٧

فينا الصلاة جامعة ، و كسح للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بين شجرتين ، فصلّى الظهر و أخذ بيد علي عليه السلام و قال : « اللهم من كنت مولاه فهذا مولاه » قال : فلقيه عمر بعد ذلك فقال : هنيئا لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت و أمسيت مولاي و مولى كلّ مؤمن و مؤمنة ١ .

و في ( تاريخ أعثم الكوفي ) و هو من رجالهم أيضا أنّ ابن الزبير لمّا كان يحثّ خالته على الخروج ، و أنكر أن يكون النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال : إنّ عليّا وليّ الناس قالت له امّ سلمة : إن لم تكن سمعت ذلك فهذه خالتك عائشة سلها هل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال لعلي عليه السلام أنت خليفتي في حياتي ، و بعد مماتي ؟ فقالت عائشة : نعم . سمعت ذلك ٢ .

و في ( استيعاب ابن عبد البر ) : روى بريدة و أبو هريرة ، و جابر ، و البراء بن عازب ، و زيد بن أرقم كل واحد منهم عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال يوم غدير خم : « من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهمّ و ال من والاه و عاد من عاداه » ٣ .

و في ( اسد الغابة ) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : شهدت عليّا في الرحبة يناشد الناس : انشد اللّه من سمع النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول يوم غدير خم : « من كنت مولاه فعلي مولاه » لما قام ، قال عبد الرحمن : فقام اثنا عشر بدريّا كأنّي أنظر إلى أحدهم عليه سراويل فقالوا : نشهد أنّا سمعنا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول يوم غدير خم : « الست أولى بالمؤمنين من أنفسهم و أزواجي أمهاتهم ؟ قلنا : بلى فقال : « من كنت مولاه فعليّ مولاه اللهمّ و ال من والاه و عاد من عاداه » ٤ .

« و عدوّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم » قال ابن أبي الحديد : جعل أمير المؤمنين عليه السلام

ــــــــــــــــــ

( ١ ) تذكرة الخواص : ٢٩ .

( ٢ ) الفتوح لابن أعثم ٢ : ٢٨٢ و النقل بتلخيص .

( ٣ ) الاستيعاب ٣ : ٣٦ .

( ٤ ) اسد الغابة ٤ : ٢٨ .

٨

معاوية عدوّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لكونه عدوّه عليه السلام و قد قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم له : « وليّك وليّي ،

و وليّي وليّ اللّه ، و عدوّك عدوّي ، و عدوّي عدوّ اللّه » و لأن دلائل النفاق كانت ظاهرة عليه من فلتات لسانه ، و من أفعاله ، و قد قال أصحابنا في هذا المعنى أشياء كثيرة فلتطلب من كتبهم خصوصا من كتب شيخنا أبي عبد اللّه و كتب أبي جعفر الاسكافي و أبي القاسم البلخي ١ .

قلت : و ان صحّ ما قاله من كون معاوية عدوا للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بما ذكره من القياس إلاّ أنه كان عدوّا له صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالأساس أيضا . روى المسعودي في ( مروجه ) : أنّ المغيرة بن شعبة قال لمعاوية : بلغت أملك ، فلو أظهرت عدلا .

فقال له : إنّ أخا هاشم يصرّح به في كل يوم خمس مرات « أشهد ان محمّدا رسول اللّه » فأيّ أمل يبقى مع هذا لا امّ لك لا و اللّه إلاّ دفنا دفنا ٢ .

و في ( الطبري ) عن كتاب المأمون الذي أمر بإنشائه في لعن معاوية « و منه الحديث المرفوع المشهور أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال : إن معاوية في تابوت من نار في أسفل درك منها ينادي يا حنان يا منان ( فيقال له ) آلآن و قد عصيت قبل و كنت من المفسدين » ٣ ؟

و في ( صفين نصر بن مزاحم ) مسندا عن رجل شامي صحابي قال :

سمعت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول : « شرّ خلق اللّه خمسة : ابليس ، و ابن آدم الّذي قتل أخاه ، و فرعون ذو الأوتاد ، و رجل من بني اسرائيل ردّهم عن دينهم ، و رجل من هذه الامّة يبايع على كفره عند باب لدّ » قال الرجل : إنّي لمّا رأيت معاوية بايع عند باب لدّ ذكرت قول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلحقت بعلي عليه السلام فكنت معه ٤ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) قاله ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ٤٥٠ و النقل بالمعنى .

( ٢ ) رواه المسعودي في مروج الذهب ٣ : ٤٥٤ و النقل بتصرف .

( ٣ ) رواه الطبري في تاريخه ٨ : ١٨٦ سنة ٢٨٤ .

( ٤ ) رواه ابن مزاحم في وقعة صفين : ٢١٧ .

٩

« و لقد قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : إنّي لا أخاف على أمّتي مؤمنا و لا مشركا ، أمّا المؤمن فيمنعه اللّه بإيمانه ، و أمّا المشرك فيقمعه اللّه ( أي يقهره و يذلّه ) بشركه ،

و لكنّي أخاف عليكم كلّ منافق الجنان ، عالم اللّسان ، يقول ما تعرفون ، و يفعل ما تنكرون » لقد صدق صلوات اللّه عليه فكل فتنة كانت في الإسلام كانت من المسلمين الّذين وصفهم عليه السلام ، جعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أبا بكر كصاحبه في جيش اسامة لئلاّ يوجب الفتنة بعده ، فتخلّف عنه مع تأكيداته حتّى لعن المتخلّف عن الجيش ، حتّى ينال الإمرة ، و لمّا نال مرامه أراد التلبيس على الناس بأنه لا بدّ أن يجري أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الجيش .

فروى كاتب الواقدي في ( طبقاته ) عن ابن عمر ، أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعث سرية فيهم أبو بكر و عمر ، و استعمل عليهم اسامة . فكان الناس طعنوا فيه .

فبلغ ذلك النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فصعد المنبر . فحمد اللّه و أثنى عليه ، و قال : إنّ الناس قد طعنوا في إمارة اسامة و قد كانوا طعنوا في إمارة أبيه من قبله ، و إنّهما لخليقان لها الخبر ١ .

و في ( الطبري ) : نادى منادي أبي بكر من بعد الغد من متوفّى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ليتمّ بعث اسامة ، ألا لا يبقينّ بالمدينة أحد من جند اسامة إلاّ خرج إلى عسكره بالجرف ٢ .و فيه أيضا قال أبو بكر : لو خطفتني الكلاب و الذئاب لم أردّ قضاء قضى به النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ٣ .

و فيه أيضا ان عمر قال له : ان الأنصار أمروني أن ابلغك و إنّهم يطلبون

ــــــــــــــــــ

( ١ ) طبقات ابن سعد ٢ ، ق ٢ : ٤١ و ٤ ، ق ١ : ٤٦ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٢ : ٤٦٠ سنة ١١ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٢ : ٤٦٢ سنة ١١ .

١٠

إليك أن تولّي أمرهم رجلا أقدم سنّا من اسامة . فوثب أبو بكر و كان جالسا فأخذ بلحية عمر و قال له : ثكلتك امك و عدمتك يا ابن الخطاب استعمله النّبيّ ، و تأمرني أن أنزعه ١ .

و هذا عمر ، يقول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : إيتوني بدواة و صحيفة أكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعده أبدا . فقال : دعوه إنّه ليهجر ٢ .

و في ( طبقات كاتب الواقدي ) عن ابن عباس قال : قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : هلمّ اكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعده . فقال عمر : انّ رسول اللّه قد غلبه الوجع و عندكم القرآن حسبنا كتاب اللّه إلى أن قال .

فكان ابن عباس يقول : ان الرزية كل الرزية ما حال بين رسول اللّه و بين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم و لغطهم ٣ .

ثم يقول ذلك الرجل من ولهه بزعمهم بعد قبض النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : انّه ما مات و لكنّه غاب . ففي ( الطبري ) : لما توفي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قام عمر فقال : إنّ رجالا من المنافقين يزعمون أنّ رسول اللّه توفّي ، و إنّ رسول اللّه و اللّه ما مات ، و لكنّه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران فغاب عن قومه أربعين ليلة . ثم رجع بعد أن قيل قد مات ، و اللّه ليرجعن رسول اللّه . فليقطّعنّ أيدي رجال و أرجلهم ، يزعمون أن رسول اللّه مات ٤ .

و انّما فعل ذلك ليصل إليه أبو بكر و كان غائبا حتى يدبّر أمر السقيفة ، و في كتاب ابن عباس الى الحسن عليه السلام بعد أبيه « و اعلم أنّ عليّا أباك عليه السلام إنّما رغب الناس عنه إلى معاوية أنه آسى بينهم في الفي‏ء ، و سوّى بينهم في

ــــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٢ : ٤٦٢ سنة ١١ .

( ٢ ) أخرج هذا الحديث جماعة منهم البخاري في صحيحه ١ : ٣٢ و ٤ : ٧ و ٢٧١ و مسلم في صحيحه ٣ : ١٢٥٩ ح ٢٢ .

( ٣ ) طبقات ابن سعد ٢ ، ق ٢ : ٣٧ .

( ٤ ) تاريخ الطبري ٢ : ٤٤٢ سنة ١١ .

١١

العطاء ، فثقل عليهم ، و اعلم أنّك تحارب من حارب اللّه و رسوله في ابتداء الإسلام حتّى ظهر امر اللّه فلمّا وحّد الرب و محق الشرك ، و عزّ الدين ، أظهروا الايمان و قرأوا القرآن مستهزئين بآياته ، و قاموا إلى الصلاة و هم كسالى ، و أدّوا الفرائض و هم لها كارهون فلمّا رأوا أنّه لا يعزّ في الدين إلاّ الأتقياء الأبرار ، توسّموا بسيما الصالحين ليظنّ المسلمون بهم خيرا ، فما زالوا بذلك حتّى شركوهم في أماناتهم ، و قالوا : حسابهم على اللّه فإن كانوا صادقين فإخواننا في الدين ، و إن كانوا كاذبين كانوا بما اقترفوا هم الأخسرين ، و قد منيت باولئك ، و بأبنائهم و بأشباههم ، و اللّه ما زادهم طول العمر إلاّ غيّا ، و لا زادهم ذلك لأهل الدين إلاّ مقتا » ١ .

٢

من الخطبة ( ٣٣ ) أَمَا وَ اَللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَفِي سَاقَتِهَا حَتَّى وَلَّتْ بِحَذَافِيرِهَا مَا عَجَزْتُ وَ لاَ جَبُنْتُ وَ إِنَّ مَسِيرِي هَذَا لِمِثْلِهَا فَلَأَنْقُبَنَّ اَلْبَاطِلَ حَتَّى يَخْرُجَ اَلْحَقُّ مِنْ جَنْبِهِ مَا لِي وَ ؟ لِقُرَيْشٍ ؟ وَ اَللَّهِ لَقَدْ قَاتَلْتُهُمْ كَافِرِينَ وَ لَأُقَاتِلَنَّهُمْ مَفْتُونِينَ وَ إِنِّي لَصَاحِبُهُمْ بِالْأَمْسِ كَمَا أَنَا صَاحِبُهُمُ اَلْيَوْمَ من الخطبة ( ١٠٢ ) وَ اَيْمُ اَللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ مِنْ سَاقَتِهَا حَتَّى تَوَلَّتْ بِحَذَافِيرِهَا وَ اِسْتَوْثَقَتْ قِيَادَهَا مَا ضَعُفْتُ وَ لاَ جَبُنْتُ وَ لاَ خُنْتُ وَ لاَ وَهَنْتُ وَ اَيْمُ اَللَّهِ لَأَبْقُرَنَّ اَلْبَاطِلَ حَتَّى أُخْرِجَ اَلْحَقَّ مِنْ خَاصِرَتِهِ أقول : قاله عليه السلام في ذى قار لمّا أراد الجمل كما صرّح به في الأوّل .

« و أيم اللّه » في الثاني بمعنى « أما و اللّه » في الاول .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه المدائني ، و عنه شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٨ و غيره .

١٢

قال الجوهري : أيمن اللّه اسم وضع للقسم قال : و ربما حذفوا منه النون فقالوا : أيم اللّه و أيم اللّه أيضا بكسر الهمزة ١ .

« إن كنت » في الأوّل بمعنى « لقد كنت » في الثاني لأنّ « ان » فيه مخففة من الثقيلة .

« لفي ساقتها » و في الثاني « من ساقتها » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٢ و ( الخطّيّة ) لا « في ساقتها » كما في ( المصرية ) ، و ساقة جمع سائق كقادة في قائد من ساقة الجيش ، و في ( الأساس ) : رأيته يكرّ في سوق الحرب :

أي في حومة القتال و وسطه ٣ .

« حتّى » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : « حتّى تولت » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٤ و كما في الثاني : أي : انقضت .

« بحذافيرها » : أي بأسرها و تمامها و جميع نواحيها .

قوله عليه السلام في الثاني « و استوثقت قيادها » هكذا في المصرية ، و الصواب « و استوسقت في قيادها » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطبة ) ٥ و في ( المصباح ) قال الخليل : القود أن يكون الرجل أمام الدابة آخذا بقيادها إلى أن قال و المقود بكسر الميم : الحبل يقاد به و الجمع مقاود ، و القياد مثل المقود الخ ٦ و استوسقت : أي اجتمعت و انتظمت .

قوله عليه السلام فيهما « ما ضعفت » هكذا في ( المصرية ) و في ( ابن أبي الحديد )

ــــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة ٦ : ٢٢٢١ مادة ( يمن ) ، و النقل بتقطيع .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٩٩ لكن لفظ شرح ابن ميثم ٣ : ٢١ مثل المصرية أيضا .

( ٣ ) أساس البلاغة : ٢٢٥ مادة ( سوق ) .

( ٤ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١ : ١٧٦ و شرح ابن ميثم ٢ : ٧٢ « ولت » أيضا .

( ٥ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٩٩ و شرح ابن ميثم ٣ : ٢١ .

( ٦ ) المصباح المنير ٢ : ٢٠٣ مادة ( قود ) .

١٣

و لكن في ( ابن ميثم و الخطية ) ١ : « ما عجزت » ، و كيف كان فالمراد أنه عليه السلام لم يعجز و لم يضعف في سياقة غزوات الإسلام و سلطته كما عجز و ضعف باقيهم .

و في ( الإرشاد ) روى أصحاب الآثار عن الحسن بن صالح عن الأعمش عن أبي اسحاق عن ابن أبي عبد اللّه الجدلي قال : سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول : لمّا عالجت باب خيبر جعلته مجنّا لي . فقاتلتهم به . فلمّا أخزاهم اللّه وضعت الباب على حصنهم طريقا ، ثم رميت به في خندقهم . فقال له رجل : لقد حملت منه ثقلا . فقال : ما كان إلاّ مثل جنّتى الّتي في يدي في غير ذلك المقام ،

و فيه يقول الشاعر :

إنّ امرأ حمل الرتاج بخيبر

يوم اليهود بقدرة لمؤيّد

حمل الرتاج رتاج باب قموصها

و المسلمون و أهل خيبر حشّد

فرمى به و لقد تكلف ردّه

سبعون كلهم له يتشدّد

ردّوه بعد تكلّف و مشقّة

و مقال بعضهم لبعض ارددوا ٢

« و لا جبنت » : أي : كما جبنوا ، ففي خيبر أخذ الراية أوّلا ، الأوّل ثمّ الثاني و رجعا منهزمين يجبّنان أصحابهما و يجبّنهما أصحابهما .

و في ( الإرشاد ) : روى أبو محمّد الحسن بن جمهور قال : قرأت على أبي عثمان المازني الشاعر :

بعث النبي براية منصورة

عمر بن حنتمة الدلام الأدلما

فمضى بها حتى إذا برزوا له

دون القماص ثنى و هاب و أحجما

ــــــــــــــــــ

( ١ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ٢ : ١٧٦ و ١٩٩ ، و أيضا شرح ابن ميثم ٢ : ٧٢ ، و ٣ : ٢١ « ضعفت » نعم في بعض نسخ شرح ابن ميثم في الاول « عجزت » .

( ٢ ) الإرشاد : ٦٧ .

١٤

فأتى النبي براية مردودة

الا تخوف عارها فتذمما

فبكى النبي له و انّبه بها

و دعا امرأ حسن البصيرة مقدما

فغدا بها في فيلق و دعا له

ألاّ يصد بها و ألاّ يهزما

فزوى اليهود الى القموص و قد كسا

كبش الكتبية ذا غرار مخذما

و ثنى بناس بعدهم فقراهم

طلس الذئاب و كل نسر قشعما ١

« و لا خنت و لا وهنت » كما خان و وهن غيري ، و في ( السير ) : لما انصرف النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من احد إلى المدينة استقبلته فاطمة عليها السلام و معها إناء فيه ماء فغسل به وجهه و لحقه علي عليه السلام و قد خضب الدم يده إلى كتفه و معه ذو الفقار ،

فناوله فاطمة عليها السلام و قال لها : خذي هذا السيف . فقد صدقني اليوم و أنشأ يقول .

أفاطم هاك السيف غير ذميم فلست برعديد و لا بمليم لعمري لقد أعذرت في نصر أحمد و طاعة رب بالعباد عليم اميطي دماء القوم عنه فإنّه سقى آل عبد الدار كأس حميم و قال لها النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : « خذيه يا فاطمة فقد أدّى بعلك ما عليه ، و قد قتل اللّه بسيفه صناديد قريش » ٢ ، فإذا كان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لمّا بعث اللّه تعالى كما قال قبل هذا الكلام ساق الناس حتّى بوّأهم محلّتهم ، و بلّغهم منجاتهم فاستقامت قناتهم ، و اطمأنت صفاتهم ، و كان أمير المؤمنين عليه السلام كما قال هنا معينا له من أوّله إلى آخره ، و المتصدّي لغزواته عليه السلام بلا ضعف و لا جبن و لا خيانة و لا وهن ، كغيره ممّن ادّعى الأمر في قباله كما ستعرف ، فلا بدّ بحكم العقل أن يكون هو خليفته و قائما مقامه ، و من أنكر فقد كابر البداهة ، و من خالف فقد خالف مقتضى العقول .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الارشاد : ٦٨ .

( ٢ ) رواه المفيد في الارشاد : ٤٨ .

١٥

و قد صرّحت بذلك سيّدة النساء صلوات اللّه عليها و على أبيها فقالت في خطبتها يوم أبي بكر كما في ( بلاغات أحمد بن أبي طاهر البغدادي ) من رجالهم « فأنقذكم اللّه برسوله بعد اللتيا و الّتي ، و بعد ما مني بهم الرجال ،

و ذؤبان العرب و مردة أهل الكتاب كلّما حشوا نارا للحرب أطفاها ، و نجم قرن للضلال ، و فغرت فاغرة من المشركين قذف بأخيه في لهواتها ، فلا ينكفئ حتّى يطأ صماخها بأخمصه ، و يخمد لهبها بحده ، مكدودا في ذات اللّه ، قريبا من رسول اللّه ، سيّدا في أولياء اللّه ، و أنتم في بلهنية و ادعون آمنون حتّى إذا اختار اللّه لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم دار أنبيائه ، ظهرت خلة النفاق ، و سمل جلباب الدّين ،

و نطق كاظم الغاوين » إلى آخرها ١ .

و روى المصنّف في ( خصائصه ) باسناد مرفوع الى الأعمش عن ابن عطية قال : لمّا خرج عمر الى الشام و كان العباس معه يسايره و كان من يستقبله ينزل . فيبدأ بالعباس ، فيسلّم عليه ، يقدّر الناس أنّه الخليفة ، لجماله و بهائه و هيبته فقال عمر : لعلك تقدّر أنّك أحق بهذا الأمر منّي . فقال له العبّاس :

أحق به منّي و منك من خلّفناه بالمدينة . فقال عمر : من ذلك ، قال : من ضربنا بسيفه حتّى قادنا بالاسلام ، يعني عليّا عليه السلام ٢ .

و روى أبو بكر بن الأنباري في ( أماليه ) و نقله ابن أبي الحديد في موضع آخر أنّ عليا عليه السلام جلس إلى عمر في المسجد ، و عنده ناس . فلمّا قام عرّض واحد بذكره ، و نسبه إلى التيه و العجب . فقال عمر : حق لمثله أن يتيه ،

و اللّه لو لا سيفه لما قام عمود الإسلام ، و هو بعد أقضى الامّة ، و ذو سابقتها و ذو شرفها . فقال له ذلك القائل : فما منعكم عنه . قال : كرهناه على حداثة السن

ــــــــــــــــــ

( ١ ) بلاغات النساء : ٢٤ .

( ٢ ) خصائص الائمة : ٤٨ .

١٦
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الرابع الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

و حبّه بني عبد المطلب ١ .

قلت : لقد أجابه ابن عباس عن حداثة سنّه بأنّ اللّه تعالى ما استحدث سنّه حيث انزل جبرئيل ليأخذ سورة براءة من صاحبه أبي بكر ، و أمّا حبّه بني عبد المطلب ، فهل كان الاّ حبّ أهل بيت النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و من قال تعالى فيهم قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى ٢ ؟ كره الرجل منه عليه السلام حبّه لبني عبد المطلب أقارب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أحبّائه . فلم يدع الأمر يصل إليه ، و لم يكره من عثمان تهالكه و تفدية نفسه لبني امية أعداء النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أعداء الإسلام فدبّر الأمر له ، و الحكم اللّه تعالى .

و روى محمّد بن بابويه في ( خصاله ) عن محمّد بن الحنفية ، أنّ رأس اليهود أتى إلى أمير المؤمنين عليه السلام عند منصرفه من وقعة النهروان ، و هو جالس في مسجد الكوفة فقال له : إنّي اريد أن أسألك عن أشياء لا يعلمها إلاّ نبيّ أو وصي نبيّ . قال : سل عمّا بدا لك يا أخا اليهود . قال : إنّا نجد في الكتب أنّ اللّه عزّ و جلّ إذا بعث نبيّا أوحى إليه أن يتّخذ من أهل بيته من يقوم بأمر امّته من بعده ، و أن يعهد إليهم فيه عهدا يحتذى به و يعمل به في امته من بعده ، و أنّ اللّه عزّ و جلّ يمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء ، و يمتحنهم بعد وفاتهم إلى أن قال فقال له علي عليه السلام : إنّ اللّه تعالى يمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء في سبعة مواطن ليبتلي طاعتهم . فإذا رضي طاعتهم و محنتهم أمر الأنبياء أن يتّخذوهم أولياء في حياتهم ، و أوصياء بعد وفاتهم إلى أن قال قال الرجل : صدقت . فأخبرني كم امتحنك اللّه في حياة محمّد ، و كم

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه عنه ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ١١٥ شرح الخطبة ٢٢٦ .

( ٢ ) الشورى : ٢٣ .

١٧

امتحنك بعد وفاته ، و إلى ما يصير آخر أمرك ؟ فأخذ علي عليه السلام بيده و قال :

انهض انبّئك . فقام إليه جماعة من أصحابه . فقالوا : أنبئنا بذلك معه . فقال : انّي أخاف ألاّ تحتمله قلوبكم . قالوا : و لم ؟ قال : لامور بدت من كثير منكم . فقام إليه الأشتر فقال له : أنبئنا بذلك فو اللّه إنّا لنعلم أنّه ما على ظهر الأرض وصي نبي سواك ، و إنّا لنعلم أنّ اللّه تعالى لا يبعث بعد نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نبيّا ، و أنّ طاعتك موصولة بطاعة نبيّنا . قال : فجلس علي عليه السلام و أقبل على اليهودي و قال له : إنّ اللّه عزّ و جلّ امتحنني في حياة نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في سبعة مواطن فوجدني فيهن من غير تزكية لنفسي ، بنعمة اللّه مطيعا . قال : فيم و فيم .

قال : أما أوّلهن : فانّ اللّه عزّ و جلّ أوحى إلى نبيّنا و أنا أحدث أهل بيته سنّا أخدمه في بيته ، و أسعى في قضاء حوائجه بين يديه في أمره ، فدعا صغير بني عبد المطّلب و كبيرهم إلى شهادة ألا إله إلاّ اللّه ، و أنّه رسوله فامتنعوا من ذلك ، و أنكروا عليه و هجروه ، و نابذوه ، و اعتزلوه ، و اجتنبوه ، و سائر الناس مقصين له ، و مخالفين عليه ، قد استعظموا ما أورده عليهم ممّا لم تحتمله قلوبهم ، و تدركه عقولهم . فأجبته وحدي مسرعا إلى ما دعا إليه مطيعا موقنا لم يخالجني شك في ذلك ، فمكثنا بذلك ثلاث حجج ، و ما على وجه الأرض خلق يصلي أو يشهد له بما أتاه غيري و غير ابنة خويلد رحمها اللّه و قد فعل .

ثم أقبل على أصحابه فقال : أليس كذلك ؟ قالوا : بلى يا أمير المؤمنين .

فقال : و أمّا الثانية : فإنّ قريشا لم تزل تجيل الآراء ، و تعمل الحيل في قتل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتّى كان آخر ما اجتمعت في ذلك يوم الدار ، ( دار الندوة ) و ابليس اللعين حاضر في صورة أعور ثقيف ، فلم تزل تضرب أمرها ظهرا لبطن حتّى اجتمعت آراؤها على أن ينتدب من كلّ فخذ من قريش رجل ثمّ يأخذ كلّ رجل منهم سيفه ثمّ يأتي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو نائم على فراشه .

١٨

فيضربونه بأسيافهم ضربة رجل واحد فيقتلوه ، و اذا قتلوه منعت قريش رجالها ، و لم تسلمها فيمضى دمه هدرا . فهبط جبرئيل عليه السلام على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأنبأه بذلك ، و أخبره بالليلة الّتي يجتمعون فيها و الساعة الّتي يأتون فراشه ، و أمره بالخروج في الوقت الّذي خرج فيه إلى الغار . فاخبرني النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالخبر و أمرني أن اضطجع في مضجعه و أقيه بنفسي . فأسرعت إلى ذلك مطيعا له مسرورا بأن أقتل دونه ، فمضى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لوجهه و اضطجعت في مضجعه ، و أقبلت رجالات قريش موقنة في أنفسها أن تقتل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ، فلما استوى بي و بهم البيت الّذي أنا فيه ناهضتهم بسيفي ،

فدفعتهم عن نفسي بما قد علمه اللّه .

ثم أقبل عليه السلام على أصحابه فقال : أليس كذلك ؟ قالوا : بلى .

فقال عليه السلام : و أمّا الثالثة يا أخا اليهود ، فإنّ ابني ربيعة و الوليد بن عتبة ،

و كانوا فرسان قريش دعوا إلى البراز يوم بدر فلم يبرز لهم خلق من قريش .

فأنهضني مع صاحبيّ رضي اللّه عنهما و قد فعل ، و أنا أحدث أصحابي سنّا و أقلهم للحرب تجربة فقتل اللّه عزّ و جلّ بيدي وليدا و شيبة سوى من قتلت من حجاحجة قريش في ذلك اليوم ، و سوى من أسرت ، و كان منّي أكثر ممّا كان من أصحابي ، و استشهد ابن عمي في ذلك رحمة اللّه عليه .

ثم التفت إلى أصحابه فقال : أليس كذلك ؟ قالوا : بلى .

فقال : و أمّا الرابعة ، فإنّ أهل مكة أقبلوا إلينا على بكرة أبيهم قد استجابوا من يليهم من قبائل العرب طالبين بثار مشركي قريش في يوم بدر .

فهبط جبرئيل عليه السلام على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأنبأه بذلك . فذهب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عسكر بأصحابه في سدّ احد ، و أقبل المشركون إلينا فحملوا علينا حملة رجل واحد ،

و استشهد من المسلمين من استشهد ، و كان من بقي ، من المنهزمة ، و بقيت مع

١٩

النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ، و مضى المهاجرون و الأنصار إلى المدينة كلّ يقول : قتل النّبيّ و قتل أصحابه . ثم ضرب اللّه عزّ و جلّ وجوه المشركين ، و قد جرحت بين يدي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نيّفا و سبعين جرحة ، منها هذه و هذه ، ثم ألقى عليه السلام رداءه و أمرّ يده على جراحاته ، و كان منّي في ذلك ما على اللّه عزّ و جلّ ثوابه ، ثم التفت الى أصحابه ، فقال : اليس كذلك ؟ قالوا : بلى .

فقال : و اما الخامسة يا أخا اليهود ، فان قريشا و العرب تجمعت و عقدت عقدا و ميثاقا لا ترجع من وجهها حتّى تقتل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و تقتلنا معاشر بني عبد المطلب معه ، ثم أقبلت بحدّها و حديدها حتّى أناخت علينا بالمدينة واثقة بأنفسها في ما توجّهت له ، فهبط جبرئيل عليه السلام على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأنبأه بذلك فخندق على نفسه و من معه من المهاجرين و الأنصار ، فقدمت قريش فأقامت على الخندق ، محاصرة لنا ، ترى في أنفسها القوّة و فينا الضعف ترعد و تبرق ،

و النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يدعوها إلى اللّه تعالى و يناشدها بالقرابة و الرحم فتأبى ، و لا يزيدها ذلك إلاّ عتوّا ، و فارسها و فارس العرب يومئذ عمرو بن عبد ود يهدر كالبعير المغتلم ، يدعو إلى البراز ، و يرتجز ، و يخطر برمحه مرة ، و بسيفه مرة ،

لا يقدم عليه مقدم و لا يطمع فيه طامع ، و لا حميّة تهيجه ، و لا بصيرة تشجّعه ،

فأنهضني إليه النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و عمّمني بيده و أعطاني سيفه هذا و ضرب بيده إلى ذي الفقار و عمّمني فخرجت إليه ، و نساء أهل المدينة توالي إشفاقا علي من ابن عبد ود فقتله اللّه عزّ و جلّ بيدي ، و العرب لا تعدّ لها فارسا غيره ،

و ضربني هذه الضربة و أومأ بيده إلى هامته فهزم اللّه قريشا و العرب بذلك و بما كان مني فيهم من النكاية . ثم التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال : أليس كذلك ؟

قالوا : بلى .

فقال : و أمّا السادسة يا أخا اليهود ، فإنّا وردنا مع النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مدينة

٢٠

أصحابك خيبر على رجال من اليهود و فرسانها من قريش و غيرها . فتلقونا بأمثال الجبال من الخيل و الرجال و السلاح ، و هم في أمنع واد و أكثر عدد ، كلّ ينادى و يدعو ، و يبادر الى القتال . فلم يبرز اليهم أحد من أصحابه إلاّ قتلوه حتى إذا احمرّت الحدق و دعيت إلى النزال ، و أهمّت كل امرئ نفسه ، و التفت بعض أصحابه إلى بعض ، و كلّ يقول : يا أبا الحسن إنهض ، أنهضني النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى دارهم . فلم يبرز إليّ أحد منهم إلاّ قتلته ، و لا يثبت لي فارس إلاّ طحنته ، ثم شددت عليهم شدّة الليث على فريسته حتّى أدخلتهم جوف مدينتهم مشددا عليهم ، فاقتلعت باب حصنهم بيدي ، حتّى دخلت عليهم مدينتهم وحدي ، أقتل من يظهر فيها من رجالها ، و أسبي من أجد من نسائها ،

حتى أفتتحتها وحدي ، و لم يكن لي فيها معاون الاّ اللّه وحده .

ثم التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال : أليس كذلك ؟ قالوا : بلى .

قال : و أما السابعة ، فإن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لمّا توجّه لفتح مكّة أحب أن يعذر اليهم و يدعوهم الى اللّه عزّ و جلّ آخرا كما دعاهم أوّلا ، فكتب إليهم كتابا يحذّرهم فيه ، و ينذرهم عذاب اللّه ، و يعدهم الصفح ، و يمنّيهم مغفرة ربهم .

و نسخ لهم في آخره سورة براءة ليقرؤوها عليهم ثمّ عرض على جميع أصحابه المضى به فكلهم يرى التثاقل فيهم ، فلمّا رأى ذلك ندب منهم رجلا .

فوجّهه به فأتاه جبرئيل فقال : يا محمّد لا يؤدّي عنك الاّ أنت أو رجل منك .

فأنبأني النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بذلك ، و وجّهني بكتابه و رسالته إلى أهل مكّة ، و أهلها من قد عرفتم و ليس أحد منهم الاّ و لو قدر أن يضع كل جبل مني اربا لفعل ، و لو أن يبذل في ذلك نفسه و أهله و ولده و ماله ، فبلّغتهم رسالة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قرأت عليهم كتابه ، فكلهم يلقاني بالتهديد و الوعيد ، و يبدي لي البغضاء ، و يظهر الشحناء ، من رجالهم و نسائهم ، فكان مني في ذلك ما قد رأيتم .

٢١

ثم التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال : أليس كذلك ؟ قالوا : بلى . . . ١ .

و في ( العقد الفريد ) : عن الشعبي في وفود ام الخير بنت حريش على معاوية و سؤال معاوية أصحابه عن كلامها في صفين فذكر له بعضهم كلامها ، و من جملته « فإلى أين تريدون رحمكم اللّه عن ابن عم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و صهره ، و أبي سبطيه ، خلق من طينته ، و تفرّع من نبعته ، و خصّه بسّره ، و جعله باب مدينته ، و أعلم بحبه المسلمين ، و أبان ببغضه المنافقين ،

و ها هو ذا مفلّق الهام ، و مكسّر الأصنام ، صلّى ، و الناس مشركون ، و أطاع ،

و الناس كارهون . فلم يزل في ذلك حتى قتل مبارزي بدر ، و أفنى أهل أحد ،

و هزم الأحزاب ، و قتل اللّه به أهل خيبر ، و فرّق به جمع هوازن ، فيالها من وقائع زرعت في قلوب نفاقا و ردّة و شقاقا ، و زادت المؤمنين ايمانا » . . . ٢ .

و في ( بلاغات نساء أحمد بن أبي طاهر البغدادي ) في قصة منع أبي بكر فدك من فاطمة عليها السلام « لاثت خمارها على رأسها ، و أقبلت في لمة من حفدتها تطأ ذيولها ، ما تخرم من مشية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شيئا حتّى دخلت على أبي بكر و هو في حشد من المهاجرين و الأنصار ، فنيطت دونها ملاءة . ثم أنّت أنّة أجهش القوم لها بالبكاء ، و ارتجّ المجلس . فأملهت حتى سكن نشيج القوم ،

و هدأت فورتهم . فافتتحت الكلام بحمد اللّه و الثناء عليه و الصلاة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فعاد القوم في بكائهم . فلما أمسكوا عادت في كلامها . فقالت : لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ٣ . فإن تعرفوه تجدوه أبي دون آبائكم و أخا ابن عمّي دون

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه عن محمّد ابن الحنفية و الامام الباقر عليه السلام الصدوق في الخصال ٢ : ٣٦٤ ح ٥٨ باب السبعة ، و النقل بتصرف في اللفظ .

( ٢ ) العقد الفريد ١ : ٣٠٢ .

( ٣ ) التوبة : ١٢٨ .

٢٢

رجالكم فبلّغ النذارة صادعا بالرسالة ، مائلا على مدرجة المشركين ضاربا لثجهم ، آخذا بكظمهم . يهشم الأصنام ، و ينكت الهام حتّى هزم الجمع و ولّوا الدبر ، و تغرى الليل عن صبحه ، و اسفر الحق عن محضه ، و نطق زعيم الدين ،

و خرست شقاشق الشياطين و كنتم على شفا حفرة من النار ، مذقة الشارب و نهزة الطامع و قبسة العجلان و موطئ الأقدام ، تشربون الطرق و تقتاتون الورق أذلة خاشعين تخافون ان يتخطّفكم الناس من حولكم . فأنقذكم اللّه برسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعد اللتيا و التي ، و بعد ما مني بهم الرجال و ذؤبان العرب و مردة أهل الكتاب ، كلما حشوا نارا للحرب اطفأها ، و نجم قرن للضلال ،

و فغرت فاغرة من المشركين ، قذف بأخيه في لهواتها ، فلا ينكفئ حتّى يطأ صماخها بأخمصه ، و يخمد لهبها بحدّه ، مكدودا في ذات اللّه قريبا من رسول اللّه سيّدا في أولياء اللّه ، و أنتم في بلهنية و ادعون آمنون . . . ١ .

و قال محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد في ( إرشاده ) في ذكر غزوات النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : و أنّ الفتح فيها كان على يد أمير المؤمنين عليه السلام غزاة بدر أول حرب كان به الامتحان ، و ملأت رهبة صدور المعدودين من المسلمين في الشجعان ، و راموا التأخر عنها لخوفهم منها ، و كراهتهم لها على ما جاء به محكم الذكر في التبيان حيث يقول جل اسمه : كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ و إنّ فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنّما يساقون إلى الموت و هم ينظرون إلى أن قال ٢ .

و لم يزل أمير المؤمنين عليه السلام يقتل واحدا بعد واحد حتّى أتى على شطر المقتولين ، و كانوا سبعين رجلا ، تولّى كافة من حضر بدرا من المسلمين مع

ــــــــــــــــــ

( ١ ) بلاغات النساء : ٢٣ .

( ٢ ) الانفال : ٥ ٦ .

٢٣

ثلاثة آلاف من الملائكة المسوّمين قتل الشطر منهم ، و تولّى أمير المؤمنين عليه السلام قتل الشطر الآخر وحده بمعونة اللّه تعالى له و تأييده و توفيقه و نصره ، و كان الفتح له بذلك على يديه ، و قد أثبتت رواة العامة و الخاصة أسماء الّذين تولّى عليه السلام قتلهم على اتفاق في ما نقلوه فكان ممّن سمّوه :

١ الوليد بن عتبة ، و كان شجاعا جريئا و قاحا فاتكا تهابه الرجال .

٢ العاص بن سعيد و كان هولا عظيما تهابه الأبطال ، و هو الّذي حاد عنه عمر .

٣ طعيمة بن عدي بن نوفل ، و كان من رؤوس أهل الضلال .

٤ نوفل بن خويلد ، و كان من أشد المشركين عداوة للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ،

و كانت قريش تقدّمه و تعظّمه و تطيعه ، و هو الّذي قرن أبا بكر و طلحة قبل الهجرة بمكة و أوثقهما بحبل و عذّبهما يوما إلى اللّيل حتى سئل في أمرهما ،

و لمّا عرف النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حضوره بدرا سأل اللّه تعالى أن يكفيه أمره فقال :

اللّهمّ اكفني نوفل بن خويلد . فقتله أمير المؤمنين .

٥ زمعة بن الأسود .

٦ عقيل بن الأسود .

٧ الحارث بن زمعة .

٨ النضر بن الحارث بن عبد الدار .

٩ عمير بن عثمان بن كعب بن تيم عم طلحة .

١٠ و ١١ عثمان و مالك ابنا عبيد اللّه ، أخوا طلحة .

١٢ مسعود بن أبي اميّة بن المغيرة .

١٣ حنظلة بن أبي سفيان .

١٤ عمرو بن مخزوم .

٢٤

١٥ أبو المنذر بن أبي رفاعة .

١٦ منبه بن الحجاج السهمي .

١٧ العاص بن المنبه .

١٨ علقمة بن كلدة .

١٩ أبو العاص بن قيس بن عدي .

٢٠ معاوية بن المغيرة بن أبي العاص .

٢١ لوذان بن ربيعة .

٢٢ عبد اللّه بن المنذر بن أبي رفاعة .

٢٣ مسعود بن اميّة بن المغيرة .

٢٤ حاجب بن السائب بن عويمر .

٢٥ أوس بن المغيرة ابن لوذان .

٢٦ زيد بن مليص .

٢٧ عاصم بن أبي عوف .

٢٨ سعيد ابن وهب حليف بني عامر .

٢٩ معاوية بن عبد القيس .

٣٠ عبد اللّه ابن جميل بن زهير بن الحارث بن اسد .

٣١ السائب بن مالك .

٣٢ أبو الحكم بن الاخنس .

٣٣ هشام بن أبي أميّة بن المغيرة ، فذلك ثلاثة و ثلاثون رجلا . سوى من اختلف فيه أو شرك عليه السلام فيه غيره ، و هم أكثر من شطر المقتولين ببدر .

و في ما صنعه عليه السلام ببدر قال اسيد بن أبي إياس يحرّض مشركي قريش عليه :

٢٥

في كلّ مجمع غاية اخزاكم

جذع ابتر على المذاكلى القرّح

للّه درّكم ألمّا تنكروا

قد ينكر الحر الكريم و يستحي

هذا ابن فاطمة الّذي أفناكم

ذبحا و قتلا قعصة لم يذبح

أعطوه خرجا و اتّقوا تضريبه

فعل الذليل و بيعة لم تربح

اين الكهول ؟ و أين كل دعامة

في المعضلات ؟ و أين زين الابطح ؟

افناهم قعصا و ضربا يفتري

بالسيف يعمل حدّه لم يصفح

قال المفيد : ثم تلت بدرا غزاة احد ، و كان الفتح له في هذه الغزاة كما كان له ببدر سواء ، و اختص بحسن البلاء فيها و الصبر و ثبوت القدم عند ما زلّت من غيره الاقدام ، و كان له من العناء بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ما لم يكن لسواه من اهل الإسلام ، و قتل اللّه بسيفه رؤوس أهل الشرك و الضلال ، و فرّج اللّه به الكرب عن نبيّه ، و خطب بفضله عليه السلام في ذلك المقام جبرئيل عليه السلام في ملائكة الأرض و السماء ، و أبان نبي الهدى عليه السلام من اختصاصه عليه السلام به ما كان مستورا عن عامة الناس إلى أن قال :

قال الراوي للحديث و هو زيد بن وهب : قلت لابن مسعود : إنهزم الناس عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتى لم يبق معه إلاّ علي بن أبي طالب ، و أبو دجانة و سهل بن حنيف ؟ فقال : إنهزم الناس إلاّ علي بن أبي طالب وحده ، و ثاب إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نفر ، و كان أولهم عاصم بن ثابت ، و أبو دجانة ، و سهل بن حنيف ، و لحقهم طلحة ابن عبيد اللّه فقلت له : و اين كان أبو بكر و عمر ؟ قال : كانا ممّن تنّحى . قلت :

و أين كان عثمان ؟ قال جاء بعد ثلاثة من الوقعة . فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : لقد ذهبت فيها عريضة . فقلت له : و اين كنت ؟ قال : كنت ممّن تنحّى قلت : إن ثبوت علي عليه السلام في ذلك المقام لعجب فقال : إن تعجبت من ذلك فقد تعجّبت منه الملائكة ، أما علمت أنّ جبرئيل قال في ذلك اليوم و هو يعرج إلى السماء : لا

٢٦

سيف إلاّ ذو الفقار ، و لا فتى إلاّ علي ؟ قلت : فمن أين علم ذلك من جبرئيل . فقال :

سمع الناس صائحا يصيح في السماء بذلك . فسألوا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عنه . فقال :

ذاك جبرئيل .

قال : و روى سلام بن مسكين عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال : لو رأيت مقام علي عليه السلام يوم أحد لوجدته قائما على ميمنة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يذبّ عنه بالسيف ، و قد ولّى غيره الأدبار .

قال : و روى محمّد بن مروان عن عمارة عن عبد اللّه قال : سمعت عليا عليه السلام يقول : لمّا انهزم الناس يوم احد عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى أن قال فنظر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الى كتيبة قد اقبلت إليه . فقال لي : ردّ عنّي يا علي هذه الكتيبة . فحملت عليها بسيفي اضربها يمينا و شمالا حتّى ولّوا الأدبار . فقال لي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم :

اما تسمع مديحك في السماء ان ملكا يقال له رضوان ينادي : « لا سيف إلاّ ذو الفقار و لا فتى إلاّ علي » فبكيت سرورا ، و حمدت اللّه تعالى على نعمته .

قال : و في حديث عمران بن حصين : لمّا تفرّق الناس عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوم احد جاء علي عليه السلام متقلّدا سيفه حتّى قام بين يديه فرفع النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رأسه اليه فقال له : ما بالك لم تفرّ مع الناس فقال : أرجع كافرا بعد اسلامي ؟ فأشار النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم له إلى قوم انحدروا من الجبل . فحمل عليهم فهزمهم . ثم أشار إلى قوم آخرين فحمل عليهم فهزمهم . فجاء جبرئيل عليه السلام فقال للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : لقد عجبت الملائكة و عجبنا معها من حسن مواساة علي عليه السلام لك بنفسه . فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : و ما يمنعه من هذا و هو منّي و أنا منه . فقال جبرئيل له : و أنا منكما .

قال : و قد ذكر أهل السير قتلى احد من المشركين و كان جمهورهم قتلى أمير المؤمنين عليه السلام . فروى عبد الملك بن هشام عن زياد بن عبد اللّه عن محمّد

٢٧

بن إسحاق قال : كان صاحب لواء قريش يوم أحد طلحة بن أبي طلحة من عبد الدار ، قتله علي بن أبي طالب ، و قتل ابنه أبا سعيد بن طلحة ، و قتل أخاه كلدة بن أبي طلحة و قتل عبد اللّه بن حميد بن أسد بن عبد العزى ، و قتل ابا الحكم بن الأخنس بن شريق الثقفي ، و قتل الوليد بن أبي حذيفة بن المغيرة ، و قتل أخاه اميّة بن أبي حذيفة ، و قتل أرطاة بن شرحبيل ، و قتل هشام بن اميّة ، و عمرو بن عبد اللّه الجمحي و بشر بن مالك ، و قتل ثوابا مولى بني عبد الدار ، و كان الفتح له أولا ، و رجوع الناس من هزيمتهم الى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الآخر بمقامه يذبّ عنه دونهم ، و توجّه العتاب من اللّه تعالى الى كافّتهم بهزيمتهم يومئذ ، سواه ، و من ثبت معه من رجال الأنصار ، و كانوا ثلاثة ، و قيل : أربعة أو خمسة قال : و في قتله عليه السلام من قتل يوم أحد ، و عنائه في الحرب ، و حسن بلائه ، يقول الحجاج بن علاط السلمي :

للّه أيّ مذبّب عن حزبه

أعني ابن فاطم المعمّ المحولا

جادت يداك له بعاجل طعنة

تركت طليحة للجبين مجدلا

و شددت شدة باسل فكشفتهم

بالسفح إذ يهوون أسفل أسفلا

و عللت سيفك بالدماء و لم تكن

لتردّه حرّان حتى ينهلا

قال : و لمّا توجّه النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى بني النضير ، عمد إلى حصارهم فضرب قبّته في أقصى بني حطمة من البطحاء . فلما جنّ الليل رمى رجل منهم اليهم بسهم فأصاب القبّة ، فأمر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن يحوّل قبّته الى السفح ، و أحاط به المهاجرون و الأنصار ، فلمّا فقد الظلام فقدوا أمير المؤمنين عليه السلام . فقالوا للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : لا نرى عليا . فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : أراه في بعض ما يصلح شأنكم ، فلم يلبث أن جاء برأس اليهودي الّذي رمى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كان يقال له عزور فطرحه بين يدي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال له : كيف صنعت يا أبا الحسن ؟ فقال عليه السلام : إني

٢٨

رأيت هذا الخبيث جريئا شجاعا فكمنت له و قلت : ما أجرأه ان يخرج إذا اختلط اللّيل يطلب منّا غرّة . فاقبل مصلتا بسيفه في تسعة نفر من اليهود . فشددت عليه ، و قتلته . فأفلت أصحابه ، و لم يبرحوا قريبا ، فابعث معي نفرا فإنّي أرجو أن أظفر بهم ، فبعث معه عشرة فيهم أبو دجانة و سهل بن حنيف . فأدركوهم قبل أن يلجوا الحصن . فقتلوهم و جاءوا برؤوسهم إليه . فأمر أن تطرح في بعض آبار بني حطمة ، و كان ذلك سبب فتح حصون بني النضير و في تلك اللّيلة قتل كعب بن أشرف ، و اصطفى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أموال بني النضير ، و كانت أول صافية قسّمها النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بين المهاجرين الاوّلين ، و أمر عليا عليه السلام فحاز ماله منها فجعله صدقة ، و كان في يده مدّة حياته عليه السلام ثم في يد أمير المؤمنين عليه السلام بعده ، و هو في يد ولد فاطمة عليها السلام حتّى اليوم .

و في ما كان من أمير المؤمنين عليه السلام في هذه الغزاة و قتله اليهودي و مجيئه إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم برؤوس النفر التسعة ، يقول حسان بن ثابت :

للّه أيّ كريهة أبليتها

ببني قريظة و النفوس تطلّع

أودى رئيسهم و آب بتسعة

طورا يشلّهم و طورا يدفع

قال : و كانت غزوة الأحزاب بعد بني النضير ، و ذلك أنّ جماعة من اليهود ، منهم سلام بن أبي الحقيق النضيري ، و حيّ بن أخطب ، و كنانة بن الربيع ، و هوذة بن قيس الوالبي ، و أبو عمارة الوالبي في نفر من بني والبة ،

خرجوا حتّى قدموا مكّة . فصاروا إلى أبي سفيان لعلمهم بعداوته للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و تسرّعه إلى قتاله فذكروا له ما نالهم منه و سألوه المعونة لهم على قتاله .

فقال لهم : أنا لكم حيث تحبّون . فاخرجوا إلى قريش فادعوهم إلى حربه ،

و اضمنوا النصرة لهم و الثبوت معهم حتى تستأصلوه ، فطافوا على وجوه قريش ، و دعوهم الى حرب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قالوا لهم : أيدينا مع أيديكم ، و نحن

٢٩

معكم حتى نستأصله ثم خرجوا حتى جاءوا غطفان ، و قيس عيلان ، فدعوهم الى حربه ، و ضمنوا لهم النصرة و المعونة ، و أخبروهم باتّباع قريش لهم على ذلك ، و اجتمعوا معهم و خرجت قريش ، و قائدها اذ ذاك أبو سفيان ، و خرجت غطفان ، و قائدها عيينة بن حصن في بني فزارة ، و الحرث بن عوف في بني مرّة ، و وبرة بن طريف في قومه من أشجع . فلما سمع النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم باجتماع الأحزاب عليه ، و قوة عزيمتهم في حربه ، استشار أصحابه ، فاجتمع رأيهم على المقام بالمدينة ، و حرب القوم ان جاءوا إليهم على أنقابها ، فأشار سلمان رحمه اللّه على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالخندق إلى أن قال :

روى الواقدي عن عبد اللّه بن جعفر بن أبي عون عن الزهري قال : جاء عمرو ابن عبد ود ، و عكرمة بن أبي جهل ، و هبيرة بن أبي وهب ، و نوفل بن عبد اللّه بن المغيرة ، و ضرار بن الخطاب في يوم الخندق فجعلوا يطوفون به يطلبون مضيقا منه فيعبرون ، حتى انتهوا الى مكان أكرهوا خيولهم فيه فعبرت ، و جعلوا يجيلون خيولهم في ما بين الخندق و سلع ، و المسلمون وقوف لا يقدم منهم أحد عليهم . و جعل عمرو بن عبد ود يدعو الى البراز و يعرّض بالمسلمين و يقول :

و لقد بححت من النداء

بجمعهم هل من مبارز ؟

و في كل ذلك يقوم علي بن أبي طالب عليه السلام ليبارزه فيأمره بالجلوس انتظارا منه ليتحرك غيره ، و المسلمون كأنّ على رؤوسهم الطير لمكان عمرو بن عبد ود ، و الخوف منه ، و ممّن معه ، و من وراءه ، فلمّا طال نداء عمرو بالبراز ،

و تتابع قيام علي عليه السلام قال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : ادن منّي يا علي . فدنا منه . فنزع عمامته من رأسه ، و عمّمه بها ، و أعطاه سيفه ، و قال له : إمض لشأنك ، ثم قال :

اللهم أعنه . فسعى نحو عمرو و معه جابر الأنصاري لينظر ما يكون منه ، و من

٣٠

عمرو . فلما انتهى عليه السلام إليه قال له : يا عمرو انّك كنت في الجاهلية تقول : لا يدعوني أحد إلى ثلاث ، و اللات و العزى الاّ قبلتها أو واحدة منها ؟ قال : أجل ،

قال : فإني أدعوك إلى شهادة ألاّ اله إلاّ اللّه ، و أنّ محمّدا رسوله ، و أن تسلم لربّ العالمين . قال : يا ابن أخي أخّر هذه عنّي . فقال عليه السلام : أما إنّها خير لك لو أخذتها ،

ثم قال : فهاهنا اخرى . قال : و ما هي ؟ قال : ترجع من حيث جئت . قال : لا تحدّث نساء قريش بهذا أبدا قال : فها هنا اخرى . قال : و ما هي ؟ قال : فتنزل و تقاتلني .

فضحك عمرو و قال : إنّ هذه الخصلة ما كنت أظنّ أنّ أحدا من العرب يرومني عليها ، إنّي لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك ، و قد كان أبوك لي نديما .

قال عليه السلام : لكنّي احبّ أن أقتلك ، فانزل إن شئت . فاسف عمرو و نزل و ضرب وجه فرسه حتى رجع . قال جابر : فثارت بينهما قترة فما رأيتهما فسمعت التكبير تحتها . فعلمت أنّ عليا عليه السلام قد قتله . فانكشف أصحابه حتّى طفرت خيولهم الخندق ، و تبادر أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين سمعوا التكبير ينظرون ما صنع القوم . فوجدوا نوفل بن عبد اللّه في جوف الخندق لم ينهض به فرسه .

فجعلوا يرمونه بالحجارة . فقال لهم : قتلة أجمل من هذه ، ينزل إليّ بعضكم اقاتله . فنزل إليه أمير المؤمنين عليه السلام فضربه حتى قتله ، و لحق هبيرة فأعجزه ،

و سقطت درع كانت له ، و فرّ عكرمة ، و هرب ضرار بن الخطاب فقال جابر . فما شبّهت قتل علي عليه السلام عمرا إلاّ بما قصّ اللّه تعالى من قصّه داود و جالوت حيث يقول جلّ شأنه : فهزموهم بإذن اللّه و قتل داود جالوت ١ .

قال : و قد روى قيس بن الربيع قال : حدّثنا أبو هارون العبدي عن ربيعة السعدي قال : أتيت حذيفة بن اليمان فقلت له : يا عبد اللّه إنّا لنتحدّث عن علي و مناقبه فيقول لنا اهل البصرة : إنّكم لتفرطون في علي ، فهل أنت محدّثى

ــــــــــــــــــ

( ١ ) البقرة : ٢٥١ .

٣١
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الرابع الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

بحديث فيه ، فقال حذيفة : يا ربيعة و ما تسألني عن علي فو الّذي نفسي بيده ،

لو وضع جميع أعمال أصحاب محمّد في كفّة من الميزان منذ بعث اللّه محمّدا إلى يوم الناس هذا ، و وضع عمل علي عليه السلام في الكفة الاخرى لرجح عمل علي عليه السلام على جميع أعمالهم . فقال ربيعة : هذا الّذي لا يقام له ، و لا يقعد ، فقال حذيفة : يا لكع كيف لا تحمل و اين كان أبو بكر و عمر و حذيفة ، و جميع أصحاب محمّد يوم عمرو بن عبد ود ، و قد دعا إلى المبارزة . فاحجم الناس كلهم ما خلا عليّا عليه السلام فإنّه برز إليه و قتله اللّه على يده ، و الّذي نفس حذيفة بيده لعمله ذلك اليوم أعظم أجرا من عمل أصحاب محمّد إلى يوم القيامة .

قال : و روى عمر بن أبي الأزهر عن عمرو بن عبيد عن الحسن ، أنّ عليّا عليه السلام لمّا قتل عمرو بن عبد ود ، إحتزّ رأسه و حمله فألقاه بين يدي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ، فقام أبو بكر و عمر فقبّلا رأس علي عليه السلام .

و روى علي بن الحكم الأودي قال : سمعت أبا بكر بن عياش يقول : لقد ضرب علي عليه السلام ضربة ما كان في الإسلام أعزّ منها ، و لقد ضرب عليه السلام ضربة ما ضرب في الإسلام أشأم منها ، يعني ضربة ابن ملجم لعنه اللّه له .

قال : و في الأحزاب أنزل تعالى : إذ جاءوكم من فوقكم و من أسفل منكم و اذ زاغت الأبصار و بلغت القلوب الحناجر و تظنّون باللّه الظنونا . هنالك ابتلي المؤمنون و زلزلوا زلزالا شديدا . و إذ يقول المنافقون و الّذين في قلوبهم مرض ما وعدنا اللّه و رسوله إلاّ غرورا إلى و كفى اللّه المؤمنين القتال و كان اللّه قويّا عزيزا ١ فتوجّه العتب إليهم ، و التوبيخ و التقريع ، و لم ينج من ذلك أحد بالاتّفاق إلاّ أمير المؤمنين عليه السلام اذ كان الفتح له و على يديه ، و كان قتله عليه السلام عمرا ، و نوفل بن عبد اللّه سبب هزيمة المشركين . و قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الاحزاب : ١٠ ٢٥ .

٣٢

بعد قتله عليه السلام هؤلاء : الآن نغزوهم و لا يغزونا .

قال : و قد روى يوسف بن كليب ، عن سفيان بن زيد ، عن قرة و غيره ، عن عبد اللّه بن مسعود انه كان يقرأ و كفى اللّه المؤمنين القتال بعلى و كان اللّه قويا عزيزا ١ و في قتل عمرو بن عبد ود يقول حسّان بن ثابت :

امسى الفتى عمرو بن عبد يبتغي

بجنوب يثرب غارة لم تنظر

و لقد وجدت سيوفنا مشهورة

و لقد وجدت جيادنا لم تقصر

و يقال : انه لمّا بلغ شعر حسّان ، بني عامر أجابه فتى منهم . فقال : يردّ عليه في افتخاره بالأنصار :

كذبتم و بيت اللّه لا تقتلوننا

و لكن بسيف الهاشميين فافخروا

بسيف ابن عبد اللّه أحمد في الوغى

بكفّ علي نلتم ذاك فاقصروا

و لم تقتلوا عمرو بن عبد ببأسكم

و لكنه الكفو الهزبر الغضنفر

علي الّذي في الفخر طال بناؤه

و لا تكثروا الدعوى علينا فتحقروا

ببدر خرجتم للبراز فردّكم

شيوخ قريش جهرة و تأخّروا

إلى أن قال :

فجال علي جولة هاشمية

فدمّرهم لمّا عتوا و تكبّروا

فليس لكم فخر علينا بغيرنا

و ليس لكم فخر يعدّ و يذكر

و قالت اخته :

فاذهب علي فما ظفرت بمثله

قول سديد ليس فيه تحامل

و الثأر عندي يا علي فليتني

أدركته و العقل منّي كامل

ذلّت قريش بعد مقتل فارس

فالذّلّ مهلكها و خزي شامل

ثم قالت : و اللّه لا ثارت قريش بأخي ما حنّت النيب .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الأحزاب : ٢٥ ، و لفظ المصحف « و كفى اللّه المؤمنين القتال و كان اللّه قويا عزيزا » .

٣٣

قال : و لما انهزم الأحزاب ، و ولّوا عن المسلمين الدبر ، عمد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم على قصد بني قريظة ، و أنفذ إليهم أمير المؤمنين عليه السلام في ثلاثين من الخزرج إلى أن قال قال عليه السلام : و سرت حتى دنوت من سورهم . فاشرفوا علي . فلمّا رأوني صاح صائح منهم قد جاءكم قاتل عمرو ، و قال آخر : قد أقبل إليكم قاتل عمرو ، و جعل بعضهم يصيح ببعض و يقولون ذلك ، و ألقى اللّه في قلوبهم الرعب ، و سمعت راجزا يرتجز :

قتل علي عمرا

صاد علي صقرا

قصم علي ظهرا

أبرم علي أمرا

هتك علي سرّا

فقلت : الحمد للّه الّذي أظهر الإسلام ، و قمع الشرك إلى أن قال فأقام النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم حاصرا لهم خمسا و عشرين حتّى سألوه النزول على حكم سعد ابن معاذ ، فحكم بقتل الرجال ، و سبي الذراري و النساء ، و قسمة الاموال . فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم :

« لقد حكمت فيهم بحكم اللّه من فوق سبعة أرقعة » و أمر بإنزال الرجال منهم ،

و كانوا تسعمائة ، فجي‏ء بهم الى المدينة ، و قسّم الاموال ، و استرق الذراري و النسوان ، و لما جي‏ء بالاسارى إلى المدينة حبسوا في دار من دور بني النجار ، و خرج النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم إلى موضع سوق اليوم فخندق فيه خنادق ،

و حضر أمير المؤمنين عليه السلام ، و أمر بهم أن يخرجوا ، و تقدم إلى أمير المؤمنين عليه السلام أن يضرب أعناقهم في الخندق ، فاخرجوا أرسالا ، و فيهم حيّ بن أخطب ، و كعب بن أسد ، و هما اذ ذاك رئيسا القوم إلى أن قال :

ثم اقيم حيّ بن أخطب بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام و هو يقول : قتلة شريفة بيد شريف فقال عليه السلام : إنّ خيار الناس يقتلون شرارهم ، و شرارهم

٣٤

يقتلون خيارهم ، فالويل لمن قتله الأشراف الأخيار ، و السعادة لمن قتله الارذال الكفار . فقال : صدقت ، لا تسلبني حلّتي . فقال عليه السلام : هي أهون علي من ذاك . فقال : سترتني سترك اللّه ، و مدّ عنقه فضربها علي عليه السلام ، و لم يسلبه من بينهم قال : و كان الظفر ببني قريظة ، و فتح اللّه على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بأمير المؤمنين عليه السلام و ما كان من قتله من قتل منهم و ما ألقاه اللّه عزّ و جلّ في قلوبهم من الرعب ، و ماثلت هذه الفضيلة ما تقدمها من فضائله عليه السلام .

قال : و قد كان منه عليه السلام في غزوة وادي الرمل ، و يقال : ذات السلسلة ، ما حفظه العلماء ، و دوّنه الفقهاء ، و نقله أصحاب الآثار ، و رواه نقلة الأخبار ، ممّا ينضاف إلى مناقبه عليه السلام في الغزوات ، و يماثل فضائله في الجهاد ، أنّ أصحاب السير ذكروا أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم كان ذات يوم جالسا إذ جاء أعرأبي فجثا بين يديه ، ثم قال : إنّي جئت لأنصحك . قوم من العرب قد عمدوا على أن يبيّتوك بالمدينة . و وصفهم له ، فأمر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بالصلاة جامعة . فاجتمعوا فصعد المنبر و أثنى عليه ثم قال : « أيّها الناس ان هذا عدوّ اللّه و عدوّكم قد أقبل إليكم يزعم أنّه يبيّتكم بالمدينة فمن للوادي ؟ » فقام رجل من المهاجرين ، فقال : أنا .

فناوله اللواء ، و ضمّ إليه سبعمائة رجل ، و قال له : إمض . فمضى فوافى القوم ضحوة . فقالوا : من الرجل ؟ قال : رسول للرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم : إمّا أن تقولوا : لا إله الاّ اللّه ، و أنّ محمّدا عبده و رسوله ، أو لأضربنّكم بالسيف . قالوا له : إرجع إلى صاحبك فإنّا في جمع لا تقوم له . فرجع فأخبر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بذلك ، فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : « من للوادي ؟ » فقام رجل آخر من المهاجرين فقال : أنا . فدفع إليه الراية و مضى و عاد لمثل ما عاد صاحبه الأوّل فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : « أين علي بن أبي طالب ؟ » فقام عليه السلام فقال : أنا ذا قال : « امض الى الوادي » قال : نعم ، و كانت له عصابة لا يعتصب بها حتى يبعثه في وجه شديد . فمضى الى منزل

٣٥

فاطمة عليها السلام فالتمس العصابة منها ، فقالت : أين تريد ؟ و أين بعثك أبي ؟ قال : إلى وادي الرمل . فبكت إشفاقا عليه . فدخل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و هي على تلك الحال . فقال لها : « تبكين أتخافين أن يقتل بعلك ؟ كلاّ إن شاء اللّه تعالى » .

فقال علي عليه السلام للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : لا تنفس علي بالجنّة ، ثم خرج و معه لواء النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم فمضى حتّى وافى القوم بسحر . فأقام حتّى أصبح ثمّ صلّى بأصحابه الغداة و صفّهم صفوفا ، و اتّكأ على سيفه مقبلا على العدو . فقال : يا هؤلاء أنا رسول رسول اللّه إليكم أن تقولوا لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمّدا عبده و رسوله أو لأضربنّكم بالسيف . قالوا له : إرجع كما رجع صاحباك . قال : أنا لا أرجع . لا و اللّه حتّى تسلموا أو أضربكم بسيفي هذا ، أنا علي بن أبي طالب بن عبد المطلب . فاضطرب القوم لمّا عرفوه ثم اجترأوا على مواقعته . فواقعهم فقتل منهم ستّة أو سبعة ، و انهزم المشركون و ظفر المسلمون و حازوا الغنائم ، و توجّه عليه السلام إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم .

فروي عن ام سلمة قالت : كان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم قائلا في بيتي إذ انتبه فزعا من منامه فقلت له : اللّه جارك قال : صدقت ، اللّه جاري ، لكن هذا جبرئيل يخبرني انّ عليا قادم . ثم خرج إلى الناس فأمرهم أن يستقبلوا عليا عليه السلام . فقام المسلمون له صفّين مع النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم . فلما بصر عليه السلام بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم ترجل عن فرسه و أهوى إلى قدميه يقبّلهما فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : إركب فإن اللّه تعالى و رسوله عنك راضيان ، فبكى عليه السلام و تسلّم المسلمون الغنائم . فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم لبعض من كان معه في الجيش : كيف رأيتم أميركم ؟ قالوا : لم ننكر منه شيئا إلاّ أنّه لم يؤمّ بنا في صلاة إلاّ قرأ بنا فيها ب قل هو اللّه احد فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : سأسأله عن ذلك . فلمّا جاءه قال له : لم لم تقرأ بهم في فرائضك إلاّ بسورة الإخلاص ؟ فقال عليه السلام : أحببتها . قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : فإنّ اللّه

٣٦

قد أحبّك كما أحببتها . ثم قال له : يا علي لو لا اشفق ان تقول فيك طوائف من امّتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك اليوم مقالا لا تمرّ بملأ منهم الاّ اخذوا التراب من تحت قدميك .

قال : فكان الفتح في هذه الغزاة لأمير المؤمنين عليه السلام خاصّة بعد ان كان من غيره فيها من الافساد ما كان ، و اختصّ عليه السلام من مديح النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بها بفضائل لم يحصل منها شي‏ء لغيره .

قال : و قد ذكر كثير من أصحاب السير أنّ في هذه الغزاة نزل على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و العاديات ضبحا ١ إلى آخر السورة فتضمنت ذكر الحال في ما فعله أمير المؤمنين عليه السلام فيها .

قال : ثم كان من بلائه عليه السلام ببني المصطلق ما اشتهر عند العلماء ، و كان الفتح له في هذه الغزاة بعد أن اصيب يومئذ ناس من بني عبد المطلب ،

و قتل عليه السلام رجلين من القوم و هما مالك و ابنه ، و أصاب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم منهم سبيا كثيرا و قسّمه في المسلمين ، و كان ممّن اصيب يومئذ من السبايا جويرية بنت حارث ، فأعتقها النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و جعلها في جملة ازواجه .

قال : ثم تلا ببني المصطلق الحديبيّة ، و كان اللواء يومئذ إلى أمير المؤمنين عليه السلام كما كان إليه في المشاهد قبلها ، و كان من بلائه في ذلك اليوم عند صفّ القوم في الحرب و القتال ما ظهر خبره ، و استفاض ذكره ،

و ذلك بعد البيعة التي أخذها النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم على أصحابه و العهود اليهم في الصبر ، و كان أمير المؤمنين عليه السلام المبايع للنساء عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ، و كانت بيعته لهن يومئذ أن طرح ثوبا بينهن و بينه ثم مسحه بيده فكانت مبايعتهن للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بمسح الثوب ، و النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم يمسح ثوب علي عليه السلام مما يليه ، و لما

ــــــــــــــــــ

( ١ ) العاديات : ١ .

٣٧

رأى سهيل بن عمرو توجه الأمر عليهم ، ضرع إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم في الصلح ،

و نزل عليه الوحي بالاجابة إلى ذلك ، و أن يجعل أمير المؤمنين عليه السلام كاتبه يومئذ و المتولي لعقد الصلح بخطه . فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم له عليه السلام : اكتب « بسم اللّه الرحمن الرحيم » فقال سهيل : و هذا الكتاب بيننا و بينك يا محمّد . فافتتحه بما نعرفه ، و اكتب « باسمك اللهم » فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم له : امح ما كتبت و اكتب « باسمك اللهم » فقال عليه السلام : لو لا طاعتك ما محوت « بسم اللّه الرحمن الرحيم » ثم محاها و كتب باسمك اللهم .

فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : اكتب « هذا ما قاضى عليه محمّد رسول اللّه سهيل بن عمرو » فقال سهيل : لو أجبتك في الكتاب الّذي بيننا إلى هذا لأقررت لك بالنبوّة فسواء شهدت على نفسي بالرضا بذلك أو أطلقته من لساني ، امحّ هذا الإسم و اكتب : « هذا ما قاضى عليه محمّد بن عبد اللّه » فقال له علي عليه السلام : إنّه و اللّه رسول اللّه حقّا على رغم أنفك . فقال سهيل : اكتب اسمه يمضى الشرط فقال عليه السلام : ويلك يا سهيل كفّ عن عنادك .

فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم لعلي عليه السلام : أمحها . فقال : إنّ يدي لا تنطلق بمحو اسمك من النبوّة . قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : فضع يدي عليها . فمحاها النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بيده و قال لعلي عليه السلام : « ستدعى إلى مثلها فتجيب و أنت على مضض » ثمّ تمّم الكتاب . و لمّا تمّ الصلح نحر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم هديه في مكانه فكان نظام تدبير هذه الغزاة متعلقا بأمير المؤمنين عليه السلام ، و كان ما جرى فيها من البيعة ، و صفّ الناس للحرب ثم الهدنة و الكتاب كلّه لأمير المؤمنين عليه السلام ، و كان في ما هيّأه اللّه له من ذلك حقن الدماء ، و صلاح أمر الإسلام .

قال : و قد روى الناس له عليه السلام في هذه الغزاة بعد الّذي ذكرناه فضيلتين اختص بهما و انضافتا إلى فضائله العظام ، و مناقبه الجسام .

٣٨

فروى إبراهيم بن عمر ، عن رجاله ، عن فائد مولى عبد اللّه بن سالم قال :

لمّا خرج النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم في غزوة الحديبية نزل الجحفة ، فلم يجد فيها ماء ، فبعث سعد بن مالك بالروايا حتى اذا كان غير بعيد رجع و قال : ما أستطيع أن أمضي لقد وقفت قدماي رعبا من القوم . فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم : إجلس ، ثم بعث آخر .

فخرج بها حتى إذا كان بالمكان الذي انتهى إليه الاوّل رجع ، فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم لم رجعت ؟ قال : و الّذي بعثك بالحق نبيّا ما استطعت أن أمضى رعبا ، فدعا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أمير المؤمنين عليه السلام فارسله بها ، و خرج السقاة ، و هم لا يشكّون في رجوعه لما رأوا من جزع من تقدمه . فخرج عليه السلام بالروايات حتى ورد الحرار و استقى . ثم أقبل بها إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و لها زجل ، فلما دخل كبّر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و دعا له بخير .

قال : و في هذه الغزاة أقبل سهيل بن عمرو إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم فقال : يا محمّد إنّ أرقّائنا لحقوا بك فارددهم علينا ، فغضب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم حتّى تبين الغضب في وجهه ثم قال : لتنتهينّ يا معشر قريش أو ليبعثنّ اللّه عليكم رجلا امتحن اللّه قلبه بالايمان يضرب رقابكم على الدين .

فقال بعض من حضر : أبو بكر ذلك الرجل ؟ قال : لا ، قال : فعمر ؟ قال : لا .

و لكنّه خاصف النعل في الحجرة ، فتبادر الناس الى الحجرة ينظرون من الرجل . فإذا هو علي بن أبي طالب عليه السلام .

قال : و قد روى هذا الحديث جماعة عن أمير المؤمنين عليه السلام ، و قالوا فيه :

إنّ عليا عليه السلام قصّ هذه القصة ثم قال : سمعت النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم يقول « من كذب عليّ متعمدا فليتبوّأ مقعده من النار » و كان الّذي أصلحه عليه السلام من نعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم شسعها فإنّه كان انقطع فخصف موضعه و أصلحه .

قال : ثم تلت الحديبية خيبر و كان الفتح فيها لأمير المؤمنين عليه السلام بلا

٣٩

ارتياب ، و ظهر من فضله في هذه الغزاة ما أجمع على نقله الرواة ، و تفرد عليه السلام فيها من المناقب بما لم يشركه فيها أحد من الناس . فروى محمّد بن يحيى الأزدي عن مسعدة بن اليسع ، و عبد اللّه بن عبد الرحيم عن عبد الملك بن هشام و محمّد بن إسحاق ، و غيرهما من أصحاب الآثار ، قالوا : حاصر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم خيبر بضعا و عشرين ليلة ، و كانت الراية يومئذ لأمير المؤمنين عليه السلام . فلحقه رمد فمنعه من الحرب و كان المسلمون يناوشون اليهود من بين أيدي حصونهم ، و جنباتها ، فلما كان ذات يوم فتحوا الباب و كانوا خندقوا على أنفسهم خندقا ، و خرج مرحب برجله يتعرض للحرب . فدعا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أبا بكر .

فقال له : خذ الراية . فأخذها في جمع من المهاجرين فلم يغن شيئا ، فعاد يؤنّب القوم الّذين اتبعوه و يؤنّبونه ، فلما كان من الغد تعرّض لها عمر فسار بها غير بعيد ثم رجع يجبّن أصحابه و يجبّنونه فقال : ليست هذه الراية لمن حملها جيئوني بعلي بن أبي طالب . فقيل له : انه ارمد قال : ارونيه تروني رجلا يحبّ اللّه و رسوله و يحبّه اللّه و رسوله يأخذها بحقّها ليس بفرّار فجاءوا بعليّ عليه السلام يقودونه إليه فقال له : ما تشتكي ؟ قال : رمد ما ابصر معه ، و صداع برأسي .

فقال له عليه السلام : إجلس وضع رأسك على فخذي ففعل عليه السلام ذلك . فدعا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم فتفل في يده فمسح بها على عينه و رأسه . فانفتحت عيناه ، و سكن ما يجده من الصداع و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلم في دعائه له : اللهمّ قه الحر و البرد ، و أعطاه الراية و كانت راية بيضاء و قال : خذها و امض بها فجبرئيل معك ، و النصر أمامك ، و الرعب مبثوث في صدور القوم ، و اعلم انهم يجدون في كتابهم أنّ الّذي يدمّر عليهم ، اسمه إيليا فإذا لقيتهم فقل : أنا علي فإنّهم يخذلون إن شاء اللّه تعالى قال عليه السلام : فمضيت بها حتّى أتيت الحصن فخرج مرحب ، و عليه مغفر و حجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه ، و هو يرتجز و يقول :

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594

595

596

597