الطفل بين الوراثة والتربية الجزء ٢

الطفل بين الوراثة والتربية0%

الطفل بين الوراثة والتربية مؤلف:
تصنيف: الأسرة والطفل
الصفحات: 377

الطفل بين الوراثة والتربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمد تقي فلسفي
تصنيف: الصفحات: 377
المشاهدات: 31306
تحميل: 6626


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 377 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 31306 / تحميل: 6626
الحجم الحجم الحجم
الطفل بين الوراثة والتربية

الطفل بين الوراثة والتربية الجزء 2

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

إن إيجاد الشخصية والاعتماد على النفس عند الطفل من الواجبات التربوية للآباء والأمهات، وظهور هذه الحالة النفسية عند الأطفال يسير وفق منهج منظم، بحيث لو طُبق بصورة صحيحة أدى إلى نتائج مرضية، ونشأ الطفل ذا شخصية فذة، أما إهماله فإنه يؤدي إلى تعود الطفل على الخسة والحقارة.

كما إن احترام الطفل وحسن معاشرة الوالدين معه من أهم العوامل الأساسية لبناء الشخصية الرصينة. إن نبي الإسلام العظيم يوضح هذا المنهج الضخم بعبارة قصيرة ويأمر الناس بإتباعه فيقول: (أكرموا أولادكم وأحسنوا آدابكم) (1) .

إن احترام الطفل وتكريمه، أو إهانته وتحقيره، لا يختص بأسلوب معين، بل إن الوالدين يستطيعان أن يحترما أطفالهما بطرق مختلفة، كما يقدران على أهانتهما بصورة متعددة. وهنا لا بأس بالتعرض إلى بعض الأساليب والصور التي بها يحترم الطفل أو يهان، مع بيان النتائج المفيدة أو المضرة التي تترتب على ذلك.

الطفل إنسان واقعي:

إن الشرط الأول للتربية الصحيحة وتنمية الشخصية والاستقلال عند الطفل أن يعرف الوالدان حقيقة طفلهما ولا يتجاهلا قيمته الواقعية. أن يعتقدا بأن طفلهما ليس شاة أو دجاجة تحتاج إلى الطعام واللعب والنوم. إنه إنسان صغير، إنسان واقعي ولكنه ضعيف، إنسان حقيقي يملك من الذخائر الفطرية ما يجب أن تبرز من يجب أن تبرز من عالم القوة إلى حيز الطفل.

(يحس الطفل طيلة أدوار نموه بالحقارة في قبال والديه وجميع الناس. هذا الإحساس في جميع شئون الطفل وليد عدم القدرة الأولية للأعضاء وعدم الاطمئنان به وفقدانه للاستقلال، وكذلك ينتج على أثر الاحتياج إلى الغير، والاعتماد على شيء أقوى منه، والخضوع لسيطرة المحيط. وهذا الإحساس بالحقارة هو الذي يوجد في الطفل نشاطاً دائماً، واحتياجاً إلى

____________________

(1) بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج23|114.

٦١

الانشغال، والاهتمام يلعب دور بارز في الحياة. إنه يسير في حالة ضخمة من الآمال والأماني المستقبلة والاستعداد الجسمي والعقلاني لتحقيقها. وإن الرغبة في التفوق على الآخرين هي التي تدفعه إلى أن يثبت لنفسه شخصية، فيقلل بذلك من حدة الحقارة المستولية عليه) (1) .

الرشد المعنوي للطفل:

إن الآباء والأمهات الذين يفسحون المجال في الأسرة للأطفال كي يمارسوا نشاطاتهم الفطرية، ولا يسخرون منهم في الأفعال التي تصدر منهم ولا يحاولون تحقيرهم أبداً، يتوفقون إلى الرشد المعنوي بسرعة وينالون شخصية كاملة. وعلى العكس، فإن الآباء والأمهات المستبدين في الأسرة الذين يسلكون تجاه أطفالهم بالشدة والحدة ويملئون جو الأسرة رعباً وهلعاً، يكتبون القابليات والاستعدادات الباطنية للأطفال، ويمنعون من الرشد الطبيعي لهم فينشئون وهم فاقدون للشخصية.

إن أحد أسباب الإحساس بالحقارة عند الأطفال هو المظاهر الشديدة لقدرة (الكبار) وضغطهم. لا شيء يطفئ جذوة الرغبة في التعالي والتكامل والاعتماد على النفس عند الطفل مثل الإهانة والتحقير الذي يلاقيه في قبال الضغط والشدة، خصوصاً عندما يؤكد الوالدان شدتهما بعبارة: (إنك لا تستطيع القيام بهذا العمل)... (لا تحاول عبثاً).

ومما يزيد في الطين بلَّة أنهما لا يكتفيان بذلك، بل يبعثان السأم والملل في نفس الطفل بعبارات من أمثال: (لماذا تريد أن تفعل هذا أيها الأحمق... ألا ترى أنك لا تستطيع ذلك؟!). من النادر جداً أن لا يوجِد سلوك كهذا عقدة الإحساس بالحقارة في الأطفال. وقد يكون وجود أب

____________________

(1) چه ميدانيم تربيت اطفال دشوار ص 16.

٦٢

متزمّت ومتنفذ كافياً في أن يقف حاجزاً دون ظهور الصفات الفاضلة في نفس الطفل) (1) .

وإذا عدنا إلى الحديث الذي سبق شرحه في المحاضرة السابقة، وجدنا أن الرسول الأعظم (صلَّى الله عليه وآله) يقول: (ولا يرهقه ولا يخرق به)... أي لا يقول له: أنت سفيه، حقير، بليد، أبله، كذاب لأن كل واحدة من هذه الكلمات تحمل من أمارات الإهانة والتحقير تجاه الطفل ما يكفي للوقوف أمام تكامل قواه المعنوية.

غريزة اللعب عند الطفل:

من الميول التي أودعها الله تعالى في باطن الأطفال: الرغبة في اللعب. إن الطفل يميل إلى اللعب بفطرته، فتارة يجري وقفز، وأخرى ينظم ويقفز، وأخرى ينظم لُعَبه ودُماه. هذه الأعمال التي تبدو للنظرة البسيطة تافهة وعابثة هي أساس تكامل جسد الطفل وروحه. إن اللعب يبعث القوة في عضلاته والمتانة في عظامه، كما انه ينمي فيه القدرة على الابتكار ويخرج قابلياته الكامنة إلى حيز الفعل. وهكذا فاللعب يشغل شطراً كبيراً من حياة الأطفال ولم يفت الأئمة المعصومين أمر التنبيه على هذه النقطة. فعن الإمام الصادق (عليه السلام): (الغلام يلعب سبع سنين، ويتعلم الكتاب سبع سنين، ويتعلم الحلال والحرام سبع سنين) (2) . وعنه أيضاً: (دع ابنك يلعب سبع سنين) (3) .

اللعب وحس الابتكار:

من فوائد اللعب تدريب الطفل على الاستقلال في الإرادة، وإحياء حس

____________________

(1) ما وفرزندان ما ص 57.

(2) الكافي لثقة الإسلام الكليني ج6|47.

(3) الكافي لثقة الإسلام الكليني ج6|47.

٦٣

الابتكار فيه. عندما يحفر الطفل على كومة من التراب بئراً، أو يبني غرفة صغيرة فإن قواه العقلية تعمل كما يعمل المهندس المعمار فيتلذذ لنجاحه وعندما يلاقي بعض الموانع في عمله فتنهدم البئر أو تنهار الغرفة، يحاول تدارك ذلك بالبحث عن علاج فوري. هذه النشاطات تساعد على الرشد الفكري وتكامل الشخصية عند الطفل، فإذا سخر الأب أو الأم منه، ونسبوا أفعاله إلى العبث والسفه كان في ذلك إهانة وتحقير له، وكبت لمواهبه وقابلياته.

(إذا حاول الأطفال رسم برنامج خاص لهم في أعمالهم فلا تمنعوهم من ذلك، لأن مواصلة تطبيق خطة مرسومة دون وقوف العوائق في طريق ذلك عامل فعال في تكوين الشخصية عندهم).

(لا يلتزم الكبار في الأفعال الاعتيادية اليومية التي يؤدونها بنظام معين، في حين أن الأطفال يميلون - على العكس من الكبار - إلى أن يسيروا حسب خطة معينة ولكن هل إننا ندعهم أحراراً في تنفيذ خططهم؟! كلا. إذا كان الأطفال يلعبون فإننا نمنعهم عن اللعب لنصحبهم معنا إلى النزهة، وإذا كان الطفل يملأ سطلاً من الرمل، أو يلبس العروسة بدلة، فإننا نأخذ بيده إلى أن يأتي ويسلم على الضيف).

(هذه الأمور تدعو الطفل إلى أن يعتقد بأن حقارة خاصة تكتنفه مما تجعله دون مستوى الآخرين، وعندئذ يدرك الطفل أن جميع أفعاله فاقدة للمعنى، وأنه موجود تافه، وفي مثل هذه الحالة كيف تستطيعون أن تلقنوا هذا الموجود الصغير معاني المسئولية والاعتماد على النفس؟!) (1) .

لا تغفلوا عن كلام النبي (ص) حيث يقول: (أكرموا أولادكم) ولا تنسوا قوله: (ولا يرقه ولا يخرق به).

____________________

(1) ما وفرزندان ما ص 56.

٦٤

إرشاد الطفل:

لا ريب في أن الطفل يحتاج لمعرفة الخير والشر إلى إرشاد أبويه. فعليهما أن يعلماه موارد الخير ويحثاه على العمل به، ويبصراه بالشر ويحذراه منه. إن مجموعة الأوامر والنواهي الصادرة من الوالدين إلى أطفالهما تمثّل تنفيذاً لواجب تربوي مقدس، ولكن يجب أن لا يغيب عن البال أن هذه الأوامر والنواهي يجب أن لا تتجاوز الحد المعقول، ولا تصل إلى حد الإهانة وجرح شعور الطفل الذي يؤدي بدوره إلى نتيجة عكسية.

هناك بعض الآباء يتدخلون في سلوك أطفالهم بدرجة كبيرة، ظناً منهم بأنهم يحسنون تربيتهم بذلك، فيتجاوزون بأوامرهم نواهيهم الحد المعقول، ويسببون الجزع والملل لهم ولأطفالهم، في حين أن الطفل يزداد انحرافاً يوماً بعد آخر.

إذا كان للطفل سلوك غير محبّذ فعلى الوالدين أن يرشداه إلى الطريق الصحيح بأسلوب هادئ لا يصيب شخصيته بإهانة أو تحقير. ذلك أن الإكثار من توبيخ الطفل وتوجيه اللوم والتقريع نحوه والإصرار على هذا العمل المقترن بالإهانة وتحطيم الشخصية، لا ينتج النتيجة المطلوبة من إصلاح الطفل فحسب، بل يؤدي إلى إصراره وعناده والاستمرار في أفعاله الفاسدة رغم أنف والديه وفي هذا يقول الإمام أمير المؤمنين (ع): (الإفراط في الملامة يشبُّ نيران اللجاج) (1) .

____________________

(1) تحف العقول: 84.

٦٥

قد اندحر في الميدان تماماً، يصمم على مقاومة أبويه فيثبت شخصيته بالاستمرار في العمل الفاسد الذي كان قد ارتكبه.

(إذا كان سلوك الطفل فاسداً وشريراً بصورة خاصة فيجب اتباع المعارضة يقابل بالفشل، لأن كل حاجز يحث الإنسان لي اجتيازه. إن ألف (لا تفعل) ولا تفعل الصادرة من الوالدين تفتح أمام الطفل عالماً من (الممكنات). إن الطفل يفكر في نفسه قائلاً: (يجب أن لا أفعل هذا؟ إذن أستطيع أن أفعله، والآن أقدر عليه أيضاً) فسلوك كهذا يوجد في الطفل على ما يكون سبباً في قيامه بذلك العمل. علينا أن نرشده إلى ما ينبغي أن يؤديه، أن لا نجرح عواطفه، ولكن لا يعني هذا أن نتركه وشأنه. يجب في هذا السبيل أن نعيّن له ميولاً أخرى تحل محل الميول السابقة، نوجهه نحو أهداف مفيدة ومساعدة على ظهور شخصيته) (1) .

الطغيان الناشىء من التحقير:

إن الآباء والأمهات الذين يسيئون إلى أطفالهم بسوء إدراكهم ويحطمون شخصيتهم يدفعونهم إلى المخالفة والطغيان والفوضى ويبذرون في نفوسهم بذور العناد والخروج على القواعد الاجتماعية. وهذا ما يجرّ وراءه سلسلة من المآسي والمشاكل، وبهذا الصدد يقول الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): (جرأة الولد على والده في صغره، تدعو إلى العقوق في كبره) (2) .

الآباء والأمهات الذين يحترمون أطفالهم، ويكبرون فيهم معنوياتهم، ويسايرونهم بالأخلاق الكريمة والآداب الفاضلة يستطيعون أن يربوهم على صفات

____________________

(1) چه ميدانيم؟ اطفال دشوار ص 77.

(2) تحف العقول ص 489.

٦٦

الحميدة، وإذا صادف أن ظهر في سلوكهم ما يؤدي إلى الانحراف فإن من السهل عليهم أن يكافحوا ذلك.

الطفل كالكبار في أنه يحب ذاته، فعندما يفهم أن العمل الفاسد يسيء. ويحطم شخصيته، ويقلل من منزلته في أنظار الناس، ويؤدي إلى احتقاره في محيط الأسرة، يترك ذلك فوراً حفظاً على مقامه ويقوم بإصلاح نفسه بصورة تلقائية. يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (من كرمت عليه نفسه هانت عليه شهوته) (1) . وعنه (عليه السلام) أيضاً: (من شرفت نفسه نزهها عن ذلَّة المطالب) (2) .

وبهذا المضمون وردت روايات كثيرة، منها:

عن علي (عليه السلام): (من كرمت عليه نفسه لم يهنها بالمعصية) (3) .

وعن الإمام علي بن الحسين ((عليهما السلام)): (من كرمت عليه نفسه هانت عليه الدنيا) (4) .

شرف النفس والاستقامة:

يستفاد من هذه الأحاديث أن شرف النفس لا يتلاءم مع الانحرافات والمعاصي. أن من يحس في نفسه بالكرامة والشرف، ويرغب في الحفاظ على هذه الجوهرة الثمينة في خزانه روحه بصورة دائمة لا يحوم حول الذنب والانحراف أبداً. إن من يرغب في أن تكون له شخصية لا معه وسمعة طيبة يجب أن يمتنع عن الكذب، ومن يحب في أن يتلمس آثار الشرف والعدالة والاستقامة في نفسه لا يستطيع أن يرتشي، ومن عرف في المجتمع بالأمانة ويرغب في الإبقاء على ذلك لا يقوم على الخيانة.

أما من لا يملك شرف النفس وحسن السمعة، ويعتبر تافهاً في نظر المجتمع،

____________________

(1) سفينة البحار للقمي - مادة شها، ص 726.

(2) غرر الحكم ودرر الكلم للآمدي ص 669.

(3) غرر الحكم ودرر الكلم للآمدي ص 677.

(4) تحف العقول ص 278.

٦٧

ويحس بالحقارة في نفسه أيضاً. ويكون خطراً على المجتمع الذي يعيش فيه فلا يتورع عن الإجرام والتلوث بالذنوب والمعاصي.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (من هانت عليه نفسه فلا ترجُ خيره) (1) .

وعن الإمام علي الهادي (عليه السلام): (من هانت عليه نفسه فلا تأمن شره) (2) .

وفي حديث عن الإمام أمير المؤمنين (ع): (هانت عليه نفسه من أمّر عليه لسانَه) (3) فالشخص الذي يطلق العنان للسانه بالسب والشتم والغيبة والفحش في القول يكشف عن حقارة نفسه وخسة طبعه.

لكي يؤدي الوالدان الدين التربوي الذي في عاتقهما تجاه الطفل، ويربّياه على الرغبة في الخير من دون ضغط أو تهديد، ويوجد فيه شخصية متكاملة، عليهما أن يحترماه ويسلكا معه بحيث يفهم أنه عضو مستقل في الأسرة وله من الاحترام والتكريم ما للآخرين.

(يكفي للمربين وللأولياء أن يحترموا هذا العالم المعقد والمبهم (أي الطفل) ولا يحكموا على عالمه المعقد بشيء. يجب عليهم أن يدفعوا الطفل إلى النشاط والعمل بمحركاته لا بواسطة محركاتهم، وبهذه الطريقة يستطيعون أن يوجدوا جوا التفاهم ويبذروا فيه بذور الاعتماد على النفس والاستقلال).

(لا نعني من هذا أن للطفل أن يمارس ما يشاء من رغبات وميول غير مناسبة. ولكن عندما يدرك الطفل أنهم فهموه وعرفوا حقيقته، فلا يسيء التصرف إلى قابلياته. إنه يدرك حدوده وحدودنا. إنكم قد علمتموه القواعد والآداب والعادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية. إنه يحس بأن هذه الآداب والقواعد تسهل ارتباطه بالمحيط الذي يعيش فيه دون الإضرار بحريته. إذن،

____________________

(1) غرر الحكم ودرر الكلم للآمدي ص 712.

(2) بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج17|214.

(3) نهج البلاغة، شرح الفيض الأصفهاني ص 1079.

٦٨

فهو ينقاد لها بكل رغبة وارتياح: إن احترموه فهو يستمر على احترامهم أيضاً).

(وإذا وجد أنكم لا تسخرون منه عندما يصارحكم بأفكاره ويتباحث معكم بشأنه، ولا تعترضون عليه في كل آن، فلا يملك دليلاً على تخلفه ومن النادر أن يخرج على تعاليمكم ).

(ولأجل هذا النظام فإنه يحترم الآخرين ويجعل نفسه محترماً في نظر الآخرين، وتكون له روابط طيبة مع كل أحد؛ لأنه يعطي كل شخص حقه حتى يستطيع أن يطالب بحقه) (1) .

إن الآباء والأمهات الذين يتذكرون كلام رسول الله دائماً حيث يقول: (أكرموا أولادكم، وأحسنوا آدابكم) ويطبّقونه في كل حين، يستطيعون تربية أطفال شرفاء ذوي شخصية، وتدريبهم على الصفات الفاضلة والسلوك المحبذ.

تحقير الطفل:

يجب أن نعترف - بكل أسف - بما يجري في بلادنا تجاه الأطفال من التحقير على خلاف تعالي الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله. فإن أكثر الآباء لا يهتمون برعاية احترام أطفالهم، ويوجدون في نفوسهم عقدة الحقارة من حيث يعلمون أو لا يعلمون. وعلى سبيل المثال أذكر لكم بعض النماذج التي شاهدتها من قريب، وربما لاحظها السادة الحاضرون أيضاً.

1 - من المتداول في الحفلات والمجالس أن تبعث بطاقات للكبار فقط. بعض الآباء يصحبون معهم أولادهم الذين في السن الثامنة أو العاشرة - وهؤلاء يملكون نفوساً حساسة - من دون دعوة، وبهذا العمل فإنهم يلقنونهم الذلة والحقارة، ويفهمونهم بصورة غير مباشرة أنهم لا يليقون للدعوة. لا بد أنكم لاحظتم ما يحدثه إرسال صاحب البيت بطاقة خاصة للصبي الذي يملك من العمر

____________________

(1) چه ميدانيم؟ تربيت اطفال دشوار ص 71.

٦٩

عشر سنين من أثر عظيم في روح الطفل، فيحضر الحفلة بعزة وفخار، شاعراً بالاستقلال والاحترام!

2 - عندما يجلس الكبار على المائدة يوضع أمام كل منهم صحن وملعقة وشوكة. وقد لاحظت مراراً أن الأطفال لم تخصص لهم صحون، فيأخذون بالنظر إلى حولهم بانكسار إلى أن يرق قلب الأب أو أحد الحاضرين فيفرغ للصبي صحن الخضروات الصغير ويناوله إياه. إن هذا تحقير صريح للطفل أمام ذلك الجمع الكبير، وهو ضربة قاصمة ترد على شخصيته وربما تلازمه مدى العمر.

3 - يحين وقت النوم، فيخصص لكل من الضيوف الكبار سرير خاص أو فراش معين، ويبقى الصبي الصغير حائراً دون أن يفكر في أمره أحد، كأنهم لم يعتبروه إنساناً و لم يخصصوا له سريراً، وأخيراً يلجأ مع الإحساس بالفشل والانهيار إلى فراش أبيه أو أحد أقربائه!

4 - الأب جالس مع الضيوف في غرفة الاستقبال وهم يتحدثون. يدخل الصبي في العاشرة إلى الغرفة يقوم الضيوف احتراماً له، من المناسب في هذه الحالة أن يسكت الأب حتى يقوم الصبي نفسه بتوجيه الشكر لهم، أو أنه إذا لم يستطع ذلك يقول له الأب: اشكر السادة. ويقول هو: شكراً لكم. لقد شاهدت مراراً أنه بمجرد أن يحترم الضيوف الصبي، يظهر الأب خجله من ذلك فيقول لهم وكأن عملاً سيئاً قد وقع: استريحوا، تفضلوا، وبهذا العمل يستسغ التحقير لولده... وهنا يحس الصبي بأن أباه يريد أن يقول للضيوف: إن ابني لا يليق بالاحترام والتكريم، لا تعتنوا به ولا تقوموا له.

5 - كثيراً ما يشاهد أن الآباء لا يحجزون في بعض السفرات القصيرة مقاعد لأطفالهم لغرض الاقتصاد في الصرف. فيقف الطفل طول الطريق، وعندما يتعب يجلس في حجر الأب. هنا يحس الطفل بأنه لا يملك من المنزلة والاحترام ما يستوجب أن يحجز له مقعد خاص حتى يجلس كالآخرين. خصوصاً إذا كان هناك طفل في سنه قد حجز له أبوه مقعداً، إن الأب يحاول أن يقتصد بعض الشيء، ولكنه يوجه ضربة قاصمة نحو شخصية الطفل ويهينه بعمله هذا.

٧٠

رد الفعل:

قد يظهر الطفل أمام هذه الإهانات رد فعل فوري، فيغضب، أو يتحسّر ويتألم، أو يبكي، وقد يتفاقم ذلك فيظهر بصورة أعمال استفزازية منكرة. إن تكرار الأعمال التي تتضمن التحقير والإهانة يوجد في ضميره عقدة نفسية، ويجعله إنساناً تافهاً، ويقتل فيه قابلية الاعتماد على النفس واستقلال الشخصية وتلازمه ويلات ذلك كله مدى العمر.

يستفاد من بحوث علماء الغرب أن بعض الأسر الأوروبية أيضاً لا تهتهم باحترام الأطفال وتقوم بتحقيرهم مما يجعل الأطفال المساكين يئنون من ذلك ويتألمون من الإهانات التي يلاقونها.

(الإحساس بالحقارة - كلنا نعرف رجالاً ونساءً يعيشون في حالة من عقدة الحقارة. إن عدد هؤلاء ضخم جداً، وإن 90 بالمائة من عوامل هذه الحالة النفسية يجب أن نبحث عنها في أدوار الطفولة. وعلى هذا الإحساس تظهر حالة من انهيار شخصية الطفل في الوقت الذي تبدأ غرائزه الاجتماعية بالتفتح. إن من الممكن أن تعمل عوامل أخرى على تقوية هذه الإحساس لكن نشوءه يرجع إلى دور الطفولة بلا شك).

(تصوروا أما ترى طفلها يرفع أصيصاً جميلاً من مكانه فتتصور أن الأصيص ربما يكسر بهذا العمل فتتألم لذلك، ولأجل أن لا يحدث مثل هذا الموضوع الخطير في نظرها في المستقبل تمنع الطفل من لمس ذلك الأصيص، في حين أن المربية تلمس الأصيص الظريف بكل حرية، وإذا صادف أن أحد الضيوف كسره عن غير عمد تحاول الأم أن تعلن بكلمات براقة وعبارات ظريفة أن أمراً مهماً لم يقع وأن الأصيص لا يساوي شيئاً , هذا الحادث المخفق يوصل الطفل إلى هذه النتيجة وهي أنه وحده الموجود

٧١

الخطر الذي يخشى منه على الأصيص وسائر الأثاث، إذن فهو موجود أحقر وأحط من الآخرين) (1) .

الشعور بالاستقلال:

تبين لكم مما تقدم معنى احترام الطفل ونتائجه المفيدة في المنهج التربوي، والآثار السيئة التي تنشأ من إهانة الطفل وتحقيره. إن احترام الطفل يجعله ينشأ على الاستقلال والاعتماد على النفس، وزرع فيه بذور الشخصية والتعالي.

لقد عمل أئمة الإسلام بالإضافة إلى تفهيم الناس بالأساليب التربوية الصحيحة، على تطبيق ذلك وتعليمهم إياها بصورة عملية، فقاموا بتربية أولادهم وفقاً لأحسن الصفات الفاضلة. ولأجل إيضاح الموضوع وإكمال البحث لا بأس باستعراض بعض الأساليب العملية للرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام في إحياء شخصية الأطفال:

تربّى علي بن أبي طالب (عليه السلام) منذ الصغر في حجر النبي العطوف واستوعب جميع الصفات الفاضلة والسجايا الحميدة من قائد الإسلام العظيم، وإن حياته النيّرة وسلوكه العظيم أحسن شاهد على حسن تربيته في دور الطفولة.

تربّى علي بن أبي طالب (عليه السلام) منذ الصغر في حجر النبي المعطاء واستوعب جميع الصفات الفاضلة السجايا الحميدة من قائد الإسلام العظيم، وإن حياته النيرة وسلوكه العظيم أحسن شاهد على حسن تربيته في دور الطفولة.

ومن الصفات البارزة للإمام علي (عليه السلام) رصانة شخصيته، واستقلال إرادته. وبالرغم من أن علياً (عليه السلام) لم يكن طفلاً عادياً من حيث الروح والجسد - فقد كانت مواهب وقابليات خاصة أودعت في كيانه الممتاز - لكن الإشراف المباشر من الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله كان له اكبر الأثر في إبراز تلك المواهب والقابليات.

عندما بعث النبي (ص) كان علي (ع) صبياً لا يتجاوز العاشرة، ولكنه كان

____________________

(1) ما وفرزندان ما ص 56.

٧٢

يملك شخصية إنسان كامل. لقد عرض الرسول الأعظم (ص) الإسلام عليه ودعاه إلى اعتناق هذا الدين السماوي فأكد على كفاءته وعظمة شخصيته بهذا العمل المهم. وما كان من علي (عليه السلام) إلا أن يستجيب لدعوة النبي عن بصيرة وإيمان ووعي.

إن الصعوبات والمشاكل التي نوجه الرجال في حياتهم غالباً ما تحطم شخصيتهم، فيخسرون المعركة ويصابون بعقدة الحقارة... في حين أن العواصف الشديدة التي هددت كيان الإسلام في الفترة التي سبقت الهجرة وبعثت الذعر. والقلق في نفوس المسلمين لم تستطع أن تزحزح من عزم الإمام علي بن أبي طالب ذلك القائد العظيم، ولم تقدر على أن تؤثر فيه قيد شعرة.

هذا الثبات، وهذه الاستقامة - بغض النظر عن الاستعداد الفطري للإمام (عليه السلام) - يرجع إلى التربية الفذة التي لقيها من مربيه العظيم الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله، الذي قوّى من شخصيته ومنحه الكثير من علمه وحكمته وسيرته.

وكذلك الحسن والحسين (عليهما السلام) فإنهما تلقيّا تربية ناجحة، ونالا جميع الكمالات في الصغر على يد جدهما العظيم وأبويهما القديرين. حتى لقد قال المأمون العباسي عنهما أمام ملأ من رجاله: (وبايع الحسن والحسين (عليهما السلام)، وهما ابنا دون الست سنين، ولم يبايع صبياً غيرهما) (1) فمبايعة النبي (ص) للحسنين (عليهما السلام) وهما لم يبلغا الست سنين، دليل على أنهما حازا على مواهب عالية وتربية فذة، فاستطاعا بذلك أن ينالا هذه المرتبة العظيمة.

ومن خلال الحديث التالي نتبيّن عظمة شخصية أبناء رسول الله صلّى الله عليه وآله: (زيد بن علي، عن أبيه: أن الحسين بن علي (عليهما السلام) أتى عمر وهو على المنبر يوم الجمعة، فقال: (انزل عن منبر أبي). فبكى عمر، ثم قال: صدقت يا بُني، منبر أبيك لا منبر أبي. وقام علي (ع) وقال: (ما هو والله عن رأيي). قال: صدقت، والله ما اتهمتك يا أبا الحسن) (2) فهذا دليل على

____________________

(1) بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج12|119.

(2) مجموعة ورام ج2|88.

٧٣

أن عمر أيضاً كان يعرف أن الحسين ذو شخصية ممتازة وله إرادة مستقلة وليس كلامه هذا صادراً عن تلقين من أبيه بل هو نتاج فكره.

هذا وأن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يسأل أولاده بحضور من الناس بعض المسائل العلمية، وربما كان يحيل الجواب على أسئلة الناس إليهم. ومن النتائج المهمة لهذا العمل، احترام الأولاد وإحياء الشخصية فيهم.

وفي يوم من الأيام سأل الإمام (عليه السلام) من الحسن والحسين بعض الأسئلة، فأجاب كل منهما أجوبة حكمية بعبارات قصيرة... (ثم التفت إلى الحارث الأعور فقال: (يا حارث، علموا هذه الحكم أولادكم فإنها زيادة في العقل والحزم والرأي) (1) . إن الأب الذي يسلك مع أولاده هذا السلوك الممتاز ويجعل الكلمات الصادرة منهم قدوة لبقية أولاد المجتمع يكون قد احترمهم بأحسن صورة وأحيي فيهم الشخصية الفذة الكاملة.

هناك نموذج فذ للشخصية الرصينة نجده في الحوار التالي بين الإمام محمد الجواد (عليه السلام) والمأمون العباسي. ذلك أن المأمون قصد بغداد بعد وفاة الإمام الرضا (عليه السلام)، وخرج يوماً للصيد فمرّ في أثناء الطريق برهط من الأطفال يلعبون، ومحمد بن علي واقف معهم وكان عمره يومئذ إحدى عشرة سنة فما حولها... فلما رآه الأطفال فروا، بينما وقف الجواد (عليه السلام) في مكانه ولم يفر. هذا الأمر أثار تعجب المأمون فسأله:

ـ لماذا لم تلحق بالأطفال حين هربوا.

فقال له: (يا أمير المؤمنين، لم يكن بالطريق ضيقٌ لأوسّعه عليك بذهابي، ولم يكن لي جريمة فأخشاها، وظني بك حسنٌ، أنك لا تضر من لا ذنب له فوقفت).

لقد تعجب المأمون من هذه الكلمات الحكمية والمنطق الموزون والنبرات المتزنة للطفل. فسأله: ما أسمك؟

قال: (محمد).

____________________

(1) بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج17|144.

٧٤

قال: محمد ابن من؟

قال: (ابن علي الرضا).

عند ذاك ترحّم المأمون على الرضا (عليه السلام) ثم ذهب لشأنه (1) .

لقد تربّى الإمام الجواد (عليه السلام) في حجر والده الرضا (ع) وتعلّم دروس الشخصية والفضيلة من مربيّة العظيم.

وهكذا شأن بنات أهل البيت ونسائهم، فقد كانوا على جانب عظيم من التربية الفاضلة والسلوك الممتاز. تلقوا ذلك كله من آبائهم وأمهاتهم الطاهرين. لقد عملت الحوادث والمآسي التي جرت على أهل البيت (عليهم السلام) بعد وفاة الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله)، على إظهار عظمتهم ورصانة شخصيتهم ومستواهم المعنوي، وتفوقهم الروحي من خلال أفعالهم وأقوالهم. إن خطب الصديقة الزهراء في مسجد رسول الله بحضور الخليفة والحشد الغفير من المهاجرين والأنصار، وكذلك كلمات بضعتها الحوراء زينب، وخطب السيدة سكينة بنت الحسين (عليه السلام) أصدق شاهد على ما قلنا، فهي توضح عظمة منزلة نساء أهل البيت.

ولكي يقوي الوالدان من معنوية الأطفال ويحييا شخصياتهم، عليهما أن يعوّداهم على الاحترام والتكريم، ويحذرا من توجيه اللوم والتقريع والإهانة إليهم ويتذكّرا قولة الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله): (أكرموا أولادكم وأحسنوا آدابكم).

____________________

(1) بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج12|122.

٧٥

٧٦

المحاضرة التاسعة عشرة:

الإسلام وتكريم الطفل

قال الله تعالى في كتابه الحكيم: ( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ ) (1) .

لقد توصلنا في المحاضرة السابقة إلى النتيجة التالية، وهي: أن الأطفال لو قوبلوا بالتكريم والاحترام من الوالدين في محيط الأسرة فلا ينشئون حقراء أذلاء، ولا يحسون في أنفسهم بالخسة والضعة. وفي هذه المحاضرة نبدأ من حيث انتهينا أمس لبحث تتمة الموضوع، وقبل ذلك لا بأس بذكر أمرين:

الأطفال المعقدون:

الأول: أن بحثنا التربوي هذا يدور حول الأطفال العاديين، لا المعقّدين أو الأطفال المصابين بالجنون والبلادة الموروثة. وبعبارة أوضح: فإن بعض الأطفال يتولدون مجانين أو حمقى، ويكون لهذه النقيصة الوراثية جذور عميقة في كيانهم، وهؤلاء يستحيل أن يصبحوا عقلاء أو أذكياء في يوم ما، وليس في مقدور المربّي القدير أن يحوّلهم إلى أفراد أكفّاء.

كما أن هناك أطفالاً ليسوا بالمجانين ولكن سلوكهم ليس عادياً، إنهم مشاغبون وفوضويون، هؤلاء يطلق عليهم اسم الأطفال المعقدين في البحوث التربوية.

(إن عنوان الأطفال المعقدين يشتمل على معان كثيرة في الحقيقة. فهو يطلق بالدرجة الأولى على الأطفال المشاغبين، أي الصبيان

____________________

(1) سورة الإسراء | 84.

٧٧

الذين تنظر إليهم التربية المعاصرة نظرة التحقير والاستغراب. هؤلاء الأطفال يتسببون في كثير من المفاسد والتخريبات بواسطة القوى التي يستخدمونها للوصول إلى مقاصدهم) (1) .

هناك عوامل عديدة تفسّر بموجبها هذه الحركات الشاذة للأطفال، فيجب أن تعرف معرفة دقيقة حتى يتسنى العمل على إزالتها. في بعض الأحيان يكون الدافع إلى الأعمال الشاذة والحركات الضارة للطفل المعقد وجود العاهات أو النقائص العضوية أو التشويهات في بدنه، في هذه الحالة يكون الطفل مريضاً فهو بحاجة إلى علاج.

(كما إن الطفل المريض لا يُرسل إلى المدرسة، كذلك يجب أن لا نخضع الطفل الذي ليس سليما من الناحية الفسيولوجية إلى تربية جديدة. كل طفل معقد يجب أن يخضع قبل تربيته، أو إعادة تربيته، إلى فحص دقيق. وفائدة هذا العمل أن جهود المربى لا تصرف عندئذٍ في سبيل تربية طفل يحتاج إلى رعاية صحية أو روحية فقط).

(فمثلا تعتبر التربية بوحدها عقيمة في فحص حالات الحقد التي ترتبط بداء الصرع. والسرقات الحاصلة في دور المراهقة والتي تحصل على أثر الاختلالات لحادثة في الغدة النخاعية، وأعمال الشغب الناشئة من تخلف النمو العصبي، وحالات العصاب المتصلة بآثار الالتهابات الدماغية، والكسل الذي يولد من قلة إفرازات الغدد الثايرويدية، والإخلالات الحاصلة من ثلة من الأمراض الروحية الموروثة) (2) .

هؤلاء الأطفال يجب أن يخضعوا لأساليب تربوية خاصة من قبل المتخصصين في التربية النفسية والعلاج الروحي والعصبي، وأن المناهج التربوية الاعتيادية لا تعود عليهم بالنفع أو الأثر أصلاً.

____________________

(1) چه ميدانيم؟ تربيت اطفال دشوار ص 9.

(2) چه ميدانيم؟ تربيت اطفال دشوار ص 17.

٧٨

إن بحثنا يختص بتربية الأطفال الاعتياديين والطبيعيين، الأطفال المتولدين من آباء وأمهات أصحّاء في ظروف طبيعية. ذلك أن استعمال الأساليب التربوية في حق هؤلاء يتضمن فوائد عظيمة وآثاراً مهمة. فإذا تنبه الآباء والأمهات في هذه الحالة إلى المسئولية العظيمة الملقاة على عواتقهم واهتموا بإيجاد جو مناسب للتربية الصالحة في الأسرة والتزموا الصدق في الحديث والاستقامة في السلوك مع أطفالهم، وطبقوا المناهج التربوية في كل خطوة ومرحلة، فإنهم يستطيعون تربية أطفال مهذبين وأكفاء من كل جهة، ويكونون بذلك قد نفذوا الأوامر الإلهية وأدوا ما عليهم تجاه أطفالهم تجاه المجتمع الذي يعيشون بين ظهرانيه.

أهمية تربية الطفل:

الثاني: أن مسألة تربية الطفل تشغل مكانة مرموقة من المسائل الاجتماعية في العصر الحديث، فهي من أهم أركان السعادة البشرية. لقد بحث العلماء كثيراً حول مختلف الجوانب النفسية والتربوية للطفل وألفوا الكتب العديدة في هذا ا لمجال. ولذلك فإن الدول العظمى تنشىء المؤسسات والمنظمات العظيمة لغرض تنشئة الطفل تنشئة سليمة من حيث الروح والجسد فيخضعون الأطفال في سبيل ذلك إلى رقابة عملية وتطبيقية مشددة. وبصورة موجزة فإن (الطفل) يشغل مجالاً مهماً من مجالات التفكير الحديث.

أما الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله)، فقد ظهر قبل أربعة عشر قرناً، وفي عصر يعمه الجهل والضلال، في المجتمع الحجازي المتأخر. وأخذ يبدي اهتماماً بالغاً إلى قيمة تربية الطفل، وبدأ يرشد أتباعه إلى التعاليم اللازمة في هذا الصدد. لقد عالج الإسلام جميع القضايا التي ترتبط بالعلاقة الزوجية، وشروط الرجل والمرأة من حيث طهارة النسل المنحدر عنهما، وكذلك شروط الرضاع، وتنشئة الطفل خطوة خطوة.

هناك حقائق نفسية وتربوية كثيرة حول منهج تربية الطفل يذكرها العلماء المعاصرون في كتبهم وأبحاثهم في حين سبقهم إلى التصريح بها أئمة الإسلام وقادة المسلمين (عليهم السلام) في القرون الماضية. وما أكثر المسائل العلمية التي ذكرها

٧٩

أئمتنا (عليهم السلام) حول تربية الطفل وسائر الموضوعات ولكنها لم تصل إليها لصعوبة التدوين والكتابة!

إن الهدف من تربية الطفل في هذه المحاضرات أمران: الأمر الأول أن يدرك المستمعون الكرام - والطبقة المثقفة منهم بالخصوص - إلى عظمة التعاليم الإسلامية ومدى شمولها لمختلف جوانب الحياة، ويطلعوا على القيمة العلمية لهذه الحقائق فيتبعوها بإيمان أعمق واعتقاد أقوى. و الأمر الثاني هو أن يتنبه أولياء أمور الأطفال إلى المسئولية الدينية والوطنية الخطيرة الملقاة على عواتقهم بالنسبة إلى تربية الصبيان المودعين بأيديهم، ويقوموا بواجبهم هذا خير قيام.

مما لا ريب فيه أن شطراً كبيراً من المآسي والمشاكل الاجتماعية، وجانباً مهماً من الانحرافات الخلقية لشبابنا، يعود إلى سقم الأساليب التربوية المتبعة بحقهم في أيام الطفولة. ولسوء التربية في الأسرة جذور مختلفة بحسب المستوى الذي يبلغه الآباء والأمهات من حيث التكامل الروحي أو الانحطاط المعنوي.

مضار التربية الفاسدة:

يتميز بعض الآباء والأمهات بكونهم فاسدين وذوي أخلاق سيئة، فهؤلاء لا يربون أولادهم إلا على الفساد والانحراف، لأن الأطفال يتعلمون دروس الانحراف وسوء الخلق من آبائهم وأمهاتهم فينشئون على ذلك السلوك المتطرف، ومن البديهي أن هذا السلوك لا يعكس في المجتمع إلا آثاراً فاسدة.

كما يتميز بعض الآباء والأمهات بأنهم يصرفون جل اهتمامهم إلى ضمان الغذاء واللباس والمأوى لأطفالهم، ولعدم توفر النضج العقلي الكافي فيهم فإنهم يهملون الجوانب التربوية والخلقية للطفل، وحتى لو حاولوا أن يقوموا بهذا الواجب العظيم فإنهم لا يعلمون ماذا يفعلون؟ وماذا يقولون؟ وكيف يرشدون الطفل؟ لأنهم لم يفكروا يوماً ما في أمر استيعاب المناهجٍ التربوية الصالحة، ولم يحاولوا أن يفهموا واجبهم في هذا المجال.

٨٠