السجود على التربة الحسينية

السجود على التربة الحسينية0%

السجود على التربة الحسينية مؤلف:
تصنيف: دراسات
الصفحات: 69

السجود على التربة الحسينية

مؤلف: العلامة المجاهد الشيخ عبدالحسين الأميني
تصنيف:

الصفحات: 69
المشاهدات: 7135
تحميل: 3169

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 69 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 7135 / تحميل: 3169
الحجم الحجم الحجم
السجود على التربة الحسينية

السجود على التربة الحسينية

مؤلف:
العربية

عليه وسلم وأنا حذائه وربما أصابني ثوبه اذا سجد، وكان يصلي على خمرة.

البخاري: 1/101، مسلم: 2/128، ابن ماجة: 1/320، النسائي: 2/57، البيهقي: 2/421.

واخرج مسلم: 1/168 عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ناوليني الخمرة من المسجد قالت: اني حائض فقال: ان حيضتك ليست في يدك.

5 - ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الخمرة ويسجد عليها.

أخرجه الطبراني في الكبير والاوسط.

6 - ام سلمة ام المؤمنين: كان لرسول الله حصير وخمرة يصلي عليها. اخرجه ابو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط، ورجال ابي يعلى رجال الصحيح، وعن ام حبيبة مثله صحيحاً كما في المجمع: 2/57.

٤١

7 - انس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الخمرة ويسجد عليها.

أخرجه الطبراني في الاوسط والصغير بأسانيد بعضها صحيح، رجاله ثقات كما في المجمع: 2/57.

٤٢

القسم الثالث:

فيما ورد من السجود على غير الأرض لعذر.

1 - انس بن مالك: كنا اذا صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض من شدة الحر طرح ثوبه ثم سجد عليه.

وفي لفظ البخاري: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود.

وفي لفظ مسلم: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم في شدة الحر فاذا لم يستطع(1) أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه.

وفي لفظ: كنا اذا صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر مكان السجود(2)

____________________

(1) في لفظ ابن ماجة: لم يقدر.

(2) البخاري: 1/101، مسلم: 2/109، ابن ماجة: 1/321، ابو داود: 1/106، سنن الدارمي: 1/308، مسند احمد: 1/100، السنن الكبرى: 2/10 ونيل الأوطار:2/268.

٤٣

قال الشوكاني في النيل: الحديث يدل على جواز السجود على الثياب لاتقاء حر الأرض، وفيه اشارة الى أن مباشرة الأرض عند السجود هي الأصل، لتعليق بسط ثوب بعدم الاستطاعة، وقد استدل بالحديث على جواز السجود على الثوب المتصل بالمصلي، قال النووي: وبه قال ابو حنيفة والجمهور أهـ.

2 - انس بن مالك: كنا اذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظهائر سجدنا على ثيابنا اتقاء الحر.

أخرجه ابن ماجة في صحيحه: 2/216 وقال الامام السندي في شرحه: الظهائر جمع ظهيرة وهي شدة الحر نصف النهار «سجدنا على ثيابنا» الظاهر انها الثياب التي هم لابسوها ضرورة ان الثياب في ذلك الوقت قليلة، فمن أين لهم ثياب فاضلة؟ فهذا يدل على جواز أن يسجد المصلي على ثوب هو لابسه كما عليه الجمهور أهـ. وعلى هذه الصورة يحمل ما جاء عن ابن عباس: رأيت

٤٤

رسول الله يصلي يسجد على ثوبه(1) .

وأخرج التخاري في الصحيح: 1/101 في باب السجود على الثوب في شدة الحر: وقال الحسن: كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة ويداه في كمه.لفت نظر:

هناك حديث حمله الفقهاء على هذه الصورة أيضاً مع انه ليس فيه ذكر عن السجدة على الثوب، ألا وهو:

عن ابن عباس: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في كساء ابيض في غداة باردة يتقي بالكساء برد الأرض بيده ورجله.

وفي لفظ احمد: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم مطير وهو يتقي الطين اذا سجد بكساء عليه يجعله دون يديه الى الأرض اذا سجد.

وعن ثابت بن صامت: ان رسول الله صلى الله عليه

____________________

(1) أخرجه ابو يعلى. والطبراني في الكبير.

٤٥

وسلم قام يصلي في مسجد بني عبدالأشهل وعليه كساء ملتفّ به يضع يده عليه يقيه برد الحصا.

وفي لفظ: رأيته واضعاً يديه في ثوبه اذا سجد.

في لفظ ابن ماجة: فرأيته واضعاً يديه على ثوبه اذا سجد(1) .

قال الشوكاني في نيل الأوطار: الحديث يدل على جواز الاتقاء بطرف الثوب الذي على المصلي ولكن للعذر، اما عذر المطر كما في الحديث، أو الحر والبرد كما في رواية ابن ابي شيبة وهذا الحديث مصرح بأن الكساء الذي سجد عليه كان متصلا به أ هـ.

ونحن لم نر هذا الحمل في محله اذ الحديث لا يدل بظاهره الا على اتقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكساء برد الأرض بيده ورجله فحسب، وليس فيه ايعاز قط الى السجدة والجبهة، وسبيله سبيل حديث السيدة عائشة: كان

____________________

(1) سنن ابن ماجة: 1/321، السنن الكبرى: 2/108، نصب الراية: 1/386، نيل الأوطار: 2/269، 275.

٤٦

رسول الله اذا صلى لا يضع تحت قدمية شيئاً الا انّا مطرنا يوماً فوضع تحت قدمية نطعاً(1) .

وهناك مرفوعة أخرجها احمد في المسند: 4/254 عن محمد بن ربيعة عن يونس بن الحرث الطائفي عن أبي عون عن ابيه عن المغيرة بن شعبة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي أو يستحب أن يصلي على فروة مدبوغة(2) .

والاسناد ضعيف بالمرة وبمثله يستدل في الأحكام، فيه يونس بن الحرث، قال احمد: أحاديثه مضطربة، وقال عبدالله بن احمد: سألته عنه مرة اخرى فضعفه. وعن ابن معين: لا شيء، وقال ابو حاتم: ليس بقوي، وقال النسائي: ضعيف. وقال مرة: ليس بالقوي، وقال ابن ابي شيبة: سألت ابن معين عنه فقال: كنا نضعفه ضعفاً شديداً. وقال الساجي: ضعيف الا انه لا يتهم بالكذب.

تهذيب التهذيب: 11/437.

____________________

(1) اخرجه الطبراني في الاوسط، والبيهقي:2/436، وضعفه الهيثمي في المجمع: 2/57، لمكان ابراهيم بن اسحاق الضبي في اسناده.

(2) واخرجه ابو داود: 1/106، والبيهقي في السنن: 2/420 بالاسناد المذكور.

٤٧

وفيه أبو عون عبيدالله بن سعيد الثقفي الكوفي قال ابو حاتم كما في الجرح والتعديل لابنه: هو مجهول. وقال ابن حجر: حديثه عن المغيرة مرسل.

على ان متن المرفوعة ساكت عن االسجدة وحكمها، والملازمة بين الصلاة على الفروة والسجدة عليها منتفية.القول الفصل:

هذا تمام ما ورد في الصحاح، والمسانيد مرفوعاً وموقوفاً فيما يجوز السجود عليه برمته، ولم يبق هناك حديث لم ندكره، وهي تدل بنصها على أن الأصل في ذلك لدى القدرة والامكان الأرض كلها، ويتبعها المصنوع مما ينبت منها أخذاً بأحاديث الخمرة عنه والفحل والحصير والبساط، ولا مندوحة عنها عند فقدان العذر، وأما في حال العذر وعدم التمكن منها فيجوز السجود على الثوب المتصل دون المنفصل لعدم ذكره في السنة.

وأما السجدة على الفراش والسجاد والبسط المنسوجة من الصوف والوبر والحرير، وأمثالها والثوب المنفصل فلا دليل يسوغها قط، ولم يرد في السنة أي مستند لجوازها،

٤٨

وهذه الصحاح الست وهي تتكفل بيان احكام الدين ولا سيما الصلاة التي هي عماده، لم يوجد فيها ولا حديث واحد، ولا كلمة ايماء وايعاز الى جواز ذلك.

وكذلك بقية اصول الحديث من المسانيد والسنن المؤلفة في القرون الاولى الثلاثة ليس فيها أي أثر يمكننا الاستدلال به على جواز ذلك من مرفوع أو موقوف، من مسند أو مرسل.

فالقول بجواز السجود على الفرش والسجاد والالتزام بذلك. وافتراش المساجد بها للسجود عليها كما تداورل عند الناس بدعة محضة. وأمر محدث غير مشروع. يخالف سنة الله وسنة رسوله، ولن تجد لسنة الله تحويلا. وقد اخرج الحافظ الكبير الثقة ابو بكر ابن ابي شيبة باسناده في المصنف في المجلد الثاني عن سعيد بن المسيب وعن محمد بن سيرين: ان الصلاة على الطنفسة محدث، وقد صح عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قوله: شر الامور محدثاتها، وكل محدثة بدعة. وأما:

٤٩

السجدة على تربة كربلاء

٥٠

٥١

واتخاذها مسجداً فان الغاية المتوخاة منها للشيعة انما هي تستند الى أصلين قويمين. وتتوقف على امرين قيمين، أولهما:

استحسان اتخاذ المصلي لنفسه تربة طاهرة يتيقن بطهارتها، من أي أرض أخذت، ومن أي صقع من أرجاء العالم كانت، وهي كلها في ذلك شرع سواء سواسية، لا امتياز لا حديهن على الاخرى في جواز السجود عليها، وان هو الا كرعاية المصلي طهارة جسده وملبسه ومصلاه، يتخذ المسلم لنفسه صعيداً طيباً يسجد عليه في حله وترحاله، وفي حضره وسفره، ولا سيما في السفر. اذ الثقة بطهارة كل ارض يحل بها، ويتخذها مسجداً لا تتأتى له في كل موضع من المدن والرساتيق والفنادق والخانات وباحات النزل والساحات، ومحال المسافرين، ومحطات وسائل السير والسفر، ومهابط فئات الركاب، ومنازل الغرباء، انى له بذلك وقد يحل بها كل انسان من الفئة المسلمة وغيرها، ومن اخلاط الناس الذين لا يبالون ولا يكترثون لأمر الدين في موضوع الطهارة والنجاسة.

٥٢

فأي وازع من أن يستحيط المسلم في دينه، ويتخذ معه تربة طاهرة يطمئن بها وبطهارتها يسجد عليها لدى صلاته، حذراً من السجدة على الرجاسة والنجاسة والأوساخ التي لا يتقرب بها الى الله قط، ولا تجوز السنة السجود عليها، ولا يقبله العقل السليم، بعد ذلك التأكيد التام البالغ في طهارة اعضاء المصلي ولباسه، والنهي عن الصلاة في مواطن منها: المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطريق، والحمام، ومعاطن الابل(1) والامر بتطهير المساجد وتطييبها(2) .

وكأن هذه النظرة الصائبة القيمة الدينية كانت متخذة لدى رجال الورع من فقهاء السلف في القرون الاولى، وأخذاً بهذه الحيطة المتحسنة جداً كان التابعي الفقيه الكبير

____________________

(1) سنن ابن ماجة: 1/252، ومسانيد وسنن اخرى.

(2) سنن ابن ماجة: 1/256 ومصادر أخرى.

٥٣

الثقة العظيم المتفق عليه مسروق بن الأجدع(1) يأخذ في أسافره لبنة يسجد عليها كما أخرجه شيخ المشايخ الحافظ الثقة امام السنة ومسندها في وقته أبو بكر ابن أبي شيبة في كتابه «المصنف» في المجلد الثاني في باب: من كان يحمل في السفينة شيئاً يسجد عليه، فأخرج باسنادين: ان مسروقاً كان اذا سافر حمل معه في السفينة لبنة يسجد عليها.

هذا هو الأصل الأول لدى الشيعة وله سابقة قدم منه يؤم الصحابة الاولين والتابعين لهم باحسان. وأما الاصل الثاني:

فان قاعدة الاعتبار المطردة تقتضي التفاضل بين الأراضي

____________________

(1) مسروق بن الأجدع عبدالرحمن بن مالك الهمداني أبو عائشة المتوفي 62 تابعي عظيم من رجال الصحاح الست، يروي عن ابي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي. كان فقيهاً عابدا ثقة صالحاً، كان في أصحاب ابن مسعود الذين كانوا يعلمون الناس السنة، وقال حين حضره الموت كما جاء في طبقات ابن سعد: اللهم لا أموت على امر لم يسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر.

راجع تاريخ البخاري الكبير: 4 ق2: 35، طبقات ابن سعد: 6/565، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: 4 ق1: 396، تهذيب التهذيب: 10: 109 - 111.

٥٤

بعضها على بعض، وتستدعي اختلاف الآثار والشؤون والنظرات فيها، وهذا أمر طبيعي عقلي متسالم عليه، مطرد بين الامم طراً، لدى الحكومات والسلطات والملوك العالمية برمتهم، إذ بالاضافات والنسب تقبل الأراضي والاماكن والبقاع خاصة ومزيّة، بها تجري عليها مقررات وتنتزع منها أحكام لا يجوز التعدي والصفح عنها.

الا ترى أن المستقلات والساحات والقاعات والدور والدوائر الرسمية المضافة إلى الحكومات، وبالأخص ما ينسب منها الى البلاط الملكي، ويعرف باسم عاهل البلاد وشخصه. لها شأن خاص، وحكم ينفرد بها، يجب للشعب رعايته، والجري على ما صدر فيها من قانون.

فكذلك الأمر بالنسبة الى الأرضي والأبنية والديار المضافة المنسوبة الى الله تعالى فان لها شؤوناً خاصة، واحكاماً وطقوساً. ولوازم وروابط لا مناص ولابد لمن اسلم وجهه لله من أن يراعيها، ويراقبها، ولا مندوحة لمن عاش تحت راية التوحيد والاسلام من القيام بواجبها والتحفظ عليها، والاخذ بها.

٥٥

فبهذا الاعتبار المطرد العام المتسالم عليه انتزع للكعبة حكمها الخاص، وللحرم شأن يخص به، وللمسجدين الشريفين: جامع مكة والمدينة احكامهما الخاصة بهما، وللمساجد العامة والمعابد والصوامع والبيع التي يذكر فيها اسم الله، في الحرمة والكرامة، والتطهير والتنجيس، ومنع دخول الجنب والحائض والنفساء عليها، والنهي عن بيعها نهياً باتاً نهائياً من دون تصور أي مسوغ لذلك قط خلاف بقية الأوقاف الاهلية العامة التي لها صور مسوغة لبيعها وتبديلها بالأحسن، الى احكام وحدود اخرى منتزعة من اعتبار الاضافة الى ملك الملوك،رب العالمين.

فاتخاذ مكة المكرمة حرماً آمناً، وتوجيه الخلق اليها، وحجهم اليها من كل فج عميق، وايجاب كل تلكم النسك. وجعل كل تلكم الأحكام حتى بالنسبة الى نبتها وأبّها، ان هي الا آثار الاضافة، ومقررات تحقق ذلك الاعتبار. واختيار الله اياها من بين الأراضي.

وكذلك عدّ المدينة المنورة حرماً إلهياً محترماً. وجعل كل تلكم الحرمات الواردة في السنة الشريفة لها وفي أهلها

٥٦

وتربتها ومن حل بها ومن دفن فيها، انما هي لاعتبار ما فيها من الاضافة والنسبة الى الله تعالى، وكونها عاصمة عرش نبيه الأعظم صاحب الرسالة الخاتمةصلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم.

وهذا الاعتبار وقانون الاضافة كما لا يخص بالشرع فحسب، بل هو أمر طبيعي أقّر الاسلام الجري عليه، كذلك لا ينحصر هو بمفاضلة الأراضي، وانما هو اصل مطرد في باب المفاضلة في مواضيعها العامة من الانبياء والرسل والأوصياء، والأولياء، والصديقين، والشهداء، وأفراد المؤمنين وأصنافهم، الى كل ما يتصور له فضل على غيره لدى الاسلام المقدس. بل هذا الأصل هو محور دائرة الوجود، وبه قوام كل شيء، واليه تنتهي الرغبات في الامور، ومنه تتولد الصلات والمحبات، والعلائق والروابط لعّدة عوامل البغض والعداء والشحناء والضغائن.

وهو اصل خلاف وشقاق ونفاق، كما انه أساس كل وحدة واتحاد وتسالم ووئام وسلام. وعليه تبنى سروح الكليات، وتتمهد المعاهد الاجتماعية، وفي اثره تشكل

٥٧

الدول، وتختلف الحكومات، وتحدث المنافسات والمشاغبات والتنازع والتلاكم والمعارك والحروب الدامية، وعلى ضوئه تتحزب الشعوب والقبائل، وتتكثر الأحزاب والجمعيات، وبالنظر اليه تؤسس المؤسسات في امور الدين والدنيا، وتتمركز المتجمعات الدينية، والعلمية والاجتماعية، والشعوبية، والقومية، والطائفية، والحزبية، والسياسية، الى كل قبض وبسط، وحركة وسكون، ووحدة وتفكك، واقتران وافتراق.

فالحكومة العالمية العامة القوية القهارة الجبارة الحاكمة على الجامعة البشرية بأسرها من أول يومها وهلم جراً الى آخر الأبد، من دون شذوذ لأي أحد وخروج فرد عن سلطتها، ومن دون اختصاص بيوم، دون يوم، انما هي حكومة «ياء النسبة» بها قوام الدين والدنيا، واليها تنتهي سلسلة النظم الانسانية، وقانون الاجتماع العام، وشؤون الافراد البشري.

والبشر مع تكثر افراده على بكرة ابيهم مسير بها، مقهور تحت نير سلطتها، مصفد بحبالها، مقيد في شراكها،

٥٨

لا مهرب له منها، هي التي تحكم وتفتق، وتنقض وتبرم، وترفع وتخفض، وتصل وتقطع، وتقرب وتبعد، وتأخذ وتعطي، وتعز وتذل،وتثيب وتعاقب، وتحقر وتعظم.

هي التي تجعل الجندي المجهول مكرماً، معظماً، محترماً، وتراه أهلاً لكل اكبار وتجليل وتجيل، لدى الشعب وحكومته، وتنثر الأوراد والأزهار على تربته ومقبره، وتدعه يذكر مع الأبد، خالداً ذكره في صفحة التاريخ.

هي التي تهون لديها الكوارث والنوازل، وبمقاييسها يقاسي الانسان الشدائد والقوارع والمصائب الهائلة، ويبذل النفس والنفيس دونها.

هي التي جعلت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقبل الصحابي العظيم عثمان بن مظعون وهو ميت، ودموعه تسيل على خديه كما جاء عن السيدة عائشة(1) .

____________________

(1) اخرجه ابو القاسم عبدالملك ابن بشران في اماليه، وابو الحسن علي بن الجعد الجوهري في الجزء العاشر من مسنده، والحاكم النيسابوري في المجلد الثالث من المستدرك. وحفاظ واعلام آخرون.

٥٩

هي التي دعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الى أن يبكي على ولده الحسين السبط، ويقيم كل تلكم المآتم ويأخذ تربة كربلاء ويشمها ويقبلها، الى آخر ما سمعت من حديثه.

هي التي جعلت السيدة ام سلمة ام المؤمنين تصر تربة كربلاء على ثيابها.

هي التي سوغت للصديقة فاطمة ان تأخذ تربة قبر ابيها الطاهر وتشمّها.

هي التي حكمت على بني ضبة يوم الجمل أن تجمع بعرة جمل عايشة ام المؤمنين وتفتها وتشمها كما ذكره الطبري.

هي التي جعلت علياً امير المؤمنينعليه‌السلام أخذ قبضة من تربة كربلاء لما حلّ بها فشمها وبكى حتى بلّ الأرض بدموعه، وهو يقول: يحشر من هذا الظهر سبعون الفاً يدخلون الجنة بغير حساب. أخرجه الطبراني وقال الهيثمي في المجمع: 9/191 رجاله ثقات.

هي التي جعلت رجل بني اسد يشم تربة الحسين ويبكي قال هشام ابن محمد: لما اجرى الماء على قبره الحسين نضب

٦٠