بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٦

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 601

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 601
المشاهدات: 108970
تحميل: 4112


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 601 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 108970 / تحميل: 4112
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 6

مؤلف:
العربية

من ابتزّه و خالفه ، على ذلك اتّفقا و اتّسقا . ثمّ دعواه إلى أنفسهم . فأبطأ عنهما ،

و تلكّأ عليهما . فهمّا به الهموم ، و أرادا به العظيم ، فبايع و سلّم لهما لا يشركانه في أمرهما ، و لا يطلعانه على سرّهما حتّى قبضا . فخذ حذرك يا ابن أبي بكر تقصر عن أن تساوي من أبوك مهّد مهاده ، و بنى ملكه و شاده . فإن يكن ما نحن فيه صوابا فأبوك أوّله ، و إن يك جورا . فأبوك أسسّه ، و نحن شركاؤه ،

و بهديه أخذنا ، و بفعله اقتدينا ، و لو لا ما سبقنا إليه أبوك ما خالفنا ابن أبي طالب ، و أسلمنا له ، و لكنّا رأينا أباك فعل ذلك . فاحتذينا بمثاله ، و اقتدينا بفعاله .

فعب أباك ما بدالك أودع » ١ .

« يتنافسون » أي : يرغبون .

« في دنيا دنيّة ، و يتكالبون » أي : يتنازعون كالكلاب .

« على جيفة مريحة » من أراح الشي‏ء أي : وجد ريحه ، و فى الخبر الدنيا جيفة ، و طالبها كالكلاب ٢ .

« عن قليل يتبرّأ التابع من المتبوع ، و القائد من المقود . فيتزايلون » أي :

يتباينون .

« بالبغضاء و يتلاعنون عند اللقاء » إشارة إلى قوله تعالى و لو يرى الّذين ظلموا إذ يرون العذاب أنّ القوّة للّه جميعا و أنّ اللّه شديد العذاب . إذ تبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا و رأوا العذاب و تقطّعت بهم الأسباب . و قال الّذين اتّبعوا لو أنّ لنا كرّة فنتبرّأ منهم كما تبرّؤا منّا كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسرات عليهم و ما هم بخارجين من النار ٣ و إلى قوله تعالى : كلّما دخلت

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه ابن مزاحم في وقعة صفين : ١١٨ ١٢١ ، و المسعودي في مروج الذهب ٣ : ١١ ، و البلاذري في أنساب الأشراف ٢ : ٣٩٣ ، و النقل بتقطيع .

( ٢ ) رواه الكاشاني في المحجّة البيضاء ٥ : ٣٧٠ ، و النقل بالمعنى .

( ٣ ) البقرة : ١٦٥ ١٦٧ .

١٤١

امّة لعنت اختها حتّى إذا أدّاركوا فيها جميعا قالت أخراهم لاولاهم ربّنا هؤلاء أضلّونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكلّ ضعف و لكن لا تعلمون . و قالت أولاهم لاخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون ١ .

ذكر عليه السلام قوله : « عن قليل يتبرّأ التابع » إلخ استطرادا لئلاّ يبجحوا بأعمالهم ، و لا يحسبوا كون ذلك كمالا لهم ، لا أنّه عليه السلام انتقل من ذكر الملاحم .

« ثمّ يأتي بعد ذلك طالع الفتنة الرجوف » أي : الجائية بالاضطراب ،

و التزلزل ، و من أسماء البحر الرجّاف لاضطراب أمواجه ، و المراد بالفتنة الرجوف فتنة بني العباس و راياتهم السود الطالعة من خراسان .

« و القاصمة » أي : الكاسرة .

« الزحوف » و الزحوف تعبير عجيب عن رفع أمر بني العباس قليلا قليلا حتى وصل إلى نيلهم الخلافة ، فيقال : زحف الدباء إذا مضى قدما . و الزحف سهم يقع دون الغرض ثمّ يصل إليه . و زحف الصبي إذا مشى على الأرض على يديه و رجليه ، و الزحوف من النوق الّتي تجرّ رجليها إذا مشت .

« فتزيغ قلوب » عن عترته المعصومين عليهم السلام .

« بعد استقامة ، و تضلّ رجال » من شيعته .

« بعد سلامة » أي : بعد سلامتها قبل تلك الفتنة من الضلال .

« و تختلف الأهواء عند هجومها » زيدية و عباسية ، و في ( المروج ) : و الزيدية في عصرهم كانوا ثماني فرق : أوّلها المعروفة بالجارودية أصحاب أبي الجارود زياد بن المنذر العبدي . قالوا : الإمامة مقصورة في ولد الحسن و الحسين ، و الثانية معروفة بالمرثية ، و الثالثة بالابرقية ، و الرابعة باليعقوبية :

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الاعراف : ٣٨ ٣٩ .

١٤٢

أصحاب يعقوب بن عليّ الكوفي ، و الخامسة بالعقبية ، و السادسة بالأبترية أصحاب كثير الأبتر ، و الحسن بن صالح ، و السابعة بالجريرية أصحاب سليمان بن جرير ، و الثامنة باليمانية أصحاب محمّد بن اليمان الكوفي ، و كان فرق أهل الإمامة على ذكر من سلف من أصحاب الكتب ثلاثا و ثلاثين فرقة ،

و قد ذكرنا تنازع القطيعية بعد مضي الحسن العسكري عليه السلام ، و ما قالت الكيسانية ، و ما تباينت فيه ، و غيرها من سائر طوائف الشيعة ، و هم ثلاث و سبعون فرقة ، و الغلاة أيضا ثماني فرق المحمدية أربع ، و العلوية أربع ١ .

و فيه : الراوندية شيعة العباسيّين القائلة بأنّ أحق الناس بالإمامة بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عمّه العبّاس ، و أجازوا بيعة عليّ عليه السلام بإجازة العباس لها ،

و صنّفوا في ذلك كتبا ، و منها كتاب ( إمامة ولد العباس ) الّذي صنّفه الجاحظ ،

لهم يذكر فيه فعل أبي بكر في فدك ، و الّذي ذهب إليه من تأخّر منهم ، و هم أصحاب أبي مسلم أنّ الإمام بعد عليّ عليه السلام و هو محمّد بن الحنفية ، و بعده ابنه أبو هاشم ، و بعده علي بن عبد اللّه بن العباس لكونه وصيّه ، و بعده ابنه إبراهيم ،

و بعده أخوه السفاح ، و هكذا ٢ .

« و تلتبس » أي : تشتبه و تختلط .

« الآراء عند نجومها » أي : ظهورها و طلوعها يقال : نجم السنّ ، نجم القرن ،

نجم النبت .

« من أشرف لها » أي : نصب لها .

« قصمته » أي : كسرته . الظاهر إشارة إلى من بيّض ، و خرج على العباسييّن المسودة .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب ٣ : ٢٠٨ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) مروج الذهب ٣ : ٢٣٦ ٢٣٨ ، و النقل بالمعنى .

١٤٣

« و من سعى فيها » كأبي سلمة ، و أبي مسلم .

« حطمته » أي : دقّته . و الحطمة اسم من أسماء جهنّم لأنّها تحطم ما تلقى ،

و يقال رجل حطم و حطمة إذا كان قليل الرحمة للماشية ، و في المثل « شرّ الرعاء الحطمة » ١ و قال الراجز :

« قد لفّها الليل بسوّاق حطم »

٢ و الحطام ما تكسر من اليبيس .

« يتكادمون » أي : يتعاضّون . فالكدم العضّ بأدنى الفم كما يكدم الحمار .

« تكادم الحمر » جمع الحمار .

« في العانة » في ( الجمهرة ) : العانة : القطعة من حمير الوحش خاصة و سمّيت عانة الإنسان تشبيها بذلك . . . ٣ و لعلّه إشارة إلى قتل أبي مسلم لأبي سلمة .

« قد اضطرب معقود الحبل » أي : حبل الإمامة بكونهم اثني عشر عيّنهم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم .

« و عمي وجه الأمر » بأنّ الإمام من كان معصوما كالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لكونه خليفة .

« تغيض » من غاض الماء قلّ و نضب . يقال غاض الكرام ، و فاض اللئام .

« فيها الحكمة » الظاهر كونه بالتحريك كونه جمع الحاكم بقرينة بعده « الظلمة » .

« و تنطق فيها الظلمة » فسكت أبو عبد اللّه الصادق أحد الحكمة من العترة الطاهرة ، و زعيم الإمامة ذاك اليوم ، و نطق الظلمة ولد محمّد بن علي بن عبد اللّه

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أورده الميداني في مجمع الأمثال ١ : ٣٦٣ ، و الزمخشري في المستقصى ٢ : ١٢٩ .

( ٢ ) أورده أساس البلاغة : ٨٨ ، مادة ( حطم ) ، و لسان العرب ١٢ : ١٣٨ ، مادة ( حطم ) .

( ٣ ) جمهرة اللغة ٣ : ١٤٤ .

١٤٤

بن عباس ، فقال السفّاح في خطبته لمّا بويع « وضعنا اللّه من الإسلام و أهله بالموضع الرفيع . فقال تعالى في ما أنزل من محكم القرآن إنّما يريد اللّه ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيرا ١ و بنا هدى اللّه الناس بعد ضلالتهم ٢ .

و قال داود بن علي في خطبة ذاك اليوم : ألآن طلعت الشمس من مطلعها و بزغ القمر من مبزغه ، و أخذ القوس باريها ، و عاد السهم إلى منزعه ، و رجع الحقّ في نصابه في أهل بيت نبيّكم ٣ .

« و تدقّ أهل البدو » أي : البادية .

« بمسحلها » أي : مبردها . يقال سحلت الشي‏ء أي : سحقته ، و سحلت الرياح الأرض : كشطت ادمتها .

« و ترضّهم » أي : تدقّهم .

« بكلكلها » في ( الصحاح ) : الكلكل و الكلكال الصدر ٤ .

« يضيع في غبارها الوحدان » جمع الواحد .

« و يهلك في طريقها الركبان » في ( الصحاح ) : الركب أصحاب الإبل في السفر دون الدواب ، و هم العشرة فما فوقها ، و الجمع أركب « و الركبة بالتحريك أقل من الركب » و الأركوب بالضم أكثر من الركب و الركبان الجماعة منهم ٥ .

و في ( تاريخ الطبري ) : في سنة ( ٢٢٠ ) خرج المعتصم إلى القاطول ، و كان

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الاحزاب : ٣٣ .

( ٢ ) رواه الطبري في تاريخه ٦ : ٨٢ ، سنة ١٣٢ ، و النقل بتلخيص .

( ٣ ) رواه الطبري في تاريخه ٦ : ٨٣ ، سنة ١٣٢ .

( ٤ ) صحاح اللغة ٥ : ١٨١٢ ، مادة ( كلل ) .

( ٥ ) صحاح اللغة ١ : ١٣٩ ، مادة ( ركب ) .

١٤٥

سبب خروجه أن غلمانه الاتراك كانوا لا يزالون يجدون الواحد بعد الواحد منهم قتيلا في أرباضها ، و ذلك أنّهم كانوا عجما جفاة يركبون الدواب .

فيتراكضون في طرق بغداد و شوارعها . فيصدمون الرجل و المرأة و يطؤون الصبي . فيأخذهم الأبناء فينكسونهم عن دوابهم و يجرحون بعضهم . فربما هلك من الجراح بعضهم . فشكت الأتراك ذلك إلى المعتصم ، و تأذّت بهم العامة .

فذكر أنّه رئي المعتصم راكبا منصرفا من المصلّى في يوم عيد أضحى أو فطر فلمّا صار في مربعة الحرشي نظر الى شيخ قد قام إليه . فقال له : يا أبا اسحق فابتدره الجند ليضربوه . فأشار إليهم المعتصم . فكفّهم عنه . فقال للشيخ : ما لك ؟ قال : لا جزاك اللّه عن الجوار خيرا ، جاورتنا و جئت بهؤلاء العلوج فأسكنتهم بين أظهرنا فأيتمت بهم صبياننا ، و أرملت بهم نسواننا ،

و قتلت بهم رجالنا و المعتصم يسمع ذلك كلّه ثمّ دخل داره . فلم ير راكبا إلى السنة القابلة في مثل ذلك اليوم خرج فصلّى بالناس العيد ثمّ لم يرجع إلى منزله ببغداد ، و صرف وجه دابّته إلى ناحية القاطول . . . ١ .

« ترد بمرّ القضاء » أي : الحكم .

في ( تاريخ الطبري ) : أخذ المنصور في سنة ( ١٥٣ ) الناس بلبس القلانس الطوال المفرطة الطول ، و كانوا في ما ذكر يحتالون لها بالقصب من داخل .

فقال أبو دلامة :

و كنّا نرجّي من إمام زيادة

فزاد الإمام المصطفى في القلانس

تراها على هام الرجال كأنّها

دنان يهود جللت بالبرانس ٢

و فيه : لمّا أراد المنصور الأمر ببناء سور الكوفة ، و بحفر خندق لها أمر

ــــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٧ : ٢٣٢ ، سنة ٢٢٠ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٦ : ٢٩٦ ، سنة ١٥٤ .

١٤٦

بقسمة خمسة دراهم خمسة دراهم على أهل الكوفة و أراد بذلك علم عددهم .

فلمّا عرف عددهم أمر بجبايتهم من كلّ انسان أربعين درهما أربعين درهما فجبوا . فأمر بإنفاق ما جبى على السور ، و حفر الخنادق . فقال شاعرهم :

يا لقومي ما لقينا

من أمير المؤمنينا

قسم الخمسة فينا

و جبانا الأربعينا ١

و في ( المقاتل ) : عن عليّ بن الجعد قال : رأيت أهل الكوفة أيّام أخذوا بلبس السواد حتّى أنّ البقالين إن كان أحدهم ليضع الثوب بالأنقاس ( أي :

المداد الّذي يكتب به ) ثمّ يلبسه ٢ .

« و تحلب عبيط الدماء » أي : خالصها ، و طريّها . فقتل أبو مسلم في سبيل الدولة العباسية ستّمئة ألف صبرا غير من قتله في حروبه .

و قتل عبد اللّه بن علي لمّا خرج على المنصور نحوا من سبعة عشر ألفا من أصحابه من أهل خراسان خشي ألاّ يناصحوه أمر صاحب شرطة ، فقتلهم و قتل في حروب المنصور ما لا يحصى .

و في ( المقاتل ) : كان المنصور إذا اتّهم أحدا من أهل الكوفة بالميل إلى إبراهيم بن عبد اللّه بن الحسن أمر سالما بطلبه . فكان يمهل حتّى إذا غسق الليل ،

و هدأ الناس ، نصب سلّما على منزل الرجل فطرقه في بيته فيقتله . و يأخذ خاتمه . فقيل لابنه العباس بن سالم : لو لم يورثك أبوك إلاّ خواتيم من قتل من أهل الكوفة لكنت أيسر الأبناء ٣ .

« و تثلم » أي : توجد تلك الفتنة الخلل .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٦ : ٢٩٨ ، سنة ١٥٥ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) مقاتل الطالبيين : ٢١٢ .

( ٣ ) مقاتل الطالبيين : ٢١٣ .

١٤٧

« منار الدين » و في ( الصحاح ) : المنار : علم الطريق ١ .

« و تنقض عقد اليقين تهرب منها الأكياس » و في ( رجال الكشّي ) عن صفوان الجمّال قال لي الكاظم عليه السلام : كلّ شي‏ء منك حسن جميل ما خلا شيئا واحدا إكراؤك جمالك من هذا الرجل يعني هارون . قلت : و اللّه ما كريته أشرا و لا بطرا ، و لا لصيد ، و لا للهو ، و لكن أكريته لهذا الطريق يعني طريق مكّة و لا أتولاّه بنفسي ، و لكن أبعث معه غلماني . فقال : أيقع كراؤك عليهم ؟ قلت : نعم .

قال : أ تحب بقاءهم حتّى يخرج كراؤك ؟ قلت : نعم . قال : فمن أحبّ بقاءهم فهو منهم ، و من كان منهم كان و قود النار ، قال : فذهبت و بعت جمالي عن آخرها ٢ .

« و تدبّرها الارجاس » في ( المروج ) : قال المنصور يوما بعد قتل محمّد و إبراهيم ، لجلسائه : تا للّه ما رأيت رجلا أنصح من الحجّاج لبني مروان . فقام المسيب بن زهير الضبي . فقال : ما سبقنا الحجّاج بأمر تخلفنا عنه ، و اللّه ما خلق اللّه على جديد الأرض خلقا أعزّ علينا من نبيّنا ، و قود أمرتنا بقتل أولاده ،

فأطعناك و فعلنا ذلك . فهل نصحناك أم لا ؟ قال له : اجلس لا جلست ٣ .

« مرعاد مبراق » كناية عن التهديد و الوعيد .

« كاشفة عن ساق » كناية عن الشدّة . قال الشاعر :

في سنة قد كشفت عن ساقها ٤

و قال تعالى في وصف يوم القيامة : يوم يكشف عن ساق ٥ « تقطّع فيها الأرحام ، و يفارق عليها الإسلام » كان المنصور مرعادا مبراقا . فتهدّد أهل

ــــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة ٢ : ٨٣٩ ، مادة ( نور ) .

( ٢ ) اختيار معرفة الرجال : ٤٤٠ ح ٨٢٨ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٣ ) مروج الذهب ٣ : ٢٩٨ .

( ٤ ) أورده أساس البلاغة : ٢٢٥ ، مادة ( سوق ) .

( ٥ ) القلم : ٤٢ .

١٤٨

الكوفة لكونهم شيعة باخراب ديارهم و محو آثارهم ، و تقطّع فيه الأرحام .

فكان أوّل من ناصب من العباسيّة للطالبيّة ، و كانوا قبل تابعين لهم يجمع بينهما الهاشميّة ، و فارق الإسلام حيث إنّه سبّ الأئمة عليهم السلام و قتل من أولادهم ما لا يحصى .

ففي ( المروج ) : لمّا أخذ المنصور عبد اللّه بن الحسن ، و أهل بيته صعد المنبر بالهاشميّة ، و قال : يا أهل خراسان أنتم شيعتنا ، و لو بايعتم غيرنا لم تبايعوا خيرا منّا . إنّ ولد أبي طالب تركناهم و الخلافة فلم نعرض لهم بقليل و لا كثير . فقام فيها علي . فما أفلح و حكّم الحكمين . فاختلفت عليه الامّة ، و افترقت الكلمة ثمّ وثب عليه شيعته و أنصاره و ثقاته فقتلوه . ثمّ قام بعده الحسن فما كان برجل عرضت عليه الأموال . فقبلها ، و دسّ إليه معاوية أنّي أجعلك ولي عهدي . فخلعه و انسلخ له ممّا كان فيه ، و سلّمه إليه ، و أقبل على النساء يتزوّج اليوم واحدة ، و يطلّق غدا اخرى ، فلم يزل كذلك حتّى مات على فراشه . ثمّ قام من بعده الحسين فخدعه أهل العراق . . . ١ و يقال له في الحسن عليه السلام : من كان له أمير جند مثل عمّك عبيد اللّه بن العباس لا بد أن يترك الأمر .

و في ( تاريخ الطبري ) : أن المنصور لمّا عزم على الحجّ دعا ريطة بنت السفاح امرأة ابنه المهدي و كان المهدي بالري فأوصاها بما أراد ، و عهد إليها ، و دفع إليها مفاتيح الخزائن ، و وكّد الأيمان أن لا تفتح بعض تلك الخزائن ،

و لا تطلع عليها أحدا إلاّ المهدي إذا صح عندها موته . فإذا صحّ اجتمعت هي و المهدي و ليس معهما ثالث حتّى يفتحا الخزانة . فلمّا قدم المهدي من الري دفعت إليه المفاتيح ، و أخبرته أنّ أباه تقدّم إليها ألاّ يفتحه حتّى يصحّ عنده موته .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب ٣ : ٣٠٠ ، و النقل بتصرف يسير .

١٤٩

فلمّا انتهى إلى المهدي موته ، و ولي الخلافة فتح الباب ، و معه ريطة . فإذا أزج أي سرداب كبير فيه جماعة من قتلاء الطالبيين ، و في آذانهم رقاع فيها أنسابهم ، و إذا فيهم أطفال و رجال شباب ، و مشايخ عدّة كثيرة فارتاع المهدي و أمر فحفرت لهم حفيرة ، فدفنوا فيها و عمل عليهم دكان ١ .

« بريّها » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( بريئها ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٢ .

« سقيم و ظاعنها » أي : مرتحلها .

« مقيم » و إنّما حكم عليه السلام بكون بريئها سقيما ، و ظاعنها مقيما بمعنى عموم الفتنة ، و عدم نجاة أحد منها أو لأنّ الظلمة كزياد ، و الحجّاج ، و غيرهما كانوا يأخذون البري‏ء من الجناية بالسقيم بها ، و المقيم بالمرتحل .

« بين قتيل مطلول » أي : مهدور دمه . قال الشاعر :

دماؤهم ليس لها طالب

مطلولة مثل دم العذرة

أيضا :

تلكم هريرة ما تجف دموعها

أهرير ليس أبوك بالمطلول ٣

« و خائف مستجير » و كأنّ الفصل إشارة إلى حرب الأمين و المأمون و ما نزل ببغداد .

ففي ( المروج ) لمّا نزل طاهر بن الحسين بباب الأنبار ، حاصر بغداد ،

و غادى القتال و راوحه حتّى خربت الديار ، و عفت الآثار ، و غلت الأسعار ،

و قاتل الأخ أخاه ، و الابن أباه هؤلاء أمينيّة ، و هؤلاء مأمونيّة ، و هدمت المنازل ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٦ : ٣٤٣ ، سنة ١٥٩ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٤١٩ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ٢٢١ مثل المصرية أيضا .

( ٣ ) أورده الأول لسان العرب ١١ : ٤٠٥ ، مادة ( طلّ ) ، و الثاني أساس البلاغة : ٢٨٣ ، مادة ( طلّ ) .

١٥٠

و أحرقت الديار ، و انتهبت الأموال ، و ذلك في سنة ( ١٩٦ ) فقيل في ذلك :

تقطّعت الأرحام بين العشائر

و أسلمهم أهل التقى و البصائر

فذاك انتقام اللّه من خلقه بهم

لما ارتكبوه من ركوب الكبائر

فلا نحن أظهرنا من الذنب توبة

و لا نحن أصلحنا فساد السرائر

و لم نستمع من واعظ و مذكر

فينجع فيا وعظ ناه و آمر

فلا فاجر للبرّ يحفظ حرمة

و لا يستطيع البرّ دفعا لفاجر

تراهم كأمثال الذئاب رأت دما

فأمّته لا تلوي على زجر زاجر

و أصبح فسّاق القبائل بينهم

تشدّ على أقرانها بالخناجر

فنبكي لقتلى من صديق و من أخ

كريم و من جار شفيق مجاور

و والدة تبكي بحزن على ابنها

فيبكي لها من رحمة كلّ طائر

و ذات حليل أصبحت و هي أيّم

و تبكي عليه بالدموع البوادر

و إبراز ربّات الخدور حواسرا

خرجنّ بلا خمر و لا بمآزر

تراها حيارى ليس تعرف مذهبا

نوافر أمثال الظباء النوافر

و آبت لاحراق و هدم منازل

و قتل و انهاب اللّهى و الذخائر

كأن لم تكن بغداد أحسن منظرا

و ملهى رأته عين لاه و ناظر

بلى هكذا كانت فأذهب حسنها

و بدّد منها الشمل حكم المقادر

و حلّ بهم ما حلّ بالناس قبلهم

فأضحوا أحاديثا لباد و حاضر

إلى أن قال و لم تزل الحرب بين الفريقين أربعة عشر شهرا ، و ضاقت بغداد بأهلها ، و تعطّلت المساجد ، و تركت الصلاة ، و نزل بها ما لم ينزل قط مذ بناها المنصور إلى أن قال :

و لمّا ضاق بالأمين الأمر أمر قائدا من قوّاده يقال له ذريح و قرن معه آخر يعرف بالهرش أن يتبع أصحاب الأموال و الذخائر من أهل الملّة ،

و غيرهم فكانا يهجمان على الناس و يأخذان بالظنة ، فهرب الناس بعلّة الحجّ .

١٥١

فقال علي الأعمى :

أظهروا الحجّ و ما يبغونه

بل من الهرش يريدون الهرب

كم اناس أصبحوا في غبطة

ركض اللّيل عليهم بالعطب

إلى أن قال و ثارت العراة ذات يوم في نحو مئة ألف بالرماح و القصب و الطرادات القراطيس على رؤوسها ، و نفخوا في القصب و قرون البقر ، و زحفوا من مواضع كثيرة . فبعث إليهم طاهر بعدّة قوّاد ، و امراء من وجوه كثيرة ، و اشتد الجلاد ، و كثر القتل ، و كانت للعراة على المأمونية إلى الظهر و كان يوم الاثنين ثمّ ثارت المأمونية على العراة من أصحاب الأمين . ففرّق منهم و قتل و أحرق نحو عشرة آلاف . ففي ذلك يقول الأعمى :

بالأمير طاهر بن الحسين

صبّحونا صبيحة الاثنين

جمعوا جمعهم فثار إليهم

كلّ صلب القناة و الساعدين

يا قتيل العراة ملقى على الشط

تطأه الخيول في الجانبين

ما الّذي كان في يديك إذا ما أصطلح

الناس آية الخلّتين

أ وزير أم قائد بل بعيد

أنت من ذين موضع الفرقدين

كم بصير غدا بعينين كي ينظر

ما حالهم فراح بعين

و اشتدّ الأمر بالأمين فباع ما في خزائنه سرّا ، و فرّق ذلك أرزاقا في من معه و لم يبق عنده ما يعطيهم . فقال : وددت أن اللّه قتل الفريقين أمّا هؤلاء فيريدون مالي ، و أما اولئك فيريدون نفسي . . . ١ .

« يختلون » أي : يخدعون .

« بعقد » بالضم جمع عقدة .

« الأيمان » بالفتح جمع اليمين أي : القسم .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب ٢ : ٤٠٠ ٤٠٩ ، و النقل بتصرف .

١٥٢

« و بغرور الإيمان » بالكسر مصدر آمن .

« فلا تكونوا أنصاب » جمع النصب بفتحتين ، و النصب بضمتين أي : ما نصب فعبد من دون اللّه .

و في ( الأساس ) الأنصاب : حجارة تنصب تصبّ عليها دماء الذبائح ،

و تعبد ١ .

« الفتن » جمع الفتنة .

« و أعلام » جمع العلم بالتحريك ، و في الصحاح العلم العلامة ، و الجبل و الراية ٢ .

« البدع » جمع البدعة أي : ادخال ما ليس من الدين في الدين .

« و الزموا ما عقد عليه حبل الجماعة » قال تعالى و اعتصموا بحبل اللّه جميعاً و لا تفرّقوا ٣ .

« و بنيت » عطف على « عقد » .

« عليه أركان الطاعة » يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا اللّه و أطيعوا الرسول و اُولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شي‏ء فردّوه إلى اللّه و الرسول إن كنتم تؤمنون باللّه و اليوم الآخر ذلك خير و أحسن تأويلاً ٤ .

« و أقدموا على اللّه مظلومين ، و لا تقدموا عليه ظالمين » فالمظلوم لا لوم عليه ،

و الظالم لا نجاة له الّذين آمنوا و لم يلبسوا إيمانهم بظلم اُولئك لهم الأمن و هم مهتدون ٥ و لو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربّهم يرجع بعضهم

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أساس البلاغة : ٤٥٨ ، مادة ( نصب ) .

( ٢ ) صحاح اللغة ٥ : ١٩٩٠ ، مادة ( علم ) .

( ٣ ) آل عمران : ١٠٣ .

( ٤ ) النساء : ٥٩ .

( ٥ ) الانعام : ٨٢ .

١٥٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد السادس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

إلى بعض القول يقول الّذين استضعفوا للّذين استكبروا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين . و قال الّذين استضعفوا للّذين استكبروا بل مكر الليل و النهار ١ و لو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت و الملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون ٢ و لا تحسبنّ اللّه غافلا عمّا يعمل الظالمون إنّما يؤخّرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم و أفئدتهم هواء ٣ إنّ ربّك لبالمرصاد ٤ .

و نظير كلامه عليه السلام هذا مع كلامه الآخر كما روي « إختر أن تكون مغلوبا و أنت منصف ، و لا تختر أن تكون غالبا و أنت ظالم » ٥ .

« و اتّقوا مدارج » أي : مسالك . قال الشاعر في وصف سيف :

ترى أثره في صفحتيه كأنّه

مدارج شبثان لهن هميم ٦

أي مسالك أحناش ذوات أرجل كثيرة لهنّ دبيب .

« الشيطان و مهابط العدوان » قال تعالى : يا أيّها الّذين آمنوا ادخلوا في السلم كافّة و لا تتّبعوا خطوات الشيطان إنّه لكم عدوّ مبين ٧ يا أيّها الذين آمنوا لا تتّبعوا خطوات الشيطان و من يتّبع خطوات الشيطان فإنّه يأمر بالفحشاء و المنكر ٨ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) سبأ : ٣١ ٣٣ .

( ٢ ) الانعام : ٩٣ .

( ٣ ) ابراهيم : ٤٢ ٤٣ .

( ٤ ) الفجر : ١٤ .

( ٥ ) رواه ابن أبي الحديد في زوائد البلاغة : ٥٢٣ ح ٢٧ .

( ٦ ) أورده لسان العرب ٢ : ٢٦٨ ، مادة ( درج ) .

( ٧ ) البقرة : ٢٠٨ .

( ٨ ) النور : ٢١ .

١٥٤

« و لا تدخلوا بطونكم لعق » في ( الصحاح ) : اللعقة اسم ما تأخذه الملعقة ،

و اللعق اللحس باللسان ١ .

« الحرام » قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : « أكثر ما تلج به امّتي النار الأجوفان البطن و الفرج . و قال رجل للباقر عليه السلام : إني ضعيف العمل . قليل الصيام ، و لكنّي أرجو ألا آكل إلاّ حلالا . فقال عليه السلام : أيّ الاجتهاد أفضل من عفة بطن و فرج ٢ .

« فإنّكم بعين من حرّم عليكم المعصية » يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور ٣ .

و في ( الكافي ) : عن الصادق عليه السلام من همّ بسيّئة فلا يعملها فإنّه ربما عمل العبد السيّئة . فيراه الربّ فيقول : و عزّتي لا أغفر لك بعد ذلك أبدا ، و عن الكاظم عليه السلام إنّ للّه تعالى في كلّ يوم و ليلة مناديا ينادي : مهلا مهلا عباد اللّه عن معاصي اللّه . فلو لا بهائم رتّع ، و صبية رضّع ، و شيوخ ركّع لصبّ عليكم العذاب صبّا ترضّون به رضّا .

و عن أمير المؤمنين عليه السلام لا تبدين عن واضحة ، و قد عملت الأعمال الفاضحة و لا تأمنن البيات ، و قد عملت السيّئات .

و عن الرضا عليه السلام : أوحى اللّه تعالى إلى نبيّ من الأنبياء إذا اطعت رضيت ،

و إذا رضيت باركت ، و ليس لبركتي نهاية ، و إذا عصيت غضبت ، و إذا غضبت لعنت ، و لعنتي تبلغ السابع من الورى .

و عن الكاظم عليه السلام : كلّما أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعملون ،

أحدث اللّه لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة ٤ : ١٥٥٠ ، مادة ( لعق ) ، و النقل بالمعنى .

( ٢ ) رواهما الكليني في الكافي ٢ : ٧٩ ح ٤ و ٥ .

( ٣ ) غافر : ١٩ .

١٥٥

و عن الصادق عليه السلام : يقول تعالى : إذا عصاني من عرفني سلّطت عليه من لا يعرفني .

و عنه عليه السلام : تعوّذوا باللّه من سطوات اللّه بالليل و النهار . قيل له : و ما سطوات اللّه ؟ قال : الأخذ على المعاصي .

و عن الباقر عليه السلام : إتّقوا المحقّرات من الذنوب . فإنّ لها طالبا ، يقول أحدكم اذنب و أستغفر . إن اللّه تعالى يقول : و نكتب ما قدّموا و آثارهم و كلّ شي‏ء أحصيناه في إمام مبين ١ و قال تعالى : إن تك مثقال حبّة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها اللّه إنّ اللّه لطيف خبير ٢ ٣ .

٣٠

من الخطبة ( ١٠٦ ) منها :

طَبِيبٌ دَوَّارٌ بِطِبِّهِ قَدْ أَحْكَمَ مَرَاهِمَهُ وَ أَحْمَى مَوَاسِمَهُ يَضَعُ ذَلِكَ حَيْثُ اَلْحَاجَةُ إِلَيْهِ مِنْ قُلُوبٍ عُمْيٍ وَ آذَانٍ صُمٍّ وَ أَلْسِنَةٍ بُكْمٍ مُتَّبِعٌ بِدَوَائِهِ مَوَاضِعَ اَلْغَفْلَةِ وَ مَوَاطِنَ اَلْحَيْرَةِ لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِأَضْوَاءِ اَلْحِكْمَةِ وَ لَمْ يَقْدَحُوا بِزِنَادِ اَلْعُلُومِ اَلثَّاقِبَةِ فَهُمْ فِي ذَلِكَ كَالْأَنْعَامِ اَلسَّائِمَةِ وَ اَلصُّخُورِ اَلْقَاسِيَةِ قَدِ اِنْجَابَتِ اَلسَّرَائِرُ لِأَهْلِ اَلْبَصَائِرِ وَ وَضَحَتْ مَحَجَّةُ اَلْحَقِّ لِخَابِطِهَا وَ أَسْفَرَتِ اَلسَّاعَةُ عَنْ وَجْهِهَا وَ ظَهَرَتِ اَلْعَلاَمَةُ لِمُتَوَسِّمِهَا مَا لِي أَرَاكُمْ أَشْبَاحاً بِلاَ أَرْوَاحٍ وَ أَرْوَاحاً بِلاَ أَشْبَاحٍ وَ نُسَّاكاً بِلاَ صَلاَحٍ

ــــــــــــــــــ

( ١ ) يس : ١٢ .

( ٢ ) هذه الأحاديث في الكافي ٢ : ٢٦٩ ٢٧٦ ح ٦ و ١٠ و ١٧ و ٢١ و ٢٦ و ٢٩ و ٣٠ و ٣١ ، و الحديث الخامس الذي رواه الشارح عن الكاظم عليه السلام روي في المصدر عن الرضا عليه السلام . و الآية ١٦ من سورة لقمان .

( ٣ ) أسقط الشارح شرح فقرة « و سهل لكم سبيل الطاعة » .

١٥٦

وَ تُجَّاراً بِلاَ أَرْبَاحٍ وَ أَيْقَاظاً نُوَّماً وَ شُهُوداً غُيَّباً وَ نَاظِرَةً عَمْيَاءَ وَ سَامِعَةً صَمَّاءَ وَ نَاطِقَةً بَكْمَاءَ رَأَيْتُ ضَلاَلَةً قَدْ قَامَتْ عَلَى قُطْبِهَا وَ تَفَرَّقَتْ بِشُعَبِهَا تَكِيلُكُمْ بِصَاعِهَا وَ تَخْبِطُكُمْ بِبَاعِهَا قَائِدُهَا خَارِجٌ مِنَ اَلْمِلَّةِ قَائِمٌ عَلَى اَلضِّلَّةِ فَلاَ يَبْقَى يَوْمَئِذٍ مِنْكُمْ إِلاَّ ثُفَالَةٌ كَثُفَالَةِ اَلْقِدْرِ أَوْ نُفَاضَةٌ كَنُفَاضَةِ اَلْعِكْمِ تَعْرُكُكُمْ عَرْكَ اَلْأَدِيمِ وَ تَدُوسُكُمْ دَوْسَ اَلْحَصِيدِ وَ تَسْتَخْلِصُ اَلْمُؤْمِنَ مِنْ بَيْنِكُمُ اِسْتِخْلاَصَ اَلطَّيْرِ اَلْحَبَّةَ اَلْبَطِينَةَ مِنْ بَيْنِ هَزِيلِ اَلْحَبِّ أَيْنَ تَذْهَبُ بِكُمُ اَلْمَذَاهِبُ وَ تَتِيهُ بِكُمُ اَلْغَيَاهِبُ وَ تَخْدَعُكُمُ اَلْكَوَاذِبُ وَ مِنْ أَيْنَ تُؤْتَوْنَ وَ أَنَّى تُؤْفَكُونَ فَ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ ٢٣ ٢٥ ١٣ : ٣٨ وَ لِكُلِّ غَيْبَةٍ إِيَابٌ فَاسْتَمِعُوا مِنْ رَبَّانِيِّكُمْ وَ أَحْضِرُوا قُلُوبَكُمْ وَ اِسْتَيْقِظُوا إِنْ هَتَفَ بِكُمْ وَ لْيَصْدُقْ رَائِدٌ أَهْلَهُ وَ لْيَجْمَعْ شَمْلَهُ وَ لْيُحْضِرْ ذِهْنَهُ فَلَقَدْ فَلَقَ لَكُمُ اَلْأَمْرَ فَلْقَ اَلْخَرَزَةِ وَ قَرَفَهُ قَرْفَ اَلصَّمْغَةِ فَعِنْدَ ذَلِكَ أَخَذَ اَلْبَاطِلُ مَآخِذَهُ وَ رَكِبَ اَلْجَهْلُ مَرَاكِبَهُ وَ عَظُمَتِ اَلطَّاغِيَةُ وَ قَلَّتِ اَلدَّاعِيَةُ وَ صَالَ اَلدَّهْرُ صِيَالَ اَلسَّبُعِ اَلْعَقُورِ وَ هَدَرَ فَنِيقُ اَلْبَاطِلِ بَعْدَ كُظُومٍ وَ تَوَاخَى اَلنَّاسُ عَلَى اَلْفُجُورِ وَ تَهَاجَرُوا عَلَى اَلدِّينِ وَ تَحَابُّوا عَلَى اَلْكَذِبِ وَ تَبَاغَضُوا عَلَى اَلصِّدْقِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَانَ اَلْوَلَدُ غَيْظاً وَ اَلْمَطَرُ قَيْظاً وَ تَفِيضُ اَللِّئَامُ فَيْضاً وَ تَغِيضُ اَلْكِرَامُ غَيْضاً وَ كَانَ أَهْلُ ذَلِكَ اَلزَّمَانِ ذِئَاباً وَ سَلاَطِينُهُ سِبَاعاً وَ أَوْسَاطُهُ أُكَّالاً وَ فُقَرَاؤُهُ أَمْوَاتاً وَ غَارَ اَلصِّدْقُ وَ فَاضَ اَلْكَذِبُ وَ اُسْتُعْمِلَتِ اَلْمَوَدَّةُ بِاللِّسَانِ وَ تَشَاجَرَ اَلنَّاسُ بِالْقُلُوبِ وَ صَارَ اَلْفُسُوقُ نَسَباً وَ اَلْعَفَافُ عَجَباً وَ لُبِسَ اَلْإِسْلاَمُ لُبْسَ اَلْفَرْوِ مَقْلُوباً قول المصنّف : « و منها » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( منها ) و إن

١٥٧

كانت قبلها اخرى كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ١ .

« طبيب دوّار بطبّه » في ( الجمهرة ) : رجل طبّ بالشي‏ء حذق به ، و منه اشتقاق الطبيب ، و من أمثالهم « من حبّ طبّ » أي : تأتّى لاموره ، و تلطّف لها ٢ .

و كان عليه السلام كطبيب دوّار لعلاج أمراض الأرواح . فكان يعظ من شهده شفاها ، و من غاب عنه كتابا ، و كان عليه السلام يعظ الناس عموما و خصوصا ليلا و نهارا .

و من مواعظه العامة نهارا أنّه عليه السلام كان كلّ بكرة يطوف في أسواق الكوفة سوقا سوقا ، و معه الدرّة على عاتقه و كان لها طرفان ، و كان تسمّى السبية فيقف على سوق فينادي : يا معشر التّجار قدّموا الإستخارة ،

و تبرّكوا بالسهولة ، و اقتربوا من المبتاعين ، و تزيّنوا بالحلم ، و تناهوا عن اليمين ، و جانبوا الكذب ، و تجافوا عن الظلم ، و أنصفوا المظلومين ، و لا تقربوا الربا و أوفوا الكيل و الميزان و لا تبخسوا الناس أشياءهم ، و لا تعثوا في الأرض مفسدين ٣ ثمّ يقول :

تفنى اللذاذة ممّن نال صفوتها

من الحرام و يبقى الإثم و العار

تبقى عواقب سوء في مغبّتها

لا خير في لذّة من بعدها النار ٤

و من مواعظه الليلية عموما أنّه عليه السلام كان بعد العشاء لمّا كان بالكوفة يقبل بوجهه على الناس في المسجد ، و يذكّرهم بهذه الكلمات ثلاث مرّات :

تجهّزوا رحمكم اللّه فقد نودي فيكم بالرحيل . فما التعرّج على الدنيا بعد نداء

ــــــــــــــــــ

( ١ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢٢٣ . لكن لفظ شرح ابن ميثم ٣ : ٤٠ مثل المصرية .

( ٢ ) جمهرة اللغة ١ : ٣٤ .

( ٣ ) هود : ٨٥ .

( ٤ ) رواه الصدوق في أماليه : ٤٠٢ ح ٦ ، المجلس ٧٥ ، و المفيد في أماليه : ١٩٧ ، ح ٣١ ، المجلس ٢٣ ، و الكليني في الكافي ٥ : ١٥١ ح ٣ .

١٥٨

فيها بالرحيل . تجهّزوا رحمكم اللّه ، و انتقلوا بأفضل ما بحضرتكم من الزاد و هو التقوى ، و اعلموا أنّ طريقكم إلى المعاد ، و ممرّكم على الصراط ، و الهول الأعظم أمامكم ، في طريقكم عقبة كؤودة ، و منازل مخوفة مهولة لا بدّ لكم من الممرّ عليها و الوقوف بها . فإمّا برحمة من اللّه و نجاة من هولها ، و عظم خطرها ، و فظاعة منظرها ، و شدّة مختبرها ، و إمّا بهلكة ليس بعدها انجبار ١ .

و في الخبر : كان عليه السلام يمشي في الأسواق وحده و هو دالّ يرشد الضال ،

و يعين الضعيف ( و يمسك الشسوع بيده . فيناول الرجل الشسع ) و يمرّ بالبيّاع و البقّال . فيفتح عليه القرآن ، و يقرأ : تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّاً في الأرض و لا فساداً و العاقبة للمتقين ٢ .

« قد أحكم » و الأصل فيه حكمة اللجام الّتي تحيط بالحنك تقول منه « حكمت الدابة و أحكمتها » .

« مراهمه » جمع المرهم ، ما يوضع على الجراحة . قال في ( الصحاح ) :

المرهم معرّب ، و لكن في ( الجمهرة ) الرهمة ، و الجمع رهام : الدفعة اللينة من المطر ، و منه اشتقاق المرهم للينه ٣ .

« و أحمى » من قولهم أحميت الحديد في النار .

« مواسمه » جمع الميسم ما يحمى به ، و في ( الصحاح ) : أصل الياء و او .

فإن شئت قلت في جمعه مياسم على اللفظ ، و إن شئت قلت مواسم على الأصل ٤ .

روي أنّ حبابة الوالبية قالت : رأيت أمير المؤمنين عليه السلام في شرطة

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه الصدوق في أماليه : ٤٠٢ ح ٧ ، المجلس ٧٥ ، و المفيد في أماليه : ١٩٨ ح ٣٢ ، المجلس ٢٣ .

( ٢ ) رواه الطبرسي في مجمع البيان ٧ : ٢٦٨ . و الآية ٨٣ من سورة القصص .

( ٣ ) صحاح اللغة ٥ : ١٩٣٩ ، مادة ( رهم ) ، و جمهرة اللغة ٢ : ٤١٧ .

( ٤ ) صحاح اللغة ٥ : ٢٠٥١ ، مادة ( وسم ) .

١٥٩

الخميس و معه درّة لها سبابتان يضرب بها بيّاع الجرّي و المار ماهي ،

و الزّمار ، و يقول لهم : يا بيّاع مسوخ بني اسرائيل ، و جند بني مروان ، فقام إليه فرات بن أحنف . فقال : يا أمير المؤمنين و ما جند بني مروان ؟ فقال له أقوام حلقوا اللّحى ، و فتلوا الشوارب ١ .

« يضع ذلك حيث الحاجة إليه » قال ابن أبي الحديد : يقال : رؤي المسيح خارجا من بيت مومسة . فقيل له : يا سيدنا أمثلك يكون ها هنا ؟ فقال : إنّما يأتي الطبيب المرضى ٢ .

هذا ، و في ( شعراء القتيبي ) : رأى دريد بن الصّمّة الخنساء تهنأ الابل .

فقال فيها أبياتا منها :

ما إن رأيت و لا سمعت به

كاليوم هاني أنيق جرب

متبذلا تبدو محاسنه

يضع الهناء مواضع النقب ٣

« من قلوب عمي ، و آذان صمّ ، و ألسنة بكم » حيث إنّه عليه السلام الهادي ، و في تفسير الثعلبي لمّا نزل إنّما أنت منذر و لكلّ قوم هاد ٤ وضع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يده على صدره ، و قال : « أنا المنذر و أومأ بيده إلى منكب عليّ عليه السلام و قال :

و أنت الهادي يا علي بك يهتدي المهتدون بعدي » و في ( مناقب السروي ) صنّف ابن عقده كتابا في نزول الآية فيه عليه السلام ٥ .

« متّبع » كذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ( متتبع ) كما في ( ابن أبي الحديد )

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه الكليني في الكافي ١ : ٣٤٦ ح ٣ ، و الصدوق في كمال الدين ٢ : ٥٣٦ ، ح ١ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢ : ٢٢٣ .

( ٣ ) الشعر و الشعراء : ١٢٢ .

( ٤ ) الرعد : ٧ .

( ٥ ) مناقب السروي ٣ : ٨٣ و ٨٤ .

١٦٠