شيعة هم اهل السنّة

شيعة هم اهل السنّة0%

شيعة هم اهل السنّة مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 327

شيعة هم اهل السنّة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدكتور محمد التيجاني السماوي
تصنيف: الصفحات: 327
المشاهدات: 73090
تحميل: 3039

توضيحات:

شيعة هم اهل السنّة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 327 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 73090 / تحميل: 3039
الحجم الحجم الحجم
شيعة هم اهل السنّة

شيعة هم اهل السنّة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

تعليق لابد منه لفائدة البحث والتحقيق

يلاحظ المتتبع لهذه المقابلة الودية التي جمعت بين الإمام مالك والخليفة الجائر أبي جعفر المنصور، ومن خلال المحاورة التي دارت بينهما نستنتج الأمور التالية:

* أولاً: نلاحظ بأن الخليفة العباسي عزل واليه على المدينة وهو ابن عمه وأقرب الناس إليه، وأهانه الإهانة بعد عزله، ثم يعتذر للإمام مالك عما صدر عنه ويقسم بالله أنه لم يكن بأمره ولا بعلمه ولم يرضه عندما بلغه.

كل ذلك يدل على الوفاق التام الذي كان بين الرجلين، والمكانة التي كان يخظى بها الإمام مالك عند أبي جعفر المنصور، إلى درجة أنه يستقبله على انفراد بلباس داخلي، ويجلسه مجلساً لم يجلس فيه أحد قط حتى ان ابن الخليفة فزع وتقهقر عندما رأى ركبتي مالك لاصقة بركبتي أبيه.

* ثانياً: نستفيد من قول المنصور لمالك: لا يزال أهل الحرمين بخير ما كمنت بين أظهرهم، وإنك أمان لهم من عذاب الله وإن الله دفع بك عنهم وقعة عظيمة، بأن أهل الحرمين أرادوا الثورة على الخليفة وحكمه الظالم فهداهم الإمام مالك وأحمد ثورتهم ببعض الفتاوى كالقول بوجوب الطاعة لله ورسوله وأولي الأمر ( وهو الحاكم ) وبذلك استكان الناس

____________________

(١) تاريخ الخلفاء لابن قتيبة الجزء الثاني ص ١٥٠.

١٠١

وهدأوا فلم بقتالهم الخليفة، ودفع الله بتلك الفتوى مجزرة الخليفة(١) . ولذلك قال المنصور لمالك: إن أهل الحرمين أسرع الناس إلى الفتن وأضعفهم عنها قاتلهم الله أنى يؤفكون.

* ثالثاً: إن الخليفة كان يرشح مالكاً ليكون هو العالم المنظور إليه في كل الأقطار الإسلامية، ثم يفرض مذهبه على الناس ويحملهم على اتباعه بوسائل الترهيب والترغيب. فمن وسائل الترغيب قوله: ونعهد إلى أهل الأمصار أن لا يخالفوها ولا يقضوا بسواها، وأن يوفدوا إليه وفودهم ويرسلوا إليه رسلهم في أيام حجهم. ومن وسائل الترهيب قوله: أما أهل العراق فيحملون عليه ونضرب عليه هاماتهم بالسيف ونقطع طي ظهورهم بالسياط. ونفهم من هذه الفقرة ماذا كان يلاقيه الشيعة المساكين من حكام الجور من اضطهاد وقتل لحملهم على ترك الأئمة من أهل البيت وأتباع مالك وأمثاله.

* رابعاً: نلاحظ بأن الإمام مالكاً وجعفر المنصور كانا يحملان نفس العقائد ونفس المفاضلة بخصوص الصحابة والخلفاء الذين استولوا على الخلافة بالقوة والقهر. قال مالك في ذلك: ثم فاتحني في العلم والفقه فوجدته أعلم الناس، ثم فاتحني فيمن مضى من السلف والعلماء فوجدته أعلم الناس بالناس. ولا شك بأن أبا جعفر المنصور بادل الإمام مالكاً نفس الشعور وأطراه بنفس الإطراء، إذ قال له مرة لقاء قبل هذا: وأيم الله ما أجد بعد أمير المؤمنين أعلم منك ولا أفقه(٢) ويقصد بأمير المؤمنين ( نفسه، طبعا ).

____________________

(١) ولا تناقض بين فتواه بفساد بيعة الإكراه وفتواه بوجوب طاعة السلطان وقد رووا في ذلك أحاديث كثيرة أذكر منها على سبيل المثال: « من خرج على طاعة السلطان فمات على ذلك مات ميتة جاهلية » وكقولهم: « عليك بالسمع والطاعة ولو أخذ الأمير مالك وضرب ظهرك ».

(٢) تاريخ الخلفاء لابن قتيبة ج ٢ ص ١٤٢.

١٠٢

ومما سبق نفهم بأن الإمام مالكاً كان من النواصب، إذ أنه لم يكن يعترف بخلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أبداً وقد أثبتنا في ما تقدم بأنهم أنكروا على أحمد بن حنبل الذي ربع الخلافة بعلي وأوجب له ما يجب للخلفاء قبله، وغني عن البيان بأن مالكاً هلك قبل مولد ابن حنبل بكثير.

أضف إلى ذلك أن مالكاً اعتمد في نقل الحديث على عبد الله بن عمر الناصبي الذي كان يحدث بأنهم لا يعدلون في زمن النبي بأبي بكر أحداً ثم عمره، ثم عثمان، ثم الناس بعد ذلك سواسية. وعبد الله بن عمر هو أشهر رجال مالك وأغلب أحاديث الموطأ تعود إليه وكذلك فقه مالك.

* خامساً: نلاحظ بأن السياسة التي قامت على الظلم والجور تريد أن تتقرب إلى الناس بما يرضيهم من الفتاوى التي ألفوها ولا تكلفهم الالتزام بالنصوص القرآنية أو النبوية. فقد جاء في كلام المنصور لمالك قوله: ضع هذا العلم ودون منه كتباً وتجنب شدائد عبد الله بن عمر ورخص ابن عباس وشواذ ابن مسعود، واقصد إلى أواسط الأمور وما اجتمع عليه الأئمة والصحابة لنحمل الناس على علمك وكتبك. ومن هذا يتبين لنا بوضوح بأن مذهب « أهل السنة والجماعة » هو خليط من شدائد ابن عمر ورخص ابن عباس وشواذ ابن مسعود وما استحسنه مالك من أواسط الأمور التي كان عليها الأئمة والمقصود بهم «أبو بكر وعمر وعثمان » وما اجتمع عليه الصحابة الذين رضي عنهم الخليفة أبو جعفر المنصور.

وليس فيه شيء من سنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي تروى عن الأئمة الطاهرين من عترته، والذين عاصر المنصور ومالك البعض منهم، وعمل الخليفة عل عزلهم وخنق أنفاسهم.

* سادساً: يلاحظ أن أول كتاب كتب في تدوين السنة من أحاديث الصحابة والتابعين هو كتاب الموطأ للإمام مالك، وكان يطلب من السلطة

١٠٣

على لسان الخليفة نفسه لكي يحمل الناس عليه قهراً بضرب السيوف إن لزم ذلك كما صرح المنصور. فلابد أن تكون تلك الأحاديث من وضع الأمويين والعباسين والتي تخدم مصالحهم وتقوي نفوذهم وسلطانهم، وتبعد الناس عن حقائق الإسلام التي صدع بها نبي الرحمةصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

* سابعاً: نلاحظ بأن الإمام مالكاً ما كان يخشى إلا من أهل العراق ؛ لأنهم كانوا شيعة لعلي بن أبي طالب، وقد تشبعوا بعلمه وفقهه وانقطعوا في تقليدهم للأئمة الطاهرين من ولده فلم يقيموا وزناً لمالك ولا لأمثاله لعلمهم بأن هؤلاء نواصب يتزلفون للحكام ويبيعون دينهم بالدرهم والدينار. ولذلك قال مالك للخليفة: أصلح الله الأمير إن أهل العراق لا يرضون علمنا، ولا يرون في عملهم رأينا. فيجيبه المنصور بكل غطرسة: يحملون عليه ونضرب عليه هاماتهم بالسيف، ونقطع طي ظهورهم بالسياط. وبهذا نفهم كيف انتشرت المذاهب التي ابتدعتها السلطات الحاكمة وسمتها بمذاهب « أهل السنة والجماعة ». والأمر العجيب في كل ذلك أنك ترى أبا حنيفة يخالف مالكاً، ومالكاً يخالفه، والاثنين يخالفان الشافعي والحنبلي، وهذان يختلفان ويخالفان الاثنين، وليس هناك مسألة فيها اتفاق الأربعة إلا نادراً، ومع ذلك فكلهم «أهل سنة وجماعة ». أي جماعة هذه ؟ مالكية، أم حنفية، أم شافعية، أم حنبلية ؟ ؟ فلا هذا ولا ذاك، وإنما هي جماعة معاوية بن أبي سفيان وهم الذين وافقوه على لعن علي بن أبي طالب وجعلوها سنة متبعة ثمانين عاماً. ولماذا يسمح بالخلاف وتعدد الآراء والفتيا في المسألة الواحدة ويصبح خلافهم رحمة ما دام مقصوراً على المذاهب الأربعة، فإذا خالفهم مجتهد آخر كفروه وأخرجوه عن الإسلام ؟

١٠٤

ولماذا لا يحمل خلاف الشيعة لهم كالخلاف فيما بينهم لو كانوا منصفين وعاقلين ؟ ولكن ذنب الشيعة لا يغتفر ؛ لأنهم لا يقدمون على علي أمير المؤمنين أحداً من الصحابة، وهذا هو جوهر الخلاف الذي لا يتحمله « أهل السنة والجماعة » الذين اتفقوا على شيء واحد ألا وهو إقصاء علي عن الخلافة وطمس فضله وحقائقه.

* ثامناً: نلاحظ بأن الحكام الذين استولوا على أموال المسلمين بالقهر والقوة، نراهم يوزعون هذه الأموال بسخاء على علماء السوء والمتزلفين إليهم لاستمالتهم وشراء ضمائرهم ودينهم بدنياهم. قال مالك: ثم أمر لي بألف دينار عيناً ذهباً وكسوة عظيمة وأمر لابني بألف دينار. فهذا ما اعترف به مالك على نفسه وقد يكون ما لم يحدث به أكثر من ذلك بكثير ؛ لأن مالكاً كان يشعر بالحرج من العطايا الظاهرة فكان لا يجب أن يراها الناس، نفهم ذلك من قوله:

فلما وضع الخصي الكسوة على منكبي انحنيت عنها كراهة احتمالها وتبرؤا من ذلك. ولما عرف المنصور منه ذلك أمر الخصي أن يبلغها رحل أبي عبد الله مالك حتى لا يعرف الناس عنه ذلك.

١٠٥

إختبار الحاكم العباسي لعلماء عصره

كان الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور من الدهاة الكبار وقد عرف كيف يستولي على عقول الناس ويشتري ضمائرهم، وقد عمل على بسط نفوذه وتوسيع دائرة ملكه بوسائل الترغيب والترهيب. كما عرفنا مكره ودهاءه من خلال تعامله مع مالك بعد ما ضربه والي المدينة، مما يدلنا على الصلة الوثيقة التي تربطه بالإمام مالك قبل تلك الواقعة بزمن طويل.

فقد كان لمالك لقاء مع المنصور قبل هذا اللقاء الذي ذكرناه بخمسة عشر عاماً وذلك إبان استيلاء المنصور على الخلافة(١) . وقال المنصور لمالك فيما قال: « يا أبا عبد الله إني رأيت رؤيا!» فقال مالك: يوفق الله أمير المؤمنين إلى الصواب من الرأي ويلهمه الرشاد من القول، فما رأى أمير المؤمنين ؟

فقال أبو جعفر: رأيت أني أجلسك في هذا البيت، فتكون من عمار بيت الله الحرام، وأحمل الناس على علمك، وأعهد إلى أهل الأمصار يوفدون إليك وفودهم، ويرسلون إليك رسلهم في أيام حجهم لتحملهم من أمر دينهم على

____________________

(١) يذكر ابن قتيبة في تاريخ الخلفاء ج ٢ ص ١٥٠ بأن اللقاء الأول كان في سنة ١٤٨ للهجرة أما اللقاء الثاني الذي كان في موسم الحج فهو في سنة ١٦٣ للهجرة.

ونحن نقول بأن مالكاً كان دائم اللقاء بالخليفة وإنما ذكر ابن قتيبة هذين اللقاءين ؛ لأن مالكاً رواهما بنفسه ولأن فيهما أموراً مهمة، فليس من المعقول أن يجتمع الخليفة مع مفتي الدولة مرة كل خمسة عشر عامً !

١٠٦

الصواب والحق إن شاء الله، وإنما العلم علم أهل المدينة، وأنت أعلمهم …(١) . يقول ابن قتيبة لما ولي أبو جعفر المنصور الخلافة جمع مالك بن أنس وابن أبي ذؤيب وابن سمعان في مجلس واحد وسألهم: أي الرجال أنا عندكم ؟ أمن أئمة العدل أم من أئمة الجور ؟ قال مالك، فقلت: يا أمير المؤمنين، أنا متوسل إليك بالله تعالى وأتشفع إليك بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقرابتك منه، إلا ما أعفيتني من الكلام في هذا. قال: قد أعفاك أمير المؤمنين.

أما ابن سمعان فقال له: أنت والله خير الرجال يا أمير المؤمنين، تحج بيت الله الحرام، وتجاهد العدو، وتؤمن السبل، ويأمن الضعيف بك أن يأكله القوي، وبك قوام الدين، فأنت خير الرجال وأعدل الأئمة.

أما ابن أبي ذؤيب فقال له: أنت والله عندي شر الرجال استأثرت بمال الله ورسوله، وسهم ذوي القربى واليتامى والمساكين، وأهلكت الضعيف، وأتعبت القوي، وأمسكت أموالهم، فما حجتك غداً بين يدي الله ؟

فقال له أبو جعفر: ويحك ما تقول ؟ أتعقل ؟ أنظر ما أمامك ؟

قال: نعم قد رأيت أسيافاً، وإنما هو الموت، ولابد منه عاجله خير من آجله.

وبعد هذه المحاورة طرد المنصور ابن أبي ذؤاب وابن سمعان، واختل بمالك وحده وأمنه وقال له:

يا أبا عبد الله، انصرف إلى مصرك راشداً مهدياً، وإن أحببت ما عندنا، فنحن لا نؤثر عليك أحداً ولا تعدل بك مخلوقاً.

قال: ثم بعث أبو جعفر المنصور من الغد لكل واحد منهم صرة فيها خمسة آلاف دينار مع أحد شرطته وقال له:

____________________

(١) تاريخ الخلفاء لابن قتيبة ج ٢ ص ١٤٢.

١٠٧

تدفع لكل رجل منهم صرة، أما مالك بن أنس إن أخذها فبسبيله، وإن ردها فلا جناح عليه فيما فعل. وأما ابن أبي ذؤيب فائتني برأسه إن أخذها، وإن ردها عليك، فبسبيله لا جناح عليه. وإن يكن ابن سمعان ردها فأنت برأسه، وإن أخذها فهي عافيته. قال مالك: فنهض بها إلى القوم، فأما ابن سمعان فأخذها فسلم، وأما ابن أبي ذؤيب فردها فسلم، وأما أنا فكنت والله محتاجاً إليها فأخذتها(١) . ونلاحظ من هذه القصة بأن مالكاً يعرف جور الخليفة وظلمه، ولكنه وللعلاقة الودية التي كانت بينه وبين المنصور فقد ناشده بمحمد وقرابته منه. وهذا ما كان يعجب الحكام العباسيين ويهمهم في ذلك العصر، وهو أن يعظمهم الناس ويمجدونهم بقرابتهم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولذلك فهم الخليفة قصد مالك فأعجبه ذلك وأعفاه من الكلام.

أما الثاني وهو ابن سمعان فقد أطراه بما ليس فيه مخافة القتل إذ كان السياف واقفاً ينتظر إشارة الخليفة.

أما الثالث وهو ابن أبي ذؤيب فكان شجاعاً، لا يخشى في الله لومة لائم وكان مؤمناً مخلصاً وصادقاً ناصحاً لله ولرسوله ولعامة المسلمين، فجابهه بحقيقة أمره وكشف عن زيفه ومغالطته، وعندما هدده بالقتل رحب به ولم يخف منه. ولذلك نرى أن الخليفة امتحن الرجلين بالأموال الطائلة، وأعفى الإمام مالكاً من ذلك الامتحان، فهو سالم في الحالتين إن أخذها أو ردها. أما ابن أبي ذؤيب فيقطع رأسه إن أخذها وكذلك ابن سمعان بقطع رأسه إن ردها. ولما كان أبو جعفر المنصور داهية عظمى تراه عمل على رفع مكانة مالك

____________________

(١) تاريخ الخلفاء لابن قتيبة ج ٢ ص ١٤٤.

١٠٨

وفرض مذهبه، وقضى على مذهب ابن أبي ذؤيب بالرغم من أن ابن أبي ذؤيب كان أعلم من مالك وأفضل منه كما اعترف بذلك الإمام أحمد بن حنبل(١) . كما أن ليث بن سعد كان أفقه من مالك، كما اعترف بذلك الإمام الشافعي(٢) . والحقيقة في ذلك العصر أن الإمام جعفر الصادق كان أفضل وأعلم وأفقه منهم جميعاً وقد اعترفوا كلهم بذلك(٣) ، وهل يتجرأ أحد من الأمة أن يباريه في علم أو في عمل، في فضل أو في شرف، وجده علي بن أبي طالب هو أفضل وأعلم وأفقه من الخلق كلهم بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

ولكن السياسة هي التي ترفع قوماً وتضع آخرين والمال هو الذي يقدم قوماً ويؤخر آخرين. والذي يهمنا في هذا البحث هو أن نبين بالأدلة الواضحة والحجج الدامغة بأن المذاهب الأربعة ل- « أهل السنة والجماعة » هي مذاهب ابتدعتها السياسة وفرضتها على الناس بوسائل الترهيب والترغيب والدعابة، فالناس على دين ملوكهم. ومن أراد مزيداً من البيان والتحقيق فعليه بقراءة كتاب « الإمام الصادق والمذاهب الأربعة » للشيخ أسد حيدررحمه‌الله وهناك سيعرف ما حضي به الإمام مالك من الجاه والسلطان حتى أن الإمام الشافعي كان يتوسل بوالي المدينة كي يدخل على مالك فيقول له الوالي: « أفضل المشي راجلاً من المدينة إلى مكة أهون علي من الوقوف على باب مالك ؛ لأني لا أشعر بالذلة إلا عند الوقوف على بابه ».

____________________

(١) تذكرة الحفاظ ج ١ ص ١٧٦.

(٢) مناقب الشافعي ص ٥٢٤.

(٣) قد مر عليك قول مالك: ما رأت عين ولا سمعت أنذ ولا خطر على قلب بشر أفقه من جعفر بن محمد الصادق.

١٠٩

وهذا أحمد أمين المصري يقول في كتابه ظهر الإسلام: « كان للحكومات دخل كبير في نصرة مذهب أهل السنة، والحكومات عادة إذا كانت قوية وأيدت مذهبا من المذاهب تبعه الناس بالتقليد، وظل سندا إلى أن تداول الدولة »(١) .

ونحن نقول بأن مذهب الإمام جعفر الصادق وهو مذهب أهل البيت إذا جاز لنا تسميته بالمذهب جرياً على عادة المسلمين وإلا فإنه الإسلام الصحيح الذي جاء به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لم يؤيده أي حاكم ولم تعترف به أية سلطنة، بل عمل كل الحكام على إسقاطه والقضاء عليه وتنفير الناس منه بشتى الوسائل.

فإذا شق تلك الظلمات الحالكة وكان له أتباع وأنصار عبر القرون الظالمة فذلك من فضل الله تعالى على المسلمين ؛ لأن نور الله لا تطفئه الأفواه، ولا تقضي عليه السيوف ولا تبطله الدعايات الكاذبة والإشاعات المغرضة لئلا يكون للناس على الله حجة أو يقولوا إنا كنا عن هذا غافلين.

والذين اقتدوا بأئمة الهدى من العترة الطاهرة، كانوا ثلة قليلة يعدون على الأصابع بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتكاثروا على مر التاريخ والعصور ؛ لأن الشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، وما كان لله دام واتصل. وقد حاولت قريش القضاء على محمد في بداية الدعوة، ولما عجزت عن ذلك بفضل الله وفضل أبي طالب وعلي الذين كانا يفديانه بنفسيهما سلت قريش نفسها بأن محمداً أبتر ليس له عقب إذا مات انقطع نسله وانتهى أمره، فصبروا على مضض. ولكن رب العالمين أعطاه الكوثر وأصبح محمد جد الحسنين وبشر المؤمنين بأنهما إمامان إن قاما وإن قعدا، وبأن الأئمة كلهم من ذرية الحسين، وهذا كله يهدد مصالح قريش ومستقبلها.

وهذا لم يعجب قريش فثارت ثائرتها بعد وفاة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحاولت القضاء

____________________

(١) كتاب ظهر الإسلام ج ٤ ص ٩٦.

١١٠

على عترته كلها فأحاطوا بيت فاطمة بالحطب ولولا استسلام علي وتضحيته بحقه في الخلافة ومسالمته لهم، لقضي عليهم، وانتهى أمر الإسلام من ذلك اليوم. وسكتت قريش وهدأ روعها ما دامت هي الحاكمة وليس في نسل محمد من يهدد مصالحها، وبمجرد ما رجعت الخلافة لعلي اشعلت قريش ضده الحروب الطاحنة ولم تهدأ حتى قضت عليه، وأرجعت الخلافة إلى أخبث بطن من بطونها فأصبحت ملكية قيصرية يعهد بها الآباء إلى أبنائهم، وعندما رفض الحسين مبايعة يزيد قريش هبت قريش عند ذلك، وثارت ثورتها العارمة للقضاء نهائياً على العترة النبوية وكل شيء اسمه نسل محمد بن عبد الله.

فكانت مذبحة كربلاء والتي قتلوا فيها ذرية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما في ذلك الصبيان والرضع وأرادوا اجتثاث شجرة النبوة بكل فروعها، ولكن الله سبحانه وتعالى أنجز وعده لمحمد فأنقذ علي بن الحسين وأخرج من صلبه بقية الأئمة وملئت الأرض بنسله شرقاً ومغرباً، وكان الكوثر. فما من بلد ولا قرية ولا بقعة من الأرض إلا لنسل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها وجود وأثر وعند الناس لهم فيها احترام ومودة.

وها نحن اليوم وبعد كل المحاولات التي باءت بالفشل، أصبح عدد نفوس الشيعة الجعفرية وحدهم يبلغ ٢٥٠ مليون مسلم في العالم كلهم يقلدون الأئمة الاثني عشر من عترة النبي ويتقربون إلى الله بمودتهم وموالاتهم ويرجون شفاعة جدهم. ولن تجد مثل هذا العدد في أي مذهب من المذاهب الأخرى إذا أخذنا كل مذهب على انفراد رغم تأييد الحكام وقرضهم.( وَ يَمْکُرُونَ وَ يَمْکُرُ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَيْرُ الْمَاکِرِينَ ) ( الانفال: ٣٠ ).

ألم يأمر فرعون بذبح كل مولود من الذكور في بني اسرائيل عندما أخبره المنجمون بأن مولوداً في الإسرائيليين يهدد بزوال ملكه ؟ ولكن خير الماكرين أنفذ

١١١

موسى من مكر فرعون وأوصله حتى تربى في حجر فرعون نفسه وقوض ملكه وأهلك حزبه وكان أمر الله مفعولاً. ألم يعمل معاوية ( فرعون زمانه ) على لعن علي وقتله وقتل أولاده وشيعته ؟ ألم يحرم أن يذكره ذاكر بفضيلة ؟ ألم يحاول بكل مكره على إطفاء نور الله وإرجاع الأمر إلى الجاهلية ؟ ولكن خير الماكرين رفع ذكر علي رغم أنف معاوية وحزبه وأصبح ذكر علي يلهج به المسلمون سنة وشيعة بل حتى النصارى واليهود، وأصبح قبر علي مزاراً بعد قبر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يطوف حول ضريحه ملايين المسلمين يذرفون الدموع ويتقربون إلى الله به وتعلو مقامه قية ومآذن ذهبية شامخة في السماء تأخذ بالأبصار.

بينما خمد ذكر معاوية الأمبراطور الذي ملك الأرض وعاث فيها فساداً فهل تجد له ركزاً ؟ أم تجد له مزاراً يذكر غير مقبرة مظلمة ومهملة ؟ فإن للباطل جولة وللحق دولة فاعتبروا يا أولي الألباب. والحمد لله على هدايته، الحمد لله الذي عرفنا بأن الشيعة هم على سنة الرسول فهم أهل السنة النبوية ؛ لأنهم اقتدوا بأهل البيت، وأهل البيت أدرى بما فيه، وهم الذين اصطفاهم الله وأورثهم علم الكتاب. كما عرفنا بأن « أهل السنة والجماعة » قد اتبعوا بدع الحكام من السلف والخلف كما أنهم لا حجة لهم فيما يدعونه.

١١٢

حديث الثقلين عند الشيعة

ومما يدل على أن الشيعة هم اتباع السنة النبوية الصحيحة هو ما يروى عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حديث الثقلين وقوله: ( إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً، فلا تتقدموهم فتهلكوا، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم(١) وفي بعض الروايات: ( وإن اللطيف الخبير أنبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ).

وحديث الثقلين هذا أخرجه « أهل السنة والجماعة » في أكثر من عشرين مصدراً من صحاحهم ومسانيدهم، كما أخرجه الشيعة في كل كتب الحديث. وهو كما ترى صريح صراحة لا مزيد عليها بأن « أهل السنة والجماعة» ضلوا ؛ لأنهم لم يتمسكوا بهما معاً وهلكوا ؛ لأنهم تقدموا على أهل البيت وظنوا بأن أبا حنيفة ومالكاً والشافعي وابن حنبل أعلم من العترة الطاهرة فقلدوهم وتركوا العترة الطاهرة.

على أن قول بعضهم بأنهم تمسكوا بالقرآن لا دليل عليه ؛ لأن القرآن كله عمومات وليس فيه تفاصيل الأحكام، وهو حمال اوجه ولا بد له من مبين ومفسر كما هو الحال بالنسبة للسنة النبوية التي تتطلب رواة ثقات ومفسرين عالمين.

____________________

(١) صحيح الترمذي وصحيح مسلم ومستدرك الحاكم ومسند أحمد بن حنبل وكنز العمال وخصائص النسائي وطبقات ابن سعد والطبراني والسيوطي وابن حجر وابن الأثير. ولمعرفة عدد الأجزاء والصفحات يراجع كتاب المراجعات ص ٨٢ وما بعدها.

١١٣

وليس هناك حلّ لهذا المشكل إلا بالرجوع لأهل البيت أعني الأئمة من العترة الطاهرة الذين أوصى بهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وإذا أضفنا إلى حديث الثقلين المتقدم أحاديث أخرى لها نفس المعنى وترمي إلى نفس الهدف كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض )(١) وقوله أيضاً:

( علي مع الحق والحق مع علي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض يوم القيامة )(٢) تأكد لدينا ولدى كل باحث بأن من ترك علياً فقد ترك التفسير الحقيقي لكتاب الله تعالى، ومن ترك علياً فقد نبذ الحق وراء ظهره واتبع الباطل فليس بعد الحق إلا الضلال.

وتأكد لدينا أيضاً بأن « أهل السنة والجماعة » تركوا القرآن والسنة النبوية بتركهم الحق وهو علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، كما تأكدت نبوة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله بأن أمته ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في الضلالة إلا فرقة واجدة. وهذه الفرقة الناجية هي التي اتبعت الحق والهدى باتباعها للإمام عليعليه‌السلام ، فحاربوا حربه وسالموا سلمه واقتدوا به في علمه وتمسكوا بالأئمة الميامين من ولده.

( أُولٰئِکَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ ذٰلِکَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ) ( البينة: ٧ - ٨ ).

____________________

(١) أخرجه الحاكم في المستدرك ج ٣ ص ١٢٤ والذهبي في تلخيصه.

(٢) منتخب كنز العمال ج ٥ ص ٣٠ تاريخ ابن عساكر ج ٣ ص ١١٩.

تاريخ بغداد ج ١٤ ص ٣٢١، تاريخ الخلفاء لابن قتيبة ج ١ ص ٧٣.

١١٤

حديث الثقلين عند « أهل السنة »

كما قدمنا فإن نفس الحديث الذي ذكرناه في الفصل السابق، هو الذي أخرجه علماء « أهل السنة والجماعة » واعترفوا بصحته في أكثر من عشرين مصدراً من مصادرهم المشهورة. وإذا اعترفوا بصحة الحديث فقد شهدوا على أنفسهم بالضلالة ضمنياً ؛ لأنهم لم يتمسكوا بالعترة الطاهرة واعتنقوا مذاهب واهية ما أنزل الله بها من سلطان ولا وجود لها في السنة النبوية. والعجيب من علماء « أهل السنة » اليوم وبعد انقراض بني أمية وهلاكهم، وفي عصر كثر فيه الاتصال المباشر وتوفرت فيه وسائل البحوث العلمية، فكيف لا يتوبرون ويرجعون إلى الله من قريب كي يشملهم قوله سبحانه وتعالى:( وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى‌ ) ( طه:٨٢).

وإذا كان الناس في القرون الخالية زمن الخلافة مكرهين على اتباع السلطان بالقهر والقوة، فما هو عذرهم اليوم، والسلطان في كل البلاد لا يهمه من أمر الدين شيئاً ما دام عرشه مضموناً وهو يتبجح بالديمقراطية وبحقوق الإنسان التي من ضمنها حرية الفكر والعقيدة ؟ بقي هناك من علماء « أهل السنة » المعترضون على حديث الثقلين المذكور ،

١١٥

بحديث « تركت فيكم كتاب الله وسنتي »(١) . وأقل ما يقال في هؤلاء: إنهم بعيدون عن مقاييس العلم وأصول البحث والمعرفة، وإثبات الحجة والدليل.

____________________

(١) قلنا في ما سبق من الأبحاث بأن حديث « كتاب الله وسنتي » هو حديث مرسل غير مسند ولم يخرجه الصحاح، بينما حديث « كتاب الله وعترتي » هو حديث صحيح ومتواتر أخرجه كل الصحاح عند السنة والشيعة.

١١٦

كتاب الله وعترتي، أو كتاب الله وسنتي ؟ قد وافينا البحث في هذا الموضوع في كتاب « مع الصادقين » وقلنا باختصار بأن الحديثين لا يتناقضان ؛ لأن السنة النبوية الصحيحة محفوظة عند العترة الطاهرة من أهل البيتعليهم‌السلام ، وأهل البيت أدرى بما فيه وعلي بن أبي طالب هو باب السنة النبوية وهو أولى أن يكون راوية الإسلام من أبي هريرة ومن كعب الأحبار ووهب بن منبه. ومع ذلك لابد من مزيد البيان والتوضيح، ولو أدى ذلك إلى التكرار فإن في الإعادة إفادة، ولعل بعضهم لم يقرأوه هناك فإنهم سيطلعون عليه هنا بمزيد من التفصيل والإيضاح.

ولعل القراء الكراميجدون في هذا البحث ما يقنعهم بأن حديث «كتاب الله وعترتي » هو الأصل، وإنما عمد الخلفاء على إبداله بحديث «كتاب الله وسنتي » ليبعدوا بذلك أهل البيت عن مسرح الحياة. ولابد من الملاحظة بأن حديث « كتاب الله وسنتي » لا يصح حتى عند «أهل السنة والجماعة » ؛ لأنهم رووا في صحاحهم بأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهاهم عن كتابتها، إذا كان حديث النهي صحيحاً، فكيف يجوز للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقول: تركت فيكم سنتي وهي غير مكتوبة ولا معلومة ؟ ؟ ! ثم لو كان حديث « كتاب الله وسنتي » صحيحاً، فكيف جاز لعمر بن الخطاب أن يرد على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقول: حسبنا كتاب الله ؟ !

١١٧

وإذا كان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ترك سنة مكتوبة، فكيف جاز لأبي بكر وعمر حرقها ومنعها من الناس ؟ ! وإذا كان حديث « كتاب الله وسنتي » صحيحاً، فلماذا يخطب أبوبكر بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقول: لا تحدثوا عن رسول الله شيئاً، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه(١) ؟ ! وإذا كان حديث « كتاب الله وسنتي » صحيحاً، فلماذا خالفها أبو بكر في قتال مانعي الزكاة وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من قال لا إله إلا لله عصم مني دمه وماله وحسابه على الله ؟ !

وإذا كان حديث « كتاب الله سنتي » صحيحاً، فكيف جاز لأبي بكر وعمر ومن وافقهما من الصحابة أن يستبيحوا حرمة الزهراء ويهجموا على بيتها مهددين بحرقها بمن فيها، ألم يسمعوا قول النبي فيها: ( فاطمة بضعة مني من أغضبها فقد أغضبني ومن أذاها فقد أذاني ؟ ) بلى والله لقد سمعوها ووعوها، ألم يسمعوا قول الله تعالى:( قُلْ لاَ أَسْأَلُکُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (الشورى: ٢٣) التي نزلت فيها وفي بعلها وولديها ؟ فهل كانت مودة أهل البيت هي ترويعهم وتهديدهم بالحرق، وضغط الباب على بطن فاطمة حتى أسقطت جنينها بأبي هي وأمي؟؟!

وإذا كان حديث « كتاب الله وسنتي » صحيحاً، فكيف استحل معاوية والصحابة الذين بايعوه وساروا في ركابه أن يلعنوا علياً ويسبوه على المنابر طيلة حكم بني أمية، ألم يسمعوا أمر الله لهم بأن يصلوا عليه كما يصلون على النبي ؟ ألم يسمعوا قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله )(٢) ؟ ! وإذا كان حديث « كتاب الله وسنتي » صحيحاً، فلماذا غابت هذه السنة على

____________________

(١) تذكرة الحفاظ للذهبي ج ١ ص ٣.

(٢) سمتدرك الحاكم ج ٣ ص ١٢١ قال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٧٣ خصائص النسائي ص ٢٤. المناقب للخوارزمي ص ٨٢.

١١٨

أكثر الصحابة فجهلوها وأفتوا في الأحكام بآرائهم، وكذلك فعل أئمة المذاهب الأربعة الذين التجأوا للقياس والاجتهاد، والإجماع وسد باب الذرائع، والمصالح المرسلة والاستصحاب وصوافي الأمراء وأخف الضررين وغير ذلك(١) ؟ ! فإذا كان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد ترك « كتاب الله وسنة نبيه » ليعصمان الناس من الضلالة، فلا داعي لكل هذه الأمور التي ابتدعها « أهل السنة والجماعة » فكل بدعة وضلالة وكل ضلالة في النار كما جاء في الحديث الشريف... ! ثم إن العقلاء وأهل المعرفة، يلقون باللوم على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي أهمل سنته ولم يعتن بها ولم يأمر بتدوينها وحفظها ومن ثم صيانتها من التحريف والاختلاف والوضع والاختلاق، ثم يقول للناس: ( إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي، كتاب الله وسنتي ) !

أما إذا قيل لهؤلاء العقلاء بأنه نهاهم عن كتابتها فسيكون عند ذلك هزؤاً ؛ لأن ذلك ليس من أفعال الحكماء، إذ كيف ينهى المسلمين عن كتابة سنته، ثم يقول لهم: تركت فيكم سنتي ؟ ؟ ! أضف إلى كل ما تقدم بأن كتاب الله المجيد، إذا أضفنا إليه السنة النبوية التي كتبها المسلمون عبر القرون، فإن فيها الناسخ والمنسوخ وفيها الخاص والعام وفيها المحكم والمتشابه، فهي شقيقة القرآن، غير أن القرآن كله صحيح ؛ لأن الله سبحانه تكفل بحفظه ولأنه مكتبوب، أما السنة ففيها المكذوب أكثر من الصحيح، فالسنة النبوية هي قبل كل شيء محتاجة إلى المعصوم الذي يدل على صحيحها ويطرح كل ما وضع فيها، وغير المعصوم لا يقدر على شيء من ذلك ولو كان عالماً علامة.

كما أن « القرآن والسنة » معاً يفترقان إلى عالم متبحر عارف بكل أحكامهما مطلع على أسرارهما، لكي يبين للناس من بعد النبي ما اختلفوا فيه وما جهلوه.

____________________

(١) جامع بيان العلم ج ٢ ص ١٧٤.

١١٩

ألم تر أن الله سبحانه أشار إلى أن القرآن الكريم يفتقر إلى مبين، فقال جل وعلا:( وَ أَنْزَلْنَا إِلَيْکَ الذِّکْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) ( النحل: ٤٤ ) ؟ فلو لم يكن النبي يبين للناس ما نزل إليهم، لم يكونوا ليعرفوا أحكام الله ولو نزل القرآن بلغتهم ! وهذا أمر بديهي يعرفه كل الناس، ورغم نزول القرآن بفرائض الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، فالمسلمون في حاجة لبيان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو الذي أوضح كيفية أداء الصلاة، ومقدار نصاب الزكاة، وأحكام الصوم، ومناسك الحج، ولولاه لما عرف الناس من ذلك شيئاً.

وإذا كان القرآن الذي لا اختلاف فيه، والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه بحاجة إلى مبين، فإن السنة النبوية أحوج من القرآن إلى من يبينها، وذلك لكثرة الاختلاف الذي حصل فيها ولكثرة الدس والكذب الذي طرأ عليها، وإنه من الطبيعي جداً، بل من الضروريات العقلية أن يعتني كل رسول بالرسالة التي بعث بها، فيقيم عليها وصياً وقيماً بوحي من ربه حتى لا تضيع الرسالة بموته، ولأجل ذلك كان لكل نبي وصي.

ولكل ذلك أعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خليفته ووصيه على أمته علي بن ابي طالب ورباه منذ صغره بأخلاق النبوة، وعلمه في كبره علم الأولين والآخرين، وخصه بأسرار لا يعرفها غيره، ودل الأمة عليه مراراً وأرشدهم إيه تكراراً، فقال لهم إن هذا أخي ووصيي وخليفتي عليكم، وقال: أنا خير الأنبياء وعلي خير الأوصياء وخير من أترك بعدي، وقال: علي مع الحق والحق معه، وعلي مع القرآن والقرآن معه، وقال: أنا قاتلت على تنزيل القرآن وعلي يقاتل على تأويله، وهو الذي يبين لأمتي ما اختلفوا فيه من بعدي، وقال: لا يؤدي عني إلا علي وهو ولي كل مؤمن بعدي وقال: علي مني بمنزلة هارون من موسى، علي مني وأنا منه وهو باب علمي(١) .

____________________

(١) كل هذه الأحاديث صحيحة عند « أهل السنة والجماعة » أخرجها علماؤهم وصححوها وقد ذكرناها في الكتب السابقة ومن أراد المصادر فعليه بكتاب المراجعات بتحقيق حسين الراضي.

١٢٠