النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي

النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي0%

النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي مؤلف:
تصنيف: الأسرة والطفل
الصفحات: 194

النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدكتور زهير الأعرجي
تصنيف: الصفحات: 194
المشاهدات: 42868
تحميل: 5351

توضيحات:

النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 194 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 42868 / تحميل: 5351
الحجم الحجم الحجم
النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي

النظام العائلي ودور الاسرة في البناء الاجتماعي الاسلامي

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ويُفهم من كلامهم: أنّ النكاح المنقطع كان مباحاً وأنّ النهي عنه وقعَ في آخر الأمر، وقالوا بأنّ: ( عدّة أحاديث صحيحة صريحة قد وردت بالنهي عن المتعة بعد الإذن بها ) (1) .

فـ( حُكي عن ابن عباس: إنّها جائزة، وعليه أكثر أصحابه: عطاء، وطاووس، وبه قال ابن جريح، وحُكي ذلك عن أبي سعيد الخدري وجابر، وإليه ذهبَ الشيعة؛ لأنّه قد ثبتَ أنّ النبي (ص) أذِن فيها، وروي أنّ عمر قال: ( مُتعتان على عهد رسول الله (ص)، أنا أُنهي عنهما وأُعاقب عليهما: متعة النساء، ومتعة الحج )؛ ولأنّه عقدٌ على منفعة فيكون مؤقّتاً كالإجارة...

وقال الشافعي: لا أعلم شيئاً أحلّه الله ثمّ حرّمه، ثمّ أحلّه ثمّ حرّمه إلاّ المتعة، فحملَ الأمر على ظاهره، وأنّ النبي (ص) حرّمها يوم خيبر، ثمّ أباحها في حجة الوداع ثلاثة أيام، ثمّ حرّمها ) (2) ، و( لم يختلف أهل النقل أنّ المتعة قد كانت مباحة في بعض الأوقات أباحها رسول الله (ص) ) (3) .

إلاّ أنّ فقهاء الإمامية استدلّوا بعدم النَسخ بروايات عديدة عن أهل البيت (ع)، منها: أنّ الإمام جعفر بن محمد (ع) عندما سُئِل: ( هل نَسخ آية المتعة شيء؟ قال: ( لا، ولولا ما نهى عنها عمر ما زنى إلاّ شقي ) ) (4) ، وأنّ الرخصة الثابتة الواردة عن الرسول (ص) والمتّفق عليها بين الجميع، لم يثبت إلغاؤها أو تحريمها بعد ذلك بخبر صحيح، فلم يبقَ سوى نهي الخليفة الثاني وهو بمجرّده ليس بحجّة.

____________________

1 - فتح الباري لابن حجر: ج 11، ص70.

2 - المغني لابن قدامة: ج 7، ص 178 - 179.

3 - أحكام القرآن للجصاص: ج 2، ص 178.

4 - الوسائل: ج 14، ص 440.

١٠١

على ضوء ذلك: فقد أجمعَ علماء الإمامية على أنّ حقيقة الزواج المنقطع والدائم واحدة، وأنّ لفظ الزواج موضوع لمعنى واحد ذي شقّين هما: المنقطع، والدائم.

وأجمعوا أيضاً على: أنّ الزواج الدائم والمنقطع يشتركان في: خلو الموانع، وصيغة العقد، ونشر الحرمة، وحقوق الولد ولحوقه بالأب، وقيمة المهر، والعدّة بعد الدخول، والشروط السائغة في العقد.

فلا يجوز العقد - دائماً أو منقطعاً - على المتزوجة أو المعتدّة من طلاق أو وفاة، أو المحرّمة بالنسب، أو المصاهرة، أو الرضاع، أو المشركة، فيجب - شرعاً - أن تكون المرأة المعقود عليها خالية من هذه الموانع، وينبغي أيضاً أن تكون: عاقلة، بالغة، رشيدة.

ولا يصحّ الزواج بالمراضاة فحسب، بل لابدّ من العقد اللفظي الذي يدلّ بكل صراحة على القصد، فـ( صيغة زواج المتعة: اللفظ الذي وضعه الشرع للإيجاب كزوّجتك، وأنكحتك، ومتّعتك، أيها حصلَ وقع الإيجاب به، ولا ينعقد بغيرها، كلفظ التمليك، والهبة، والإجارة، ويقع القبول باللفظ الدال على الإنشاء كقوله: قبلتُ النكاح ) (1) .

وينشر الزواج الدائم والمنقطع الحرمة بالمصاهرة، فلا يجمع بين الأختين، وتحرم على الزوج بنت الزوجة وأمّها، وتحرم زوجة الأب على الابن، وزوجة الابن على الأب مؤبّداً، كما ذكرنا ذلك سابقاً في المحرّمات.

أمّا الولد، فإنّه يُلحق بالزوج بمجرّد الجماع حتى ولو عزلَ، وللولد سائر الحقوق المادية والأدبية من حيث الإرث والنفقة، ففي الحديث: ( إنّ الإمام جعفر بن محمد (ع) سُئِل عن المرأة المتمتّع بها إن حَبلت؟ قال: ( هو ولَده ) ) (2) .

____________________

1 - الجواهر: ج 30، ص 154.

2 - التهذيب: ج 2، ص 191.

١٠٢

أمّا المهر ، فيصح بكل ما يقع عليه التراضي عملاً بالآية الكريمة: ( وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً ) (1) ، وإذا طلّق زوجته أو وهبَ لها المدّة قبل الدخول، يثبت لها نصف المهر المسمّى.

وأجمعَ الفقهاء أيضاً على أنّ الزواج الدائم والمنقطع يفترقان في: ذكر الأجل، وتحديد المهر، والعدّة، والتوارث، والنفقة .

فلابدّ في الزواج المنقطع من ذكر الأجل في متن العقد، ودليله: الرواية الواردة عن أئمّة أهل البيت (ع): ( وإذا سمّي الأجل فهو متعة، وإن لم يُسمّ فهو نكاح ثابت ) (2) ، وكذلك يجب تحديد المهر في العقد المنقطع؛ لأنّه ركن من أركان العقد للنص الشريف: ( لا تكون متعة إلاّ بأمرين: أجل مسمّى، وأجر مسمّى ) (3) .

وتعتدّ الزوجة المطلّقة إذا دخلَ الزوج بها، سواء كان الزواج دائمياً أو منقطعاً، فالدائمة عدّتها ثلاث حيضات، أو ثلاثة أشهر، وإن كانت حاملاً فعدّتها وضع الحمل، والمنقطعة عدّتها بعد انقضاء الأجل حيضتان أو خمسة وأربعين يوماً، وإن كانت حاملاً فعدّتها وضع الحمل، وعدّة الوفاة مع عدم الحمل أربعة أشهر وعشرة أيام للدائمة والمنقطعة، سواء دخلَ الزوج أم لم يدخل، أمّا مع الحمل فالعدّة بأبعد الأجَلَين.

واختلف الفقهاء في توارث الزوجين في المنقطع، فذهب جماعة إلى عدم التوارث إلاّ مع الشرط؛ لقوله (ع): ( إن اشترطا الميراث فهما على

____________________

1 - النساء: 19.

2 - الكافي: ج 2، ص 44.

3 - التهذيب: ج 2، ص 189.

١٠٣

شرطهما ) (1) ؛ لأنّ عقد الزواج لا يقتضي بطبيعته التوارث ولا العدم، وإذا حصلَ الشرط وجب حينئذٍ العمل به.

أمّا النفقة، فهي واجبة في الدائم، ولكنّها لا تجب في المنقطع إلاّ مع الشرط.

وبالجملة: فإنّ حقوق الزوجة الدائمة والمنقطعة ثابتة إلاّ ما خرج بالدليل، و ( حُكم الزواج المنقطع كالدائم في جميع ما سلف من الأحكام، شرطاً وولاية وتحريماً بنوعيه [ العيني: كالأخت والأم، والجمعي: كالجمع بين الأختين ] إلاّ ما استُثني ) (2) .

وقد وردَ في الحديث عن الإمام الصادق (ع) عندما سُئل عن المتعة، فقال: ( حلال، فلا تتزوج إلاّ عفيفة؛ إنّ الله عزّ وجل يقول: ( وَالَّذينَ هُم لِفُرُوجِهِم حافِظُونَ ) (3) ) (4) ، وفي حديث آخر: ( لا ينبغي لك أن تتزوج إلاّ بمأمونة أو مسلمة؛ فإنّ الله عزّ وجل يقول: ( الزَاني لا يَنكحُ إلاّ زانِية أو مُشرِكَة وَالزّانِيَة لا يَنكِحُها إلاّ زانٍ أو مُشرِك وَحُرِّم ذلِكَ عَلى المُؤمِنينَ ) (5) ) (6) .

ولا شك أنّ الزواج المؤقّت يمثل في الظروف الاستثنائية خطوة أولية نحو الزواج الدائم؛ لأنّ الانشداد الذي يحصل بين الزوجين خلال فترة العقد الاستثنائي لا يمكن فصمهُ بسهولة، ويعضد هذا القول: ما ورد في رواية أبي بصير عن الإمام أبي جعفر (ع) أنّه كان يقرأ:

____________________

1 - التهذيب: ج 2، ص 190.

2 - شرح اللمعة: ج 5، ص 284.

3 - المؤمنون: 5.

4 - التهذيب: ج 2، ص 187.

5 - النور: 3.

6 - الكافي: ج 2، ص 44.

١٠٤

( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ) (1) ، فقال: ( هو أن يتزوجها إلى أجل ثمّ يحدث شيئاً بعد الأجل ) (2) .

ملحقٌ: في النكاح المنقطع للشهيد الثاني

( لا خلاف بين فقهاء الإمامية في شرعيته مستمراً إلى الآن، أو لا خلاف بين المسلمين في أصل شرعيته وإن اختلفوا بعد ذلك في نسخه، والقرآن الكريم مصرّح به في قوله تعالى: ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (3) ، اتفق جمهور المفسّرين على أنّ المراد به نكاح المتعة، وأجمعَ أهل البيت ( عليهم السلام ) على ذلك، وروي عن جماعة من الصحابة منهم: أُبي بن كعب، وابن عباس، وابن مسعود أنّهم قرأوا ( فما استمتعتم به منهنّ إلى أجلٍ مسمّى ) (4) .

ودعوى نسخه - أي نسخ جوازه من الجمهور - لم تثبت؛ لتناقض رواياتهم بنسخه، فإنّهم رووا عن علي ( عليه السلام ): أنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) نهى عن متعة النساء يوم خيبر ، ورووا عن ربيع بن سبرة عن أبيه أنّه قال: شكونا العزبة في حَجّة الوداع فقال: ( استمتعوا من هذه

____________________

1 - النساء: 24.

2 - تفسير العيّاشي: ج 1، ص 234.

3 - النساء: 24.

4 - شرح مسلم للنووي: ج 9، ص 179.

١٠٥

النساء ) فتزوّجتُ امرأة ثمّ غدوت على رسول الله (ص) وهو قائم بين الركن والباب وهو يقول: ( إنّي كنت قد أذِنت لكم في الاستمتاع، ألا وإنّ الله قد حرّمها إلى يوم القيامة ) (1) .

ومن المعلوم ضرورة من مذهب علي وأولاده ( عليهم الصلاة والسلام ) حلّها وإنكار تحريمها، فالرواية عن علي ( عليه السلام ) بخلافه باطلة، ثمّ اللازم من الروايتين أن تكون قد نُسخت مرّتين؛ لأنّ إباحتها في حَجّة الوداع أولاً ناسخة لتحريمها يوم خيبر ولا قائل به، ومع ذلك يتوجّه إلى خبر سبرة الطعن في سنده، واختلاف ألفاظه ومعارضته لغيره.

ورووا عن جماعة من الصحابة منهم: جابر بن عبد الله، وعبد الله بن عباس، وابن مسعود، وسَلَمة بن الأكوع، وعمران بن حصين، وأنس بن مالك أنّها لم تُنسخ.

وفي صحيح مسلم بإسناده إلى عطاء قال: ( قدِم جابر بن عبد الله معتمراً فجئناه في منزله فسأله القوم عن أشياء، ثمّ ذكروا المتعة فقال: نعم، استمتعنا على عهد رسول الله (ص)، وأبي بكر، وعمر ) (2) ، وهو صريح في بقاء شرعيتها بعد موت النبي (ص) من غير نسخ.

وتحريم بعض الصحابة - وهو عمر - إياه، تشريع من عنده مردود عليه؛ لأنّه إن كان بطريق الاجتهاد فهو باطل في مقابلة النص إجماعاً، وإن كان بطريق الرواية فكيف خفيَ ذلك على الصحابة أجمع في بقيّة زمن النبي، وجميع خلافة أبي بكر، وبعض خلافة المُحَرِّم [ وهو عمر ].

ثمّ يدلّ على أنّ تحريمه من عنده لا بطريق الرواية: قوله في الرواية المشهورة عنه بين الفريقين: ( متعتان كانتا في عهد رسول الله (ص) حلالاً أنا أنهى عنهما

____________________

1 - صحيح مسلم: ج 4، ص 132.

2 - صحيح مسلم: ج 4، ص 134.

١٠٦

وأعاقب عليهما ) (1) ، ولو كان النبي (ص) قد نهى عنهما في وقت من الأوقات، لكان إسناده إليه (ص) أولى وأدخَل في الزجر.

وروى شعبة عن الحكم بن عتيبة - هو من أكابر القوم - قال: سألته عن هذه الآية: ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ ) أمَنسوخة هي؟ قال: ( لا )، ثمّ قال الحكم: قال علي بن أبي طالب (ع): ( لولا عمر نهى عن المتعة ما زنى إلاّ شقي ).

وفي صحيح الترمذي: أنّ رجلاً من أهل الشام سأل ابن عمر عن متعة النساء فقال: ( هي حلال، فقال: إنّ أباك قد نهى عنها، فقال ابن عمر: أرأيت إن كان أبي قد نهى عنها وقد سنّها رسول الله (ص)، أتترُك السُنّة وتتّبع قول أبي ) (2) .

وأمّا الأخبار بشرعيتها من طريق أهل البيت (ع) فبالغة، أو كادت أن تبلغ حدّ التواتر لكثرتها ) (3) .

____________________

1 - أحكام القرآن للجصاص: ج 2، ص 184.

2 - صحيح الترمذي: ج 3، ص 184.

3 - شرح اللمعة الدمشقية: ج 5، ص 245.

١٠٧

العيوبُ الموجِبة للخيار بين فسخ العقد وإمضائه

ومن أجل بناء أسرة فاضلة، وتشكيل زواج ناجح ومستقر، فلابدّ من معالجة العيوب التي يكتشفها الزوجان بعد إجراء العقد.

ولمّا كان الأصل في الزواج استقرار العائلة بما فيها من زوجين ومن فروع وأصول، كان لابدّ أيضاً من معالجة المشاكل الجسدية الخطيرة، معالجة حاسمة وفورية، مع ضمان حقوق الزوج والزوجة بشكل تام.

فالعيوب الموجِبة للخيار بين فسخ العقد وإمضائه: هي العيوب التي يكتشفها أحد الزوجين في الآخر بعد إتمام العقد مثل: الاضطراب العقلي ( الجنون )، والخصاء، والجب، والعنن بالنسبة للرجل فيثبت الخيار للمرأة.

والاضطراب العقلي، والبرص، والجذام، والعمى، والعَرج، والقرن، والعفل، والإفضاء، والرتق بالنسبة للمرأة فيثبت الخيار للرجل.

ويثبت خيار الفسخ على الفور باتفاق الفقهاء، فإذا لم يبادر الزوج أو الزوجة إلى الفسخ لزِم العقد، ولا يُعتبر إذْن الحاكم الشرعي في الفسخ؛ لأنّ الأدلّة التي دلّت على جواز الفسخ مطلقة وغير مقيّدة بإذن الحاكم.

ويتباين الفسخ عن الطلاق في عدّة مواضع، فيصحّ الفسخ من غير شهود، ولا يتطلّب طُهر المرأة، وليس لها من المهر شيء قبل الدخول إلاّ في حالة العَنن، ولا يُعتبر الفسخ من التطليقات الثلاث.

أمّا الطلاق، فلا يصحّ إلاّ بشاهدَين، وأن تكون المرأة في طهرٍ لم يواقعها فيه، وتُحتسب من التطليقات

١٠٨

الثلاث، ولها نصف المهر قبل الدخول.

والاضطراب العقلي أو الجنون: من العيوب المشتركة بين الرجل والمرأة، فإذا تبيّن لها الجنون بعد العقد فلها الفسخ؛ للرواية المروّية عن الإمام (ع) عندما سُئل عن امرأة يكون لها زوج قد أُصيب في عقله بعد أن تزوّجها؟ فقال: ( لها أن تنزع نفسها منه إن شاءت ) (1) .

ورواية أخرى بشأن الزوجة: ( إنّما يُرد النكاح من: البرص، والجذام، والجنون، والعفل ) (2) .

والمشهور بين الفقهاء: أنّ للمرأة حقّ الفسخ إذا عَلمت أنّ زوجها أُصيب بالجنون قبل العقد أو بعده، أمّا الرجل فيحقّ له الفسخ إذا علمَ أنّ زوجته أُصيبت بجنون سابق على العقد دون اللاحق، بمعنى: أنّ الزوجة إذا أصابها الجنون بعد إجراء العقد والدخول لفترة، فلا يحقّ للزوج إجراء الفسخ، بل يحقّ له طلاقها، و ( هذا هو المشهور شهرة عظيمة كادت أن تكون إجماعاً؛ لاستصحاب اللزوم الذي هو مقتضى الأصل في العقود، وإمكانية انجبار الضرر بالطلاق منه ) (3) .

وإذا تمّ الفسخ بعد الدخول، فلها المهر وعليها العدّة، وإذا تمّ قبل الدخول، فلا مهر ولا عدّة للمرأة، وإذا رضيَ أحدهما بالعيب قولاً أو فعلاً، فلا يجوز له أن يعدل ويفسخ بعد ذلك.

أمّا الخصاء: فهو سلّ الأنثيين أو رضّهما، والخصي: يولِج ويبالغ ولكنّه لا يُنزل، والجب: هو قطع ذَكر الرجل بشكل تام، وفي كِلا الحالتين يكون الخيار للمرأة الجاهلة بحاله في فسخ الزواج أو إمضائه، وإنّما أُلحِقَ الجب

____________________

1 - الكافي: ج 2، ص 126.

2 - التهذيب: ج 2، ص 232.

3 - الجواهر: ج 30، ص 320.

١٠٩

بالخصاء؛ لأنّه أقوى عيباً من الخصاء، لقدرة الخصي على الجماع إجمالاً.

وقيل: إنّ الخصاء والجب إذا حصلا بعد العقد يثبت الخيار للمرأة أيضاً؛ لصحيحة أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن امرأة ابتُلي زوجها، فلا يقدر على جماع، أتفارقه؟ قال: ( نعم، إن شاءت ) (1) .

والعنن: عيب تتسلّط المرأة بسببه على الفسخ لا فرق إن كان قبل عقد الزواج أو بعده، وهو مرض تضعُف معه القوة عن نشر العضو بحيث يعجز عن الإيلاج، بمعنى: أنّه داء يعجز معه الرجل عن الجماع إطلاقاً، إلاّ أنّ المشهور بين الفقهاء أنّه لا خيار لها؛ لقوله (ع): ( إنّ علياً (ع) كان يقول: إذا تزوّج الرجل امرأة فوقعَ عليها وقعة واحدة، ثمّ أعرضَ عنها، فليس لها الخيار، لِتَصبر فقد ابتُليت ) (2) .

ولكنّ الشيخ المفيد وجماعة ذهبوا إلى ( أنّ لها الفسخ أيضاً؛ للاشتراك في الضرر الحاصل باليأس من الوطء، وإطلاق الروايات بثبوت الخيار للمرأة من غير تفصيل ) (3) .

وإذا ثبتَ العنن، فإن صَبرت عالِمة بالعنن وبأنّ لها الخيار، فلا خلاف في عدم الخيار لها بعد ذلك إذا أرادته؛ لأنّه حقّ يسقط بالإسقاط، و ( لقول الإمام (ع): ( متى أقامت المرأة مع زوجها بعدما عَلمت أنّه عِنّين ورضيت به، لم يكن لها خيار بعد الرضا ) (4) .

وإذا لم تصبر على العنن رفعت أمرها إلى الحاكم الشرعي، الذي ينبغي أن يؤجّله بدوره سنة كاملة من حين المرافعة، وعليها أن تسكن مع الزوج خلال فصول السنة؛ لاحتمال تأثير المناخ من حرارة أو برودة على العنن، وإذا واقعها خلال السنة فلا خيار لها، وإذا لم يواقعها يحقّ لها الفسخ بالإجماع والنص.

____________________

1 - الكافي: ج 2، ص 30.

2 - الاستبصار: ج 3، ص 250.

3 - المسالك: كتاب النكاح.

4 - الجواهر: ج 30، ص 325.

١١٠

والعيوب الموجِبة للفسخ المتعلّقة بالمرأة هي: البرص، والجذام وهما من الأمراض المُعدية، والعمى، والعرج، فإذا كانت المرأة مصابة بهذه العيوب وكان الرجل جاهلاً بها قبل العقد، حقّ له حينئذٍ الفسخ.

أمّا القرن والعفل وهي: زوائد لحمية في الفرج، والإفضاء: وهو اختلاط المسلكين، والرتق: وهو انسداد الفرج، فإنّها تؤدي إلى تعسّر الجماع، ولذلك فقد ألحَقَها الفقهاء بالعيوب أيضاً.

فقد ورد في الرواية أنّ الإمام جعفر بن محمد (ع) عندما سُئِل عن رجل تزوج امرأة فوجد بها قرناً! قال: ( هذه لا تحبل، وينقبض زوجها من مجامعتها، وتُرد على أهلها، قال السائل: فإن كان دخلَ بها؟ قال: إن كان علمَ قبل أن يجامعها ثمّ جامعها فقد رضيَ بها، وإن لم يعلم إلاّ بعد ما جامعها فإن شاء أمَسكها، وإن شاءَ سرّحها إلى أهلها، ولها ما أخذت منه [ أي من المهر ] بما استحلّ من فرجها ) (1) .

____________________

1 - الكافي: ج 2، ص 30.

١١١

الخيارُ بالتدليس

والتدليس هو: التمويه بإخفاء نقص أو عيب موجود، أو ادّعاء كمال غير موجود أصلاً، قبل العقد، فقد يكون النقص أو العيب جسدياً كالعمى في العينين، أو في عين واحدة مثلاً، وادّعاء الكمال كادّعاء المكانة الاجتماعية والشرف أو البكر والشباب، وقد يكون الزوج هو المدلِّس، وقد تكون الزوجة هي المدلِّسة، فإذا كان الأمر كذلك، جاز الفسخ بسبب التدليس.

ويحصل خيار فسخ الزواج في حالات أخرى لتخلّف الشروط، ومنها: أن تكون صفة عدم النقص أو الكمال من شروط العقد، مثل قول المرأة: زوّجتك نفسي بشرط أن تكون سليماً من الأمراض السارية، أو قول الرجل: تزوّجتك بشرط أن تكوني باكراً.

ومنها: أن يكون عدم النقص والكمال وصفاً لا شرطاً، كقوله: زوّجتك موكّلتي فلانة بنت فلان البكر.

ومنها: أن يكون العقد مبنياً على أساس عدم النقص، كأن يذكر الكمال وعدم النقص في حديثه عن الزواج، وفي هذه الحالات يحصل الخيار لتخلّف الشروط لا للتدليس.

وإذا حصل الفسخ فإنّه يجب أن يكون فورياً؛ لأنّ سكوت الزوج بعد العلم لا يبيح له الفسخ بعد ذلك.

وقد اختلفَ الفقهاء في ثبوت الخيار للزوجة المخدوعة بالتدليس، فقال بعضهم: إنّ لها حقّ الفسخ، واستدلّوا على ذلك برواية محمد بن مسلم التي تجيز للمرأة الفسخ إذا تزوجت برجل بناءً على أنّه حُر فبانَ لها أنّه مملوك ( قال سألت الإمام أبا عبد الله (ع) عن امرأة حرّة تزوجت مملوكاً على أنّه حرّ، فعلِمَت بعد أنّه مملوك؟

١١٢

فقال: ( هي أملك بنفسها إن شاءت قرّت [ أقامت ] معهُ، وإن شاءت فلا، فإن كان دخلَ بها فلها الصداق، وإن لم يدخل بها فليس لها شيء، فإن هو دخلَ بها بعد ما علِمَت أنّه مملوك وأقرّت بذلك فهو أملك لها ) (1) .

وإذا حصلَ التدليس على الزوج من قِبل طرف ثالث، فلا يفسخ العقد وإنّما يؤخذ المهر من الذي زوّجها، حيث ( يرجع الزوج بالمهر على المدلِّس إن كان، وإلاّ فلا رجوع، ولو كانت هي المدلِّسة رجعَ عليها إلاّ بأقل ما يمكن أن يكون مهراً، وهو أقلّ متموّل على المشهور ) (2) .

وقد وردَ في بعض الروايات أنّ الإمام جعفر بن محمد (ع) سُئِل عن رجل ولّته امرأة أمرها، أو ذات قرابة، أو جارة لها، لا يعلم دخيلة أمرها، فوجدها قد دلّست عيباً هو بها؟ قال (ع): ( يؤخذ المهر منها، ولا يكون على الذي زوّجها شيء ) (3) .

وفي رواية أخرى: ( في كتاب علي (ع): مَن زوّج امرأة فيها عيب دلّسه، ولم يبيّن ذلك لزوجها، فإنّه يكون لها الصداق بما استحلّ من فرجها، ويكون الذي ساقَ الرجل إليها على الذي زوّجها ولم يبيّن ) (4) ، أي يكون المهر على الذي زوّجها ولم يبيّن.

____________________

1 - مَن لا يحضره الفقيه: ج 2، ص 146.

2 - اللمعة الدمشقية: ج 5، ص 395.

3 - الكافي: ج 2، ص 29.

4 - التهذيب: ج 2، ص 234.

١١٣

الصداق

وحتى يتكامل الضمان الحقوقي المدني للزوجة مع الضمان المالي، فقد اعتُبر الصداق جزءاً من الصفقة الحقوقية التي تستلمها الزوجة عند العقد، فالنفقة الواجبة، والصداق، وحقوق الأمومة، والإرث، ونحوها تُشكل الأركان الرئيسية لتلك الصفقة.

إذاً، فالصداق هو: الضمان المالي الذي شرّعه الإسلام لمصلحة المرأة، وصيانتها في حالتَي استقرار الزواج أو فشله، ويعتبر من حقوق الزوجة نصّاً وإجماعاً، لقوله تعالى: ( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً... ) (1) ، إلاّ أنّه لا يعتبر شرطاً في صحة عقد الزواج ولا يعتبر ركناً من أركانه، وهو على أنواع ثلاثة: المهر المسمّى، ومهر المثل، والتفويض.

والمهرُ الذي تراضى عليه الزوجان وسمّياه في متن العقد هو ( المهر المسمّى ) ، الذي لا حدّ لأقلّه ولا حدّ لأكثره؛ للنص المجيد: ( وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً ) (2) ، والرواية المروّية عن الإمام أبي جعفر (ع): ( الصداق كل شيء تراضى عليه الناس قلّ أو كثُر ) (3) ، والمندوب شرعاً: أن لا يزيد عن مهر السُنّة وهو خمسمئة درهم فضة.

ويشترط في المهر: أن يكون حلالاً، ومتقوّماً بمال عرفاً وشرعاً، فلا يصح تسمية ما لا يصح تملُّكه كالخمرة ونحوها، وإذا سمّى لها ما لا يصحّ تَملُّكه، فالمشهور بطلان المهر وصحة العقد، وثبوت مهر المثل لها مع الدخول.

____________________

1 - النساء: 4.

2 - النساء: 19.

3 - مَن لا يحضره الفقيه: ج 9، ص 21.

١١٤

ويشترط في المهر أيضاً: أن يكون معلوماً على الصعيد العرفي بشكلٍ من الإشكال كالذهب والفضّة، ويتعيّن على الزوج أقلّ ما يتموّل، بل ( هو كلّما يصح أن يملكه المسلم عيناً كان، أو منفعة لعقار، أو حيوان، أو إنسان؛ للأصل وللروايات المعتبرة المستفيضة في تحديد الصداق بما تراضيا عليه ) (1) ، والأصل: أنّ عقد الزواج لا يُقصد منه المعاوضة التي لابدّ فيها من العلم الرافع للغرر.

و ( كلّ ما جاز ثمناً في البيع أو أجرة في الإجارة من العين والدين والحال والمؤجّل والقليل والكثير، ومنافع الحرّ والعبد وغيرهما، جاز أن يكون صداقاً.

وقد روى الدارقطني بإسناده قال: قال رسول الله (ص): ( أنكِحوا الأيامى وأدّوا العلائق، قيل: ما العلائق يا رسول الله؟ قال: ما تراضى عليه الأهلون، ولو قضيباً من أراك )، ورواه الجورجاني، وبهذا قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة: منافع الحر لا تكون صداقاً؛ لأنّها ليست مالاً، إنّما قال الله تعالى: ( أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ ) ، ولنا قول الله تعالى: ( إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ ) والحديث الذي ذكرناه؛ ولأنّها منفعة يجوز العِوض عنها في الإجارة، فجازت صداقاً كمنفعة العبد، وقولهم: ليست مالاً، ممنوع؛ فإنّها تجوز المعاوضة عنها وبها إن لم تكن مالاً فقد أُجريت مجرى المال في هذا، فكذلك في النكاح ) (2) .

وإذا أهملَ العاقد ذكر المهر ولم يشترط عدمه، ثبتَ للمرأة ( مهر المثل ) مع الدخول.

____________________

1 - الجواهر: ج 31، ص 3.

2 - المغني لابن قدامة: ج 7، ص 139.

١١٥

ومهرُ المِثل: هو ما تعارف عليه الناس من صداق النساء، كما ورد جواب الإمام جعفر بن محمد (ع) عندما سُئِل عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقاً، ثمّ دخلَ بها؟ قال: ( صداق نسائها ) (1) .

و ( المعتبر في مهر المِثل: حال المرأة في الشرف والجمال، وعادة نسائها، والسِن والبكارة والعقل واليسار، والعفّة والأدب وأضدادها، وبالجملة ما يختلف به الغرض والرغبة اختلافاً بيّناً ) (2) .

وإذا طلّقها قبل الدخول، وفي حالة عدم الإشارة إلى المهر في العقد، فليس لها مهر؛ لأنّه لم يُذكر في العقد، ولكن لها هدية يُقدّمها الرجل للمرأة يناسب مع وضعه المالي، سمّاها القرآن ( المتعة )؛ لقوله تعالى: ( لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ ) (3) ، ويشرح هذا النص الشريف حديث للإمام جعفر بن محمد (ع): ( إذا طلّق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فلها نصف المهر، وإن لم يكن لها عدّة، تتزوّج إن شاءت من ساعتها ) (4) .

وأجمعَ الفقهاء على أنّه إذا تزوّجها على كتاب الله وسُنّة نبيه، ولم يُسمّ لها مهراً، فلا تستحقّ مهر المِثل، بل يكون لها مهر السنّة؛ للرواية المروّية عن الإمام (ع) عندما سُئِل عن رجل يتزوج امرأة، ولم يُسمّ لها مهراً، وكان

____________________

1 - الكافي: ج 2، ص 22.

2 - الجواهر: ج 31، ص 52.

3 - البقرة: 236.

4 - مَن لا يحضره الفقيه: ج 2، ص 165.

١١٦

الكلام: أتزوّجكِ على كتاب الله وسنّة نبيه ( ص )، فماتَ عنها، أو أراد أن يدخل بها، فما لها من المهر؟ قال: ( مهر السنّة ) (1) .

ويثبت مهر المِثل في حالات منها:

أولاً: إذا تبيّن فساد العقد لسبب من أسباب التحريم، ولم يكن قد سمّى لها مهراً في متن العقد.

ثانياً: إذا جرى العقد على ما لا يُملك شرعاً.

ثالثاً: إذا أكرَهَ امرأة على الزنا، يثبت لها مهر المثل، ويُقتل الغاصب كما فصّلنا ذلك في كتاب ( الانحراف الاجتماعي وأساليب العلاج في الإسلام ) .

أمّا ( مهر التفويض ): فهو على قسمين:

الأول: تفويض المهر، وهو إجراء العقد وتفويض تعيين المهر للزوج أو الزوجة.

الثاني: تفويض البضع، وهو إجراء العقد من غير ذكر المهر، ولها مهر المِثل مع الدخول.

وفي تفويض المهر، إذا تُركَ التعيين إلى الزوج فللزوجة القبول بحكمه مهما كان مبلغ المهر، وإن كان التعيين لها فعليها أن لا تتجاوز مهر السُنّة، وكيف لم تجز حكمها عليه، وأجزت حكمه عليها؟ قال الإمام (ع): ( لأنّه حكّمها، فلم يكن لها أن تجوز ما سنّ رسول الله (ص)، وتزوّج عليه نساءه، فرددتُها إلى السنّة؛ ولأنها هي حكّمته، وجعلت الأمر إليه في المهر، ورضيت بحكمه في ذلك، فعليها أن تقبل حكمه قليلاً كان أو كثيراً ) (2) .

وإذا اشترطت الزوجة على زوجها شيئاً زائداً يدفعه لأبيها إضافة إلى المهر، ورضي هو بالشرط، كان عليه أن يفي بذلك؛ لأنّ المؤمنين عند شروطهم ما لم تحلِّل حراماً، أو تحرِّم حلالاً.

____________________

1 - التهذيب: ج 2، ص 227.

2 - الكافي: ج 2، ص 21.

١١٧

وهذا الشرط لا ينافي مقتضى العقد، ولا يخالف النصوص الشرعية، أمّا إذا عيّن مبلغ المهر ثمّ عيّن لأبيها مبلغاً آخر، صحّ المهر وسقطَ ما سمّاه لأبيها، ( بلا خلاف، بل عن الغُنية الإجماع عليه، والأصل في ذلك: صحيح الوشا عن الإمام الرضا (ع): ( لو أنّ رجلاً تزوّج امرأة، وجعل مهرها عشرين ألفاً، وجعل لأبيها عشرة آلاف كان المهر جائزاً، والذي جعله لأبيها فاسداً ) (1) .

ولا يجوز للأب أن يأخذ صداق ابنته لأغراضه الشخصية؛ للروايات الواردة عن أئمة أهل البيت (ع)، ومنها رواية عن الرجل يزوِّج ابنته، ألهُ أن يأكل صداقها؟ قال الإمام (ع): ( لا، ليس له ذلك ) (2) .

ويجوز تأجيل المهر أو تعجيله كلاً أو بعضاً، لأجَلٍ معيّن ظاهر كسنة مثلاً، أو لأجَلٍ معيّن غير ظاهر ولكنّه واقع، كأحد الأجَلين: الموت، أو الطلاق.

وإذا كان المهر المسمّى معجّلاً ثمّ رضيت الزوجة بتأجيله إلى أمَد قيل: يجوز لها العدول إذا لم يؤخذ الرضا بالتأجيل شرطاً، فإذا ( أجّل الحال فلا يلزم، كما في: المبسوط، والخلاف، والسرائر، والشرائع، والنافع، والتذكرة، والتبصرة، والتحرير، والإرشاد، والدروس، والميسية، والمسالك، والكفاية، وفي هذا الكتاب أنّه المشهور بين الفقهاء... إذ ليس ذلك بعقد يجب الوفاء، بل وعد يستحبّ الوفاء به، ولا فرق بين أن يكون مهراً أو غيره ) (3) .

والمشهور أنّ المرأة تملك صداقها بالعقد وإن لم يدخل، وتفصيل ذلك: أنّها تملك نصف المهر قبل الدخول، ويثبت لها المهر كاملاً بعد الدخول؛

____________________

1 - الجواهر: ج 31، ص 27.

2 - التهذيب: ج 2، ص 217.

3 - مفتاح الكرامة: ج 5، ص 55.

١١٨

للنص الشريف عن أئمة أهل البيت (ع): ( لا يوجب المهر إلاّ الوقاع في الفرج ) (1) ، و ( هذه الرواية يراد بها نفي احتمال ثبوت المهر كاملاً بالخلوة، وهو غير بعيد؛ لأنّ سياقها يدلّ على ذلك ) (2) .

و ( يستحبّ للرجل أن لا يدخل بامرأته حتى يُقدّم لها مهرها، فإن لم يفعل، قدّم لها شيئاً من ذلك، أو من غيره من الهدية ليستبيح به فرجها، ويجعل الباقي ديناً عليه ) (3) .

ومتى قبضت المهر فلا يحقّ لها الامتناع؛ لأنّ الامتناع يُعدّ نشوزاً تسقط نفقتها معه، وإذا عجزَ الزوج عن المهر فلا يسقط حقّها في النفقة، ولا في الامتناع عنه قبل الدخول؛ لأنّ العجز عن الحقّ لا يُسقطه، بل يوجب العُذر وانتظار الميسرة.

وذهب أكثر الفقهاء أنّ اختلاف الرجل بزوجته مع عدم الدخول، لا أثرَ له على الصداق؛ لقوله تعالى: ( لا جُناحَ عَلَيكُم إنْ طَلَّقتُم النِّساءَ ما لَم تَمَسُّوهُنَّ ) (4) ، والمراد بالمسّ هنا: الوطء بإجماع المفسّرين.

والرواية المروية عن الإمام (ع) حجة أيضاً، عندما سُئِل عن رجل تزوج امرأة، فأغلقَ باباً أو أرخى ستراً، ولمسَ وقبّل، ثمّ طلّقها، أيوجِب عليه الصداق؟ قال: ( لا يوجب الصداق إلاّ الوقاع ) (5) ، وفي رواية أخرى: ( إذا التقى الختانان، وجبَ المهر والعدّة والغُسل ) (6) .

فالأصل الذي يترتب عليه دفع المهر ومراعاة العدّة هو: الدخول وليس مجرّد الاختلاء.

____________________

1 - التهذيب: ج 2، ص 243.

2 - الجواهر: ج31، ص 108.

3 - النهاية: ص 470.

4 - البقرة: 236.

5 - الكافي: ج 2، ص 114.

6 - الكافي: ج 2، ص 114.

١١٩

وإذا تنازع الزوجان على متاع البيت، قبل الطلاق أو بعده، قال أكثر علماء الإمامية: إنّ ما يصلح للرجال من الألبسة ونحوها فهو للزوج مع يمينه، وما يصلح للنساء كحليهنّ وملابسهنّ فهو للزوجة مع يمينها، وما يصلح للاثنين كالأواني والفرش فهو بينهما، ( يحلف كلّ واحد منهما لصاحبه ويكون بينهما نصفين ) (1) .

وقيل أيضاً: بتسلّط اليد، فإن كان لأحد الزوجين يد غالبة على ذلك المتاع كان صاحب اليد منكِراً، والآخر مدّعياً، فإذا تنازعا في حلية استعملتها الزوجة كان القول قولها مع اليمين؛ لتسلّط يدها عليه، لا لأنّها مختصّة بالنساء.

وبالإجمال: فإنّ صداق الزوجة هو جزء لا يتجزّأ من حقوقها المالية، التي تُعتبر ضماناً لاستقلالها المالي في حالات الطلاق، أو وفاة الزوج، أو حتى في الحالات الطبيعية مع وجود الزوج.

ولا شك أنّ هذا الاستقلال المالي يحفظ للزوجة شخصيتها وكيانها، على عكس الزوجة في النظام الغربي التي لا تستلم شيئاً من المال خلال إجراء العقد، ممّا تضطرّ إلى العمل خارج البيت لإنشاء كيانها المالي المستقل.

____________________

1 - المبسوط: ج 8، ص 310.

١٢٠