شيعة هم اهل السنّة

شيعة هم اهل السنّة0%

شيعة هم اهل السنّة مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 327

شيعة هم اهل السنّة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الدكتور محمد التيجاني السماوي
تصنيف: الصفحات: 327
المشاهدات: 73096
تحميل: 3040

توضيحات:

شيعة هم اهل السنّة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 327 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 73096 / تحميل: 3040
الحجم الحجم الحجم
شيعة هم اهل السنّة

شيعة هم اهل السنّة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فقال معاوية: ليس في كتاب الله أخ، أخ، ولكن قال الله تعالى:( إِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِي‌ءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ) ( الحجرات / ٩ )، فو الله ما كنت مع الباغية على العادلة، ولا مع العادلة على الباغية.

فقال سعد: ما كنت لأقاتل رجلاً قال له رسول الله: ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ).

فقال معاوية: من سمع هذا معك ؟ فقال: فلان وفلان وأم سلمة، فقام معاوية فسأل أم سلمة فحدثته بما حدث سعد، فقال معاوية: « لو سمعت هذا قبل هذا اليوم لكنت خادماً لعلي حتى يموت أو أموت »(١) . ونقل المسعودي في تاريخه مثل هذه المحاورة بين معاوية وسعد بن أبي وقاص. وذكر أن معاوية قال لسعد بعد ما حدث بحديث المنزلة: ما كنت عندي قط ألام منك الآن، فهلا نصرته ؟ ولم قعدت عن بيعته ؟ فإني لو سمعت من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل الذي سمعت فيه، لكنت خادماً لعلي ما عشت(٢) .

وما رواه سعد بن أبي وقاص لمعاوية في فضل علي، هو حديث واحد من بين مئات الأحاديث التي تصب كلها في مصب واحد، وتهدف كلها إلى هدف واحد ألا هو أن علي بن أبي طالب، هو الشخص الوحيد الذي يمثل الرسالة الإسلامية بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يقدر عليها غيره، وما دام الأمر كذلك فجدير بكل المؤمنين الصالحين أن يخدموه طيلة حياتهم. فليس قول معاوية بأنه لو سمع مثل هذا الحديث قبل اليوم لكان خادماً لعلي ما عاش، إلا حقاً يفتخر به كل مؤمن ومؤمنة. ولكن معاوية لم يقل ذلك إلا استهزاء وسخرية من سعد بن أبي وقاص كي يشتمه باللؤم ويهينه ؛ لأنه أمتنع عن سب علي ولعنه ولن ينفذ رغبته في ذلك.

____________________

(١) تاريخ ابن كثير ج ٨ ص ٧٧.

(٢) تاريخ المسعودي المعروف بمروج الذهب في ترجمة سعد بن أبي وقاص.

٢٠١

وإلا فإن معاوية يعرف أكثر من حديث المنزلة في فضل ابن أبي طالب ويعرف أيضاً بأنه أولى الناس بعد الرسول وذلك ما صرح به في الرسالة التي بعث بها إلى محمد بن أبي بكر والتي سيأتي ذكرها إن شاء الله قريباً. وهل امتنع معاوية عن سب ولعن أمير المؤمنين عندما علم من سعد بذلك الحديث وأكدته له أم سلمة عندما سألها ؟ كلا، إنه تمادى في غيه أكثر وأخذته العزة بالإثم، فأصبح يلعن علياً وكل أهل بيته وحمل الناس على ذلك حتى شب عليه الصغير، وهرم عليه الكبير وتواصل ذلك ثمانين عاماً أو أكثر.( فَمَنْ حَاجَّکَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَکَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَ أَبْنَاءَکُمْ وَ نِسَاءَنَا وَ نِسَاءَکُمْ وَ أَنْفُسَنَا وَ أَنْفُسَکُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْکَاذِبِينَ‌ ) ( آل عمران: ٦١ ).

صدق الله العلي العظيم

٧ - عبد الرحمان بن عوف

كان اسمه في الجاهلية عبد عمرو فسماه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبد الرحمن وهو من بني زهرة، وهو ابن عم سعد بن أبي وقاص.

هو من كبار الصحابة ومن المهاجرين الأولين، وشهد مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المشاهد كلها، وهو أيضاً من السنة الذين رشحهم عمر بن الخطاب للخلافة، بل جعله رئيساً على مجلس الشورى والمقدم عليهم جميعاً، إذ قال: وإذا اختلفتم فكونوا في الشق الذي فيه عبد الرحمان بن عوف. وهو أيضاً من العشرة المبشرين بالجنة في اعتقاد « أهل السنة والجماعة ». وعبد الرحمان بن عوف كما هو مشهور من التجار الكبار في قريش، والذي ترك ثروة ضخمة وأموالاً بلغت حسب المؤرخين: ألف بعير ومائة فرس وعشرة آلاف شاة، وأرضاً كانت تزرع على عشرين ناضحاً، وخرجت كل واحدة من نسائه الأربع بنصيبها من المال الذي تركه فكان أربعة وثمانين ألفاً(١) .

____________________

(١) الطبري والمسعودي وابن سعد وطه حسين وغيرهم.

٢٠٢

وعبد الرحمان بن عوف هو صهر عثمان بن عفان ؛ لأنه تزوج أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وهي أخت عثمان لأمه. وقد عرفنا من خلال كتب التاريخ أنه لعب دوراً كبيراً لإبعاد علي عن الخلافة، بشرطه الذي اشترطه عليه في تحكيم سنة الخليفتين أبي بكر وعمر، لعلمه مسبقاً بأن علياً لا يقبل بذلك الشرط أبداً ؛ لأن سنتهما مخالفة للكتاب والسنة النبوية. وهذا وحده يكفينا دليلاً على تعصب عبد الرحمان للبدع الجاهلية، وبعده عن السنة المحمدية ومشاركته الفعالة في المؤامرة الكبرى للقضاء على العترة الطاهرة، وإبقاء الخلافة في حوزة قريش تتحكم فيها كيف شاءت. أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الأحكام، باب كيف يبايع الإمام الناس، قال المسور: طرقني عبد الرحمان بعد هجيع من الليل فضرب الباب حتى استيقظت، فقال: أراك نائماً فو الله ما اكتحلت هذه الليلة بكبير نوم، انطلق فادع الزبير وسعداً فدعوتهما له فشاورهما، ثم دعاني فقال: أدع لي عليا فدعوته فناجاه حتى ابهار الليل، ثم قام علي من عنده وهو على مطمع، وقد كان عبد الرحمان يخشى من علي شيئاً. ثم قال: ادع لي عثمان فدعوته فناجاه حتى فرق بينهما المؤذن بالصبح. فلما صلى للناس من الصبح واجتمع أولئك الرهط عند المنبر فأرسل إلى من كان حاضراً من المهاجرين والأنصار، وأرسل إلى أمراء الأجناد وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر، فلما اجتمعوا تشهد عبد الرحمان، ثم قال: أما بعد يا علي، إني قد نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان، فلا تجعل على نفسك سبلاً، ثم قال مخاطباً لعثمان: أبايعك على سنة الله ورسوله والخليفتين من بعده، فبايعه عبد الرحمان وبايعه الناس المهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون(١) .

والباحث يفهم من هذه الرواية التي أخرجها البخاري بأن المؤامرة قد دبرت بليل، ويفهم أيضاً الدهاء الذي يتمتع به عبد الرحمان بن عوف وأن اختيار عمر له لم يكن عفوياً.

____________________

(١) صحيح البخاري ج ٨ ص ١٢٣.

٢٠٣

تأمل في قول الراوي وهو المسور: فدعوت له عليا فناجاه ثم قام علي من عنده وهو على مطمع. وهذا يدلنا على أن عبد الرحمان بن عوف، هو الذي أطمع علياً في الخلافة حتى لا ينسحب علي من الشورى المزيفة ويتسبب لهم في انقسام الأمة مرة أخرى كما وقع عقيب بيعة أبي بكر في السقيفة، ويؤكد صحة هذا الاحتمال قول المسور: « وقد كان عبد الرحمان يخشى من علي شيئاً ».

من أجل ذلك لعب عبد الرحمان دور المراوغ المخادع فطمأن علياً في الليل وهنأه بالخلافة، لما أصبح وحشر أمراء الأجناد وحضر رؤوس القبائل وزعماء قريش عند ذلك انقلب عبد الرحمان ليفاجئ علياً بأن الناس لا يعدلون بعثمان وأن عليه أن يقبل وإلا سبجعل على نفسه سبيلاً ( يعني يقتلونه إن رفض البيعة لمن اختاروه وهو عثمان بن عفان ).

وإن الباحث ليفهم ذلك بوضوح خصوصاً عندما يقرأ هذه الفقرة الأخيرة من الرواية، يقول المسور: « فلما اجتمعوا تشهد عبد الرحمان ثم قال: أما بعد يا علي إني نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان فلا تجعل على نفسك سبيلاً ».

فلماذا يوجه عبد الرحمان خطابه إلى علي وحده من بين الحاضرين، ولماذا لم يقل مثلاً: أما بعد يا علي ويا طلحة ويا زبير ؟ !

من أجل ذلك فهمنا بأن الأمر دبر بليل وأن الجماعة كانوا متفقين من البداية على عثمان وإبعاد علي عنها.

ولنا أن نجزم بأنهم جميعاً كانوا يخشون من علي لو وصل إلى لخلافة أن يعود بهم إلى العدالة والمساواة ويحيي لهم سنة النبي، ويميت بدعة ابن الخطاب في المفاضلة خصوصاً وأن عمر بن الخطاب قد أشار قبل موته إلى ذلك وحذرهم من خطر علي عليهم، فقال: « لو ولوها الأجلح لحملهم على الجادة » والجادة هي السنة النبوية التي لا يحبها عمر ولا تحبها قريش عامة، ولو كانوا يحبون سنة النبي لولوا علياً ولحملهم عليها ولردهم إليها، فهو نائبها والقائم عليها.

٢٠٤

وكما قدمنا في بحث طلحة والزبير وسعد بأنهم زرعوا الشوك وحصدوا الخسران والندامة. فلننظر إلى عبد الرحمان بن عوف وما آل إليه تدبيره، يقول المؤرخون بأن عبد الرحمان بن عوف ندم أشد الندم لما رأى عثمان خالف سنة الشيخين، وأعطى المناصب والولايات إلى أقاربه وحاباهم بالأموال الطائلة، فدخل عليه وعاتبه وقال: إنما قدمتك(١) على أن تسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر، فخالفتهما وحابيت أهل بيتك وأوطأتهم رقاب المسلمين. فقال عثمان: إن عمر كان يقطع قرابته في الله وأنا أصل قرابتي في الله، قال عبد الرحمان: لله علي أن لا أكلمك أبداً، فلم يكلمه حتى مات وهو هاجر لعثمان، ودخل عليه عثمان عائداً له في مرضه فتحول عنه إلى الحائط ولم يكلمه(٢) . وبهذا يكون الله سبحانه قد استجاب دعاء الإمام علي في عبد الرحمان كما استجابه في طلحة والزبير فقتلا من يومهما. يقول ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج إن علياً غضب يوم الشورى وعرف ما دبره عبد الرحمان بن عوف فقال له:

( والله ما فعلتها إلا ؛ لأنك رجوت منه ما رجا صاحبكما من صاحبه، دق الله بينكما عطر منشم )(٣) . ويقصد الإمام علي بأن عبد الرحمان طمع أن يستخلفه عثمان من بعده كما فعل أبو بكر بعمر، وقد قال له علي: ( أحلب حلباً لك شطره واشدد له اليوم ليرده عليك غداً ). أما عطر منشم الذي دعا به علي عليهما فهو مثل سائر يقال: أشأم من عطر منشم وهو يدل على النفور والمقاتلة.

____________________

(١) قوله إنما قدمتك يدل على الاستبداد برأيه ولم يكن عن مشورة ولا عن اختيار الناس له كما يزعمون.

(٢) تاريخ أبي الفداء ج ١ ص ١٦٦، أنساب الأشراف للبلاذري ج ٥ ص ٥٧، العقد الفريد لابن عبد ربه المالكي ج ٢ ص ٢٦١.

(٣) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ١ ص ٦٣.

٢٠٥

واستجاب الله دعاء الإمام فلم تمض سنوات قليلة حتى ضرب الله بينهم العداوة والبغضاء، وإذا بعبد الرحمان يعادي صهره ولا يكلمه حتى الموت ولا يأذن له بالصلاة على جنازته. ويتجلى لنا أيضاً من هذا البحث الوجيز أن عبد الرحمان بن عوف، هو رأس من رؤوس قريش الذين عملوا على طمس السنة النبوية وإبدالها ببدع الخليفتين. كما يتجلى لنا بأن الإمام علياًعليه‌السلام هو الوحيد الذي ضحى بالخلافة، وما فيها من أجل الحفاظ على السنة المحمدية التي جاء بها أخوه وابن عمه محمد بن عبد الله ( صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين ). وأنت أيها القارئ الكريم لا شك بأنك عرفت « أهل السنة والجماعة » على حقيقتهم كما عرفت بنفسك من هم أهل السنة، فالمؤمن غر كريم ولكنه لا يلدغ من جحر مرتين.

٨ - عائشة بنت أبي بكر « أم المؤمنين »:

هي زوج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأم المؤمنين. تزوجها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في السنة الثانية أو الثالثة للهجرة وتوفي عنها وهي ابنة ثماني عشرة سنة على أشهر الأقوال المروية. وتجدر الإشارة بأن كل أمرأة تزوجها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحمل هذا اللقب، فيقال أم المؤمنين خديجة أم المؤمنين حفصة، وأم المؤمنين مارية … الخ. أقول هذا ؛ لأني فوجئت خلال حديثي مع كثير من الناس بأنهم لم يفهموا معنى الأمومة التي لقب بها أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وبما أن حديث « أهل السنة » كله عن عائشة إذا تحدثوا عن أزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأغلب الأحاديث النبوية ينقلونها عن عائشة، ونصف الدين يأخذونه عن الحميراء عائشة.

فكأنهم فهموا من كلمة « أم المؤمنين » أنها فضيلة تحصها من بين سائر أزواجه عليه الصلاة والسلام وعلى آله.

٢٠٦

والحال أن الله حرم على المؤمنين الزواج بنساء النبي بعد وفاته بقوله تعالى:( وَ مَا کَانَ لَکُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَ لاَ أَنْ تَنْکِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذٰلِکُمْ کَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً ) (الأحزاب: ٥٣ ) وقال أيضاً:( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ … ) (الاحزاب: ٦ ).

وقد سبق أن أشرنا بأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تأذى من قول طلحة لما سمعه يقول: إذا مات محمد تزوجت عائشة بنت عمي. فأراد الله سبحانه أن يقول للمؤمنين بأن نساء النبي حرام عليكم نكاجهن كحرمة أمهاتكم. مع العلم بأن عائشة كانت عقيماً، فلم تحمل ولم تخلف وكانت من أكبر الشخصيات التي عرفها تاريخ المسلمين، إذ أنها لعبت أكبر الأدوار في تقريب البعض من الخلافة وإبعاد البعض عنها، وعملت على تزكية قوم وإقضاء آخرين. وشاركت في الحروب وقادت المعارك والرجال، وكانت تبعث بالرسائل لرؤساء القبائل وتأمر وتنهي وتعزل أمراء الجيوش وتؤمر آخرين وكانت قطب الرحى في معركة الجمل وعمل طلحة والزبير تحت قيادتها. ونحن لا نريد الإطالة في سرد أدوار حياتها فقد وافينا البحث عنها في كتاب «فاسألوا أهل الذكر» فعلى الباحثين مراجعته إن أرادوا معرفة ذلك. ولكن الذي يهمنا في هذا البحث هو اجتهادها وتغييرها لسنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولابد من إبراز بعض الأمثلة لكي نفهم من خلال سلسلة هؤلاء العظماء، الذين هم مفخرة « أهل السنة والجماعة » والذين يقتدون بهم ويقدمونهم على الأئمة الطاهرين من عترة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وليس ذلك في الحقيقة إلا نزعة قبلية عملت على محق السنة النبوية وطمس معالمها وإطفاء نورها، لولا وقوف علي والأئمة من ولده لما وجدنا اليوم من سنة النبي شيئاً يذكر. وكما عرفنا بأن عائشة لم تمتثل لسنة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم تقم لها وزناً

٢٠٧

وقد سمعت من زوجها أحاديث كثيرة في حق علي إلا أنها أنكرتها وعملت بعكسها. وعصت أمر الله وأمر رسوله لها بالذات، وخرجت فقادت حرب الجمل المشؤومة التي انتهكت فيها المحارم، وقتلت الأبرياء وخانت العهد في الكتاب الذي كتبته مع عثمان بن حنيف، وعندما جاؤؤها بالرجال مكتفين أمرت بضرب أعناقهم صبراً وكأنها لم تسمع قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر )(١) . ودعنا من الحروب والفتن التي أشعلت نارها أم المؤمنين وأهلكت بها الحرث والنسل، وهيا بنا إلى تأولها هي الأخرى والقول برأيها في دين الله، وإذا كان مجرد الصحابي له رأي وقوله حجة فكيف بمن يؤخذ نصف الدين عنها ؟ !

أخرج البخاري في صحيحه من أبواب التقصير عن الزهري عن عروة عن عائشة ( رضي الله عنها ) قالت: الصلاة أول ما فرضت ركعتان فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر. قال الزهري: فقلت لعروة: ما بال عائشة تتم ؟ قال: تأولت ما تأول عثمان(٢) .

أفلا تعجب كيف تترك أم المؤمنين زوجة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سنة رسول الله التي روتها بنفسها وصححتها، ثم تتبع بدعة عثمان بن عفان والتي كانت تحرض على قتله بدعوى أنه غير سنة النبي وأبلاها قبل أن يبلى قميصه ؟

نعم ذلك ما وقع في عهد عثمان، ولكنها غيرت رأيها في عهد معاوية بن أبي سفيان، و ما أسرع أن تغير أم المؤمينن رأيها فقد حرضت على قتل عثمان، ولكنها لما عرفت بأنهم قتلوه وبايعوا عليا غيرت رأيها، وبكت على عثمان بكاء شديداً وخرجت للطلب بدمه هي أيضاً.

والمفهوم من الرواية أنها أتمت صلاة السفر وجعلتها أربع ركعات بدلاً من ركعتين في زمن معاوية الذي كان حريصاً على إحياء بدع ابن عمه وولي نعمته عثمان بن عفان.

____________________

(١) صحيح البخاري ج ٨ ص ٩١ وصحيح مسلم في كتاب الإيمان.

(٢) صحيح البخاري ج ٢ ص ٣٦.

٢٠٨

والناس على دين ملوكهم، وكانت عائشة من أولئك الناس الذين صالحوا معاوية بعد العداء، فهو الذي قتل أخاها محمد بن أبي بكر ومثل به أشنع مثلة. ومع ذلك فإن المصالح الدنيوية المشتركة تجمع الأعداء وتوحد الأضداد، لذلك تقرب إليها معاوية وتقربت إليه وأصبح يبعث لها بالهدايا والعطايا والأموال الطائلة. يقول المؤرخون: إن معاوية لما قدم المدينة دخل على عائشة لزيارتها، فلما قعد قالت له: يا معاوية أأمنت أن اخبئ لك من يقتلك بأخي محمد بن أي بكر ؟ فقال معاوية: إنما دخلت بيت الأمان. فقالت: أما خشيت الله في قتل حجر بن عدي وأصحابه ؟ فقال: إنما قتلهم من شهد عليهم(١) .

وروي أيضاً أن معاوية كان يبعث لها بالهدايا والثياب وأشياء توضع في أسطوانها، وبعث لها مرة بمائة ألف دفعة واحدة(٢) . كما بعث لها مرة أخرى وهي بمكة طوقا قيمته مائة ألف كما قضى معاوية كل ديون عائشة التي بلغت ثمانية عشر ألف دينار وكل ما كانت تعطيه للناس(٣) .

وقد قدمنا في كتاب « فاسألوا أهل الذكر » أنها أعتقت في يوم واحد أربعين رقبة تكفيراً عن يمينها(٤) . كما أن الولاة والأمراء من بني أمية كانوا يوصلونها ويبعثون لها بالهدايا والأموال أيضاً(٥) .

____________________

(١) تاريخ ابن كثير وابن عبد البر في الاستيعاب ترجمة حجر بن عدي.

(٢) تاريخ ابن كثير ج ٧ ص ١٣٦ ومستدرك الحاكم ج ٤ ص ١٣.

(٣) تاريخ ابن كثير ج ٧ ص ١٣٧.

(٤) صحيح البخاري ج ٧ ص ٩٠ من كتاب الأدب باب الهجرة. مسند الإمام أحمد بن حنبل ج ٦ ص ٧٧.

(٥) مسند الإمام أحمد بن حنبل ج٦ ص٧٧.

٢٠٩

وإذا بحثنا عن هذا التقارب بين عائشة ومعاوية قلنا: متى كان البعد والعداء حتى نقول بالتقارب فأبو بكر هو الذي شارك معاوية في الحكم وولاه على الشام بعد موت أخيه ومعاوية يشعر دائماً بفضل أبي بكر عليه فلولاه لم يكن معاوية يحلم يوماً بالوصول إلى الخلافة. ثم إن معاوية يلتقي مع الجماعة في مؤامرتهم الكبرى لمحق السنة والقضاء على العترة، وقد تقاسموا تلك المهمة فأحرقوا السنة وتركوا له القضاء على العترة فأتم معاوية ما أوكل إليه حتى أجبر الناس على لعن العترة، وبمؤامرته خرج الخوارج على الإمام علي وبمؤامرته قتل علي وبمؤامرته قتل الحسن بن علي وقد دس له السم، وقضى يزيد ابنه من بعده على بقية العترة.

فليس بين معاوية وعائشة عداء حتى قولها أأمنت أن اخبئ لك من يقتلك بأخي محمد بن أبي بكر ؟ لم يكن إلا مداعبة وإلا فإنها لا تحت ابن الخثعمية محمد بن أبي بكر والذي كان يحارب ضدها مع علي ويستحل قتلها. ثم هي تلتقي مع معاوية في بغض أبي تراب إلى أبعد الحدود وبحقد يفوق التصور والخيال. ولا أدري أيهما المتفوق في ذلك، أهو الذي حاربه وسبه ولعنه وعمل على إطفاء نوره ؟ أ هي التي عملت على إبعاده عن الخلافة وحاربته وعملت على محو اسمه فكانت لا تذكر اسمه ولما بلغها خبر قتله سجدت شكراً لله ؟

وقد بقي بغضها لولده من بعده إلى أن منعت أن يدفن الإمام الحسن بجانب جده، وخرجت تصيح راكبة على بغلة تستنفر بني أمية وتستيعن بهم على بني هاشم قائلة: لا تدخلوا بيتي من لا أحب، وأرادت أن تشعل حرباً أخرى، حتى قال لها بعض أقاربها: « ألا يكفينا يوم الجمل الأحمر حتى يقال يوم البغلة الشهباء ».

وهي بلا شك واكبت مسيرة كبرة من حكم بني أمية وسمعتهم يلعنون عليا وأهل البيت على المنابر، فما أنكرت ذلك ولا نهت عنه ولعلها كانت تشجع على ذلك من طرف خفي.

٢١٠

فقد أخرج أحمد بن حنبل في مسنده قال: جاء رجل فوقع في علي وعمار عند عائشة فقالت: أما علي فلست قائلة لك فيه شيئاً، وأما عمار فإني سمعت النبي يقول فيه لا يخير بين أمرين إلا اختار أرشدهما(١) . فلا نستغرب إذا من عائشة إذا أماتت سنة النبي وأحيت بدعة عثمان في إتمام الصلاة لإرضاء معاوية وحكام بني أمية الذين كانوا يتبعونها في حلها وفي ترحالها ويمجدونها ويأخذون الدين عنها. كما أن عائشة كانت تفتي لهم برضاعة الكبير وكانت ترى أن الرجال يمكنهم أن يرضعوا من النساء فيصبحوا بذلك من محارمهن(٢) . وما أخرجه الإمام مالك في موطأه تقشعر منه جلود المؤمنين والمؤمنات، إذ يقول بأنها كانت تبعث بالرجال إلى أختها أم كلثوم وإلى بنات أخيها فيرضعوا منهن وتسبيح أم المؤمنين عائشة بعد تلك الرضاعة مقابلتهم بدون حجاب(٣) ؛ لأنهم على رأيها أصبحوا من محارمها، وما علينا الا أن نتصور أحد يتحمل بدعة عائشة ولو يجد في نفسه حرجاً مما قضيت ويسلم تسليماً.

وأنا ألفت الباحثين والمحققين الى هذه الطامة فهي وحدها كافيه للكشف عن الحقيقة ولمعرفة الحق من الباطل. وبهذا يتبين لنا بأن ( أهل السنة والجماعة ) يعبدون الله ينصوص ما أنزل بها من سلطان، بدون تمحيص ولا تثبيت، ولو تبينوا تلك البدع لنفرت نفوسهم منها وتركوها طائعين.

____________________

(١) مسند الإمام أحمد بن حنبل ج ٦ ص ١١٣.

(٢) قد وفينا البحث في هذه المهزلة في كتاب لأكون مع الصادقين في باب خلاف عائشة مع بقية أزواج النبي.

(٣) موطأ مالك ج ٢ ص ١١٦ باب رضاعة الكبير.

٢١١

هذا ما لا مسته شخصياً عند بعض ( علماء السنة ) المتحررين الذين عندما اطلعوا على حديث رضاعة الكبير استغربوا وذهلوا وأكدوا بأنهم لم يسمعوا به أبداً. وهذه ظاهرة سارية عند ( أهل السنة والجماعة ) فكثير من الأحاديث التي يحتج بها الشيعة موجودة في صحاحهم وهو يجعلونها ويكفرون من يقول بها.( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ کَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَ امْرَأَةَ لُوطٍ کَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَ قِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ‌ ) ( التحريم: ١٠ ).

٩ - خالد بن الوليد:

خالد بن الوليد بن المغيرة من بني مخزوم الملقب عند ( أهل السنة والجماعة ) بسيف الله. أبوه من أكبر الاثرياء الذين لا يقدر ثراؤهم بقيمة، يقول عباس محمود العقاد: كان أغنى أبناء زمانه في صفوف الثراء المعروفة بينهم كافة، الذهب والفضة والبساتين والكروم والتجارة والعروض والخدم والجواري والعبيد، وسمي من أجل ذلك بالوحيد(١) . وأبوه هذا هو الدليد بن المغيرة الذي نزل فيه القرآن يتوعده بالنار وبئس القرار، فقال تعالى في شأنه:( ذَرْنِي وَ مَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَ جَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَ بَنِينَ شُهُوداً * وَ مَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * کَلاَّ إِنَّهُ کَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيداً * سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً * إِنَّهُ فَکَّرَ وَ قَدَّرَ * فَقُتِلَ کَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ کَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَ بَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَ اسْتَکْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هٰذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هٰذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ … ) ( المدثر: ١١-٢٦ ).

ويروي أن الوليد جاء للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يغريه بالاموال ليترك الذين الجديد فأنزل الله فيه:( وَ لاَ تُطِعْ کُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ‌ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ

____________________

(١) عبقرية خالد: عباس العقاد ص ٢٤.

٢١٢

أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذٰلِکَ زَنِيمٍ * أَنْ کَانَ ذَا مَالٍ وَ بَنِينَ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ‌ ) ( القلم: ١٠ - ١٦ ).

وكان الوليد يعتمد بأنه أحق وأولى بالنبوة من محمد فكان يقول: أينزل القرآن والنبوة على محمد الفقير وأترك أنا كبير قريش وسيدها ؟ وعلى هذه، مفيدة تربى خالد بن الوليد حاقداً على الإسلام وعلى نبي الإسلام الذي سفه أحلام أبيه وقوض عرشه فشارك خالد في الحروب كلها ضد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ولا شك بأن خالداً كان يشارك أباه في اعتقاده بأنه أولى بالنبوة من محمد الفقير اليتيم ولأن خالداً كأبيه من عظماء قريش إن لم يكن أعظمهم على الإطلاق، فلو نزل القرآن والنبوة على أبيه لكان لخالد منهما النصيب الأوفر ولورث النبوة والملك كما ورث سليمان داود. وقد سجل الله سبحانه اعتقادهم هذا بقوله:

( وَ لَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هٰذَا سِحْرٌ وَ إِنَّا بِهِ کَافِرُونَ‌ * وَ قَالُوا لَوْ لاَ نُزِّلَ هٰذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ‌ ) ( الزخرف: ٣٠ - ٣١ ).

فلا غرابة أن يعمل كل ما في وسعه للقضاء على محمد ودعوته وقد رأيناه يجهز جيشاً كبيراً بما أتاح له الثراء في غزوة أحد ويكمن للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم محاولاً القضاء عليه، وقد حاول أيضاً عام الحديبية أن يغتال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكن الله سبحانه أفشل مخططاته كلها فباءت بالفشل ونصر نبيه في المواطن كلها. ولما عرف خالد كغيره من عظماء قريش بأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يقهر، ورأى الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، عند ذلك استسلم للأمر الواقع وفي نفسه حسرة، فكان إسلامه متأخراً إلى السنة الثامنة للهجرة وقبل فتح مكة بأربعة شهور. ودشن خالد إسلامه بمخالفة أوامر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث نهاهم عن القتال فدخل خالد إلى مكة يوم الفتح بعد ما قتل أكثر من ثلاثين رجلاً أغلبهم من قريش وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوصاهم بأن لا يقتلوا أحداً.

٢١٣

ومهما اعتذر المعتذرون عن خالد بأنه صد عن الدخول إلى مكة ويأنه شهروا في وجهه السلاح، فهذا لا يبيح له القتال بعد نهي النبي عنه، وكان بوسعه أن يرجع إلى باب آخر فيدخله بدون قتال، كما فعل الآخرون، أو أن يبعث للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستشيره في قتال الذين منعوه الدخول. ولكن شيئاً من ذلك لم يكن، واجتهد خالد برأيه مقابل النص الذي سمعه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وما دمنا نتحدث عن الاجتهاد مقابل النص والذي أصبح له أنصار ومؤيدون، أو قل أصبحت له مدرسة قائمة تخرج منها عظماء الصحابة والمشرعون وسميت فيما بعد بمدرسة الخلفاء، لابد لنا من الإشارة هنا بأن الاجتهاد بهذا المعنى هو معصية الله ورسوله لا غير، ولأننا الفنا اصطلاح الاجتهاد مقابل النص فأصبح وكأنه أمر مشروع، وفي الحقيقة يجب أن نقول: وعصى خالد أمر النبي بدل أن نقول: واجتهد خالد برأيه مقابل النص كما علمنا القرآن عندما قال: (وَ عَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى‌ ) ( طه: ١٢١ ) ؛ لأن الله نهاه عن الأكل من الشجرة، ولأن آدم أكل منها، فلا تقول: فاجتهد آدم برأيه مقابل النص. ويجب على المسلم أن يقف عند حده ولا يقول برأيه في مسألة ورد فيها امر أو نهي من الله أو من رسوله ؛ لأن ذلك هو الكفر الصريح. قال الله للملائكة:( اسْجُدُوا لِآدَمَ ) ، فهذا أمر،( فَسَجَدُوا ) (طه / ١١٦ )، وهذا إيجاب وامتثال وطاعة. إلا إبليس فإنه اجتهد برأيه فقال: أنا خير منه فكيف أسجد له ؟ وهنا عصيان وتمرد، بقطع النظر عمن هو خير، آدم أم إبليس ؟

ولذلك قرر سبحانه: ( ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة ) ( الأحزاب: ٣٦ ). وإلى هذا أشار الإمام جعفر الصادق عندما قال لأبي حنيفة: ( لا تقس فإن

٢١٤

الشريعة إذا قيست محقت، وإن أول من قاس إبليس عندما قال: أنا خير منه خلقني من نار وخلقته من طين ).

وقوله: إن الشريعة إذا قيست محقت هو أحسن تعبير للدلالة على فساد القياس، فلو استعمل الناس آراءهم المختلفة مقابل النصوص فلا ولن يبق للشريعة أثر، ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض. ونعود بعد هذا العرض الوجيز للاجتهاد لنقول في هذه المرة، بأن خالد بن الوليد عصى أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرة أخرى عندما بعثه إلى بني جذيمة يدعوهم إلى الإسلام ولم يأمره بقتال. فذهب إليهم وأوقع فيهم وغذر بهم بعدما أعلنوا إسلامهم وقتلهم صبراً، حتى أتهمه عبد الرحمان بن عوف - الذي حضر معه تلك الوقعة - بأنه إنما قتلهم ليثأر لعميه اللذين قتلهما بنو جذيمة(١) .

ولما سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتلك الوقعة الشنيعة تبرأ إلى الله مما صنع خالد ثلاث مرات، ثم أرسل إليهم علي بن أبي طالب بأموال كثيرة فودى لهم كل الدماء التي أهرقها خالد. ومهما يعتذر المعتذرون من « أهل السنة والجماعة » عن خالد بن الوليد، فإن صفحات تاريخه حافلة بالمآسي والمعاصي لكتاب الله وسنة رسوله، ويكفي الباحث أن يقرأ تاريخه وما فعله في اليمامة أيام أبي بكر، وغدره بمالك بن نويره وقومه وكيف قتلهم صبراً وهم مسلمون ودخل بزوجة مالك ونكحها في ليلتها، ولم يراع في ذلك شرع الإسلام ولا مروءة العرب. حتى أن عمر بن الخطاب مع تساهله في الأحكام، إلا أنه شنع عليه وسماه عدو الله وتوعده بالرجم.

____________________

(١) أخرج اليعقوبي في تاريخه ج ٢ ص ٦١ أن عبد الرحمان بن عوف قال: والله لقد قتل خالد القوم وهم مسلمون، فقال خالد: إنما قتلتهم بأبيك عوف بن عبد عوف، فقال له عبد الرحمان: ما قتلت بأبي ولكنك قتلت بعمك الفاكه بن المغيرة.

أنظر رعاك الله: إن خالداً لم ينكر قتله للقوم وهم مسلمون بل اعترف بأنه قتلهم بعوف والد عبد الرحمان فهل يحق في دين الله أن يقتل قوم برجل واحد وهل يجوز قتل المسلمين برجل كافر.

٢١٥

وعلى الباحثين أن يراجعوا التاريخ بعين البصيرة ومن وجهة النقد البناء الذي يوصلهم إلى الحقيقة بكل تجرد وحياد، ولا تأخذهم العصبية المذهبية، فيقوموا الأشخاص من خلال الأحاديث المكذوبة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لأن « أهل السنة والجماعة » وهم بنو أمية في الواقع يمسحون الأحداث التاريخية بحديث واحد يضعونه من عندهم ليقطعوا به الطريق على الباحثين فلا يصلون إلى الحقيقة. وما أسهل أن يقول أحدهم: قال رسول الله لخالد بن الوليد: « مرحباً بسيف الله »: فيأخذ هذا الحديث المكذوب مأخذه من نفوس المسلمين الأبرياء الذين يحسنون الظن ولا يعرفون خفايا الأمور ودسائس الأمويين، فيتأولون بعد هذا الحديث الموضوع كل ما يقال في خالد من حقائق ويلتمسون لها أعذاراً.

وهذا ما يسمى بالتأثير النفسي على الأشخاص وهو الداء العضال الذي يحجب الإنسان عن الحق ويقلب الواقع تماماً. خذ لذلك مثلاً، أبا طالب عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قيل: إنه مات على الكفر وإن النبي قال فيه: أبو طالب في ضحضاح من نار يغلي منها دماغه. ومن أجل هذا الحديث المكذوب يعتقد « أهل السنة والجماعة » بأن أبا طالب مشرك وهو في النار ولا يتقبلون بعد ذلك التحليل العقلي الذي يوصلهم إلى الحقيقة، وبهذا الحديث تنسف كل حياة أبي طالب وجهاده في سبيل الإسلام من أجل دعوة ابن أخيه حتى عافاه قومه، وعاداهم إلى أن رضي بالحصار في شعب مكة لمدة ثلاث سنين مع ابن أخيه يأكل خلالها أوراق الشجر، وتنسف كل مواقفه البطولية واشعاره العقائدية في نصرة دعوة النبي، وكذلك يعفى كل ما فعله النبي في حق عمه وكيف غسله وكفنه في قميصه ونزل في قبره وسمى ذلك العام بعام الحزن وقال: والله ما نالت مني قريش إلا بعد موت أبي طالب، وإن الله أوحى إلي أن أخرج منها فقد مات ناصرك، فهاجر من مكة في يومه. وخذ لذلك مثلاً أبا سفيان بن حرب والد معاوية، قيل إنه أسلم بعد فتح مكة وقال النبي فيه: « من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ». ومن أجل هذا الحديث الذي ليس فيه فضل ولا فضيلة يعتقد « أهل النسة

٢١٦

والجماعة » بأن سفيان أسلم وحسن إسلامه وهو في الجنة ؛ لأن الإسلام يجب ما قبله. ولا يتقبلون بعد ذلك التحليل العقلي الذي يوصلهم إلى الحقيقة، وبهذا الحديث أيضاً يعفى كل ما فعله أبو سفيان تجاه صاحب الرسالة ودعوته، وتنسى كل الحروب التي قادها ومولها للقضاء على محمد، وينسى حقده وبغضه للنبي حتى أنه لما جاؤوا به وقالوا له أسلم وإلا ضربنا عنقك قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فقالوا: قل: أشهد أن محمدا رسول الله فقال: أما هذه ففي نفسي شيء منها. وكان إذا اجتمع بالنبي بعد استسلامه يقول في نفسه: بأي شيء غلبني هذا ؟ فيقول له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالله عليك يا أبا سفيان. فهذان مثلان ضربتهما من واقعنا الإسلامي حتى يتبين للباحثين مفعول التأثير النفسي على الناس وكيف يحجبهم عن الحق، ومن هذا نفهم بأن « أهل السنة والجماعة » غلفوا الصحابة بهالة من الأحاديث المكذوبة أكسبتهم حصانة وقدامة في نفوس الغافلين فلم يعودوا يتقبلون فيهم نقد الناقدين ولومة اللائمين.

وإذا اعتقد المسلم بأن هؤلاء بشرهم رسو الله بالجنة فلا يتقبل بعد ذلك فيهم أي قول وكل ما فعلوه يهون ويلتمس لهم فيه أعذار أو تأويلات هذا إذا لم يغلق الباب من أوله. ولذلك وضعوا لكل واحد من كبرائهم لقباً نسبوه للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهذا صديق وهذا فاروق وهذا ذو النورين، وهناك حب رسول الله وهناك حواري رسول الله وهناك حبيبه رسول الله، وهناك أمين الأمة وهناك راوية الإسلام، وهناك كاتب الوحي، وهناك صاحب النعلين، وحجام الرسول وسيف الله المسلول، وغير ذلك. وكلها في الحقيقة لا تسمن ولا تغني من جوع في ميزان الحق عند الله إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وأباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إنما الذي ينفع عند الله ويضر هو الإعمال.

٢١٧

والتاريخ هو خير شاهد على الأعمال وبها نقيم شخصية الإنسان وقيمته، ولا نقيم الإنسان مما يقال فيه كذباً وبهتاناً. وهي بالضبط مقولة الإمام علي: ( إعرف الحق تعرف أهله ). وبما أننا درسنا التاريخ وعرفنا ما فعله خالد بن الوليد وعرفنا الحق من الباطل فلا يمكن لنا أن نسميه سيف الله، ويحق لنا أن نسأل متى لقبه رسول الله بذلك، هل سماه سيف الله عندما قتل أهل مكة يوم الفتح وقد عرفنا بأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهاه عن القتال ؟ أم عندما بعثه مع سرية زيد بن حارثة إلى مؤتة وقال: إذا قتل زيد، فجعفر بن أبي طالب وإذا قتل جعفر فعبد الله بن رواحة، ولم يعينه حتى في المرتبة الرابعة لقيادة الجيش، وبعد مقتل الثلاثة لاذ خالد بالفرار من المعركة بمن بقي من الجيش ؟ أم لقبه بسيف الله عندما خرج معه إلى غزوة حنين صحبة اثني عشر ألف مقاتل فأعطى بالأدبار وولى هارباً تاركاً رسول الله في المعركة ومعه اثنا عشر رجلاً ؟

وإذا كان الله يقول:( وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَ مَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ ) ( الأنفال: ١٦ ).

فكيف يسمح لسيفه بالهروب ؟ إنه حق أمر عجيب ! وأنا أعتقد أن خالداً لم يكن يعرف هذا اللقب في حياة النبي أصلاً ولم يقله رسول اله أبداً، وغاية ما هناك أن أبا بكر هو الذي أعطى لخالد هذا الوسام عندما بعثه لإسكات الثائرين عليه من أجل الخلافة وفعل بهم ما فعل ونقم عليه عمر بن الخطاب وقال لأبي بكر: « إن سيف خالد لرهقاً » وهو أعرف الناس به وأقربهم إليه، عند ذلك قال أبو بكر لعمر: إن خالداً سيف من سيوف الله سله على أعدائه، إنه تأول فأخطأ، ( ومن هنا جاء هذا اللقب ). وأخرج الطبري في الرياض النضرة أنه كان في بني سليم ردة فبعث إليهم أبو بكر خالد بن الوليد ف، جمع رجالاً منهم في الحضائر وأضرم عليهم النار فأحرقهم، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فأتى أبا بكر فقال: تدع رجلاً يعذب بعذاب الله عز وجل ؟

٢١٨

فقال أبو بكر: والله لا أشم سفاً سله الله على عدوه حتى يكون هو الذي يشيمه، ثم أمره فمضى من وجهه إلى مسيلمة(١) . ومن هنا سمى « أهل السنة والجماعة » خالداً ب- « سيف الله المسلول » ولو أن خالداً عصى أمر الرسول وحرق الناس بالنار ضارباً بالسنة عرض الجدار. فقد أخرج البخاري في صحيحه أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: « إن النار لا يعذب بها إلا الله »، وقوله أيضاً: « لا يعذب بالنار إلا ربها »(٢) .

وقد قدمنا أن أبا بكر كان يقول قبل موته: يا ليتني لم أحرق الفجاءة السلمي ! ونحن نقول يا ليت سائلاً يسأل عمر بن الخطاب ويقول له: إذا كنت تعرف أنه لا يعذب بالنار إلا الله، فلماذا أقسمت غداة وفاة الرسول لتحرقن بيت الزهراء بمن فيها أو يخرجوا للبيعة ؟ ولولا تليم علي وأمره الجماعة بالخروج للبيعة لنفذت فيم مرادك. وإن الشك يداخلني بعض الأوقات فأستبعد أن يكون عمر يعارض أبا بكر فلا يلتفت إليه وإلى معارضته، فهذا غريب. وقد رأينا أبا بكر لا يقف بوجه عمر ولا يثبت أمام معارضته حتى قال له غير مرة: لقد قلت لك بأنك أقوى مني على هذا الأمر فغلبتني، ومرة أخرى لما اشتكى إليه المؤلفة قلوبهم فعل عمر بالكتاب الذي كتبه إليهم وأنه بصق فيه ومزقه، وسألوه: أأنت الخليفة أم عمر ؟ فقاتل: بل هو إن شاء الله. ولذلك أقول: لعل المعارض له في أفعال خالد البشعة هو علي بن أبي طالب، ولكن المؤرخين الأولين كانوا كثيراً ما يتحاشون ذكر اسمه فأبدلوه بعمر، كما وردت بعض الروايات المسندة إلى أبي زينب أو إلى رجل ويقصدون به علياً ولا يصرحون بذلك. وليس هذا إلا مجرد احتمال، أو أننا نقبل قول بعض المؤرخين بأن عمر بن

____________________

(١) الرياض النضرة للطبري ج ١ ص ١٠٠.

(٢) صحيح البخاري ج ٤ ص ٣٢٥.

٢١٩

الخطاب كان يبغض خالداً ولا يطيق رؤيته ؛ لأنه يغار منه فقد استهوى خالد قلوب الناس بما حقه من انصارات ويقال أبن خالداً صارع عمر في الجاهلية فغلبه وكسر رجله.والمهم، أن عمر عزل خالداً يوم تولى الخلافة ولكن لم يقم عليه الحد بالرجم كما وعده بذلك. وبالنتيجة إن خالد بن الوليد وعمر بن الخطاب كانا مترادفين في الشدة والغطرسة كل منهما غظ غليظ القلب عمل كل منهما على مخالفة السنة النبوية، وعصيان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حياته وبعد وفاته، كما كان كل منهما يبغض وصي النبي ويعمل على إبعاده، وقد تآمر خالد مع عمر وأبي بكر على أغتيال علي عقيب وفاة النبي(١) ولكن الله سبحانه وتعالى نجاه منهم ليقضي أمراً كان مفعولاً. ومرة أخرى يتضح لنا بعد دراسة لشخصية خالد بن الوليد الذي يتغنى به « أهل السنة والجماعة » بأنهم أكثر بعداً عن السنة النبوية، وهم يقتدون بمن خالفها ونبذها وراء ظهره ولم يراع لها ولا لكتاب الله حرمة ولا احتراماً.

١٠ - أبو هريرة الدوسي:

هو من الصحابة المتأخرين عن الإسلام وعلى حسب ترتيب الطباقت لابن سعد فهو يعد من الطبقة التاسعة أو العاشرة. قدم على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في آخر السنة السابعة للهجرة وبذلك يقول المؤرخون بأن صحبته للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم تتجاوز ثلاث سنين(٢) على أكثر تقدير ومنهم من ينزل بتلك الصحبة إلى أقل من سنتين باعتبار أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعثه مع ابن الحضرمي إلى البحرين فتوفي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو بالبحرين. ولم يكن أبو هريرة من الذين عرفوا بجهاد أو شجاعة ولا من أولئك الداهة المفكرين ولا من الفقهاء الحافظين ولم يكن يعرف القراءة والكتابة، وقدم على

____________________

(١) يراجع في ذلك كتاب الاحتجاج للطبرسي.

(٢) صحيح البخاري ج ٤ ص ١٧٥ في ما رواه أبو هريرة عن نفسه باب علامات النبوة.

٢٢٠