بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٥

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 632

  • البداية
  • السابق
  • 632 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 38261 / تحميل: 3453
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 5

مؤلف:
العربية
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الخامس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

كتاب بهج الصباغة

في شرح نهج البلاغة

المجلد الخامس

الشيخ محمد تقي التّستري


١
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الخامس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

المجلد الخامس

الشيخ محمّد تقي التّستري (الشوشتري)

٣

المجلد الخامس

تتمة الفصل الخامس

٣١

الخطبة ( ٣ ) و من خطبة له ع و هي المعروفة بالشقشقية أَمَا وَ اَللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا فُلاَنٌ وَ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ اَلْقُطْبِ مِنَ اَلرَّحَى يَنْحَدِرُ عَنِّي اَلسَّيْلُ وَ لاَ يَرْقَى إِلَيَّ اَلطَّيْرُ فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً وَ طَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً وَ طَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ يَهْرَمُ فِيهَا اَلْكَبِيرُ وَ يَشِيبُ فِيهَا اَلصَّغِيرُ وَ يَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ فَرَأَيْتُ أَنَّ اَلصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى فَصَبَرْتُ وَ فِي اَلْعَيْنِ قَذًى وَ فِي اَلْحَلْقِ شَجًا أَرَى تُرَاثِي نَهْباً حَتَّى مَضَى اَلْأَوَّلُ لِسَبِيلِهِ فَأَدْلَى بِهَا إِلَى فُلاَنٍ بَعْدَهُ ثُمَّ تَمَثَّلَ بِقَوْلِ اَلْأَعْشَى :

شَتَّانَ مَا يَوْمِي عَلَى كُورِهَا

وَ يَوْمُ ؟ حَيَّانَ ؟ أَخِي جَابِرِ

فَيَا عَجَباً بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُهَا فِي حَيَاتِهِ إِذْ عَقَدَهَا لِآخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ لَشَدَّ

٤

مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا فَصَيَّرَهَا فِي حَوْزَةٍ خَشْنَاءَ يَغْلُظُ كَلْمُهَا وَ يَخْشُنُ مَسُّهَا وَ يَكْثُرُ اَلْعِثَارُ فِيهَا وَ اَلاِعْتِذَارُ مِنْهَا فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ اَلصَّعْبَةِ إِنْ أَشْنَقَ لَهَا خَرَمَ وَ إِنْ أَسْلَسَ لَهَا تَقَحَّمَ فَمُنِيَ اَلنَّاسُ لَعَمْرُ اَللَّهِ بِخَبْطٍ وَ شِمَاسٍ وَ تَلَوُّنٍ وَ اِعْتِرَاضٍ فَصَبَرْتُ عَلَى طُولِ اَلْمُدَّةِ وَ شِدَّةِ اَلْمِحْنَةِ حَتَّى إِذَا مَضَى لِسَبِيلِهِ جَعَلَهَا فِي جَمَاعَةٍ زَعَمَ أَنِّي أَحَدُهُمْ فَيَا لَلَّهِ وَ لِلشُّورَى مَتَى اِعْتَرَضَ اَلرَّيْبُ فِيَّ مَعَ اَلْأَوَّلِ مِنْهُمْ حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ إِلَى هَذِهِ اَلنَّظَائِرِ لَكِنِّي أَسْفَفْتُ إِذْ أَسَفُّوا وَ طِرْتُ إِذْ طَارُوا فَصَغَا رَجُلٌ مِنْهُمْ لِضِغْنِهِ وَ مَالَ اَلْآخَرُ لِصِهْرِهِ مَعَ هَنٍ وَ هَنٍ إِلَى أَنْ قَامَ ثَالِثُ اَلْقَوْمِ نَافِجاً حِضْنَيْهِ بَيْنَ نَثِيلِهِ وَ مُعْتَلَفِهِ وَ قَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ يَخْضَمُونَ مَالَ اَللَّهِ خِضْمَةَ اَلْإِبِلِ نِبْتَةَ اَلرَّبِيعِ إِلَى أَنِ اِنْتَكَثَ فَتْلُهُ وَ أَجْهَزَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ وَ كَبَتْ بِهِ بِطْنَتُهُ فَمَا رَاعَنِي إِلاَّ وَ اَلنَّاسُ كَعُرْفِ اَلضَّبُعِ إِلَيَّ يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ حَتَّى لَقَدْ وُطِئَ اَلْحَسَنَانِ وَ شُقَّ عِطْفَايَ مُجْتَمِعِينَ حَوْلِي كَرَبِيضَةِ اَلْغَنَمِ فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالْأَمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ وَ مَرَقَتْ أُخْرَى وَ قَسَطَ آخَرُونَ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا كَلاَمَ اَللَّهَ حَيْثُ يَقُولُ تِلْكَ اَلدَّارُ اَلْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي اَلْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ اَلْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ١ ١٦ ٢٨ : ٨٣ بَلَى وَ اَللَّهِ لَقَدْ سَمِعُوهَا وَ وَعَوْهَا وَ لَكِنَّهُمْ حَلِيَتِ اَلدُّنْيَا فِي أَعْيُنِهِمْ وَ رَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا أَمَا وَ اَلَّذِي فَلَقَ اَلْحَبَّةَ وَ بَرَأَ اَلنَّسَمَةَ لَوْ لاَ حُضُورُ اَلْحَاضِرِ وَ قِيَامُ اَلْحُجَّةِ بِوُجُودِ اَلنَّاصِرِ وَ مَا أَخَذَ اَللَّهُ عَلَى اَلْعُلَمَاءِ أَلاَّ يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ وَ لاَ سَغَبِ مَظْلُومٍ لَأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا وَ لَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا وَ لَأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ

٥

قالوا : و قام إليه رجل من أهل السواد عند بلوغه إلى هذا الموضع من خطبته فناوله كتابا ، فأقبل ينظر فيه . قال له ابن عباس رضى الله عنه يا أمير المؤمنين لو اطردت خطبتك من حيث أفضيت . فقال : هيهات يا ابن عباس . تلك شقشقة هدرت ثم قرت . قال ابن عباس : فو الله ما أسفت على كلام قطّ كأسفي على هذا الكلام أن لا يكون أمير المؤمنين عليه السّلام بلغ منه حيث أراد .

قوله : « كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم ، و إن أسلس لها تقحم » : يريد أنّه إذا شدّد عليها في جذب الزمام ، و هي تنازعه رأسها خرم أنفها ، و إن أرخى لها شيئا مع صعوبتها . تقحمت به فلم يملكها . يقال « أشنق الناقة » إذا جذب رأسها بالزمام فرفعه « و شنقها » أيضا ذكر ذلك ابن السكّيت في « إصلاح المنطق » و إنّما قال « أشنق لها » و لم يقل « أشنقها » لأنّه جعل في مقابل قوله : « أسلس لها » فكأنّه عليه السّلام قال : إن رفع لها رأسها بمعنى أمسكه عليها .

أقول : و رواها الصدوق في ( علل شرائعه ) ، و ( معاني أخباره ) ، و المفيد في كتاب ( إرشاده ) و كتاب ( جمله ) ، و الشيخ الطوسي في ( أماليه ) ، و الراوندي في ( شرحه ) و الطبرسي في ( احتجاجه ) ، و سبط ابن الجوزي في ( تذكرته ) ،

و جمع آخر من العامّة و الخاصّة من المتقدّمين و المتأخرين كابن قبة و أبي القاسم البلخي ، و أبي عمرو الزاهد غلام ثعلب ، و أبي أحمد العسكري و غيرهم ١ .

أما الصدوق . فروى في ( علله ) عن محمّد بن علي ماجيلويه ، عن محمّد

ــــــــــــــــ

( ١ ) رواها الصدوق في علل الشرائع ١ : ١٥٠ و ١٥٣ ح ١٢ و ١٣ ، و في معاني الأخبار : ٣٦٠ ح ١ ، و المفيد في الارشاد : ١٥٢ ، و في الجمل : ٦٢ ، و ابو علي الطوسي في أماليه ١ : ٣٨٢ ، جزء ١٣ ، و الراوندي في شرحه ١ : ١٣١ و الطبرسي في الاحتجاج ١ : ١٩١ و السبط في التذكرة : ١٢٤ ، و رواها عن ابن قبة ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ٢٠٦ ، و غيره و عن البلخي ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ٢٠٥ ، و عن أبي عمر و الزاهد الكيندري في شرحه ١ : ١٩٣ ، و غيره ، و عن العسكري الصدوق في علل الشرائع ١ : ١٥٢ ، و معاني الاخبار : ٣٦٢ ، و غيرهم .

٦

بن أبي القاسم ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان عن أبان بن تغلب ، عن عكرمة عن ابن عباس .

و رواه في ( معانيه ) مثله و زاد إسنادا آخر محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ، عن عبد العزيز بن يحيى الجلودي ، عن أحمد بن عمّار بن خالد ، عن يحيى بن عبد الحميد الحماني ، عن عيسى بن راشد ، عن علي بن خزيمة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : ذكرت الخلافة عند أمير المؤمنين عليه السّلام فقال : « و الله لقد تقمّصها أخو تيم ، و انّه ليعلم أنّ محلي منها محلّ القطب من الرحى ، ينحدر عنه السيل ، و لا يرتقي إليه الطير . فسدلت دونها ثوبا و طويت عنها كشحا ،

و طفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذّاء أو أصبر على طخيّة عمياء . يشيب فيها الصغير ، و يهرم فيها الكبير ، و يكدح فيها مؤمن حتّى يلقى اللّه . فرأيت أنّ الصبر على هاتا أحجى . فصبرت و في العين قذى ، و في الحلق شجا . أرى ترائي نهبا ،

حتّى إذا مضى الأوّل لسبيله . عقدها لأخي عدي بعده . فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته . إذ عقدها لآخر بعد وفاته ، فصيّرها و الله في حوزة خشناء يخشن مسّها ، و يغلظ كلمها ، و يكثر العثار و الاعتذار . فصاحبها كراكب الصعبة ان عنف بها حرن ، و إن سلس بها غسق . فمني الناس بتلوّن و اعتراض ، و بلوا مع هن ، و هنّي . فصبرت على طول المدّة و شدّة المحنة . حتّى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أنّي منهم ، فيا لله لهم و للشورى ، متى اعترض الريب فيّ مع الأوّل منهم حتّى صرت أقرن بهذه النظائر . فمال رجل بضبعه ، و أصغى آخر لصهره ، و قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله و متعلفه ، و قام معه بنو أبيه يهضمون مال الله هضم الإبل نبتة الربيع . حتّى أجهز عليه عمله . فما راعني إلاّ و الناس إليّ كعرف الضبع ، قد أنثالوا عليّ من كلّ جانب حتّى لقد و طئ الحسنان ، و شقّ عطافي ، حتىّ إذا نهضت بالأمر نكثت

٧

طائفة ، و فسقت اخرى و مرق آخرون كأنّهم لم يسمعوا قول الله تعالى : تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّا في الأرض و لا فسادا و العاقبة للمتّقين ١ بلى و اللّه لقد سمعوا ، و لكن أحلولت الدنيا في أعينهم ، و راقهم زبرجها . و الّذي فلق الحبّة و براء النسمة لو لا حضور الحاضر و قيام الحجّة بوجود الناصر ، و ما أخذ الله تعالى على العلماء أن لا يقرّوا على كظّة ظالم و لا سغب مظلوم ، لألقيت حبلها على غاربها ، و لسقيت آخرها بكأس أوّلها ،

و لألفيت دنياكم أزهد عندي من عفطة عنز قال و ناوله رجل من أهل السواد كتابا . فقطع كلامه و تناول الكتاب . فقلت : لو اطردت مقالتك إلى حيث بلغت .

فقال : هيهات يا ابن عباس تلك شقشقة هدرت ثم قرّت . . . » .

و رواها ( العلل ) أخيرا بالسند الثاني في متنه مثل المتن : « إن أشنق لها خرم و أن أسلس لها تقحم » .

و أمّا المفيد فقال في ( إرشاده ) : روى جماعة من أهل النقل من طرق مختلفة عن ابن عباس قال : كنت عند أمير المؤمنين عليه السّلام بالرحبة . فذكرت الخلافة و تقدّم من تقدم عليه . فتنفّس الصعداء ثم قال : « أم و اللّه لقد تقمّصها ابن أبي قحافة . . . . » و فيه بدل « حتّى مضى الأول إلى بعده » « إلى أن حضره أجله فأدلى بها إلى عمر » و فيه بعد « ضرعيها » الشعر ثم « فصيرها و الله في ناحية خشناء يجفو مسّها و يغلظ كلمها ، صاحبها كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم و إن أسلس لها عسف ، يكثر فيها العثار و يقل منها الإعتذار » .

و قال في جملة : فأمّا خطبته عليه السّلام الّتي رواها عبد الله بن عباس فهي أشهر من أن تدلّ عليها لشهرتها ، و هي الّتي يقول عليه السّلام في أوّلها : « و اللّه لقد تقمّصها ابن أبي قحافة . . . » .

ــــــــــــــــ

( ١ ) القصص : ٨٣ .

٨

و أما الشيخ ، فروى في ( أماليه ) : عن الحفّار ، عن أبي القاسم الدعبلي ، عن أبيه ، عن أخيه دعبل ، عن محمّد بن سلامة الشامي ، عن زرارة ، عن أبي جعفر محمّد بن علي ، عن ابن عباس ، و عن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه قال : ذكرت الخلافة عند أمير المؤمنين عليه السّلام فقال : « و اللّه لقد تقمّصها ابن أبي قحافة . . . » .

و فيه : « يضيع فيها الصغير و يدبّ فيها الكبير » و فيه : « أرى تراث محمّد صلّى اللّه عليه و آله نهبا إلى أن حضرته الوفاة فأدلى بها إلى عمر » .

و أما الراوندي ، فروى في ( شرحه ) عن أبي نصر الحسن بن محمّد بن إبراهيم ، عن الحاجب أبي الوفاء محمّد بن بديع و أحمد بن عبد الرحمن ، عن الحافظ أبي بكر بن مردويه ، عن الطبراني ، عن أحمد بن علي الأبّار ، عن إسحق بن سعيد أبي سلمة الدمشقي ، عن خليد بن دعلج ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس قال : كنّا مع عليّ عليه السلام بالرحبة . فجرى ذكر الخلافة ، و من تقدّم عليه .

فقال : . . . إلى آخر الخطبة .

و أما الطبرسي ، فقال : روى جماعة من أهل النقل من طرق مختلفة عن ابن عباس قال : كنت عند أمير المؤمنين عليه السلام بالرحبة فذكرت الخلافة ، و تقدّم من تقدّم عليه فتنفّس الصعداء ثم قال : « أما و الله لقد تقمّصها ابن أبي قحافة . . . » .

و أما سبط ابن الجوزي ، فقال : أخبرنا بها شيخنا أبو القاسم النفيس الأنباري بإسناده عن ابن عبّاس . قال : لمّا بويع أمير المؤمنين عليه السلام بالخلافة ناداه رجل من الصف ، و هو على المنبر ما الّذي أبطأبك إلى الآن ؟ فقال بديها :

« و الله لقد تقمّصها أخو تيم أو ابن أبي قحافة أو فلان و هو يعلم انّ محلّي منها محل القطب من الرحى . ينحدر عنّي السيل ، و لا يرقى إليّ الطير ، و لكنّي سدلت دونها ثوبا ، و طويت عنها كشحا ، و طفقت امثّل بين أن أصول بيد جذاء ماضية ، أو أصبر على ظلمة طخياء يوضع منها الكبير ، و يدبّ فيها الصغير

٩

( و في رواية ) طفقت أن أصول بيد جذاء ، أو أصبر على طخية عمياء يهرم فيها الكبير ، و يشيب فيها الصغير و يكدح فيها مؤمن حتّى يلقى ربّه . فرأيت الصبر أجدر ، فصبرت و في العين قذى ، و في الحق شجا إلى أن حضرت الأوّل الوفاة ( و في رواية ) فصبرت إلى أن مضى الأوّل لسبيله فأدلى بها إلى فلان بعده و في رواية ( فأدلى بها إلى الثاني ) فيا لله العجب بينا هو يستقيلها في حال حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته فعقدها في ناحية خشناء . يصعب مسّها ،

و يغلظ كلمها ، و يكثر فيها العثار ، و يقلّ منها الاعتذار . فمني الناس بمن عقدها له حتّى مضى لسبيله و في رواية « بينا هو يقتال منها في حياته إذ عقدها لآخر بعد مماته لشدّ ما تشطّر أضرعها في حوزة خشناء . فصاحبها كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم ، و إن أسلس لها تقحّم و في رواية فمنى الناس بخبط و شماس و تكوّر و اعتراض ، فصبرت حتّى إذا مضى لسبيله ، جعلها شورى بين ستّة زعم أنّي أحدهم ، فيا لله و للشورى ، فيم و ممّ و بم و لم يعرض عنّي ، و لكنّي أسففت معهم حين أسفّوا ، و طرت معهم حيث طاروا ، و صبرت لطول المحنة و أنقضاء المدّة إلى أن قام الثالث و في رواية « فيا لله و الشورى متى اعترض الريب فيّ حتّى صرت أقرن إلى هذه النظائر ، فصغا رجل منهم لضغنه ، و مال الآخر لصهره . مع هن و هن إلى أن قام الثالث نافجا حضنيه بين نثيله و معتلفه ، و بنو امية يخضمون مال اللّه خضم الإبل نبت الربيع ، حتّى إذا أجهز عليه عمله ، و أسلمه إلى الهلاك أجله ، و كبت به مطيته فما راعني إلاّ و الناس أرسالا إليّ كعرف الفرس ، و يسألوني البيعة ، و انثالوا عليّ انثيالا ،

حتّى لقد و طئ الحسنان و هما عطفاي و في رواية « و شقّ عطفاي » و هم مجتمعون حولي كربيضة الغنم ، فلمّا نهضت بالأمر ، نكثت طائفة ، و فسقت شرذمة ، و مرقت اخرى ، و قسط قوم ، كأنّهم لم يسمعوا قول اللّه تعالى : تلك

١٠

الدار الآخرة نجعلها للّذين لا يريدون علوّا في الأرض و لا فسادا و العاقبة للمتّقين ١ بلى و اللّه لقد سمعوها و وعوها ، و لكن راقتهم دنياهم ، و أعجبهم رونقها ، أما و الّذي فلق الحبّة و برأ النسمة لو لا ما أخذ الله على الأولياء لألقيت حبلها على غاربها ، و لسقيت آخرها بكأس أوّلها و أنشد :

شتان ما يومي على كورها

و يوم حيّان أخي جابر

و في رواية و الّذي فلق الحبة ، و برأ النسمة لو لا حضور الحاضر ،

و قيام الحجّة بوجود الناصر ، و ما أخذ اللّه على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم ، و لا سغب مظلوم ، لألقيت حبلها و في رواية و لألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز .

هذا الّذي وقفت عليه من أسانيد العنوان ، و أمّا ما عن رابع عشر ( البحار ) عن بعض مؤلّفات القدماء ، عن القاضي الطبري ، عن سعيد المقدسي ، عن المبارك ، عن خالص بن أبي سعيد ، عن وهب الجمّال ، عن عبد المنعم بن سلمة عن وهب الأسدي عن يونس بن ميسرة ، عن الشيخ المعتمر الرقي رفعه إلى ميثم قال : كنت بين يدي مولاى أمير المؤمنين عليه السّلام إلى أن قال ركب السحابة ، و قال لعمّار اركب معي إلى أن قال في رجوعه بعد ساعة في مسجد الكوفة صعد المنبر ، و أخذ بالخطبة المعروفة بالشقشقية الخ ٢ فهي رواية تخليطية من الغلاة و الحشوية ، و إن تبجّح بها الخوئي ٣ و سرّ بها .

قول المصنّف : « و من خطبة له عليه السّلام » ظاهر خبر ( العلل ) و ( الإرشاد ) و ( الأمالي ) و ( الراوندي ) كونه كلاما في غير خطبة لتضمنها أنّه ذكر الخلافة

ــــــــــــــــ

( ١ ) القصص : ٨٣ .

( ٢ ) رواه المجلسي في بحار الانوار ٥٧ : ٣٤٤ ح ٣٦ .

( ٣ ) شرح الخوئي ١ : ٢٨٥ .

١١

عنده عليه السّلام . فقال هذا الكلام ، لكن الصواب كونه خطبة كما صرّح به في ( المعاني ) و ( الجمل ) كالمصنّف و يشهد له رواية ابن الجوزي من كون ذكر الخلافة عنده عبارة عن أنّه قيل له عليه السّلام : ما الّذي أبطأ بك عن تصدّي الأمر ؟

و كان على المنبر فقال بديها ما قال .

« و هي » : هكذا في ( المصرية ) ، و الكلمة زائدة لعدم وجودها في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطيّة ) ١ .

« المعروفة بالشقشقية » : و في ابن أبي الحديد : « تعرف بالشقشقية » ،

و في ابن ميثم مثل المتن لكن زاد : « و تعرف بالمقمصة » ٢ و نسخته بخطّ المصنّف فإن صحت النسبة فوجهه اشتمال الخطبة على قوله عليه السّلام : « لقد تقمّصها » و يأتي وجه معروفيتها بالشقشقية في آخر الخطبة .

و لبعض خطبه عليه السلام اسم غير هذا أيضا مثل الخطب المعروفة بالأشباح ،

و التوحيد ، و الهداية ، و الملاحم ، و اللؤلؤ ، و الغرّاء ، و القاصعة ، و الافتخار ،

و الدّرة اليتيمة ، و الزهراء ، و الأقاليم ، و الوسيلة ، و الطالوتية ، و القصبية ،

و النخيلة و السليمانية ، و الناطقة ، و الدامغة ، و الفاضحة ، و البالغة ، و المونقة ،

و هي الخالية عن الألف ، و بعضها مذكور في الكتاب و بعضها في غيره .

قوله عليه السّلام : « أما و الله لقد تقمّصها » قال ابن أبي الحديد : الضمير للخلافة ،

و لم يذكرها للعلم بها كقوله سبحانه حتى توارت بالحجاب ٣ .

قلت : لم يراجع أسانيد الخطبة ، و إلاّ فقد عرفت أنّ كلّها اشتمل على أنّه ذكر عنده عليه السلام الخلافة ، و تقدّم من تقدّم عليه فيها . فقال ما قال .

ثم تشبيه الخلافة و السلطنة بقميص يلبس ، أمر معروف . خطب

ــــــــــــــــ

( ١ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١ : ٥٠ ، و شرح ابن ميثم ١ : ٢٤٩ ، مثل المصرية أيضا .

( ٢ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١ : ٥٠ ، و شرح ابن ميثم ١ : ٢٤٩ ، مثل المصرية أيضا .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٥٠ .

١٢

المنصور بعد قتله لأبي مسلم ، فقال : من نازعنا هذا القميص أجززناه خبئ هذا الغمد و أشار إلى غمد سيفه .

و كما شبّهها عليه السّلام بقميص ، أثبت بعض الشعراء لها سربالا . فقال في المعتز أبن المتوكل :

خلافة كنت حقيقا بها

فضّلك الله بسربالها

« فلان » و بدّله ابن أبي الحديد : بقوله « إبن أبي قحافة » ١ و الصواب : كون النهج بلفظ « فلان » و إن كان أكثر أسانيد الخطبة بلفظ « ابن أبي قحافة » لتصديق ابن ميثم ٢ الّذي نسخته بخطّ المصنّف ، و قد عرفت أنّ الصدوق بدّله في كتابيه بقوله « أخو تيم » ٣ كما عرفت أنّ سبط ابن الجوزي قال في نقله :

« فلان أو ابن أبي قحافة أو أخوتيم » ٤ .

و لنتكلّم على كلّ من الثلاثة : أمّا فلان . فقالوا : فلان و فلانة يكنّى بهما عن الآدمييّن قال تعالى : و يوم يعضّ الظالم على يديه إلى يا ويلتى ليتني لم أتّخذ فلانا خليلا ٥ و الفلان و الفلانة يكنّى بهما عن غير الآدميّين . صرّح بذلك ابن السكّيت و غيره ٦ .

و أمّا « إبن أبي قحافة » فكان أبو قحافة في قريش خاملا من حيث الشخص و من حيث العشيرة . ففي أنساب البلاذري لمّا غز النبي صلّى اللّه عليه و آله الطائف رأى قبر أبي أحية مشرفا . فقال أبو بكر : لعن اللّه صاحب هذا القبر ،

ــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٥٠ .

( ٢ ) شرح ابن ميثم ١ : ٢٤٩ .

( ٣ ) العلل ١ : ١٥٠ ، و المعاني : ٣٦١

( ٤ ) التذكرة : ١٢٤ .

( ٥ ) الفرقان : ٢٧ .

( ٦ ) نقله عنه و عن غيره ابن منظور في لسان العرب ١٣ : ٣٢٤ ، مادة ( ظن ) .

١٣

فإنّه كان ممّن يحادّ اللّه و رسوله . فقال إبناه عمر و أبان ( و كانا من أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ) : لعن اللّه أبا قحافة . فإنّه لا يقري الضيف ، و لا يدفع الضيم ١ .

و في ( طرائف ابن طاووس ) عن ( مثالب ابن الكلبي ) : كان أبو قحافة ،

و سفيان بن عبد العزيز يناديان على طعام عبد اللّه بن جدعان . قال أمية بن أبي الصلت في رثاء ابن جدعان :

له داع بمكّة مشمعلّ

و آخر فوق دارته ينادي

قال : المراد بالمشمعلّ سفيان ذاك و بقوله « و آخر » أبو قحافة ٢ .

و قال الإسكافي في ( نقض عثمانيته ) : كان أبو قحافة أجيرا لابن جدعان على مائدته يطرد عنها الذبان ٣ .

و في ( معارف ابن قتيبة ) : أسلم أبو قحافة يوم فتح مكّة و أتى به إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ، و كأن رأسه ثغامة ( أي نبت جبلي يبيض إذا يبس يقال له بالفارسية درمنه اسبيد ) فأمرهم أن يغيّروه و بايعه ٤ .

و رواه الإسكافي في نقض عثمانيته و زاد إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لمّا رآه نفر منه و قال : غيّروا هذا فخضبوه ثم جاءوا به مرّة اخرى فأسلم ٥ .

و من الغريب أنّ الجاحظ الصليب الوجه في ( الجعل ) قال : أقبل أبو بكر في الفتح بأبيه ، و هو يومئذ شيخ مكفوف له غديرتان حتّى هجم به على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قال له : أتيتك بأبي . فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله : « هلاّ تركت الشيخ في

ــــــــــــــــ

( ١ ) أنساب الاشراف ١ : ١٤٢ .

( ٢ ) الطرائف ٢ : ٤٠٦ ، و النقل بتلخيص .

( ٣ ) رواه عنه ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ٢٧٨ ، شرح الخطبة ١٩٠ .

( ٤ ) المعارف : ١٦٧ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٥ ) رواه عنه ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ٢٧٧ ، شرح الخطبة ١٩٠ .

١٤

رحله حتّى آتيه ، ثم مسح يده على صدره ، و دعاه إلى الإسلام . . . » ١ .

هب أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان كالامراء الدنيوية ، هل كان أبو قحافة ذا شرف دنيوي حتىّ يأتيه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله .

و أما كونه أخاتيم . ففي ( المروج ) قال المدائنى : رئى بالبصرة رجل مصطلم الأذن فسئل عن قصّته . فذكر أنّه خرج يوم الجمل ينظر إلى القتلى .

فنظر إلى رجل منهم يخفض رأسه و يرفعه و هو يقول :

لقد أوردتنا حومة الموت أمّنا

فلم ننصرف إلاّ و نحن رواء

أطعنا بني تيم لشقوة جدّنا

و ما تيم إلاّ أعبد و إماء

فقلت : سبحان اللّه أتقول هذا عند الموت . قل : لا إله إلاّ الله . فقال : يا ابن اللخناء إيّاى تأمر بالجزع عند الموت . فولّيت عنه متعجبّا . فصاح بي أدن منّي لقّنّى الشهادة . فصرت إليه . فلمّا قربت منه استدناني ثم التقم اذني فذهب بها ،

فجعلت ألعنه و أدعو عليه . فقال : إذا صرت إلى أمّك فقالت : من فعل بك هذا . فقل :

عمير بن الأهلب الضبي مخدوع المرأة التّي أرادت أن تكون أمير المؤمنين ٢ .

و في ( دلائل الإعجاز ) : و روى أنّ سودة أنشدت

« عدي و تيم تبتغي من

تحالف »

و جرى بينهنّ كلام في هذا المعنى . فأخبر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فدخل عليهنّ ،

و قال : « يا ويلكنّ ليس في عديّكنّ ، و لا تيمكنّ قيل هذا ، و إنّما قيل هذا في عديّ تميم و تيم تميم ٣ .

قلت : الظاهر أنّ سودة عرّضت بهما تمثّلا بالبيت ، و هما أيضا علمتا أنّها

ــــــــــــــــ

( ١ ) أخرج الحديث أحمد في مسنده ٣ : ١٦٠ ، و الحاكم في المستدرك ٣ : ٢٤٤ و ٢٤٥ ، و ابن حبّان في صحيحه ، و عنه الاصابة ٢ : ٤٦١ ، و ابن هشام في السيرة ٤ : ٣٥ ، و أبو عوانة في مسنده و ابن النجار في تاريخه و عبد الرزاق في جامعه ، و عنهم منتخب كنز العمال ٥ : ٢٣٩ .

( ٢ ) مروج الذهب ٢ : ٣٧٠ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٣ ) دلائل الاعجاز : ١٧ .

١٥

تمثّلت به تعريضا ، و إنّما أراد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم قطع نزاعهن .

و في ( أمثال الكرماني ) : قال المفضل : أوّل من قال « البلاء موكّل بالمنطق » أبو بكر قال ابن عباس : قال عليّ عليه السّلام : لمّا أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله أن يعرض نفسه على قبائل العرب خرج و أنا معه و أبو بكر ، فدفعنا إلى مجلس .

فتقدّم أبو بكر ، و كان نسّابة . فقال : ممّن القوم ؟ قالوا : من ربيعة . فقال : أمن هامتها أم لهازمها ؟ قالوا : من هامتها العظمى . قال : فأيها أنتم ؟ قالوا : ذهل الأكبر . قال : أفمنكم عوف الّذي يقال له « الاحرّ بوادي عوف » ؟ قالوا : لا . قال :

أفمنكم بسطام ذو اللواء و منتهى الأحياء ؟ قالوا : لا . قال : أفمنكم جسّاس بن مرّة حامي الذمار و مانع الجار ؟ قالوا : لا . قال : أفنكم الحوفزان قاتل الملوك ،

و سالبها أنفسها ؟ قالوا : لا . قال : أفمنكم المزدلف صاحب العمامة الفردة ؟

قالوا : لا . قال : أ فأنتم أخوال الملوك من كندة ؟ قالوا : لا . قال : فلستم ذهل الأكبر أنتم ذهل الأصغر . فقام إليه غلام قد بقل وجهه يقال له دغفل فقال :

إنّ على سائلنا أن نسأله

و العب‏ء لا تعرفه أو تحمله

يا هذا إنّك سألتنا فلم نكتمك شيئا . فمن الرجل ؟ قال : من قريش ، قال :

بخ بخ أهل الشرف و الرياسة . فمن أيّ قريش ؟ قال : من تيم بن مرّة ، قال :

أمكنت و الله الرامي من صفاء الثغرة . أفمنكم قصيّ الّذي جمع القبائل من فهر و كان يدعى مجمّعا ؟ قال : لا . قال : أفمنكم هاشم الّذي هشم الثريد لقومه ، و رجال مكّة مسنتون عجاف ؟ قال : لا . قال : أفمنكم شيبة الحمد مطعم طير السماء الّذي كان وجهه قمرا مضيئا يضي‏ء ليل الظلام الداجي ؟

قال : لا . قال : أفمن المفيضين بالناس أنت ؟ قال : لا . قال : أفمن أهل الندوة أنت ؟ قال : لا . قال : أفمن أهل السقاية أنت ؟ قال : لا و اجتذب أبو بكر زمام ناقته ، و رجع . فقال : دغفل « صادف درء السيل درء يصدعه » أما و اللّه

١٦

لو ثبت لأخبرتك أنّك من زمعات قريش .

قلت : و ما قاله المفضل من أن أبا بكر أوّل من قال ذاك المثل ، ليس كذلك .

فروي أن الأصل فيه عبيد بن شربة الجرهمي في الجاهلية ، و انما تمثّل به أبو بكر لمّا أراد إظهار إطّلاعه بالأنساب عند دغفل فأخزاه .

و لم يكن في تيم شريف إلاّ ابن جدعان الّذي مرّ انّ أبا قحافة كان ينادي على طعامه ، و يطرد الذباب عن مائدته ، و مع ذلك كان كسب ابن جدعان من بعث جواريه للزنا ، و بيع أولادهن كما صرّح به ابن قتيبة في ( معارفه ) ١ .

و في ( أمثال الكرماني ) أيضا : ارتدّ الأشعث بن قيس الكندي في جملة أهل الردّة . فأتى به أبا بكر أسيرا . فأطلقه ، و زوّجه اخته فروة رغبة منه في شرفه فخرج من عند أبي بكر ، و دخل السوق ، فاخترط سيفه . ثم لم تلقه ذات أربع إلاّ عرقبها من بعير و فرس و بقر ، و مضى فدخل دارا من دور الأنصار .

فصار الناس حشد إلى أبي بكر . فقالوا : هذا الأشعث قد ارتدّ ثانية . فبعث أبو بكر إليه فأشرف إلى السطح ، و قال : يا أهل المدينة إنّي غريب في بلدكم . و قد أولمت بما عرقبت . فليأكل كلّ انسان ما وجد وليغد عليّ كلّ من كان له قبلي حقّ ، فلم يبق دار من دور المدينة إلاّ دخلها من ذلك اللحم ، و لا رئي أشبه بيوم الأضحى من ذاك اليوم ، فضرب أهل المدينة به المثل فقالوا : أو لم من الأشعث ٢ . و قال الأصبغ بن حرملة الليثي متسخّطا لهذه المصاهرة مخاطبا أبا بكر :

أتيت بكندي قد ارتدّ و انتهى

إلى غاية من نكث ميثاقه كفرا

فكان ثواب النكث إحياء نفسه

و كان ثواب الكفر تزويجه البكرا

ــــــــــــــــ

( ١ ) المعارف : ٥٧٦ .

( ٢ ) انظر ايضا : الاصابة لابن حجر ١ : ٥١ .

١٧

و لو أنّه يأبى عليك نكاحها

و تزويجها منه لأمهرته مهرا

و لو أنّه رام الزيادة مثلها

لأنكحته عشرا و أتبعته عشرا

فقل لأبي بكر لقد شنت بعدها

قريشا و أخملت النباهة و الذكرا

أما كان في تيم بن مرّة واحد

تزوّجه لو لا أردت به الفخرا

و لو كان لمّا أن أتاك قتلته

لأحرزتها ذكرا و قدّمتها ذخرا

فأضحى يرى ما قد فعلت فريضة

عليك فلا حمدا حويت و لا أجرا

و في ( موفقيات الزبير بن بكار ) و قد نقله ابن أبي الحديد في شرح قوله : « و اعتبروا بحال ولد إسماعيل » أنّ أبا بكر قال في الجاهلية لقيس بن عاصم المنقري : ما حملك على أن و أدت ؟ قال : مخافة أن يخلف عليهنّ مثلك ١ .

و في ( نقض عثمانية الاسكافي ) : روى الواقدي و غيره : أنّ عائشة رأت رجلا من العرب خفيف العارضين ، معروق الخدّين . غائر العينين . أجنى لا يمسك إزاره فقالت : ما رأيت أشبه بأبي بكر من هذا قال الاسكافي بعد نقل الرواية ردّا لقول الجاحظ : « كان لأبي بكر وجه عتيق » « فلا نراها دلّت على شي‏ء من الجمال في صفته » ٢ .

و حيث انّ البكر الفتيّ من الإبل و به كني أبو بكر قال أبو سفيان لمّا بويع أبو بكر : يا بني عبد مناف ، أرضيتم أن يلي عليكم أبو فصيل الرذل ابن الرذل ؟ ٣ .

و كانت هوازن تسمّيه ذا الجلال . فلمّا أتاهم بيعته قالوا : لا نبايع ذا

ــــــــــــــــ

( ١ ) رواه عنه ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ٢٤٣ ، شرح الخطبة ١٩٠ .

( ٢ ) رواه عنه ابن أبي الحديد في شرحه ٣ : ٢٧٦ ، شرح الخطبة ١٩٠ .

( ٣ ) روى هذا المعنى عن أبي سفيان ، الجوهري في السقيفة : ٣٨ ، و الطبري في تاريخه ٢ : ٤٤٩ ، سنة ١١ ، و غيرهما .

١٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد الخامس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

الجلال و إنّما سمّوه بذلك لأنّه كان له كساء فدكي يحله عنه إذا ركب و يلبسه إذا نزل .

و لكسائه ذاك سمّاه أهل نجد ذا العباءة . ففي ( سيرة ابن هشام ) : لمّا أتاهم بيعة أبي بكر قالوا : أ نحن نبايع ذا العباءة ؟ قال : كان أبو بكر في غزوة ذات السلاسل الّتي أمّر عليه و على صاحبه عمرو بن العاص عليه عباءة له فدكية يبسطها إذا نزل و يلبسها إذا ركب ، ثمّ يشكّها عليه بخلال له ١ . و في ( شعراء ابن قتيبة ) : قال الحطيئة :

أطعنا رسول الله إذا كان حاضرا

فيالهفتي ما بال دين أبي بكر

أ يورثها بكرا إذا مات بعده

و تلك و بيت الله قاصمة الظهر ٢

و في ( ادباء الحموي ) قال الناشي : قال لي الراضي : أنشدني من شعرك في بني هاشم فأنشدته :

بني العباس إنّ لكم دماء

أراقتها اميّة بالذحول

فليس بها شمي من يوالي

اميّة و اللعين أبا زبيل

فقال : ما بينك و بين أبي زبيل ، فقلت : أمير المؤمنين أعلم . فابتسم ٣ .

و في ( بلدانه ) في عنوان حضر موت قال حارثة بن سراقة :

أطعنا رسول اللّه ما دام بيننا

فيا قوم ما شأني و شأن أبي بكر

أ يورثها بكرا إذا مات بعده

فتلك لعمر اللّه قاصمة الظهر ٤

و روى محمّد بن محمّد بن النعمان في ( أماليه ) أنّ أبا قحافة لما سمع أنّ ابنه ولي الأمر قال : أرضيت بذلك بنو المغيرة و بنو عبد شمس ؟ قالوا : نعم .

ــــــــــــــــ

( ١ ) سيرة ابن هشام ٤ : ٢٠٠ ، و النقل بالمعنى .

( ٢ ) الشعر و الشعراء : ١١٠ .

( ٣ ) معجم الادباء ١٣ : ٢٨٤ .

( ٤ ) معجم البلدان ٢ : ٢٧١ .

١٩

قال : أ ينكرون النبوّة و يقرّون بالخلافة إن هذا لشي‏ء يراد ١ ؟ و في خطبة أمير المؤمنين عليه السّلام الطالوتية المروية في روضة الكافي قال عليه السّلام : لو أنّ لي رجالا ينصحون لله و لرسوله ( و كان عليه السلام مرّ على ثلاثين شاة ) بعدد هذه الشياه لأزلت أبن آكلة الذّباب عن ملكه ٢ .

و في كتاب سليم بن قيس قال أمير المؤمنين عليه السلام لعمر : يا ابن صهاك أليس لنا فيها حق ، و هي لك ، و لابن آكلة الذباب ؟ فقال عمر : إنّ العامّة رضوا بصاحبي و لم يرضوا بك فما ذنبي ؟ فقال عليه السّلام : و لكنّ الله و رسوله لم يرضيا إلاّ بي ٣ .

قال ابن أبي الحديد : اسم أبي بكر القديم عبد الكعبة . فسمّاه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عبد الله و اختلفوا في عتيق . فقيل : كان اسمه في الجاهلية ، و قيل : بل سمّاه به النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ٤ .

قلت : أهل بيته أعرف به سئل عبد الرحمن بن القاسم بن محمّد بن أبي بكر عن اسمه . فقال : إسمه عتيق . كان بنو أبي قحافة معتق و عتق و عتيق .

« و إنّه ليعلم أنّ محلّي منها » أي : من الخلافة بعد مشاهدته مقاماته و سماعه من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله استخلافه .

« محلّ القطب من الرحى » قال الجوهري : « يجوز في قطب الرحى ضمّ القاف و فتحها و كسرها » ٥ ، و قال ابن دريد : « قطب الرحى : الحديدة

ــــــــــــــــ

( ١ ) أمالي المفيد : ٦٠ ح ٧ ، المجلس ١٠ ، و النقل بالمعنى .

( ٢ ) الكافي ٨ : ٣٣ ح ٥ .

( ٣ ) كتاب سليم : ٩١ ، و النقل بتلخيص .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٥٢ .

( ٥ ) صحاح اللغة ١ : ٢٠٤ ، مادة ( قطب ) .

٢٠