بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء ٦

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة0%

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 601

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

مؤلف: الشيخ محمد تقي التّستري
تصنيف:

الصفحات: 601
المشاهدات: 108962
تحميل: 4111


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 601 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 108962 / تحميل: 4111
الحجم الحجم الحجم
بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة

بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة الجزء 6

مؤلف:
العربية

و لو لا الطاعة لكان فينا عزّ و منعة . فقال : تهدديني بقومك ؟ لقد هممت أن أردك إلى بسر و كانت قدمت في الشكاية منه فسكتت ثم قالت :

صلّى الإله على روح تضمّنه

قبر فأصبح فيه العدل مدفونا

قد حالف الحقّ لا يبغي به ثمنا

فصار بالحقّ و الإيمان مقرونا

قال : و من ذلك ؟ قالت : علي بن أبي طالب عليه السلام ، أتيته يوما في رجل ولاّه صدقاتنا ، فكان بيننا و بينه الغثّ و السمين ، فوجدته قائما يصلّي ، فانفتل من الصلاة ثم قال برأفة : ألك حاجة ؟ فأخبرته فبكى ثم رفع يديه إلى السماء فقال :

انّي لم آمرهم بظلم خلقك ، ثمّ أخرج من جيبه قطعة من جراب فكتب « قد جاءتكم بيّنة من ربكم فأوفوا الكيل و الميزان و لا تبخسوا النّاس أشياءهم و لا تعثوا في الأرض مفسدين . بقيّة اللّه خير لكم إن كنتم مؤمنين . و ما أنا عليكم بحفيظ » ١ إذا أتاك كتابي هذا فاحتفظ بما في يديك ، حتى يأتي من يقبضه منك .

فقال لها معاوية : لقد لمظكم ابن أبي طالب الجرأة على السلطان ٢ .

« فأنا اغيّره بمعونة اللّه إن شاء » هكذا في ( المصرية ) ، و فيها زيادة و نقيصة ، و الصواب : « أغيّره بمعونة اللّه إن شاء اللّه » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٣ و كذا ( الخطية ) .

٣

الكتاب ( ٥٠ ) و من كتاب له عليه السلام إلى أمرائه على الجيوش :

مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَمِيْرِ اَلْمُؤْمِنِيْنِ إِلَى أَصْحَابِ اَلْمَسَالِحِ ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) هذا خلط بين آية ( الأعراف : ٨٥ ) و آيتي ( هود : ٨٥ و ٨٦ ) .

( ٢ ) العقد الفريد ١ : ٢٩١ و النقل بتصرف يسير .

( ٣ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ١٤٧ ، لكن في شرح ابن ميثم ٥ : ١٩٨ نحو المصرية .

٥٦١

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ عَلَى اَلْوَالِي أَلاَّ يُغَيِّرَهُ عَلَى رَعِيَّتِهِ فَضْلٌ نَالَهُ وَ لاَ طَوْلٌ خُصَّ بِهِ وَ أَنْ يَزِيدَهُ مَا قَسَمَ اَللَّهُ لَهُ مِنْ نِعَمِهِ دُنُوّاً مِنْ عِبَادِهِ وَ عَطْفاً عَلَى إِخْوَانِهِ أَلاَ وَ إِنَّ لَكُمْ عِنْدِي أَلاَّ أَحْتَجِزَ دُونَكُمْ سِرّاً إِلاَّ فِي حَرْبٍ وَ لاَ أَطْوِيَ دُونَكُمْ أَمْراً إِلاَّ فِي حُكْمٍ وَ لاَ أُؤَخِّرَ لَكُمْ حَقّاً عَنْ مَحَلِّهِ وَ لاَ أَقِفَ بِهِ دُونَ مَقْطَعِهِ وَ أَنْ تَكُونُوا عِنْدِي فِي اَلْحَقِّ سَوَاءً فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ وَجَبَتْ لِلَّهِ عَلَيْكُمُ اَلنِّعْمَةُ وَ لِي عَلَيْكُمُ اَلطَّاعَةُ وَ أَلاَّ تَنْكُصُوا عَنْ دَعْوَةٍ وَ لاَ تُفَرِّطُوا فِي صَلاَحٍ وَ أَنْ تَخُوضُوا اَلْغَمَرَاتِ إِلَى اَلْحَقِّ فَإِنْ أَنْتُمْ لَمْ تَسْتَقِيمُوا عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَهْوَنَ عَلَيَّ مِمَّنِ اِعْوَجَّ مِنْكُمْ ثُمَّ أُعْظِمُ لَهُ اَلْعُقُوبَةَ وَ لاَ يَجِدُ عِنْدِي فِيهَا رُخْصَةً فَخُذُوا هَذَا مِنْ أُمَرَائِكُمْ وَ أَعْطُوهُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ مَا يُصْلِحُ اَللَّهُ بِهِ أَمْرَكُمْ أقول : رواه نصر بن مزاحم في ( صفينه ) فقال : كتب علي عليه السلام إلى امراء الجنود « بسم اللّه الرحمن الرحيم ، من عبد اللّه علي أمير المؤمنين ، أما بعد فإنّ حقّا على الوالي أن لا يغيّره على رعيته أمر ناله و لا أمر خصّ به ، و ان يزيده ما قسم اللّه له دنوا من عباده و عطفا عليهم . ألا و إن لكم عندي ألاّ احتجز دونكم سرّا إلاّ في حرب و لا أطوي لكم أمرا إلاّ في حكم ، و لا أؤخّر لكم حقّا عن محله ،

و لا أرزؤكم شيئا ، و أن تكونوا عندي في الحقّ سواء . فإذا فعلت ذلك وجبت عليكم النصيحة و الطاعة . فلا تنكصوا عن دعوتي ، و لا تفرطوا في صلاح دينكم من دنياكم ، و أن تنفذوا لما هو للّه طاعة و لمعيشتكم صلاح ، و أن تخوضوا الغمرات الى الحقّ و لا يأخذكم في اللّه لومة لائم . فإن أبيتم أن تستقيموا لي على ذلك لم يكن أحد أهون علي ممّن فعل ذلك ، ثم اعاقبه عقوبة لا يجد عندي فيها هوادة ، فخذوا هذا من أمرائكم و أعطوهم من أنفسكم

٥٦٢

ما يصلح اللّه أمركم . و السلام . و نقل عن أمالي الشيخ ١ .

« من عبد اللّه علي بن أبي طالب أمير المؤمنين » هكذا في ( المصرية ) أخذا عن ( ابن أبي الحديد ) ، و الذي وجدت فيه « من عبد اللّه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب » . و كيف كان ففي ( ابن ميثم ) « من عبد اللّه علي أمير المؤمنين » ٢ .

« إلى أصحاب المسالح » جمع المسلحة ، ثغر أعدّ فيه الأسلحة ، و قالوا أدنى مسالح فارس إلى العرب ، العذيب .

« أما بعد فإن حقّا على الوالي » أي : واجبا عليه « ألا يغيّره على رعيته » الذين هم تحت رعيه « فضل ناله » من الرياسة « و طول » بالفتح « خصّ به » دون الرعيّة من القدرة .

« و أن يزيده ما قسم اللّه له من نعمه دنوا » أي : اقترابا « من عباده » شكرا لنعمه « و عطفا » أي : إشفاقا ، و منه « العطفة » خرزة تؤخذ بها النساء الرجال « على إخوانه » في الدين .

« ألا و إنّ لكم عندي » من الحق « ألا احتجز » أي : امتنع « دونكم سرّا إلاّ في حرب » لترتّب المفاسد على كشفه بفهم العدو المقاصد .

و في ( تأريخ الطبري ) : كان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قلّما يخرج في غزوة إلاّ كنّى عنها و أخبر أنّه يريد غير الذي يصمد له ، إلاّ ما كان من غزوة تبوك ، فانّه بيّنها للناس لبعد الشّقة و شدّة الزمان ، فكان النّبيّ تهيّأ لذلك في شدّة من الحرّ وجدب من البلاد ، و حين طابت الثمار و أحبّت الظلال ، فأخبرهم أنّه يريد الروم ليتأهب الناس لذلك أهبته ٣ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) وقعة صفين : ١٠٧ ، و أمالي أبي علي الطوسي ١ : ٢٣١ جزء ٨ .

( ٢ ) كذا في شرح ابن ميثم ٥ : ١٢٧ ، لكن في شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ١٦ نحو المصرية .

( ٣ ) تاريخ الطبري ٢ : ٣٦٦ و ٣٦٧ سنة ٩ و النقل بتصرف يسير .

٥٦٣

و فيه في فتح مكة خرج النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى مكة ، فقائل يقول يريد قريشا ، و قائل يقول يريد هوازن ، و قائل يقول يريد ثقيفا ، و بعث إلى القبائل فتخلّفت عنه و لم يعقد الألوية و لم ينشد الرايات حتّى قدم قديدا ، فلقيته بنو سليم على الخيل و السلاح التام ، و قد كان عيينة لحق النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالعرج في نفر من أصحابه و لحقه الأقرع بن حابس بالسقيا ، فقال للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : و اللّه ما أرى آلة الحرب و لا تهيئة الإحرام فأين تتوجّه ؟ فقال النبي : حيث شاء اللّه . ثم دعا النبي ان تعمى عليهم الأخبار الخ ١ .

« و لا أطوي » الطي : ضد النشر « دونكم أمرا إلاّ في حكم » فإنّه إلى الإمام .

في ( الفقيه ) : قال الصادق عليه السلام : إذا كان الحاكم يقول لمن عن يمينه ، و لمن عن يساره ، ما تقول و ما ترى ؟ فعلى ذلك لعنة اللّه و الملائكة و الناس أجمعين ألاّ يقوم من مجلسه و يجلسهما مكانه ، و إنّ رجلا نزل بعليّ عليه السلام فمكث عنده أياما ، ثم تقدّم إليه في حكومة لم يذكرها لعليّ ، فقال عليه السلام له : اخصم أنت ؟ قال :

نعم . قال : تحول عنّا ، فان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نهى أن يضاف الخصم إلاّ و معه خصمه ٢ .

هذا ، و رووا أن امرأة جاءت إلى عمر فقالت له : إنّ زوجي يصوم النهار و يقوم الليل ، و إنّي أكره أن أشكوه ، و هو يعمل بطاعة اللّه ، فقال : نعم الزوج زوجك فجعلت تكرر عليه القول و جعل يكرّر الجواب فقال له كعب بن سور : إنّها تشكو زوجها في مباعدته إيّاها عن فراشه ، ففطن عمر حينئذ و قال له : و قد ولّيتك الحكم بينهما ، فقال كعب : علي بزوجها ، فأتي به فقال له : إنّ امرأتك هذه تشكوك ، قال : في طعام أو شراب . قال : لا إلى أن قال بعد حكم

ــــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٢ : ٣٣٠ سنة ٨ .

( ٢ ) الفقيه ٣ : ٧ ح ٢ و ٣ .

٥٦٤

كعب بجعل ليلة لامرأته و ثلاث ليال لعبادته من حل اربع نساء له لكل امرأة ليلة فقال له عمر : و اللّه ما أعلم من أيّ أمريك أعجب ، أمن فهمك أمرها أم من حكمك بينهما ؟ اذهب فقد ولّيتك قضاء البصرة ١ .

و يقال للرجل : لا نعلم من أي أمريك نعجب أمن تصدّيك خلافة المسلمين مع عدم فهمك الموضوعات العرفية فضلا عن الأحكام الشرعية ، أم من تسمية أصحابك لك الفاروق مع مقامك هذا ؟

« و لا أؤخر لكم حقّا عن محلّه » بل أوصل إليكم الحقّ عند حلوله عطاء أو غيره .

« و لا أقف به دون مقطعه » بل أقطع الحقّ و أفصله و لا أقف به أخلّيه بحاله ،

كبعض الحكام الذين يدعون المتخاصمين في الخصومة .

و ممّا شرحنا يظهر سقوط قول ابن أبي الحديد أنّ المراد بقوله « حقّا » العطاء و بضميره الحكم ٢ .

« و أن تكونوا عندي في الحقّ سواء » شريفكم و وضيعكم ، و تفضيل الشريف على الوضيع من بدع الثاني ، فإن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنّما سوّى بينهما .

و كان الشريف و الوضيع سواء عنده في أخذ الحقّ منه و له ، و في إجراء حكم اللّه تعالى عليه ، فجلد عليه السلام النّجاشي لمّا شرب مع كونه شاعره و مادحه ،

فلحق بمعاوية و لم يبال عليه السلام بذلك ، بخلاف المتقدّمين عليه ، فرووا عن زيد بن أسلم عن أبيه قال : خلا عمر لبعض شأنه و قال أمسك علي الباب ، فطلع الزبير فكرهته حين رأيته ، فأراد أن يدخل فقلت : هو على حاجة ، فلم يلتفت إلي و أهوى ليدخل فوضعت يدي في صدره ، فضرب أنفي فأدماه ثمّ رجع ، فدخلت على

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ١٢ : ٤٦ .

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ١٧ .

٥٦٥

عمر فقال : من فعل بك ؟ قلت : الزبير . فأرسل إليه فجاء ، فقمت لأنظر ما يقول له ،

فقال ، ما حملك على ما صنعت أدميتني للناس ؟ فقال الزبير يحكيه و يمططه :

ادميتني للناس ، اتحتجب عنّا يا ابن الخطاب ؟ فقال كالمعتذر : إنّي كنت في بعض شأني فلما سمعته يعتذر إليه يئست من أن يأخذ لي بحقي ، و خرج الزبير ١ .

« فإذا فعلت ذلك » ما ذكر من قوله عليه السلام « و إنّ لكم عندي إلاّ أحتجز دونكم سرا إلى قوله و أن تكونوا عندي في الحقّ سواء » .

« وجبت للّه عليكم النعمة » يعني يظهر لكم مصداق قوله تعالى في ولايتي و استخلاف النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لي : اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام ديناً ٢ .

« و لي عليكم الطاعة » فيه إشارة إلى قوله تعالى فيه : إنّما وليّكم اللّه و رسوله و الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون ٣ و الى قول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيه بعد تقرير الناس بكونه أولى بهم من أنفسهم « من كنت مولاه فعليّ مولاه » ٤ .

كما إنّ في كلامه عليه السلام إشارة الى أنّ طاعة المتقدّمين عليه لم تكن واجبة على الناس لعدم اتصافهم بما ذكر ، و إنّ ولايتهم على النّاس لم تكن نعمة من اللّه تعالى ، بل نقمة و كلمة عذاب حقت عليهم .

و من الغريب أنّ الثاني قال لابن عباس : أتدري ما منع الناس عنكم ؟ قال :

ــــــــــــــــــ

( ١ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ١٢ : ٤٥ .

( ٢ ) المائدة : ٣ .

( ٣ ) المائدة : ٥٥ .

( ٤ ) هذا حديث الغدير المتواتر أخرجه جمع كثير منهم ابن عساكر بطرق جمّة في ترجمة علي عليه السلام ٢ : ٥ ٩٠ ح ٥٠٣ ٥٩٣ .

٥٦٦

لا ، قال : كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوّة و الخلافة فتجخفوا الناس جخفا ،

فنظرت قريش لأنفسها فاختارت و وفقت فأصابت فقال له ابن عباس : أما قولك « إنّ قريشا كرهت » فان اللّه تعالى قال لقوم ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل اللّه فأحبط أعمالهم ١ . و أما قولك « أنا كنّا نجخف » فلو جخفنا بالخلافة جخفنا بالقرابة ، و لكنّا قوم أخلاقنا مشتقة من خلق الرسول ، الذي قال تعالى له و إنّك لعلى خلق عظيم ٢ و قال له و اخفض جناحك لمن اتّبعك من المؤمنين ٣ و أما قولك « إن قريشا اختارت » فان اللّه تعالى يقول و ربّك يخلق ما يشاء و يختار ما كان لهم الخيرة ٤ و قد علمت أن اللّه تعالى اختار من خلقه لذلك من اختار ، فلو نظرت قريش من حيث نظر اللّه لها لوفقت و أصابت ٥ ، « و ان لا تنكصوا » بالكسر و الضم ، أي لا ترجعوا « عن دعوة » فما دعوتكم إليه يجب عليكم إجابتي .

« و لا تفرطوا » فرط فرطا و فرّط تفريطا ، أي : قصّر و ضيّع « في صلاح و أن تخوضوا الغمرات » أي : الشدائد « إلى الحقّ » أي : في سبيله و إجرائه .

و في ( تأريخ الطبري ) : خرج عمّار في صفين إلى الناس و قال : اللّهم إنّك تعلم لو أعلم أنّ رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلته ، و إنّي لا أعلم اليوم عملا هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين ، و لو أعلم أنّ عملا من الأعمال هو أرضى لك منه لفعلته ٦ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) محمد : ٩ .

( ٢ ) ن : ٤ .

( ٣ ) الشعراء : ٢١٥ .

( ٤ ) القصص : ٦٨ .

( ٥ ) رواه ابن أبي الحديد في شرحه ١٢ : ٥٢ ، و الطبري في تاريخه ٣ : ٢٨٨ سنة ٢٣ .

( ٦ ) تاريخ الطبري ٤ : ٢٦ سنة ٣٧ .

٥٦٧

و فيه : بلغ حكيم بن جبلة ما صنع أهل الجمل بعثمان بن حنيف ، و غدر طلحة و الزبير به ، فقال : لست أخاف اللّه إن لم أنصره ، فجاء في جماعة من عبد القيس و بكر بن وائل ، فقال له ابن الزبير : مالك يا حكيم ؟ قال : نريد أن تخلّوا عثمان بن حنيف ، فيقيم في دار الإمارة على ما كتبتم بينكم حتى يقدم علي عليه السلام ، و اللّه لو أجد أعوانا عليكم أخبطكم بهم ما رضيت بهذه منكم حتّى أقتلكم بمن قتلتم ، و لقد أصبحتم و أنّ دماءكم لنا حلال بمن قتلتم من إخواننا .

أما تخافون اللّه تعالى ، بم تستحلّون سفك الدماء ؟ قال : بدم عثمان بن عفان .

قال : فالذين قتلتموهم قتلوا عثمان ؟ اما تخافون مقت اللّه ؟ فقال ابن الزبير : لا نخلّي سبيل ابن حنيف حتى يخلع عليّا . قال حكيم : اللّهم إنّك حكم عدل فاشهد و قال لأصحابه : إنّي لست في شكّ من قتال هؤلاء فمن كان في شكّ فلينصرف ، و قاتلهم حكيم و ضرب رجل ساق حكيم فقطعها ، فأخذ حكيم ساقه فرماه بها فأصاب عنقه فصرعه و وقذه ، ثم حبا إليه فقتله و اتّكأ عليه ،

فمرّ به رجل فقال : من قتلك ؟ قال : و سادتي هذه الخبر ١ .

و فيه أيضا : أنّ محمد بن أبي بكر جعل كنانة بن بشر على مقدّمته في قتال عمرو بن العاص الذي بعثه معاوية لأخذ مصر و قتل محمد ، فجعل كنانة لا تأتيه كتيبة من كتائب أهل الشام إلاّ شدّ عليها بمن معه إلى أن قال و اجتمع عليه أهل الشام من كلّ جانب ، فلما رأى ذلك نزل عن فرسه و نزل أصحابه و هو يقول : و ما كان لنفسٍ أن تموت إلاّ بأذن اللّه كتاباً مؤجّلاً و من يرد ثواب الدّنيا نؤتِهِ منها و من يرد ثواب الآخرة نؤتِهِ منها و سنجزي الشاكرين ٢ ،

ــــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٣ : ٤٨٧ و ٤٨٨ سنة ٣٦ و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) آل عمران : ١٤٥ .

٥٦٨

و ضاربهم بسيفه حتى استشهد ١ .

« فان أنتم لم تستقيموا على ذلك ، لم يكن أحد أهون علي ممّن أعوجّ منكم ، ثم أعظّم له العقوبة ، و لا يجد عندي فيها رخصة » روى الطبري عن يزيد بن طلحة قال : لمّا أقبل علي بن أبي طالب عليه السلام من اليمن ليلقى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بمكة في حجّته الوداع تعجّل إلى النبي و استخلف على جنده الذين معه رجلا من أصحابه ، فعمد ذلك الرجل فكسا رجالا من القوم حللا من البزّ الذي كان مع علي عليه السلام ، فلمّا دنا جيشه خرج علي ليلقاهم فإذا هم عليهم الحُلل ، فقال : ويحك ما هذا ؟ قال : كسوت القوم ليتجمّلوا به إذا قدموا في النّاس . فقال : ويلك إنزع من قبل أن تنتهي إلى النبي ، فانتزع علي عليه السلام الحُلل من الناس و ردّها في البزّ ،

و أظهر الجيش شكاية لما صنع بهم و عن أبي سعيد الخدري قال : شكا الناس علي بن أبي طالب ، فقام النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فينا خطيبا فسمعته يقول : يا أيّها الناس لا تشكوا عليّا ، فو اللّه انّه لأخشن في ذات اللّه أو في سبيل اللّه ٢ .

« فخذوا هذا من أمرائكم ، و أعطوهم من أنفسكم ما يصلح اللّه به أمركم » يعني احملوا أمراءكم على أن يتّصفوا بما وصفت ثمّ أطيعوهم كما شرحت ، و لذا كان معاوية يقول للناس : عوّدكم ابن أبي طالب الجرأة على السلطان

٤

الكتاب ( ٥١ ) و من كتاب له عليه السلام إلى عماله على الخراج :

مِنْ عَبْدِ اَللَّهِ ؟ عَلِيٍّ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ ؟ إِلَى أَصْحَابِ اَلْخَرَاجِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مَنْ

ــــــــــــــــــ

( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٧٨ سنة ٣٨ و النقل بتصرف يسير .

( ٢ ) تاريخ الطبري ٢ : ٤٠١ و ٤٠٢ سنة ١٠ .

٥٦٩

لَمْ يَحْذَرْ مَا هُوَ صَائِرٌ إِلَيْهِ لَمْ يُقَدِّمْ لِنَفْسِهِ مَا يُحْرِزُهَا وَ اِعْلَمُوا أَنَّ مَا كُلِّفْتُمْ يَسِيرٌ وَ أَنَّ ثَوَابَهُ كَثِيرٌ وَ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيمَا نَهَى اَللَّهُ عَنْهُ مِنَ اَلْبَغْيِ وَ اَلْعُدْوَانِ عِقَابٌ يُخَافُ لَكَانَ فِي ثَوَابِ اِجْتِنَابِهِ مَا لاَ عُذْرَ فِي تَرْكِ طَلَبِهِ فَأَنْصِفُوا اَلنَّاسَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ وَ اِصْبِرُوا لِحَوَائِجِهِمْ فَإِنَّكُمْ خُزَّانُ اَلرَّعِيَّةِ وَ وُكَلاَءُ اَلْأُمَّةِ وَ سُفَرَاءُ اَلْأَئِمَّةِ وَ لاَ تُحْسِمُوا أَحَداً عَنْ حَاجَتِهِ وَ لاَ تَحْبِسُوهُ عَنْ طَلِبَتِهِ وَ لاَ تَبِيعُنَّ لِلنَّاسِ فِي اَلْخَرَاجِ كِسْوَةَ شِتَاءٍ وَ لاَ صَيْفٍ وَ لاَ دَابَّةً يَعْتَمِلُونَ عَلَيْهَا وَ لاَ عَبْداً وَ لاَ تَضْرِبُنَّ أَحَداً سَوْطاً لِمَكَانِ دِرْهَمٍ وَ لاَ تَمَسُّنَّ مَالَ أَحَدٍ مِنَ اَلنَّاسِ مُصَلٍّ وَ لاَ مُعَاهَدٍ إِلاَّ أَنْ تَجِدُوا فَرَساً أَوْ سِلاَحاً يُعْدَى بِهِ عَلَى أَهْلِ اَلْإِسْلاَمِ فَإِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَدَعَ ذَلِكَ فِي أَيْدِي أَعْدَاءِ اَلْإِسْلاَمِ فَيَكُونَ شَوْكَةً عَلَيْهِ وَ لاَ تَدَّخِرُوا أَنْفُسَكُمْ نَصِيحَةً وَ لاَ اَلْجُنْدَ حُسْنَ سِيرَةٍ وَ لاَ اَلرَّعِيَّةَ مَعُونَةً وَ لاَ دِينَ اَللَّهِ قُوَّةً وَ أَبْلُوا فِي سَبِيلِ اَللَّهِ مَا اِسْتَوْجَبَ عَلَيْكُمْ فَإِنَّ اَللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدِ اِصْطَنَعَ عِنْدَنَا وَ عِنْدَكُمْ أَنْ نَشْكُرَهُ بِجُهْدِنَا وَ أَنْ نَنْصُرَهُ بِمَا بَلَغَتْ قُوَّتُنَا وَ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ اَلْعَلِيِّ اَلْعَظِيمِ أقول : و رواه نصر بن مزاحم في ( صفينه ) أيضا مع زيادة و نقيصة ،

فقال : و كتب علي عليه السلام إلى امراء الخراج من عبد اللّه علي أمير المؤمنين إلى أمراء الخراج ، أما بعد فإنّه من لم يحذر ما هو صائر إليه لم يقدّم لنفسه و لم يحرزها ،

و من اتّبع هواه و انقاد له على ما لا يعرف نفع عاقبته عمّا قليل ليصبحنّ من النّادمين ، ألا و إنّ أسعد الناس في الدنيا من عدل عمّا يعرف ضرّه ، و إنّ أشقاهم من اتّبع هواه ، فاعتبروا ، و اعلموا أنّ لكم ما قدّمتم من خير و ما سوى ذلك وددتم لو أنّ بينكم و بينه أمدا بعيدا و يحذّركم اللّه نفسه و اللّه رؤف و رحيم بالعباد ، و إنّ عليكم ما فرطتم فيه ، و إنّ الذي طلبتم ليسير و إنّ ثوابه لكبير ، و لو لم يكن في ما نهى عنه من الظلم و العدوان عقاب يخاف كان في ثوابه ما لا عذر

٥٧٠

لأحد بترك طلبته ، فارحموا ترحموا و لا تعذّبوا خلق اللّه و لا تكلّفوهم فوق طاقتهم ، و أنصفوا النّاس من أنفسكم و اصبروا لحوائجهم ، فانّكم خزّان الرعيّة لا تتخذنّ حجابا ، و لا تحجبنّ أحدا عن حاجته حتى ينهيها إليكم ، و لا تأخذوا أحدا بأحد إلاّ كفيلا عمّن كفل عنه ، و أصبروا أنفسكم على ما فيه الاغتباط ، و إيّاكم و تأخير العمل و دفع الخير ، فانّ في ذلك الندم . و السلام .

و روى نصر ذيل العنوان من قوله « و لا تدّخروا » الخ في كتابه عليه السلام إلى امراء الأجناد هكذا : فلا تدّخروا أنفسكم خيرا ، و لا الجند حسن سيرة ، و لا الرعيّة معونة ، و لا دين اللّه قوّة ، و أبلوه في سبيله ما استوجب عليكم ، فإنّ اللّه قد اصطنع عندنا و عندكم ما نشكره بجهدنا ، و أن ننصره ما بلغت قوّتنا و لا قوة إلاّ باللّه ١ .

« أما بعد : فان من لم يحذر ما هو صائر إليه لم يقدّم لنفسه ما يحرزها » فتكون عاقبته أن يقول : يا حسرتا على ما فرطت في جنب اللّه .

« و اعلموا أنّ ما كلّفتم يسير » ما جعل عليكم في الدّين من حرج ٢ .

« و إنّ ثوابه كثير » فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرّة أعين جزاء بما كانوا يعملون ٣ .

« و لو لم يكن فيما نهى اللّه عنه من البغي و العدوان » « من البغي و العدوان » بيان لما نهى اللّه عنه .

« عقاب يخاف لكان في ثواب اجتنابه ما لا عذر في ترك طلبه » أي : طلب ما نهى اللّه عنه و ترك طلبه بالكفّ عنه و أمّا من خاف مقام ربّه و نهى

ــــــــــــــــــ

( ١ ) وقعة صفين : ١٠٨ و ١٢٥ .

( ٢ ) الحج : ٧٨ .

( ٣ ) السجدة : ١١ .

٥٧١
شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي WWW.ALHASSANAIN.COM كتاب بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة المجلد السادس الشيخ محمد تقي التّستري شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي

النّفس عن الهوى . فإنّ الجنّة هي المأوى ١ .

و في ( الكافي ) عن الصادق عليه السلام : فيما ناجى اللّه تعالى به موسى : يا موسى ما تقرّب إليّ المتقربون بمثل الورع عن محارمي ، فإنّي أبيحهم جنّات عدن لا أشرك معهم أحدا ٢ .

« فأنصفوا الناس من أنفسكم » قال الصادق عليه السلام : أشد ما فرض اللّه على خلقه إنصاف الناس من نفسك ، و مواساتك أخاك ، و ذكر اللّه في كلّ موطن لا بقراءة الأذكار بل بذكره تعالى ، إذا هجمت على طاعة بفعلها أو على معصية بتركها ٣ .

« و اصبروا لحوائجهم ، فانّكم خزّان الرعيّة و وكلاء الامّة و سفراء الأئمّة » فالصبر لقضاء حوائج الناس واجب على كلّ متمكن لا سيما ولاة الامور ، فإنّه يؤكد فيهم بما ذكره عليه السلام من كونهم الخزّان و الوكلاء و السفراء .

« و لا تحسموا » في ( المصرية ) بالسين ، و نقله ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) ٤ « و لا تحشموا » بالشين ، أي : لا تغضبوا أو لا تخجلوا .

« أحدا عن حاجته و لا تحبسوه عن طلبته » في ( الكافي ) عن الصادق عليه السلام :

ايّما مؤمن مشى في حاجة أخيه فلم يناصحه فقد خان اللّه تعالى و رسوله ٥ .

و عن الباقر عليه السلام : أيّما مسلم أتى مسلما زائرا أو طالب حاجة ، و هو في منزله ، فاستأذن له ، و لم يخرج إليه لم يزل في لعنة اللّه تعالى حتى يلتقيا ٦ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) النازعات : ٤٠ و ٤١ .

( ٢ ) الكافي ٢ : ٨٠ ح ٣ .

( ٣ ) رواه الكليني في الكافي ٢ : ١٤٥ ح ٨ و النقل بالمعنى .

( ٤ ) كذا في شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ١٩ ، لكن في شرح ابن ميثم ٥ : ١٣٠ نحو المصرية .

( ٥ ) الكافي ٢ : ٣٦٢ و ٣٦٣ ح ٢ و ٤ و ٦ .

( ٦ ) الكافي ٢ : ٣٦٥ ح ٤ .

٥٧٢

و عن الرضا عليه السلام : كان في زمن بني إسرائيل أربعة من المؤمنين ، فأتى الواحد الثلاثة و هم مجتمعون في منزل أحدهم في مناظرة بينهم ، فقرع الباب فخرج إليه الغلام فقال : أين مولاك ؟ فقال : ليس هو في البيت ، فرجع الرجل و دخل الغلام فقال له : من كان الذي قرع الباب ؟ قال : كان فلان ، فقلت له : لست في المنزل ، فلم يلم المولى غلامه و لا اغتمّ باقيهم لرجوعه ، و أقبلوا في حديثهم ، فبكّر إليهم الرجل من الغد و كانوا خرجوا يريدون ضيعة لأحدهم فسلّم عليهم و قال : انا معكم ، فقالوا : نعم ، و لم يعتذروا إليه و كان الرجل محتاجا ضعيف الحال فلما كانوا في بعض الطريق إذا غمامة قد أظلّتهم ،

فظنّوا أنّه مطر فبادروا فلما استوت الغمامة على رؤوسهم إذا مناد ينادي من جوف الغمامة : أيّتها النّار خذيهم ، فأنا جبرئيل رسول اللّه . فإذا نار من جوف الغمامة قد اختطفت الثلاثة و بقي الرجل مرعوبا يعجب مما نزل بالقوم و لا يدري السبب ، فرجع إلى المدينة فلقى يوشع بن نون ، فأخبره بما رأى و ما سمع ، فقال له يوشع : أما علمت أنّ اللّه تعالى سخط عليهم بعد أن كان راضيا عنهم ، و ذلك لفعلهم معك قال : و ما فعلهم ؟ فحدّثه يوشع فقال ، أنا أجعلهم في حلّ ، فقال : لو كان قبل هذا لنفعهم فأمّا الساعة فلا ، و عسى أن ينفعهم بعد ١ .

« و لا تبيعنّ للناس في الخراج كسوة شتاء و لا صيف » لاستثناء الكسوة « و لا دابّة يعتملون عليها » فدابة العمل مستثناة « و لا عبدا » عطف على كسوة ، كدابّة .

« و لا تضربن أحدا سوطا لمكان درهم » يقول ليس عندي .

« و لا تمسنّ مال أحد من النّاس » غير ما يجب عليهم « مصلّ » أي : مسلم يصلّي « و لا معاهد » يهودي أو نصراني أو مجوسي في ذمّة المسلمين .

هذا ، و عن كتاب ( افتراق هاشم و عبد شمس ) لابن أبي رؤبة : كان

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الكافي ٢ : ٦٤ ح ٢ ، و النقل بتصرف يسير .

٥٧٣

بنو اميّة يأخذون الجزية ممّن أسلم من أهل الذمّة ، و يقولون هؤلاء فرّوا من الجزية ، و يأخذون الصدقة من الخيل ، و ربما دخلوا دار الرجل قد نفق فرسه أو باعه ، فإذا أبصروا الآخية قالوا : قد كان ها هنا فرس فهات صدقتها . و كانوا يبيعون الرجل في الدّين يلزمه ، و يرون انّه يصير بذلك رقيقا ، كان معن أبو عمير بن معن الكاتب حرّا مولى لبني العنبر ، فبيع في دين عليه فاشتراه أبو سعيد بن زياد بن عمرو العتكي ، و باع الحجّاج علي بن بشر بن الماحوز لكونه قتل رسول المهلّب على رجل من الأزد ، و كانوا يختمون في أعناق المسلمين كما توسم الخيل علامة لاستعبادهم ، و نقشوا أكفّ المسلمين علامة لاسترقاقهم كما يصنع بالعلوج من الروم و الحبشة ، و بايع مسلم بن عقبة أهل المدينة كافة و فيها بقايا الصحابة و أولادها و صلحاء التابعين على أنّ كلاّ منهم عبد قنّ ليزيد إلاّ علي بن الحسين عليه السلام الخ ١ .

و هل كان فعلهم ما فعلوا إلاّ بتأسيس المتقدّمين عليه عليه السلام لهم ذلك ، كما لا يخفى على من كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد . و قد أقرّ بذلك خالهم و وليّ ثالثهم في كتابه إلى محمّد بن أبي بكر ٢ .

« إلاّ أن تجدوا فرسا أو سلاحا يعدى به » أي : يتجاوز به « على أهل الاسلام ،

فانّه لا ينبغي للمسلم أن يدع ذلك في أيدي أعداء الإسلام فيكون شوكة » واحدة شوك الشجر « عليه » هكذا في ( المصرية و ابن أبي الحديد ) ، و عليه فالضمير راجع إلى الإسلام ، و لكن في ( ابن ميثم ) « عليهم » و عليه فالضمير راجع إلى أهل الاسلام ٣ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ٢٤١ و ٢٤٢ .

( ٢ ) رواه ابن مزاحم في وقعة صفين : ١١٩ ، و المسعودي في مروج الذهب ٣ : ١١ ، و البلاذري في أنساب الأشراف ٢ : ٣٩٦ ، و غيرهم.

( ٣ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ١٩ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ١٣ « عليه » .

٥٧٤

« و لا تدّخروا أنفسكم نصيحة ، و لا الجند حسن سيرة ، و لا الرعيّة معونة ، و لا دين اللّه قوّة » قد عرفت من رواية نصر أنّ هذه الفقرات الأربع ممّا كتبه عليه السلام إلى امراء الأجناد لا الخراج ، و هو الحقّ فإنّها تناسبهم .

« و أبلوا » أي : أعطوا كقول جرير :

فأبلى أمير المؤمنين أمانة

و أبلاه صدقا في الامور الشدائد

و قول زهير « و أبلاهما خير البلاء الذي يبلو » ١ ، و الأصل فيه الاختبار و الامتحان ، أي : إفعلوا فعلا تظهرون اختباركم و امتحانكم .

« في سبيل اللّه » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : « في سبيله » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٢ .

« ما استوجب » أي : وجب « عليكم فان اللّه سبحانه قد اصطنع عندنا و عندكم » أي : أنعم على كلّ منّا بما وجب علينا « أن نشكره بجهدنا » أي : بقدر طاقتنا و إلاّ فلم يقدر أحد أن يشكره حقّ شكره .

« و أن ننصره بما بلغت به قوتنا » حيث لا يكلّف اللّه نفسا إلاّ وسعها « و لا قوّة إلا باللّه » في شكره و نصره « العلي العظيم » هكذا في ( المصرية ) أخذا عن ( ابن أبي الحديد ) و ليسا في ( ابن ميثم ) ٣ .

٥

الكتاب ( ٢٦ ) و من عهد له عليه السلام إلى بعض عماله و قد بعثه على الصدقة :

آمُرُهُ بِتَقْوَى اَللَّهِ فِي سَرَائِرِ أَمْرِهِ وَ خَفِيَّاتِ عَمَلِهِ حَيْثُ لاَ شَاهِدَ غَيْرُهُ

ــــــــــــــــــ

( ١ ) أورد الأوّل أساس البلاغة : ٣٠ مادة ( بلو ) ، و الأخير لسان العرب ١٤ : ٨٤ مادة ( بلا ) .

( ٢ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ١٩ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ١٣١ نحو المصرية .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٧ : ٢٠ ، و شرح ابن ميثم ٥ : ١٣١ .

٥٧٥

وَ لاَ وَكِيلَ دُونَهُ وَ آمُرُهُ أَلاَّ يَعْمَلَ بِشَيْ‏ءٍ مِنْ طَاعَةِ اَللَّهِ فِيمَا ظَهَرَ فَيُخَالِفَ إِلَى غَيْرِهِ فِيمَا أَسَرَّ وَ مَنْ لَمْ يَخْتَلِفْ سِرُّهُ وَ عَلاَنِيَتُهُ وَ فِعْلُهُ وَ مَقَالَتُهُ فَقَدْ أَدَّى اَلْأَمَانَةَ وَ أَخْلَصَ اَلْعِبَادَةَ وَ آمُرُهُ أَلاَّ يَجْبَهَهُمْ وَ لاَ يَعْضَهَهُمْ وَ لاَ يَرْغَبَ عَنْهُمْ تَفَضُّلاً بِالْإِمَارَةِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُمُ اَلْإِخْوَانُ فِي اَلدِّينِ وَ اَلْأَعْوَانُ عَلَى اِسْتِخْرَاجِ اَلْحُقُوقِ وَ إِنَّ لَكَ فِي هَذِهِ اَلصَّدَقَةِ نَصِيباً مَفْرُوضاً وَ حَقّاً مَعْلُوماً وَ شُرَكَاءَ أَهْلَ مَسْكَنَةٍ وَ ضُعَفَاءَ ذَوِي فَاقَةٍ وَ إِنَّا مُوَفُّوكَ حَقَّكَ فَوَفِّهِمْ حُقُوقَهُمْ وَ إِلاَّ فَإِنَّكَ مِنْ أَكْثَرِ اَلنَّاسِ خُصُوماً يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ وَ بُؤْسَى لِمَنْ خَصْمُهُ عِنْدَ اَللَّهِ اَلْفُقَرَاءُ وَ اَلْمَسَاكِينُ وَ اَلسَّائِلُونَ وَ اَلْمَدْفُوعُونَ وَ اَلْغَارِمُونَ وَ اِبْنُ اَلسَّبِيلِ وَ مَنِ اِسْتَهَانَ بِالْأَمَانَةِ وَ رَتَعَ فِي اَلْخِيَانَةِ وَ لَمْ يُنَزِّهْ نَفْسَهُ وَ دِينَهُ عَنْهَا فَقَدْ أَحَلَّ بِنَفْسِهِ فِي اَلدُّنْيَا اَلذُّلَّ وَ اَلْخِزْيَ وَ هُوَ فِي اَلْآخِرَةِ أَذَلُّ وَ أَخْزَى وَ إِنَّ أَعْظَمَ اَلْخِيَانَةِ خِيَانَةُ اَلْأُمَّةِ وَ أَفْظَعَ اَلْغِشِّ غِشُّ اَلْأَئِمَّةِ وَ اَلسَّلاَمُ قول المصنف : « و من عهد له عليه السلام الى بعض عمّاله و قد بعثه على الصدقة » المراد به مخنف ابن سليم الأزدي ، أبو جدّ أبي مخنف لوط بن يحيى بن سعيد الإخباري كما رواه القاضي النعمان في ( دعائمه ) ١ .

قوله عليه السلام « آمره بتقوى اللّه في سرائر أمره » هكذا في ( المصرية ) ،

و الصواب : « أموره » كما في ( ابن ميثم و الخطية ) ٢ .

« و خفيّات عمله » هكذا في ( المصرية ) ، و الصواب : « أعماله » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ٣ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) دعائم الاسلام ١ : ٢٥٢ .

( ٢ ) لفظ شرح ابن ميثم ٤ : ٤١٥ « أمره » .

( ٣ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١٥٨ ، و شرح ابن ميثم ٤ : ٤١٥ « عمله » .

٥٧٦

« حيث لا شاهد » هكذا في ( المصرية ) و الصواب : « لا شهيد » كما في ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم و الخطية ) ١ « غيره » من البشر ، فلا ينافي شهود الملكين إذ يتلقّى المتلقّيان عن اليمين و عن الشمال قعيدٍ . ما يلفِظ من قولٍ إلاّ لديه رقيب عتيد ٢ فالملكان منه و قبله و لقد خلقنا الإنسان و نعلم ما توسوس به نفسه و نحن أقرب إليه من حبل الوريد ٣ .

« و لا وكيل دونه » حتى أنبيائه اللّه حفيظ عليهم و ما أنت عليهم بوكيل ٤ و ما جعلناك عليهم حفيظاً و ما أنت عليهم بوكيل ٥ .

ثم إنّ قوله عليه السلام : « حيث لا شاهد غيره و لا وكيل دونه » ظرف لقوله « بتقوى اللّه » كقوله « في سرائر أمره و خفيات عمله » ، فقول ابن أبي الحديد يعني حيث لا شهيد و لا وكيل دونه يوم القيامة ٦ خطأ .

« و آمره أن لا يعمل بشي‏ء من طاعة اللّه فيما ظهر ، فيخالف إلى غيره فيما أسر » كما عليه كثير من الناس بل أكثرهم .

و في ( المروج ) : يحكى أنّه ورد على الرشيد يوما كتاب صاحب البريد بخراسان و يحيى بن خالد بن يديه يذكر فيه أنّ الفضل بن يحيى يتشاغل بالصيد و إدمان اللذات عن النظر في امور الرعية ، فلمّا قرأه الرشيد رمى به ليحيى و قال له : يا ابت اقرأ هذا الكتاب ، و اكتب إليه كتابا يردعه عن مثل هذا ،

فمد يده إلى دواة الرشيد و كتب الى الفضل على ظهر كتاب صاحب البريد :

ــــــــــــــــــ

( ١ ) كذا في شرح ابن ميثم ٤ : ٤١٦ ، لكن في شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١٥٨ نحو المصرية .

( ٢ ) ق : ١٧ ١٨ .

( ٣ ) ق : ١٦ .

( ٤ ) الشورى : ٦ .

( ٥ ) الأنعام : ١٠٧ .

( ٦ ) شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١٥٩ .

٥٧٧

حفظك اللّه يا بني و أمتع بك قد انتهى إلى الخليفة ما أنت عليه من التشاغل بالصيد و مداومة اللذات عن النظر في امور الرعية ما أنكره ، فعاود ما هو أزين بك ، فإنّه من عاد إلى ما يزيّنه و يشيّنه لم يعرفه أهل دهره إلاّ به ، و السلام .

و كتب في أسفله هذه الأبيات :

انصب نهارا في طلاب العلا

و اصبر على فقد لقاء الحبيب

حتّى إذا الليل بدا مقبلا

و استترت فيه وجوه العيوب

فبادر الليل بما تشتهي

فانّما الليل نهار الأريب

كم من فتى تحسبه ناسكا

يستقبل الليل بأمر عجيب

ألقى عليه الليل أستاره

فبات في لهو و عيش خصيب

و لذّة الأحمق مكشوفة

يسعى بها كلّ عدوّ رقيب

و الرشيد ينظر إلى ما يكتب يحيى فلما فرغ قال له : أبلغت يا أبت ؟ فلما ورد الكتاب على الفضل لم يفارق المسجد نهارا إلى أن انصرف عن عمله ١ .

« و من لم يختلف سرّه و علانيته و فعله و مقالته فقد أدّى الأمانة » و الواجب عليه أداؤها « و أخلص العبادة » الواجب الإخلاص فيها .

« و آمره أن لا يجبههم » جبهه : صك جبهته « و لا يعضههم » عضهه : رماه بالبهتان « و لا يرغب عنهم تفضلا بالإمارة عليهم » كان عليه السلام نفسه كذلك ، فلما وصفه ضرار الضبابي لمعاوية قال له فيما قال : و كان فينا كأحدنا ، يجيبنا إذا سألنا و يبتدئنا إذا سكتنا ، و نحن مع تقريبه لنا أشدّ ما يكون صاحب لصاحب هيبة ، لا نبتدؤه بالكلام لعظمته الخ ٢ .

ــــــــــــــــــ

( ١ ) مروج الذهب ٣ : ٣٦٨ و ٣٦٩ .

( ٢ ) رواه الحلبي في التذييل على نهج البلاغة ، عنه شرح ابن أبي الحديد ١٨ : ٢٢٥ ، و ابن عبد البر في الاستيعاب ٣ : ٤٣ ، و أبو نعيم في حلية الأولياء ١ : ٨٤ ، و غيرهم .

٥٧٨

« فإنّهم الإخوان في الدّين » قال تعالى : إنّما المؤمنون إخوة ١ « و الأعوان على استخراج الحقوق » هذه الفقرة تشهد على أنّ المراد من قوله عليه السلام « و امره ألاّ يجبههم » أعوانه الذين معه كاتبه و حاسبه و حارسه و سائقه لا من يأخذ منهم الصدقات .

« و إنّ لك » في رواية ( الدعائم ) : « يا مخنف بن سليم إنّ لك » الخ ٢ .

« في هذه الصدقة نصيبا مفروضا و حقّا معلوما » حيث أنّ العمال لجمع الصدقات أحد الأصناف الثمانية الذين ذكرهم اللّه تعالى في مصرف الزكوات فقال : إنّما الصدقات للفقراء و المساكين و العاملين عليها ٣ الآية .

« و شركاء » باقي الأصناف « أهل » بالنصب بيان لشركاء « مسكنة » المراد بأهل مسكنة الفقراء و المساكين .

« و ضعفاء ذوي فاقة » و المراد بهم « في الرقاب » و « الغارمون » و « ابن السبيل » و « في السبيل » .

« و إنّا موفّوك حقّك فوفّهم حقوقهم » بأن لا تخون و تخفي مقدارا ممّا معك و لا تحمل الجميع إليّ للصرف بين أهله .

و مما بيّنا ظهر لك ما في كلام ابن أبي الحديد ، الكلام دال على أنّه عليه السلام فوّض الى العامل الصّرف ٤ ، فانّ الكلام ليس في ذاك المقام ، بدليل قوله عليه السلام « و إنّا موفّوك حقّك » .

« و إلاّ فإنّك من أكثر الناس خصوما يوم القيامة » هكذا في ( المصرية ) ، و فيها

ــــــــــــــــــ

( ١ ) الحجرات : ١٠ .

( ٢ ) دعائم الاسلام ١ : ٢٥٢ .

( ٣ ) التوبة : ٦٠ .

( ٤ ) شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١٦٠ .

٥٧٩

تقديم و تأخير ، ففي ( ابن أبي الحديد و ابن ميثم ) « يوم القيامة خصوما » ١ .

و كيف كان ، فورد في علّة كون زكاة كلّ ألف خمسة و عشرين أنّ اللّه تعالى خلق الخلق كلّهم ، فعلم صغيرهم و كبيرهم ، و علم غنيّهم و فقيرهم ،

فجعل من كلّ ألف إنسان خمسة و عشرين مسكينا ( فجعل في كلّ ألف درهم خمسة و عشرين درهما ) فلو علم أنّ ذلك لا يسعهم لزادهم لأنّه خالقهم و هو أعلم بهم ٢ .

« و بؤسا » أي : حال سوء ، و قال ابن أبي الحديد : قال الراوندي « بؤسا » أي :

عذابا و شدّة فظنه منونا و ليس كذلك بل هو « بؤسى » على وزن فعلى كفضلى و نعمى قال الشاعر :

أرى الحلم بؤسى للفتى في حياته

و لا عيش إلا ما حباك به الجهل ٣

قلت : « بؤسي » على وزن فعلي تكتب بالياء ، و أما بؤسا منوّنا فتكتب بالألف ، فلا بد أن الراوندي رآه بالألف في النسخ الصحيحة ، و يشهد له أنّ ابن ميثم نسخته بخط المصنف نقله بالألف و قال : إنّه منصوب على المصدر ٤ ،

و من اين أنّ الشعر لم يكن « بؤسا » بالتنوين فحرّفه ، مع انّ كون الشعر بلفظ « بوسي » أعمّ من الحصر ، و أنّ الشعر لم يعلم قائله و لعلّه لبعض المتأخرين ،

فيكون الاستشهاد به غلطا ، مع أنّه لم يعلم استعمال « بوسي » منكرة بل معرفة ، ففي ( الصحاح ) و البؤسي خلاف النعمى ٥ ، و في ( الجمهرة ) و البؤسى

ــــــــــــــــــ

( ١ ) لفظ شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١٥٨ ، و شرح ابن ميثم ٤ : ٤١٥ نحو المصرية .

( ٢ ) أخرجه الصدوق في العلل ٢ : ٣٦٩ ح ١ .

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ١٥ : ١٦٠ ، و شرح الراوندي ٣ : ٦١ .

( ٤ ) شرح ابن ميثم ٤ : ٤١٨ .

( ٥ ) صحاح اللغة ٢ : ٩٠٤ ، مادة ( بأس ) .

٥٨٠