بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٦

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 601

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 601
المشاهدات: 109025
تحميل: 4113


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 601 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 109025 / تحميل: 4113
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 6

مؤلف:
العربية

و روى الطبراني في ( معجمه ) مسندا قال : لما نزلت هذه الآية : و تعيها أذن واعية ١ قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : سألت اللّه عزّ و جلّ أن يجعلها أذنك يا علي .

قال علي عليه السلام : فما نسيت شيئا بعد و ما كان لي أن أنسى ٢ .

و فيه روى مسندا عن ابن عباس قال : بينما النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في جماعة من أصحابه إذ أقبل علي عليه السلام ، فلما بصر به النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال : من أراد منكم أن ينظر إلى آدم في علمه ، و إلى نوح في حكمته ، و إلى ابراهيم في حلمه ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب .

قال السبط ابن الجوزي : تشبيه النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعليّ عليه السلام بآدم في علمه لأنّ اللّه تعالى علّم آدم صفة كلّ شي‏ء كما قال عزّ و جلّ : و علّم آدم الأسماء كلّها ٣ ، فما من شي‏ء و لا حادثة و لا واقعة إلاّ و عند علي عليه السلام فيها علم و له في استنباط معناها فهم ٤ .

قلت : و لنعم ما قيل بالفارسية :

آنچه خوبان همه دارند تو تنها دارى

و روى السبط أيضا مسندا عن حذيفة قال : قالوا : يا رسول اللّه ، ألا تستخلف عليّا ؟ قال : إن تولوا عليّا تجدوه هاديا مهديّا ، يسلك بكم الطريق المستقيم ٥ .

و روى مسندا عن ابن عباس قال : ستكون فتنة فمن أدركها منكم فعليه بخصلة من كتاب اللّه تعالى ، و علي بن أبي طالب عليه السلام ، فإنّي سمعت

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الحاقة : ١٢ .

( ٢ ) كفاية الطالب : ٤٠ .

( ٣ ) البقرة : ٣١ .

( ٤ ) كفاية الطالب : ٤٦ .

( ٥ ) كفاية الطالب : ٦٧ .

٢٦١

النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو يقول « هذا أوّل من آمن بي و أوّل من يصافحني ، و هو فاروق هذه الامّة يفرّق بين الحق و الباطل ، و هو يعسوب المؤمنين و المال يعسوب الظلمة ، و هو الصدّيق الأكبر ، و هو بابي الذي أوتى منه ، و هو خليفتي من بعدي » . قال السبط : هكذا أخرجه محدّث الشام في الجزء ( ٣٤٩ ) من كتابه بطرق شتّى ١ .

و في ( فواتح الميبدي ) : روى الثعلبي في ( تفسيره ) عن عبد اللّه بن سلاّم قال : من عنده علم الكتاب في آية قل كفى باللّه شهيدا بيني و بينكم و من عنده علم الكتاب ٢ هو علي .

و فيه : روى أحمد بن حنبل عن معقل بن يسار أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال لفاطمة : أما ترضين أنّي زوّجتك أقدم امتي سلما ، و أكثرهم علما ، و أعظمهم حلما .

و فيه : و روى الثعلبي أن ابن عباس كان يتلو « حم عسق » و يقول : كان علي عليه السلام يعلم الفتن بهذين اللفظين .

و في ( تذكرة سبط ابن الجوزي ) مسندا عنه عليه السلام قال : كنت أدخل على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ليلا و نهارا ، فكنت إذا سألته أجابني و إن سكتّ ابتدأني ، و ما نزلت عليه آية إلاّ قرأتها و علمت تفسيرها و تأويلها ، و دعا اللّه لي أن لا أنسى شيئا علّمني إيّاه ، فما نسيته من حرام و حلال و أمر و نهي و طاعة و معصية ، و قد وضع يده على صدري و قال « اللهم املأ قلبه علما و فهما و حكما و نورا » . ثم قال لي : أخبرني ربّي عزّ و جلّ أنّه استجاب لي فيك . قال السبط : هكذا رواه الحافظ الدمشقي في ( مناقبه ) ٣ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) كفاية الطالب : ٧٩ .

( ٢ ) الرعد : ٤٣ .

( ٣ ) كفاية الطالب : ٨٥ .

٢٦٢

و فيه أيضا مسندا عنه عليه السلام قال : و اللّه ما نزلت آية إلاّ و قد علمت فيمن نزلت و أين نزلت و على من نزلت ، انّ ربّي وهب لي قلبا عقولا و لسانا طلقا ١ .

و فيه أيضا عنه عليه السلام قال : قلت يا رسول اللّه أوصني . قال : قل « اللّه ربّي » ثمّ استقم . فقلت : ربّي اللّه و ما توفيقي إلاّ باللّه عليه توكلت و إليه أنيب . فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : ليهنك العلم يا أبا الحسن لقد شربت العلم شربا و نهلته نهلا . قال السبط : هذا سياق أبي نعيم في ( حليته ) ٢ .

روى السبط أيضا عن ابن عباس قال : قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : من سرّه أن يحيا حياتي و يموت مماتي و يسكن جنّات عدن التي غرسها ربي عزّ و جل فليوال عليّا من بعدي و ليوال وليّه و ليقتد بالأئمة بعدي ، فانّهم عترتي خلقوا من طينتي و رزقوا فهما و علما ، ويل للمكذبين بفضلهم من امّتي القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم اللّه شفاعتي ٣ .

و في ( تذكرته ) أيضا : ذكر الثعلبي في ( تفسيره ) عن زاذان قال : سمعت عليّا عليه السلام يقول : و الذي فلق الحبة وبرأ النّسمة لو ثنّيت لي وسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم و بين أهل الإنجيل بإنجيلهم و بين أهل الزبور بزبورهم و بين أهل الفرقان بفرقانهم ، و الذي نفسي بيده ما من رجل من قريش جرت عليه المواسي إلاّ و أنا أعرف له آية تسوقه إلى الجنّة أو تقوده إلى النار . فقال له رجل : فما آيتك التي أنزلت فيك ؟ فقال : أفمن كان على بيّنة من ربّه و يتلوه شاهد منه ٤ . فرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على بيّنة و أنا شاهد منه ٥ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) كفاية الطالب : ٩٠ .

( ٢ ) كفاية الطالب : ٩١ .

( ٣ ) كفاية الطالب : ٩٤ .

( ٤ ) هود : ١٧ .

( ٥ ) تذكرة الخواص : ١٦ .

٢٦٣

و روى السبط عن ابن مسعود قال : ان القرآن أنزل على سبعة أحرف ،

ما منها إلاّ و له ظهر و بطن ، و أن علي بن أبي طالب عليه السلام عنده علم الظاهر منه و الباطن .

قال السبط : هكذا رواه أبو نعيم في ( حليته ) ١ .

و روى السبط أيضا عن سلمان قال : قلت يا رسول اللّه لكلّ نبيّ وصيّ فمن وصيّك ؟ فسكت عنّي ، فلمّا كان بعد رآني ، قال : يا سلمان ، فأسرعت إليه فقلت : لبّيك ، قال : تعلم من وصي موسى ؟ قلت : نعم ، يوشع بن نون . قال : لم ؟

قلت : لأنّه كان أعلمهم يومئذ ، قال : فإن وصيّي و موضع سرّي و خير من أترك بعدي ينجز عدتي و يقضي ديني علي بن أبي طالب .

قال السبط : رواه الطبراني في ( معجمه الكبير ) في ترجمة أبي سعيد ٢ .

و روى الشيخ الطوسي في ( الأمالي ) عن سعيد بن المسيّب قال : سمعت رجلا يسأل ابن عباس عن علي عليه السلام فقال له : إنّ عليّا عليه السلام صلّى القبلتين و بايع البيعتين و لم يعبد صنما و لا وثنا ، و لم يضرب على رأسه بزكم و لا بقدح ، و ولد على الفطرة و لم يشرك باللّه طرفة عين . فقال له الرجل : إني لم أسألك عن هذا و إنّما أسألك عن حمله سيفه على عاتقه يختال به ، حتى أتى البصرة فقتل بها أربعين ألفا ، ثم سار إلى الشام ، فلقى حواجب العرب ، فضرب بعضهم ببعض حتى قتلهم ، ثم أتى النهروان و هم مسلمون ، فقتلهم عن آخرهم . فقال له : أعلي أعلم عندك أم أنا ؟ فقال : لو كان علي عندي أعلم منك لما سألتك فغضب ابن عباس و قال : ثكلتك امّك ، علي علّمني ، و كان علمه من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و النبي علّمه اللّه من فوق عرشه ، فعلم النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من اللّه ، و علم علي من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) كفاية الطالب : ١٥٨ .

( ٢ ) كفاية الطالب : ١٥٩ .

٢٦٤

و علمي من علم علي ، و علم أصحاب محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كلّهم في علم علي عليه السلام كالقطرة الواحدة في سبعة أبحر ١ .

و روى ابن بابويه في ( توحيده ) مسندا عن الأصبغ ، قال : لما جلس علي عليه السلام في الخلافة و بايعه الناس ، خرج إلى المسجد متعمما بعمامة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ، لابسا بردة النبي ، متنعّلا نعل النبي ، متقلّدا سيف النبي ، فصعد المنبر فجلس متمكّنا ثمّ شبّك بين أصابعه فوضعها أسفل بطنه ، ثمّ قال : يا معشر الناس سلوني قبل أن تفقدوني ، هذا سقط العلم ، هذا لعاب رسول اللّه ،

هذا ما زقّني رسول اللّه زقّا ، سلوني فإن عندي علم الأولين و الآخرين ، أما و اللّه لو ثنّيت لي الوسادة فجلست عليها لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم حتى تنطق التوراة فتقول : صدق علي ما كذب ، فقد افتاكم بما أنزل اللّه فيّ ، و أفتيت أهل الإنجيل بإنجيلهم حتى ينطق الإنجيل فيقول صدق علي ما كذب ، لقد افتاكم بما أنزل اللّه في ، و أفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتى ينطق القرآن فيقول صدق علي ما كذب لقد افتاكم بما أنزل اللّه في ، و أنتم تتلون القرآن ليلا و نهارا ، فهل فيكم أحد يعلم ما نزل فيه ؟ و لو لا آية في كتاب اللّه لأخبرتكم بما كان و بما يكون و ما هو كائن إلى يوم القيامة ، و هي هذه الآية يمحو اللّه ما يشاء و يثبت و عنده امّ الكتاب ٢ . ثمّ قال : سلوني قبل أن تفقدوني ، فو الذي فلق الحبة وبرأ النّسمة ، لو سألتموني عن آية آية في ليل أنزلت أو في نهار أنزلت ، مكيّها ،

و مدنيّها ، سفريها و حضريها ، ناسخها ، و منسوخها ، محكمها ، و متشابهها ،

و تأويلها و تنزيلها لأخبرتكم الخبر ٣ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أمالي أبي علي الطوسي ١ : ١٠ ح ١ .

( ٢ ) الرعد : ٣٩ .

( ٣ ) توحيد الصدوق : ٣٠٥ .

٢٦٥

و في الخبر انّه عليه السلام لمّا قال ذلك قام رجل يقال له ذعلب فقال : هل رأيت ربّك ؟ فأجابه ، و قام إليه الأشعث فسأله عن قبول الجزية من المجوس مع عدم كونهم من أهل الكتاب فأجابه ، و قام إليه رجل آخر فسأله عن سبب النجاة فأجابه ، ثم غاب الرجل فقال عليه السلام انّه كان أخي الخضر ١ .

هذا و للطغرائي في احتوائه على العلم الكثير و ان كان ادّعاء منه :

أمّا العلوم فقد ظفرت ببغيتي

منها فما أحتاج أن أتعلّما

و عرفت أسرار الخليقة كلّها

علما أنار لي البهيم المظلما

و ورثت « هرمس » سر حكمته الذي

ما زال ظنّا في الغيوب مرجما

و ملكت مفتاح الكنوز بحكمة

كشفت لي السرّ الخفيّ المبهما

« لو أصبت له حملة » « لو » هنا للتمنّي ، مثلها في قوله تعالى : لو أنّ لي بكم قوّة أو آوي إلى ركن شديد ٢ .

روى الصدوق في ( توحيده ) عن الباقر عليه السلام قال : لو وجدت لعلمي الذي آتاني اللّه تعالى حملة لنشرت التوحيد و الاسلام و الإيمان و الدين و الشرائع من « الصمد » ، و كيف لي بذلك و لم يجد جدّي علي عليه السلام حملة لعلمه حتى كان يتنفّس الصعداء ، و يقول على المنبر : سلوني قبل أن تفقدوني ، فإن بين الجوانح منّي علما جمّا ٣ .

و لقد علّم عليه السلام أبا الأسود الدؤلي علم النحو ، فروى معجم ( ادباء الحموي ) مسندا عن أبي الأسود قال : دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام فرأيته مطرقا مفكّرا ، فقلت : فيم تفكّر ؟ قال : سمعت ببلدكم لحنا فأردت أن أضع كتابا

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه الصدوق في التوحيد : ٣٠٦ .

( ٢ ) هود : ٨٠ .

( ٣ ) توحيد الصدوق : ٩٢ .

٢٦٦

في اصول العربية . فقلت : إن فعلت هذا أحييتنا و بقيت فينا هذه اللغة ، ثمّ أتيته بعد أيّام فألقى إليّ صحيفة فيها « بسم اللّه الرحمن الرحيم ، الكلام كلّه اسم و فعل و حرف ، و الاسم ما أنبأ عن المسمّى ، و الفعل ما انبأ عن حركة المسمّى ،

و الحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم و لا فعل » ثم قال لي : تتبّعه و زد فيه ما وقع لك ، و اعلم أنّ الأشياء ثلاثة ، ظاهر و مضمر ، و شي‏ء ليس بظاهر و لا مضمر . قال أبو الأسود : فجمعت منه أشياء و عرضتها عليه ، و كان من ذلك حروف النصب فكان منها : إنّ و أنّ وليت و لعل و كأنّ و لم أذكر لكنّ فقال لي :

لم تركتها ؟ فقلت : لم أحسبها منها ، فقال : بل هي منها فزدها فيها قال الحموي : قال الزجّاج : « شي‏ء ليس بظاهر و لا مضمر » نحو « هذا » و « من » و « ما » و « أي » و « كم » و « متى » و « أين » و ما أشبهها ١ .

هذا ، و في ( عيون ابن قتيبة ) : قال أبو يعقوب الخزيمي : تلقّاني سعيد بن وهب مع طلوع الشمس ، فقلت : أين تريد ؟ قال : عندي حديث حسن فأنا أطلب له إنسانا حسن الفهم ، حسن الاستماع ، فقلت : حدّثني به ، فقال : أنت حسن الفهم سيئ الاستماع ٢ . و قال أبو تمام :

و كنت أعزّ عزا من قنوع

تعوّصه صفوح من جهول

فصرت أذل من معنى دقيق

به فقر إلى فهم جليل

« بلى أصبت لقنا » أي : رجلا سريع الفهم « غير مأمون عليه » و المأمون في الناس قليل .

و في ( أذكياء ابن الجوزي ) : سمع رجل أنّ ذا النون المصري يعرف اسم اللّه الأعظم ، فذهب إلى مصر و خدمه سنة ثمّ قال له : قيل لي إنّك تعرف اسم اللّه

ــــــــــــــــــ

( ١ ) معجم الأدباء ١٤ : ٤٩ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) عيون ابن قتيبة ٢ : ١٢٨ .

٢٦٧

الأعظم ، و قد وجب حقّي عليك بخدمتك في المدة فأحب أن تعلّمنيه ، فسكت عنه و أومأ إليه أنّه يخبره ، فتركه ستة أشهر ثم أخرج له من بيته طبقا و مكبّة مشدودة في منديل و قال له : تعرف صديقنا من الفسطاط . قال : نعم ، قال : أحب أن تؤدي هذا إليه . فأخذ الطبق و جعل يتفكّر في الطريق ان مثل ذي النون يوجّه إلى فلان بهديّة أي شي‏ء هي ؟ فلم يصبر لمّا بلغ الجسر ان حلّ المنديل و رفع المكبّة ، فإذا فأرة قفزت من الطبق و مرت فاغتاظ و قال : ذو النون يسخر بي يوجّه مع مثلي فأرة ، فرجع ، و عرف ذو النون في وجهه . الغضب ، فقال له : يا أحمق إنّما ائتمنتك على فأرة فخنتني ، أفأيتمنك على اسم اللّه الأعظم ، مرّ عنّي فلا أراك ١ .

« مستعملا آلة الدين للدنيا » قال شاعر :

إنّي رأيت الناس في دهرنا

لا يطلبون العلم للعلم

إلاّ مباهاة لأصحابهم

و عزّة للخصم و الظلم

قال ابن جريج : لقد منعتني هذه الأبيات عن أشياء كثيرة من طلب العلم .

و روى صاحب ( تحف العقول ) عنه عليه السلام قال : لو أن حملة العلم حملوه بحقه لأحبّهم اللّه و ملائكته و أهل طاعته من خلقه ، و لكنهم حملوه لطلب الدنيا فمقتهم اللّه و هانوا على الناس ٢ .

و عن ( المنية ) عن الصادق عليه السلام : كان لموسى بن عمران جليس من أصحابه قد وعى علما كثيرا ، فاستأذن موسى عليه السلام في زيارة أقارب له ، فقال له موسى عليه السلام : ان لصلة القرابة حقّا ، و لكن إيّاك أن تركن إلى الدنيا ، فإن اللّه قد حمّلك علما فلا تضيّعه و تركن إلى غيره ، فقال الرجل : لا يكون إلاّ خيرا ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الأذكياء : ٨٤ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) تحف العقول : ٢٠١ .

٢٦٨

و مضى نحو أقاربه فطالت غيبته ، فسأل موسى عليه السلام عنه فلم يخبره أحد بحاله ، فسأل جبرئيل عليه السلام عنه فقال : هو ذا على الباب قد مسخ قردا في عنقه سلسلة ، ففزع موسى عليه السلام إلى ربّه و قام إلى مصلاّه يدعو اللّه و يقول : يا رب صاحبي و جليسي ، فأوحى اللّه إليه : يا موسى لو دعوتني حتى ينقطع ترقوتاك ما استجبت لك فيه ، انّي كنت حمّلته علما فضيّعه و ركن إلى غيري ١ .

« و مستظهرا بنعم اللّه على عباده » « على عباده » متعلّق بقوله « و مستظهرا » « و بحججه على أوليائه » « على أوليائه » أيضا متعلّق بقوله « و مستظهرا » .

و روى ( أمالي المفيد ) بدل الكلام « و يستظهر بحجج اللّه على خلقه ،

و بنعمه على عباده ، ليتخذه الضعفاء و ليجة دون وليّ الحق » ٢ .

« أو منقادا لحملة الحقّ لا بصيرة له » هكذا في النسخ ٣ ، و الظاهر أنّ الأصل « و لكن لا بصيرة له » « في أحنائه » أي : جوانبه ، قال لبيد :

فقلت ازدجر أحناء طيرك و اعلمن

بأنّك إن قدّمت رجلك عاثر

و قال الكميت :

و ألوا الامور و احناءها

فلم يبهلوها و لم يهملوا ٤

« ينقدح » أي : ينكشف كانكشاف الشي‏ء عند ظهور النار في الظلمة « الشك في قلبه لأوّل عارض من شبهة » شبّه عليه السلام عروض الشك لغير ذوي البصيرة بخروج النار من الزند عند قدحه .

« ألا لاذا » أي : لا هذا المنقاد الذي ليس بأهل بصيرة و تميز « و لا ذاك » أي :

ــــــــــــــــــ

( ١ ) نقله عن المجلسي في البحار ٢ : ٤٠ ح ٧ .

( ٢ ) أمالي المفيد : ٢٤٩ .

( ٣ ) نهج البلاغة ٤ : ٣٧ ، و شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٣٤٧ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ٣٢٢ .

( ٤ ) أورد الاوّل في الصحاح ٦ : ٢٣٣١ مادة ( حنا ) ، و الأخير أساس البلاغة : ٩٨ ، مادة ( حنى ) ، و لسان العرب ١٤ : ٢٠٤ ، مادة ( حنا ) .

٢٦٩

و لا ذاك اللقن الذي ليس بمؤتمن .

« أو منهوما » عطف على « لقنا » أي حريصا « باللذة » ، و في الخبر : منهومان لا يشبعان : منهوم بالعلم و منهوم بالمال ١ .

« سلس القياد » أي : سريع الانقياد « للشهوة » قال تعالى : فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة و اتّبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّاً ٢ .

« أو مغرما » أيضا عطف على « لقنا » أي : ولعا « بالجمع » أي : جمع المال « و الادخار » لأيّامه الآتية .

في ( عيون القتيبي ) عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : من تعلم العلم لأربعة دخل النار ،

ليباهي به العلماء ، أو يماري به السفهاء ، أو يميل به وجوه الناس ، أو يأخذ به من الامراء ٣ .

« ليسا » أي : الأخيران المنهوم باللذة المنقاد للشهوة و الحريص بجمع الدنيا و ادخارها .

« من رعاة الدين في شي‏ء » و في ( الخصال ) عنه عليه السلام : الدينار داء الدين ،

و العالم طبيب الدين ، فإذا رأيتم الطبيب يجر الداء إلى نفسه فاتهموه ، و اعلموا انّه غير ناصح لغيره . و أوحى اللّه تعالى إلى داود عليه السلام : لا تجعل بيني و بينك عالما مفتونا بالدنيا فيصدّك عن طريق محبتي ، فإن أولئك قطّاع طريق عبادي المريدين ، إنّ أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة مناجاتي من قلوبهم ٤ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) لفظه المشهور « طالب علم و طالب دنيا » أخرجه ابن عدي في الكامل و البزار في مسنده ، عنهما الجامع الصغير ٢ : ١٨٤ ، و القاضي القضاعي في شهاب الأخبار : ١٣٥ ح ٢٥٦ ، عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و رواه الشريف الرضي في نهج البلاغة ٤ : ١٠٥ ، الحكمة ٤٥٧ ، عن علي عليه السلام .

( ٢ ) مريم : ٥٦ .

( ٣ ) عيون ابن قتيبة ٢ : ١١٩ .

( ٤ ) هذا تلفيق حديثين الأول حديث علي عليه السلام عن عيسى بن مريم عليه السلام ، أخرجه الصدوق في الخصال ١ : ١١٣

٢٧٠

و في ( أمالي الشيخ الطوسي ) عنه عليه السلام قال عيسى عليه السلام لأصحابه : كيف يكون من أهل العلم من مصيره إلى آخرته و هو مقبل على دنياه ، و ما يضرّه أشهى إليه مما ينفعه ١ .

و في ( عقاب الأعمال ) عنه عليه السلام قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : سيأتي على امتي زمان لا يبقى من القرآن إلاّ رسمه ، و لا من الاسلام إلاّ اسمه ، يسمّون به و هم أبعد الناس منه ، مساجدهم عامرة و هي خراب من الهدى ، فقهاء ذلك الزمان شرّ فقهاء تحت ظل السماء ، منهم خرجت الفتنة و إليهم تعود ٢ .

و في ( الكافي ) عنه عليه السلام قال : طلبة هذا العلم على ثلاثة أصناف ، ألا فاعرفوهم بصفاتهم و أعيانهم : صنف منهم يتعلّمون العلم للمراء و الجدل ،

و صنف منهم يتعلّمون للاستطالة و الختل ، و صنف منهم يتعلمون للفقه و العقل ، فأما صاحب المراء و الجدل فتراه مؤذيا مماريا للرجال في أندية المقال ، قد تسربل بالتخشّع و تخلّى من الورع ، فدقّ اللّه من هذا حيزومه و قطع منه خيشومه ، و أما صاحب الاستطالة و الختل ، فإنّه يستطيل على اشباهه من أشكاله ، و يتواضع للأغنياء من دونهم ، فهو لحلوائهم هاضم و لدينه حاطم ،

فأعمى اللّه على هذا خبره ، و قطع من آثار العلماء أثره ، و أما صاحب الفقه و العقل ، فتراه ذا كآبة و حزن ، قد قام الليل في حندسه ، و انحنى في برنسه ،

يعمل و يخشى خائفا وجلا من كلّ أحد ، الا من كلّ ثقة من اخوانه ، فشدّ اللّه من هذا أركانه و أعطاه يوم القيامة أمانه ٣ .

« أقرب شي‏ء شبها بهما » أي : بهذين الصنفين « الأنعام السائمة » أي : الراعية ،

ح ٩١ ، و الثاني حديث الصادق عليه السلام عن داود عليه السلام أخرجه هو في العلل ، عن البحار ٢ : ١٧ ، ح ٨ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أمالي أبي علي الطوسي ١ : ٢١١ جزء ٨ .

( ٢ ) عقاب الأعمال : ٣٠١ ح ٤ .

( ٣ ) الكافي ١ : ٤٩ ح ٥ ، و النقل بتصرف يسير .

٢٧١

قال تعالى : ان هم إلا كالأنعام بل هم أضلّ ١ و قال جلّ و علا : مثل الذين حمّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل اسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات اللّه و اللّه لا يهدي القوم الظالمين ٢ و قال جلّ ثناؤه : و اتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ،

و لو شئنا لرفعناه بها و لكنه أخلد إلى الأرض و اتبع هواه فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذّبوا بآياتنا ٣ .

« كذلك يموت العلم بموت حامليه » يعني بعد أن لا يصاب للعلم حملة لكونهم غير قابلين للإستضاءة من أنواره .

و روى صاحب ( الإرشاد ) عنه عليه السلام قال في خطبة له : أيّها الناس اني ابن عمّ نبيّكم و أولاكم باللّه و رسوله ، فاسألوني ثم اسألوني فكأنكم بالعلم قد نفد و انّه لا يهلك عالم إلا يهلك معه بعض علمه ، و انما العلماء في الناس كالبدر في السماء يضيى‏ء نوره على سائر الكواكب ، خذوا العلم ما بدا لكم و إيّاكم ان تطلبوه لخصال أربع : لتباهوا به العلماء ، أو تماروا به السفهاء ، أو تراءوا به في المجالس ، أو تصرفوا به وجوه الناس اليكم للترؤس ، لا يستوي عند اللّه في العقوبة الذين يعلمون و الذين لا يعلمون ٤ .

و جاء في كتاب ( الكافي ) عن أبي عبد اللّه عليه السلام إن أبي كان يقول : إن اللّه تعالى لا يقبض العلم بعد ما يهبطه ، و لكن يموت العالم فيذهب بما يعلم ، فتليهم الجفاة فيضلون و يضلون ، و لا خير في شي‏ء ليس له أصل ٥ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الفرقان : ٤٤ .

( ٢ ) الجمعة : ٥ .

( ٣ ) الاعراف : ١٧٦ .

( ٤ ) الإرشاد : ١٢٢ .

( ٥ ) الكافي ١ : ٣٨ ، ح ٥ .

٢٧٢

و من كلام الحكماء : النار لا ينقصها ما اخذ منها ، و لكن يخمدها أن لا يجد حطبا ، و كذلك العلم لا يفنيه الاقتباس و لكن فقد الحاملين له سبب عدمه .

٢

الحكمة ( ٤٢٠ ) وَ رُوِيَ أَنَّهُ ع كَانَ جَالِساً فِي أَصْحَابِهِ فَمَرَّتْ بِهِمُ اِمْرَأَةٌ جَمِيلَةٌ فَرَمَقَهَا اَلْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقَالَ ع إِنَّ أَبْصَارَ هَذِهِ اَلْفُحُولِ طَوَامِحُ وَ إِنَّ ذَلِكَ سَبَبُ هِبَابِهَا فَإِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى اِمْرَأَةٍ تُعْجِبُهُ فَلْيُلاَمِسْ أَهْلَهُ فَإِنَّمَا هِيَ اِمْرَأَةٌ كَامْرَأَتِهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ ؟ اَلْخَوَارِجِ ؟ قَاتَلَهُ اَللَّهُ كَافِراً مَا أَفْقَهَهُ فَوَثَبَ اَلْقَوْمُ لِيَقْتُلُوهُ فَقَالَ ع رُوَيْداً إِنَّمَا هُوَ سَبٌّ بِسَبٍّ أَوْ عَفْوٌ عَنْ ذَنْبٍ أقول : روى ( تحف عقول ابن شعبة الحلبي ) في حديث الأربعمائة عنه عليه السلام قال : إذا رأى أحدكم امرأة تعجبه فليلق أهله ، فان عندها مثل الذي رأى ، و لا يجعل للشيطان على قلبه سبيلا ، و ليصرف بصره عنها فإن لم يكن له زوجة فليصلّ ركعتين الخبر ١ .

« و روى انّه عليه السلام كان جالسا في أصحابه فمرت » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : « إذ مرت » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٢ « بهم امرأة جميلة فرمّقها » بالتشديد أي : ادام النظر إليها « القوم بأبصارهم » في ( عيون ابن قتيبة ) : مرت اعرابية بقوم من بني نمير فقالت : يا بني نمير و اللّه ما أخذتم بواحدة من اثنتين ، لا بقول اللّه تعالى : قل للمؤمنين يغضّوا

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه ابن شعبة في تحف العقول : ١٢٥ ، و أيضا الصدوق في الخصال ٢ : ٦٣٨ .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٢٠ : ٦٣ ، لكن لفظ شرح ابن ميثم ٥ : ٤٤٦ مثل المصرية .

٢٧٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد السادس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

من أبصارهم ١ ، و لا بقول جرير :

فغضّ الطرف انك من نمير

فلا كعبا بلغت و لا كلابا

فاستحيا القوم من كلامها و أطرقوا ٢ .

و في ( تاريخ بغداد ) : قال محمد بن أحمد القاضي : حضرت مجلس موسى بن إسحاق القاضي بالري سنة ( ٢٨٦ ) و تقدمت امرأة فادّعى وليها على زوجها خمسمأة دينار مهرا فأنكر ، فقال القاضي للولي : شهودك ، قال : قد أحضرتهم ، فاستدعى بعض الشهود أن ينظر إلى المرأة ليشير إليها في شهادته ، فقام الشاهد و قال للمرأة : قومي ، فقال : تفعلون ماذا ؟ قال الوكيل :

ينظرون إلى امرأتك و هي مسفرة لتصح عندهم معرفتها ، فقال الزوج : ان لها عليّ هذا المهر الذي تدّعيه و لا تسفر عن وجهها ، فردّت المرأة و أخبرت بما كان من زوجها ، فقالت المرأة : فإنّي أشهد القاضي انّي قد وهبت له هذا المهر و ابرأته منه في الدنيا و الآخرة . فقال القاضي : يكتب هذا في مكارم الأخلاق ٣ .

« فقال عليه السلام ان أبصار هذه الفحول » في ( شعراء القتيبي ) : و من الشعراء علقمة الفحل ، و اختلف في تسميته بالفحل ، قيل سمّى بذلك لأنّه احتكم مع امرئ القيس إلى امرأته ام جندب لتحكم بينهما ، فقالت لهما قولا شعرا تصفان فيه الخيل على روي واحد و قافية واحدة لأحكم بينكما ، فقال امرؤ القيس :

خليلي مرّا بي على ام جندب

لتقضي حاجات الفؤاد المعذب

و قال علقمة :

ذهبت من الهجران في كلّ مذهب

و لم يك حقّا كلّ هذا التجنّب

ــــــــــــــــــ

( ١ ) النور : ٣٠ .

( ٢ ) عيون ابن قتيبة ٤ : ٨٥ .

( ٣ ) تاريخ بغداد ١٣ : ٥٣ ، و النقل بتصرف يسير .

٢٧٤

ثم أنشداها جميعا ، فقالت لأمرئ القيس : علقمة أشعر منك . قال : و كيف ؟

قالت : لأنك قلت :

فللسوط ألهوب و للساق درة

و للزجر منه وقع أخرج مهذب

فجهدت فرسك بسوطك و مريته بساقك و قال علقمة :

فأدركهن ثانيا من عنائه

يمر كمر الرائح المتحلّب

فأدرك طريدته و هو ثان من عنان فرسه لم يضربه بسوط و لا مراه بساق و لا زجره ، فقال لها امرؤ القيس : ما هو بأشعر منّي و لكنّك له وامق ،

فطلّقها فخلفه عليها علقمة فسمّى بذلك الفحل . و قيل بل سمّي بالفحل لأن في قومه رجل يقال له علقمة الخصي ، ففرّقوا بينهما بهذا الاسم .

و قالوا : العرب تسمّي سهيلا بالفحل ، تشبيها له بفحل الإبل لاعتزال سهيل النجوم ، كما أن الفحل إذا قرع الإبل اعتزلها ، قال الشاعر :

أما ترى الفحل كيف يزهر ١

« طوامح » أي : مرتفعات « و ان ذلك سبب هبابها » في ( الصحاح ) « الهبّة » بالكسر : هياج الفحل ، تقول : هب التيس يهب بالكسر هبيبا و هبابا : إذا نبّ للسفاد ٢ .

و في الخبر : لا يزني فرجك ما غضضت بصرك ٣ .

و في ( عيون القتيبي ) : نظر أشعب يوما إلى ابنه ، و هو يديم النظر إلى امرأة ، فقال : يا بني نظرك هذا يحبل . و قال بعضهم :

و لي نظرة لو كان يحبل ناظر

بنظرته انثى لقد حبلت منّي ٤ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الشعر و الشعراء : ٥٨ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) صحاح اللغة ١ : ٢٣٦ ، مادة ( هبّ ) .

( ٣ ) رواه ابن قتيبة في عيون الاخبار ٤ : ٨٤ ، عن عيسى عليه السلام .

( ٤ ) عيون ابن قتيبة ٤ : ٨٤ .

٢٧٥

هذا و كما للرجال الطموح إليهن كذلك لهن الطموح إليهم ، بل في الخبر إنّ همّ الرجال في البناء و الطين ، و همّ النساء في الرجال ١ .

و في خبر ، أربعة لا يشبعن من أربعة : عين من نظر ، و انثى من ذكر ،

و أرض من مطر ، و اذن من خبر ٢ . و قال الفرزدق :

فلا تدخل بيوت بني كليب

و لا تقرب لهم أبدا رحالا

فإن بها لوامع مبرقات

يكدن ينكن بالحدق الرجالا

و في ( الجمهرة ) : قالت امرأة لأمة لها : مري ببنتي على ذوي النظرى لا ذوات النقرى ، أي مري بها على الرجال الذين يرضون بالنظر ، لا على النساء اللواتي ينقرن عن الخبر ٣ .

و عن أبي حازم : بينما أرمي الجمار رأيت امرأة سافرة حسنة فقلت لها :

أ ما تتقين اللّه تسفرين في هذا الموضع فتفتنين الناس . قالت : أنا و اللّه ممّن قيل فيهنّ :

من اللاء لم يحججن يبغين حسبة

و لكن ليقتلن البرئ المغفّلا

و في ( الأغاني ) : كان ابن الغز الأيادي ، فكان إذا انعظ احتكت الفصال بأيره ، و كان في اياد امرأة تستصغر أيور الرجال ، فجامعها ابن الغز ، فقالت : يا معشر اياد ، أبالركب تجامعون النساء ، فضرب بيده على إليتها و قال : ما هذا ؟

فقالت : و هي لا تعقل ما تقول هذا القمر ، فضربت العرب بها المثل « أريها استها و تريني القمر » ٤ .

و جاء في ( الكافي ) : أنّ رجلا أتى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال : انّي أحمل أعظم ما

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه الصدوق في العلل ٢ : ٤٩٨ .

( ٢ ) أخرجه الصدوق في الخصال ١ : ٢٢١ ح ٤٧ و ٤٨ ، و النقل بفرق في اللفظ .

( ٣ ) جمهرة اللغة ٢ : ٤٠٩ .

( ٤ ) نقله الميداني في مجمع الأمثال ١ : ٢٩١ .

٢٧٦

يحمل الرجال ، فهل يصلح لي أن آتي بعض مالي من البهائم ناقة أو حمارة فإن النساء لا يقوين على ما عندي ، فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم له : ان اللّه تعالى لم يخلقك حتى خلق لك ما يحتملك من شكلك ، فانصرف الرجل ، و لم يلبث ان عاد فقال له مثل مقالته أوّل مرّة فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : فأين أنت من السوداء العنطنطة أي :

الطويلة العنق فانصرف الرجل فلم يلبث ان عاد فقال : أشهد أنّك رسول اللّه حقّا ، إنّي طلبت ما أمرتني به فوقعت على شكلي مما تحملني ١ .

« فإذا نظر أحدكم إلى امرأة تعجبه فليلامس » و في ( ابن ميثم ) : « فليلمس » و في ( ابن أبي الحديد النسختان ) ٢ : « أهله فانما هي امرأة كامرأة » و في ( ابن أبي الحديد ) « كامرأته » ٣ و هو الأنسب بالمقام .

و في ( اسد الغابة ) في عبد اللّه بن نعيم بن النحام عن جابر ، بينا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في أصحابه إذ مرت به امرأة ، فدخل على زينب بنت جحش فقضى حاجته و خرج فقال : إذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله ، فإن المرأة تقبل في صورة شيطان ، و تدبر في صورة شيطان ٤ .

هذا و في ( كامل الجزري ) كان يوسف بن تاشفين ملك العرب و الأندلس حليما كريما خيّرا يحب أهل العلم و الدين و يحكّمهم في بلاده ، و كان يحب العفو عن الذنوب العظام ، فمن ذلك ان ثلاثة نفر اجتمعوا فتمنّى أحدهم ألف دينار يتّجر بها ، و تمنّى الآخر عملا يعمل فيه ليوسف ، و تمنّى الآخر زوجته النفزاوية و كانت من أحسن الناس و لها الحكم في بلاده ، فبلغه الخبر ،

فأحضرهم و أعطى متمنّي المال ألف دينار ، و استعمل الآخر و قال للذي تمنّى

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي ٥ : ٣٣٦ ح ١ .

( ٢ ) في نسختنا من شرح ابن أبي الحديد ٢٠ : ٦٣ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ٤٤٦ ، مثل المصرية .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ : ٦٣ .

( ٤ ) اسد الغابة ٣ : ٢٦٨ و ٢٦٩ .

٢٧٧

زوجته : يا جاهل ما حملك على هذا الذي لا تصل إليه ، ثم أرسله إليها فتركته في خيمة ثلاثة أيام تحمل إليه كلّ يوم طعاما واحدا ، ثم أحضرته و قالت له : ما أكلت هذه الأيام ؟ قال : طعاما واحدا ، فقالت : كلّ النساء شي‏ء واحد ، و أمرت له بمال و كسوة و أطلقته ١ .

و في ( أمثال الكرماني ) : أن الحكم بن صخر الثقفي سأل امرأة عن اختها و كان رآها عام أوّل ، فقالت تزوجها ابن عم لها ، فقال لها : لو أدركتها لتزوجتها فقالت له : ما يمعنك من شريكتها في حسنها ، قال : يمنعني قول كثير :

إذا وصلتنا خلة كي تزيلها

أبينا و قلنا الحاجبية اول

فقالت : كثير بيني و بينك ، أ ليس الذي يقول :

هل وصل عزّة الاّ وصل غانية

في وصل غانية من وصلها خلف

فعيّ عن جوابها ٢ .

في ( الكافي ) عن الباقر عليه السلام : استقبل شاب من الأنصار امرأة بالمدينة ،

و كان النساء يتقنعن خلف آذانهن ، فنظر اليها و هي مقبلة ، فلما جازت نظر اليها و دخل في زقاق ، فجعل ينظر خلفها ، و اعترض وجهه عظم في الحائط أو زجاجة فشق وجهه ، فلما مضت المرأة نظر فإذا الدماء تسيل على صدره و ثوبه ، فقال : و اللّه لآتين النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لأخبرنّه ، فأتاه فأخبره ، فهبط جبرئيل بهذه الآية قل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم و يحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم ان اللّه خبير بما يصنعون ٣ .

و عن الإمام الصادق عليه السلام : النظر سهم من سهام ابليس مسموم ، و كم

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكامل ١٠ : ٤١٧ ، أحداث سنة ٥٠٠ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) مجمع الأمثال ٢ : ٨٢ .

( ٣ ) النور : ٣٠ .

٢٧٨

من نظرة أورثت حسرة طويلة ١ .

و في ( الفقيه ) عنه عليه السلام : النظرة سهم من سهام ابليس مسموم ، من تركها للّه تعالى لا لغيره أعقبه اللّه ايمانا يجد طعمه .

و عن الرضا عليه السلام : و حرّم النظر لما فيه من التهييج ، و ما يدعو التهييج إليه من الفساد .

و عن الصادق عليه السلام : من نظر إلى امرأة فرفع بصره إلى السماء أو غضّ بصره لم يرتدّ إليه بصره حتى يزوّجه اللّه من الحور العين ٢ .

« فقال رجل من الخوارج قاتله اللّه كافرا ما أفقهه » قال الجوهري « ابل مسبّه » أي خيار لأنّه يقال لها عند الاعجاب بها قاتلها اللّه ٣ .

و في ( العيون ) : شكا الفرزدق امرأته ، فقال له شيخ من بني مضر كان أسنّ منه : أفلا تكسعها بالمحرجات يعني الطلاق فقال له الفرزدق : قاتلك اللّه ما أعلمك من شيخ ٤ .

و نظير قولهم عند الاعجاب « قاتله اللّه » قولهم عنده « للّه دره » و ان كان هو لفظا حسنا ، و الأوّل لفظا قبيحا . و روى المدائني سبّ آخر له عليه السلام معجبا بالأخير ، فقال خطب علي عليه السلام فذكر الملاحم فقال « سلوني قبل أن تفقدوني ،

أما و اللّه لتشغرن الفتنة الصماء برجلها ، و تطأ في خطامها ، يا لها من فتنة شبّت نارها بالحطب الجزل ، مقبلة من شرق الأرض رافعة ذيلها ، داعية ويلها ، بدجلة أو حولها ، ذاك إذا استدار الفلك ، و قلتم مات أو هلك ، بأيّ واد سلك » فقال قوم

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي ٥ : ٥٣١ ح ٥ و ٥٥٩ ح ١٢ .

( ٢ ) أخرج الأول و الأخير الصدوق في الفقيه ٤ : ١١ ح ١ و ٣ : ٣٠٤ ح ٤١ ، و الحديث الثاني لم يوجد في الفقيه ، بل أخرجه الصدوق في عيون الأخبار ٢ : ٩٦ ، و في العلل ٢ : ٥٦٤ ح ١ .

( ٣ ) صحاح اللغة ١ : ١٤٥ ، مادة ( سبّ ) .

( ٤ ) عيون ابن قتيبة ٤ : ١٢٦ .

٢٧٩

تحت منبره : للّه أبوه ، ما أفصحه كاذبا ١ .

و نظير الأوّل عند الاعجاب ما في ( أمالي القالي ) : أن الحجاج كان ينشد قول مالك بن أسماء :

يا منزل الغيث من بعد ما قنطوا

و يا وليّ النعماء و المنن

يكون ما شئت ان يكون ، و ما

قدرت ألاّ يكون لم يكن

لو شئت إذ كان حبها عرضا

لم ترني وجهها و لم ترني

يا جارة الحي إذ كنت لي سكنا

إذ ليس بعض الجيران بالسكن

اذكر من جارتي و مجلسها

طرائفا من حديثها الحسن

و من حديث يزيدني مقة

ما لحديث الموموق من ثمن

ثم يقول : أحسن ، فضّ اللّه فاه ٢ .

« فوثب » زاد ابن ميثم « اليه » ٣ « القوم ليقتلوه فقال عليه السلام رويدا » رويدا تصغير الترخيم من « أروادا » و الأصل « أرودوه اروادا » أي : أمهلوه إمهالا .

و نظير ما رواه صاحب ( الغارات ) أنّ عليّا عليه السلام قال على المنبر : ما أحد جرت عليه المواسي إلاّ و قد أنزل اللّه فيه قرآنا ، فقام إليه رجل فقال : فما أنزل اللّه فيك يريد تكذيبه فقام الناس إليه يضربونه ؟ فقال عليه السلام دعوه و قال له :

أتقرأ سورة هود ؟ قال : نعم ، فقرأ قوله سبحانه أفمن كان على بيّنة من ربه و يتلوه شاهد منه ٤ . ثم قال : الذي كان على بيّنة من ربّه محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ،

و الشاهد الذي يتلوه أنا ٥ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) نقله عن المدائني ابن أبي الحديد في شرحه ٦ : ١٣٦ .

( ٢ ) لم أجده فيه .

( ٣ ) لم توجد لفظة « اليه » في نسختنا ٥ : ٤٤٦ .

( ٤ ) هود : ١٧ .

( ٥ ) لم يوجد في النسخة المطبوعة من الغارات لكن نقله عنه ابن أبي الحديد في شرحه ٢ : ٢٨٧ .

٢٨٠