شيعة هم اهل السنّة

شيعة هم اهل السنّة0%

شيعة هم اهل السنّة مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 327

شيعة هم اهل السنّة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدكتور محمد التيجاني السماوي
تصنيف: الصفحات: 327
المشاهدات: 73085
تحميل: 3035

توضيحات:

شيعة هم اهل السنّة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 327 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 73085 / تحميل: 3035
الحجم الحجم الحجم
شيعة هم اهل السنّة

شيعة هم اهل السنّة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وقد ثبت بالدليل العلمي وبالتاريخ وما كتبه أصحاب السير بأن علياً كان المرجع الوحيد للكل الصحابة عالمهم وجاهلهم، ويكفي أن يعترف «أهل السنة » بأن عبد الله بن عباس والذي لقبوه بحبر الأمة تلميذه وخريجه كما يكفي دليلاً أن كل العلوم التي عرفها المسلمون تنسب إليهعليه‌السلام (١) .

وعلى سبيل الافتراض لو تعارض حديث « كتاب الله وسنتي » مع حديث «كتاب الله وعترتي » لوجب تقديم الثاني على الأول أعني تقديم «عترتي » على «سنتي »، ليتسنى للمسلم العاقل الرجوع إلى أئمة أهل البيت الطاهرين كي يبينوا له مفاهيم القرآن والسنة. أما لو أخذ بحديث « كتاب الله وسنتي » فسوف يبقى محتاراً في كل من القرآن والسنة ولا يجد المرجع الموثوق الذي يبين له الأحكام التي لم يفهمها، أو الأحكام التي اختلف فيها العلماء اختلافاً كبيراً وقال فيها أئمة المذاهب أقوالاً متعددة أو متناقضة.

ولا شك بأنه لو أخذ بقول هذا العالم أو ذاك، أو اتبع رأي هذا المذهب أو ذاك، فإنما يتبعه ويأخذ منه بدون دليل على صحة هذا ويطلان ذاك، وإن قبول هذا المذهب ورفض ذاك هو تعصب أعمى وتقليد بدون حجة، قال الله تعالى في هذا المعنى:( وَ مَا يَتَّبِعُ أَکْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) ( يونس: ٣٦ ). وأضرب لذلك مثالاً واحداً حتى يعرف القاريء الكريم صدق الحديث ويتبين له الحق من الباطل.

لو أخذنا القرآن الكريم وقرأنا فيه آية الوضوء وقول الله تعالى:( وَ امْسَحُوا بِرُءُوسِکُمْ وَ أَرْجُلَکُمْ إِلَى الْکَعْبَيْنِ ) ( المائدة: ٦ )، فهمنا منها لأول وهلة مسح الأرجل كمسح الرؤوس، وإذا نظرنا إلى فعل المسلمين نجدهم مختلفين في ذلك. « فأهل السنة والجماعة » كلهم يغسلون، والشيعة كلهم يمسحون. فنصاب عند ذلك بالحيرة والشك، أيهما الصحيح ؟

____________________

(١) راجع في ذلك مقدمة ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه للنهج.

١٢١

ونرجع إلى العلماء من « أهل السنة والجماعة » ومفسريهم، فنجدهم مختلفين في هذا الحكم على حسب ما يروونه من أن هناك قراءتين « أرجلكم بالنصب » و « أرجلكم بالجر ».

ثم يصححون القراءتين ويقولون: من قرأ بالنصب فقد أوجب الغسل ومن قرأ بالجر فقد أوجب المسح. ثم يطلع علينا عالم ثالث متبحر في اللغة العربية من علماء السنة(١) فيقول: إن قراءة النصب وقراءة الجر توجبان المسح ؛ لأن الأرجل إما تكون منصوبة على المحل أو تكون مجرورة بالجوار، ثم يقول بأن القرآن جاء بالمسح وجاءت السنة بالغسل.

وأنت كما ترى أيها القارئ بأن علماء « السنة والجماعة » لم يزيلوا حيرتنا باضطراب أقوالهم، بل قد ضاعفوا شكنا لقولهم بأن السنة خالفت القرآن، وحاشا للنبي أن يخالف القرآن ويغسل رجليه في الوضوء، ولو غسل النبي رجليه في الوضوء لما جاز لكبار الصحابة مخالفته وهم من هم في العلم والمعرفة والقرب منه أمثال علي بن أبي طالب وابن عباس والحسن والحسين وحذيفة بن اليمان وأنس بن مالك وكل الصحابة الذين قرأوا بالجر وهم أغلب القراء الذين أوجبوا المسح وكل الشيعة الذين اقتدوا بالأئمة من العترة الطاهرة قالوا بوجوب المسح.

فما هو الحل ؟ !

ألم تر أيها القارئ العزيز بأن المسلم سيبقى محتاراً في شكه وبدون الرجوع إلى من يعتمد عليه فسوف لا يعرف وجه الصواب ولا يدري ما هو حكم الله الصحيح من المكذوب عليه ؟

وقد تعمدت أن أضرب لك هذا المثال من القرآن الكريم أيها القارئ العزيز حتى تعرف مدى الاختلاف والتناقض الذي يتخبط فيه علماء المسلمين من

____________________

(١) هو الإمام الفخر الرازي في تفسيره الكبير ج ١١ ص ١٦١.

١٢٢

« أهل السنة والجماعة » في أمر كان يفعله النبي عدة مرات في كل يوم وطيلة ثلاثة وعرين عاماً. وكان من المفروض أن يعرفه الخاص والعام من أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإذا بالعلماء عند « أهل السنة » يختلفون في القراءات فينصبون، ويجرون ويرتبون على ذلك أحكاماً متضاربة !

وللعلماء في تفسير كتاب الله وترتيب الأحكام على حسب القراءات المتعددة اختلافات كثيرة لا تخفى على الباحثين. وإذا كان اختلافهم في كتاب الله ظاهراً فهو في السنة النبوية أظهر وأكثر. فما هو الحل إذن ؟

إذا قلت بوجوب الرجوع إلى من يعتمد عليه في شرح وبيان الأحكام الصحيحة من القرآن والسنة، فسوف نطالبك بالشخص العاقل المتكلم ؛ لأن القرآن والسنة لا يعصمان من الضلالة، فهما صامتان لا يتكلمان ويحملان عدة وجوه كما قدمنا في آية الوضوء، ولقد اتفقنا عزيزي القارئ على وجوب تقليد العلماء العارفين بحقائق القرآن والسنة، وبقي الخلاف بيننا فقط في معرفة هؤلاء العلماء العارفين بحقائق القرآن والسنة.

فإذا قلبت بأنهم علماء الأمة وعلى رأسهم الصحابة الكرام، فقد عرفنا اختلافهم في آية الوضوء وفي غيرها من المسائل، كما عرفنا بأنهم تقاتلوا وكفر بعضهم بعضاً، فلا يمكن الاعتماد عليهم جميعاً، وإنما يعتمد على المحقين منهم دون المبطلين ويبقى المشكل قائماً.

وإذا قلت بالرجوع إلى ائمة المذاهب الأربعة، فقد عرفت بأنهم اختلفوا أيضاً في أكثر المسائل حتى قال بعضهم بكراهة البسملة في الصلاة وقال بعضهم ببطلان الصلاة بدونها، وقد عرفت أحوال هذه المذاهب وأنها من صنائع الحكام الظالمين، وعرفت أيضاً بأنهم بعيدون عن عهد الرسالة ولم يعرفوا الصحابة فضلاً عن النبي نفسه.

فلم يبق أمامنا إلا حل واحد لا ثاني له، ألا وهو الرجوع الى أئمة العترة من

١٢٣

أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، العالمين، العاملين الذين لم يلحقهم أحد في علمهم وورعهم وحفظهم وتقواهم فهم المعصومون عن الكذب والخطأ بنص القرآن الكريم(١) وعلى لسان النبي العظيم(٢) .

فقد أورثهم الله علم الكتاب بعد أن اصطفاهم، وعلمهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كل ما يحتاجه الناس، ودل الأمة عليهم بقوله: ( مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ) وقد قال ابن حجر وهو من علماء « أهل السنة والجماعة » في شرح هذا الحديث بعد أن صححه:

« ووجه تشبيههم بالسفينة أن من أحبهم وعظمهم شكراً لنعمة مشرفهم، واخذ بهدي علمائهم نجا من ظلمة المخالفات ومن تخلف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم وهلك في مفاوز الطغيان »(٣) .

أضف إلى ذلك أنك لا تجد عالماً في الأمة الإسلامية قديماً وحديثاً من عهد الصحابة إلى اليوم، من ادعى لنفسه أنه أعلم أو أفضل من أئمة العترة النبوية الطاهرة، كما أنك لا تجد في الأمة قاطبة أحداً ادعى بأنه علم واحداً من أئمة أهل البيت أو أرشدهم لأمر ما. وإذا أردت أيها القارئ مزيداً من البيان والتفصيل فعليك بقراءة «المراجعات » و « الغدير ».

وما قدمته أنا إليك فيه الكفاية إن كنت من المنصفين فحديث «تركت فيكم كتاب الله وعترتي » هو الحق الذي يسلم به العقل والوجدان وتثبته السنة والقرآن.

____________________

(١) قوله تعالى: ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ).

(٢) قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كتاب الله وعترتي إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً، فكما أن كتاب الله معصوم عن الخطأ فكذلك العترة الطاهرة، فغير المعصوم لا يضمن الهداية والذي يجوز عليه الخطأ هو في حاجة إلى الهداية.

(٣) الصواعق المحرقة لابن حجر الشافعي ص ١٥١.

١٢٤

وبكل هذا يتبين لنا مرة أخرى بالأدلة الواضحة التي لا تدفع بأن الشيعة الإمامية هم أهل السنة النبوية الحقيقة، وأن « أهل السنة والجماعة » قد أطاعوا ساداتهم وكبراءهم فأضلوهم السبيل وتركوهم في ظلمات يعمهون، وأغرقوهم في بحر كفر النعم وأهلكوهم في مفارز الطغيان على حد تعبير ابن حجر الشافعي.

« والحمد لله رب العالمين على هدايته لعباده المخلصين ».

١٢٥

مصادر التشريع عند الشيعة

المتتبع لفقه الشيعة الإمامية يجدهم ينقطعون في كل الأحكام الفقهية - إلا المستحدثة -(١) إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن طريق الأئمة الاثني عشر من أهل البيتعليهم‌السلام .

وهؤلاء عندهم مصادر التشريع اثنان لا ثالث لهما:

الكتاب والسنة، أعني المصدر الأول هو القرآن الكريم، والمصدر الثاني هي السنة النبوية الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام.

وهذه هي أقوال الشيعة قديماً وحديثاً، بل هي أقوال الأئمة من أهل البيت الذين لم يدع واحد منهم أنه اجتهد برأيه أو حكم حكماً من عنده.

فهذا الإمام الأول علي بن أبي طالب عندما اختاروه للخلافة واشترطوا عليه أن يحكم فيهم بسنة الشيخين أبي بكر وعمر، قال: لا أحكم إلا بكتاب الله وسنة رسوله(٢) .

____________________

(١) ونقصد بها اجتهاد العلماء في ما لا نص فيه والذي حدث بعد غيبة الإمام الثاني عشر.

(٢) وفي بعض الروايات قال: « وما عداهما فأجتهد رأيي » وهي زيادة مكذوبة من أصحاب الاجتهاد وانصاره، لأن الإمام علياً لم يدع يوماً بأنه اجتهد برأيه، بل كان دائماً يستنبط الأحكام من كتاب الله وسنة رسوله أو كان يقول: عندنا الجامعة وفيها كل ما يحتاجه الناس حتى أرش الخدش، وهذه الصحيفة هي من إملاء رسول الله وخط علي، وقد مر الكلام عن الصحيفة الجامعة في فصل « أهل السنة ومحق السنة » من هذا الكتاب.

١٢٦

وسنوضح في أبحاث لاحقة بأنهعليه‌السلام كان دائماً يتقيد بسنة النبي ولا يحيد عنها أبداً، ويحاول بكل جهوده إرجاع الناس إليها حتى سبب له ذلك غضب الخلفاء، ونفور الناس منه لشدته في ذات الله وتشبثه بسنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

كما أن الإمام الباقرعليه‌السلام كان يقول دائماً:

لو حدثناكم برأينا ضللنا كما ضل من كان قبلنا، ولكنا نحدثكم ببينة من ربنا بينها لنبيه فينها نبيه لنا.

وقال مرة أخرى: يا جابر، إنا لو كنا نحدثكم برأينا وهوانا لكنا نحدثكم برأينا وهوانا لكنا من الهالكين، ولكنا نحدثكم بأحاديث نكنزها عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم.

وهذا الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام يقول:

والله ما نقول بأهوائنا ولا نقول برأينا، ولا نقول إلا ما قال ربنا، فمهما أجبتك فيه بشيء فهو عن رسول الله لسنا نقول برأينا من شيء.

وأهل العلم والمحققون يعرفون ذلك من أئمة أهل البيت فلم يسجلوا عن أحدهم القول بالرأي ولا بالقياس ولا بالاستحسان أو بشيء غير القرآن والسنة(١) .

وحتى إذا رجعنا للمرجع الكبير المعاصر الشهيد آية الله محمد باقر الصدر ( رضوان الله عليه ) تجده يقول في رسالته العملية لفقه العبادات والمعاملات - في الفتاوى الواضحة - يقول حرفياً: « ونرى من الضروري أن نشير أخيراً بصورة موجزة إلى المصادر التي اعتمدناها بصورة رئيسية في استنباط هذه الفتاوى الواضحة وهي كما ذكرنا في مستهل الحديث عبارة عن الكتاب الكريم والسنة

____________________

(١) أنظر إلى علماء الشيعة كيف يأخذون عن الثقات المتورّعين مهما كان مذهبهم، وهو ردّ على القائلين بأنّ الشيعة لا يثقون في الصّحابة، وإنّما يرفض الشيعة حديث الصحاب إذا تعارض مع ما يرويه أئمة أهل البيتعليهم‌السلام .

١٢٧

الشريفة المنقولة عن طريق الثقات المتورعين في النقل مهما كان مذهبهم(١) . أما القياس والاستحسان ونحوهما فلا نرى مسوغاً شرعياً للاعتماد عليها.

وأما ما يسمى بالدليل العقلي الذي اختلف المجتهدون والمحدثون في أنه هل يسوغ العمل به أولا، فنحن وإن كنا نؤمن بأنه يسوغ العمل به، ولكنا لم نجد حكماً واحداً يتوقف إثباته على الدليل العقلي بهذا المعنى، بل كل ما يثبت بالدليل العقلي فهو ثابت في نفس الوقت بكتاب أو سنة.

وأما ما يسمى بالأجماع فهو ليس مصدراً إلى جانب الكتاب والسنة، وإنما لا يعتمد عليه إلا من أجل كونه وسيلة إثبات في بعض الحالات.

وهكذا كان المصدران الوحيدان هما الكتاب والسنة ونبتهل إلى الله أن يجعلنا من المتمسكين بهما. « ومن استمسك بهما فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم »(١) .

نعم، ونجد هذه الظاهرة هي السائدة عند الشيعة قديماً وحديثاً ولا يعتمد عندهم إلا على الكتاب والسنة ولا تجد لأحدهم فتوى واحدة ناتجة عن القياس أو الاستحسان، وقصة الإمام الصادق مع أبي حنيفة معروفة، وكيف أنه نهاه عن القياس وقال له فيما قال: ( لا تقس في دين الله فإن الشريعة إذا قيست محقت، وإن أول من قاس إبليس عندما قال: ( أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) ).

هذه هي مصادر التشريع عند الشيعة من عهد علي بن أبي طالب وإلى يومنا هذا. فما هي مصادر التشريع عند « أهل السنة والجماعة » ؟

____________________

(١) الفتاوى الواضحة للشهيد باقر الصدر ص ٩٨.

١٢٨

مصادر التشريع عند « أهل السنة والجماعة »

وإذا تتبعنا مصادر التشريع عند « أهل السنة والجماعة » وجدناها كثيرة تتعدى حدود الكتاب والسنة التي رسمها الله ورسوله.

فالمصادر عندهم - بالإضافة إلى الكتاب والسنة - هي سنة الخلفاء الراشدين، وسنة الصحابة، وسنة التابعين وهم علماء الأثر وسنة الحكام ويسمونها صوافي الأمراء، ثم القياس، والاستحسان، والإجماع، وسد باب الذرائع.

وهي كما ترى عشرة مصادر عندهم كلها تتحكم في دين الله، وحتى لا نتكلم بدون دليل ونلقي الكلام على عواهنه، أو يتهمنا البعض بالمبالغة، لابد من إعطاء بعض الأدلة من أقوالهم وكتبهم كي يتبين للقارىء الكريم ذلك واضحاً.

ونحن لا نناقش « أهل السنة والجماعة » في المصدرين الأولين المتمثلين في الكتاب والسنة، فهو أمر لا خلاف فيه، بل هو الواجب الذي جاء به النقل والعقل والإجماع، وهو من باب قوله تعالى:( مَا آتَاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مَا نَهَاکُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) ( الحشر: ٧ ) وقوله:( وَ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ ) ( المائدة: ٩٢ ) وقوله:( إِذَا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ ) (الأحزاب: ٣٦ ) وغيرها من الآيات البينات الدالة على وجوب تشريع الأحكام من كتاب الله وسنة رسوله فقط، ولكن نقاشنا معهم في المصادر الأخرى التي أضافوها من عندهم.

١٢٩

أولاً: سنة الخلفاء الراشدين

فقد احتجوا بحديث « عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ »(١) .

وقد بينا في كتاب « مع الصادقين » بأن المقصود من الخلفاء الراشدين في هذا الحديث هم أئمة أهل البيت، وأضيف هنا بعض الأدلة الأخرى لمن فاته ذلك البحث.

أخرج البخاري ومسلم وكل المحدثين بأن رسول الله حصر خلفاءه في اثني عشر، فقال: الخلفاء من بعدي اثنا عشر كلهم من قريش. فدل هذا الحديث الصحيح على أن المقصود هم أئمة أهل البيتعليهم‌السلام وليسوا الخلفاء « الحكام » الذين اغتصبوا الخلافة.

ولقائل أن يقول: سواء أكان المقصود بالخلفاء أئمة أهل البيت الاثني عشر كما يقول الشيعة، أم الخلفاء الراشدين الأربعة كما يقول « أهل السنة » فإن مصادر التشريع ثلاثة: القرآن والسنة وسنة الخلفاء ؟

وهذا صحيح على رأي « أهل السنة » ولكنه لا يصح على رأي الشيعة ؛ لأن أئمة أهل البيت كما قدمنا لم يكونوا يشرعوا باجتهادهم وآرائهم بل كل ما قالوه هو سنة جدهم رسول الله تعلموها منه واحتفظوا بها كي يظهروها للناس إذا اقتضت الحاجة ذلك. أما « أهل السنة والجماعة » فقد حفلت كتبهم بالاستدلال سنة أبي بكر وسنة عمر كمصدر للتشريع الإسلامي ولو خالفت الكتاب والسنة. ومما يزيدنا يقيناً بأن أبابكر وعمر غير مقصودين بحديث النبي، أن علياً رفض أن يحكم بسنتهم عندما اشترط عليه الصحابة ذلك.

فلو كان الرسول يقصد بالخلفاء الراشدين أبا بكر وعمر لما جاز لعلي أن يرد على رسول الله ويرفض سنتهم، فدل الحديث على أن الخلفاء الراشدين ليس منهم أبو بكر ولا عمر.

____________________

(١) أخرجه الترمذي وابن ماجه والبيهقي وأحمد بن حنبل.

١٣٠

على أن « أهل السنة والجماعة » يقصدون بالخلفاء الراشدين أبا بكر وعمر وعثمان دون سواهم ؛ لأن علياً لم يكن معدوداً عندهم من الخلفاء وإنما ألحق في زمن متأخر كما قدمنا، ولأنه كان يلعن على المنابر فكيف يتبعون سنته ؟ ؟ !

وإذا قرأنا ما رواه جلال الدين السيوطي في تاريخ الخلفاء تحقق لدينا صحة ما ذهبنا إليه. قال السيوطي نقلاً عن حاجب بن خليفة: شهدت عمر بن عبد العزيز يخطب وهو خليفة، فقال في خطبته:

« ألا إن ما سن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصاحباه فهو دين نأخذ به وننتهي إليه، وما سن سواهما فإنا نرجئه »(١) .

والحقيقة أن جل الصحابة والحكام الأمويين والعباسيين كانوا يرون أن ما سن أبو بكر وعمر وعثمان هو دين يأخذون به وينتهون إليه:

وإذا عمل هؤلاء الخلفاء الثلاثة على منع سنة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما عرفنا ذلك في ما سبق، فلا يبقى بعد ذلك من السنة إلا ما سنوه ومن الأحكام إلا ما احكموه.

ثانياً: سنة الصحابة عموماً

إننا نجد أدلة كثيرة وشواهد عديدة على اقتداء « أهل السنة والجماعة » سنة الصحابة عموماً بدون اسثناء.

فهم يحتجون بحديث مكذوب وافينا البحث فيه في كتاب « مع الصادقين» والحديث يقول: « أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم » وقد احتج ابن القيم الجوزية بهذا الحديث على حجية رأي الصحابي(٢) .

وقد اعترف بهذه الحقيقة أيضاً الشيخ أبو زهرة إذ قال: « لقد وجدناهم

____________________

(١) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ١٦٠.

(٢) أعلام الموقعين ج ٤ ص ١٢٢.

١٣١

(يعني فقهاء أهل السنة ) جميعاً يأخذون بفتوى الصحابي » ثم يضيف في مقطع آخر قوله:

« والاحتجاج بأقوال الصحابة وفتاويهم هو مسلك جماهير الفقهاء وخالفهم الشيعة(١) ولكن ابن القيم الجوزية أيد الجمهور بنحو ستة وأربعين وجهاً وكلها حجج قوية … ».

ونحن نقول للشيخ أبي زهرة: كيف تكون الحجة - التي تخالف كتاب الله وسنة رسوله - قوية ؟ ! فكل الحجج التي جاء بها ابن القيم واهية كبيت العنكبوت وأنت بنفسك قد نسفتها عندما قلت:

« ولكننا وجدنا الشوكاني يقول: والحق أن قول الصحابي ليس بحجة فإن الله سبحانه وتعالى لم يبعث إلى هذه الأمة إلا نبينا محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس لنا إلا رسول واحد، والصحابة ومن بعدهم مكلفون على السواء باتباع شرعه في الكتاب والسنة، فمن قال بأنه تقوم الحجة في دين الله بغيرهما، فقد قال في دين الله بما لا يثبت وأثبت شرعاً لم يأمر الله به »(٢) .

فتحية إلى الشوكاني الذي قال حقاً ونطق صدقاً، ولم يتأثر بالمذهب فكان قوله موافقاً لأئمة الهدى من العترة الطاهرة ورضي الله عنه وأرضاه إن كانت أعماله مطابقة لأقواله.

ثالثاً: سنة التابعين « علماء الأثر »:

كذلك نجد « أهل السنة والجماعة » يأخذون بآراء التابعين ويسمونهم « علماء الأثر » كالأوزاعي وسفيان الثوري وحسن البصري وابن عيينة وغيرهم كثير، كما أنهم متفقون على الأخذ باجتهادات أئمة المذاهب الأربعة وتقليدهم رغم أنهم من تابعي التابعين.

____________________

(١) وهذه شهادة أخرى من الشيخ أبي زهرة تؤيد ما قلناه بأن الشيعة لا يقبلون في شرع الله إلا الكتاب الكريم والسنة النبوية.

(٢) كتاب الشيخ أبي زهرة ص ١٠٢.

١٣٢

وإذا كان الصحابة أنفسهم يعترفون بخطأهم في عديد من المرات وأنهم يقولون ما لا يعلمون. فهذا أبو بكر يقول عندما يسأل عن مسألة: سأقول فيها برأيي فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمني أو من الشيطان. وهذا عمر يقول لأصحابه: لعلي آمركم بالأشياء التي لا تصلح لكم وأنهاكم عن أشياء تصلح لكم(١) .

وإذا كان هذا هو مبلغهم من العلم وأنهم يتبعون الظن الذي لا يغني من الحق شيئاً، فكيف يحق لمسلم عرف الإسلام أن يجعل أفعال هؤلاء وأقوالهم سنة متبعة ومصدراً من مصادر التشريع ؟ وهل يبقى بعد هذا الحديث «أصحابي كالنجوم » من أثر ؟

وإذا كان هؤلاء هم الصحابة الذين حضروا مجالس النبي وتعلموا منه يقولون مثل هذه الأقوال، فكيف تكون حال من جاء بعدهم وأخذ عنهم وشارك في القتنة ؟

وإذا كان أئمة المذاهب الأربعة يقولون في دين الله بآرائهم مصرحين ومعترفين بإمكانية الخطأ، فيقول الواحد منهم: هذا ما أعتقد أنه صحيح وقد يكون رأي غيري هو الصحيح، فلماذا ألزم المسلمون أنفسهم بتقليدهم؟!

رابعاً: سنة الحكام

ويسمى عند « أهل السنة والجماعة» صوافي الأمراء، وقد استدلدوا عليه بقوله تعالى:( أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْکُمْ ) (النساء: ٥٩ )(٢) .

فأولي الأمر عندهم الحكام وإن كانوا متسلطين بالقوة والقهر، وهم يعتقدون بأن الحكام أمرهم الله على رقاب العباد فيجب لذلك طاعتهم والأخذ بسنتهم.

____________________

(١) تاريخ بغداد ج ١٤ ص ٨١.

ونحن نقول لهؤلاء: إن كان هذا هو مبلغكم من العلم، فماذا تقدمتم من عنده علم الأولين والآخرين وحرمتم الأمة من هديه ونوره وتركتموها تتخبط في الفتنة والجهالة والضلالة ؟ !

(٢) لقد أوضحنا بالأدلة في كتاب « مع الصادقين » بأن أولي الأمر هم أئمة الهدى من العترة الطاهرة وليس المقصود بهم الحكام الغاصبين، ومن المستحيل أن يأمر الله سبحانه بطاعة الظالمين والفاسقين والكافرين.

١٣٣

ورد بان حزم الظاهري على « أهل السنة والجماعه » رداً عنيفاً بقوله: « بناء على ما تقولون فللأمراء أن يبطلوا ما شاؤوا من الشرائع التي أمر الله ورسوله بها، كما لهم أن يزيدوا فيها، ولا فرق بين الزيادة والنقص في ذلك، وهذا كفر ممن أجازه بلا خلاف »(١) .

ورد الذهبي على ابن حزم بقوله:

« هذا تقرير فاسد وخطأ فاحش، فإن الأمة أجمعت إلا داود بن علي ومن مشى خلفه، على أن أولي الأمر هلم الحكم بالرأي والاجتهاد إذا لم يكن في النازلة نص، ويقولون: لا يحل لهم الحكم بالرأي والاجتهاد مع علمهم بالنص في النازلة، فظهر بهذا أن لهم أن يزيدوا في الشرع زيادة ساغت في الشرع ولييس لهم أن يبطلوا ما شاؤوا من الشرع ».

ونحن نقول للذهبي: كيف تدعي إجماع الأمة وأنت نفسك استثنيت داود بن علي ومن مشى خلفه ! ؟ ولماذا لم تسم من مشى خلفه ؟ ثم لماذا لم تستثن الشيعة وأئمة أهل البيت، ألأنهم عندك ليسوا من الأمة الإسلامية ؟ ! أم أن تزلفك للحكام هو الذي جعلك تبيح لهم أن يزيدوا في الشرع، لكي يزيدوا في عطائك وشهرتك ؟

وهل كان الحكام الذين حكموا المسملين باسم الإسلام يعرفون النصوص القرآنية والنصوص النبوية حتى يقفوا عند حدودها ؟

وإذا كان الخليفتان أبو بكر وعرم تعمدا مخالفة النصوص القرآنية والنبوية كما قدمنا في أبحاث سابقة، فكيف يلتزم من جاء بعدهما بتلك النصوص التي بذلت وغيرت وأعفيت آثارها ؟

وإذا كان فقهاء « أهل السنة والجماعة » يفتون للأمراء بأن يقولوا في دين الله ما يشاؤون، فليس غريباً على الذهبي أن يقلدهم.

فقد جاء في طبقات الفقهاء عن سعيد بن جبير قال: سألت عبد الله بن عمر عن الإيلاء ؟ فقال: أتريد أن تقول: قال ابن عمر قال ابن عمر ؟ !

____________________

(١) ابن حزم في ملخص إبطال القياس ص ٣٧.

١٣٤

قال: قلت: نعم، ونرضى بقولك ونقنع. فقال ابن عمر: يقول في ذلك الأمراء، بل يقول في ذلك الله ورسوله ومن يقول عنهما.

وعن سعيد بن جبير قال: كان رجاء بن حيوة يعد في أفقه فقهاء الشام ولكن كنت إذا حركته وجدته شاميا يقول: قضى عبد الملك بن مروان فيها بكذا وكذا(١) .

كما جاء في طبقات ابن سعد عن المسيب بن رافع قال: كان إذا جاء النبي من القضاء وليس في الكتاب ولا في السنة سمي « صوافي الأمراء » فدع إليهم فجمع له أهل العلم، فما اجتمع عليه رأيهم فهو الحق(٢) .

ونحن نقول: « ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض، بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون ».

خامساً: بقية مصادر التشريع عند « أهل السنة »

ونذكر منها القياس والاستحسان والاستصحاب وسد باب الذرائع، والإجماع فمشهورة جدا ومعروفة عندهم. وقد اشتهر الإمام أبو حنيفة بالعمل بالقياس ورد الأحاديث كما اشتهر الإمام مالك بالرجوع لعمل أهل المدينة وسد باب الذرائع واشتهر الإمام الشافعي بالرجوع إلى فتاوى الصحابة وقد رتبهم على أقسام ودرجات فقال بأولوية العشرة المبشرين بالجنة، ثم المهاجرين الأولين، ثم الأنصار، ثم مسلمة الفتح ويقصد بهم الطلقاء والذين أسلموا بعد فتح مكة(٣) .

كما اشتهر الإمام أحمد بن حنبل بعدم الاجتهاد والابتعاد عن الفتوى وأخذه برأي أي صحابي كان. فقد نقل عنه الخطيب البغدادي أن رجلاً سأله عن مسألة في الحلال

____________________

(١) طبقات الفقهاء ترجمة سعيد بن جبير.

(٢) طبقات ابن سعد ج ٦ ص ١٧٩.

(٣) مناقب الإمام الشافعي ج ١ ص ٤٤٣.

١٣٥

والحرام، فقال له أحمد: سل عافاك الله غيرنا، قال: إنما نريد جوابك يا أبا عبد الله، قال: سل عافاك الله غيرنا، سل الفقهاء سل أبا ثور(١) .

كما نقل عن المروزي قوله: أما الحديث فقد استرحنا منه وأما المسائل فقد عزمت إن سألني أحد عن شيء فلا أجيبه(٢) . ولا شك بأن أحمد بن حنبل هو الذي أوحى بفكرة عدالة الصحابة كلهم بدون استثناء فأثر مذهبه في « أهل السنة والجماعة ». فقد ذكر الخطيب في تاريخ بغداد في جزئه الثاني بالإسناد عن محمد بن عبد الرحمان الصيرفي قال: قلت لأحمد بن حنبل: إذا اختلف أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مسألة، هل يجوز لنا أن ننظر في أقوالهم، لنعلم مع من الصواب منهم، فنتبعه ؟

فقال لي: لا يجوز النظر بين أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقلت: كيف الوجه في ذلك ؟ قال: تقلد أيهم أحببت. ونحن نقول: وهل يجوز تقليد من لا يعرف الحق من الباطل ؟ وغريب أن يفتي أحمد وهو الذي يتهرب من الفتوى، بتقليد أي صحابي أحب وبدون النظر في أقوالهم لمعرفة الصواب !

وبعد هذا العرض الوجيز لمصادر التشريع الإسلامي عند الشيعة وعند «أهل السنة والجماعة »، يتبين لنا بوضوح لا لبس فيه بأن الشيعة هم الذين يتقيدون بسنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يبغون عنها حولاً حتى كانت سنة النبي هي شعارهم كما شهد بذلك أعداؤهم.

أما « أهل السنة والجماعة » فهم يتبعون سنة أي صحابي وأي تابعي وأي حاكم.

____________________

(١) تاريخ بغداد ج ٢ ص ٦٦.

(٢) مناقب الإمام أحمد بن حنبل ص ٥٧.

١٣٦

وهذه كتبهم وأقوالهم تشهد عليهم وكفى بها شهيداً وسوف نبحث في فصل قادم إن شاء الله تعالى أفعالهم لنعرف بأنها ليست من سنة النبي في شيء. وأترك للقارئ نفسه أن يستنتج من هم أهل السنة، ومن هم أهل البدعة ؟

١٣٧

تعليق لابد منه لإكمال البحث

وتجدر الإشارة إلى أن الشيعة تقيدوا بمصادر التشريع من الكتاب والسنة ولم يزيدوا عليها شيئاً وذلك لوجود النصوص الكافية عند أئمتهم لكل مسألة من المسائل التي يحتاجها الناس. وقد يستغرب ذلك بعض الناس ويستبعدون أن يكون لأئمة أهل البيت نصوص كافية لكل ما يحتاجه الناس لمواكبة كل العصور حتى تقوم الساعة.

ولتقريب هذا الواقع لذهن القارئ لابد من الإشارة إلى الأمور التالية:

إذا اعتقد المسلم بأن الله سبحانه بعث محمداً بشريعة مكملة لكل الشرائع السابقة ومهيمنة عليها لتكمل مسيرة الإنسانية فوق هذه الأرض لتعود بعدها إلى الحياة الإبدية.

( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ کُلِّهِ ) (التوبة: ٣٣ ).

وإذا اعتقد المسلم بأن الله سبحانه أراد من الإنسان أن يكون خاضعاً لأحكامه في كل أقواله وأفعاله ويسلم إليه مقاليد أموره.

( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلاَمُ ) ( آل عمران: ١٩ )،( وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ) ( آل عمران: ٨٥ ).

وإذا كان الأمر كذلك فلابد أن تكون أحكام الله كاملة وشاملة لتغطية كل

١٣٨

ما يحتاجه الإنسان في مسيرته الشاقة للتغلب على كل العقبات والصمود أمام التحديات والوصول إلى الهدف المنشود.

ولكل ذلك عبر سبحاه وتعالى عن هذه الحقيقة بقوله:

( مَا فَرَّطْنَا فِي الْکِتَابِ مِنْ شَيْ‌ءٍ ) ( الانعام: ٣٨ ).

وعلى هذا الأساس فليس هناك من شيء إلا وهو مذكور في كتاب الله تعالى، ولكن الإنسان بعقله المحدود لا يدرك كل الأشياء التي ذكرها الله سبحانه وتعالى لحكمة بالغة لا تخفى على أهل المعرفة. وذلك كقوله سبحانه وتعالى:

( وَ إِنْ مِنْ شَيْ‌ءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لٰکِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) ( الإسراء: ٤٤ ).

و « إن من شيء » بدون استثناء تدل على الإنسان والحيوان والجماد يسبح وقد يقبل الإنسان تسبيح الحيوان والكائنات الحية من النباتات ولكن عقله لا يفقه تسبيح الحجارة مثلاً. قال تعالى:

( إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَ الْإِشْرَاقِ‌ ) ( ص: ١٨ ).

وإذا سلمنا بذلك وآمنا به، فلابد من التسليم والإيمان بأن كتاب الله فيه كل الأحكام التي يحتاجها الناس إلى يوم القيامة، ولكننا لا ندركها إلا إذا رجعنا لمن أنزل عليه وفهم كل معانيه، وهو رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال تعالى:

( وَ نَزَّلْنَا عَلَيْکَ الْکِتَابَ تِبْيَاناً لِکُلِّ شَيْ‌ءٍ ) ( النحل: ٨٩ ).

وإذا سلمنا بأن الله سبحانه بين كل شيء إلى رسوله ليبين للناس ما نزل إليهم، فلابد أن نسلم بأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد بين كل شيء ولم يترك شيئاً يحتاجه الناس إلى يوم القيامة إلا وأعطى فيه حكماً. وإذا لم يصلنا ذلك البيان أو لم نعرفه نحن اليوم فذلك ناتج عن قصورنا وتقصيرنا وجهلنا، أو هو ناتج عن خيانة الواسطة التي بيننا وبينه أو هو ناتج عن جهل الصحابة وعدم وعيهم لما بينهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

١٣٩

ولكن الله سبحانه وتعالى جلت حكمته يعلم أن كل هذه الاحتمالات ممكنة أو واقعة فلا يترك شريعته تضيع، فاصطفى من عباده أئمة أورثهم علم الكتاب وتبيانه، لكي لا يكون للناس على الله حجه، قال تعالى:( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) ( فاطر: ٣٢ ).

ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين للناس ما يحتاجون إليه واختص وصية علياً بكل ما يحتاج الناس بعده إلى قيام الساعة وذلك للمزايا التي كان يتمتع بها علي من بين الأصحاب جميعاً من ذكاء مفرط، وفهم حاد وحفظ قوي ووعي لكل ما يسمع، فعلمه النبي كل ما يعلم وأرشد الأمة إليه على أنه بابه الذي منه يؤتى.

وإذا قال قائل بأن رسول الله بعثه الله للناس كافة فليس من حقه أن يختص بالعلم أحدهم ويحرم الآخرين، قلنا: ليس لرسول الله في ذلك الأمر شيء إنما هو عبد مأمور ينفذ ما يوحى إليه من ربه، فالله هو الذي أمره بذلك ؛ لأن الإسلام هو دين التوحيد ومبني على الوحدة في كل شيء فلابد لتوحيد الناس وجمعهم من قيادة واحدة، فهذا أمر بديهي قرره كتاب الله وحكم به العقل والوجدان قال تعالى:

( لَوْ کَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا ) ( الأنبياء: ٢٢ ) وقال أيضاً:( وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض ) (المؤمنون: ٨١ ). كذلك لو أرسل الله رسولين في زمن واحد، لانقسم الناس إلى أمتين وتفرق أمرهم إلى حزبين متعارضين. قال تعالى:( وَ إِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ ) ( فاطر: ٢٤ ).

كذلك كان لكل نبي وصي يخلفه في قومه وأمته، كي لا يتشتت امرهم ويتفرق جمعهم. وهذا لعمري أمر طبيعي يعرفه الناس كافة سواء كانوا علماء أو جاهلين مؤمنين أو كافرين، ألا ترى أن كل قبيلة وكل حزب وكل دولة لابد لها من رئيس واحد يتزعمها ويقودها، ولا يمكن أن يخضعوا لرئيسين في نفس الوقت.

١٤٠