الروضة من الكافي الجزء ٨

الروضة من الكافي0%

الروضة من الكافي مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 311

الروضة من الكافي

مؤلف: أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي
تصنيف:

الصفحات: 311
المشاهدات: 46377
تحميل: 5717

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 311 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 46377 / تحميل: 5717
الحجم الحجم الحجم
الروضة من الكافي

الروضة من الكافي الجزء 8

مؤلف:
العربية

الرجال الاموال على فروجهم وتنوفس في الرجل(١) وتغاير عليه الرجال، وكان صاحب المال أعز من المؤمن، وكانت الربا ظاهرا لا يعير، وكان الزنى تمتدح به النساء، ورأيت المرأة تصانع زوجها(٢) على نكاح الرجال، ورأيت أكثر الناس وخير بيت من يساعد النساء على فسقهن، ورأيت المؤمن محزونا محتقرا ذليلا، ورأيت البدع والزنى قد ظهر، ورايت الناس يعتدون بشاهد الزور، ورأيت الحرام يحلل ورأيت الحلال يحرم، ورأيت الدين بالرأى وعطل الكتاب وأحكامه، ورأيت الليل لا يستخفى به من الجرأة على الله(٣) ، ورأيت المؤمن لا يستطيع أن ينكر إلا بقلبه، ورأيت العظيم من المال ينفق في سخط الله عزوجل، ورأيت الولاة يقربون أهل الكفر ويباعدون أهل الخير، ورأيت الولاة يرتشون في الحكم، ورأيت الولاية قبالة لمن زاد، ورأيت ذوات الارحام ينكحن ويكتفى بهن ورأيت الرجل يقتل على التهمة وعلى الظنة ويتغاير على الرجل الذكر فيبذل له نفسه و ماله، ورأيت الرجل يعير على إتيان النساء، ورأيت الرجل يأكل من كسب امرأته من الفجور، يعلم ذلك ويقيم عليه، ورأيت المرأة تقهر زوجها، وتعمل ما لا يشتهي وتنفق على زوجها، ورأيت الرجل يكري امرأته وجاريته ويرضى بالدني من الطعام والشراب، ورأيت الايمان بالله عزوجل كثيرة على الزور، ورأيت القمار قد ظهر، ورأيت الشراب يباع ظاهرا ليس له مانع، ورأيت النساء يبذلن أنفسهن لاهل الكفر، ورأيت الملاهي قد ظهرت يمر بها، لا يمنها أحد أحدا ولا يجترئ أحد على منعها، ورأيت الشريف يستذله الذى يخاف سلطانه، ورأيت أقرب الناس من الولاة من يمتدح بشتمنا أهل البيت، ورأيت من يحبنا يزور ولا تقبل شهادته، ورأيت الزور من القول يتنافس فيه، ورأيت القرآن قد ثقل على الناس استماعه وخف على الناس استماع

____________________

(١) اي فروج نسائهم للدياثة ويمكن ان يقرء الرجال بالرفع واعطوا على المعلوم او المجهول من باب اكلوني البراغيث والاول اظهر. والتنافس: الرغبة في الشئ والافراد به والمنافسة: المغالبة على الشئ وهي المراد ههنا؛(آت) وفي بعض النسخ (وتغار عليه الرجال).

(٢) المصانعة: الرشوة والمداهنة.

(٣) اي لا ينتظرون دخول الليل ليستتروا به المعاصي بل يعملونها في النهار علانية؛ (آت).

٤١

الباطل، ورأيت الجار يكرم الجار خوفا من لسانه، ورأيت الحدود قد عطلت وعمل فيها بالاهواء، ورأيت المساجد قدزخرفت، ورأيت أصدق الناس عند الناس المفتري الكذب ورأيت الشر قد ظهر والسعي بالنميمة، ورأيت أصدق البغي قد فشا، ورأيت الغيبة تستملح(١) و يبشر بها الناس بعضهم بعضا، ورأيت طلب الحج والجهاد لغيرالله، ورأيت السلطان يذل للكافر المؤمن، ورأيت الخراب قد أديل من العمران(٢) ، ورأيت الرجل معيشته من بخس المكيال والميزان ورأيت سفك الدماء يستخف بها، ورأيت الرجل يطلب الرئاسة لعرض الدنيا ويشهر نفسه بخبث اللسان ليتقى وتسند إليه الامور، ورأيت الصلاة قد استخف بها، ورأيت الرجل عنده المال الكثير ثم لم يزكه منذ ملكه، ورأيت الميت ينبش من قبره(٣) ويؤذى وتباع أكفانه، ورأيت الهرج قد كثر، ورأيت الرجل يمسي نشوان(٤) ويصبح سكرانالا يهتم بماالناس فيه، ورأيت البهائم تنكح، ورأيت البهائم يفرس بعضها بعضا ورأيت الرجل يخرج إلى مصلاه ويرجع وليس عليه شئ من ثيابه، ورأيت قلوب الناس قد قست وجمدت أعينهم وثقل الذكر عليهم، ورأيت السحت قد ظهر يتنافس فيه، ورأيت المصلي إنما يصلى ليراه الناس، ورأيت الفقيه يتفقه لغير الدين، يطلب الدنيا والرئاسة، ورأيت الناس مع من غلب، ورأيت طالب الحلال يذم ويعير وطالب الحرام يمدح ويعظم، ورأيت الحرمين يعمل فيهما بما لا يحب الله، لا يمنعهم مانع ولا يحول بينهم وبين العمل القبيح أحد ورايت المعازف ظاهرة في الحرمين، ورأيت الرجل يتكلم بشئ من الحق ويامر بالمعروف وينهى عن المنكر فيقوم إليه من ينصحه في نفسه فيقول: هذا عنك موضوع، ورأيت الناس ينظر بعضهم إلى بعض ويقتدون بأهل الشرور، ورايت مسلك الخير وطريقه خاليا لا يسلكه أحد، ورأيت الميت يهزأ به فلا يفزع له أحد، ورايت كل عام يحدث فيه من الشر والبدعة أكثر مما كانت، ورأيت الخلق والمجالس لا يتابعون إلا الاغنياء، ورأيت المحتاج يعطى على الضحك به ويرحم لغير وجه الله، ورأيت الآيات في السماء لا يفزع لها أحد، ورأيت الناس يتسافدون(٥) كما يتسافد البهائم لا ينكر أحد منكرا تخوفا من

____________________

(١) استملح أي عده مليحا.

(٢) الادالة: الغلبة.

(٣) في بعض النسخ (ينشر من قبره).

(٤) نشوان اي سكران.

(٥) السفاد: نزو الذكر على الانثى. اي جهرة في الطرق والشوارع.

٤٢

الناس، ورأيت الرجل ينفق الكثر في غير طاعة الله ويمنع اليسير في طاعة الله، ورأيت العقوق قد ظهر واستخف بالوالدين وكانا من أسوء الناس حالا عند الولد ويفرحبأن يفتري عليهما، ورأيت النساء وقد غلبن على الملك وغلبن على كل أمر لا يؤتى إلا مالهن فيه هوى، ورأيت ابن الرجل يفتري على أبيه ويدعو على والديه ويفرح بموتهما، ورأيت الرجل إذا مر به يوم ولم يكسب فيه الذنب العظيم من فجور أو بخس مكيال أو ميزان أو غشيان حرام أو شرب مسكر كئيبا حزينا يحسب أن ذلك اليوم عليه وضيعة(١) من عمره، ورأيت السلطان يحتكر الطعام، ورأيت أموال ذوي القربى تقسم في الزور ويتقامر بها وتشرب بها الخمور، ورأيت الخمر يتداوى بها ويوصف للمريض ويستشفى بها، ورأيت الناس قد استووا في ترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وترك التدين به، ورأيت رياح المنافقين(٢) وأهل النفاق قائمة ورياح أهل الحق لا تحرك، ورأيت الاذان بالاجر والصلاة بالاجر، ورأيت المساجد محتشية ممن لا يخاف الله، مجتمعون فيها للغيبة وأكل لحوم أهل الحق ويتواصفون فيها شراب المسكر، ورأيت السكران يصلي بالناس وهو لا يعقل ولا يشان(٣) بالسكر وإذاسكر أكرم واتقى وخيف وترك، لا يعاقب ويعذر بسكره، ورايت من أكل أموال اليتامى يحمد بصلاحه، ورأيت القضاة يقضون بخلاف ما أمر الله، ورأيت الولاة يأتمنون الخونة للطمع ورأيت الميراث قد وضعته الولاة لاهل الفسوق والجرأة على الله(٤) ، يأخذون منهم ويخلونهم وما يشتهون ورأيت المنابر يؤمر عليها بالتقوى ولا يعمل القائل بما يأمر، ورأيت الصلاة قد استخف بأوقاتها، ورأيت الصدقة بالشفاعة(٥) لا يراد بها وجه الله ويعطى لطلب الناس، ورأيت

____________________

(١) اي خسران ونقص.

(٢) تطلق الريح على الغلبة والقوة والرحمة والنصرة والدولة والنفس والكل محتمل و الاخير اظهر؛ (آت).

(٣) من الشين اي العيب.

(٤) اي ميراث اليتيم بان تولوا عليها خائنا يأكل بعضها ويعطيهم بعضها. او يحكمون لكل ميراث للفاسق من الورثة لما ياخذون منه من الرشوة؛ (آت).

(٥) اي لا يتصدقون الا لمن يشفع له شفيع فيعطون لوجه الشفيع لا لوجه الله. او يعطون لطلب الناس وابرامهم؛ (آت).

٤٣

الناس همهم بطونهم وفروجهم، لا يبالون بما أكلوا وما نكحوا، ورأيت الدنيا مقبلة عليهم، ورأيت أعلام الحق قد درست فكن على حذر واطلب إلى الله عزوجل النجاة وأعلم أن الناس في سخط الله عزوجل وإنما يمهلهم لامر يراد بهم فكن مترقبا واجتهد ليراك الله عزوجل في خلاف ما هم عليه فإن نزل بهم العذاب وكنت فيهم عجلت إلى رحمة الله وإن أخرت ابتوا وكنت قد خرجت مما هم فيه من الجرأة على الله عزوجل وأعلم أن الله لا يضيع أجر المحسنين وأن رحمة الله قريب من المحسنين.

حديث موسىعليه‌السلام

٨ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عمرو بن عثمان، عن علي بن عيسى رفعه قال(١) : إن موسى (ع) ناجاه الله تبارك وتعالى فقال له في مناجاته: يا موسى لا يطول في الدنيا أملك فيقسو لذلك قلبك وقاسي القلب مني بعيد.

يا موسى كن كمسرتي فيك(٢) فإن مسرتي أن أطاع فلا اعصي، فأمت قلبك بالخشية وكن خلق الثياب(٣) جديد القلب تخفى على أهل الارض وتعرف في أهل السماء، حلس البيوت(٤) مصباح الليل واقنت بين يدي قنوت الصابرين وصح إلي من كثرة الذنوب صياح المذنب الهارب من عدوه واستعن بي على ذلك فإني نعم العون ونعم المستعان.

يا موسى إني أنا الله فوق العباد والعباد دوني وكل لي داخرون(٥) فاتهم نفسك على نفسك ولا تأتمن ولدك على دينك إلا أن يكون ولدك مثلك يحب الصالحين.

____________________

(١) كذا مرفوعا، مجهولا، موقوفا.

(٢) هذا تشبيه للمبالغة وحاصله: كن على حال أكون مسرورا بفعالك فكانك تكون مسرورا.

(٣) الخلق محركة: البالي.

(٤) الحلس: بساط يبسط في البيت.

(٥) اي صاغرون، عاجزون.

٤٤

يا موسى اغسل واغتسل واقترب من عبادي الصالحين.

يا موسى كن إمامهم في صلاتهم وإمامهم فيما يتشاجرون(١) واحكم بينهم بما أنزلت عليك فقد أنزلته حكما بينا وبرهانا نيرا ونورا ينطق بما كان في الاولين وبما هو كائن في الآخرين.

اوصيك يا موسى وصية الشفيق المشفق بابن البتول عيسى ابن مريم صاحب الاتان والبرنس والزيت والزيتون والمحراب(٢) ومن بعده بصاحب الجمل الاحمر الطيب الطاهر المطهر، فمثله في كتابك أنه مؤمن مهيمن(٣) على الكتب كلها وأنه راكع ساجد، راغب، راهب، إخوانه المساكين وأنصاره قوم آخرون(٤) ويكون في زمانه أزل وزلزال(٥) وقتل، وقلة من المال، اسمه أحمد، محمد الامين من الباقين من ثلة الاولين الماضين، يؤمن بالكتب كلها ويصدق جميع المرسلين ويشهد بالاخلاص لجميع النبيين امته مرحومة مباركة ما بقوا في الدين على حقائقه، لهم ساعات مؤقتات يؤدون فيها الصلوات أداء العبد إلى سيده نافلته، فبه فصدق ومنهاجه فاتبع فإنه أخوك.

يا موسى إنه أمي وهو عبد صدق يبارك له فيما وضع يده عليه ويبارك عليه كذلك كان في علمي وكذلك خلقته، وبه أفتح الساعة وبامته أختم مفاتيح الدنيا(٦) فمر ظلمة بني إسرائيل أن لا يدرسوا اسمه ولا يخذلوه وإنهم لفاعلون، وحبه لي حسنة، فأنا معه

____________________

(١) التشاجر: التنازع والتخاصم.

(٢) الاتان بالفتح: الحمارة. والبرنس بالضم: قلنسوة طويلة وكان النساك يلبسونها في صدر الاسلام.

والمراد بالزيتون والزيت: التمرة المعروفد ودهنها لانهعليه‌السلام كان ياكلهما او نزلتا له في المائدة من السماء او المراد بالزيتون مسجد دمشق او جبال الشام كما ذكره الفيروزآبادى اي اعطاه الله بلاد الشام. وبالزيت الدهن الذي روى انه كان في بنى اسرائيل وكان غليانها من علامات النبوة.

والمحراب لزومه وكثرة العبادة فيه؛ (آت).

(٣) المهيمن هنا: المشاهد والمؤتمن.

(٤) اي ليسوا من قومه وعشيرته.

(٥) الازل: الضيق والشدة.

(٦) (به افتح) الباء للملابسة والغرض اتصال امته ودولته ونبوته بقيام الساعة؛ (آت).

٤٥

وأنا من حزبه(١) وهو من حزبي وحزبهم الغالبون، فتمت كلماتي لاظهرن دينه على الاديان كلها ولاعبدن بكل مكان ولانزلن عليه قرآنا فرقانا شفاء‌ا لما في الصدور من نفث الشيطان فصل عليه يا ابن عمران فإني أصلي عليه وملائكتي.

يا موسى أنت عبدي وأنا إلهك، لا تستذل الحقير الفقير ولا تغبط الغني بشئ يسير وكن عند ذكري خاشعا وعند تلاوته برحمتي طامعا واسمعني لذاذة التوراة بصوت خاشع حزين، اطمئن عند ذكري وذكر بي من يطمئن إلي واعبدني ولا تشرك بي شيئا وتحر مسرتي(٢) إني أنا السيد الكبير، إني خلقتك من نطفة من ماء مهين(٣) ، من طينة أخرجتها من أرض ذليلة ممشوجة(٤) فكانت بشرا فأنا صانعها خلقا فتبارك وجهي وتقدس صنيعي(٥) ، ليس كمثلي شئ وأنا الحي الدائم لا أزول.

يا موسى كن إذا دعوتني خائفا مشفقا وجلا، عفر وجهك لي في التراب واسجد لي بمكارم بدنك واقنت بين يدي في القيام وناجني حين تناجيني بخشية من قلب وجل واحي بتوراتي أيام الحياة وعلم الجهال محامدي وذكرهم آلائي ونعمتي وقل لهم لا يتمادون في غي ماهم فيه، فإن أخذي أليم شديد.

ياموسى إذا انقطع حبلك مني لم يتصل بحبل غيري، فاعبدني وقم بين يدي مقام العبد الحقير الفقير، ذم نفسك فهي أولى بالذم ولا تتطاول بكتابي على بني اسرائيل فكفى بهذا واعظا لقلبك ومنيرا وهو كلام رب العالمين جل وتعالى.

يا موسى متى ما دعوتني ورجوتني فإني سأغفر لك على ماكان منك، السماء تسبح لي وجلا والملائكة من مخافتي مشفقون والارض تسبح لي طمعا وكل الخلق

____________________

(١) اي انصره واعينه؛ (آت).

(٢) التحري: الطلب.

(٣) المهين: الحقير والقليل والضعيف.

(٤) اي مخلوطة من انواع والمراد: اني خليقتك من نطفة واصل تلك النطفة حصل من شخص خلقته من طينة الارض وهو آدمعليه‌السلام واخذت طينته من جميع وجه الارض المشتملة على ألوان وأنواع مختلفة؛ (آت).

(٥) في بعض النسخ (صنعى).

٤٦

يسبحون لي داخرون(١) ثم عليك بالصلاة، الصلاة فإنها مني بمكان ولها عندي عهد وثيق وألحق بها ما هو منها زكاة القربان من طيب المال والطعام فإني لا أقبل إلا الطيب يراد به وجهي.

واقرن مع ذلك صلة الارحام فإني أنا الله الرحمن الرحيم والرحم أنا خلقتها فضلا من رحمتي ليتعاطف بها العباد ولها عندي سلطان في معاد الآخرة وأنا قاطع من قطعها وواصل من وصلها وكذلك أفعل بمن ضيع أمري.

يا موسى أكرم السائل إذا أتاك برد جميل أو إعطاء يسير فإنه يأتيك من ليس بإنس ولا جان، ملائكة الرحمن يبلونك كيف أنت صانع فيما أوليتك وكيف مؤاساتك فيما خولتك(٢) ؟ واخشع لي بالتضرع واهتف لي بولولة الكتاب(٣) واعلم أني أدعوك دعاء السيد مملوكه ليبلغ به شرف المنازل وذلك من فضلي عليك وعلى آبائك الاولين.

يا موسى لا تنسني على كل حال ولا تفرح بكثرة المال فإن نسياني يقسي القلوب ومع كثرة المال كثرة الذنوب، الارض مطيعة والسماء مطيعة والبحار مطيعة وعصياني شقاء الثقلين وانا الرحمن الرحيم، رحمن كل زمان، آتي بالشدة بعد الرخاء وبالرخاء بعد الشدة وبالملوك بعد الملوك وملكي دائم قائم لا يزول ولا يخفى علي شئ في الارض ولا في السماء وكيف يخفى علي ما مني مبتداه وكيف لا يكون همك فيما عندي وإلي ترجع لا محالة.

يا موسى اجعلني حرزك وضع عندى كنزك من الصالحات وخفني ولا تخف غيري إلي المصير.

يا موسى ارحم من هو أسفل منك في الخلق ولا تحسد من هو فوقك فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.

____________________

(١) في بعض النسخ (داخرين) وهو حال عن الضمير في يسبحون.

(٢) التخويل: التمليك.

(٣) الولولة: صوت متتابع بالويل والاستغاثة، ورفع الصوت بالبكاء والصياح.

٤٧

يا موسى إن ابني آدم تواضعا في منزلة لينا لا بها من فضلي ورحمتي فقربا قربانا ولا أقبل إلا من المتقين، فكان من شأنهما ما قد علمت فكيف تثق بالصاحب بعد الاخ والوزير.

يا موسى ضع الكبر ودع الفخر واذكر أنك ساكن القبر فليمنعك ذلك من الشهوات.

يا موسى عجل التوبة وأخر الذنب وتأن في المكث بين يدي في الصلاة ولا ترج غيري، اتخذني جنة للشدائد وحصنا لملمات الامور.

يا موسى كيف تخشع لى خليقة لا تعرف فضلي عليها وكيف تعرف فضلي عليها وهي لا تنظر فيه وكيف تنظر فيه وهي لا تؤمن به وكيف تؤمن به وهي لا ترجو ثوابا وكيف ترجو ثوابا وهي قد قنعت بالدنيا واتخذتها مأوى وركنت إليها ركون الظالمين.

يا موسى نافس في الخير أهله فإن الخير كاسمه ودع الشر لكل مفتون.

يا موسى اجعل لسانك من وراء قلبك تسلم وأكثر ذكري بالليل والنهار تغنم ولا تتبع الخطايا فتندم فإن الخطايا موعدها النار(١) .

يا موسى أطب الكلام لاهل الترك للذنوب وكن لهم جليسا واتخذهم لغيبك إخوانا وجد معهم يجدون معك(٢) . يا موسى الموت يأتيك لا محالة فتزود زاد من هو على ما يتزود وارد على اليقين.

يا موسى ما أريد به وجهي فكثير قليله وما أريد به غيري فقليل كثيره وإن أصلح أيامك: الذي هو أمامك فانظر أي يوم هو فأعد له الجواب فإنك موقوف ومسؤول وخذ موعظتك من الدهر وأهله فإن الدهر طويله قصير وقصيره طويل وكل شئ فان فاعمل كأنك ترى ثواب عملك لكي يكون أطمع لك في الآخرة لا محالة فإن ما بقي من الدنيا كما ولى منها وكل عامل يعمل على بصيرة ومثال فكن مرتادا لنفسك(٣) يا ابن عمران لعلك تفوز غدا يوم السؤال فهنالك يخسر المبطلون.

يا موسى ألق كفيك ذلا بين يدي كفعل العبد المستصرخ إلى سيده فإنك إذا فعلت ذلك رحمت وأنا أكرم القادرين.

____________________

(١) يعني إذا اردت الكلام فابدأ باستعمال قلبك وعقلك.

(٢) في بعض النسخ (يجودون معك).

(٣) الارتياد: الطلب.

٤٨

يا موسى سلني من فضلي ورحمتي فإنهما بيدي لا يملكهما أحد غيري وانظر حين تسألني كيف رغبتك فيما عندي، لكل عامل جزاء وقد يجزي الكفور بما سعى.

يا موسى طب نفسا عن الدنيا وانطو عنها فإنها ليست لك ولست لها مالك ولدار الظالمين إلا لعامل فيها بالخير فإنها له نعم الدار.

يا موسى ما آمرك به فاسمع ومهما أراه فاصنع، خذ حقائق التوراة إلى صدرك و تيقظ بها في ساعات الليل والنهار ولا تمكن أبناء الدنيا من صدرك فيجعلونه وكرا كوكر الطير(١) .

يا موسى أبناء الدنيا وأهلها فتن بعضهم لبعض فكل مزين له ما هو فيه والمؤمن من زينت له الآخرة فهو ينظر إليها ما يفتر، قد حالت شهوتها بينه وبين لذة العيش فادلجته بالاسحار(٢) كفعل الراكب السائق إلى غايته يظل كئيبا ويمسى حزينا(٣) فطوبى له لو قد كشف الغطاء ماذا يعاين من السرور.

يا موسى الدنيا نطفة(٤) ليست بثواب للمؤمن ولا نقمة من فاجر فالويل الطويل لمن باع ثواب معاده بلعقة لم تبق وبلعسة لم تدم(٥) وكذلك فكن كما أمرتك وكل أمري رشاد.

____________________

(١) الوكر والوكرة: عش الطائر.

(٢) الادلاج: السير بالليل وظاهر العبارة انه استعمل هنا متعديا بمعنى التسيير بالليل ولم يات فيما عندنا من كتب اللغة قال الفيروزآبادي: الدلج محركة والدلجة بالضم والفتح: السير من اول الليل وقد ادلجوا، فان ساروا من آخره فادلجوا بالتشديد انتهى ويمكن ان يكون على الحذف والايصال ان ادلجت الشهوة معه وسيرته بالاسحار كالراكب الذي يسابق قرينه إلى الغاية التي يتسابقان اليها والغاية هنا الجنة والفوز بالكرامة والقرب والحب والوصال او الموت وهو الاظهر؛ (آت) وقال الفيضرحمه‌الله : هو كناية عن عبادته واجتهاده.

(٣) الكآبة: الغم وسوة الحال والانكسار من الحزن والمعنى انه يكون في نهاره مغموما وفي ليله محزونا لطلب الاخرة ولكن لو كشف الغطاء حتى يرى ماله في الاخرة يحصل له السرور ما لا يخفى؛ (آت).

(٤) النطفة: ما يبقى في الدلو او القربة من الماء، كنى بها عن قلتها؛ (في).

(٥) اللعقة: القليل مما يلعق اللعس بالفتح: العض والمراد هنا ما يقطعه باسنانه وفي بعض النسخ (بلعقة لم تبق وبلعة لم تدم).

٤٩

يا موسى إذا رأيت الغنى مقبلا فقل: ذنب عجلت لي عقوبته وإذا رايت الفقر مقبلا فقل: مرحبا بشعار الصالحين ولا تكن جبارا ظلوما ولا تكن للظالمين قرينا.

ياموسى ماعمر وإن طال يذم آخره وماضرك ما زوى عنك إذا حمدت مغبته(١) يا موسى صرخ الكتاب إليك صرخا بما أنت إليه صائر فكيف ترقد على هذا العيون أم كيف يجد قوم لذة العيش لو لا التمادي في الغفلة والاتباع للشقوة والتتابع للشهوة ومن دون هذا يجزع الصديقون.

يا موسى مر عبادي يدعوني على ماكان بعد أن يقروا لي أني أرحم الراحمين، مجيب المضطرين وأكشف السوء وابدل الزمان وآتي بالرخاء وأشكر اليسير واثيب الكثير وأغني الفقير وأنا الدائم العزيز القدير، فمن لجأ إليك وانضوى إليك(٢) من الخاطئين فقل: أهلا وسهلا، يا رحب(٣) الفناء بفناء رب العالمين واستغفر لهم وكن لهم كأحدهم ولا تستطل عليهم بما أنا أعطيتك فضله وقل لهم فليسألوني من فضلي ورحمتي فإنه لا يمكلها أحد غيري وأنا ذو الفضل العظيم.

طوبى لك يا موسى كهف الخاطئين وجليس المضطرين ومستغفر للمذنبين، إنك مني بالمكان الرضى فادعني بالقلب النقي واللسان الصادق وكن كما أمرتك أطع أمري ولا تستطل على عبادي بما ليس منك مبتداه وتقرب إلي فإني منك قريب فإني لم أسألك ما يؤذيك ثقله ولحمله إنما سألتك أن تدعوني فأجيبك وأن تسألني فأعطيك وان تتقرب إلي بما مني أخذت تأويله وعلي تمام تنزيله.

يا موسى انظر إلى الارض فإنها عن قريب قبرك وارفع عينك إلى السماء فإن فوقك فيها ملكا عظيما وابك على نفسك ما دمت في الدنيا وتخوف العطب(٤) و

____________________

(١) زوى عنك اي بعد عنك: والمغبة: العاقبة.

(٢) انضوى اليه: انضم، وفي بعض النسخ (وانطوى).

(٣) الرحب بالضم: السعة. وبالفتح: الواسع. ولعل المراد ان من لجأ اليك يا موسى من عبادي الخاطئين لتستغفر له وتدخل باستشفاعك في زمرة الساكنين في جوار قبولي فلا ترد مسألته فان رحمتي قد سبقت عضبي، فقل له: اهلا وسهلا ومرحبا فانك رحب الفناء بسبب كونك في فناء قبولي ورحمتي الواسعة، فآمنه من سخطي واسكنه باستغفارك وشفاعتك المقبولة في فناء فضلي ومغفرتي.

(كذا وجدته في هامش بعض النسخ المخطوطة) وقد يقرء في بعض نسخ الحديث (بأرحب الفناء) والظاهر هو الاصح.

(٤) العطب بالتحريك: الهلاك.

٥٠

المهالك ولا تغرنك زينة الدنيا وزهرتها ولا ترض بالظلم ولا تكن ظالما فإني للظالم رصيد(١) حتى اديل منه المظلوم.

يا موسى إن الحسنة عشرة أضعاف ومن السيئة الواحدة الهلاك، لا تشرك بي، لا يحل لك أن تشرك بي، قارب وسدد(٢) وادع دعاء الطامع الراغب فيما عندي، النادم على ما قدمت يداه، فإن سواد الليل يمحوه النهار وكذلك السيئة تمحوها الحسنة وعشوة(٣) الليل تأتي على ضوء النهار وكذلك السيئة تأتي على الحسنة الجليلة فتسودها.

٩ - علي بن محمد، عمن ذكره، عن محمد بن الحسين، وحميد بن زياد، عن الحسن ابن محمد الكندي جميعا، عن أحمد بن الحسن الهيثمي، عن رجل من أصحابه قال: قرأت جوابا من أبي عبدالله (ع) إلى رجل من أصحابه، أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله، فإن الله قد ضمن لمن اتقاه أن يحوله عما يكره إلى ما يحب ويرزقه من حيث لا يحتسب فإياك أن تكون ممن يخاف على العباد من ذنوبهم ويأمن العقوبة من ذنبه فإن الله عزوجل لا يخدع عن جنته ولاينال ماعنده إلا بطاعته إن شاء الله.

١٠ - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن سليمان، عن عيثم بن أشيم(٤) عن معاوية بن عمار، عن أبي عبدالله (ع) قال: خرج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم وهو مستبشر يضحك سرورا فقال له الناس: أضحك الله سنك يا رسول الله وزادك سرورا فقال: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنه ليس من يوم ولا ليلة إلا ولي فيهما تحفة من الله، ألا وإن ربي أتحفني في يومي هذا بتحفة لم يتحفني بمثلها فيما مضى، إن جبرئيل أتاني فأقرأني من ربي السلام وقال: يا محمد إن الله عزوجل اختار من بني هاشم سبعة، لم يخلق مثلهم فيمن مضى ولا يخلق مثلهم فيمن بقي، أنت يا رسول الله سيد النبيين وعلي بن أبي طالب وصيك سيد

____________________

(١) اي رقيب، منتظر لجزائه وفي تحف العقول (بمرصد) واديل اي اغلب المظلوم عليه؛ (آت).

(٢) (قارب وسدد) قال في النهاية: وفيه سددوا وقاربوا اي اقتصدوا في الامور كلها واتركوا العلو فيها والتقصير، يقال: قارب فلان في الامور إذا اقتصد. وقال في السين والدال: فيه: قاربوا وسددوا اي اطلبوا باعمالكم السداد والاستقامة وهو القصد في الامر والعدل فيه؛ (آت).

(٣) عشوة الليل: ظلمته.

(٤) في بعض النسخ (عثيم) ولعله الاظهر.

٥١

الوصيين والحسن والحسين سبطاك سيد الاسباط وحمزة عمك سيد الشهداء وجعفر ابن عمك الطيار في الجنة يطير مع الملائكة حيث يشاء ومنكم القائم يصلي عيسى بن مريم خلفه إذا أهبطه الله إلى الارض من ذرية علي وفاطمة من ولد الحسين (ع).

١١ - سهل بن زياد، عن محمد بن سليمان الديلمي المصري(١) ، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (ع) قال: قلت له قول الله عزوجل: "( هٰذَا کِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْکُمْ بِالْحَقِّ ) "(٢) قال: فقال: إن الكتاب لم ينطق ولن ينطق ولكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هو الناطق بالكتاب قال الله عزوجل: " هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق " قال: قلت: جعلت فداك إنا لا نقرؤها هكذا، فقال: هكذا والله نزل به جبرئيل على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ولكن فيما حرف من كتاب الله.

١٢ - جماعة، عن سهل، عن محمد، عن أبيه [عن أبي محمد]، عن أبي عبدالله (ع) قال: سألته عن قول الله عزوجل: "( وَ الشَّمْسِ وَ ضُحَاهَا ) " قال: الشمس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله به أوضح الله عزوجل للناس دينهم، قال: قلت: "( وَ الْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا ) "؟ قال: ذاك أميرالمؤمنين (ع) تلا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونفثه بالعلم نفثا، قال: قلت: "( وَ اللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ) "؟ قال: ذاك أئمة الجور الذين استبدوا بالامر دون آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وجلسوا مجلسا كان آل الرسول أولى به منهم فغشوا دين الله بالظلم والجور فحكى الله فعلهم فقال: "( وَ اللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ) ": قال: قلت: "( وَ النَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا ) "؟ قال: ذلك الامام من ذريتة فاطمةعليها‌السلام يسأل عن دين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيجليه لمن سأله فحكى الله عزوجل قوله فقال: " والنهار إذا جليها ".

١٣ - سهل، عن محمد، عن أبيه، عن أبي عبدالله (ع) قال: قلت: "( هَلْ أَتَاکَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ ) "؟ قال: يغشاهم القائم بالسيف، قال: قلت: "( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ ) "؟ قال: خاضعة لا تطيق الامتناع، قال: قلت: "( عَامِلَةٌ ) "؟ قال: عملت بغير ما أنزل الله، قال: قلت: "( نَاصِبَةٌ ) "؟ قال: نصبت غير ولاة الامر، قال: قلت: "( تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً ) "؟ قال: تصلى نار الحرب في الدنيا على عهد القائم وفي الآخرة نار جهنم.

١٤ - سهل، عن محمد، عن، أبيه، عن أبي بصير قال: قلت: لابي عبدالله (ع)

____________________

(١) في رجال الشيخ (البصري) وذكر ابن داود (النصري) بالنون؛ (آت).

(٢) الجاثية: ٢٨.

(٣) الشمس: ١ إلى ٤.

٥٢

قوله تبارك وتعالى: "( وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَ لٰکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ‌ ) (١) "؟ قال: فقال لى: يا أبا بصير ماتقول في هذه الآية؟ قال: قلت: إن المشركين يزعمون ويحلفون لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إن الله لا يبعث الموتى قال: فقال: تبا لمن قال هذا، سلهم هل كان المشركون يحلفون بالله أم باللات والعزى؟ قال: قلت: جعلت فداك فأوجدنيه قال: فقال لي: يا أبا بصير لو قد قام قائمنا بعث الله إليه قوما من شيعتنا قباع سيوفهم(٢) على عواتقهم فيبلغ ذلك قوما من شيعتنا لم يموتوا فيقولون: بعث فلان وفلان وفلان من قبورهم وهم مع القائم فيبلغ ذلك قوما من عدونا فيقولون: يا معشر الشيعة ما أكذبكم هذه دولتكم وأنتم تقولون فيها الكذب لا والله ما عاش هؤلاء ولا يعيشون إلى يوم القيامة قال: فحكى الله قولهم فقال: "( وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ ) ".

١٥ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن فضال عن ثعلبة بن ميمون، عن بدر ابن الخليل الاسدي قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول في قول الله عزوجل: "( فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْکُضُونَ‌ * لاَ تَرْکُضُوا وَ ارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَ مَسَاکِنِکُمْ لَعَلَّکُمْ تُسْأَلُونَ‌ ) " قال: إذا قام القائم وبعث إلى بني امية بالشام [ف‍] هربوا إلى الروم

____________________

(١) النحل: ٤١.

(٢) قبيعة السيف: ما على طرف مقبضه من فضة او حديد.

(٣) الانبياء: ١٢.

اي فلما ادركوا شدة عذابنا ادراك المشاهد المحسوس إذا هم منها يركضون اي يهربون مسرعين، راكضين دوابهم ومشبهين بهم من فرط اسراعهم.( لاَ تَرْکُضُوا ) على ارادة القول اي قيل لهم استهزاء ا: لا تركضوا اما بلسان الحال او المقال والقائل ملك او من مضى من المؤمنين، (وارجعوا إلى ما اترفتم فيه من التنعم والتلذذ او الاتراف إبطار النعمة،( وَ مَسَاکِنِکُمْ ) . التي كانت لكم.( لَعَلَّکُمْ تُسْأَلُونَ‌ ) غدا عن اعمالكم او تعذبون فان السؤال من مقدمات العذاب ولم يروا وجه النجاة فلذلك لم ينفعهم (فما زالت تلك دعواهم) فما زالوا يرددون ذلك وانما سماه دعوى لان المولول كانه يدعو الويلويقول: يا ويل تعال فهذا اوانك. وكل من (تلك) و (دعواهم) يحتمل الاسمية والخبرية (حتى جعلناهم حصيدا) مثل الحصيد وهو النبت المحصود ولذلك لم يجمع. (خامدين) ميتين من خمدت النار وهو مع (حصيدا) بمنزلة المفعول الثاني كقولك: جعلته حلوا حامضا اذ المعنى جعلناهم جامعين لمماثلة الحصد والخمود او صفة له او حال من ضميره (آت عن البيضاوي).

٥٣

فيقول لهم الروم: لا ندخلنكم حتى تتنصروا فيعلقون في أعناقهم الصلبان فيدخلونهم فإذا نزل بحضرتهم أصحاب القائم طلبوا الامان والصلح فيقول أصحاب القائم: لا نفعل حتى تدفعوا إلينا من قبلكم منا، قال: فيدفعونهم إليهم فذلك قوله: "( لاَ تَرْکُضُوا وَ ارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَ مَسَاکِنِکُمْ لَعَلَّکُمْ تُسْأَلُونَ ) " قال: يسألهم الكنوز وهو أعلم بها قال: فيقولون "( يَا وَيْلَنَا إِنَّا کُنَّا ظَالِمِينَ‌ * فَمَا زَاَلَتْ تِلْکَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ‌ ) (١) " بالسيف.

رسالة أبي جعفرعليه‌السلام إلى سعد الخير(٢)

١٦ - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن عمه حمزة بن بزيع، والحسين بن محمد الاشعري، عن أحمد بن محمد بن عبدالله، عن يزيد بن عند الله، عمن حدثه قال: كتب أبوجعفر (ع) إلى سعد الخير: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اوصيك بتقوى الله فإن فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب إن الله عزوجل يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله(٣) ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله، وبالتقوى نجا نوح ومن معه في السفينة و صالح ومن معه من الصاعقة، وبالتقوى فاز الصابرون ونجت تلك العصب(٤) من المهالك ولهم إخوان على تلك الطريقة يلتمسون تلك الفضيلة، نبذوا طغيانهم من الايراد بالشهوات لما بلغهم في الكتاب من المثلات، حمدوا ربهم على ما رزقهم وهو أهل الحمد وذموا أنفسهم على مافرطوا وهم أهل الذم وعلموا أن الله تبارك وتعالى الحليم العليم إنما غضبه على من لم يقبل منه رضاه وإنما يمنع من لم يقبل منه عطاه وإنما

____________________

(١) الانبياء: ١٤ و ١٥.

(٢) في هامش غير واحد من النسخ: (وهو سعد بن عبدالملك الاموي صاحب نهر السعيد بالرحبة) وكانه من المؤلفرحمه‌الله كما يظهر من بعض النسخ حيث جعلها في المتن قبل ذكر الرسالة.

(٣) عزب اي بعد، وفي بعض النسخ (نفي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله).

(٤) العصب: جمع العصبة او هي من الرجال والخيل والطير ما بين العشرة إلى الاربعين؛ (آت).

٥٤

يضل من لم يقبل منه هداه، ثم أمكن أهل السيئات من التوبة بتبديل الحسنات، دعا عباده في الكتاب إلى ذلك بصوت رفيع لم ينقطع ولم يمنع دعاء عباده فلعن الله الذين يكتمون ما أنزل الله وكتب على نفسه الرحمة فسبقت قبل الغضب فتمت صدقا وعدلا، فليس يبتدئ العباد بالغضب قبل أن يغضبوه وذلك من علم اليقين وعلم التقوى وكل امة قد رفع الله عنهم علم الكتاب حين نبذوه وولاهم عدوهم حين تولوه وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده فهم يروونه ولا يرعونه والجهال يعجبهم حفظهم للرواية والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية وكان من نبذهم الكتاب أن ولوه الذين لا يعلمون(١) فأوردوهم الهوى وأصدروهم إلى الردى وغيروا عرى الدين، ثم ورثوه في السفه والصبا(٢) فالامة يصدرون عن أمر الناس بعد أمر الله تبارك وتعالى وعليه يردون، فبئس للظالمين بدلا ولاية الناس بعد ولاية الله(٣) وثواب الناس بعد ثواب الله ورضا الناس بعد رضا الله فأصبحت الامة كذلك وفيهم المجتهدون في العبادة على تلك الضلالة، معجبون مفتونون، فعبادتهم فتنة لهم ولمن اقتدى بهم وقد كان في الرسل ذكرى للعابدين إن نبيا من الانبياء كان يستكمل الطاعة(٤) ، ثم يعصي الله تبارك وتعالى في الباب الواحد فخرج به من الجنة(٥) وينبذ به في بطن

____________________

(١) اي جعلوا ولي الكتاب والقيم عليه والحاكم به الذين لا يعلمونه وجعلوهم رؤساء على انفسهم يتبعونهم في الفتاوى وغيرها؛ (آت).

(٢) اي جعلوه ميراثا يرثه كل سفيه جاهل او صبي غير عاقل وقوله: (بعد امر الله) اي صدوره او الاطلاع عليه او تركه، والورود والصدور كنايتان عن الاتيان للسؤال والاخذ والرجوع بالقبول؛ (آت).

(٣) (ولاية الناس) هو المخصوص بالذم.

(٤) اشار به إلى يونسعليه‌السلام . والمراد بعصيانه غضبه على قومه وهربه منهم بغير اذن ربه، روى انه لما وعد قومه بالعذاب خرج من بينهم قبل ان يامره الله تعالى. واعلم ان العصيان هنا ترك الافضل والاولى وذلك لانه لم يكن هناك امر من الله تعلى حتى عصاه بترك الاتيان به او نهى منه حتى خالفه بارتكابه فاطلاق لفظ العصيان مجاز عن ترك الاولى والافضل وذلك بالنسبة إلى درجات كمالهم بمنزلة العصيان.

(٥) اطلاق الجنة على الدنيا لعل بالاضافة إلى بطن الحوت. كما قاله الفيضرحمه‌الله .

٥٥

الحوت، ثم لا ينجيه إلا الاعتراف والتوبة، فاعرف أشباه الاحبار والرهبان الذين ساروا بكتمان الكتاب وتحريفه فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين، ثم أعرف أشباههم من هذه الامة الذين أقاموا حروف الكتاب وحرفوا حدوده(١) فهم مع السادة والكبرة(٢) فإذا تفرقت قادة الاهواء كانوا مع أكثرهم دنيا وذلك مبلغهم من العلم(٣) ، لا يزالون كذلك في طبع وطمع، لا يزال يسمع صوت إبليس على ألسنتهم بباطل كثير، يصبر منهم العلماء على الاذى والتعنيف ويعيبون على العلماء بالتكليف والعلماء في أنفسهم خانة إن كتموا النصيحة إن رأوا تائها ضالا لا يهدونه أو ميتا لا يحيونه، فبئس ما يصنعون لان الله تبارك وتعالى أخذ عليهم الميثاق في الكتاب أن يأمروا بالمعروف وبما أمروابه وان ينهوا عما نهوا عنه وأن يتعاونوا على البر والتقوى ولا يتعاونوا على الاثم والعدوان، فالعلماء من الجهال في جهد وجهاد إن وعظت قالوا: طغت وإن علموا الحق(٥) الذي تركوا قالوا: خالفت وإن اعتزلوهم قالوا: فارقت وإن قالوا: هاتوا برهانكم على ما تحدثون قالوا: نافقت وإن أطاعوهم قالوا: عصيت الله عزوجل فهلك جهال فيما لا يعلمون، اميون فيما يتلون يصدقون بالكتاب عند التعريف(٦) ويكذبون به عند التحريف، فلا ينكرون، اولئك أشباه الاحبار والرهبان قادة في الهوى، سادة في الردى وآخرون منهم جلوس بين الضلالة والهدى لا يعرفون إحدى الطائفتين من الاخرى، يقولون ما كان الناس يعرفون هذا ولا يدرون ما هو وصدقوا تركهم رسول الله

____________________

(١) انما شبه هؤلاء العباد وعلماء العوام المفتونين بالحطام بالاحبار والرهبان لشرائهم الدنيا بالاخرة بكتمانهم العلم وتحريفهم الكلم عن مواضعها واكلهم اموال الناس بالباطل وصدهم عن سبيل الله كما انهم كانواكذلك على ما وصفهم الله في القرآن في عدة مواضع والمراد بالسادة والكثرة السلاطين والحكام واعوانهم الظلمة؛ (في).

(٢) في بعض النسخ (والكثرة).

(٣) اشارة إلى الاية ٣١ من سورة النجم. والطبع بالتحريك: الرين وبالسكون: الختم.

(٤) (منهم) اي من اشباه الاحبار والرهبان (العلماء) يعني العلماء بالله الربانيين. (بالتكليف) يعني تكليفهم بالحق (في)

(٥) في بعض النسخ (عملوا الحق).

(٦) في بعض النسخ (عند التحريف).

٥٦

صلى‌الله‌عليه‌وآله على البيضاء(١) ليلها من نهارها، لم يظهر فيهم بدعة ولم يبدل فيهم سنة لا خلاف عندهم ولا اختلاف فلما غشى الناس ظلمة خطاياهم، صاروا إمامين داع إلى الله تبارك وتعالى وداع إلى النار فعند ذلك نطق الشيطان فعلا صوته على لسان أوليائه و كثر خيله ورجله(٢) وشارك في المال والولد من أشركه فعمل بالبدعة وترك الكتاب والسنة ونطق أولياء الله بالحجة وأخذوا بالكتاب والحكمة فتفرق من ذلك اليوم أهل الحق وأهل الباطل وتخاذل(٣) وتهادن أهل الهدى وتعاون أهل الضلالة حتى كانت الجماعة مع فلان وأشباهه فاعرف هذا الصنف وصنف آخر فأبصرهم رأي العين نجباء(٤) وألزمهم حتى ترد اهلك، فإن الخاسرين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين.

إلى ههنا رواية الحسين وفي رواية محمد بن يحيى زيادة: لهم علم بالطريق فإن كان دونهم بلاء فلا تنظر إليهم فإن كان دونهم(٥) عسف من أهل العسف وخسف(٦) ودونهم بلاياتنقضي، ثم تصير إلى رخاء ثم اعلم أن إخوان الثقة ذخائر بعضهم لبعض ولولا أتذهب بك الظنون عني(٧) لجليت لك عن أشياء من الحق غطيتها ولنشرت لك أشياء من الحق كتمتها ولكني أتقيك وأستبقيك وليس الحليم الذي لا يتقي أحدافي مكان التقوى والحلم لباس العالم فلا تعرين منه والسلام.

____________________

(١) يعني الشريعة الواضح مجهولها عن معلومها وعالمها عن جاهلها.

(٢) الخيل: جماعة الفرسان والرجل: جماعة المشاة اي اعوانه القوية والضعيفة؛ (آت).

(٣) اي تركوا نصرة الحق.

وفي بعض النسخ (تخادن) من الخدن وهو الصديق. وتهادن من المهادنة بمعنى المصالح وفي بعض النسخ (تهاون) اي عن نصرة الحق وهذا انسب بالتخاذل كما ان التهادن انسب بالتخادن؛ (آت).

(٤) بالنون والجيم والباء الموحدة وفي بعض النسخ (تحيا) من الحياة؛ (في).

(٥) في بعض النسخ (اليه فان دونهم) وهو الصواب اي فلا ينظرون إلى البلاء لانه ينقضى ولا يبقى.

(٦) العسف: الجور والظلم وهو في الاصل ان ياخذ المسافر على غير طريق ولا جادة ولا علم وقبل: هو ركوب الامر من غير روية. والخسف: النقصان والهوان.

وقوله: (ينقضى) جزاء الشرط؛ (في).

(٧) أي يصير ظنك السئ بي سببا لانحرافك عني وعدم اصغائك الي بعد ذلك؛ (آت).

٥٧

رسالة منهعليه‌السلام إليه أيضا

١٧ - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن عمه حمزة ابن بزيع قال: كتب أبوجعفر (ع) إلى سعد الخير: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فقد جاء‌ني كتابك تذكر فيه معرفة ما لا ينبغي تركه وطاعة من رضى الله رضاه، فقلت من ذلك لنفسك ما كانت نفسك مرتهنة لو تركته تعجب(١) إن رضى الله وطاعته ونصيحته لا تقبل ولا توجد ولا تعرف إلا في عباد غرباء، أخلاء من الناس قد اتخذهم الناس سخريا لما يرمونهم به من المنكرات وكان يقال: لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون أبغض إلى الناس من جيفة الحمار ولو لا أن يصيبك من البلاء مثل الذي أصابنا فتجعل فتنة الناس كعذاب الله - واعيذك بالله وإيانا من ذلك - لقربت على بعد منزلتك.

واعلم رحمك الله أنه لا تنال محبة الله إلا ببغض كثير من الناس ولا ولايته إلا بمعاداتهم وفوت ذلك قليل يسير لدرك ذلك من الله لقوم يعلمون.

يا أخي إن الله عزوجل جعل في كل من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى ويصبرون معهم على الاذى، يجيبون داعي الله ويدعون إلى الله فأبصرهم رحمك الله فإنهم في منزلة رفيعة وإن أصابتهم في الدنيا وضيعة أنهم يحيون بكتاب الله الموتى ويبصرن بنور الله من العمى، كم من قتيل لابليس قد أحيوه وكم من تائه ضال

____________________

(١) في بعض النسخ (فعجب).

(٢) المستفاد من قولهعليه‌السلام : تذكر فيه إلى آخره) ان سعدا ذكر في كتابه انه عرف كذا وانه قبل منه لنفسه كذا وانه تعجب من كذا بان يكون إلى قوله: (ومن جيفة الحمار) من كلام سعد ويحتمل ان يكون فعجب او تعجب على اختلاف النسختين من كلام الامامعليه‌السلام ؛ (في)

وقوله: (اخلاء). جمع خلو بالكسر وهو الخالى عن الشئ ويكون بمعنى المنفرد ويقال: اخلاء إذا انفرد اي هم اخلاء عن اخلاق عامة الناس واطوارهم الباطلة او منفردون عن الناس معتزلون عن شرارهم؛ (آت).

٥٨

قد هدوه، يبذلون دماء‌هم دون هلكة العباد وما أحسن أثرهم على العباد وأقبح آثار العباد عليهم.

١٨ - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي بصير قال: بينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم جالسا إذ أقبل أمير المؤمنين (ع) فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن فيك شبها من عيسى بن مريم(١) ولو لا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك قولا لا تمر بملا من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قدميك يلتمسون بذلك البركة قال: فغضب الاعرابيان و المغيرة بن شعبة وعدة من قريش معهم، فقالوا: ما رضي أن يضرب لابن عمه مثلا إلا عيسى ابن مريم فأنزل الله على نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: "( وَ لَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُکَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَ قَالُوا أَ آلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَکَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ * إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَ جَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ * وَ لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْکُمْ (يعني من بني هاشم)مَلاَئِکَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ ) (٢) " قال: فغضب الحارث بن عمرو الفهري فقال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك إن بني هاشم يتوارثون هرقلا بعد هرقل فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فأنزل الله عليه مقالة الحارث ونزلت هذه الآية "( وَ مَا کَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ مَا کَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ‌ ) (٣) " ثم قال له: يا بن عمروإما تبت وإما رحلت؟ فقال: يا محمد بل تجعل لسائر قريش شيئا مما في يديك فقد ذهبت بنو هاشم بمكرمة العرب والعجم، فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ليس ذلك إلي ذلك إلى الله تبارك وتعالى، فقال: يا محمد قلبي ما يتابعني على التوبة ولكن ارحل عنك فدعا براحلته فركبها فلما صار بظهر المدينة أتته جندلة(٤) فرضخت هامته ثم أتى الوحي إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: "( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْکَافِرينَ (بولاية علي)(٥) لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ‌ *

____________________

(١) اي لزهده وعبادته وافتراق الناس فيه ثلاث فرق؛ (آت).

(٢) الزخرف: ٥٦ إلى ٥٩.

(٣) الانفال: ٣٣.

(٤) الجندل كجعفر: ما يعمله الرجل من الحجارة (فرضخت) اي كسرت وفي بعض النسخ (فرضت) اي دقت. والهامة: وسط الرأس.

(٥) ليست جملة (بولاية علي) في بعض النسخ في المتن بل تكون في الهامش.

٥٩

مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ ) (١) " قال: قلت: جعلت فداك إنا لا نقرؤها هكذا، فقال: هكذا والله نزل بها جبرئيل على محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وهكذا هو والله مثبت في مصحف فاطمةعليها‌السلام فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمن حوله من المنافقين: انطلقوا إلى صاحبكم فقد أتاه ما استفتح به قال الله عز وجل: "( وَ اسْتَفْتَحُوا وَ خَابَ کُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ) "(٢) .

١٩ - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن علي بن النعمان، عن أبن مسكان، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (ع) في قوله عزوجل: "( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِمَا کَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ) (٣) " قال: ذاك والله حين قالت الانصار: " منا أمير ومنكم أمير ".

٢٠ - وعنه وعن محمد بن علي، عن ابن مسكان، عن ميسر، عن أبي جعفر (ع) قال: قلت: قول الله عزوجل: "( وَ لاَ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ) (٤) " قال: فقال: يا ميسر إن الارض كانت فاسدة فأصلحها الله عزوجل بنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: " ولا تفسدوا في الارض بعد إصلاحها ".

خطبة لامير المؤمنينعليه‌السلام

٢١ - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عثمان، عن سليم بن قيس الهلالي قال: خطب أمير المؤمنين (ع) فحمد الله وأثنى عليه ثم صلى على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم قال: ألا إن أخوف ما أخاف عليكم خلتان(٥) : اتباع الهوى وطول الامل أما اتباع الهوى فيصد عن الحق وأما طول الامل فينسي الآخرة، ألا إن الدنيا قد ترحلت مدبرة وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة ولكن واحدة بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وإن غدا حساب ولا عمل وإنما بدء وقوع الفتن من أهواء تتبع وأحكام تبتدع، يخالف فيها حكم الله يتولى فيها رجال رجالا، ألا إن الحق لو خلص لم يكن اختلاف ولو أن الباطل خلص لم يخف على ذي حجى(٦) لكنه يؤخذ

____________________

(١) المعارج: ١ إلى ٣.

(٢) ابراهيم: ١٥.

(٣) الروم: ٤١.

(٤) الاعراف ٥٥ و ٨٤.

(٥) اي خصلتان.

(٦) الحجى بالكسر: العقل.

٦٠