بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٥

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 632

  • البداية
  • السابق
  • 632 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 38255 / تحميل: 3452
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 5

مؤلف:
العربية

المؤمنين . قال : ويلكم ما اسم هذا المكان ؟ قالوا : النهروان . قال : صدق اللّه و رسوله و كذبتم إنّه لفيهم فالتمسوه فالتمسناه فوجدناه في ساقية . . . ١ .

و روى في عبد اللّه بن خباب أنّه عليه السّلام قال : اطلبوا في القوم رجلا يده كثدي المرأة . فطلبوا ثمّ رجعوا إليه فقالوا : ما وجدنا . فقال : « و اللّه ما كذبت و لا كذبت و إنه لفي القوم » ثلاث مرّات يجيئونه فيقول لهم هذا القول ٢ .

و روى العوام بن حوشب عن أبيه عن جده يزيد بن رويم قال : قال عليّ عليه السّلام : يقتل اليوم أربعة آلاف من الخوارج أحدهم ذو الثدية . فلمّا طحن القوم و رام استخراج ذي الثدية أمرني أن أقطع له أربعة آلاف قصبة ، و ركب بغلة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم و قال : اطرح على كلّ قتيل منهم قصبة . فلم أزل كذلك ، و أنا بين يديه و هو راكب خلفي و الناس يتبعونه حتّى بقيت في يدي واحده فنظرت إليه و إذا وجهه أربد و إذا هو يقول : « ما كذبت و لا كذبت » فإذا خرير ماء عند موضع فقال : فتّش هذا ففتّشته فإذا قتيل قد صار في الماء ، و إذا رجله في يدي فجذبتها و قلت : هذه رجل إنسان . فنزل عن البغلة مسرعا فجذب الرجل الاخرى ، و جرّرناه حتّى صار على التراب . فإذا هو المخدج . فكبّر علي عليه السّلام بأعلى صوته ثمّ سجد فكبّر الناس كلّهم ٣ .

و في ( كامل المبرد ) : قيل لعليّ عليه السّلام إنّهم يريدون الجسر . فقال لن يبلغوا النطفة ، و جعل الناس يقولون له في ذلك حتّى كادوا يشكّون ثمّ قالوا : قد رجعوا يا أمير المؤمنين . فقال : « و اللّه ما كذبت و لا كذبت » . . . ٤ .

و عن أبي مخنف قام في الجمل رجل إلى عليّ عليه السّلام فقال : يا أمير

ــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ بغداد ١ : ١٩٩ .

( ٢ ) تاريخ بغداد ١ : ٢٠٦ .

( ٣ ) لم اجده في تاريخ بغداد .

( ٤ ) الكامل في التاريخ للمبرد ٧ : ١٠٧ .

٤٤١

المؤمنين أيّ فتنة أعظم من هذه . إنّ البدريّة ليمشي بعضها إلى بعض بالسيف . فقال عليّ عليه السّلام : « و يحك أتكون فتنة أنا أميرها و قائدها ، و الّذي بعث محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلم بالحقّ و كرّم وجهه ما كذبت و لا كذبت ، و لا ضللت ، و لا ضلّ بي ، و لا زللت و لا زلّ بي ، و إنّي لعلى بينّة من ربّي بيّنها اللّه لرسوله ، و بيّنها رسوله لي ، و سادعى يوم القيامة ، و لا ذنب لي ، و لو كان لي ذنب لكفّر عنّي ذنوبي ما أنا فيه من قتالهم » ١ .

هذا و روى المدائني في ( صفينه ) : أنّ عليّا عليه السّلام خطب بعد النهروان فذكر طرفا من الملاحم إلى أن قال قال رجل من أهل البصرة لرجل من أهل الكوفة إلى جانبه : أشهد أنّه كاذب على اللّه و رسوله . قال الكوفي : و ما يدريك ؟ قال :

فو اللّه ما نزل ( عليّ عليه السّلام ) عن المنبر حتّى فلج الرجل فحمل إلى نزله في شق محمل فمات من ليلته ٢ .

« و لا ضللت و لا ضلّ بي » روى القمي في تفسير قوله تعالى « ما ضلّ صاحبكم و ما غوى . و ما ينطق عن الهوى . إن هو إلاّ وحي يوحى » ٣ .

عن أبي جعفر عليه السّلام يعني ما ضلّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم في عليّ ، و ما ينطق فيه بالهوى ، و ما كان قال فيه إلاّ بالوحي الّذي أوحى إليه ٤ .

٧

الخطبة ( ٣٦ ) و من خطبة له ع في تخويف أهل ؟ النهروان ؟ :

فَأَنَا نَذِيرُكُمْ أَنْ تُصْبِحُوا صَرْعَى بِأَثْنَاءِ هَذَا اَلنَّهَرِ وَ بِأَهْضَامِ هَذَا اَلْغَائِطِ

ــــــــــــــــ

( ١ ) رواه عن أبي مخنف ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ٨٩ ، شرح الخطبة ١٣ .

( ٢ ) رواه عن صفين المدائني ابن أبي الحديد في شرحه ٢ : ٤٩ و ٥٠ ، شرح الخطبة ٦٩ .

( ٣ ) النجم : ٢ ٤ .

( ٤ ) رواه القمي في تفسيره ٢ : ٣٣٤ ، و النقل بتصرف يسير .

٤٤٢

عَلَى غَيْرِ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ لاَ سُلْطَانٍ مُبِينٍ مَعَكُمْ قَدْ طَوَّحَتْ بِكُمُ اَلدَّارُ وَ اِحْتَبَلَكُمُ اَلْمِقْدَارُ وَ قَدْ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ هَذِهِ اَلْحُكُومَةِ فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ اَلْمُخَالِفِينَ اَلْمُنَابِذِينَ حَتَّى صَرَفْتُ رَأْيِي إِلَى هَوَاكُمْ وَ أَنْتُمْ مَعَاشِرُ أَخِفَّاءُ اَلْهَامِ سُفَهَاءُ اَلْأَحْلاَمِ وَ لَمْ آتِ لاَ أَبَا لَكُمْ بُجْراً وَ لاَ أَرَدْتُ لَكُمْ ضُرّاً الخطبة ( ٥٨ ) و من كلام له ع كلم به الخوارج أَصَابَكُمْ حَاصِبٌ وَ لاَ بَقِيَ مِنْكُمْ آبِرٌ أَ بَعْدَ إِيمَانِي بِاللَّهِ وَ جِهَادِي مَعَ ؟ رَسُولِ اَللَّهِ ص ؟ أَشْهَدُ عَلَى نَفْسِي بِالْكُفْرِ لَ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَ ما أَنَا مِنَ اَلْمُهْتَدِينَ ١٥ ٢٢ ٦ : ٥٦ فَأُوبُوا شَرَّ مَآبٍ وَ اِرْجِعُوا عَلَى أَثَرِ اَلْأَعْقَابِ أَمَا إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي ذُلاًّ شَامِلاً وَ سَيْفاً قَاطِعاً وَ أَثَرَةً يَتَّخِذُهَا اَلظَّالِمُونَ فِيكُمْ سُنَّةً قوله ع و لا بقي منكم آبر يروى بالباء و الراء من قولهم رجل آبر للذي يأبر النخل أي يصلحه . و يروى آثر و هو الذي يأثر الحديث أي يرويه و يحكيه و هو أصح الوجوه عندي كأنه ع قال لا بقي منكم مخبر . و يروى آبز بالزاي المعجمة و هو الوائب و الهالك أيضا يقال له آبز أقول : جمعنا بينهما لأنّ الطبري رواهما كلاما واحدا مع اختلاف ما ،

فروى عن أبي مخنف عن مالك بن أعين عن زيد بن وهب أنّ عليّا عليه السّلام أتى أهل النهر . فوقف عليهم . « فقال أيّتها العصابة الّتي أخرجها عداوة المراء و اللجاجة ،

و صدّها عن الحقّ الهوى ، و طمح بها النزق ، و أصبحت في اللبس ، و الخطب العظيم . إنّي نذير لكم أن تصبحوا تلفيكم الامّة غدا صرعى بأثناء هذا النهر ،

و بأهضام هذا الغائط بغير بيّنة من ربّكم ، و لا برهان بيّن . أ لم تعلموا أنيّ

٤٤٣

نهيتكم عن الحكومة ، و أخبرتكم أن طلب القوم إيّاها منكم دهن و مكيدة لكم ،

و نبّأتكم أنّ القوم ليسوا بأصحاب دين و لا قرآن ، و أنّي أعرف بهم منكم .

عرفتهم أطفالا و رجالا ، فهم أهل المكر و الغدر ، و أنّكم إن فارقتم رأيي جانبتم الحزم . فعصيتموني حتّى إذا أقررت بأن حكّمت . فلمّا فعلت شرطت و استوثقت . فأخذت على الحكمين أن يحييا ما احيا القرآن ، و أن يميتا ما أمات القرآن . فاختلفا و خالفا حكم الكتاب و السنة . فنبذنا أمرهما و نحن على أمرنا الأوّل . فما الّذي [ جاء ] بكم و من أين أتيتم » ؟ قالوا : إنّا حكّمنا فلمّا حكّمنا أثمنا و كنّا بذلك كافرين ، و قد تبنا . فإن تبت كما تبنا فنحن منك و معك ، و إن أبيت فاعتزلنا . فإنّا منابذوك على سواء . إنّ اللّه لا يحبّ الخائنين . فقال عليّ عليه السّلام :

« أصابكم حاصب ، و لا بقي منكم و ابر أبعد إيماني برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و هجرتي معه و جهادي في سبيل اللّه أشهد على نفسي بالكفر . لقد ضللت إذن و ما أنا من المهتدين » ١ .

و رواه الزبير بن بكار في ( موفقياته ) أيضا عن عليّ بن صالح قال : لمّا استوى الصفّان بالنهروان تقدّم أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام بين الصفّين ثمّ قال :

أمّا بعد أيّتها العصابة الّتي أخرجتها عادة المراء و الضلالة ، و صدف بها عن الحقّ إلى الهوى و الزيغ إلى :

فقال : خطيبهم : أما بعد يا عليّ فإنّا حين حكّمنا كان ذلك كفرا منّا ، فإن تبت كما تبنا فنحن معك و منك ، و إن أبيت فنحن منابذوك على سواء إنّ اللّه لا يحب الخائنين . فقال عليّ عليه السّلام : « أصابكم حاصب ، و لا بقي منكم و ابر . أبعد إيماني بالله و جهادي في سبيل اللّه ، و هجرتي مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم اقرّ بالكفر ؟

لقد ضللت إذن ، و ما أنا من المهتدين ، و لكن منيت بمعشر أخفّاء الهام ، سفهاء

ــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٦٢ ، سنة ٣٧ .

٤٤٤

الأحلام ، و اللّه المستعان . ثمّ حمل عليهم فهزمهم ١ .

و روى الطبري أيضا عن أبي مخنف عن أبي سلمة الزهري ابن بنت أنس بن مالك ، أنّ عليّا عليه السّلام قال لأهل النهر : يا هؤلاء إنّ أنفسكم قد سؤلت لكم فراق هذه الحكومة الّتي أنتم أبدأتموها و سألتموها و أنا لها كاره ، و أنبأتكم أنّ القوم سألو كموها مكيدة و دهنا ، فأبيتم علي إباء المخالفين ، و عدلتم عنّي عدول النكداء العاصين ، حتّى صرفت رأيي إلى رأيكم و أنتم و اللّه معاشر أخفّاء الهام سفهاء الأحلام . فلم آت لا أبا لكم حراما ، و اللّه ما خبلتكم عن اموركم ، و لا أخفيت شيئا من هذا الأمر عنكم ، و لا أو طأتكم عشوة ، و لا دنيت لكم الشراء و ان كان أمرنا لأمر المسلمين ظاهرا . فأجمع رأي ملأكم على أن اختاروا رجلين فأخذنا عليهما أن يحكما بما في القرآن و لا يعدواه ، فتاها و تركا الحقّ و هما يبصرانه ، و كان الجور هواهما ، و قد سبق استيثاقنا عليهما في الحكم بالعدل و الصد للحقّ بسوء رأيهما ، و جور حكمهما و الثقة في أيدينا لأنفسنا حين خالفا سبيل الحقّ ، و أتيا بما لا يعرف . فبيّنوا لنا بماذا تستحلّون قتالنا و الخروج من جماعتنا أن اختار الناس رجلين أن تضعوا أسيافكم على عواتقكم ثمّ تستعرضوا الناس تضربون رقابهم ، و تسفكون دماءهم . إنّ هذا لهو الخسران المبين ، و اللّه لو قتلتم على هذا دجاجة لعظم عند اللّه قتلها فكيف بالنفس الّتي قتلها عند اللّه حرام ٢ .

هذا ، و قال ابن أبي الحديد بعد العنوان الأوّل : روى محمّد بن حبيب قال :

خطب علي عليه السّلام الخوارج يوم النهر . فقال لهم : نحن أهل بيت النبوّة ، و موضع الرسالة ، و مختلف الملائكة ، و عنصر الرحمة ، و معدن العلم و الحكمة . نحن

ــــــــــــــــ

( ١ ) الموفقيات : ٣٢٥ ح ١٨١ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٤ : ٦٣ ، سنة ٣٧ .

٤٤٥

افق الحجاز بنا يلحق البطي‏ء ، و إلينا يرجع التائب . أيّها القوم إنّي نذير لكم أن تصبحوا صرعى باهضام هذا الوادي . . . ١ .

قول المصنف : « في تخويف أهل النهروان » في ( بلدان الحموي ) :

النهروان ثلاث نهروانات : الأعلى و الأوسط ، و الأسفل ، و هي كورة واسعة بين بغداد ، و واسط من الجانب الشرقي ، حدّها الأعلى متّصل ببغداد ، و فيها عدّة بلاد متوسطة منها إسكاف ، و جر جرايا ، و الصافية ، و دير قنّى .

و قال حمزة الاصبهاني : و يقبل من نواحي آذربيجان إلى جانب العراق و ادجرار . فيسقى قرى كثيرة ثمّ ينصبّ ما بقي منه في دجلة أسفل المدائن ،

و لهذا النهر اسمان احدهما فارسي و الآخر سرياني فالفارسي ( جوروان ) و السرياني تامّرا فعرب الاسم الفارسي . فقيل : نهروان .

و في ( بلدان ابن الكلبي ) : تامرا و نهروان إبنا جوخي حفرا النهرين فنسبا إليهما ٢ .

و في ( تاريخ الطبري ) : لمّا بعث عليّ عليه السّلام أبا موسى لإنفاذ الحكومة لقيت الخوارج بعضها بعضا فاجتمعوا في منزل عبد اللّه بن وهب الراسبي . فقال لهم : فاخرجوا بنا من هذه القرية الظالم أهلها إلى بعض كور الجبال أو إلى بعض هذه المدائن منكرين لهذا البدع المضلّة ، فقال له حرقوص بن زهيران :

المتاع بهذه الدنيا قليل ، و قال حمزة بن سنان الأسدي : ولّوا أمركم رجلا منكم فإنّه لابدّ لكم من عماد و سناد و راية تحفّون بها و ترجعون إليها . فعرضوها على زيد بن حصين الطائي فأبى ، و عرضوها على حرقوص بن زهير فأبى ، و على حمزة بن سنان و شريح بن أوفي العبسي ، فأبيا ، و عرضوها على

ــــــــــــــــ

( ١ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ٢٠٧ ، شرح الخطبة ٣٦ .

( ٢ ) معجم البلدان ٥ : ٣٢٤ ٣٢٥ .

٤٤٦

عبد اللّه بن وهب فقال : هاتوها فبايعوه . فقال بشر : نخرج إلى المدائن فنزلها و نأخذ بأبوابها . فقال زيد ابن حصين : إنّكم إن خرجتم مجتمعين اتبعتم .

اخرجوا وجدانا مستخفين حتّى تنزلوا جسر نهروان . فأما المدائن فبها من يمنعكم . و اجتمع خوارج البصرة أيضا في خمسمئة رجل ، و جعلوا عليهم مسعر بن فدكي التميمي ، و أقبل يعترض الناس ، و على مقدّمته الأشرس بن العوف اشيباني ، و سار حتّى لحق بعبد اللّه بالنهر ١ .

قوله عليه السّلام « فأنا نذيركم » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( فأنا نذير لكم ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٢ .

« أن تصبحوا صرعى » أي : هلكى .

« بأثناء هذا النهر » في ( الصحاح ) : الثني واحد أثناء الشي‏ء : أي : تضاعيفه تقول : أنفذت كذا ثني كتابي ، أي : في طيه ٣ .

« و بأهضام » جمع هضم بالكسر : المطمئن من الأرض . يقال في التحذير « الليل و اهضام الوادي » أي : لعل هناك من لا يؤمن اغتياله .

« هذا الغائط » الأصل في الغائط : المطمئن من الأرض الواسع ، و لمّا كان من أراد قضاء الحاجة أتى الغائط صار « أتى الغائط » كناية عن قضاء الحاجة و « الغائط » عن العذرة .

« على غير بيّنة من ربّكم و لا سلطان مبين معكم » فتكونوا خسرتم الدنيا و الآخرة .

« قد طوّحت بكم الدار » أي : توّهت بكم و ذهبت بكم هاهنا و هاهنا و فيه رمز

ــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٥٤ ٥٦ ، سنة ٣٧ ، و النقل بتلخيص .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٠١ ، لكن في شرح ابن ميثم ٢ : ٨٩ ، مثل المصرية أيضا .

( ٣ ) صحاح اللغة ٦ : ٢٢٩٤ ، مادة ( ثني ) .

٤٤٧

إلى عدم إمكان الإستقرار للخوارج بأرض ، فإنّهم كلّ يوم كانوا بموضع و هو إخبار بالغيب منه عليه السّلام فيهم غير إخباره عليه السّلام بهلاكتهم .

« و احتبلكم المقدار » أي : جعلكم القدر و القضاء في حبالته و أصطادكم بها .

قال ابن أبي الحديد في ( مسند أحمد بن حنبل ) عن مسروق قال : قالت لي عائشة : إنّك من ولدي و من أحبهم إليّ . فهل عندك علم من المخدّج . فقلت : نعم .

قتله علي على نهر يقال لأعلاه تامرا و لأسفله النهروان بين الخافيق و طرفاء .

قالت : إبغني على ذلك بيّنة . فأقمت رجالا شهدوا عندها بذلك . فقلت لها : سألتك بصاحب القبر ما الّذي سمعت من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم فيهم ؟ فقالت : نعم سمعته يقول : « إنّهم شرّ الخلق و الخليقة ، يقتلهم خير الخلق و الخليقة ، و أقربهم عند اللّه وسيلة » ١ .

و في ( صفين المدائني ) : لمّا عرفت عائشة أنّ عليّا عليه السّلام قتل ذا الثدية قالت لمسروق : لعن اللّه عمرو بن العاص فإنه كتب إليّ يخبرني أنّه قتله بالإسكندرية ، ألا انّه ليس يمنعني ما في نفسي أن أقول ما سمعته من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم يقول : « يقتله خير امّتي من بعدي » ٢ .

« و قد كنت نهيتكم عن هذه الحكومة » الّتي طلبها معاوية بتدبير عمرو بن العاص له ، و قال عليه السّلام كما عرفت من رواية الطبري « و أخبرتكم أن طلب القوم إيّاها منكم دهن و مكيدة ، لكم نبّأتكم أنّ القوم ليسوا بأصحاب دين و لا قرآن ، و أنّي أعرف بهم منكم عرفتهم أطفالا و رجالا أهل المكر و الغدر » ٣ .

ــــــــــــــــ

( ١ ) رواه عن مسند أحمد ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ٢٠٢ ، لكن لم اجده في مسند أحمد .

( ٢ ) رواه عن صفين المدائني : ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ٢٠٢ ، شرح الخطبة ٣٦ .

( ٣ ) تارخى الطبري ٤ : ٦٢ ، سنة ٣٧ .

٤٤٨

« فأبيتم علي إباء المخالفين المنابذين » إنّما قال عليه السّلام « المخالفين المنابذين » لأنّهم لم يقنعوا بمجرد المخالفة بل قالوا له عليه السّلام : لو لم تقبل الحكومة لقتلناك أو نأخذك و نعطيك بيد معاوية . فنابذوا إليه عليه السّلام طاعته . يقال نابذه الحرب أي كاشفه .

« حتّى صرفت رأيي إلى هواكم » دفعا لغائلتكم .

« أنتم معاشر أخفّاء » جمع خفيف .

« الهام » أي : الرؤوس ، و خفة الرأس دليل قلة العقل .

« سفهاء الأحلام » و السفيه مقابل الحليم . فإضافة السفهاء إلى الأحلام تفيد أنّ حلمهم سفه .

« و لم آت لا أبا لكم بجرا » بالضم أي : شرا .

« و لا أردت لكم ضرّا » بل نفعا و خيرا .

« أصابكم حاصب » قال الجزري أي : عذاب من اللّه و أصله رميتم بالحصباء من السماء ، و في ( الجمهرة ) : « ريح حاصب : تقشر الحصى عن وجه الأرض » ١ .

« و لا بقي منكم آبر » قد عرفت أنّ الطبري رواه « وابر » ٢ . و هو الصحيح .

فإنّه الأنسب . قال الجوهري : و ما بها وابر : أي أحد . قال الشاعر :

فابت إلى الحي الّذين وراءهم

جريضا و لم يفلت من الجيش وابر

و في ( الجمهرة ) : و لا يستعمل وابر إلاّ في النفي ٣ .

هذا و قال ابن أبي الحديد : يمكن أن يزداد في تفسيرات الرضي بأن يقال

ــــــــــــــــ

( ١ ) النهاية ١ : ٣٩٤ ، مادة ( حصب ) ، و جمهرة اللغة ١ : ٢٢٣ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٤ : ٦٣ .

( ٣ ) صحاح اللغة ٢ : ٨٤٢ ، مادة ( وبر ) ، و جمهرة اللغة ٣ : ٢٠٣ .

٤٤٩

المراد بقوله « آبر » أي : نمّام يفسد ذات البين ، و الآبر أيضا من يبغي القوم من أبرت الكلب إذا أطعمته الأبرة في الخبز ١ .

قلت : هما إن صحا مفهوما لم يصحّا مرادا . فإنّه لا معنى لأن يقال لا بقي منهم نمّام أو آبر كلب . فليس كلّما يصح مفهوما يصحّ مرادا ، و لذا فرّق الرضي بين معنيي « الآبز » بالزاي . ففسره بالأوّل ، و اقتصر في الثاني على أنه مجرّد مفهوم .

و كيف كان فقد استجيب دعاؤه عليه السّلام عليهم كما وقع اخباره عليه السّلام فيهم .

قال ابن أبي الحديد : روى أبو عبيدة معمر بن المثنى قال : إستنطقهم عليّ عليه السّلام بقتل عبد اللّه بن خباب فأقرّوا به . فقال : إنفردوا كتائب لأسمع قولكم كتيبة كتيبة . فتكتّبوا كتائب و أقرّت كلّ كتيبة بمثل ما أقرّت به الاخرى من قتل ابن خباب و قالوا : و لنقتلنّك كما قتلناه . فقال علي عليه السّلام : « و اللّه لو أقرّ أهل الدنيا كلّهم بقتله هكذا ، و أنا أقدر على قتلهم به لقتلتهم » ثمّ التفت إلى أصحابه . فقال لهم :

« شدّوا عليهم فأنا أوّل من يشد عليهم » ، و حمل بذي الفقار حملة منكره ثلاث مرّات كلّ حملة يضرب به حتّى يعوج متنه ثمّ يخرج فيسوّيه بركبته ثمّ يحمل به حتّى أفناهم ٢ .

و روى الطبري : أنه ما لبثوا عبد اللّه بن وهب و ألفين و ثماني مئة معه أن أناموهم ، و روى عن حكيم بن سعد قال : ما هو إلاّ أن لقينا أهل البصرة . فما لبثناهم فكأنّما قيل لهم موتوا فماتوا قبل أن تشتدّ شوكتهم ٣ .

و روى عن عون بن أبي جحيفة أنّ عليّا عليه السّلام لمّا أراد أن يبعث أبا موسى

ــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٨٠ ، و النقل بتصرف في اللفظ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٠٧ .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٤ : ٦٤ ، سنة ٣٧ .

٤٥٠

للحكومة أتاه رجلان من الخوارج ، زرعة بن البرج الطائي ، و حرقوص بن زهير السعدي فدخلا فقالا له : لا حكم إلاّ للّه . فقال عليّ عليه السّلام : لا حكم إلاّ للّه .

فقال له حرقوص : تب من خطيئتك ، و ارجع عن قضيّتك ، و اخرج بنا إلى عدّونا نقاتلهم حتّى نلقى ربنا .

فقال لهم علي عليه السّلام : قد أردتكم على ذلك فعصيتموني ، و قد كتبنا بيننا و بينهم كتابا ، و شرطنا شروطا ، و أعطينا عليها عهودنا و مواثيقنا ، و قد قال اللّه عزّ و جلّ : و أوفوا بعهد اللّه إذا عاهدتم و لا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها و قد جعلتم اللّه عليكم كفيلا إنّ اللّه يعلم ما تفعلون ١ .

فقال حرقوص : ذلك ذنب ينبغي أن تتوب منه .

فقال عليّ عليه السّلام : ما هو ذنب ، و لكنّه عجز من الرأي و ضعف من الفعل ،

و قد تقدّمت إليكم في ما كان منه ، و نهيتكم عنه .

فقال له زرعة : أما و اللّه لئن لم تدع تحكيم الرجال في كتاب اللّه ، قاتلتك أطلب بذلك وجه اللّه و رضوانه .

فقال له عليّ عليه السّلام : بؤسا لك ما اشقاك كأنّي بك قتيلا تسفي عليك الريح .

قال : و ددت أن قد كان ذلك .

فقال له عليّ عليه السّلام : « لو كنت محقا كان في الموت على الحقّ تعزية عن الدنيا إنّ الشيطان قد استهواكم . . . » ٢ .

« أبعد إيماني بالله » أوّل من آمن به .

« و جهادي مع رسول اللّه » في جميع غزواته و ليس عليه السّلام في ( المصرية ) مع أنه في الثلاثة .

ــــــــــــــــ

( ١ ) النحل : ٩١ .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٤ : ٥٢ ، سنة ٣٧ .

٤٥١

« أشهد على نفسي بالكفر لقد ضللت إذن و ما أنا من المهتدين » قال ابن أبي الحديد : قال المبرد في ( كامله ) : و من شعر عليّ عليه السّلام الّذي لا اختلاف فيه أنّه قاله و أنه كان يردده أنهم ( أي : الخوارج ) لمّا ساموه أن يقرّلهم بالكفر و يتوب حتّى يسيروا معه إلى الشام . فقال « أبعد صحبة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و التفقّه في الدين أرجع كافرا » ؟ ثمّ قال :

يا شاهد اللّه عليّ فاشهد

أنّي على دين النبيّ أحمد

من شك في اللّه فإنّي مهتدي

و في ( كامل المبرد ) أيضا : أنّ عليّا عليه السّلام في أوّل خروج القوم عليه دعا صعصعة ابن صوحان العبدي و قد كان وجّهه و زياد بن النضر مع ابن عباس إليهم فقال له : بأيّ القوم رأيتهم أشدّ إطافة . قال : يزيد بن قيس الأرحبي . فركب عليه السّلام إلى حروراء . فجعل يتخللّهم حتّى صار إلى مضرب يزيد .

فصلّى فيه ركعتين ثمّ خرج فاتّكأ على قوسه ، و أقبل على الناس . فقال : هذا مقام من فلج فيه فلج يوم القيامة ، ثمّ كلّمهم و ناشدهم . فقالوا : إنّا أذنبنا ذنبا عظيما بالتحكيم ، و قد تبنا فتب إلى اللّه كما تبنا بعد ذلك . فقال عليّ عليه السّلام أنا أستغفر اللّه من كلّ ذنب . فرجعوا معه و هم ستّة آلاف . فلمّا استقرّوا بالكوفة أشاعوا أنّ عليا عليه السّلام رجع عن التحكيم و رآه ضلالا و قالوا : إنّما ينتظر أن يسمن الكراع ، و يجبي الأموال ثمّ ينهض بنا إلى الشام . فأتى الأشعث عليّا عليه السّلام فقال : إنّ الناس قد تحدّثوا أنك رأيت الحكومة ضلالا و الإقامة عليها كفرا . فقام عليّ عليه السّلام فخطب فقال : « من زعم أنّي رجعت عن الحكومة فقد كذب ، و من رأها ضلالا فقد ضلّ » فخرجت حينئذ الخوارج من المسجد فحكمت ١ .

قلت : العجب من الخوارج يجعلون نصب من يحكم من القرآن لا من

ــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٠٦ ، و كامل المبرد ٧ : ١٠٩ و ١٣٨ .

٤٥٢
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الخامس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

نفسه كفرا و لا يجعلون نصب إمام يحكم لهم من نفسه على خلاف حكم اللّه كفرا و الأغرب منه أنّهم جعلوا تحكيمه عليه السّلام على وفق القرآن ضلالا ، و لم يجعلوا تحكيم عمر في ستّة الشورى ضلالا و لمّا خرج حوثرة الأسدي على معاوية في عام الجماعة بعث معاوية إليه جيشا من أهل الكوفة . فلمّا نظر حوثرة إليهم قال لهم : « يا أعداء اللّه أنتم بالأمس تقاتلون معاوية لتهدّوا سلطانه ، و أنتم اليوم تقاتلون معه لتشدّوا سلطانه » . فيقال له : لازم قولكم بصحة إمامة أبي بكر و عمر أن يكون الأمر كذلك ، فهل سبب إمامتهما إلاّ بيعة جمع كرها و طوعا يوم السقيفة ؟ و معاوية في عام الجماعة صار كذلك ، و قد كان كتب إلى الحسن عليه السّلام أنّه في ذاك اليوم بمنزلة أبي بكر بعينه بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم و لعمري لقد صدق . فإن كان أهل الكوفة أعداء اللّه فهم أيضا أعداء اللّه .

و كذلك القول في عبد الملك قبل فتحه الكوفة و بعده . فسأل الخوارج جند العراق عن عبد الملك و قد كان فتح الكوفة ، و لم يعلموا به فقالوا : عدوّ اللّه ،

و اخبروا غدا بفتحه ، فسألهم الخوارج عنه . فقالوا : ، وليّ اللّه : فقالوا لهم : يا أعداء اللّه كيف صار عدوّ اللّه بالأمس وليّ اللّه اليوم ؟ فيقال لهم : هو لازم قولكم أيضا بإمامة الرجلين ، و إنّما أنتم جئتم بالتضادّ و التفرقة بين الملزوم و اللازم .

و سأل عبيدة بن هلال اليشكري أبا حزابة التميمي من جند المهلّب عن سيرة أئمتّهم صدقا و حقّا . فقال : يبيحون الدم الحرام ، و يجبون المال من غير حلّه ، و ينفقونه في غير وجهه ، و يظلمون اليتيم ماله ، و ينيكون امّه ، فقال له عبيدة : أمثل هؤلاء يتّبع ؟ فيقال له : أنت تقول بإمامة عمر و هو نصب عثمان الّذي كان نصبه نصب السفيانية و المروانية مع علمه بصدور جميع ذلك مع مناكر أكبر ، و كبائر أكثر منه و منهم .

هذا ، و لمّا غلب الحجاج في دير الجماجم على أهل العراق أخذ يبايع

٤٥٣

الناس ، و كان لا يبايع أحدا إلاّ قال له : إشهد أنّك كفرت . فإنّ قال نعم بايعه ، و إلاّ قتله . فأتاه رجل من خثعم كان معتزلا للناس جميعا . فسأله عن حاله . فأخبره باعتزاله . فقال له : أنت متربّص . إشهد أنّك كافر . قال بئس الرجل إذن أنا . أعبد اللّه ثمانين سنة ثمّ أشهد على نفسي بالكفر ؟ قال : إذن أقتلك . قال : و إن قتلتني .

فقتله فلم يبق أحد من أهل العراق و الشام إلاّ رحمه .

« فابوا شرّ مآب » أي : ارجعوا شرّ مرجع ، و هو الكفر بعد الإيمان .

« و ارجعوا على أثر الأعقاب » و من ينقلب على عقبيه فلن يضرّ اللّه شيئا ١ .

« أمّا إنّكم ستلقون بعدي ذلاّ شاملا ، و سيفا قاطعا » في ( كامل المبرد ) : قال زياد : ألا ينهى كلّ قوم سفهاءهم . لو لا أنّكم أطفأتم هذه النار لقلت إنّكم ارئتموها . فكانت القبائل إذا أحسّت بخارجية فيهم شدّتهم ، و أتت بهم زيادا فكان هذا أحد ما يذكر من تدبير زياد ، و له تدبير آخر أخرجوا معهم امرأة فظفر زياد بها فقتلها ثمّ عرّاها . فلم تخرج النساء بعد على زياد ، و كنّ إذا دعين إلى الخروج قلن : لو لا التعرية لسارعنا . و كانت الخوارج أيّام ابن عامر أخرجوا معهم امرأتين يقال لإحداهما كحيلة ، و الاخرى قطام ، فجعل أصحاب ابن عامر يعيّرونهم و يصيحون بهم : يا أصحاب كحيلة و قطام يعرّضون لهم بالفجور .

و بعث عبيد اللّه بن زياد إلى البلجاء و كانت من مجتهداتهم فاتى بها فقطع يديها و رجليها و رمى بها في السوق ٢ .

« و أثرة يتّخذها الظالمون فيكم سنّة » في ( الكامل ) : لما رأى أبو هلال

ــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ١٤٤ .

( ٢ ) كامل المبرد ٧ : ١٨٥ ١٨٨ ، و النقل بتلخيص .

٤٥٤

مرداس و كان من قعدي الخوارج جدّ ابن زياد في طلب الخوارج عزم على الخروج . فقال لأصحابه : و اللّه ما يسعنا المقام بين هؤلاء الظالمين . يجري علينا أحكامهم مجانبين للعدل ، مفارقين للفصل ، و اللّه إنّ الصبر على هذا لعظيم ، و إنّ تجريد السيف و إخافة السبيل لعظيم ، و لكنّا ننتبذ عنهم ، و لا نجرّد سيفا ، و لا نقاتل إلاّ من قاتلنا . فاجتمع إليه أصحابه زهاء ثلاثين رجلا منهم حريث بن حجل ، و كهمس بن طلق الصريمي . فلمّا مضى بأصحابه ، لقيه عبد الله بن رباح النصاري و كان له صديقا فقال له : أين تريد ؟ قال : أن أهرب بديني و دين أصحابي من أحكام هؤلاء الجورة . فقال له : أعلم بكم أحد ؟ قال لا .

قال : فارجع . قال : أو تخاف عليّ مكروها ؟ قال : نعم و أن يؤتى بك . قال : فلا تخف فإنّي لا اجردّ سيفا و لا أخيف أحدا ، و لا اقاتل إلاّ من قاتلني ثمّ مضى حتّى نزل آسك بين رامهرمز و ارّجان فمرّ به مال يحمل لابن زياد ، و قد قارب أصحابه الأربعين فحطّ ذلك المال . فأخذ منه عطاءه و اعطيات أصحابه ، و ردّ الباقي على الرجل و قال قولوا لصاحبكم : إنّما قبضنا اعطياتنا . و روي أنّ رجلا من أصحاب ابن زياد قال : خرجنا في جيش نريد خراسان . فمررنا بآسك فإذا نحن بهم ستّة و ثلاثين رجلا فصاح بنا أبو بلال : أ قاصدون لقتالنا .

فقلنا : إنّما نريد خراسان . فقال : أبلغوا من لقيكم أنّا لم نخرج لنفسد في الأرض ،

و لا نروّع أحدا و لكن هربا من الظلم ، و لسنا نقاتل إلاّ من يقاتلنا ، و لا نأخذ من الفي‏ء إلاّ اعطياتنا . ثمّ قال : أندب إلينا أحد ؟ قلنا : نعم . أسلم بن زرعة الكلابي .

قال : فمتى ترونه يصل إلينا ؟ قلنا يوم كذا و كذا . فقال : حسبنا اللّه و كان ابن زياد وجّه أسلم في ألفين ، و قد تتامّ أصحاب مرداس فلمّا صار إليهم أسلم ،

صاح به أبو بلال : ما الّذي تريد ؟ قال : أن أردّكم إلى ابن زياد . قال : إذن يقتلنا .

قال : و إن . قال : تشركه في دمائنا . قال : إنّي أدين أنّه محقّ و أنّكم مبطلون .

فصاح به حريث بن حجل ، أهو محقّ و هو يطيع الفجرة ، و يقتل بالظنّة ، و يخصّ

٤٥٥

بالفي‏ء ، و يجور بالحكم ؟ أما علمت أنّه قتل بابن سعاد أربعة برئاء و أنا أحد قتلته ، و لقد وضعت في بطنه دارهم كانت معه ؟ ثمّ حملوا عليه حملة رجل واحد . فانهزم هو و أصحابه من غير قتال . فلمّا ورد على ابن زياد غضب غضبا شديدا ، و قال له : ويلك أ تمضي في ألفين . فتنهزم لحملة أربعين و كان أسلم يقول : لئن يذمّني ابن زياد و أنا حي أحبّ إليّ من أن يمدحني ميّتا و كان إذا خرج إلى السوق أو مرّ بصبيان صاحوا به : « أبو بلال وراءك » و ربّما صاحوا به : يا معبد خذه . حتّى شكا ذلك إلى ابن زياد . فأمر الشرط أن يكفّوا الناس عنه . فقال أحد الخوارج في هزيمته :

أ ألفا مؤمن في ما زعمتم

و يهزمهم بآسك أربعونا

كذبتم ليس ذاك كما زعمتم

و لكنّ الخوارج مؤمنونا

ثمّ ندّب لهم ابن زياد عباد بن أخضر فالتقوا في يوم جمعة و ذكر قتل عباد لهم في الصلاة بعد إعطائهم الأمان و كتب ابن زياد من الكوفة إلى عبيد اللّه بن أبي بكرة خليفته على البصرة بالجدّ في طلب الخوارج . فكان يأخذهم و يحبسهم فإذا شفع في أحد كفّله إلى أن يقدم ابن زياد . فلمّا قدم أخذ من في السجن فقتلهم و طلب الكفلاء . فمن لم يأت بمن كفل له قتله ، و كان ابن أبي بكرة أتى بعروة بن ادية في من أتى به منهم فأطلقه ، و قال أنا كفيلك . فقال له : إيت بعروة . قال لا أقدر عليه . قال : إذن أقتلك . فطلبه ابن أبي بكرة حتّى دلّ عليه في سرب العلاء المنقري . فقرأ عليه الكاتب في شرب العلاء ، فقال للكاتب :

صحّفت ، و ددت أنّه كان ممّن يشرب . فأتى به فأمر ابن زياد بقطع يديه و رجليه و صلبه على باب داره إلى أن قال .

و كان زياد ولّى شيبان الأشعري طلب الخوارج فجدّ في طلبهم و أخافهم فأتاه ليلة و هو متّكئ بباب داره رجلان منهم فضرباه بأسيافهم و قتلاه ثمّ أتى زياد برجل من الخوارج . فقال : اقتلوه متّكئا كما قتل شيبان

٤٥٦

متّكئا فصاح الخارجي يا عدلاه يهزأ به ١ .

قول المصنّف قال الشريف : هكذا في ( المصرية ) ، و هو زائد لعدم وجوده في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ٢ .

« قوله عليه السّلام و لا بقي منكم آبر يروى بالباء و الراء » هكذا في ( المصرية ) ،

و الصواب : ( يروى بالراء ) كما في ( ابن ميثم و الخطية ) و لكن في ( ابن أبي الحديد ) : ( يروي على ثلاثة أوجه : أحدها أن يكون كما ذكرناه آبر بالراء ) ٣ .

« من قولهم للذي . . . » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( من قولهم آبر للذي ) كما في ( ابن ميثم و الخطية ) ، و لكن في ( ابن أبي الحديد ) : ( من قولهم رجل آبر للذي ) ٤ .

قوله : « و يروي آثر و هو الّذي يأثر الحديث أي يرويه و يحكيه » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( أي : يحكيه و يرويه ) كما في ( ابن ميثم و الخطية ) ، و كذا ( ابن أبي الحديد ) و لكن قبله : ( و يروى آثر بالثاء بثلاث نقط يراد به الّذي يأثر الحديث ) ٥ .

قوله : « لا بقي منكم مخبر » هكذا في ( المصرية و ابن أبي الحديد و الخطيّة ) و لكن في ( ابن ميثم ) : ( لا بقي منكم من يروي حديثا ) ٦ .

هذا ، و في السير لمّا جي‏ء بكتاب زياد إلى معاوية في ألاّ يردّ حجرا و أصحابه . قال ابن امّ الحكم لمعاوية : « جذاذها جذاذها » فقال معاوية : « لأتعّنّ

ــــــــــــــــ

( ١ ) كامل المبرد ٧ : ١٨٩ ٢٠٤ ، و النقل بتلخيص .

( ٢ ) في شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٧٩ ، « قال الرضي » و في شرح ابن ميثم ٢ : ١٥١ ، « قال الشريف » .

( ٣ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٧٩ ، لكن لفظ شرح ابن ميثم ٢ : ١٥١ ، مثل المصرية أيضا .

( ٤ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٧٩ ، و لفظ ابن ميثم ٢ : ١٥١ ، « من قولهم للذي » .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٨٠ ، و شرح ابن ميثم ٢ : ١٥١ ، لكن فيهما « يرويه و يحكيه » .

( ٦ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٨٠ ، و شرح ابن ميثم ٢ : ١٥١ ، مثل المصرية .

٤٥٧

آبرا » فلم يفهم أهل الشام معنى كلامهما . فأتوا النعمان بن بشير . فقال لهم :

قتل القوم .

٨

الخطبة ( ٥٩ ) قال ع لما عزم على حرب ؟ الخوارج ؟ و قيل له إنهم قد عبروا جسر ؟ النهروان ؟ :

مَصَارِعُهُمْ دُونَ اَلنُّطْفَةِ وَ اَللَّهِ لاَ يُفْلِتُ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ وَ لاَ يَهْلِكُ مِنْكُمْ عَشَرَةٌ ( يعني بالنطفة ماء النهر و هو أفصح كناية عن الماء و إن كان كثيرا جما ) أقول : رواه المبرد في ( كامله ) ، و الخطيب في ( تاريخ بغداده ) ،

و المسعودي في ( مروجه ) ، و المفيد في ( ارشاده ) ، و ابن طاووس في ( نجومه ) و ابن ميثم في ( شرحه ) .

ففي الأوّل : « و قيل لعليّ عليه السّلام . إنّهم يريدون الجسر . فقال ، « لن يبلغوا النطفة » و جعل الناس يقولون له في ذلك حتّى كادوا يشكّون . ثمّ قالوا : قد رجعوا يا أمير المؤمنين . فقال : « و اللّه ما كذبت و لا كذبت » ثمّ خرج إليهم في أصحابه ، و قال : « إنّه و اللّه ما يقتل منكم عشرة ، و لا يفلت منهم عشرة » فقتل من أصحابه تسعة ، و أفلت منهم ثمانية و كان مقدار من أصاب علي عليه السّلام منهم بالنهروان ألفين و ثماني مئة على أصحّ الأقاويل و كان عددهم ستّة آلاف ،

و كان منهم بالكوفة زهاء ألفين ممن يستر أمره ، و لم يشهد الحرب ، و إنّ رجلا منهم قتل ثلاثة من أصحابه عليه السّلام و قال :

أ قتلهم و لا أرى عليّا

و لو بدا أو جرته الخطيّا

فخرج إليه عليّ عليه السّلام فلمّا خالطه السيف قال : حبّذا الروحة إلى الجنّة .

فقال عبد اللّه بن وهب : ما أدري إلى الجنّة أم إلى النار ؟ فقال رجل من سعد : إنّما

٤٥٨

حضرت اغترارا بهذا ، و أراه قد شك . فانخزل بجماعة من أصحابه ، و مال ألف إلى ناحية أبي أيوب الأنصاري و كان على ميمنة عليّ عليه السّلام و جعل الناس يتسلّلون ١ .

و في الثاني في عنوان عبد اللّه بن خباب : قال أبو الأحوص كنّا مع عليّ عليه السّلام يوم النهروان . فجاءت الحرورية فكانت من وراء النهر قال : « و اللّه لا يقتل اليوم رجل من وراء النهر » ثمّ نزلوا : فقالوا لعليّ عليه السّلام قد نزلوا قال « و اللّه لا يقتل اليوم رجل من وراء النهر » ، فأعادوا عليه هذه المقالة ثلاثا كلّ ذلك يقول لهم على مثل قوله الأوّل . فقالت الحرورية بعضهم لبعض يرى علي أنّا نخافه .

فأجازوا . فقال عليّ عليه السّلام لأصحابه : « لا تحرّكوهم حتّى يحدثوا حدثا » فذهبوا إلى منزل عبد اللّه بن خباب و كان منزله على شاطئ النهر فأخرجوه و قدّموه إلى الماء . فذبحوه كما تذبح الشاة . فسال دمه مثل الشراك ما امذقرّ و اخرجوا امّ ولده فتشقّوا عمّا في بطنها . فاخبر علي عليه السّلام بما صنعوا .

فقال علي عليه السّلام : اللّه أكبر نادوهم أخرجوا لنا قاتل عبد اللّه . قالوا : كلّنا قتله فناداهم ثلاثا ، كلّ ذلك يقولون هذا القول . فقال علي عليه السّلام : دونكم القوم فما لبثوا أن قتلوهم . فقال علي عليه السّلام : اطلبوا في القوم رجلا يده كثدي المرأة . . . ٢ .

و في الثالث : بعث الخوارج إلى علي عليه السّلام كلّنا قتلة أصحابك ، و كلّنا مستحلّ لدمائهم و أخبره الرسول و كان من يهود السود أنّ القوم قد عبروا نهر طبرستان في هذا الوقت و هذا النهر عليه قنطرة تعرف بقنطرة طبرستان بين حلوان و بغداد من بلاد خراسان .

فقال عليّ عليه السّلام « و اللّه ما عبروه و لا يقطعونه حتّى نقتلهم بالرميلة دونه »

ــــــــــــــــ

( ١ ) كامل المبرد ٧ : ١٠٦ ١٠٨ ، و النقل بتصرف .

( ٢ ) تاريخ بغداد ١ : ٢٠٥ ، و النقل بتصرف يسير .

٤٥٩

ثمّ تواترت عليه الأخبار بقطعهم لهذا النهر و عبورهم هذا الجسر و هو يأبى ذلك و يحلف أنّهم لم يعبروه و أنّ مصارعهم دونه ، ثمّ قال « سيروا إلى القوم فو اللّه لا يفلت منهم إلاّ عشرة ، و لا يقتل منكم عشرة » ثمّ سار عليه السّلام فأشرف عليهم و قد عسكروا بالموضع المعروف بالرميلة على ما قال لأصحابه . فلمّا أشرف عليهم قال : اللّه أكبر صدق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم إلى أن قال فأمر عليه السّلام بطلب المخدج فطلبوه فلم يقدروا عليه . فقام عليه السّلام و عليه أثر الحزن لفقد المخدج . فانتهى إلى قتلى بعضهم فوق بعض . فقال : أفرجوا ففرجوا يمينا و شمالا و استخرجوه . فقال عليه السّلام : اللّه أكبر ما كذبت على محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم و إنّه لناقص اليد ليس فيها عظم طرفها حلمة ثدي المرأة عليها خمس شعرات أو سبع ، رؤوسها معقفة .

ثمّ قال : إيتوني به ، فنظر إلى عضده فإذا لحم مجتمع على منكبه كثدي المرأة عليه شعرات سود إذا مدّت اللحمة امتدت حتّى تحاذي بطن يده الاخرى ثمّ تترك فتعود إلى منكبه . فثنى رجله و نزل و خرّ للّه ساجدا ١ .

و في الرابع : روى أصحاب السيرة في حديثهم عن جندب بن عبد اللّه الأزدي قال : شهدت مع عليّ عليه السّلام الجمل و صفين لا أشكّ في قتال من قاتله ،

حتّى نزلت النهروان . فدخلني شكّ في قتال القوم و قلت : قراؤنا و خيارنا نقتلهم ، إنّ هذا لأمر عظيم ؟ فخرجت غدوة أمشي ، و معي إداوة ماء حتّى برزت من الصفوف . فركزت رمحي و وضعت ترسي عليه ، و استترت من الشمس . فإنّي لجالس حتّى ورد عليّ أمير المؤمنين عليه السّلام . فقال لي : يا أخا الأزد أمعك طهور ؟

قلت : نعم فناولته الإداوة . فمضى حتّى لم أره ثمّ أقبل ، و قد تطهر فجلس

ــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب ٢ : ٤٠٥ و ٤٠٦ ، و النقل بتصرف يسير .

٤٦٠