بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٦

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 601

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 601
المشاهدات: 108968
تحميل: 4112


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 601 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 108968 / تحميل: 4112
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 6

مؤلف:
العربية

الفصل الرابع عشر في زهده عليه السلام و إعراضه عن الدّنيا و عدله و تواضعه و فيه ذكر الحقوق

٣٦١

١

الخطبة ( ٢٠٩ ) و من كلام له عليه السلام بالبصرة ، و قد دخل على العلاء بن زياد الحارثي ،

و هو من أصحابه يعوده ، فلما رأى سعة داره قال :

مَا كُنْتَ تَصْنَعُ بِسِعَةِ هَذِهِ اَلدَّارِ فِي اَلدُّنْيَا أَمَا أَنْتَ إِلَيْهَا فِي اَلْآخِرَةِ كُنْتَ أَحْوَجَ وَ بَلَى إِنْ شِئْتَ بَلَغْتَ بِهَا اَلْآخِرَةَ تَقْرِي فِيهَا اَلضَّيْفَ وَ تَصِلُ فِيهَا اَلرَّحِمَ وَ تُطْلِعُ مِنْهَا اَلْحُقُوقَ مَطَالِعَهَا فَإِذاً أَنْتَ قَدْ بَلَغْتَ بِهَا اَلْآخِرَةَ فَقَالَ لَهُ ؟ اَلْعَلاَءُ ؟ يَا ؟ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ ؟ أَشْكُو إِلَيْكَ أَخِي ؟ عَاصِمَ بْنَ زِيَادٍ ؟ قَالَ وَ مَا لَهُ قَالَ لَبِسَ اَلْعَبَاءَةَ وَ تَخَلَّى عَنِ اَلدُّنْيَا قَالَ عَلَيَّ بِهِ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ يَا عُدَيَّ نَفْسِهِ لَقَدِ اِسْتَهَامَ بِكَ اَلْخَبِيثُ أَ مَا رَحِمْتَ أَهْلَكَ وَ وَلَدَكَ أَ تَرَى اَللَّهَ أَحَلَّ لَكَ اَلطَّيِّبَاتِ وَ هُوَ يَكْرَهُ أَنْ تَأْخُذَهَا أَنْتَ أَهْوَنُ عَلَى اَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ قَالَ يَا ؟ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ ؟ هَذَا أَنْتَ فِي خُشُونَةِ مَلْبَسِكَ وَ جُشُوبَةِ مَأْكَلِكَ قَالَ وَيْحَكَ إِنِّي لَسْتُ كَأَنْتَ إِنَّ اَللَّهَ فَرَضَ عَلَى أَئِمَّةِ اَلْعَدْلِ

٣٦٢

أَنْ يُقَدِّرُوا أَنْفُسَهُمْ بِضَعَفَةِ اَلنَّاسِ كَيْلاَ يَتَبَيَّغَ بِالْفَقِيرِ فَقْرُهُ قال ابن أبي الحديد : الذي رويته عن الشيوخ و رأيته بخط ابن الخشاب أنّ الربيع بن زياد الحارثي أصابته نشابة في جبينه ، فكانت تنتقض عليه في كلّ عام ، فأتاه علي عليه السلام عائدا فقال له : كيف تجدك ؟ قال : أجدني لو كان لا يذهب ما بي إلاّ بذهاب بصري لتمنّيت ذهابه قال : و ما قيمة بصرك عندك ؟ قال : لو كانت لي الدنيا لفديته بها قال : لا جرم ليعطينك اللّه على قدر ذلك ، إن اللّه تعالى يعطي على قدر المصيبة و عنده تضعيف كثير .

قال الربيع : أشكو إليك عاصم بن زياد أخي . قال : ماله ؟ قال : لبس العباء و ترك الملاء و غم أهله و حزن ولده . فقال عليه السلام : ادعو لي عاصما ، فلما أتاه عبّس في وجهه ، و قال : ويحك يا عاصم أترى اللّه أباح لك اللذّات و هو يكره ما أخذت منها ؟ لأنت أهون على اللّه من ذلك ، أو ما سمعته يقول مرج البحرين يلتقيان و قال : يخرج منهما اللؤلؤ و المرجان ١ و قال : و من كلّ تأكلون لحما طريا و تستخرجون حلية تلبسونها ٢ ، اما و اللّه ابتذال نعم اللّه بالفعال ،

أحبّ إليه من ابتذالها بالمقال ، و قد سمعتم اللّه يقول : و أمّا بنعمة ربّك فحدّث ٣ و يقول : من حرّم زينة اللّه التي أخرج لعباده و الطّيبات من الرّزق ٤ إن اللّه تعالى خاطب المؤمنين بما خاطب به المرسلين فقال : يا أيّها الذين آمنوا كلوا من طيّبات ما رزقناكم ٥ و قال : يا أيّها الرّسل كلوا

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الرحمن : ١٩ و ٢٣ .

( ٢ ) فاطر : ١٢ .

( ٣ ) الضحى : ١١ .

( ٤ ) الاعراف : ٣٢ .

( ٥ ) البقرة : ١٧٢ .

٣٦٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد السادس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

من الطيّبات و اعملوا صالحا ١ و قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لبعض نسائه : مالي أراك شعثاء مرهاء سلتاء قال عاصم : فلم اقتصرت يا أمير المؤمنين على لبس الخشن و أكل الجشب ؟ قال : إنّ اللّه افترض على أئمة العدل أن يقدّروا لأنفسهم كيلا يتبيّغ بالفقير فقره فما قام علي عليه السلام حتى نزع عاصم العباء و لبس ملاءه . . ٢ .

قلت : لا ريب ان من دخل أمير المؤمنين عليه السلام عليه يعوده ، الربيع ابن زياد الحارثي ، لا العلاء بن زياد ، كما قال المصنف ، فقد اتّفقت الخاصّة و العامّة على جعل الربيع صاحبه عليه السلام في ذلك . رواه ابن عبد ربه في ( عقده ) و سبط ابن الجوزي في ( تذكرته ) و الكليني في ( كافيه ) .

رواه الأول مثل ابن أبي الحديد ٣ ، و قال الثاني جاء الربيع بن زياد الحارثي إلى علي عليه السلام فقال : أعد لي على أخي عاصم فقال عليه السلام : ما باله ؟

فقال : لبس العباء و تنسك و هجر أهله فقال : علي به ، فجاء و قد ائتزر بعباءة و ارتدى بأخرى اشعث أغبر فقال له : ويحك يا عاصم أما استحييت من أهلك ، أما رحمت ولدك ، ألم تسمع إلى قوله تعالى : و يحلّ لهم الطيبات ٤ أترى اللّه أباحها لك و لأمثالك ، و هو يكره أن تنال منها ، أما سمعت قول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ان لنفسك عليك حقّا فقال عاصم : فما بالك في خشونة ملبسك و جشوبة مطعمك و إنّما تزييت بزيّك ؟ فقال : ويحك إنّ اللّه فرض على أئمة الحقّ أن يتّصفوا بأوصاف رعيتهم أو بأفقر رعيتهم لئلا يزدري

ــــــــــــــــــ

( ١ ) المؤمنون : ٥١ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٣٥ .

( ٣ ) العقد الفريد ٢ : ١٨١ .

( ٤ ) الاعراف : ١٥٧ .

٣٦٤

الفقير بفقره و ليحمد اللّه الغني على غناه ١ .

و قال الثالث في كتاب ( حجّة الكافي ) : روى علي بن محمد عن صالح بن أبي حماد و عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمد و غيرهما بأسانيد مختلفة في احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام على عاصم بن زياد حين لبس العباء و ترك الملاء و شكاه أخوه الربيع إليه عليه السلام ، فلما رآه عبّس في وجهه فقال له : أما استحييت من أهلك ، أما رحمت ولدك أترى اللّه أحل لك الطيبات و هو يكره أخذك منها ، أنت أهون على اللّه من ذلك أو ليس اللّه يقول : مرج البحرين إلى يخرج منهما اللؤلؤ و المرجان ٢ ، فباللّه لابتذال نعم اللّه بالفعال أحب إليه من ابتذالها بالمقال ، و قد قال تعالى : و أما بنعمة ربك فحدّث ٣ . فقال عاصم :

فعلى ما اقتصرت في مطعمك على الجشوبة ؟ فقال : ويحك إنّ اللّه تعالى فرض على أئمة العدل الخ ٤ .

هذا ، و في ( فتوح البلاذري ) : لما توجّه عبد اللّه بن عامر في سنة ( ٣٠ ) إلى خراسان وجّه الربيع بن زياد الحارثي إلى سجستان ، فسار الربيع حتى أتى رستاق زالق حصن على خمسة فراسخ من سجستان فأغار على أهله في يوم مهرجان ، فأخذ دهقانه ، فافتدى نفسه بأن ركز عنزته ثم غمرها ذهبا و فضة و صالح الدهقان على حقن دمه إلى أن قال ثم حاصر الربيع مدينة زرنج فبعث إليه مرزبانها يستأمنه ليصالحه ، فأمر بجسد من أجساد القتلى فوضع له فجلس عليه و اتكأ على آخر ، و أجلس أصحابه على القتلى و كان آدم أخوه طويلا فلما رآه المرزبان هاله فصالحه على ألف وصيف ، مع كل

ــــــــــــــــــ

( ١ ) تذكرة الخواص : ١١١ .

( ٢ ) الرحمن : ١٩ ٢٢ .

( ٣ ) الضحى : ١١ .

( ٤ ) الكافي ١١ : ٤١٠ ح ٣ ، و النقل بتلخيص .

٣٦٥

وصيف جام من ذهب إلى أن قال و أتى القريتين و هناك مربط فرس رستم فقاتلوه فظفر بهم ١ .

و في ( الأسد ) : قال عمر دلوني على رجل إذا كان في القوم أميرا فكأنّه ليس بأمير ، و إذا كان في القوم و ليس بأمير فكأنّه أمير بعينه . فقالوا : ما نعرف إلاّ الربيع بن زياد ، قال : صدقتم ، و استعمله زياد لمّا كان على الكوفة و البصرة من قبل معاوية على خراسان ، و كان لا يكتب إلى زياد إلاّ في اختيار منفعة أو دفع مضرة ، و لا كان في موكب قط فتقدّمت دابّته على دابّة من إلى جانبه و لا مسّ ركبته ركبته .

و قال ابن حبيب : كتب زياد الى الربيع أنّ معاوية يأمرك أن تحرز الصفراء و البيضاء و تقسّم ما سوى ذلك فكتب اليه الربيع : إنّي وجدت كتاب اللّه قبل كتاب معاوية ، و نادى في الناس : ان اغدوا على غنائمكم ، فأخذ الخمس و قسّم الباقي على المسلمين و دعا اللّه أن يميته فما جمّع حتى مات ، قال : و مر أن هذا القول قاله الحكم بن عمرو الغفاري ، و أما الربيع فانّه لمّا أتاه مقتل حجر بن عدي قال : اللّهمّ إن كان للربيع عندك خير فاقبضه ، فلم يبرح من مجلسه حتّى مات ٢ .

قول المصنف : « و قد دخل على العلاء بن زياد الحارثي و هو من أصحابه » كما أن جعل المصنف دخوله عليه السلام على العلاء و هم ، كما عرفت من الاتفاق على كون دخوله عليه السلام على الربيع كذلك كون العلاء من أصحابه عليه السلام فكان من مبغضيه ، ففي غارات الثقفي عن إسماعيل بن حكيم عن أبي مسعود الجريري قال : كان ثلاثة من أهل البصرة يتواصلون على بغض علي ، و هم :

ــــــــــــــــــ

( ١ ) فتوح البلدان : ٣٨٥ و ٣٨٦ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) اسد الغابة ٢ : ١٦٤ و النقل بتصرف يسير .

٣٦٦

مطرف بن عبد اللّه بن الشخير ، و العلاء بن زياد ، و عبد اللّه بن شقيق ١ .

و من الغريب ان ابن أبي الحديد قال : و أما العلاء بن زياد الّذي ذكره الرضي فلا أعرفه ، لعلّ غيري يعرفه ، مع أنّه نقل الخبر في موضع آخر . كما أنّ من العجيب أن ابن ميثم مع أنّه رأي كلام ابن أبي الحديد لم يقل شيئا في كلام المصنف بنفي و لا إثبات ٢ .

« يعوده » العيادة إحدى حقوق المسلّم على أخيه ، و كان عليه السلام إذا مرض أحد أصحابه يعوده . روى الكشي أن صعصعة مرض فعاده عليه السلام و قال له : لا تتخذ عيادتي لك أبّهة على قومك فقال صعصعة : بلى و اللّه أعدّها منّة من اللّه علي و فضلا ، فقال عليه السلام له : إن كنت ما علمتك لخفيف المؤنة حسن المعونة .

فقال صعصعة له عليه السلام : و أنت و اللّه ما علمتك إلاّ باللّه عليما و بالمؤمنين رؤفا رحيما . و في خبر : و كان اللّه في صدرك عظيما ٣ .

و في ( كامل المبرد ) : دخل علي عليه السلام على الحرب بن رويم يعود ابنه يزيد ، فقال له : عندي جارية لطيفة الخدمة أبعث بها إليك فسماها يزيد لطيفة ٤ .

« فلما رأى سعة داره » روى ( الكافي ) : أنّ رجلا من الأنصار شكا إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ان الدور قد اكتنفته ، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : ارفع صوتك ما استطعت و سل اللّه أن يوسّع عليك .

و قال صلّى اللّه عليه و آله : من سعادة المرء المسلم المسكن الواسع .

و عن أبي جعفر عليه السلام : من شقاء العيش ضيق المنزل .

و عن أبي الحسن عليه السلام : فضل العيش سعة المنزل ، و كثرة المحبّين .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الغارات ٢ : ٥٥٧ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٣٧ و ٤ : ٩٤ ، و شرح ابن ميثم ٤ : ١٧ .

( ٣ ) اختيار معرفة الرجال : ٦٧ ح ١٢١ .

( ٤ ) كامل المبرد ٨ : ٤٤ .

٣٦٧

و عن أبي عبد اللّه عليه السلام : ثلاثة للمؤمن فيها راحة : دار واسعة توارى عورته و سوء حاله من الناس ، و أمرأة صالحة تعينه على أمر الدنيا و الآخرة ،

و ابنة أو أخت يخرجها من منزله إمّا بموت أو بتزويج .

و روى أنّ أبا الحسن عليه السلام قال لمولى له : منزلك ضيق ، فاشترى له دارا و أمره بالتحوّل إليها فقال : إنّ هذه الدار قد أحدثها أبي ، فقال عليه السلام : إن كان أبوك أحمق ينبغي أن تكون مثله ١ .

« قال : ما كنت تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا ، اما أنت في الآخرة كنت أحوج » هكذا في ( المصرية و ابن أبي الحديد ) ، و لكن في ( ابن ميثم ) « ما أنت إليها في الآخرة أحوج » و نسب « اما أنت إليها في الآخرة أحوج » إلى رواية ٢ ،

و الظاهر أنّه أشار إلى نقل ابن أبي الحديد مع أن الأصح نقله لكون نسخة الرضي عنده ، و حينئذ فان « ما » في الكلام بمعنى ما دام ، قال تعالى : و إنّ الدار الآخرة لهي الحيوان ٣ .

« و بلى إن شئت بلغت بها الآخرة » الدنيا إذا كانت مقدّمة للآخرة ممدوحة ،

و إنّما كانت مذمومة إذا كانت منظورة من حيث هي .

« تقري فيها الضيف » عن ( أخبار زمان المسعودي ) : إنّ اللّه تعالى أوحي إلى ابراهيم عليه السلام أنّك لمّا سلّمت مالك للضيفان ، و ولدك للقربان ، و نفسك للنيران و قلبك للرحمن اتخذناك خليلا ٤ .

و في ( الكافي ) عن عبد اللّه بن محمد الجعفري : أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله كان في بعض مغازيه ، فمرّ به ركب و هو يصلي ، فوقفوا على أصحابه و سائلوهم عنه

ــــــــــــــــــ

( ١ ) هذه الاحاديث أخرجها الكليني في الكافي ٦ : ٥٢٥ و ٥٢٦ ح ٢ ٨ .

( ٢ ) كذا في شرح ابن ميثم ٤ : ١٧ ، و الفظ ابن أبي الحديد ١١ : ٣٢ ، « و أنت إليها » .

( ٣ ) العنكبوت : ٦٤ .

( ٤ ) نقله عنه الحر العاملي في الجواهر السنية : ٢٣ .

٣٦٨

و دعوا و أثنوا و قالوا : لو لا أنّا عجال لا نتظرناه ، فاقرأوه منّا السلام و مضوا ،

فلما انصرف من صلاته قال لهم : يقف عليكم الركب و يسألونكم عني و يبلغوني السلام ، و لا تعرضون عليهم الغداء ليعزّ علي قوم فيهم خليلي جعفر أن يجوزوه حتى يتغدّوا عنده .

و عن عبد الرحمن بن الحجاج : أكلنا مع أبي عبد اللّه عليه السلام فأوتينا بقصعة من ارزّ فجعلنا نعذر فقال : ما صنعتم شيئا ، إنّ أشدّكم حبّا لنا أحسنكم أكلا عندنا ، فرفعت كسحة المائدة فأكلت ، فقال : نعم ، الآن ، و أنشأ يحدّثنا أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله أهدي إليه قصعة أرزّ من ناحية الأنصار فدعا سلمان و أباذر و المقداد ، فجعلوا يعذرون في الأكل فقال ما صنعتم شيئا أشدّكم حبّا لنا أحسنكم أكلا عندنا ، فجعلوا يأكلون اكلا جيدا ، ثمّ قال أبو عبد اللّه عليه السلام رحمهم اللّه ، و رضي عنهم ، و صلّى عليهم .

و عن الباقر عليه السلام : ممّا علّم النبي صلّى اللّه عليه و آله عليا عليه السلام و عن الصادق عليه السلام ممّا علّم النبي فاطمة عليها السلام من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فليكرم ضيفه .

و عن الصادق عليه السلام : إنّ يعقوب كان له مناد ينادي كلّ غداة من منزله على فرسخ : ألا من أراد الغداء فليأت إلى منزل يعقوب و إذا أمسى ينادي : ألا من أراد العشاء فليأت إلى منزل يعقوب عليه السلام ١ « و تصل فيها الرحم » قال تعالى : و اتقوا اللّه الّذي تساءلون به و الارحام ان اللّه كان عليكم رقيبا ٢ .

و في ( الكافي ) عن النبي صلّى اللّه عليه و آله : أوصي الشاهد من أمتي ، و الغائب منهم و من في اصلاب الرجال و ارحام النساء إلى يوم القيامة ، أن يصل الرحم و ان

ــــــــــــــــــ

( ١ ) هذه الاحاديث أخرجها الكليني في الكافي ٦ : ٢٧٥ ح ١ و ٢٧٨ ح ٢ و ٢٨٥ ح ١ و ٢ و ٢٨٧ ح ١ .

( ٢ ) النساء : ١ .

٣٦٩

كانت منه على مسيرة سنة ، فإنّ ذلك من الدّين ١ .

و عن مولاة أبي عبد اللّه عليه السلام قالت : كنت عنده عليه السلام حين وفاته ، فأغمي عليه فلما أفاق قال : اعطوا الحسن بن علي بن الحسين و هو الأفطس سبعين دينارا ، فقلت : أتعطي رجلا حمل عليك بالشفرة قال : تريدين ألاّ أكون من الّذين قال تعالى : الذين يصلون ما أمر اللّه به أن يوصل و يخشون ربهم و يخافون سوء الحساب ٢ إنّ اللّه خلق الجنة و طيّب ريحها و أنّها لتوجد من مسيرة ألفي عام ، و لا يجد ريحها عاقّ و لا قاطع رحم ٣ و عنه عليه السلام : إنّ القوم ليكونون فجرة فيصلون أرحامهم فتنمى أموالهم و تطول أعمارهم ، فكيف إذا كانوا بررة ٤ .

« و تطلع منها الحقوق مطالعها » ، عن الصادق عليه السلام : من منع درهما في حقّ أنفق درهمين في غير حقّه ، و من منع حقّا في ماله طوّقه اللّه به حيّة من نار يوم القيامة و عنه عليه السلام يقول إبليس : ما أعياني في ابن آدم فلن يعيين منه واحدة من ثلاث : أخذ ماله من غير حلّه ، أو منعه من حقّه ، أو وضعه في غير وجهه .

و عن الباقر عليه السلام : يبعث يوم القيامة ناس مشدودة أيديهم إلى أعناقهم ،

معهم ملائكة يعيّرونهم يقولون : هؤلاء الذين منعوا خيرا قليلا من خير كثير ،

هؤلاء الذين أعطاهم اللّه فمنعوا حقّ اللّه في أموالهم ٥ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي ٢ : ١٥١ ح ٥ .

( ٢ ) الرعد : ٢١ .

( ٣ ) الكافي ٧ : ٥٥ ح ١٠ ، و النقل بتلخيص .

( ٤ ) الكافي ٢ : ١٥٥ ح ٢١ ، و النقل بتلخيص .

( ٥ ) أخرج الحديث الاول و الاخير الكليني في الكافي ٣ : ٥٠٤ و ٥٠٦ ح ٧ و ٢٢ ، و أخرج الثاني الصدوق في الخصال ١ : ١٣٢ ح ١٤١.

٣٧٠

« فاذا أنت قد بلغت بها » أي : بتلك الدار « الآخرة » لأنّه جعلها وسيلة تحصيلها .

« فقال له العلاء » قد عرفت أن الصواب « الربيع » « يا أمير المؤمنين أشكو إليك أخي عاصم بن زياد » و كان للربيع أخ آخر غير عاصم ، مهاجر بن زياد قتل في كور الأهواز أيام عمر ، استقتل صائما ، فشكاه الربيع أيضا إلى أميرهم أبي موسى . ففي ( فتوح البلاذري ) : سار أبو موسى إلى مناذر فحاصر أهلها فاشتدّ قتالهم ، فكان المهاجر بن زياد الحارثي أخو الربيع في الجيش ، فأراد أن يشري نفسه و كان صائما فقال الربيع لأبي موسى : إنّ المهاجر عزم على ان يشري نفسه و هو صائم ، فقال أبو موسى : عزمت على كل صائم أن يفطر أو لا يخرج إلى القتال ، فشرب المهاجر شربة ماء و قال : قد أبررت عزمة أميري ، و اللّه ما شربتها من عطش ، ثم راح في السلاح فقاتل حتى استشهد ،

و أخذ أهل مناذر رأسه و نصبوه على قصرهم بين شرفتين ١ .

« قال : و ما له ؟ قال : لبس العباءة » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : « العباء » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٢ « و تخلّى عن الدنيا » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : « من الدنيا » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٣ .

« قال عليَّ به فلما جاء قال : يا عدّي » تصغير عدوّ « نفسه لقد استهام بك » أي :

جعلك هائما متحيرا « الخبيث » أي : الشيطان فأضلّك بهذا الطريق . فقالوا عليهم السلام :

ليس منا من ترك دنياه لآخرته ، كمن ترك آخرته لدنياه ٤ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) فتوح البلدان : ٣٧٠ .

( ٢ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٣٢ ، لكن في شرح ابن ميثم ٤ : ١٦ ، نحو المصرية .

( ٣ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٣٢ ، لكن في شرح ابن ميثم ٤ : ١٦ ، نحو المصرية .

( ٤ ) يبعد هذا ان يكون لفظ حديث ، نعم ، هذا المضمون جاء في أخبار كثيرة نقل بعضها المجلسي في البحار ٧٠ : ١١٣ ، باب ٥١ .

٣٧١

و سأل الصادق عليه السلام عن رجل ، فقيل صالح ، و لكنه ترك التجارة ،

فقال عليه السلام ثلاثا عمل الشيطان ، أما علم أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله اشترى عيرا أتت من الشام فاستفضل فيها ما قضي دينه و قسّم في قرابته ١ .

هذا ، و في ( الأغاني ) بعد ذكر توبة أبي العتاهية قال مخارق المغني :

تشوقته فأتيته فاستأذنت عليه فأذن لي ، فدخلت فاذا هو قد أخذ قوصرتين و ثقب إحداهما و أدخل رأسه و يديه فيها و أقامها مقام القميص و ثقب أخرى و أخرج رجليه منها و أقامها مقام السراويل ، فلما رأيته نسيت كل ما كان عندي من الغمّ عليه ، و الوحشة لعشرته ، و ضحكت و اللّه ضحكا ما ضحكت مثله قط ، فقال : من أي شي‏ء تضحك ؟ فقلت : أسخن اللّه عينك ، هذا أي شي‏ء هو ،

من بلّغك عنه أنّه فعل مثل هذا من الأنبياء و الزهّاد و الصحابة و المجانين ،

إنزع هذا عنك يا سخين العين فكأنه استحى منّي ٢ .

« أ ما رحمت أهلك و ولدك » ، روى الخطيب : أن زيد بن صوحان كان يقوم الليل و يصوم النّهار ، و إذا كانت ليلة الجمعة أحياها ، فان كان ليكرهها إذا جاءت مما كان يلقي فيها ، فبلغ سلمان ما كان يصنع ، فأتاه فقال : اين زيد ؟ قالت أمرأته : ليس هاهنا . قال : فإنّي أقسم عليك لمّا صنعت طعاما ، و لبست محاسن ثيابك ، ثمّ بعثت إلى زيد . فجاء زيد فقرب الطعام ، فقال سلمان : كل يا زيد . قال :

إنّي صائم ، قال : كل يا زيد ، لا ينقص دينك ، إنّ شر السير الحقحقة ، إنّ لعينك عليك حقا ، و إن لبدنك عليك حقّا ، و إنّ لزوجتك عليك حقّا ، كل يا زيد فأكل و ترك ما كان يصنع ٣ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه الكليني في الكافي ٥ : ٧٥ ح ٨ .

( ٢ ) الأغاني ٤ : ١٠٨ .

( ٣ ) تاريخ بغداد ٨ : ٤٣٩ .

٣٧٢

و في ( الاستيعاب ) : روى أبو جحيفة أن سلمان جاء يزور أبا الدرداء ، فرأى امّ الدرداء مبتذلة فقال : ما شأنك ؟ قالت له : إنّ أخاك ليس له حاجة في شي‏ء من الدنيا ، فلما جاء أبو الدرداء رحّب بسلمان و قرب له طعاما فقال سلمان :

اطعم قال إنّي صائم ، قال : أقسمت عليك أنّي لست بآكل حتّى تطعم ، و بات عند أبي الدرداء ، فلما كان الليل قام أبو الدرداء ، فحبسه سلمان و قال له : إنّ لربك عليك حقا و إنّ لجسدك عليك حقّا فأعط لكلّ ذي حقّ حقّه ، فلما كان وجه للصبح قال : قم الآن . فقاما فصلّيا ثم خرجا إلى الصلاة ، فلمّا صلّى النبي صلّى اللّه عليه و آله قام إليه أبو الدرداء و أخبره بما قال سلمان ، فقال النبي : مثل ما قال سلمان ١ .

« أ ترى اللّه أحلّ لك الطيبات » قل أحلّ لكم الطيبات ٢ اليوم أحلّ لكم الطيبات ٣ كلوا ممّا في الأرض حلالا طيبا ٤ .

« و هو يكره أن تأخذها » كيف و قد قال : لا تحرّموا طيبات ما أحلّ اللّه لكم و لا تعتدوا إنّ اللّه لا يحب المعتدين . و كلوا ممّا رزقكم اللّه حلالا طيبا ٥ .

و روى الكافي : أنّه عليه السلام بعث ابن عباس إلى ابن الكواء و أصحابه و عليه قميص رقيق و حلّة ، فلما نظروا إليه قالوا له : أنت خيرنا في أنفسنا ،

و أنت تلبس هذا اللباس ؟ فقال : و هذا أول ما أخاصمكم فيه قل من حرم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده و الطيبات من الرزق ٦ و قال تعالى :

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الاستيعاب ٢ : ٢٦٠ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) المائدة : ٤ .

( ٣ ) المائدة : ٥ .

( ٤ ) البقرة : ١٦٨ .

( ٥ ) المائدة : ٨٧ و ٨٨ .

( ٦ ) الاعراف : ٣٢ .

٣٧٣

خذوا زينتكم عند كلّ مسجد ١ .

و روى أنّ سفيان الثوري : مرّ على الصادق عليه السلام في المسجد الحرام و عليه ثياب كثيرة القيمة حسان ، فقال : و اللّه لآتينّه و لأوبّخنّه ، فدنا منه فقال : ما لبس النبي عليه السلام مثل هذا اللباس و لا علي عليه السلام و لا أحد من آبائك ، فقال عليه السلام له :

كان النبي في زمان قتر مقتر ، و كان يأخذ لقتره و إقتاره ، و إنّ الدنيا بعد ذلك أرخت عز اليها ، فأحقّ أهلها بها أبرارها ، ثم تلا عليه السلام : قل من حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده و الطيّبات من الرزق ٢ و نحن أحق من أخذ منها ما أعطاه اللّه ، غير أنّي يا ثوري ما ترى علي من ثوب إنّما ألبسه للناس ثمّ اجتذب يد سفيان فجرّها إليه ثمّ رفع الثوب الأعلى و أخرج ثوبا تحت ذلك على جلدة غليظا فقال : هذا ألبسه لنفسي و ما رأيته للناس ، ثم جذب ثوبا على سفيان اعلاه غليظ خشن و داخل ذلك ثوب لين ، فقال : لبست هذا الأعلى للناس و لبست هذا لنفسك تسترها و روى أيضا : أنّ الصادق عليه السلام بينا هو في الطواف إذا بعبّاد بن كثير البصري يجذب ثوبه ، و قال : تلبس مثل هذه الثياب و أنت في هذا الموضع مع المكان الّذي أنت فيه من علي عليه السلام . فقال عليه السلام : ثوب فرقبي اشتريته بدينار ،

و كان علي عليه السلام في زمان يستقيم له ما لبس فيه ، و لو لبست مثل ذلك اللباس في زماننا لقال الناس : هذا مراء مثل عباد ٣ .

« أنت اهون على اللّه من ذلك » بأن يخصك كالأنبياء و الأئمة عليهم السلام بترك لذائذ الدنيا مع حلّيتها لحكم كما يأتي في كلامه عليه السلام .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الاعراف : ٣١ .

( ٢ ) الاعراف : ٣٢ .

( ٣ ) هذه الأحاديث أخرجها الكليني في الكافي ٤ : ٤٤١ ٤٤٣ ح ٦ و ٨ و ٩ .

٣٧٤

في ( تاريخ الطبري ) : أنّ عبد اللّه بن أبي السمط قال : إنّ المأمون لا يبصر الشعر . فقال له عمارة بن عقيل : و من ذا يكون أعلم به منه ، ننشده أول البيت فيسبقنا إلى آخره فقال : أنشدته بيتا أجدت فيه فلم أره تحرّك له ، فقال له : و ما الّذي أنشدته ؟ قال : أنشدته :

اضحى امام الهدى المأمون مشتغلا

بالدين و الناس بالدنيا مشاغيل

فقال له : إنّك و اللّه ما صنعت شيئا و هل زدت على أن جعلته عجوزا في محرابها في يدها سبحتها ، فمن القائم بأمر الدنيا إذا تشاغل عنها ، و هو المطوّق بها ، هلاّ قلت فيه كما قال عمك جرير في عبد العزيز بن الوليد :

فلا هو في الدنيا مضيع نصيبه

و لا عرض الدنيا عن الدين شاغله

فقال الآن علمت أنّي أخطأت ١ .

« قال : يا أمير المؤمنين هذا أنت في خشونة ملبسك و جشوبة مأكلك » قال الجوهري : طعام جشب أي : غليظ ، و يقال هو الّذي لا أدم معه ٢ .

روى ( المناقب ) عن الأشعث العبدي قال : رأيت عليا عليه السلام اغتسل في الفرات يوم جمعة ثم ابتاع قميصا كرابيس بثلاثة دراهم ، فصلّى بالناس الجمعة و ما خيط جربانه بعد و روى عن جندب : أنّ عليّا عليه السلام قدم إليه لحم غثّ ، فقيل له نجعل لك فيه سمنا ، فقال عليه السلام : إنّا لا نأكل أدامين جميعا و اجتمع عنده عليه السلام في يوم عيد أطعمة فقال : إجعلها بأجا و خلط بعضها ببعض فصارت كلمته عليه السلام مثلا ٣ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٧ : ٢٢٠ ، سنة ٢١٨ .

( ٢ ) صحاح اللغة ١ : ٩٩ ، مادة ( جشب ) .

( ٣ ) مناقب السروي ٢ : ٩٦ و ٩٩ .

٣٧٥

« قال عليه السلام : ويحك إنّي لست كأنت » فلكلّ وظيفة « إنّ اللّه فرض على أئمة العدل » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : ما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) « إنّ اللّه تعالى فرض على أئمة الحقّ » ١ « أن يقدّروا أنفسهم بضعفة الناس كيلا يتبيّغ » من تبيغ الدم به أي : هاج ، قال الجوهري : و قيل أصل تبيّغ بغي فقلب مثل جبذ و جذب ٢ « بالفقير فقره » فينكر على اللّه تعالى ، و يهلك .

٢

الخطبة ( ١٦٠ ) وَ اَللَّهِ لَقَدْ رَقَّعْتُ مِدْرَعَتِي هَذِهِ حَتَّى اِسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَاقِعِهَا وَ لَقَدْ قَالَ لِي قَائِلٌ أَ لاَ تَنْبِذُهَا عَنْكَ فَقُلْتُ اُعْزُبْ عَنِّي فَعِنْدَ اَلصَّبَاحِ يَحْمَدُ اَلْقَوْمُ اَلسُّرَى أقول : رواه ( أمالي الصدوق ) عن الدقاق عن محمد بن الحسن عن محمد بن الحسين عن محمد بن محسن عن المفضل عن الصادق عن آبائه عليهم السلام عنه عليه السلام مع زيادات هكذا : قال عليه السلام : و اللّه ما دنياكم عندي إلاّ كسفر على منهل حلو ، إذ صاح بهم سائقهم فارتحلوا ، و لا لذاذتها في عيني إلاّ كحميم أشربه غساقا و علقم أتجرّعه زعاقا و سم افعى أسقاه دهاقا ، و قلادة من نار أوهقها خناقا ، و لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها و قال لي : اقذف بها قذف الاتن لا يرتضيها ليرقعها ، فقلت له : « أعزب عنّي فعند الصباح يحمد القوم السرى » ، و تنجلي عنهم علالات الكرى ، و لو شئت لتسربلت بالعبقري المنقوش من ديباجكم و لأكلت لباب هذا البرّ بصدور دجاجكم ، و لشربت الماء الزلال برقيق زجاجكم ، و لكنّي أصدّق اللّه جلّت عظمته حيث يقول : من كان

ــــــــــــــــــ

( ١ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٣٢ ، لكن في شرح ابن ميثم ٤ : ١٦ ، مثل المصرية .

( ٢ ) صحاح اللغة ٤ : ١٣١٧ ، مادة ( بوغ ) .

٣٧٦

يريد الحياة الدنيا و زينتها نوفّ إليهم أعمالهم فيها و هم فيها لا يبخسون .

اولئك الّذين ليس لهم في الآخرة إلاّ النّار ١ .

« و اللّه لقد رقعت مدرعتي هذه » في ( جمل المفيد ) : روى أبو مخنف أنّه عليه السلام لمّا أراد التوجه من البصرة قام فيهم فقال : ما تنقمون عليّ يا أهل البصرة : و اللّه إنّهما و اشار إلى قميصه و ردائه لمن غزل أهلي ، ما تنقمون منّي يا أهل البصرة : و اللّه ما هي و اشار إلى صرّة في يده إلاّ من غلتي بالمدينة ، فان أنا خرجت من عندكم بأكثر مما ترون فأنا عند اللّه من الخائنين . ثم خرج و شيّعه الناس ٢ .

و قال ابن أبي الحديد : انه عليه السلام كان يطوف الأسواق مؤتزرا بأزار مرتديا برداء و معه الدّرة كأنّه إعرابيّ بدوي ، فطاف مرّة حتى بلغ سوق الكرابيس فقال لواحد : بعني قميصا قيمته ثلاثة دراهم ، فلما عرفه لم يشتر منه شيئا ثم أتى آخر ، فلما عرفه لم يشتر منه شيئا ، فأتى غلاما حدثا فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم ، فلما جاء أبوه ، اخبروه فأخذ درهما ثم جاء إليه عليه السلام و قال له : إنّ القميص الّذي باعك ابني كان يساوي درهمين ، فلم يأخذ عليه السلام الدرهم و قال : باعني رضاي و أخذ رضاه .

و قال : و عن أبي النوار بائع الخام بالكوفة ، قال : جاءني علي عليه السلام إلى السوق و معه غلام له و هو خليفة ، فاشترى منّي قميصين و قال لغلامه : اختر أيّهما شئت ، فأخذ أحدهما و أخذ علي عليه السلام الآخر ، ثم لبسه و مدّ يده فوجد كمّه فاضلة ، قال : إقطع الفاضل ، فقطعه ثم كفّه و ذهب .

و عن الصمال بن عمير قال : رأيت قميص علي عليه السلام الّذي أصيب فيه

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أمالي الصدوق : ٤٩٥ ح ٧ ، المجلس ٩٠ . و الآيات ١٥ و ١٦ من سورة هود .

( ٢ ) الجمل : ٢٢٤ .

٣٧٧

و هو كرابيس سبيلاني ، و رأيت دمه سال عليه كالدردي .

و قال أحمد بن حنبل : لمّا أرسل عثمان إلى علي عليه السلام وجدوه مؤتزرا بعباءة محتجزا بعقال و هو يهنأ بعيرا له ١ .

« حتى استحييت من راقعها » و للحمدوني في طيلسان مرقوع :

طيلسان رفوته و رفوت

الرفو منه حتى رفوت رقاعه

فاطاع البلى و صار حليقا

ليس يعطى الرفا على الرفو طاعه

« و لقد قال لي قائل أ لا تنبذها » أي : تطرحها « فقلت : اعزب » أي : أبعد بضم الهمزة و كسرها « عنّي فعند الصباح يحمد القوم السرى » أي : السير بالليل . و قد عرفت من مستنده أن بعده « و تنجلي عنهم علالات الكرى » و كلاهما شعر جاء مثلا لتعب آخره راحة طويلة ، و لا يعلم الأصل في المثل ، و ربع في الشعر فقيل :

يا نفس قومي بي فقد نام الورى

إن تفعلي خيرا فذو العرش يرى

و أنت يا عين دعي عنك الكرى

عند الصباح يحمد القوم السرى

و لكن قال العسكري : هو في شعر للخيم يقول فيه :

تسألني عن بعلها أي فتى

خب جبان و إذا جاع بكى

لا خطب القوم و لا القوم سقى

و لا ركاب القوم إذا ضاعت بغا

كأنه غرارة ملأ خشى

لما رأى الرمل و فيران الغضى

بكا و قال هل ترون ما أرى

أليس للسير الطويل منقضى

قلت اعرى صاحبى إلا بلا

عند الصباح يحمد القوم السرى

و تنقضي عنهم غيابات الكرى ٢

و قال في ( أمثال الكرماني ) : قال المفضل : بعث أبو بكر إلى خالد بن

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٢٣٥ و ٢٣٦ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) جمهرة الامثال للعسكري : ١٤٠ .

٣٧٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد السادس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

الوليد و هو باليمامة أن سر إلى العراق ، فأراد سلوك المفازة فقال له رافع الطائي : قد سلكتها في الجاهلية هي خمس للابل الواردة و لا أظنّك تقدر عليها إلاّ أن تحمل من الماء ، فاشترى ماه شارف فعطشها ثمّ سقاها الماء حتى رويت ، ثم كبتها و كعم أفواهها ، ثم سلك المفازة حتى إذ مضي يومان و خاف العطش على الناس و الخيل ، و خشي أن يذهب ما في بطون الإبل ، نحر الإبل فاستخرج ما في بطونها من الماء فسقى الناس و الخيل و مضى ، فلما كان في الليلة الرابعة قال رافع : أنظروا هل ترون سدرا عظاما ؟ فان رأيتموها و إلاّ فهو الهلاك فنظروا فرأوا فأخبروه ، فكبّر و كبّر الناس ثم هجموا على الماء ، فقال خالد :

للّه درّ رافع أنّى اهتدى

فوزّ من قراقر إلى سوى

خمسا إذا ساربه الجيش بكى

ما سارها من قبله ليس يرى

عند الصباح يحمد القوم السرى

و تنجلي عنهم غيابات الكرى ١

و قريب من المثل قولهم « التمر في البئر » ٢ يعني : ما لم تستق من البئر للنخيل ، لم تصر صاحب التمر .

و من أمثالهم في السّرى و الصباح قولهم : « إذا سمعت بسرى القين فاعلم أنّه مصبح » . قال الكرماني ، قال الأصمعي : أصله أن القين بالبادية ينتقل في مياههم ، فيقيم بالموضع أياما ، فيكسد عليه عمله ، ثم يقول لأهل الماء : إني راحل عنكم الليلة ، و إن لم يرد ذلك ، و لكنه يشيعه ليستعمله من يريد استعماله ،

فكثر ذلك من قوله حتى صار لا يصدق ٣ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مجمع الامثال ٢ : ٣ .

( ٢ ) أورده الميداني في مجمع الامثال ١ : ١٣٧ ، و الزمخشري في المستقصى ١ : ٣٠٧ .

( ٣ ) مجمع الامثال ١ : ٤١ .

٣٧٩

عن ( تفسير الثعلبي ) : قال جعفر بن محمّد عليه السلام : رأى النبي صلّى اللّه عليه و آله فاطمة عليها السلام و عليها كساء من جلة الإبل و هي تطحن بيدها و ترضع ولدها ،

فدمعت عينا النبي فقال : يا بنتاه تعجّلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة . فقالت :

الحمد للّه على نعمائه و الشكر للّه على آلائه ، فأنزل تعالى : و لسوف يعطيك ربك فترضى ١ .

هذا ، و في السير ، أن المعتز ولّى يعقوب بن الليث ، و علي بن شبل ،

كرمان ليغلب أحدهما الآخر ، فأقبل يعقوب و طوق بن المغلس من قبل ابن شبل إلى كرمان و لم يقاتلا ، و ارتحل يعقوب بعد شهرين و أظهر الارتحال إلى سجستان ، فقعد طوق للأكل و الشرب و الملاهي ، و إذا هو بيعقوب قد رفع طوى مرحلتين في يوم ، ففر أصحاب طوق و أسر طوق ، فنزع يعقوب خفّه ،

فتساقط منه كسر خبز يابسة ، فقال لطوق : هذا خفّي لم أنزعه منذ شهرين من رجلي ، و خبزي فيه آكل منه ، و أنت جالس في الشراب و قال أبو تمام :

رب خفض تحت السّرى و غناء

من عناء و نضرة من شحوب

إذا شام الفتى برق المعالي

فأهون فائت طيب الرقاد

أيضا :

فليس بياض المجد إلاّ لمكتس

سواد الليالي ساهرا غير راقد

و كم ليلة راعيت فيها فراقدا

لكسب على فوق السها و الفراقد

و ذكروا ، أن بقابس منارا كبيرا ، يحدو به الحادي ، إذا ورد من مصر يقول :

يا قوم لا نوم و لا قرارا

حتى نرى قابس و المنارا

ــــــــــــــــــ

( ١ ) نقله عن تفسير ثعلبي ، و تفسير القشيري السروي في مناقبه ٣ : ٣٤٢ . و الآية ٥ من سورة الضحى .

٣٨٠