بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٦

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 601

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 601
المشاهدات: 108963
تحميل: 4111


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 601 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 108963 / تحميل: 4111
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 6

مؤلف:
العربية

و قال عمر بن أبي ربيعة :

و من أجل ذات الخال أعملت ناقتي

أكلفها سير الكلال مع الظلع

و من أجل ذات الخال أحببت منزلا

تحلّ به لا ذا صديق و لا زرع

هذا ، و في دار السلام عن زين العابدين السلماسي : رأيت في الطيف بيتا عاليا له باب كبير و على جدرانه مسامير من الذهب ، فسألت عن صاحبه فقيل لي : إنّه للسيد محسن الكاظمي و هو صاحب الوسائل و الوافي فتعجّبت و قلت : داره في الكاظمية صغيرة حقيرة ضيّقة الباب و الفناء ، فمن أين اوتي هذا البناء ؟ قالوا : لمّا دخل من ذاك الباب الحقير أعطاه اللّه تعالى هذا البيت العالي الكبير قال : و كان بيته في غاية الحقارة ، و لم يكن له ما يضع سراجه فيه ، فكان يوقد الشمعة على الطابوق و المدر ١ .

٣

الحكمة ( ١٠٣ ) وَ قَدْ رُئِيَ عَلَيْهِ إِزَارٌ خَلَقٌ مَرْقُوعٌ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ يَخْشَعُ لَهُ اَلْقَلْبُ وَ تَذِلُّ بِهِ اَلنَّفْسُ وَ يَقْتَدِي بِهِ اَلْمُؤْمِنُونَ أقول : رواه أحمد بن حنبل في ( فضائله ) هكذا : قيل لعليّ عليه السلام : لم ترقّع قميصك ؟ قال : ليخشع القلب ، و يقتدي بي المؤمنون ٢ .

روى أبو نعيم في ( حليته ) ، عن زيد بن وهب قال : قدم على علي عليه السلام وفد من أهل البصرة فيهم خارجي ، فعاتب عليا عليه السلام في لبوسه فقال : مالك و لبوسي ، ان لبوسي أبعد من الكبر ٣ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) دار السلام ٢ : ٢١٣ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) رواه عنه السبط في تذكرة الخواص : ١١٣ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٣ ) أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء ١ : ٨٢ ، و الحاكم في المستدرك ٣ : ١٤٣ ، و أحمد في الفضائل ، عنه ينابيع المودة : ٢١٧ .

٣٨١

٤

من الكتاب ( ٤٥ ) و من هذا الكتاب و هو آخره :

إِلَيْكِ عَنِّي يَا دُنْيَا فَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ قَدِ اِنْسَلَلْتُ مِنْ مَخَالِبِكِ وَ أَفْلَتُّ مِنْ حَبَائِلِكِ وَ اِجْتَنَبْتُ اَلذَّهَابَ فِي مَدَاحِضِكِ أَيْنَ اَلْقَوْمُ اَلَّذِينَ غَرَرْتِهِمْ بِمَدَاعِبِكِ أَيْنَ اَلْأُمَمُ اَلَّذِينَ فَتَنْتِهِمْ بِزَخَارِفِكِ هَا هُمْ رَهَائِنُ اَلْقُبُورِ وَ مَضَامِينُ اَللُّحُودِ وَ اَللَّهِ لَوْ كُنْتِ شَخْصاً مَرْئِيّاً وَ قَالَباً حِسِّيّاً لَأَقَمْتُ عَلَيْكِ حُدُودَ اَللَّهِ فِي عِبَادٍ غَرَرْتِهِمْ بِالْأَمَانِيِّ وَ أُمَمٍ أَلْقَيْتِهِمْ فِي اَلْمَهَاوِي وَ مُلُوكٍ أَسْلَمْتِهِمْ إِلَى اَلتَّلَفِ وَ أَوْرَدْتِهِمْ مَوَارِدَ اَلْبَلاَءِ إِذْ لاَ وِرْدَ وَ لاَ صَدَرَ هَيْهَاتَ مَنْ وَطِئَ دَحْضَكِ زَلِقَ وَ مَنْ رَكِبَ لُجَجَكِ غَرِقَ وَ مَنِ اِزْوَرَّ عَنْ حَبَائِلِكِ وُفِّقَ وَ اَلسَّالِمُ مِنْكِ لاَ يُبَالِي إِنْ ضَاقَ بِهِ مُنَاخُهُ وَ اَلدُّنْيَا عِنْدَهُ كَيَوْمٍ حَانَ اِنْسِلاَخُهُ اُعْزُبِي عَنِّي فَوَاللَّهِ لاَ أَذِلُّ لَكِ فَتَسْتَذِلِّينِي وَ لاَ أَسْلَسُ لَكِ فَتَقُودِينِي وَ اَيْمُ اَللَّهِ يَمِيناً أَسْتَثْنِي فِيهَا بِمَشِيئَةِ اَللَّهِ لَأَرُوضَنَّ نَفْسِي رِيَاضَةً تَهِشُّ مَعَهَا إِلَى اَلْقُرْصِ إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهِ مَطْعُوماً وَ تَقْنَعُ بِالْمِلْحِ مَأْدُوماً وَ لَأَدَعَنَّ مُقْلَتِي كَعَيْنِ مَاءٍ نَضَبَ مَعِينُهَا مُسْتَفْرِغَةً دُمُوعَهَا أَ تَمْتَلِئُ اَلسَّائِمَةُ مِنْ رِعْيِهَا فَتَبْرُكَ وَ تَشْبَعُ اَلرَّبِيضَةُ مِنْ عُشْبِهَا فَتَرْبِضَ وَ يَأْكُلُ ؟ عَلِيٌّ ؟ مِنْ زَادِهِ فَيَهْجَعَ قَرَّتْ إِذاً عَيْنُهُ إِذَا اِقْتَدَى بَعْدَ اَلسِّنِينَ اَلْمُتَطَاوِلَةِ بِالْبَهِيمَةِ اَلْهَامِلَةِ وَ اَلسَّائِمَةِ اَلْمَرْعِيَّةِ طُوبَى لِنَفْسٍ أَدَّتْ إِلَى رَبِّهَا فَرْضَهَا وَ عَرَكَتْ بِجَنْبِهَا بُؤْسَهَا وَ هَجَرَتْ فِي اَللَّيْلِ غُمْضَهَا حَتَّى إِذَا غَلَبَ اَلْكَرَى عَلَيْهَا اِفْتَرَشَتْ أَرْضَهَا وَ تَوَسَّدَتْ كَفَّهَا فِي مَعْشَرٍ أَسْهَرَ عُيُونَهُمْ خَوْفُ مَعَادِهِمْ وَ تَجَافَتْ عَنْ مَضَاجِعِهِمْ جُنُوبُهُمْ وَ هَمْهَمَتْ بِذِكْرِ رَبِّهِمْ شِفَاهُهُمْ وَ تَقَشَّعَتْ بِطُولِ اِسْتِغْفَارِهِمْ ذُنُوبُهُمْ

٣٨٢

أُولئِكَ حِزْبُ اَللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اَللَّهِ هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ ٤٩ ٥٧ ٥٨ : ٢٢ قول المصنف : « و من هذا الكتاب و هو آخره » هكذا في ( المصرية ) أخذا من ( ابن أبي الحديد ) لكنّه ليس في ( ابن ميثم ) ١ و نسخته بخط المصنف .

قوله عليه السلام « إليك » أي : أمسكي « عنّي يا دنيا فحبلك على غاربك » الغارب ما بين سنام الإبل و عنقها ، شبّه عليه السلام في هذه الفقرة حاله مع الدنيا بامرأة غير موافقة ، طلّقها زوجها و أجرى صيغة طلاقها ، فالفقرة من كنايات الطلاق عند العرب ، و أصله أنّ الناقة إذا رعت و عليها الخطام لم يهنها شي‏ء .

« قد انسللت » أي : خرجت خفيفة « من مخالبك » و المخالب للسباع كالأظفار للانسان . شبّه عليه السلام في هذه الفقرة حاله مع الدنيا بسبع صاد صيدا و أخذه بمخالبه ، فانسلّ الصيد منها و هرب .

« و أفلت » أي : خرجت دفعة « من حبائلك » الّتي تصيد بها . شبّه عليه السلام في هذه الفقرة حاله معها بصيد وقع في حبالة صياد ، فأفلت منها ، فلا يقربها بعد « و اجتنبت الذهاب في مداحضك » و المدحض مكان زلق . شبّه عليه السلام حاله معها في هذه الفقرة بمن كان في طريقه مواضع دحض ، فاجتنب المرور عليها لئلاّ يخرّ و يهوى .

« أين القوم » هكذا في ( المصرية و ابن ميثم ) و لكن في ( ابن أبي الحديد و الخطية ) « القرون » ٢ « الذين غررتهم بمداعبك » أي : مزاحاتك .

« أين الامم الذين فتنتهم بزخارفك » أي : تزويراتك و تمويهاتك .

و الأقوام الذين غرّتهم و الأمم الذين فتنتهم بمداعبها و زخارفها كانوا في كلّ عصر كثيرين و لم يبق منهم أثر .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٦ : ٢٩٢ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ١٠١ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٦ : ٢٩٣ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ١٠١ .

٣٨٣

في ( المروج ) : كتب ملك الصين إلى أنو شروان : من فغفور ملك الصين صاحب قصر الدر و الجوهر ، الّذي يجري في قصره نهران يسقيان العود و الكافور الّذي توجد رائحته على فرسخين ، و الّذي تخدمه بنات ألف ملك ،

و الّذي في مربطه ألف فيل أبيض ، إلى أخيه كسرى انو شروان ، و أهدى إلى انو شروان فرسا من در منضّدا ، عينا الفارس و الفرس من ياقوت أحمر ،

و قائم سيفه من زمرّد منضّد بالجوهر ، و ثوب حرير صيني عسجدي فيه صورة الملك جالسا في أيوانه و عليه حليته و تاجه ، و على رأسه الخدم و بأيديهم المذابّ ، و الصورة منسوجة بالذهب و أرض الثوب لازورد ، في سفط من ذهب ، تحمله جارية تغيب في شعرها ، تتلألأ جمالا . و هدايا أخر من عجائب الصين .

و كتب إليه ملك الهند : من ملك الهند ، و عظيم أراكنة المشرق ، و صاحب قصر الذهب و أبواب الياقوت و الدّرّ ، إلى أخيه ملك فارس صاحب التاج و الراية كسرى أنو شروان ، و أهدى إليه ألفا منّ من عود هندي يذوب في النار كالشمع ، و يختم عليه كما يختم على الشمع فتبين فيه الكتابة ، و جاما من الياقوت الأحمر فتحه شبر مملوءا درّا ، و عشرة أمنان كالفستق و اكبر من ذلك ، و جارية طولها سبعة أشبار تضرب أشفار عينها خدها ، و كأن بين أجفانها لمعان البرق من بياض مقلتيها مع صفاء لونها و دقّة تخطيطها و إتقان تشكيلها ، مقرونة الحاجبين لها ضفائر تجرّها ، و فرشا من جلود الحيّات ألين من الحرير و احسن من الوشي ، و كان كتابه في لحاء الشجر المعروف بالكاذي ، مكتوب بالذهب الأحمر ، و هذا الشجر يكون بأرض الهند و الصين ،

و هو نوع من النبات عجيب ذو لون حسن و ريح طيب ، لحاؤه أرقّ من الورق الصيني ، تتكاتب فيه ملوك الصين و الهند .

و أهدى إليه خاقان ملك التبت أنواعا من العجائب الّتي تحمل من أرض

٣٨٤

تبّت ، منها أربعة آلاف منّ من المسك في نوافج عزلانه إلى أن قال و قال عدي بن زيد العبادي :

اين كسرى خير الملوك انو شر

و ان ؟ ام اين قبله سابور ؟

لم يهبه ريب المنون ، فولّ

ي الملك عنه فبابه مهجور

حين ولّوا كأنّهم ورق ج

فّ فألوت به الصبا و الدبور ١

و قال سلم الخاسر في المنصور و بنائه بغداد :

أين ربّ الزوراء إذ قلدته

الملك عشرين حجّة و اثنتان

و في ( تاريخ بغداد ) : قال المنصور للربيع : هل تعلم في بنائي هذا موضعا ان أخذني فيه الحصار خرجت خارجا منه على فرسخين ؟ قال : لا .

قال : بلى فيه كذا موضعا الخ ٢ .

قلت : و لم ينجه ذلك لمّا حاصره الموت .

« ها هم رهائن القبور و مضامين اللحود » في الخبر انطلق ذو القرنين يسير في البلاد حتى مر بشيخ يقلّب جماجم الموتى ، فوقف عليه بجنوده فقال له :

أخبرني أيها الشيخ : لأي شي‏ء تقلّب هذه الجماجم ؟ قال : لأعرف الشريف من الوضيع و الغني من الفقير فما عرفت ، و إنّي لأقلبها منذ عشرين سنة . فانطلق ذو القرنين و تركه و قال : ما عنيت بهذا أحدا غيري ٣ .

و في ( عيون ابن قتيبة ) : تذاكر حذيفة و سلمان أمر الدنيا ، فقال سلمان : و من أعجب ما تذاكرنا صعود غنيمات الغامدي سرير كسرى و في العرصة سرير رخام كان يجلس عليه كسرى فتصعد غنيمات

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب ١ : ٢٩٣ و ٢٩٥ .

( ٢ ) تاريخ بغداد ١ : ٧٧ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٣ ) أخرجه في ضمن حديث طويل الصدوق في أماليه : ١٤٥ ، المجلس ٣٢ .

٣٨٥

الغامدي إلى ذلك السرير ١ .

و قال أبو حامد الشهرزوري :

و من عرف الدنيا و لؤم طباعها

و أصبح مغرورا بها فهو ألأم

ترديك و شيا معلما و هو صارم

و تعطيك كفا رخصة و هو لهذم

و تصفيك ودّا ظاهرا و هي فارك

و تسقيك شهدا رائقا و هو علقم

فأين ملوك الأرض كسرى و قيصر

و اين مضى من قبل عادو جرهم

كأنهم لم يسكنوا الأرض مرّة

و لم يأمروا فيها و لم يتحكّموا

« و اللّه لو كنت شخصا مرئيا و قالبا حسيا لأقمت عليك حدود اللّه في عباد غررتهم بالأماني » أي : التمنيّات « و امم ألقيتهم في المهاوي » جمع المهواة ما بين الجبلين .

و للوحيد البغدادي :

لو تجلّى لي الزمان للاقى

مسمعيه منّي عتاب طويل

إنّما نكثر الملامة للدهر

لانّ الكرام فيه قليل

« و ملوك أسلمتهم إلى التلف و أوردتهم موارد » أي : مشارع « البلاء إذ لا ورد » في ماء رخاء « و لا صدر » عنه . قال :

حيران يعمه في ضلالته

مستورد الشرائع الظلم

قال الفيروز آبادي في ( قاموسه ) : المنصورة : بلدة بالسند إسلامية ، و بلدة بنواحي واسط ، و اسم خوارزم القديمة الّتي كانت شرقي جيحون ، و بلدة قرب القيروان ، و بلدة ببلاد الديلم ، و بلدة بين القاهرة و الدمياط . و من العجب ان كلاّ منها بناها ملك عظيم في جلال سلطانه و علو شانه و سماها المنصورة تفاؤلا بالنصر و الدوام ، فخربت

ــــــــــــــــــ

( ١ ) عيون ابن قتيبة ٢ : ٣٧١ .

٣٨٦

جميعها و اندرست و تعفّت رسومها و اندحضت ١ .

« هيهات من وطي‏ء » أي : وضع قدمه « دحضك » أي : مزلتك « زلق » و ما قدر على الثبات . قال الشاعر :

إنّ هذي الديار قد نزلت قبل و حلّت

فأين أهل الديار

أين أين الملوك في سالف الدهر

و ما أثروا من الآثار

كلّ ذي نخوة و أمر مطاع

و امتناع و عسكر جرّار

ملكوا برهة فسادوا و قادوا

ثمّ صاروا أحدوثة السمار

لم تخلّدهم الكنوز الّتي قد كنزوها

من فضّة و نضار

لم تغثهم يوم الحساب و لكن

حملوا وزرها مع الأوزار

« و من ركب لججك غرق » هذا تشبيه للدنيا بالبحر ، مضافا إلى التشبيهات الأربعة المتقدّمة بمرأة سليطة غادرة ، و سبع ذي مخلب ، و صياد ذي حبالة ،

و مكان زلق .

و عن الكاظم عليه السلام قال لقمان لابنه : يا بني ، إنّ الدنيا بحر عميق قد غرق فيه عالم كثير ، فلتكن سفينتك فيها تقوى اللّه و حشوها الإيمان و شراعها التوكّل و قيّمها العقل ، و دليلها العلم و سكّانها الصبر ٢ .

« و من أزوّر » أي : عدل « عن حبالك » حتى لا يقع فيها « وفّق » لأنّه أتى بما يقتضيه العقل .

جاء في ( الكافي ) : أنّ الكاظم عليه السلام قال لهشام بن الحكم : يا هشام إنّ العاقل رضي بالدون من الدنيا مع الحكمة و لم يرض بالدون من الحكمة مع الدنيا ، فلذلك ربحت تجارتهم . يا هشام : إنّ العقلاء تركوا فضول الدنيا فكيف

ــــــــــــــــــ

( ١ ) القاموس المحيط ٢ : ١٤٣ ، مادة ( نصر ) .

( ٢ ) رواه ابن شعبة في تحف العقول : ٣٨٦ .

٣٨٧

الذنوب و ترك الدنيا من الفضل و ترك الذنوب من الفرض . يا هشام : إنّ العاقل نظر إلى الدنيا و إلى أهلها فعلم أنها لا تنال إلاّ بالمشقّة ، و نظر إلى الآخرة فعلم أنّها لا تنال إلاّ بالمشقة ، فطلب بالمشقة أبقاهما . يا هشام : ان العقلاء زهدوا في الدنيا و رغبوا في الآخرة لأنّهم علموا أنّ الدنيا طالبة مطلوبة و أنّ الآخرة طالبة مطلوبة ، فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتّى يستوفي منها رزقه ، و من طلب الدنيا و رغبوا في الآخرة لأنّهم علموا أنّ الدنيا طالبة مطلوبة و أنّ الآخرة طالبة الدنيا طلبته الآخرة فيأتيه الموت فيفسد عليه دنياه و آخرته ١ .

« و السالم منك » يا دنيا « لا يبالي » لنجاته من هلكة شديدة « إن ضاق به مناخه » بضم الميم ، أي : مستقره و الأصل فيه « انخت الجمل فاستناخ » أي :

أبركته فبرك .

هذا و « تنوخ » ليس من هذا كما توهم الجوهري ، فقال ابن دريد : تنخ بالمكان إذا اقام به ، و منه تنوخ ٢ . و هذا من نوخ الإبل .

و وجه عدم مبالاته بضيق مناخه ، لأن من سلم منها كمن سلم ممن يريد إهلاكه بالاختفاء في موضع ضيق ، فهو لا يحسّ ضيق ذاك المكان مادام همه النجاة .

« و الدنيا عنده كيوم حان انسلاخه » أي : صار وقت تقضيه .

قال الصادق عليه السلام : إصبروا على طاعة اللّه و تصبّروا عن معصية اللّه ،

فإنّما الدنيا ساعة فما مضى فلست تجد له سرورا و لا حزنا و ما لم يأت فلست تعرفه ، فاصبر على تلك الساعة الّتي أنت فيها فكأنّك قد اغتبطت ٣ .

« اعزبي » بالضم و الكسر ، أي : ابعدي يا دنيا « عنّي فو اللّه لا أذل لك » أي :

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي ١ : ١٧ .

( ٢ ) صحاح اللغة ١ : ٤٣٤ ، مادة ( نوخ ) ، و جمهرة اللغة ٢ : ٨ .

( ٣ ) الكافي ٢ : ٤٥٩ ح ٢١ .

٣٨٨

لا أكون لك ذلولا « فتستذليني » أي : تجعليني ذليلا « و لا أسلس » أي : لا أنقاد « لك فتقوديني » حيث شئت .

عن الصادق عليه السلام فيما ناجى اللّه تعالى به موسى عليه السلام : يا موسى لا تركن إلى الدنيا ركون الظالمين ، و ركون من اتخذها أبّا و أمّا ، يا موسى : لو وكّلتك إلى نفسك لتنظر لها إذن ، لغلب عليك حبّ الدنيا و زهرتها ١ .

« و ايم اللّه » قال الجوهري : أيمن اللّه بضم الميم ، و النون اسم وضع للقسم إلى أن قال و ربما حذفوا منه النون فقالوا أيم اللّه و ايم اللّه بكسر الهمزة ٢ .

« يمينا » قال الجوهري : اليمين : القسم ، يقال سمّي بذلك لأنّهم كانوا إذا تحالفوا ضرب كلّ أمري‏ء منهم يمينه على يمين صاحبه الخ ٣ . و نصبه على المصدرية .

« استثنى فيها بمشية اللّه » إشارة إلى قوله تعالى : و لا تقولنّ لشي‏ء إنّي فاعل ذلك غدا إلاّ أن يشاء اللّه ٤ .

« لأروضنّ » و الأصل فيه من « رضت المهر » داراه حتى يركبه .

« نفسي رياضة » و الأصل روّاضة « تهشّ » أي : ترتاح النفس « معها » أي : مع تلك الرياضة « إلى القرص » من الخبز « إذا قدرت عليه مطعوما » .

في الكشّي عن أبي عبد اللّه عليه السلام : أرسل عثمان إلى أبي ذر موليين له و معهما مائتا دينار فقال لهما : قولا له يقول لك عثمان استعن بهما على ما نابك . فقال لهما : هل أعطى أحدا مثل ما أعطاني ؟ قال : لا ، قال : فإنّما أنا رجل من المسلمين يسعني ما يسعهم ، قالا له : يقول عثمان : إنّها من صلب مالي

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي ٢ : ١٣٥ ح ٢١ .

( ٢ ) صحاح اللغة ٦ : ٢٢٢١ و ٢٢٢٢ ، مادة ( يمن ) .

( ٣ ) صحاح اللغة ٦ : ٢٢٢١ ، مادة ( يمن ) .

( ٤ ) الكهف : ٢٣ .

٣٨٩

و ما خالطها حرام . قال : لا حاجة لي فيها ، و أنا من أغني الناس . فقالا له : ما نرى في بيتك قليلا و لا كثيرا . فقال : بلى تحت هذا الاكاف الّذي ترون رغيفا شعير قد أتى عليهما أيام ، فما أصنع بهذه الدنانير ؟ ١ .

« و تقنع بالملح مأدوما » أي : ما يؤكل الخبز معه .

في ( المناقب ) : رآه عليه السلام عدي بن حاتم و بين يديه شنة فيها قراح ماء ،

و كسرات من خبز شعير و ملح ، فقال له عليه السلام : إني لأراك لتظلّ نهارك طاويا مجاهدا ، و بالليل ساهرا مكابدا ، ثم يكون هذا فطورك فقال عليه السلام :

علّل النّفس بالقنوع و إلاّ

طلبت منك فوق ما يكفيها

و فيه : ترصّد عمرو بن حريث غذاءه عليه السلام ، فأتت فضّة بجراب مختوم فأخرج منه خبزا متغيّرا خشنا ، فقال عمرو : يا فضّة لو نخلت هذا الدقيق و طيبته ، قالت : كنت أفعل فنهاني و كنت أضع في جرابه طعاما طيّبا فختم جرابه ، ثم أنّه عليه السلام فتّه في قصعة و صبّ عليه الماء ثم ذرّ عليه الملح و حسر عن ذراعه ، فلما فرغ قال : يا عمرو : لقد حانت هذه و أشار إلى محاسنه و حسرت هذا و أشار إلى بطنه أن أدخلها النّار من أجل الطعام ، و هذا يجزيني ٢ .

و في ( كامل المبرد ) : قال أبو نيزر : جاءني علي عليه السلام و أنا أقوم بالضيعتين عين أبي نيزر و البغيبغة فقال لي : هل عندك من طعام ؟ فقلت :

طعام لا أرضاه لك ، قرع من قرع الضيعة صنعته باهالة سنخة . فقال : علي به إلى أن قال و قال من أدخله بطنه النار فأبعده اللّه ٣ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) اختيار معرفة الرجال : ٢٧ ح ٥٣ ، و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) مناقب السروي ٢ : ٩٨ .

( ٣ ) كامل المبرد ٧ : ١٣٥ .

٣٩٠

هذا ، و في ( الكافي ) عن الصادق عليه السلام : أنّ يوسف عليه السلام لمّا كان في السجن شكا إلى ربه أكل الخبز وحده و سأل أداما يأتدم به ، و قد كان كثر عنده قطع الخبز اليابس ، فأمره أن يأخذ الخبز و يجعله في إجّانة و يصبّ عليه الماء و الملح فصار مريا و جعل يأتدم به ١ .

« و لأدعن » أي : أتركن « مقلتي » شحمة العين الّتي تجمع البياض و السواد « كعين ماء نضب » أي : غار و سفل « معينها » أي : جاريها . و معين : فعيل ، و قيل : هو مفعول من « عنت الماء » إذا استنبطته .

« مستفرغة » حال من « مقلتي » « دموعها » روى الكافي : أنّه عليه السلام أقبل ذات يوم على الناس بعد صلاة فجره و قال : لقد أدركت أقواما يبيتون لربهم سجدا و قياما ، يخالفون بين جباههم و ركبهم كأن زفير النار في آذانهم ، إذا ذكر اللّه عندهم مادوا كما يميد الشجر ، ثم قال عليه السلام فما رئي ضاحكا حتى قبض ٢ .

« ا تمتلي السائمة » أي : الماشية الراعية « من رعيها » بالكسر ، أي : كلاءها ،

و أمّا بالفتح فمصدر ، حملناه على الأول لقوله عليه السلام بعد « و تشبع الربيضة من عشبها » .

« فتبرك » من برك البعير إذا استناخ .

و في ( الأساس ) : وصف أعرابي أرضا خصبة فقال : تركت كلاءها كأنّه نعامة باركة . و ابتركوا في الحرب جثوا على الركب ٣ .

« و تشبع الربيضة » قال الجوهري : ربوض البقر و الغنم و الفرس مثل بروك الإبل و جثوم الطير ، و المرابض للغنم كالمعاطن للإبل ، و الربيض الغنم

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي ٦ : ٣٣٠ ح ١ .

( ٢ ) الكافي ٢ : ٢٣٦ ح ٢٢ .

( ٣ ) أساس البلاغة : ٢١ ، مادة ( برك ) .

٣٩١

برعاتها المجتمعة في مربضها ١ .

« من عشبها » أي : علفها « فتربض » بكسر العين ، أي : تنام على الركب .

« و يأكل علي من زاده فيهجع » أي : ينام ليلا « قرت إذن عينه » كلام تهكّمي .

« اذن اقتدي بعد السنين المتطاولة بالبهيمة الهاملة » أي : بلا راع « و السائمة المرعية » الّتي لها راع .

« طوبى لنفس » اتصفت بما قاله عليه السلام بعد ، لأنها المخاطبة بقوله تعالى :

يا أيّتها النفس المطمئنّة ارجعي إلى ربك راضية مرضيّة . فادخلي في عبادي و ادخلي جنّتي ٢ .

« أدّت إلى ربها فرضها » فأعبد الناس من أقام الفرائض و لم يخل بشي‏ء منها .

« و عركت » أي : دلكت « بجنبها بؤسها » أي : شدّتها ، من قولهم « عرك البعير جنبه بمرفقه » و المراد احتملت الشدائد و تحمتلها بنفسها . قال الشاعر :

إذا أنت لم تعرك بجنبك بعض ما

يسوء من الأدنى جفاك الأباعد ٣

« و هجرت » أي : تركت « في الليل غمضها » بالضم ، أي : نومها ، قال تعالى :

كانوا قليلا من الليل ما يهجعون ٤ و فسرت بأنّهم كانوا أقل الليالي تفوتهم حتّى لا يقومون .

« حتى إذا غلب الكرى » أي : الميل إلى النوم « عليها » هكذا في ( المصرية و ابن ميثم ) و لكن في ( ابن أبي الحديد و الخطية ) بدل « حتى إذا غلب الكرى

ــــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة ٣ : ١٠٧٦ ، مادة ( ربض ) .

( ٢ ) الفجر : ٢٨ .

( ٣ ) أورده أساس البلاغة : ٢٩٩ ، مادة ( عرك ) ، و لسان العرب ١٠ : ٤٦٤ ، مادة ( عرك ) .

( ٤ ) الذاريات : ١٧ .

٣٩٢

عليها » . « حتى إذا الكرى غلبها » ١ و قلنا غير مرّة أن المقدّم نقل ابن ميثم لكون نسخته بخط مصنفه .

« افترشت ارضها » أي : جعل الأرض فراشها « و توسّدت كفها » أي : جعل كفّها و سادها ، و المراد أنه إذا غلب النوم عليها تركت القيام و نامت لقوله تعالى : و لا تقربوا الصلاة و أنتم سكارى ٢ أي من النوم كما فسر في خبر ٣ ليفهم ما يقول ، لكن ليس نومه نوم استراحة و اطمئنان ، بل هكذا ليقوم ثانيا بعد رفع غلبة النوم .

و في ( تذكرة السبط ) : و في ( الصحيحين ) و ( مسند أحمد بن حنبل ) ، عن أبي حازم قال : جاء رجل إلى سهل بن سعد فقال : هذا فلان يذكر علي بن أبي طالب عند المنبر . فقال : ما يقول ؟ قال : يقول أبو تراب و يلعن فغضب سهل و قال : و اللّه ما كناه به إلاّ النبي صلّى اللّه عليه و آله ، و ما كان اسم أحبّ إليه منه ، دخل على فاطمة عليها السلام فأغضبته في شي‏ء فخرج إلى المسجد فاضطجع على التراب و خلص التراب على ظهره ، فجاء النبي صلّى اللّه عليه و آله فمسح التراب عن ظهره و قال :

إجلس أبا تراب ٤ .

و في ( تاريخ الطبري ) مسندا عن عمار قال : كنت أنا و علي عليه السلام رفيقين مع النبي صلّى اللّه عليه و آله في غزوة العشيرة و كانت في السنة الثانية من الهجرة ، و كان النبي خرج فيها يعترض لعيرات قريش فنزلنا منزلا فرأينا رجالا من بني

ــــــــــــــــــ

( ١ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١٦ : ٩٥ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ١٠٢ ، مثل المصرية الا ان ابن ميثم أورد . . . عليها « بعد . . . افترشت ».

( ٢ ) النساء : ٤٣ .

( ٣ ) جاء احاديث و هذا المضمون في البرهان ١ : ٣٧٠ .

( ٤ ) كذا في تذكرة الخواص : ٥ ، و الحديث في صحيح البخاري ١ : ٨٨ و ٢ : ٣٠٠ و ٤ : ٨١ و ٩٥ ، و صحيح مسلم ٤ : ١٨٧٤ ح ٣٨ ، لكن أخرجه أحمد في مسنده ٤ : ٢٦٣ ، عن عمار .

٣٩٣
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد السادس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

مدلج يعملون في نخل لهم ، فقلت : لو انطلقنا فنظرنا إليهم كيف يعملون ،

فانطلقنا فنظرنا إليهم ساعة ثم غشينا النعاس ، فعمدنا إلى صور من النخل فنمنا تحته في دقعاء من التراب ، فما أيقظنا إلاّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أتانا و قد تتربنا في ذلك التراب ، فحرّك عليّا عليه السلام برجله فقال : قم يا أبا تراب : ألا أخبرك بأشقى الناس أحمر ثمود عاقر الناقة و الّذي يضربك على هذا يعني قرنه فيخضب هذه و أخذ بلحيته منها ١ .

« في معشر أسهر » أي : منع من النوم « عيونهم خوف معادهم » . جاء في ( الكافي ) عن الصادق عليه السلام : صلّى النبي صلّى اللّه عليه و آله الصبح بالناس فنظر إلى شاب في المسجد ، و هو يخفق و يهوى برأسه مصفرا لونه قد نحف جسمه و غارت عينه في رأسه ، فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله : كيف أصبحت يا فلان ؟ قال : موقنا فعجب النبي من قوله و قال : إن لكلّ يقين حقيقة فما حقيقة يقينك ؟ قال : إنّ يقيني هو الّذي أحزنني و أسهر ليلي و أظمأ هو اجري فعزفت نفسي عن الدنيا و ما فيها ،

كأنّي أنظر إلى عرش ربّي و قد نصب للحساب ، و حشر الخلائق لذلك ، و أنا فيهم ، و كأنّي أنظر إلى أهل الجنّة يتنعّمون في الجنّة و يتعارفون على الأرائك متكئون ، و كأني أنظر إلى أهل النّار و هم فيها معذّبون مصطرخون ، و كأنّي الآن أسمع زفير النّار يدور في مسامعي . فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله لأصحابه : هذا عبد نوّر اللّه قلبه بالإيمان . ثم قال له : إلزم ما أنت عليه ، فقال الشاب له صلّى اللّه عليه و آله : أدع لي أن أرزق الشهادة معك فدعا له فلم يلبث أن خرج في بعض غزوات النبي فاستشهد بعد تسعة و كان هو العاشر ٢ .

« و تجافت » أي : نبت « عن مضاجعهم » و فرشهم « جنوبهم » قال تعالى :

ــــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٢ : ١٢٣ ، سنة ٢ .

( ٢ ) الكافي ٢ : ٥٣ ح ٢ ، و النقل بتصرف يسير .

٣٩٤

تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربّهم خوفا و طمعا و ممّا رزقناهم ينفقون . فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرّة أعين جزاء بما كانوا يعملون ١ .

« و همهمت » أي : رددت الصوت ، من همهم الأسد « بذكر ربّهم شفاههم » قال تعالى : الذين يذكرون اللّه قياما و قعودا و على جنوبهم و يتفكّرون في خلق السماوات و الارض ربّنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النّار إلى فاستجاب لهم ربّهم أنّي لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى ٢ .

« و تقّشعت » أي : تفرقت « بطول استغفارهم ذنوبهم » و في الخبر : لكلّ داء دواء ، و دواء الذنوب الاستغفار ٣ .

و روي أنّ عبّاد البصري قال للصادق عليه السلام : بلغني أنّك قلت ما من عبد يذنب ذنبا الاّ أجلّه اللّه سبع ساعات من النهار . فقال : ليس هكذا قلت ، و لكن قلت :

ما من عبد مؤمن و كذلك كان قولي ٤ .

« أولئك حزب اللّه ألا إنّ حزب اللّه هم المفلحون » هكذا في ( المصرية و الخطية ) ، و ليس الكلام كلّه في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٥ ، و كيف فالمفلحون إنّما حزبه تعالى ، و الأحزاب الأخرهم الخاسرون .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) السجده : ١٦ و ١٧ .

( ٢ ) آل عمران : ١٩١ ١٩٥ .

( ٣ ) رواه الصدوق في ثواب الاعمال : ١٩٧ ح ١ ، و سيوطي في الجامع الصغير ٢ : ١٢٥ ، و المناوي في كنوز الحقائق ٢ : ٦٩ .

( ٤ ) أخرجه الاهوازي في كتابه ، عنه البحار ٦ : ٣٨ ح ٦٣ ، و الحميري في قرب الاسناد : ٢ ، و في رواية الحميري « الحسن البصري ».

( ٥ ) توجد الكلام في شرح ابن أبي الحديد ١٦ : ٢٩٥ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ١٠٢ .

٣٩٥

٥

الخطبة ( ٣٣ ) و من خطبة له عليه السلام عند خروجه لقتال أهل البصرة .

قَالَ ؟ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ عَبَّاسِ ؟ دَخَلْتُ عَلَى ؟ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ ع ؟ ؟ بِذِي قَارٍ ؟ وَ هُوَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ فَقَالَ لِي مَا قِيمَةُ هَذِهِ اَلنَّعْلِ فَقُلْتُ لاَ قِيمَةَ لَهَا فَقَالَ ع وَ اَللَّهِ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ إِلاَّ أَنْ أُقِيمَ حَقّاً أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلاً ثُمَّ خَرَجَ فَخَطَبَ اَلنَّاسَ فَقَالَ الخ و مرّ في ( ٢٠ ) التوحيد في ( الخطبة ٨٠ ) عن نوف أنّه عليه السلام خطب قائما على حجارة و عليه مدرعة من صوف و حمائل سيفه ليف و في رجليه نعلان من ليف ، و كأنّ جبينه ثفنة بعير .

قول المصنف : « قال عبد اللّه بن العباس : دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام بذي قار » و في رواية ( إرشاد الشيخ المفيد ) أنّ ذلك كان بالربذة ، فقال :

لما توجّه عليه السلام إلى البصرة ، نزل الربذة فلقيه بها آخر الحاج ،

فاجتمعوا ليسمعوا من كلامه و هو في خبائه ، قال ابن عباس : فأتيته فوجدته يخصف نعلا ، فقلت له : نحن إلى أن تصلح أمرنا أحوج منّا إلى ما تصنع ، فلم يكلّمني حتى فرغ من فعله ثم ضمها إلى صاحبتها ، و قال لي : قوّمهما ، فقلت : ليس لهما قيمة ، قال : على ذاك ، قلت : كسر درهم . قال : و اللّه لهما أحبّ إليّ من أمركم هذا إلاّ أن أقيم حقّا او أدفع باطلا ، قال : قلت إنّ الحاجّ اجتمعوا ليسمعوا من كلامك فتأذن لي أن أتكلّم ، فان كان حسنا كان منك و ان كان غير ذلك كان منّي . قال : لا ، أنا أتكلّم ، ثمّ وضع يده على صدري و كان شثن الكفّين فآلمني ، ثم قام فأخذت بثوبه و قلت : نشدتك اللّه و الرحم . فقال :

٣٩٦

لا تنشدني ، ثمّ خرج فاجتمعوا عليه الخ ١ .

« و هو يخصف نعله » قال الفيومي : خصف النعل كرقع الثوب ٢ .

و كان عليه السلام يخصف نعله كالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله ، يخصف عليه السلام نعله و نعل النبي ،

و حديث « خاصف النعل » فيه مشهور . روى الخطيب مع نصبه في ربعي بن حراش الّذي قال فيه : تابعي ثقة ، و يقال أنّه لم يكذب كذبة قط و نقل شاهدا في ذلك مسندا عنه قال : سمعت عليا عليه السلام و هو بالمدائن قال : جاء سهيل بن عمرو إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال : إنّه قد خرج إليك ناس من أرقائنا ليس بهم الدين تعبّدا فارددهم علينا . فقال أبو بكر و عمر : صدق ، فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله : لن تنتهوا معشر قريش حتى يبعث اللّه عليكم رجلا امتحن اللّه قلبه بالايمان ، يضرب رقابكم و أنتم مجفلون عنه إجفال النعم ، فقال أبو بكر : انا هو . قال : لا ، قال عمر :

أنا هو . قال : لا ، و لكنّه خاصف النعل ، و في كفّ علي نعل يخصفها للنبيّ و رواه الترمذي مثله ٣ .

و روى أحمد بن حنبل في ( فضائله ) كما في ( تذكرة السبط ) مسندا عن أنس قال : قال النبي صلّى اللّه عليه و آله : لينتهين بنو وليعة أو لأبعثنّ إليهم رجلا كنفسي ،

يمضي فيهم إمري ، يقتل المقاتلة و يسبي الذرية ، قال أبوذر : فما راعني الاّ برد كفّ عمر من خلفي ، فقال : من تراه يعني ؟ فقلت : ما يعنيك و إنما يعني خاصف النعل علي بن أبي طالب ٤ ٥ .

« فقال عليه السلام : و اللّه لهي أحب إلي من أمرتكم إلاّ أن اقيم حقّا أو أدفع باطلا » و مرّ

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الإرشاد : ١٣٢ .

( ٢ ) المصباح المنير ١ : ٢٠٨ ، مادة ( خصف ) .

( ٣ ) أخرجه الترمذي في سننه ٥ : ٦٣٤ ح ٣٧١٥ ، و الخطيب في تاريخ بغداد ٨ : ٤٣٣ .

( ٤ ) تذكرة الخواص : ٣٩ .

( ٥ ) السقط الشارح هنا شرح عبارة : « فقال لي : ما قيمة هذه النعل ؟ فقلت : لا قيمة لها » .

٣٩٧

في الشقشقيّة قوله عليه السلام « أما و الّذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة ، لو لا حضور الحاضر و قيام الحجّة بوجود الناصر ، و ما أخذ اللّه على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم و لا سغب مظلوم ، لألقيت حبلها على غاربها ، و لسقيت آخرها بكأس أوّلها و لألفتيم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز » ١ .

قول المصنف : في الثاني « و عليه مدرعة من صوف و حمائل سيفه ليف و في رجليه نعلان من ليف » ، في ( المناقب ) : رآه عليه السلام عقيل الخولاني جالسا على برذعة حمار مبتلة ، فقال لأهله في ذلك فقالت : لا تلوموني فو اللّه ما يرى شيئا ينكره إلاّ أخذه و طرحه في بيت المال ٢ .

و في خبر : قال عليه السلام لأهل البصرة ، إن قميصي لمن غزل أهلي ٣ .

« و كأنّ جبينه ثفنة بعير » من كثرة سجداته ، و ثفنات البعير ما يقع على الأرض من أعضائه إذا استناخ .

و في ( العدد ) عن الباقر عليه السلام : و لقد كان أبي تسقط منه كلّ سنة سبع ثفنات من موضع سجوده لكثرة صلواته و كان يجمعها فلما مات دفنت معه .

و جاء في ( أمالي الشيخ الطوسي ) : أنّ فاطمة بنت علي عليه السلام أتت جابر الأنصاري و قالت له : هذا علي بن الحسين بقية أبيه الحسين عليه السلام قد انخرم أنفه و ثفنت جبهته و ركبتاه و راحتاه ادأبا منه لنفسه في العبادة الخبر ٤ .

و كان عليه السلام إذا أكثروا عليه في عبادته قال : أين تقع عبادتي من عبادة جدّي ٥ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) نهج البلاغة ١ : ٣٦ .

( ٢ ) مناقب السروي ٢ : ٩٧ .

( ٣ ) رواه في ضمن خطبة المفيد في الجمل : ٢٢٤ .

( ٤ ) أمالي أبي جعفر الطوسي ٢ : ٢٤٩ ، المجلس ١٣ .

( ٥ ) روى هذا المعنى ابن أبي الحديد في شرحه ١ : ٢٧ ، و السروي في مناقبه ٢ : ١٢٥ .

٣٩٨

٦

الحكمة ( ٢٣٦ ) و قال عليه السلام :

وَ اَللَّهِ لَدُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَهْوَنُ فِي عَيْنِي مِنْ عُرَاقِ خِنْزِيرٍ فِي يَدِ مَجْذُومٍ و مرّ في سابقة قوله « و لألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز » .

و في خطبة ٢٢٢ : و إن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها ، ما لعليّ و لنعيم يفنى و لذة لا تبقى ، نعوذ باللّه من سبات العقل و قبح الزلل .

هذا ، و في ( الصحاح ) : العرق بالفتح ، العظم الّذي أخذ عنه اللحم ، و الجمع عراق بالضم ١ . و في ( الأساس ) قيل لبنت الخس : ما أطيب العراق ؟ قالت : عراق الغيث ، و ذلك ما خرج من النبات على أثر الغيث ، لأنّ الماشية تحبّه فتسمن عليه ، فيطيب عراقها ٢ .

و في ( أنساب السمعاني ) قال المدائني : خطب الديباج محمد بن عبد اللّه بن عمر بن عثمان ، و الديباج عبد العزيز بن عبد اللّه بن عبد اللّه بن عمر بن الخطاب أمرأة ، فجعلت تبحث عن أحسنهما ، فخرجت في ليلة مقمرة ، فرأتهما يتعاتبان في أمرها أو أمر آخر ، و كان وجه عبد العزيز إليها فرأت بياضه و طوله فقالت : حسبي به : فتزوجها هو ، و دعا الآخر في وليمتها ، فأكل ثم خرج و هو يقول :

بينا ارجى أن أكون وليّها

رضيت بعرق من وليمتها سخن ٣

ــــــــــــــــــ

( ١ ) صحاح اللغة ٤ : ١٥٢٣ ، مادة ( عرق ) .

( ٢ ) أساس البلاغة : ٢٩٩ ، مادة ( عرق ) .

( ٣ ) لم يوجد في مظانه من انساب السمعاني .

٣٩٩

٧

الحكمة ( ٧٧ ) وَ مِنْ خَبَرِ ؟ ضِرَارِ بْنِ ضَمْرَةَ اَلضَّابِيِّ ؟ عِنْدَ دُخُولِهِ عَلَى ؟ مُعَاوِيَةَ ؟ وَ مَسْأَلَتِهِ لَهُ عَنْ ؟ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ ع ؟ قَالَ فَأَشْهَدُ لَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ مَوَاقِفِهِ وَ قَدْ أَرْخَى اَللَّيْلُ سُدُولَهُ وَ هُوَ قَائِمٌ فِي مِحْرَابِهِ قَابِضٌ عَلَى لِحْيَتِهِ يَتَمَلْمَلُ تَمَلْمُلَ اَلسَّلِيمِ وَ يَبْكِي بُكَاءَ اَلْحَزِينِ وَ يَقُولُ يَا دُنْيَا يَا دُنْيَا إِلَيْكِ عَنِّي أَ بِي تَعَرَّضْتِ أَمْ إِلَيَّ تَشَوَّقْتِ لاَ حَانَ حِينُكِ هَيْهَاتَ غُرِّي غَيْرِي لاَ حَاجَةَ لِي فِيكِ قَدْ طَلَّقْتُكِ ثَلاَثاً لاَ رَجْعَةَ فِيهَا فَعَيْشُكِ قَصِيرٌ وَ خَطَرُكِ يَسِيرٌ وَ أَمَلُكِ حَقِيرٌ آهِ مِنْ قِلَّةِ اَلزَّادِ وَ طُولِ اَلطَّرِيقِ وَ بُعْدِ اَلسَّفَرِ وَ عَظِيمِ اَلْمَوْرِدِ أقول : رواه ( مروج المسعودي ) هكذا قال : دخل ضرار بن ضمرة و كان من خواص علي عليه السلام على معاوية وافدا ، فقال له صف لي عليا . قال : إعفني قال : لا بدّ من ذلك ، فقال : أما إذا كان لا بدّ من ذلك ، فانه كان و اللّه بعيد المدى شديد القوى يقول فصلا و يحكم عدلا ، يتفجّر العلم من جوانبه و تنطق الحكمة من نواحيه ، يعجبه من الطعام ما خشن و من اللباس ما قصر ، و كان و اللّه يجيبنا إذا دعوناه و يعطينا إذا سألناه ، و كنّا و اللّه على تقريبه لنا و قربه منّا لا نكلّمه هيبة له ، و لا نبتدئه لعظمه في نفوسنا ، يبسم عن ثغر كاللؤلؤ المنظوم ،

يعظّم أهل الدين ، و يرحم المساكين و يطعم في المسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة ، يكسو العريان و ينصر اللهفان ، يستوحش من الدنيا و زهرتها و يأنس بالليل و ظلمته ، و كأنّي به و قد أرخى الليل سدوله و غارت نجومه و هو في محرابه قابض على لحيته يتململ تململ السليم و يبكي بكاء الحزين و يقول : يا دنيا غرّي غيري ، ألي تعرضت أم إلي تشوّقت ؟ هيهات هيهات لا حان حينك قد أبنتك ثلاثا لا رجعة لي فيك ، عمرك قصير و عيشك

٤٠٠