بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٦

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 601

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 601
المشاهدات: 109013
تحميل: 4113


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 601 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 109013 / تحميل: 4113
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 6

مؤلف:
العربية

استقامة « طريق » أي : في عمله و مسلكه « فلا يسمعن فيه أقاويل » الظاهر كونه جمعا ثانيا لأقوال « الرجال » بأنّه كذا و كذا .

روى الكافي عنه عليه السلام قال : ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك منه ، و لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوء و أنت تجد لها في الخير محملا ١ .

« اما انه قد يرمي الرامي و يخطئ السهام » هو كالمثل .

و من أمثالهم « قرينك سهمك يخطئ و يصيب » ٢ و منها أيضا « رماه بنبله الصائب » قال لبيد :

فرميت القوم نبلا صائبا

ليس بالعضل و لا بالمفتعل ٣

و المراد أن أقاويل الرجال ليست دائما حقّا عن علم و عرفان ، بل تصدر كثيرا عن حدس و تخمين و سماع أخبار أراجيف ، و الغالب فيها الخطأ و الاشتباه ، فلا يجوز أن يدع عرفانه لأقاويل هكذا .

و قال ابن أبي الحديد كلامه عليه السلام خلاصة قوله تعالى : إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قوما بجهالة ٤ .

قلت : هو كما ترى ، فالآية في مقام ، و كلامه عليه السلام في مقام آخر ، فمفاد الآية عدم جواز الاعتماد على خبر الفاسق مطلقا و لو في حقّ من لا تعرفه ،

و مفاد كلامه عليه السلام عدم جواز قبول خبر المجاهيل على الثقات .

« و يحيل الكلام » هكذا في ( المصرية ) و لكن في ( الخطية ) « و يحيك الكلام » و كذا في ( ابن ميثم ) إلاّ أنّه قال : و روى « و يحيل » و أشار إلى نقل ابن أبي الحديد

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي ٢ : ٣٦٢ ح ٢ .

( ٢ ) أورده الميداني في مجمع الأمثال ٢ : ١٢٤ .

( ٣ ) أورده الميداني في مجمع الأمثال ١ : ٢٩٥ ، و الزمخشري في المستقصى ٢ : ١٠٣ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٧٢ . و الآية ٦ من سورة الحجرات .

٣٤١

فانه نقله « و يحيل » و لكن قال « و من الناس من يرويه و يحيك » و هو دليل على أن الراوندي أيضا نقله « و يحيك » فهو الصحيح ١ .

مع أنّ « و يحيل » من أحال ، و معناه أتى بالمحال لا يناسب ما بعده من قوله « و باطل ذلك يبور » لأن المحال كلّه باطل ، بخلاف « و يحيك » بالضم و الفتح من « حاك السيف و أحاك » أي اثره ، فان ما بعده معه في غاية المناسبة .

و مما يشهد لحيك الكلام و تأثيره ، أن الربيع بن زياد العبسي كان نديما للنعمان بن المنذر ، فدخل عليه لبيد بن ربيعة و كان الربيع ذم أعمام لبيد عند النعمان و منعه من إكرامهم ، فرأى الربيع يأكل مع النعمان ، فأنشأ ، انتصارا لأعمامه ، يقول للنعمان مع صغره :

مهلا أبيت اللعن لا تأكل معه

إنّ استه من برص ملمعه

و إنّه يدخل فيها إصبعه

يدخلها حتى يوارى أشجعه

كأنّه يطلب شيئا ضيّعه

فرفع النعمان يده من الطعام و قال للربيع : اكذاك أنت ؟ قال : لا ، و اللات كذب ابن الفاعلة ابعث من يفتشني . فقال له النعمان :

شرد برحلك عني و لا

تكثر علي و دع عنك الاباطيلا

فقد رميت بداء لست غاسله

ما جاور النيل يوما أهل ايليلا

قد قيل ذلك ، إن حقا و إن كذبا

فما اعتذارك من قيل إذا قيلا

« و باطل ذلك يبور » أي : يكسد و يفنى ، و هو نظير قوله تعالى : و مكر أولئك هو يبور ٢ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٧٣ ، و شرح ابن ميثم ٣ : ١٧٩ ، و استنتاج الشارح في غير مورده إذ لفظ شرح الراوندي ٢ : ٥٨ أيضا « يحيل » .

( ٢ ) فاطر : ١٠ .

٣٤٢

و قال ابن أبي الحديد : و هو من قوله تعالى : قل جاء الحقّ و زهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقا ١ و هو كما ترى .

« و اللّه سميع » لأقوال عباده « و شهيد » على أعمالهم ، فعليهم ألا يقولوا إلا الحقّ و لا يعملوا إلاّ الصالح .

« أما انّه ليس بين » الباطل و الحق هكذا في ( المصرية ) و الصواب : « بين الحق و الباطل » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٢ « إلا أربع أصابع » أنّث الأصبع هنا ، و قال الجوهري : يذكّر و يؤنّث ٣ .

« قال الشريف » هكذا في ( المصرية ) ، و الجملة زائدة فليست في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٤ .

« فسئل عن معنى قوله هذا » أي : ليس بين الحق و الباطل إلاّ أربع أصابع « فجمع أصابعه و وضعها بين اذنه و عينه ثم قال : الباطل أن تقول سمعت » لأن كثيرا من المسموعات لا حقيقة لها « و الحق أن تقول رأيت » بعيني ، بمعنى أنّه لا يجوز أن تخبر إلاّ بما تتيقن به ، إمّا برؤيتك و إمّا مثل رؤيتك ممّا اشتمل على الشواهد القطعية .

و ممّا يشهد لاتفاق كون قول ما لم تره بعينك باطلا ، ما في ( تاريخ الطبري ) في طي فتح قتيبة لبيكند أنّ مسلما الباهلي قال لو الان العدوي : إنّ عندي مالا أحب أن استودعكه . قال : أتريد أن يكون مكتوما أو لا ؟ قال : أريد أن يكون مكتوما قال : إبعث به مع رجل تثق به الى موضع كذا و كذا ، و مره اذا رأى رجلا في ذلك الموضع أن يضع ما معه و ينصرف ، قال : نعم ، فجعل مسلم

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٧٣ . و الآية ٨١ من سورة الاسراء .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٧٢ ، لكن في شرح ابن ميثم ٣ : ١٧٩ .

( ٣ ) صحاح اللغة ٣ : ١٢٤١ ، مادة ( صبع ) .

( ٤ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٧٢ ، و هكذا توجد في شرح ابن ميثم ٣ : ١٧٩ .

٣٤٣

المال في خرج ثم حمله على بغل ، و قال لمولى له : إنطلق بهذا البغل إلى موضع كذا و كذا ، فاذا رأيت رجلا جالسا فخلّ عن البغل و انصرف فانطلق الرجل بالبغل ، و قد كان و الان أتى الموضع لميعاده ، فأبطأ عليه رسول مسلم و مضى الوقت الذي وعده ، فظن أنّه قد بدا له فانصرف ، و جاء رجل من بني تغلب فجلس في ذلك الموضع ، و جاء مولى مسلم فرأى الرجل جالسا فخلّى عن البغل و رجع ، فقام التغلبي إلى البغل ، فلمّا رأى المال و لم ير مع البغل أحدا قاد البغل إلى منزله ، و أخذ المال ، و ظنّ مسلم أنّ المال قد صار إلى و الان ، فلم يسأل عنه حتى احتاج إليه فلقيه ، فقال ، مالي فقال : ما قبضت شيئا و لا لك عندي مال فكان مسلم يشكوه و يتنقصه ، فأتى يوما مجلس بني ضبيعة فشكاه ، و التغلبي جالس ، فقام إليه و خلا به ، و سأله عن المال ، فأخبره فانطلق به إلى منزله و أخرج الخرج فقال : أتعرفه ؟ قال : نعم ، قال : و الخاتم ؟ قال : نعم ،

قال : إقبض مالك و أخبره الخبر ، فكان مسلم يأتي الناس و القبائل التى كان يشكو إليهم من والان ، فيعذره و يخبرهم الخبر ١ .

و ما في ( وزراء هلال الصابي ) : أنّ المقتدر قلّد في سنة ( ٣٠١ ه ) علي بن عيسى وزارته بعد ابن الفرات و الخاقاني ، فعمد الى تخفيف المؤن و حذف الكلف و نقص الخرج و المضايقة في الجاري و الرزق ، و ردّ كثيرا مما وقّع به الخاقاني من الزيادات ، فأوحش بذلك خواص المقتدر ، و كثرت به السعاية عليه ، و الوقيعة فيه ، و شرعوا في إفساد أمره و تغيير رأي المقتدر فيه و ردّ ابن الفرات ، فعرف ذلك ، فبدأ بالاستعفاء ، و تحدّث في دار المقتدر أنّ ابن الفرات شديد العلة و اتفق أن مات هارون الشاري الذي كان محبوسا في دار السلطان ، و كان التدبير في أمر الشراة أن يكتم موت من يؤخذ من أئمتهم

ــــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٥ : ٢٢٠ ، سنة ٨٦ ، و النقل بتصرف يسير .

٣٤٤

لأنّهم لا يرون إقامة غيره و هو حي ، فأظهر أنّه ابن الفرات و كفّن و اخرجت جنازته على أنها جنازة ابن الفرات ، فصلّى عليه علي بن عيسى و انصرف موجعا إلى داره و قال لخواصه : اليوم ماتت الكتابة و مضت أيام ، و وقف علي بن عيسى على ان ابن الفرات حي ، و قد تمّ السعي له مع المقتدر ، فعجب و قال :

ما ينبغي لأحد أن يحدّث بكلّ ما يسمع و يصدق بجميع ما يخبر ١ .

هذا ، و في ( العقد الفريد ) : سأل علي بن أبي طالب عليه السلام ابنه الحسن عليه السلام كم بين الإيمان و اليقين ؟ قال أربع أصابع قال : و كيف ذلك ؟ قال : الإيمان كلّ ما سمعته اذناك و صدّقه قلبك ، و اليقين ما رأته عيناك فأيقن به قلبك ، و ليس بين العين و الاذنين إلاّ أربع أصابع ٢ .

و هو معنى آخر غير ما في العنوان ، لأن هذا في الفرق بين اليقين بشي‏ء من مشاهدته ، و الايمان بشي‏ء من سماعه و اعتقاد القلب به .

و لعلّه إشارة إلى قوله تعالى : كلاّ لو تعلمون علم اليقين . لتروّن الجحيم . ثمّ لترونّها عين اليقين ٣ بأن يكون علم اليقين : هو إيمان يحصل من السماع من رسل اللّه ، و عين اليقين : ما يشاهدونه في القيامة ، فيقولون هذا ما وعد الرحمن و صدق المرسلون .

٢

الحكمة ( ٣٠٠ ) وَ سُئِلَ ع كَيْفَ يُحَاسِبُ اَللَّهُ اَلْخَلْقَ عَلَى كَثْرَتِهِمْ فَقَالَ ع كَمَا يَرْزُقُهُمْ عَلَى كَثْرَتِهِمْ فَقِيلَ كَيْفَ يُحَاسِبُهُمْ وَ لاَ يَرَوْنَهُ

ــــــــــــــــــ

( ١ ) وزراء الصابي : ٣٠٦ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) العقد الفريد ٧ : ٢٦٠ .

( ٣ ) التكاثر : ١ ٧ .

٣٤٥

فَقَالَ ع كَمَا يَرْزُقُهُمْ وَ لاَ يَرَوْنَهُ أقول : كان السائل كما في ( العقد الفريد ) سلمان الفارسي ، ففيه : وقّع علي عليه السلام في كتاب سلمان الفارسي ، و سأله كيف يحاسب الناس يوم القيامة « يحاسبون كما يرزقون » ١ .

و نظير جوابه عليه السلام عن محاسبة الخلق في القيامة مع كثرتهم و عدم رؤيتهم له تعالى جوابه عليه السلام عن عدم انتهاء علوم القرآن كعدم نفاد ثمار الجنّة ، فروى المصنّف في خصائصه أن أسقف نجران قدم على عمر ، و سأله عن مسائل ، و عمر كان يحيله عليه عليه السلام ، و منها : أن الأسقف قال لعمر : أخبرني عن شي‏ء في أيدي أهل الدنيا شبيه بثمار أهل الجنّة ؟ فقال : سل الفتى ( يعنيه ) فقال عليه السلام : هو القرآن يجتمع أهل الدنيا عليه ، فيأخذون منه حاجتهم و لا ينقص منه شي‏ء و كذلك ثمار الجنّة . قال الأسقف : صدقت يا فتى ٢ .

و كذلك جوابه عليه السلام عن محل الجنان في القيامة ، ففي ( المناقب للسروي ) عن ( تفسير القطان ) عن وكيع عن الثوري عن السّدي قال : كنت عند عمر إذ أقبل كعب بن الأشرف ، و مالك بن صيفي ، وحي بن أخطب فقالوا : إن في كتابكم و جنّة عرضها السماوات و الأرض ٣ إذا كانت سعة جنّة واحدة كسبع سماوات و سبع أرضين ، فالجنان كلّها يوم القيامة أين تكون ؟ فقال عمر : لا أعلم ، فبينا هم في ذلك ، إذ دخل علي عليه السلام فقال : في أي شي‏ء أنتم ؟

فذكروا ، فقال : خبّروني عن النهار إذا أقبل الليل أين يكون ، و الليل إذا أقبل النهار أين يكون ؟ قالوا : في علم اللّه يكون قال عليه السلام : كذلك الجنان تكون في علم

ــــــــــــــــــ

( ١ ) العقد الفريد ٤ : ٢٥٦ .

( ٢ ) خصائص الرضي : ٦٧ .

( ٣ ) آل عمران : ١٣٣ .

٣٤٦

اللّه ، فجاء إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أخبره بذلك فنزل فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ١ .

و كذلك جوابه عليه السلام عن وجه الربّ سبحانه ، فقد روى ابن بابويه في ( توحيده ) عن سلمان الفارسي في خبر قدوم الجاثليق مع مائة من النصارى بعد وفاة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى أبي بكر ، و سؤاله عن مسائل عجز عن جوابها ، فأرشد إليه عليه السلام ، فكان فيما سأل أن قال : أخبرني عن وجه الربّ تعالى . فدعا عليه السلام بنار و حطب فأضرمه ، فلما اشتعلت قال له : أين وجه هذه النار ؟ قال الجاثليق : هي وجه من جميع حدودها . فقال عليه السلام : هذه النار مدبّرة مصنوعة ، لا يعرف وجهها ، و خالقها لا يشبهها ، و للّه المشرق و المغرب ، فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه لا يخفى على ربنا خافية ٢ .

و كذلك جوابه عليه السلام عن مثل سدرة المنتهى في الدنيا ، روى تذكرة سبط ابن الجوزي أن قيصر كتب إلى عمر كتابا سأله فيه عن مسائل ، فكتب علي عليه السلام جوابه : و أما الشجرة التي يسير الراكب في ظلّها مائة عام فشجرة طوبى ، و هي سدرة المنتهى في السماء السابعة ، إليها ينتهي أعمال بني آدم ،

و هي من أشجار الجنّة ، و ليس في الجنّة قصر ، و لا بيت إلاّ و فيه غصن من أغصانها ، و مثلها في الدنيا الشمس ، أصلها واحد و ضوؤها في كلّ مكان ٣ .

و كذلك جوابه عليه السلام عن مثل غذاء أهل الجنّة بلا مدفوع و مثل كون ألوان من طعامهم في وعاء واحد بلا اختلاط ، ففي الكتاب المتقدّم : و أما غذاء أهل الجنّة فمثلهم في الدنيا الجنين في بطن امّه ، فإنّه يتغذى من سرتها و لا يبول

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مناقب السروي ٢ : ٣٥٢ و الآية ٤٣ من سورة النحل .

( ٢ ) توحيد الصدوق : ١٨٢ ح ١٦ . بتصرف .

( ٣ ) تذكرة الخواص : ١٤٦ .

٣٤٧

و لا يتغوّط ، و اما الألوان في القصعة الواحدة فمثله في الدنيا البيضة فيها لو نان أبيض و أصفر و لا يختلطان ١ .

هذا ، و في ( ديوان معاني أبي هلال العسكري ) قال ثعلب : قلت لابن الأعرابي ، من أحمق الأعراب ؟ قال : أعرابي سبق الناس الى الموسم و جعل يدعو اللّه لحاله و شأنه و يقول : اللّهم اقض حاجاتي قبل أن يدهمك الوفد فقلت له : أفلا أدلك على أحمق منه الذي يقول :

خلق السماء و أرضه في ستّة

و أبوك يمدر حوضه في عام ٢

٣

الحكمة ( ٣٥٦ ) وَ قِيلَ لَهُ ع لَوْ سُدَّ عَلَى رَجُلٍ بَابُ بَيْتِهِ وَ تُرِكَ فِيهِ مِنْ أَيْنَ كَانَ يَأْتِيهِ رِزْقُهُ فَقَالَ مِنْ حَيْثُ يَأْتِيهِ أَجَلُهُ أقول : مصداق ما قاله عليه السلام من إتيان الرزق على من سدّ عليه باب بيته ، ما نقله الجاحظ في ( حيوانه ) ، عن أبي اليقظان ، و أبي عبيدة و المدائني : أنّ طاعونا جارفا جاء على أهل دار ، فلم يشكّ أهل تلك المحلّة أنّه لم يبق فيها صغير و لا كبير ، و قد كان فيها صبي يرتضع و يحبو و لا يقوم على رجليه ، فعمد من بقي من المطعونين من أهل تلك المحلة إلى باب تلك الدار فسدّه ، فلما كان بعد ذلك بأشهر تحوّل فيها بعض ورثة القوم ففتح الباب ، فلما أفضى إلى عرصة الدار إذا هو بصبي يلعب مع أجراء كلبة قد كانت لأهل الدار ، فراعه ذلك فلم يلبث أن أقبلت كلبة كانت لأهل الدار فلما رآها الصبي حبا إليها فأمكنته من اطبائها

ــــــــــــــــــ

( ١ ) تذكرة الخواص : ١٤٦ .

( ٢ ) ديوان المعاني ١ : ١٩٧ .

٣٤٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد السادس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

فمصّها ، فظنوا أن الصبي لمّا بقي في الدار ، و بقي منسيا ، و اشتدّ جوعه ، و رأى أجراءها تستقى من أطبائها ، حبا إليها ، فعطفت عليه ، فلما سقته مرة أدامت ذلك له و أدام هو الطلب ، و الذي ألهم هذا المولود مصّ ابهامه ساعة يولد من بطن امّه و لم يعرف كيفية الارتضاع هو الذي هداه إلى الارتضاع من أطباء الكلبة ١ .

و بالجملة ، الرزق كالأجل يأتي صاحبه أينما كان ، و لا يختصّ بالإنسان ،

بل يجري في كلّ ذي حياة ، فكما أعطاه الحياة يعطيه الرّزق ، قال تعالى :

و ما من دابّة في الأرض إلاّ على اللّه رزقها و يعلم مستقرّها و مستودعها كلّ في كتاب مبين ٢ . و في تفسير : القمي أتى بختنصر بعد قتل بني إسرائيل على دم يحيى بابل ، فبنى بها مدينة و حفر بئرا فألقى فيها دانيال و ألقى معه لبوة ، فجعلت اللبوة تأكل طين البئر و يشرب دانيال لبنها ، فلبث بذلك زمانا ، فأوحى تعالى إلى نبي كان ببيت المقدس أن اذهب بهذا الطعام و الشراب إلى دانيال و اقرأه منّي السلام . قال : و أين هو ؟ قال : في بئر ببابل في موضع كذا و كذا . فأتاه فاطلّع في البئر ، فقال : يا دانيال قال :

لبيك صوت غريب ، قال : إنّ ربّك يقرؤك السلام ، و قد بعث إليك بالطعام و الشراب فدلاّهما إليه ، فقال : الحمد للّه الذي من توكّل عليه كفاه ، الحمد للّه الذي لا ينسى من ذكره ، الحمد للّه الذي لا يخيّب من دعاه ، الحمد للّه الذي من وثق به لم يكله إلى غيره ، الحمد للّه الذي يجزي بالإحسان إحسانا ، الحمد للّه الذي يجزي بالصبر نجاة ، الحمد للّه الذي يكشف ضرّنا عند كربتنا ، الحمد للّه الذي هو ثقتنا حين تنقطع الحيل منّا ، الحمد للّه الذي هو رجاؤنا حين ساء ظننّا بأعمالنا .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الحيوان ٢ : ١٥٥ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) هود : ٦ .

٣٤٩

فأري بختنصر في منامه كأن رأسه من حديد و رجلاه من نحاس و صدره من ذهب ، فدعا المنجمين فقال لهم : ما رأيت ؟ فقال : أنا أجري عليكم الأرزاق منذ كذا و كذا و لا تدرون ما رأيت في المنام ، فأمر بهم فقتلوا ، فقال له بعض من كان عنده : ان كان عند أحد شي‏ء فعند صاحب الجبّ ، فإن اللبوة لم تتعرض له تأكل الطين و ترضعه ، فبعث إليه فقال : ما رأيت في المنام ؟ قال :

رأيت كأن رأسك من حديد و رجلاك من نحاس و صدرك من ذهب . قال : هكذا رأيت فما ذاك ؟ قال : ذهب ملكك و أنت مقتول إلى ثلاثة أيام ، يقتلك رجل من فارس الخبر ١ .

و في تفسير العياشي عن الصادق عليه السلام لما قال يوسف عليه السلام لفتى ظن أنّه ناج اذكرني عند ربك ، أتاه جبرئيل فضرب برجله حتى كشط له عن الأرض السابعة و قال له : أنظر ماذا ترى ؟ قال : أرى حجرا صغيرا ، ففلق الحجر ، فقال :

ماذا ترى ؟ قال : أرى دودة صغيرة . قال : فمن رازقها . قال : اللّه ، قال : فإن ربك يقول لم أنس هذه الدودة في تلك الحجر في قعر الأرض السابعة ، أظننت انّي أنساك حتى تقول للفتى : اذكرني عند ربك ٢ ، لتلبثنّ في السجن بمقالتك هذه بضع سنين ٣ .

هذا ، و المراد أنّه لو سدّ عليه ، و كان عمره باقيا يأتيه رزقه كأجله ، و ان لم يكن عمره باقيا يكون بالسد عليه موته كما اتفق لكثير .

و في ( معارف ابن قتيبة ) في أعشى قيس : كان أبوه يدعى قتيل الجوع ، و ذلك أنّه كان في جبل فدخل غارا فوقعت صخرة من الجبل فسدّت

ــــــــــــــــــ

( ١ ) تفسير القمي ١ : ٨٨ و ٨٩ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) يوسف : ٤٢ .

( ٣ ) تفسير العياشي ٢ : ١٧٧ ح ٢٧ .

٣٥٠

فم الغار ، فمات فيه جوعا ١ .

٤

الحكمة ( ٢٩٤ ) وَ قَدْ سُئِلَ عَنْ مَسَافَةِ مَا بَيْنَ اَلْمَشْرِقِ وَ اَلْمَغْرِبِ فَقَالَ ع مَسِيرَةُ يَوْمٍ لِلشَّمْسِ أقول : هكذا في ( المصرية ) و الصواب : « و قال عليه السلام و قد سئل عن مسافة ما بين المشرق و المغرب مسيرة يوم للشمس » فهكذا في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ، لكن مع زيادة « فقال » قبل « مسيرة يوم للشمس » لكن بعد قوله أولا « و قال » هي تأكيدية أو زائدة ٢ .

و كذا رواه قضايا القمي ، و رواه بيان الجاحظ مع زيادة فقال :

قيل لعلي عليه السلام كم بين السماء و الأرض ؟ فقال : دعوة مستجابة . فقالوا :

كم بين المشرق و المغرب ، قال : مسيرة يوم للشمس ، و من قال غير هذا فقد كذب ٣ .

و في خبر أن السائل له عمّا بين المشرق و المغرب ابن الكوّاء ٤ ، و روى غارات الثقفي أنّه عليه السلام سئل عمّا بين السماء و الأرض فقال : مدّ البصر و دعوة بذكر اللّه فيسمع ٥ .

و روى أنّه قيل له عليه السلام : ما طعم الماء ؟ فقال : طعم الحياة ٦ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) لم أجده في المعارف .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ١٩٩ ، لكن في شرح ابن ميثم ٥ : ٣٩٤ مثل المصرية .

( ٣ ) رواه القمي في عجائب أحكام أمير المؤمنين عليه السلام : ١٢٦ ، و الجاحظ في البيان و التبيين ٣ : ٢٥٣ .

( ٤ ) كما في الغارات ١ : ١٧٨ ، و مناقب السروي ٢ : ٣٨٣ .

( ٥ ) الغارات ١ : ١٨٠ .

( ٦ ) رواه السروي في مناقبه ٢ : ٣٨٣ .

٣٥١

و في ( الأغاني ) : أنشد البحتري من شعر أبي سهل بن نوبخت ، فجعل يحرّك رأسه فقيل له : ما تقول فيه ؟ فقال : هو يشبه مضغ الماء ليس له طعم و لا معنى ١ .

٥

الحكمة ( ٤٣٧ ) وَ سُئِلَ ع أَيُّهُمَا أَفْضَلُ اَلْعَدْلُ أَوِ اَلْجُودُ فَقَالَ ع اَلْعَدْلُ يَضَعُ اَلْأُمُورَ مَوَاضِعَهَا وَ اَلْجُودُ يُخْرِجُهَا مِنْ جِهَتِهَا وَ اَلْعَدْلُ سَائِسٌ عَامٌّ وَ اَلْجُودُ عَارِضٌ خَاصٌّ فَالْعَدْلُ أَفْضَلُهُمَا وَ أَشْرَفُهُمَا قول المصنف : « و سئل عليه السلام » زاد ( المصرية ) « منه » و هو غلط فليس في ( ابن ميثم و ابن أبي الحديد ) ٢ « ايّما » هكذا في النسخ ٣ و يحتمل كون الأصل فيه « أيّهما » « أفضل » مع كون كلّ منهما ذا فضيلة « العدل أو » بمعنى الواو « الجود » ؟ فقال عليه السلام العدل يضع الامور مواضعها » كما أن العدلين يجب أن يكونا في موضعهما « و الجود يخرجها » أي : يخرج الامور و المراد بها الأموال « من جهتها » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : « عن جهتها » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٤ .

« و العدل سائس » أي : مصلح « عامّ » للأموال و الأعمال و في جميع الأحوال « و الجود عارض خاص » يختص ببذل المال « فالعدل أفضلهما و أشرفهما » و ان كان الجود من الصفات الفاضلة و الشيم الشريفة ، حتى ورد أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اتي بأسارى فقدم رجل منهم ليضرب عنقه فقال له جبرئيل : إن

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الأغاني ٢١ : ٤٢ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ٢٠ : ٨٥ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ٤٥٣ .

( ٣ ) نهج البلاغة ٤ : ١٠٢ ، و شرح ابن أبي الحديد ٢٠ : ٨٥ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ٤٥٣ .

( ٤ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ٢٠ : ٨٥ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ٤٥٣ ، أيضا نحو المصرية .

٣٥٢

ربّك يقول إنّ أسيرك هذا يطعم الطعام ، و يقري الضيف ، و يصبر على النائبة ،

و يحمل الحمالات . فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : ان جبرئيل أخبرني فيك عن اللّه تعالى بكذا و كذا و قد اعتقتك ، فقال : و ان ربّك ليحبّ هذا ؟ فقال : نعم ، فقال : أشهد ألاّ إله إلاّ اللّه و أنّك رسول اللّه ، و الذي بعثك لا رددت عن مالي أحدا أبدا ١ ، الا اين هو من العدل الذي به قامت السماوات و الأرضون ، و هو أرفع من السماء و أوسع من الأرض .

و عن الصادق عليه السلام : العدل أحلى من الشهد ، و ألين من الزبد ، و أطيب ريحا من المسك .

و عنه عليه السلام : العدل أحلى من الماء يصيبه الظمآن ، ما أوسع العدل إذا عدل فيه ٢ .

هذا و روى الشيخ الطوسي في ( أماليه ) ، عن زيد بن علي عن أبيه قال :

سئل أمير المؤمنين عليه السلام : من أفصح الناس ؟ قال : المجيب المسكت عند بديهة السؤال ٣ .

٦

الحكمة ( ٣٢٠ ) وَ قَالَ ع لِسَائِلٍ سَأَلَهُ عَنْ مُعْضِلَةٍ سَلْ تَفَقُّهاً وَ لاَ تَسْأَلْ تَعَنُّتاً فَإِنَّ اَلْجَاهِلَ اَلْمُتَعَلِّمَ شَبِيهٌ بِالْعَالِمِ وَ إِنَّ اَلْعَالِمَ اَلْمُتَعَسِّفَ شَبِيهٌ بِالْجَاهِلِ اَلْمُتَعَنِّتِ قول المصنف : « و قال عليه السلام لسائل سأله عن معضلة » أي : مسألة شديدة

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه البرقي في المحاسن : ٣٨٨ ح ١٤ .

( ٢ ) أخرجهما الكليني في الكافي ٢ : ١٤٢ و ١٤٧ ح ١١ و ١٥ .

( ٣ ) أمالي أبي جعفر الطوسي ٢ : ٣١٤ المجلس ٢٢ .

٣٥٣

مشكلة ، و السائل كان ابن الكواء الخارجي . روى المصنف في ( خصائصه ) عن الأصبغ ان ابن الكواء و كان متعنّتا في المسائل قال له عليه السلام : خبّرني عن اللّه تعالى هل كلّم أحدا من ولد آدم قبل موسى ؟ فقال عليه السلام : قد كلّم اللّه جميع خلقه برّهم و فاجرهم ، و ردوا عليه الجواب . فثقل ذلك على ابن الكواء و لم يعرفه فقال : و كيف كان ذلك ؟ قال عليه السلام : أما تقرأ كتاب اللّه تعالى إذ يقول لنبيّنا :

و إذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم و أشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى ١ فقد أسمعهم كلامه و ردّوا عليه الجواب ، كما تسمع في قول اللّه يا ابن الكواء ٢ .

و عن ( صفوة الأخبار ) : قام ابن الكواء إليه عليه السلام فقال : اخبرني عن بصير بالليل بصير بالنهار ، و عن بصير بالنهار أعمى بالليل ، و عن بصير بالليل أعمى بالنّهار ؟ فقال عليه السلام له : سلّ عمّا يعنيك و دع ما لا يعنيك أما بصير بالليل بصير بالنهار فهذا رجل آمن بالرسل الذين مضوا ، و أدرك النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فآمن به فأبصر في ليله و نهاره ، و أما أعمى بالليل بصير بالنهار ، فرجل جحد الأنبياء الذين مضوا و الكتب و أدرك النبي فآمن به فعمى بالليل و أبصر بالنّهار ، و أما أعمى بالنّهار بصير بالليل فرجل آمن بالأنبياء و جحد النبي فأبصر بالليل و عمى بالنّهار ٣ .

قوله عليه السلام « سل تفقّها » أي : تفهما « و لا تسأل تعنّتا » أي : بإيقاع المسؤول في المشقّة و الزلّة .

روى أنّ ابن الكواء سأله عن قوله تعالى : و الذّاريات ذروا ٤

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الاعراف : ١٧٢ .

( ٢ ) خصائص الرضي : ٦٣ .

( ٣ ) نقله عنه المجلسي في البحار ٤٠ : ٢٣٨ ح ٤٥ .

( ٤ ) الذاريات : ١ .

٣٥٤

فقال عليه السلام له : إجلس فانّك متعنّت و لست بمتفقّه ، و لكن سلّ عمّا بدا لك إن شئت تعنتا و إن شئت تفقّها ، ويلك هي الرياح الخبر ١ .

« فان الجاهل المتعلّم شبيه بالعالم » حيث أن قصده التفقّه فيتعلّم فيصير عالما بما تعلّمه « و ان العالم المتعسّف » أي : الآخذ على غير الطريق « شبيه بالجاهل » حيث أن عمله نوع جهالة .

و زادت ( المصرية ) « المتعنّت » و هو غلط فليس في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٢ و لا معنى له ، فإن المراد تشبيه العالم المتعسف بالجاهل كتشبيه الجاهل المتعلم بالعالم .

في ( العقد الفريد ) : كان ابن سيرين إذا سئل عن مسألة فيها أغلوطة ، قال للسائل : أمسكها حتى تسأل عنها أخاك إبليس و فيه : سأل عمرو بن قيس ، مالك بن أنس عن محرم نزع نابي ثعلب ، فلم يرد عليه شيئا ٣ .

٧

الحكمة ( ٨٥ ) و قال عليه السلام :

مَنْ تَرَكَ قَوْلَ لاَ أَدْرِي أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهُ أقول : نسبه الجاحظ في ( بيانه ) و ابن قتيبة في ( عيونه ) إلى ابن عباس ، إلاّ أنّه نقل ذلك عنه عليه السلام قبل ذلك فلو ثبت أنّ ابن عباس قاله ، فلا بد انّه أخذه منه عليه السلام ٤ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) روى هذه المعنى القمي في تفسيره ٢ : ٣٢٧ ، و ابن كثير في تفسيره ٤ : ٢٣١ .

( ٢ ) توجد الزيادة في شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٢٣٢ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ٤٠٢ .

( ٣ ) العقد الفريد ٢ : ٧٨ .

( ٤ ) البيان و التبيين ١ : ٤٠٩ و ٢ : ٩٧ ، و عيون ابن قتيبة ٢ : ١٢٥ .

٣٥٥

و كيف كان ، فمقاتل الإنسان المواضع التي إذا أصيبت قتلته ، فهو جمع المقتل لا المقتول ، و في الخبر مقتل الرجل بين فكيه ١ .

و ادّعى كثير أنّه يدري كلّ شي‏ء فافتضح و أصيبت مقاتله ، و منهم مقاتل ، ففي ( العقد الفريد ) قال مقاتل و قد دخلته أبهة العلم : سلوني عمّا تحت العرش إلى أسفل من الثرى . فقام إليه رجل و قال : ما نسألك عمّا تحت العرش و لا أسفل من الثرى ، و لكن نسألك عمّا كان في الأرض ، و ذكره اللّه في كتابه ،

أخبرني عن كلب أهل الكهف ما كان لونه ؟ فأفحمه و قال آخر : فسئل عن نملة سليمان ، ذكرا كانت أم انثى ؟ فلم يدر و أفحم و فيه أيضا قال قتادة : ما سمعت شيئا قط و لا حفظت شيئا قط فنسيته ،

ثم قال : يا غلام هات نعلي ، فقال هما في رجليك ٢ .

و في ( عيون ابن قتيبة ) قال الخليل : الرجال أربعة : رجل يدري ، و يدري أنّه يدري فسلوه ، و رجل يدري و لا يدري أنّه يدري فذاك ناس فذكّروه ، و رجل لا يدري و يدري أنّه لا يدري فذاك مسترشد فعلّموه ، و رجل لا يدري و لا يدري أنّه لا يدري فذاك جاهل فارفضوه ٣ .

و قال ابن أبي الحديد : جاءت امرأة إلى بزرجمهر فسألته عن مسألة فقال : لا أدري فقالت : أ يعطيك الملك كلّ سنة كذا و كذا و تقول لا أدري ، فقال إنّما يعطيني الملك على ما أدري ، و لو أعطاني على ما لا أدري لما كفاني بيت ماله ٤ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) ليس هذا بحديث بل مثل أورده الميداني في مجمع الأمثال ٢ : ٢٦٥ ، الزمخشري في المستقصي ٢ : ٣٤٦ .

( ٢ ) العقد الفريد ٢ : ٧٣ و ٧٤ ، و تاريخ بغداد ١٣ : ٧٦ .

( ٣ ) عيون ابن قتيبة ٢ : ١٢٦ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٣٦ .

٣٥٦

٨

الحكمة ( ٣٦٤ ) و قال عليه السلام :

لاَ تَسْأَلْ عَمَّا لاَ يَكُونُ فَفِي اَلَّذِي قَدْ كَانَ لَكَ شُغُلٌ أقول : هكذا في ( المصرية ) و نسخة ( ابن ميثم ) و لكن في ( ابن أبي الحديد و الخطية ) : « لا تسأل عمّا لم يكن » ١ .

و كيف كان ، ففي ( بيان الجاحظ ) قال ابن أبي الزناد : كنت كاتبا لعمر بن عبد العزيز ، و كان يكتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب في المظالم ، و كان عبد الحميد يراجعه و يسأله عمّا لا معنى له ،

فكتب إليه : إنّه يخيّل إلي أني لو كتبت إليك أن تعطي رجلا شاة ، لكتبت إلي أضأن أم ماعز ، و إن كتبت إليك بأحدهما كتبت إلي أذكر أو انثى ، فإن كتبت إليك بأحدهما كتبت إلي صغير أم كبير ، فإذا أتاك كتابي في مظلمة فلا تراجعني ٢ و في ( البيان ) أيضا : كتب المنصور إلى سلم ، يأمره بهدم دور من خرج مع إبراهيم و عقر نخلهم ، فكتب إليه سلم : بأي ذلك نبدأ بالدور أم بالنخل ؟

فكتب المنصور إليه : إنّي لو كتبت إليك بإفساد ثمرهم لكتبت إلي تستأذنني بأية نبدأ بالبرني أم بالشهريز ؟ ٣ .

و من السؤال عمّا لم يكن ، الاشتغال بتعلّم فنون لا حقيقة لها و لا معنوية ، كأكثر مباحث المتأخّرين : نظير بحثهم عن أصالة الوجود أم الماهية ، و هل الوضع و الموضوع له في أسماء الأشارات خاصّ أم عامّ ، و هل الوضع

ــــــــــــــــــ

( ١ ) كذا في شرح ابن ميثم ٥ : ٤١٩ ، و شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٢٨٢ .

( ٢ ) البيان و التبيين ٢ : ٣١٤ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٣ ) البيان و التبيين ٢ : ٣١٧ .

٣٥٧

للصحيح أو الأعم ؟ و كذا كثير من مباحث الفن الذي سمّوه بأصول الفقه الذي أصله من أبي حنيفة ، و قد قال شريك ، أن أبا حنيفة أعلم الناس بما لا يكون و أجهلهم بما يكون ١ .

هذا و قال ابن أبي الحديد بعد العنوان : من هذا الباب قول أبي الطيب في سيف الدولة :

ليس المدائح تستوفي مناقبه

فمن كليب و أهل عصر الأول

خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به

في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل ٢

و قال ابن ميثم بعد العنوان : أمر عليه السلام بالسلو ، عمّا لا يكون من زيادة رزق و نحوه من المطالب الدنيوية ، بما قد كان و وقع من المطالب التي أعطيها الإنسان ، ٣ و كلّ منهما كما ترى .

٩

الحكمة ( ٢٤٣ ) و قال عليه السلام :

إِذَا اِزْدَحَمَ اَلْجَوَابُ خَفِيَ اَلصَّوَابُ أقول : و قالوا اللغط يوجب الغلط .

و في ( معجم الحموي ) عن ( أمالي جحظة ) ، قال العتابي : لو سكت من لا يعلم عمّا لا يعلم ، سقط الاختلاف .

و فيه : قال المأمون لهاشمي رفع صوته على آخر : الصواب : في الأسدّ لا الأشد ٤ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه الجاحظ في البيان و التبيين ٢ : ٢٨٢ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ٢٨٢ .

( ٣ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٤١٨ .

( ٤ ) معجم الأدباء ١٧ : ٢٨ ، و لم أجد الثاني فيه .

٣٥٨

١٠

الحكمة ( ٢٦٦ ) و سأله رجل أن يعرّفه الإيمان فقال عليه السلام :

إِذَا كَانَ اَلْغَدُ فَأْتِنِي حَتَّى أُخْبِرَكَ عَلَى أَسْمَاعِ اَلنَّاسِ فَإِنْ نَسِيتَ مَقَالَتِي حَفِظَهَا عَلَيْكَ غَيْرُكَ فَإِنَّ اَلْكَلاَمَ كَالشَّارِدَةِ يَثْقَفُهَا هَذَا وَ يُخْطِئُهَا هَذَا و قد ذكرنا ما أجابه به فيما تقدّم من هذا الباب ، و هو قوله « الايمان على أربع شعب » . قول المصنف : « و سأله رجل » هكذا في ( المصرية ) و في ( ابن ميثم و الخطية ) ، و لكن في نسخة ( ابن أبي الحديد ) « و قال عليه السلام حين سأله رجل » ١ .

« أن يعرّفه الإيمان » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : « ما الايمان » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٢ .

« فقال عليه السلام إذا كان الغد » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : « غد » بدون اللام كما في ( ابن ميثم و ابن أبي الحديد و الخطية ) ، و لكن ابن أبي الحديد جوّز « غد » بالرفع ، لكون « كان » تامّة و « غدا » بالنصب لكون « كان » ناقصة ٣ .

قلت : الصواب : كون « كان » تامّة ، لعدم وجود اسم و خبر له ، و المعنى إذا وجد غد ، و كون « غد » بالضم بلا تنوين لأن المراد غد يوم السؤال ، و لو نوّن يكون نكرة يشمل كلّ غد .

« فأتني حتى أخبرك على أسماع » بالفتح : جمع سمع « النّاس » حين يجتمعون عنده فيسمعون كلّ ما قاله عليه السلام « فان نسيت مقالتي » في حقيقة

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ١٥٤ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ٣٧٩ .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ١٥٤ ، لكن في شرح ابن ميثم ٥ : ٣٧٩ مثل المصرية .

( ٣ ) المصدر السابق .

٣٥٩

الإيمان « حفظها عليك غيرك » حتى لا يذهب جوابه عليه السلام هدرا ، و لذا قال الصادق عليه السلام كما روى الكافي لأبي بصير : اكتبوا فانكم لا تحفظون حتى تكتبوا ١ .

« فان الكلام كالشاردة » أي : كالدابّة الشاردة ، قال ابن دريد : شرد البعير إذا ذهب على وجهه نافرا ، و قواف شوارد أي تشرد في البلاد كما يشرد البعير ٢ .

« ينقفها » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : « يثقفها » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٣ بمعنى يجدها و يظفر بها ، قال تعالى : فإما تثقفنّهم في الحرب ٤ ، و أما النقف و هو كسر الهامة عن الدماغ فلا مناسبة له هنا .

« هذا و يخطئها » و لا يقف عليه « هذا » فلا قاعدة فيمن يجدها و من لا يجدها .

« و قد ذكرنا ما أجابه » هكذا في ( المصرية ) و فيها سقط فزاد ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٥ بعده « عليه السلام » « به فيما تقدم من هذا الباب » أي :

الباب الثالث « و هو قوله » هكذا في ( المصرية ) ، و فيها ايضا سقط فزاد ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٦ بعده « عليه السلام » « الإيمان على أربع شعب » الخ في العنوان الثلاثين لكن فيه « على أربع دعائم » لا شعب .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي ١ : ٥٢ ح ٩ .

( ٢ ) جمهرة اللغة ٢ : ٢٤٦ .

( ٣ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ١٥٤ ، لكن في شرح ابن ميثم ٥ : ٣٧٩ مثل المصرية .

( ٤ ) الانفال : ٥٧ .

( ٥ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ١٥٤ ، لكن في شرح ابن ميثم ٥ : ٣٧٩ مثل المصرية .

( ٦ ) لم توجد الزيادة في شرح ابن أبي الحديد ١٩ : ١٥٤ و شرح ابن ميثم ٥ : ٣٧٩ .

٣٦٠