شرح حكم نهج البلاغة

شرح حكم نهج البلاغة0%

شرح حكم نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 313

  • البداية
  • السابق
  • 313 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 60580 / تحميل: 4059
الحجم الحجم الحجم
شرح حكم نهج البلاغة

شرح حكم نهج البلاغة

مؤلف:
العربية

٣٢٧ من أومأ إلى متفاوت خذلته الحيل.(١) المتفاوت: كالأمور المتضادّة أو التي يتعذّر الجمع منها.

٣٢٨ ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء طلبا لما عند اللّه،

و أحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء اتّكالا على اللّه سبحانه.(٢) تيه الفقراء على الأغنياء أصعب عليهم و أشقّ من تواضع الأغنياء لهم. إذ كان تيههم يستدعي كمال التوكّل على اللّه، و هو درجة عالية في الطريق إليه، فلذلك كان أفضل و أحسن لقوله صلّى اللّه عليه و آله: أفضل الأعمال أحمزها(٣) قال الشاعر:

قنعت فأعتقت نفسي و لن

أملّك ذا ثروة رقّها

و نزّهتها عن سؤال الرجال

و منّة من لا يرى حقّها

و إنّ القناعة كنز اللبيب

إذا ارتتقت فتقت رتقها

فما فارقت مهجة جسمها

لعمرك أو وفّيت رزقها

٤

____________________

(١) نهج البلاغة، الحكمة ٤٠٣.

(٢) نهج البلاغة، الحكمة ٤٠٦. و ليست « سبحانه » في النهج.

(٣) شرح ابن ميثم ٥ ٤٤١.

(٤) شرح ابن ابي الحديد ٢٠ ٣٩.

٢٤١

٣٢٩ ما استودع اللّه امرأ عقلا إلاّ ليستنقذه(١) به يوما ما.(٢) العقل إمّا أن ينقذ الإنقاذ الدينيّ، و هو الفلاح و النجاح على الحقيقة، أو ينقذ من بعض مهالك الدّنيا و آفاتها.

كان يقال: العاقل يروّي ثمّ يروي و يخبر ثمّ يخبر.(٣) ٣٣٠ من صارع الحقّ صرعه.(٤) هذا مثل قوله عليه السلام: من أبدى صفحته للحقّ هلك.(٥) ٣٣١ من صبر صبر الأحرار و إلاّ سلا سلوّ الأغمار.(٦) و في خبر آخر أنّه عليه السلام قال للأشعث بن قيس معزيا عن ابن له:

٣٣٢ إن صبرت صبر الأكارم، و إلاّ سلوت سلوّ البهائم.(٧) الأغمار: الجهّال، جمع غمر. و ذكر أبو تمّام هذا الخبر في قوله:

و قال عليّ في التّعازي لأشعث

و خاف عليه بعض تلك المآثم

أ تصبر للبلوى عزاء و حسبة

فتؤجر أم تسلو سلوّ البهائم

٨

____________________

(١) في النهج: استنقذه.

(٢) نهج البلاغة، الحكمة ٤٠٧.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ ٤١.

(٤) نهج البلاغة، الحكمة ٤٠٨.

(٥) نهج البلاغة، الحكمة ١٨٨.

(٦) نهج البلاغة، الحكمة ٤١٣.

(٧) نهج البلاغة، الحكمة ٤١٤.

(٨) ديوان أبي تمّام ٣٠٠.

٢٤٢

٣٣٣ مسكين ابن آدم مكتوم الأجل، مكنون العلل، محفوظ العمل، تؤلمه البقّة، و تقتله الشّرقة، و تنتنه العرقة.(١) « مسكين » خبر ل « ابن آدم »، و التقدير: ابن آدم مسكين، ثمّ بيّن مسكنته من ستّة أوجه: أجله مكتوم لا يدري متى يخترم، و علله باطنة لا يدري بها حتّى تهيج عليه، و عمله محفوظ: مَا لِهَذا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَ لاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا ٢، و قرص البقّة يؤلمه،

و الشرقة بالماء تقتله، و إذا عرق أنتنته العرقة الواحدة و غيّرت ريحه،

فمن كان على هذه الصفات فهو مسكين لا محالة، لا ينبغي أن يأمن و لا أن يفخر.

٣٣٤ من أصلح سريرته أصلح اللّه علانيته، و من عمل لدينه كفاه اللّه أمر دنياه، و من أحسن فيما بينه و بين اللّه أحسن اللّه ما بينه و بين النّاس.(٣) لا ريب أنّ الأعمال الظاهرة تبع للأعمال الباطنة، فمن صلح باطنه صلح ظاهره و بالعكس، و ذلك لأنّ القلب أمير مسلّط على الجوارح، و الرعيّة تتبع أميرها و لا ريب أنّ من عمل لدينه كفاه اللّه أمر دنياه، قال تعالى: وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجَاً وَ يَرْزُقْهُ مِنْ

____________________

(١) نهج البلاغة، الحكمة ٤١٩.

(٢) سورة الكهف (١٨) ٤٩.

(٣) نهج البلاغة، الحكمة ٤٢٣.

٢٤٣

حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ(١) و لهذا أيضا علّة ظاهرة، و هي أنّ الناس إذا حسنت عقيدتهم في إنسان و علموا متانة دينه بوّبوا له إلى الدنيا أبوابا لا يحتاج أن يتكلّفها، و لا يتعب فيها، فيأتيه رزقه من غير كلفة و لا كدّ.

و قوله: « و من أحسن... » إلى آخره، و ذلك لأنّ القلوب بالضرورة تميل إليه و تحبّه، و ذلك لأنّه إذا كان محسنا بينه و بين الناس عفّ عن أموالهم و دمائهم و أعراضهم، و ترك الدخول فيما لا يعينه،

و لا شبهة أنّ من كان بهذه الصفة فإنّه يحسن ما بينه و بين الناس.

٣٣٥ من شكا الحاجة إلى مؤمن فكأنّما شكاها إلى اللّه، و من شكاها إلى كافر فكأنّما شكا اللّه.(٢) شكاية المؤمن إلى المؤمن شكاية في موضعها. إذ كانت ثمرة الشكاية المعاونة على دفع الأمر المشكوّ منه، و المؤمن من شأنه ذلك،

بخلاف الكافر. و رغّب في الأوّل بتشبيهها بالشكاية إلى اللّه، و وجه الشبه أن المؤمن حبيب اللّه و مقرّب عند اللّه فكأنّ المشتكي إليه جعله وسيلة إلى اللّه في شكواه فأشبه الشكوى إليه، بخلاف الشكاية إلى الكافر فإنّه عدوّ اللّه، فمن شكا إليه أمرا فكأنّما شكا من اللّه إلى عدوّه.

____________________

(١) سورة الطلاق (٦٥) ٢ ٣.

(٢) نهج البلاغة، الحكمة ٤٢٧.

٢٤٤

٣٣٦ ما كان اللّه ليفتح على عبد باب الشّكر و يغلق عنه باب الزّيادة،

و لا ليفتح على عبد باب الدّعاء و يغلق عنه باب الإجابة، و لا ليفتح عليه(١) باب التّوبة و يغلق عنه باب المغفرة.(٢) فتح اللّه هذه الأبواب بقوله: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ(٣) و ادْعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ.(٤) ٣٣٧ ما أنقض النّوم لعزائم اليوم.(٥) قال ابن ميثم: « ما » ها هنا للتعجّب. و هذه الكلمة تجري مجرى المثل، يضرب لمن يعزم على أمر فيغفل عنه أو يتهاون فيه و يتراخى عن فعله حتّى ينتقض عزمه عنه. و أصله أنّ الإنسان قد ينوي السفر مثلا أو الحركة بقطعة من الليل ليتوفّر في نهاره على سيره فيغلبه النوم إلى الصباح، فيفوت وقت عزمه، فينتقض ما كان عزم عليه في يومه.(٦)

____________________

(١) في النهج: و لا ليفتح لعبد.

(٢) نهج البلاغة، الحكمة ٤٣٥.

(٣) سورة إبراهيم (١٤) ٧.

(٤) سورة غافر (٤٠) ٦٠. لم يذكر المؤلّف (ره) الباب الثالث و هو باب التوبة و المغفرة في قوله تعالى: وَ إنّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدى سورة طه (٢٠) ٨٢.

(٥) نهج البلاغة، الحكمة ٤٤٠.

(٦) شرح ابن ميثم ٥ ٤٥٤.

٢٤٥

٣٣٨ من اتّجر بغير فقه فقد ارتطم في الرّبا.(١) ارتطم فلان في الوحل و الأمر إذا ارتبك فيه و لم يقدر على الخروج منه، و إنّما قال ذلك لأنّ مسائل الربا مشتبهة بمسائل البيع، و لا يفرق بينهما إلاّ الفقيه الكامل.

٣٣٩ من عظّم صغار المصائب ابتلاه اللّه بكبارها.(٢) و إنّما لزمه ذلك لاستعداده بتضجّره و تسخّطه من قضاء اللّه لزيادة البلاء و لو قد حمد اللّه على بلائه لاستعدّ بذلك لدفعه.

٣٤٠ من كرمت عليه نفسه هانت عليه شهوته.(٣) قال الشاعر:

فإنّك إن أعطيت بطنك سؤله

و فرجك نالا منتهى الذمّ أجمعا

٤ ٣٤١ ما مزح امرؤ مزحة إلاّ مجّ من عقله مجّة.(٥) استعار لفظ المجّ بما يطرحه الإنسان من عقله في مزحه أو مزحاته، فكأنّه قد مجّه كما يمجّ الماء من فيه.

____________________

(١) نهج البلاغة، الحكمة ٤٤٧.

(٢) نهج البلاغة، الحكمة ٤٤٨.

(٣) نهج البلاغة، الحكمة ٤٤٩. و فيه: شهواته.

(٤) البيت لحاتم الطائيّ، انظر ديوانه ١٧ و فيه: و إنّك مهما تعط...

(٥) نهج البلاغة، الحكمة ٤٥٠.

٢٤٦

و كان يقال: خير المزاح لا ينال، و شرّه لا يستقال.(١) و قيل: لكلّ شي‏ء بذر و بذر العداوة المزاح.(٢) و قيل: سمّي المزاح مزاحا لأنّه أزيح عن الحقّ.(٣) ٣٤٢ ما زال الزّبير رجلا منّا أهل البيت حتّى نشأ ابنه المشؤوم عبد اللّه.(٤) عبد اللّه بن الزبير:(٥) أمّه أسماء ذات النطاقين بنت أبي بكر. قيل:

هو أوّل مولود ولد في الإسلام من المهاجرين بعد الهجرة، ففرحوا به فرحا شديدا، و ذلك لأنّه قيل لهم: إنّ اليهود سحرتكم فلا يولد لكم.

و شهد مع أبيه و خالته الجمل، و كان شديد البأس، و مبارزته مع الأشتر، و قوله: « اقتلوني و مالكا و اقتلوا مالكا معي » معروف. و كان أطلس لا لحية له و لا شعر في وجهه كقيس بن سعد الأنصاري،

و أحنف بن قيس، و شريح القاضي، و يقال لهم: السادات الطلس.

و كان بخيلا، ضيّق العطن، سيّئ الخلق، حسودا كثير الخلاف،

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ ١٠٠.

(٢) غرر الحكم ٥ ٢٤، ح ٧٣١٦.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ ١٠٠.

(٤) نهج البلاغة، الحكمة ٤٥٣.

(٥) انظر تفصيل ما قاله المؤلّف (ره) في مروج الذهب ج ٣ و الاستيعاب ج ٢ و شرح ابن أبي الحديد ٢٠ ١٠٢ ١٤٩.

٢٤٧

و أخرج محمد بن الحنفيّة من مكّة و المدينة، و نفى عبد اللّه بن عبّاس إلى الطائف، و الكلمات التي ردّت بينهما معروفة.

و كان عدوّا لأمير المؤمنين عليه السلام و كانت عائشة تحبّه شديدا حتّى قيل: لم يكن أحد أحبّ اليها بعد أبي بكر من عبد اللّه بن الزبير.

و كان لسنا، و هو الذي قال في جواب فضالة بن شريك الوالبيّ حيث قال له: لعن اللّه ناقة حملتني إليك، قال: إنّ(١) و راكبها.(٢) و من اطّلع على هذه القضيّة يطّلع على شدّة بخله أيضا.

و قد ذكر المسعوديّ و غيره أنّ عبد اللّه بن الزبير جمع بني هاشم كلّهم و منهم محمّد بن الحنفيّة في سجن عارم، و أراد أن يحرقهم بالنار،

فجعل في فم الشعب حطبا كثيرا إذ ورد أبو عبد اللّه الجدلي من جانب المختار في أربعة آلاف و قصد الشعب بإخراج الهاشميّين منه و هرب ابن الزبير فلاذ بأستار الكعبة.(٣) قال ابن أبي الحديد: قال المسعوديّ: و كان عروة بن الزبير يعذر أخاه عبد اللّه في حصر بني هاشم في الشعب، و جمعه الحطب ليحرقهم و يقول: إنّما أراد بذلك أن لا تنتشر الكلمة، و لا يختلف المسلمون، و أن

____________________

(١) « إنّ » ها هنا بمعنى نعم، كأنّه إقرار بما قال.

(٢) نقله أبو الفرج في الأغاني ١ ١٥.

(٣) مروج الذهب ٣ ٨٥.

٢٤٨

يدخلوا في الطاعة، فتكون الكلمة واحدة، كما فعل عمر بن الخطّاب ببني هاشم لمّا تأخّروا عن بيعة أبي بكر، فإنّه أحضر الحطب ليحرق عليهم الدّار.(١) و روى أيضا عن المسعوديّ عن سعيد بن جبير، أنّ ابن عبّاس دخل على ابن الزبير، فقال له ابن الزبير: إلام تؤنّبني و تعنّفني قال ابن عبّاس: إنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: « بئس المرء المسلم يشبع و يجوع جاره » و أنت ذلك الرجل، فقال ابن الزبير: و اللّه إنّي لأكتم بغضكم أهل هذا البيت منذ أربعين سنة. و تشاجرا، فخرج ابن عبّاس من مكّة، فأقام بالطائف حتّى مات.(٢) و بالجملة قتله الحجّاج الثقفيّ في أيّام عبد الملك بمكّة و صلب جسده، و به أخبر أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه في قوله: « خبّ ضبّ، يروم أمرا و لا يدركه، ينصب حبالة الدين لاصطياد الدنيا،

و هو بعد مصلوب قريش ».(٣) ٣٤٣ ما لابن آدم و الفخر أوّله نطفة، و آخره جيفة. لا يرزق(٤) نفسه،

____________________

(١) مروج الذهب ٣ ٨٦، شرح ابن أبي الحديد ٢٠ ١٤٧.

(٢) مروج الذهب ٣ ٨٩، شرح ابن أبي الحديد ٢٠ ١٤٨.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ٧ ٤٨.

(٤) في النهج: و لا يرزق.

٢٤٩

و لا يدفع حتفه.(١) و قد أخذ الشاعر هذا الكلام في قوله:

ما بال من أوّله نطفة

و جيفة آخره يفخر

يصبح ما يملك تقديم ما

يرجو و لا تأخير ما يحذر

٢ قال بعض الحكماء: الفخر هو المباهاة بالأشياء الخارجة عن الإنسان، و ذلك نهاية الحمق لمن نظر بعين عقله، و انحسر عنه قناع جهله، فأعراض الدّنيا عارية مستردّة، لا يؤمن في كلّ ساعة أن ترتجع، و المباهي بها مباه بما في غير ذاته.(٣) ٣٤٤ منهومان لا يشبعان: طالب علم و طالب دنيا.(٤) نهم فلان بكذا فهو منهوم، أي مولع به، و اقتبس عليه السلام هذه الكلمة من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: « منهومان لا يشبعان: منهوم بالمال، و منهوم بالعلم ».(٥) ٣٤٥ ما المجاهد الشّهيد في سبيل اللّه بأعظم أجرا ممّن قدر فعفّ،

____________________

(١) نهج البلاغة، الحكمة ٤٥٤.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ ١٥٠.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ ١٥٠.

(٤) نهج البلاغة، الحكمة ٤٥٧.

(٥) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ ١٧٤.

٢٥٠

لكاد العفيف أن يكون ملكا من الملائكة.(١) في حكمة سليمان بن داود: إنّ الغالب لهواه أشدّ من الّذي يفتح المدينة وحده.(٢) و قال سليمان بن داود: يا بني إسرائيل، أوصيكم بأمرين أفلح من فعلهما: لا تدخلوا أجوافكم إلاّ الطيّب، و لا تخرجوا من أفواهكم إلاّ الطيّب.(٣) ٣٤٦ ما أخذ اللّه على أهل الجهل أن يتعلّموا حتّى أخذ على أهل العلم أن يعلّموا.(٤) لمّا كان التعلّم على الجاهل فريضة، و لا يمكن إلاّ بمعلّم عالم، كان وجوب التعلّم على الجاهل مستلزما لوجوب التعليم على العالم. روي:

من علم علما و كتمه ألجمه اللّه يوم القيامة بلجام من نار.(٥)

____________________

(١) نهج البلاغة، الحكمة ٤٧٤.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ ٢٣٣.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ ٢٤١.

(٤) نهج البلاغة، الحكمة ٤٧٨.

(٥) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ ٢٤٧.

٢٥١

٢٥٢

حرف النون

٣٤٧ نفس المرء خطاه إلى أجله.(١) استعار للنفس لفظ الخطا باعتبار أنّه على التعاقب و التقضّي، فهو مقرّب من الغاية الّتي هي الأجل كالخطا المتعاقبة الموصلة للإنسان إلى غايته من طريقه.

٣٤٨ نحن النّمرقة الوسطى الّتي يلحق بها التّالي(٢) و إليها يرجع الغالي.(٣) النمرق و النمرقة بالضمّ فيهما: و سادة صغيرة، و يقال للطنفسة فوق الرحل نمرقة.

____________________

(١) نهج البلاغة، الحكمة ٧٤.

(٢) في النهج: نحن النمرقة الوسطى، بها يلحق التالي.

(٣) نهج البلاغة، الحكمة ١٠٩.

٢٥٣

و المعنى أنّ كلّ فضيلة فإنّها مجنّحة بطرفين معدودين من الرذائل،

و المراد أنّ آل محمّد عليهم السلام هم الأمر المتوسّط بين الطرفين المذمومين،

فكلّ من جاوزهم فالواجب أن يرجع إليهم، و كلّ من قصّر عنهم فالواجب أن يلحق بهم.

٣٤٩ و ٣٥٠ النّاس أعداء ما جهلوا.(١) و العلّة في أنّ الإنسان عدوّ ما يجهله أنّه يخاف من تقريعه بالنّقص و بعدم العلم بذلك الشي‏ء، خصوصا إذا ضمّه ناد أو جمع من الناس فإنّه تتصاغر نفسه عنده إذا خاضوا فيما لا يعرفه، و يحقره في أعين الحاضرين، و كلّ شي‏ء آذاك و نال منك فهو عدوّك.

و في الديوان: « و الجاهلون لأهل العلم أعداء ».(٢) ٣٥١ النّاس في الدّنيا عاملان: عامل في الدّنيا(٣) للدّنيا، قد شغلته دنياه عن آخرته، يخشى على من يخلّف(٤) الفقر، و يأمنه على نفسه،

فيفني عمره في منفعة غيره. و عامل عمل في الدّنيا لما بعدها، فجاءه الذي له من الدّنيا بغير عمل، فأحرز الحظّين معا، و ملك الدّارين جميعا، فأصبح

____________________

(١) نهج البلاغة، الحكمتين ١٧٢ و ٤٣٨.

(٢) ديوان الإمام عليّ عليه السلام ١٥.

(٣) في النهج: عامل عمل في الدنيا.

(٤) في النهج: يخلفه الفقر.

٢٥٤

وجيها عند اللّه، لا يسأل اللّه حاجة فيمنعه.(١) قوله عليه السلام: « و يأمنه على نفسه »، أي لا يبالي أن يكون هو فقيرا،

لأنّه يعيش عيش الفقراء و إن كان ذا مال، لكنّه يدّخر المال لولده فيفني عمره في منفعة غيره.

و يجوز أن يكون معناه أنّه لكثرة ماله قد أمن الفقر على نفسه مادام حيّا، و لكنّه لا يأمن الفقر على ولده لأنّه لا يثق من ولده بحسن الاكتساب.

٣٥٢ النّاس أبناء الدّنيا، و لا يلام الرّجل على حبّ أمّه.(٢) و قال عليه السلام في موضع آخر: « الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم ».(٣) ٣٥٣ نعم الطّيب المسك، خفيف محمله، عطر ريحه.(٤) كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كثير التطيّب بالمسك و بغيره من أصناف المسك.(٥) و عن عائشة قالت: كأنّي أنظر إلى و بيض المسك في مفارق رسول

____________________

(١) نهج البلاغة، الحكمة ٢٦٩.

(٢) نهج البلاغة، الحكمة ٣٠٣.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٩ ٢٠٩.

(٤) نهج البلاغة، الحكمة ٣٩٧.

(٥) شرح ابن أبي الحديد ١٩ ٣٤١.

٢٥٥

اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو محرم.(١) و جاء في الخبر عنه صلّى اللّه عليه و آله: حبّب إليّ من دنياكم ثلاث: الطيب،

و النساء، و قرّة عيني في الصلاة.(٢) و ورد: خير طيب الرجال ما ظهر ريحه و خفي لونه، و خير طيب النساء ما ظهر لونه و خفي ريحه.(٣)

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٩ ٣٤٢.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١٩ ٣٤١.

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١٩ ٣٤١.

٢٥٦

حرف الواو

٣٥٤ وا عجبا(١) أتكون الخلافة بالصّحابة و القرابة.(٢) قال الرضيّ رضى اللّه عنه: و روي له شعر في هذا المعنى:

فإن كنت بالشورى ملكت أمورهم

فكيف بهذا و المشيرون غيّب

و إن كنت بالقربى حججت خصيمهم

فغيرك أولى بالنبيّ و أقرب

٣ قال ابن أبي الحديد: حديثه في النثر و النظم المذكورين مع أبي بكر و عمر، أمّا النثر فإلى عمر توجيهه، لأنّ أبا بكر لمّا قال لعمر: أمدد

____________________

(١) في النهج: وا عجباه.

(٢) نهج البلاغة، الحكمة ١٩٠. و رواه ابن أبي الحديد في شرحه ١٨ ٤١٦ هكذا: « وا عجبا أن تكون الخلافة بالصحابة، و لا تكون بالصحابة و القرابة ».

(٣) نهج البلاغة، ص ٥٠٣.

٢٥٧

يدك، قال له عمر: أنت صاحب رسول اللّه في المواطن كلّها، شدّتها و رخائها، فامدد أنت يدك، فقال عليّ عليه السلام: إذا احتججت لاستحقاقه الأمر بصحبته إيّاه في المواطن، فهلاّ سلّمت الأمر إلى من قد شركه في ذلك، و زاد عليه « بالقرابة » و أمّا النظم فموجّه إلى أبي بكر، لأنّ أبا بكر حاجّ الأنصار في السقيفة، فقال: نحن عترة رسول اللّه و بيضته الّتي تفقّأت عنه، فلمّا بويع احتجّ على الناس بالبيعة، و أنّها صدرت عن أهل الحلّ و العقد، فقال عليّ عليه السلام: أمّا احتجاجك على الأنصار بأنّك من بيضة رسول اللّه و من قومه، فغيرك أقرب نسبا منك إليه، و أمّا احتجاجك بالاختيار و رضا الجماعة بك، فقد كان قوم من جملة الصحابة غائبين، لم يحضروا العقد فكيف يثبت(١) انتهى.

و يمكن أن يكون توجّه كلامه إلى عثمان، لما روي هذا القول عنه عليه السلام بعد بيعة عثمان. و اختار ذلك ابن ميثم في الشرح.(٢) ٣٥٥ و اللّه لدنياكم هذه أهون في عيني من عراق خنزير في يد مجذوم.(٣) العراق: جمع عرق، و هو العظم عليه شي‏ء من اللحم. و ذلك نهاية

____________________

(١) شرح ابن أبي الحديد ١٨ ٤١٦.

(٢) شرح ابن ميثم ٥ ٣٤٢.

(٣) نهج البلاغة، الحكمة ٢٣٦.

٢٥٨

حقارة الدّنيا و هوانها في عينه عليه السلام، لأنّ العرق لا خير فيه، فإذا تأكّد بكونه من خنزير ثمّ بكونه في يد مجذوم بلغت النفرة منه الغاية. و من تأمّل سيرته في حالتي خلوّه من العمل و ولايته الخلافة يعرف أنّ الدّنيا كانت في عينه بهذه المنزلة بل أهون. صلوات اللّه و سلامه عليه.

٣٥٦ الوفاء لأهل الغدر غدر عند اللّه، و الغدر بأهل الغدر وفاء عند اللّه.(١) و ذلك أنّ من عهد اللّه في دينه الغدر و عدم الوفاء لهم إذا غدروا،

لقوله: وَ إمّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إلَيْهِمْ عَلى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْخَائِنينَ.(٢) قيل: نزلت في يهود بني قينقاع و كان بينهم و بين الرسول صلّى اللّه عليه و آله عهد، فعزموا على نقضه، فأخبره اللّه تعالى بذلك، و أمره بحربهم و مجازاتهم بنقض عهدهم، فكان الوفاء لهم غدرا بعهد اللّه، و الغدر بهم إذا غدروا وفاء بعهد اللّه.(٣) ٣٥٧ الولايات مضامير الرّجال.(٤) قال ابن ميثم: أراد بالمضامير مظانّ معرفة جودة الفرس

____________________

(١) نهج البلاغة، الحكمة ٢٥٩.

(٢) سورة الأنفال (٨) ٥٨.

(٣) شرح ابن ميثم ٥ ٣٧٠.

(٤) نهج البلاغة، الحكمة ٤٤١.

٢٥٩

[ و ردائته ]، و هي الأمكنة التي يقرن فيها الخيل للسباق، و استعار عليه السلام لفظها للولايات باعتبار أنّها مظانّ ظهور جودة الوالي من خسّته و ردائته، كما أنّ المضامير للخير كذلك.(١)

____________________

(١) شرح ابن ميثم ٥ ٤٥٤.

٢٦٠