بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٦

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 601

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 601
المشاهدات: 108951
تحميل: 4110


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 601 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 108951 / تحميل: 4110
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 6

مؤلف:
العربية

حقير و خطرك يسير ، آه من قلة الزاد و بعد السفر و وحشة الطريق . فقال له معاوية : زدني شيئا من كلامه .

إلى أن قال : قال كيف حزنك عليه ؟ قال : حزن من ذبح ولدها على صدرها ، فما ترقأ عبرتها و لا يسكن حزنها ١ و رواه المصنف في ( خصائصه ) و في روايته فان تبسم فعن غير أشر و لا اختيال ، و إن نطق فعن الحكمة و فصل الخطاب ، يعظّم أهل الدين و يحبّ المساكين و لا يطمع الغني في باطله و لا يؤيس الضعيف من حقّه إلى أن قال فوكت دموع معاوية ما يملكها و يقول : هكذا كان علي ، فكيف حزنك عليه يا ضرار ؟ قال : حزني عليه و اللّه حزن من ذبح واحدها في حجرها فلا ترقي دمعتها و لا تسكن حرارتها ٢ .

و رواه ابن بابويه في ( أماليه ) مسندا عن الأصبغ قال : دخل ضرار بن ضمرة النهشلي على معاوية فقال : صف لي عليّا قال : أو تعفيني ؟ قال : لا ، بل صفه لي ، فقال ضرار : كان و اللّه فينا كأحدنا ، يبدأ بنا إذا أتيناه و يجيبنا إذا سألناه و يقرّبنا إذا زرناه ، لا يغلق له دوننا باب و لا يحجبنا عنه حاجب ، و نحن و اللّه مع تقريبه لنا و قربه منّا لا نكلّمه لهيبته و لا نبتدؤه لعظمته ، فاذا تبسّم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم .

فقال معاوية : زدني في صفته ، فقال ضرار : كان و اللّه طويل السهاد ،

قليل الرقاد ، يتلو كتاب اللّه آناء الليل و أطراف النهار ، يجود اللّه بمهجته و يبوء إليه بعبرته ، لا تغلق له الستور و لا يدخر عنّا البدور ، و لا يستلين الإتكاء و لا يستخشن الجفاء ، و لو رأيته إذ مثل في محرابه ، و قد أرخى الليل سدوله ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب ٢ : ٤٢١ .

( ٢ ) خصائص الائمة : ٤٠ .

٤٠١

و غارت نجومه و هو قابض على لحيته يتململ تململ السليم و يبكي بكاء الحزين و هو يقول : يا دنيا أبي تعرضت أم إليّ تشوّقت إلى أن قال : فبكى معاوية و قال : حسبك يا ضرار ، كذلك و اللّه كان علي ، رحم اللّه أبا الحسن ١ و روى ( الاستيعاب ) عن حاله عليه السلام عن الحرمازي قال : قال معاوية لضرار الصدائي : صف لي عليا . قال : اعفني ، قال : لتصفنّه قال : أما إذ لا بدّ من وصفه فكان و اللّه بعيد المدى شديد القوى ، يقول فصلا و يحكم عدلا ، يتفجّر العلم من جوانبه و تنطق الحكمه من نواحيه ، و يستوحش من الدنيا و زهرتها و يستأنس بالليل و وحشته ، و كان غزير العبرة طويل الفكرة ، يعجبه من اللباس ما قصر و من الطعام ما خشن ، كان فينا كأحدنا يجيبنا إذا سألناه و ينبئنا إذا استنبأناه و نحن و اللّه مع تقريبه إيّانا و قربه منّا لا نكاد نكلّمه هيبة له ، يعظّم أهل الدين و يقرّب المساكين ، لا يطمع القوي في باطله و لا ييأس الضعيف من عدله ، و أشهد لقد رأيته في بعض مواقفه و قد أرخى الليل سدلته و غارت نجومه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم و يبكي بكاء الحزين و يقول : يا دنيا غرّي غيري ، ألي تعرضت أم أليّ تشوّقت ، هيهات هيهات قد باينتك ثلاثا لا رجعة فيها ، فعمرك قصير و خطرك حقير ، آه ، من قلّة الزاد و بعد السفر و وحشة الطريق ، فبكي معاوية و قال : رحم اللّه أبا الحسن ، كان و اللّه كذلك فكيف حزنك عليه يا ضرار ؟ قال : حزن من ذبح ولدها و هو في حجرها ٢ و قال ابن أبي الحديد : رواه الرياشي و نقلته من كتاب عبد اللّه بن إسماعيل الحلبي في التذييل على النهج ، قال : دخل ضرار على معاوية و كان

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أمالي الصدوق : ٤٩٩ ح ٢ ، المجلس ٩١ .

( ٢ ) الاستيعاب ٣ : ٤٣ .

٤٠٢

من صحابة علي عليه السلام فقال له معاوية : صف لي عليا قال : أو تعفيني ؟ قال : لا ،

قال : ما أصف به ، كان و اللّه شديد القوى بعيد المدى ، يتفجّر العلم من أنحائه و الحكمة من أرجائه ، حسن المعاشرة سهل المباشرة ، سهل المباشرة ، خشن المأكل قصير الملبس ، غزير العبرة طويل الفكرة ، يقلّب كفّه و يخاطب نفسه ، و كان فينا كأحدنا ، يجيبنا إذا سألنا و يبتدينا إذا سكتنا ، و نحن مع تقريبه لنا أشدّ ما يكون صاحب لصاحب هيبة ، لا نبتديه الكلام لعظمته الخ . ثمّ نقله عن ( الاستيعاب ) ١ .

و أقول : في تلك الروايات « فوكت دموع معاوية ما يملكها ، و قال هكذا و اللّه كان أبو الحسن » أثّرت حقيقة أمير المؤمنين عليه السلام في معاوية ، مع أنّه لعمري كان ممّن قال تعالى فيهم : و لو أنّنا نزّلنا إليهم الملائكة و كلّمهم الموتى و حشرنا عليهم كلّ شي‏ء قبلا ما كانوا ليؤمنوا ٢ .

و أما قوله له « كيف حزنك عليه » الخ فمثله أبو الطفيل ، ففي ( المروج ) :

قال له معاوية : كيف وجدك على خليلك أبي الحسن ؟ قال : كوجد أم موسى على موسى و أشكو إلى اللّه التقصير ٣ .

و قول المصنف : « و من خبر ضرار بن حمزة » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : « بن ضمرة » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٤ .

« الضبائي » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : « الضيابي » كما في ( ابن أبي الحديد ) و غيره ، و لكن ( الاستيعاب ) جعله « الصدائي » كما وجدت و إن نقل ابن أبي الحديد أيضا عنه « الضبابي » ، و قد عرفت أن ( الأمالي ) قال « النهشلي »

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٢٥ .

( ٢ ) الانعام : ١١١ .

( ٣ ) مروج الذهب ٣ : ١٦ .

( ٤ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٢٤ ، لكن في شرح ابن ميثم ٥ : ٢٧٦ ، مثل المصرية .

٤٠٣

و الحقيقة غير معلومة ١ ، و نهشل من تميم و صداء من مذحج و ضباب عدة قبائل بعضها بالفتح و بعضها بالكسر .

و أما قول ثم « الضباب بطن من فهر بن مالك بن النضر بن كنانه » ٢ الدال على أن هذا من ضباب قريش فبلا شاهد ، مع أن قوله « بطن من فهر » كالتعريف بالجنس البعيد ، و إنّما الصواب : أن يقال بطن من عامر بن لؤي لو قال دليل على كونه من قريش .

« عند دخوله على معاوية و مسألته له عن أمير المؤمنين عليه السلام » بوصفه له « و قال » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : ( قال ) كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٣ .

« فأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه و قد أرخى » أي : أرسل « الليل سدوله » أي : أستاره ، و إرخاء الليل سدوله كناية عن شدّة ظلامه .

« و هو قائم في محرابه » عن إبانة العكبري قالت ام سليمان بن المغيرة :

سألت أم سعيد سرية علي عليه السلام عن صلاته في شهر رمضان فقالت : رمضان و شوال سواء ، كان يحيى الليل كلّه ٤ .

و في ( أمالي ابن بابويه ) عن أنس سمعه رجل أنّه قال : نزل قوله تعالى :

أمن هو قانت آناء الليل ساجدا و قائما يحذر الآخرة و يرجو رحمة ربّه ٥ في علي عليه السلام . قال : فأتيته عليه السلام لأنظر إلى عبادته ، فأشهد باللّه لقد رأتيته وقت

ــــــــــــــــــ

( ١ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٢٤ ، و الاستيعاب ٣ : ٤٤ ، و الأمالي : ٤٩٩ ، و لفظ نهج البلاغة ٤ : ١٦ ، أيضا « الضبابي » و لفظ شرح ابن ميثم ٥ : ٢٧٦ ، « الضبائي » .

( ٢ ) في شرح ابن ميثم ٥ : ٢٧٦ ، « الضباء » .

( ٣ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٢٤ ، لكن توجد الواو في شرح ابن ميثم ٥ : ٢٧٦ .

( ٤ ) مناقب السروي ٢ : ١٢٣ .

( ٥ ) الزمر : ٩ .

٤٠٤

المغرب فوجدته يصلي بأصحابه المغرب ، فلما فرغ جلس في التعقيب إلى أن قام إلى العشاء ، فلما فرغ دخل منزله ، فدخلت معه فوجدته طول الليل يصلي و يقرأ القرآن إلى أن طلع الفجر ، ثم جدّد وضوءه و خرج إلى المسجد و صلّى بالناس صلاة الفجر ، ثم جلس في التعقيب إلى أن طلعت الشمس ، ثمّ قصده الناس فجعل يختصم إليه رجلان فاذا فرغا قاما و اختصم آخران ، إلى أن قام ،

فجدّد لصلاة الظهر وضوءه ثم صلّى بأصحابه الظهر ، ثمّ قعد في التعقيب إلى أن صلّى بهم العصر ، ثم أتاه النّاس فجعل يقوم رجلان و يقعد آخران يقضي بينهم و يفتيهم إلى أن غابت الشمس ، فخرجت و أنا أقول : أشهد باللّه لقد نزلت هذه الآية فيه ١ .

« قابض على لحيته يتململ » أي : ما يستقر كأنه على ملة ، أي : حفرة أوقدت فيها النار ، « تململ السليم » أي : من لدغته حيّة ، قالوا له السليم تفؤلا له بالسلامة « و يبكي بكاء الحزين » .

روى ( أمالي ابن بابويه ) مسندا عن عروة بن الزبير قال : كنّا جلوسا في مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله فتذاكرنا أعمال أهل بدر و بيعة الرضوان ، فقال أبو الدرداء :

أ لا أخبركم بأقل القوم مالا و اكثرهم ورعا و أشدّهم اجتهادا في العبادة فقالوا :

قل ، قال : علي بن أبي طالب عليه السلام ، فما كان في المجلس أحد إلاّ أعرض عنه بوجهه ، ثم انتدب له رجل من الأنصار فقال له : يا عويمر لقد تكلّمت بكلمة ما وافقك عليها أحد منذ أتيت بها فقال : إنّي قائل ما رأيت و ليقل كلّ قوم منكم ما رأوا ، شهدت عليا عليه السلام بشويحاط بني النجار و قد اعتزل عن مواليه و اختفى مما يليه و استتر بمغيلات النخل ، فافتقدته فقلت : لحق بمنزله ، فإذا أنا بصوت حزين و نغمة شجي و هو يقول : « إلهي كم من موبقة حلمت عنّي في مقابلتها

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه عن أمالي الصدوق المجلسي في البحار ٤١ : ١٣ ح ٣ .

٤٠٥

بنعمتك ؟ و كم من جريرة تكرّمت عن كشفها بكرمك ؟ الهي ، إن طال في عصيانك عمري و عظم في الصحف ذنبي فما أنا مؤمّل غير غفرانك و لا أنا براج غير رضوانك » .

ثم فزع إلى الدعاء و البّث و الشكوى ، فكان مما ناجى اللّه به أن قال « إلهي أفكّر في عفوك فتهون علي خطيئتي ، ثم أذكر العظيم من أخذك فتعظم علي بليّتي آه ان قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها و أنت محصيها فتقول خذوه ،

فياله من مأخوذ لا تنجيه عشيرته و لا تنفعه قبيلته ، يرحمه الملأ إذا أذن فيه بالنّداء ، آه من نار تنضج الأكباد و الكلى ، آه من نار نزّاعة للشّوى ، آه من غمرة من ملهبات لظى » .

ثم أنعم في البكاء فلم أسمع له حسّا ، فقلت : غلبه النوم لطول السهر أوقظه لصلاة الفجر ، فأتيته فاذا هو كالخشبة الملقاة فحرّكته فلم يتحرك ،

فقلت : ( إنا للّه و إنّا إليه راجعون ) مات و اللّه علي فأتيت منزله مبادرا أنعاه ،

فقالت فاطمة عليها السلام : ما كان من شأنه فأخبرتها فقالت : هي و اللّه يا أبا الدرداء الغشية الّتي تأخذه من خشية اللّه الخبر ١ . و لابن فارض فيه عليه السلام :

هو البّكاء في المحراب ليلا

هو الضحّاك إذا اشتدّ الضّراب

« و يقول يا دنيا يا دنيا إليك » أي : أمسك « عنّي أ بي تعرضت ام إلّي تشوّقت لا حان حينك » أي : لا صار ذاك الوقت . قالت بثينة :

و إن سلوي عن جميل لساعة

من الدهر ما حانت و لا حان حينها

في ( المناقب ) : يروي أنّه عليه السلام كان في بعض حيطان فدك و في يده مسحاة ، فهجمت عليه أمرأة من أجمل النساء فقالت : يا ابن أبي طالب إن تزوّجتني أغنيك عن هذه المسحاة ، و أدلّك على خزائن الأرض ، و يكون لك

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أمالي الصدوق : ٧٢ ح ٩ ، المجلس ١٨ ، و النقل بتصرف يسير .

٤٠٦

الملك ما بقيت ، قال لها : فمن أنت ؟ قالت : أنا الدّنيا فقال عليه السلام : ارجعي فاطلبي زوجا غيري فلست من شأني ، و أقبل على مسحاته و أنشأ :

لقد خاب من غرّته دنيا دنيّة

و ما هي إن غرّت قرونا بباطل

أتتنا على ذي العروس بثينة

و زينتها في تلك الشمائل

فقلت لها : غرّي سواى فانّني

عزوف عن الدنيا و لست بجاهل

و ما أنا و الدّنيا و أنّ محمدا

رهين بقفر بين تلك الجنادل

وهبنا أتتنا بالكنوز و درّها

و أموال قارون و ملك القبائل

أليس جميعا للفناء مصيرها

و يطلب من خزّانها بالطوائل

فغرّي سواي إنّني غير راغب

لما فيك من عزّ و ملك و نائل

و قد قنعت نفسي بما قد رزقته

فشأنك يا دنيا و أهل الغوائل

فإنّي أخاف اللّه يوم لقائه

و أخشى عذابا دائما غير زائل ١

« هيهات غرّي غيري » عن أبي الأسود الدؤلي و قد نقله ابن أبي الحديد في موضع آخر قال : لما ظهر علي عليه السلام يوم الجمل دخل بيت المال بالبصرة في ناس من المهاجرين و الأنصار و أنا معهم ، فلما رأى كثرة ما فيه قال « غرّي غيري » مرارا ثم نظر إلى المال و صعّد فيه بصره و صوّب فقال : إقسموه بين أصحابي خمسمائة ، فقسّم بينهم ، فلا و الّذي بعث محمدا صلّى اللّه عليه و آله بالحقّ ما نقص درهما و لا زاد درهما ، كأنه كان يعرف مبلغه ، و مقداره كان ستة آلاف درهم و الناس اثنا عشر ألفا .

و عن حبة العرني : قسّم علي عليه السلام بيت مال البصرة على أصحابه خمسمائة خمسمائة و اخذ خمسمائة درهم كواحد منهم ، فجاءه إنسان لم يحضر الوقعة فقال له عليه السلام : كنت شاهدا معك بقلبي و ان غاب عنك جسمي

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مناقب السروي ٢ : ١٠٢ .

٤٠٧

فأعطني من الفي‏ء شيئا ، فدفع إليه الّذي أخذه لنفسه و هو خمسمائة و لم يصب من الفي‏ء شيئا ١ .

و في ( غارات الثقفي ) و في ( المناقب ) : و أتي عليه السلام بمال فكوّم كومة من ذهب و كومة من فضة و قال : يا صفراء اصفري يا بيضاء ابيضّي و غرّي غيري

هذا جناي و خياره فيه

إذ كلّ جان يده إلى فيه ٢

هذا ، و في قصة يوذاسف و بلوهر الّتي رواها ( الإكمال ) : أنّ رجلا كان في قوم ، فركبوا سفينة ، فساروا في البحر ليالي و أياما ، ثم انكسرت سفينتهم بقرب جزيرة فيها الغيلان ، فغرقوا سواه و ألقاه البحر إلى الجزيرة ، و كانت الغيلان يشرفن من الجزيرة إلى البحر ، فأتى غولا فهواها و نكحها حتى إذا كان مع الصبح قتلته ، و قسّمت أعضاءه بين صواحبها ، و اتّفق مثل ذلك لرجل آخر فأخذته ابنة ملك الغيلان فانطلقت به فبات معها ينكحها و قد علم الرجل ما لقي من كانه قبله فلم ينام حذرا ، حتى إذا كان مع الصبح نامت الغول فانسلّ الرجل حتى أتى الساحل ، فاذا هو بسفينة فنادى أهلها و استغاث بهم فحملوه حتى أتوا به أهله ، فأصبحت الغيلان فأتوا الغولة الّتي باتت معه فقالوا لها : أين الرجل الّذي بات معك ؟ قالت : إنّه قد فرّ منّي فكذبوها و قالوا : أكلتيه و استأثرت به علينا فلنقتلنّك إن لم تأتنابه ، فمرّت في الماء حتى أتته في منزله و رحله ، فدخلت عليه و جلست عنده و قالت له : ما لقيت في سفرك هذا ؟ قال :

لقيت بلاء خلّصني اللّه منه و قّص عليها ذلك فقالت : و قد تخلّصت ؟ قال : نعم فقالت : أنا الغول و جئت لأخذك فقال لها : أنشدك اللّه أن لا تهلكيني فانّي أدلّك

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٤٩ و ٢٥٠ .

( ٢ ) الغارات ١ : ٥٧ ، و مناقب السروي ٢ : ٩٥ و اللفظ اللسروي .

٤٠٨
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد السادس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

على مكان رجل ، قالت : فإنّي أرحمك ، فانطلقا حتى إذا دخلا على الملك قالت :

إسمع منّا أصلح اللّه الملك ، إنّي تزوّجت بهذا الرجل و هو من أحبّ الناس إليّ ، ثم إنّه كرهني و كره صحبتي ، فانظر في أمرنا ، فلمّا رآها الملك أعجبه جمالها فخلا بالرجل فسارّه و قال له : إنّي أحببت أن تتركها فأتزوّجها . قال : نعم ، ما تصلح إلاّ للملك . فتزوّج بها ، و بات معها حتى إذا كانت مع السحر ذبحته و قطعت أعضاءه و حملته إلى صواحبها ١ .

و في ( المناقب ) : و سأله عليه السلام أعرابي شيئا فأمر له بألف ، فقال الوكيل :

من ذهب أو فضة ؟ فقال عليه السلام كلاهما عندي حجران فأعط الأعرابي أنفعهما له ٢ .

و في ( جمل المفيد ) : لما خرج عثمان بن حنيف من البصرة و عاد طلحة و الزبير إلى بيت المال فتأمّلا إلى ما فيه من الذهب و الفضة ، قالوا : هذه الغنائم الّتي وعدنا اللّه بها و أخبرنا أنّه يعجّلها لنا . قال أبو الأسود : سمعت هذا منهما ،

و رأيت عليا عليه السلام بعد ذلك و قد دخله ( أي : بيت المال ) فلما رأى ما فيه قال : يا صفراء يا بيضاء غرّي غيري ، المال يعسوب الظلمة ، و أنا يعسوب المؤمنين ،

فلا و اللّه ما التفت إلى ما فيه ٣ .

« لا حاجة لي فيك قد طلّقتك ثلاثا لا رجعة فيها » قال تعالى : الطلاق مرَّتان إلى أن قال فان طلّقها فلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ ٤ الآية . و لقد أجاد العطار النيسابوري بالفارسية في وصفه عليه السلام :

ــــــــــــــــــ

( ١ ) نقل القصة بطولها الصدوق في كمال الدين ٢ : ٥٧٧ ، و هو من اساطير الهند و قد اشار إليها ابن النديم في الفهرست : ٣٦٤ .

( ٢ ) مناقب السروي ٢ : ١١٨ .

( ٣ ) الجمل : ١٥٤ .

( ٤ ) البقرة : ٢٢٩ و ٢٣٠ .

٤٠٩

چنان مطلق شد اندر فقر وفاقه

كه زر و نقره بودش سه طلاقه

اگر علمش بدى بحر مصور

در او يك قطره بودى بحر اخضر

چه در سر عطا اخلاص او را است

سه نان هفده آيه خاص او راست

گرفته اين جهان وصف سنانش

گذشته زان جهان وصف سه نانش

و في ( العقد الفريد ) : كان علي عليه السلام يقسّم بيت المال في كلّ جمعة حتى لا يبقي منه شيئا ، ثم يرش له ، و يقيل فيه ، و يتمثل بهذا البيت :

هذا جناي و خياره فيه

إذ كلّ جان يده إلى فيه ١

هذا ، و قال المعرّي مخاطبا الدنيا :

يا امّ دفر نحاك اللّه والدة

فيك الخناء و فيك البؤس و السرف

لو أنّك العرس أوقعت الطلاق بها

لكنّك الأم مالي عنك منصرف

و قال بعضهم :

طلق اللهو فؤادي ثلاثا

لا ارتجاع لي بعد الثلاث

و قالوا : كان المعدل و أويس يطلقان ثمّ يرجعان ، فطلق رجل آخر امرأته و كانت من بني غلاب فقال :

لقد طلقت اخت بني غلاب

طلاقا ما أظنّ له ارتدادا

و لم أك كالمعدل أو أويس

إذا ما طلقّا ندما فعادا

و قال أحمد بن إسحاق بن بهلول في ابن الفرات ، و قد كان صار وزيرا ثلاث مرات :

قل لهذا الوزير قول محقّ

بثّه النّصح أيّما إبثاث

قد تقلّدتها ثلاثا ثلاثا

و طلاق البتات عند الثلاث

و كان الأمر كما قاله فقتل ابن الفرات في وزارته الثالثة في محبسه .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) العقد الفريد ٥ : ٥٩ ، و فيه « يفرش له » .

٤١٠

« فعيشك قصير » فقالوا : الدّنيا أشبه شي‏ء بظلّ الغمام و حلم النّيام .

و في السير : أنّ عبد الملك لمّا قتل مصعبا و ملك العراق و دخل الكوفة ،

صنع عمرو بن حريث له طعاما كثيرا و أمر به إلى الخورنق و أذن إذنا عامّا ،

فدخل الناس و أخذوا مجالسهم ، و أجلس عبد الملك ، عمرو بن حريث معه على سريره ، ثم جاءت الموائد فأكلوا ، فقال عبد الملك : ما ألّذ عيشنا لو دام ، و لكنّا كما قال الأول :

و كلّ جديد يا أميم إلى بلى

و كلّ أمري‏ء يوما يصير إلى كان

فلمّا فرغوا من الطعام طاف عبد الملك في القصر ، و عمرو بن حريث معه ، و هو يسأله لمن هذا البيت و من بنى هذا البيت ، و عمرو يخبره ، فقال عبد الملك :

إعمل على مهل فانّك ميّت

و اكدح لنفسك أيّها الإنسان

فكأنّ ما قد كان لم يك إذ مضى

و كأنّ ما هو كائن قد كان

« و خطرك » أي : قدرك و منزلتك « يسير » ، في الخبر لو كانت الدنيا تعدل عند اللّه تعالى جناح بعوضة ما سقي كافرا منها شربة ماء ١ .

« و أملك حقير » قالوا : المرء في دنياه بين أماني ممدودة و عواري مردودة .

و قال تعالى : زُيّنَ للنّاسِ حبُّ الشهواتِ من النساءِ و البنينَ و القناطيرِ المقنطرةِ من الذّهبِ و الفضةِ و الخيل المسوَّمة و الأنعامِ و الحرثِ ذَلكَ مَتاعُ الحياةِ الدنيا و اللَّهُ عندَهُ حُسْنُ المآبِ . قل أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيرٍ من ذلِكُمْ لِلَّذين اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهم جنّات تَجْرِي من تحتها الأنهار خالِدين فيها و أزواج مطهّرة و رضوان من اللَّه ، و اللَّه بصير بالعباد . الذين يقولون ربنا إنَّنا آمنّا فاغفر لنا

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أخرجه الترمذي في سننه ٤ : ٥٦٠ ح ٢٣٢٠ .

٤١١

ذنوبنا و قنا عذاب النّار . الصّابرين و الصّادقين و القانتين و المنفقين و المستغفرين بالأسحار ١ .

« آه » في ( القاموس ) : بكسر الهاء بدون التنوين ، و معه تقال عند الشكاية أو التوجّع ٢ « من قلة الزاد » أي : زاد الآخرة و هي التقوى .

هذا ، و في ( القاموس ) : ازواد الركب مسافر بن أبي عمرو و زمعة بن الأسود و أبو امية بن المغيرة ، لأنه لم يكن يتزود معهم احد في سفر يطعمونه و يكفونه الزاد ، و زاد الركب فرس أعطاه سليمان عليه السلام للأزد لمّا وفدوا عليه ٣ .

« و طول الطريق » في البرزخ « و بعد السفر » في المحشر « و عظيم المورد » النّار . قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن و صدق المرسلون ٤ ، يوماً يجعل الولدان شيباً ٥ ، و إن منكم إلاّ واردها كان على ربّك حتماً مقضيّاً . ثم ننجّي الذين اتّقوا و نذر الظالمين فيها جِثيّاً ٦ .

٨

الحكمة ( ١٠٤ ) وَ عَنْ ؟ نَوْفٍ اَلْبَكَّالِيِّ ؟ قَالَ : رَأَيْتُ ؟ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ ع ؟ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَ قَدْ خَرَجَ مِنْ فِرَاشِهِ فَنَظَرَ فِي اَلنُّجُومِ فَقَالَ لِي يَا ؟ نَوْفُ ؟ أَ رَاقِدٌ أَنْتَ أَمْ رَامِقٌ قُلْتُ بَلْ رَامِقٌ قَالَ يَا ؟ نَوْفُ ؟ طُوبَى لِلزَّاهِدِينَ فِي اَلدُّنْيَا اَلرَّاغِبِينَ فِي اَلْآخِرَةِ أُولَئِكَ قَوْمٌ اِتَّخَذُوا اَلْأَرْضَ

ــــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ١٤ ١٧ .

( ٢ ) القاموس المحيط ٤ : ٢٨٠ ، مادة ( اوه ) .

( ٣ ) القاموس المحيط ١ : ٢٩٨ ، مادة ( زود ) .

( ٤ ) يس : ٥٢ .

( ٥ ) المزمل : ١٧ .

( ٦ ) مريم : ٧١ و ٧٢ .

٤١٢

بِسَاطاً وَ تُرَابَهَا فِرَاشاً وَ مَاءَهَا طِيباً وَ ؟ اَلْقُرْآنَ ؟ شِعَاراً وَ اَلدُّعَاءَ دِثَاراً ثُمَّ قَرَضُوا اَلدُّنْيَا قَرْضاً عَلَى مِنْهَاجِ ؟ اَلْمَسِيحِ ؟ يَا ؟ نَوْفُ ؟ إِنَّ ؟ دَاوُدَ ع ؟ قَامَ فِي مِثْلِ هَذِهِ اَلسَّاعَةِ مِنَ اَللَّيْلِ فَقَالَ إِنَّهَا سَاعَةٌ لاَ يَدْعُو فِيهَا عَبْدٌ إِلاَّ اُسْتُجِيبَ لَهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَشَّاراً أَوْ عَرِيفاً أَوْ شُرْطِيّاً أَوْ صَاحِبَ عَرْطَبَةٍ وَ هِيَ اَلطُّنْبُورُ أَوْ صَاحِبَ كُوبَةٍ وَ هِيَ اَلطَّبْلُ وَ قَدْ قِيلَ أَيْضاً إِنَّ اَلْعَرْطَبَةَ اَلطَّبْلُ وَ اَلْكُوبَةَ اَلطُّنْبُورُ أقول : رواه المسعودي في ( مروجه ) و الكراجكي في ( كنزه ) و الصدوق في ( خصاله ) و المفيد في ( أماليه ) .

أما الأول فقال : كان محمد بن علي الربعي ممّن يكثر ملازمة المهتدي ،

فقال محمد : قال لي المهتدي ذات ليلة أتعرف خبر نوف الّذي حكاه عن علي عليه السلام حين كان يبايته ؟ قلت : نعم ، ذكر نوف قال : رأيت عليا عليه السلام ليلة قد اكثر الخروج و الدخول و النظر إلى السماء ثمّ قال لي : يا نوف : أ نائم أنت ؟ قلت :

بل رامق ، أرمق بعيني منذ الليلة يا أمير المؤمنين ، فقال لي : يا نوف ، طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة ، اولئك قوم اتخذوا ارض اللّه بساطا و ترابها ثيابا و ماءها طيبا و الكتاب شعارا و الدعاء دثارا ، ثم قرضوا الدنيا قرضا على منهاج المسيح عيسى بن مريم عليه السلام . يا نوف ان اللّه تعالى أوحى إلى عبده عيسى عليه السلام أن قل لبني إسرائيل ألاّ يدخلوا إليّ إلاّ بقلوب وجلة و أبصار خاشعة و أكفّ نقيّة ، و أعلمهم أنّي لا أجيب لأحد منهم دعوة ، و لأحد من خلقي قبلهم مظلمة . قال الربعي : فو اللّه لقد كتب المهتدي هذا الخبر بخطّه و قد كنت أسمعه في جوف الليل ، و قد خلا بربّه في بيت كان لخلوته و هو يبكي و يقول : يا نوف طوبى للزاهدين في الدنيا ، الراغبين في الآخرة ، و يمرّ في الخبر

٤١٣

إلى آخره . إلى أن كان من أمره ما كان مع الأتراك و قتلهم إيّاه ١ .

و أما الثاني : فروي مسندا عن الباقر عن آبائه عليهم السلام أنّ عليّا عليه السلام قال لمولاه نوف الشبامي و هو معه في السطح يا نوف أراقد أم نبهان ؟ قال :

نبهان أرمقك يا أمير المؤمنين قال : هل تدري من شيعتي ؟ قال : لا و اللّه قال :

شيعتي الذّبّل الشفاه الخمص البطون الّذين تعرف الرهبانية و الربّانية في وجوههم ، رهبان بالليل أسد بالنّهار ، الّذين إذا جنّهم الليل اتزروا على أوساطهم و ارتدوا على أطرافهم و صفّوا أقدامهم و افرشوا جباههم ، تجري دموعهم على خدودهم يجأرون إلى اللّه في فكاك رقابهم ، و أمّا النّهار فحلماء ،

علماء ، كرام نجباء ، أبرار أتقياء ، يا نوف ، شيعتي الّذين اتخذوا الأرض بساطا و الماء طيبا و القرآن شعارا ، إن شهدوا لم يعرفوا ، و ان غابوا لم يفتقدوا ،

شيعتي من لم يهرّ هرير الكلب و لا يطمع طمع الغراب ، و لم يسأل الناس و لو مات جوعا ، ان رأى مؤمنا أكرمه و إن رأى فاسقا هجره ، هؤلاء و اللّه يا نوف شيعتي شرورهم مأمونة و قلوبهم محزونة و حوائجهم خفيفة ، و أنفسهم عفيفة ، اختلفت بهم الأبدان و لم تختلف قلوبهم . قلت : جعلني اللّه فداك أين أطلب هؤلاء ؟ قال : في أطراف الأرض ٢ .

و اما الثالث : فروي مسندا عن نوف قال : بتّ ليلة عند أمير المؤمنين عليه السلام ، فكان يصلّي الليل كلّه و يخرج ساعة بعد ساعة فينظر إلى السماء و يتلو القرآن ، فمرّ بي بعد هدوّ من الليل ، فقال : يا نوف أراقد أنت أم رامق ؟ قلت : بل رامق أرمقك ببصري ، قال : يا نوف طوبى للزاهدين في الدنيا و الراغبين في الآخرة ، اولئك الذين اتخذوا الأرض بساطا و ترابها فراشا ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب ٤ : ١٠٦ ١٠٧ .

( ٢ ) كنز الفوائد : ٣٠ .

٤١٤

و ماءها طيبا ، و القرآن دثارا و الدعاء شعارا ، قرضوا من الدنيا تقريضا على منهاج عيسى بن مريم عليه السلام ، إنّ اللّه عزّ و جلّ أوحى إلى عيسى قل للملأ من بني اسرائيل لا يدخلوا بيوتا من بيوتي ، إلاّ بقلوب طاهرة و أبصار خاشعة و أكفّ نقيّة ، و قل لهم : إنّي غير مستجيب لأحد منكم دعوة و لأحد من خلقي قبله مظلمة ، يا نوف إيّاك أن تكون عشّارا أو شاعرا أو شرطيا أو عريفا أو صاحب عرطبة و هي الطنبور أو صاحب كوبة و هي الطبل فإنّ نبي اللّه صلّى اللّه عليه و آله خرج ذات ليلة فنظر إلى السماء فقال : إنّها الساعة لا تردّ فيها دعوة إلاّ دعوة عريف أو دعوة شاعر أو دعوة عاشر او شرطي أو صاحب عرطبة أو صاحب كوبة ١ .

و أمّا الرابع : فرواه مثل الثالث لكن فيه « و ترابه وسادا » و فيه « يقرضون الدنيا قرضا على منهاج المسيح عليه السلام » و فيه « إنّ اللّه تعالى أوحى إلى عيسى عليه السلام يا عيسى عليك بالمنهاج الأول تلحق ملاحق المرسلين ، قل لقومك يا أخا المنذرين : ألاّ يدخلوا بيتا من بيوتي إلاّ بقلوب طاهرة و أيد نقيّة و أبصار خاشعة ، فانّي لا أسمع من داع دعاني و لأحد من عبادي عنده مظلمة و لا أستجيب له دعوة و لي قبله حقّ لم يرّده إليّ ، فان استطعت يا نوف أن لا تكون عريفا و لا شاعرا و لا صاحب كوبة و لا صاحب عرطبة فافعل ، فانّ داود عليه السلام رسول ربّ العالمين خرج ليلة من الليالي فنظر في نواحي السماء ، ثمّ قال : و اللّه رب داود إنّ هذه الساعة ، لساعة ما يوافقها عبد مسلم يسأل اللّه فيها خيرا إلاّ أعطاه إيّاه إلاّ أن يكون عريفا أو شاعرا أو صاحب كوبة أو صاحب عرطبة » ٢ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الخصال ١ : ٣٣٧ ح ٤٠ .

( ٢ ) أمالي المفيد : ١٣٣ ، المجلس ١٦ .

٤١٥

قول المصنف : « و عن نوف البكالي » هكذا في ( المصرية و ابن ميثم ) و لكن في ( ابن أبي الحديد ) « و عن نوف البكائي ، و قيل : البكالي باللام و هو الأصح » ١ و لعلّه كان حاشية خلط بالمتن .

و كيف كان فقال ابن أبي الحديد : الظاهر أنّ بكالا قبيلة من اليمن ، و أما بكيل فحيّ من همدان و إليهم أشار الكميت في قوله :

فقد شركت فيه بكيل و أرحب

فأمّا البكالي في نسب نوف فلا أعرفه ٢ .

قلت : أخذ كلامه بكيل من همدان و إليهم أشار الكميت في قوله : « فقد شركت فيه بكيل و أرحب » من ( الصحاح ) ٣ ، فلم لم يأخذ كلامه في بكال فقال :

و بنو بكال من حمير منهم نوف البكالي ٤ . ثمّ تعبيره « الظاهر أنّ بكالا من اليمن ، و أما بكيل فمن همدان » خطأ ، فهمدان أيضا من اليمن ، و لا معنى لجعل التقابل بين العامّ و الخاصّ .

ثم الأظهر كون بكال بالكسر كبكيل بالفتح كلّ منهما من همدان . قال ابن دريد في ( جمهرته ) : و بنو بكال و بنو بكيل أحسبهما من همدان . ثم جعل كون بكيل من همدان و بكال من حمير احتمالا ٥ ، و لم أجد خلافا في الثاني .

و يمكن الاستدلال للأول : بأنّ الطبري في عنوان ذكر خبر الخوارج ،

روى عن جبر بن نوف أبي الوداك الهمداني ٦ . و في المغرب : أنّ جبرا بن نوف

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٦٥ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ٢٩٣ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٦٥ و ٢٦٦ .

( ٣ ) صحاح اللغة ٤ : ١٦٣٨ ، مادة ( بكل ) .

( ٤ ) ليس هذا من كلام صاحب الصحاح ، بل هذا كلام الفيروز آبادي في القاموس ٣ : ٣٣٦ ، مادة ( بكل ) .

( ٥ ) جمهرة اللغة ١ : ٣٢٥ .

( ٦ ) تاريخ الطبري ٤ : ٥٧ ، سنة ٣٧ .

٤١٦

البكالي ١ . و السمعاني قال في بكال : ينسب إليه نوف بن فضالة البكالي و أبو الوداك جبر بن نوف البكالي و قيل البكيلي ، و قال في بكيل : بكيل بن جشم بن خيران بن نوف بن همدان رهط أبي الوداك جبر بن نوف البكيلي . فأتى بالاختلاف ٢ .

و اما قول ( القاموس ) في « خير » بالخاء ثمّ المثناة : و خيران ولد نوف بن همدان ٣ ، فلا ينافي ما قاله المغرب ، لأن ذاك ابن نوف البكالي و هذا ابن نوف ابن همدان ، إلاّ أنّ ( معجم البلدان ) قال في بكيل : هو جشم بن خيوان بن نوف بن همدان ٤ ، و المفهوم من خليفة كون بكال لا من همدان و لا من حمير ،

فعنون ( الاستيعاب ) « عمرو البكالي » و قال : قال خليفة هو من بني بكال بن دعمي بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن كهلان ٥ . و كيف كان فهمدان من كهلان بن سبأ ، فهو كما ذكر في ( المعارف ) ، ابن ربيعة بن خيار بن مالك بن زيد ابن كهلان ، و حمير هو ابن سبأ ٦ .

هذا ، و في ( ذيل الطبري و السمعاني ) ، أنّ نوف البكالي ، ابن أمرأة كعب الأحبار ٧ .

و مما يؤيد كون نوف همدانيا ، أنّ كنز الكراجكي كما عرفت وصفه بالشبامي ٨ . و جاء في كتاب ( اللباب لأبن أثير ) : أن شبام هو ابن اسعد بن

ــــــــــــــــــ

( ١ ) المغرب : ٣٤٣ ، مادة ( ود ) .

( ٢ ) انساب السمعاني : ٨٨ و ٨٩ .

( ٣ ) القاموس المحيط ٢ : ٢٥ ، مادة ( خير ) .

( ٤ ) معجم البلدان ١ : ٤٧٥ .

( ٥ ) الاستيعاب ٢ : ٥٣٣ .

( ٦ ) المعارف : ١٠١ و ١٠٥ .

( ٧ ) منتخب ذيل المذيل : ١٤٨ ، و انساب السمعاني : ٨٨ .

( ٨ ) كنز الفوائد : ٣٠ .

٤١٧

جشم ابن حاشد بن خيران بن نوف بن همدان ، و شبام : جبل سكنه عبد اللّه ١ .

و اما قول ( ابن ميثم ) : البكال منسوب إلى بكالة قرية من اليمن ٢ . فلا اعتبار له ،

و لم يقل به أحد .

« قال رأيت أمير المؤمنين عليه السلام ذات ليلة و قد خرج من فراشه فنظر في النجوم » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : « إلى النجوم » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٣ .

و ذكر الصدوق في كتاب ( الفقيه ) : مدح اللّه تعالى أمير المؤمنين عليه السلام في كتابه بقيام صلاة الليل فقال أمّن هو قانت آناء الليل ساجداً و قائماً يحذر الآخرة و يرجو رحمة ربه .

و فيه : قال أبو عبد اللّه عليه السلام إذا قام علي عليه السلام آخر الليل رفع صوته ، حتّى يسمع أهل الدار ، يقول : « اللهمّ أعنّي على هول المطّلع و وسّع علي المضطجع » .

و فيه عن أبي جعفر عليه السلام : إذا قمت من فراشك فانظر في افق السماء و قل :

« الحمد للّه الّذي ردّ علي روحي ، أعبده و أحمده ، اللهمّ إنّه لا يواري منك ليل داج و لا سماء ذات أبراج و لا أرض ذات مهاد و لا ظلمات بعضها فوق بعض و لا بحر لجيّ بين يدي المدلج من خلقك ، تعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصدور ،

غارت النجوم و نامت العيون و أنت الحيّ القيوم ، لا تأخذك سنة و لا نوم ،

سبحان ربّ العالمين ، و إله المرسلين ، و خالق النبيين و الحمد للّه ربّ العالمين ،

اللهمّ اغفر لي و ارحمني و تب علي إنّك أنت التوّاب الرّحيم » ثمّ اقرأ خمس آيات من آخر آل عمران إنّ في خلق السماوات و الأرض و اختلاف الليل و النّهار

ــــــــــــــــــ

( ١ ) اللباب لابن الأثير ٢ : ١٨٢ ، بتفاوت في العبارة .

( ٢ ) شرح ابن ميثم ٥ : ٢٩٣ .

( ٣ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٦٥ ، لكن في شرح ابن ميثم ٥ : ٢٩٣ ، « في » .

٤١٨

لآيات إلى قوله تعالى إنّك لا تخلف الميعاد ١ .

و عنه عليه السلام في قوله تعالى : تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربّهم خوفاً و طمعاً ٢ أنزلت في أمير المؤمنين عليه السلام و أتباعه من شيعتنا ،

ينامون في أول اللّيل ، فاذا ذهب ثلثا الليل أو ما شاء اللّه فزعوا إلى ربهم راغبين ،

راهبين ، طائعين ، فيما عنده ، فذكرهم اللّه تعالى في كتابه لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله و أخبرهم بما أعطاهم و أنّه أسكنهم في جواره و أدخلهم جنّته و آمن خوفهم و روعتهم ٣ .

« فقال لي يا نوف أ راقد » أي : نائم « أنت أم رامق » أي : ناظر ، و قد عرفت أنّ في رواية الكراجكي « أ راقد أم نبهان » ٤ و هو الأصح ، ففي مقابل الرقود : النبه و اليقظة ، لا الرمق ، و لا وجه لأن يقول ذلك عليه السلام ، و إنّما المناسب قول نوف كما عرفته من رواية الكراجكي أنه قال له عليه السلام « نبهان أرمقك » ، و كيف كان فهكذا في ( المصرية ) بلا زيادة و فيها سقط ، ففي ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) « فقلت : بل رامق يا أمير المؤمنين » ٥ .

« قال يا نوف طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة » ، و من كلامه عليه السلام أيضا : طوبى لمن أخلص للّه العبادة و الدعاء ، و لم يشغل قلبه بما ترى عيناه ، و لم ينس ذكر اللّه بما تسمع أذناه ، و لم يحزن صدره بما أعطي غيره ٦ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) آل عمران : ١٩٠ ١٩٤ .

( ٢ ) السجدة : ١٦ .

( ٣ ) الفقيه ١ : ٢٩٩ و : ٣٠٤ ح ٣ و ٤ و : ٣٠٥ ح ٥ .

( ٤ ) كنز الفوائد : ٣٠ .

( ٥ ) شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٦٥ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ٢٩٣ .

( ٦ ) أخرجه الكليني في الكافي ٢ : ١٦ ح ٣ .

٤١٩

« اولئك قوم اتخذوا الأرض بساطا و ترابها فراشا » و في رواية ( أمالي المفيد ) « وسادا » ١ .

« و ماءها طيبا » لإعراضهم عن زهرة الحياة الدنيا « و القرآن شعارا » أي : ما ولي الجسد من الثياب .

« و الدعاء دثارا » ما كان فوق الشعار من الثياب .

« ثم قرضوا الدنيا » أي : جازوها ، قال تعالى : و إذا غربت تقرضهم ذات الشمال ٢ أي : تجوزهم و تتركهم في شمالها . و قال ذو الرمة :

إلى ظعن يقرضن أجواز مشرف

شمالا و عن أيمانهن الفوارس

« قرضا على منهاج المسيح » الّذي كانت دابّته رجليه ، و سراجه في الليل القمر .

« يا نوف إنّ داود عليه السلام قام في مثل هذه الساعة من الليل فقال : إنّها ساعة لا يدعو فيها عبد إلاّ استجيب له » ، في ( الكافي ) عن الصادق عليه السلام : إنّ في الليل لساعة ما يوافقها عبد مسلم ثمّ يصلّي و يدعو اللّه فيها إلاّ استجيب له في كل ليلة ، قلت :

و أيّ ساعة هي من الليل ، قال : إذا مضي نصف الليل و هي السدس الأول من اوّل النصف ٣ .

« إلاّ أن يكون عشّارا » من يأخذ من قبل السلطان عشر أموال الناس « أو عريفا » القيّم بأمر الناس بعد الرئيس يعرّفهم له « أو شرطيا » أي : جنديا ، من « أشرط نفسه لأمر كذا » أي : أعلمها ، و الجند يجعلون لأنفسهم علامة يعرفون بها .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أمالي المفيد : ١٣٣ .

( ٢ ) الكهف : ١٧ .

( ٣ ) الكافي ٢ : ٤٧٨ ح ١٠ .

٤٢٠