العباس بن علي عليه السلام رائد الكرامة والفداء في الإسلام

العباس بن علي عليه السلام رائد الكرامة والفداء في الإسلام0%

العباس بن علي عليه السلام رائد الكرامة والفداء في الإسلام مؤلف:
الناشر: انتشارات مهديّة
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 230

العباس بن علي عليه السلام رائد الكرامة والفداء في الإسلام

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: باقر شريف القرشي
الناشر: انتشارات مهديّة
تصنيف: الصفحات: 230
المشاهدات: 87379
تحميل: 4129

توضيحات:

العباس بن علي عليه السلام رائد الكرامة والفداء في الإسلام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 230 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 87379 / تحميل: 4129
الحجم الحجم الحجم
العباس بن علي عليه السلام رائد الكرامة والفداء في الإسلام

العباس بن علي عليه السلام رائد الكرامة والفداء في الإسلام

مؤلف:
الناشر: انتشارات مهديّة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أخيه أبي الأحرار الإمام الحسينعليه‌السلام ، فقد أبدى في سبيله من ضروب الإيثار وصنوف التضحية ما يفوق حدّ الوصف، وما كان به مضرب المثل على امتداد التاريخ، فقد قطعت يداه الكريمتان يوم الطفّ في سبيله، وظلّ يقاوم عنه حتى هوى إلى الأرض صريعاً، وان لهذه التضحيات الهائلة عند الله منزلة كريمة، فقد منحه من الثواب العظيم، والأجر الجزيل ما يغبطه عليه جميع شهداء الحقّ والفضيلة في دنيا الإسلام وغيره.

٢ ـ الإمام الصادق:

أمّا الإمام الصادقعليه‌السلام فهو العقل المبدع والمفكّر في الإسلام فقد كان هذا العملاق العظيم يشيد دوماً بعمّه العبّاس، ويثني ثناءً عاطراً ونديّاً على مواقفه البطولية يوم الطفّ، وكان مما قاله في حقّه:

« كان عمّي العبّاس بن عليعليه‌السلام نافذ البصيرة، صُلب الإيمان، جاهد مع أخيه الحسين، وأبلى بلاءً حسناً، ومضى شهيداً »(١) .

وتحدّث الإمام الصادقعليه‌السلام عن أنبل الصفات الماثلة عند عمّه العبّاس والتي كانت موضع إعجابه وهي:

أ ـ نفاذ البصيرة:

أمّا نفاذ البصيرة، فانها منبعثة من سداد الرأي، وأصالة الفكر، ولا يتّصف بها إلاّ من صفت ذاته، وخلصت سريرته، ولم يكن لدواعي الهوى والغرور أي سلطان عليه، وكانت هذه الصفة الكريمة من أبرز صفات أبي الفضل فقد كان من نفاذ بصيرته، وعمق تفكيره مناصرته ومتابعته لإمام

__________________

(١) ذخيرة الدارين: ١٢٣ نقلاً عن عمدة الطالب.

٤١

الهدى وسيّد الشهداء الإمام الحسينعليه‌السلام ، وقد ارتقى بذلك إلى قمّة الشرف والمجد، وخلدت نفسه العظيمة على امتداد التأريخ، فما دامت القيم الإنسانية يخضع لها الإنسان، ويمجّدها فأبو الفضل قد بلغ قمّتها وذروتها.

ب ـ الصلابة في الإيمان:

والظاهرة الأخرى من صفات أبي الفضلعليه‌السلام هي الصلابة في الإيمان وكان من صلابة إيمانه انطلاقه في ساحات الجهاد بين يدي ريحانة رسول الله مبتغياً في ذلك الأجر عند الله، ولم يندفع إلى تضحيته بأي دافع من الدوافع المادية، كما أعلن ذلك في رجزه يوم الطفّ، وكان ذلك من أوثق الأدلة على إيمانه.

ج ـ الجهاد مع الحسين:

وثمّة مكرمة وفضيلة أخرى لبطل كربلاء العباسعليه‌السلام أشاد بها الإمام الصادقعليه‌السلام وهي جهاده المشرق بين يدي سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسيّد شباب أهل الجنّة، ويعتبر الجهاد في سبيله من أسمى مراتب الفضيلة التي انتهى إليها أبو الفضل، وقد أبلى بلاءً حسناً يوم الطفّ لم يشاهد مثله في دنيا البطولات.

د ـ زيارة الإمام الصادق:

وزار الإمام الصادقعليه‌السلام أرض الشهادة والفداء كربلاء، وبعدما انتهى من زيارة الإمام الحسين وأهل بيته والمجتبين من أصحابه، انطلق بشوق إلى زيارة قبر عمّه العبّاس، ووقف على المرقد المعظّم، وزاره بالزيارة

٤٢

التالية التي تنمّ عن سموّ منزلة العبّاس، وعظيم مكانته، وقد استهلّ زيارته بقوله:

سلام الله، وسلام ملائكته المقرّبين، وأنبيائه المرسلين، وعباده الصالحين، وجميع الشهداء والصدّيقين والزاكيات الطيّبات فيما تغتدي وتروح عليك يا ابن أمير المؤمنين ».

لقد استقبل الإمام الصادق عمّه العباس بهذه الكلمات الحافلة بجميع معاني الإجلال والتعظيم، فقد رفع له تحيات من الله وسلام ملائكته، وأنبيائه المرسلين، وعباده الصالحين، والشهداء، والصدّيقين، وهي أندى وأزكى تحيّة رفعت له، ويمضي سليل النبوّة الإمام الصادق عليه‌السلام في زيارته قائلاً:

وأشهد لك بالتسليم، والتصديق، والوفاء، والنصيحه لخلف النبيّ المرسل، والسبط المنتجب، والدليل العالم، والوصي المبلّغ والمظلوم المهتضم »

وأضفى الإمام الصادقعليه‌السلام بهذا المقطع أوسمة رفيعة على عمّه العبّاس هي من أجلّ وأسمى الأوسمة التي تضفى على الشهداء العظام، وهي:

أ ـ التسليم:

وسلّم العباسعليه‌السلام لأخيه سيّد الشهداء الإمام الحسينعليه‌السلام جميع أموره، وتابعه في جميع قضاياه حتّى استشهد في سبيله، وذلك لعلمه بإمامته القائمة على الإيمان الوثيق بالله تعالى، وعلى أصالة الرأي وسلامة القصد، والإخلاص في النيّة.

٤٣

ب ـ التصديق:

وصدّق العبّاسعليه‌السلام أخاه ريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في جميع اتجاهاته، ولم يخامره شكّ في عدالة قضيّته، وانّه على الحق، وان من نصب له العداوة وناجزه الحرب كان على ضلال مبين.

ج ـ الوفاء:

من الصفات الكريمة التي أضافها الإمام الصادقعليه‌السلام على عمّه أبي الفضلعليه‌السلام ، الوفاء، فقد وفى ما عاهد عليه الله من نصرة إمام الحق أخيه أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ، فقد وقف إلى جانبه في أحلك الظروف وأشدّها محنة وقسوة، ولم يفارقه حتى قطعت يداه، واستشهد في سبيله.

لقد كان الوفاء الذي هو من أميز الصفات الرفيعة عنصراً من عناصر أبي الفضل وذاتياً من ذاتياته، فقد خُلِق للوفاء والبرّ للقريب والبعيد.

د ـ النصيحة:

وشهد الإمام الصادق بنصيحة عمّه العبّاس لأخيه سيّد الشهداءعليه‌السلام ، فقد أخلص له في النصيحة على مقارعة الباطل، ومناجزة أئمّة الكفر والضلال، وشاركه في تضحياته الهائلة التي لم يشاهد العالم مثلها نظيراً في جميع فترات التاريخ ولننظر إلى بند آخر من بنود هذه الزيارة الكريمة، يقولعليه‌السلام :

«فجزاك الله عن رسوله، وعن أمير المؤمنين، وعن الحسن والحسين صلوات الله عليهم أفضل الجزاء بما صبرت، واحتسبت، وأعنت فنعم عقبى الدار ».

وحوى هذا المقطع على إكبار الإمام الصادقعليه‌السلام لعمّه العبّاس وذلك لما قدّمه من الخدمات العظيمة، والتضحيات الهائلة لسيّد شباب أهل

٤٤

الجنّة، وريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الإمام الحسينعليه‌السلام فقد فداه بروحه، ووقاه بمهجته، وصبر على ما لاقاه في سبيله من المحن والشدائد مبتغياً في ذلك الأجر عند الله، فجزاه الله عن نبيّه الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله وعن باب مدينته الإمام أمير المؤمنين، وعن الحسن والحسين أفضل الجزاء على عظيم تضحياته.

ويستمرّ مجدّد الإسلام الإمام الصادقعليه‌السلام في زيارته لعمّه العبّاس، فيذكر صفاته الكريمة، وما له من المنزلة العظيمة عند الله تعالى، فيقول بعد السلام عليه:

« أشهد، وأُشهد الله أنّك مضيت على ما مضى به البدريون والمجاهدون في سبيل الله، المناصحون له في جهاد أعدائه، المبالغون في نصرة أوليائه، الذابّون عن أحبّائه، فجزاك الله أفضل الجزاء وأوفى الجزاء، وأوفى جزاء أحد ممن وفي ببيعته، واستجاب لدعوته، وأطاع ولاة أمره .. . ».

لقد شهد الإمام الصادق العقل المفكّر والمبدع في الإسلام، واشهد الله تعالى على ما يقول: من أنّ عمّه أبا الفضل العبّاسعليه‌السلام قد مضى في جهاده مع أخيه أبي الأحرار الإمام الحسينعليه‌السلام ، على الخطّ الذي مضى عليه شهداء بدر الذين هم من أكرم الشهداء عند الله فهم الذين كتبوا النصر للإسلام، وبدمائهم الزكية ارتفعت كلمة الله عالية في الأرض وقد استشهدوا وهم على بصيرة من أمرهم، ويقين من عدالة قضيّتهم، وكذلك سار أبو الفضل العبّاس على هذا الخطّ المشرق، فقد استشهد لإنقاذ الإسلام من محنته الحازبة، فقد حاول صعلوك بني أميّة حفيد أبي سفيان أن يمحو كلمة الله، ويلف لواء الإسلام، ويعيد الناس لجاهليتهم الأولى، فثار أبو الفضل

٤٥

بقيادة أخيه أبي الأحرار في وجه الطاغية السفّاك، وتحققت بثورتهم كلمة الله العليا في نصر الإسلام وإنزال الهزيمة الساحقة بأعدائه وخصومه.

ويستمرّ الإمام الصادقعليه‌السلام في زيارته لعمّه العباس فيسجّل ما يحمله من إكبار وتعظيم، فيقول:

«أشهد أنّك قد بالغت في النصيحة، وأعطيت غاية المجهود فبعثك الله في الشهداء، وجعل روحك مع أرواح السعداء، وأعطاك من جنانه أفسحها منزلاً، وأفضلها غرفاً، ورفع ذكرك في علّيين وحشرك مع النبّيين، والصديقين والشهداء، والصالحين، وحسن أُولئك رفيقاً.

أشهد أنّك لم تهن ولم تنكل، وانّك مضيت على بصيرة من أمرك، مقتدياً بالصالحين، ومتبعاً للنبيّين، فجمع الله بيننا، وبينك وبين رسوله وأوليائه في منازل المخبتين، فانّه أرحم الراحمين .. »(١) .

ويلمس في هذه البنود الأخيرة من الزيارة مدى أهميّة العبّاس، وسموّ مكانته عند إمام الهدي الإمام الصادقعليه‌السلام ، وذلك لما قام به هذا البطل العظيم من خالص النصيحة، وعظيم التضحيّه لريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الإمام الحسينعليه‌السلام ، كما دعا الإمام له ببلوغ المنزلة السامية عند الله التي لا ينالها إلاّ الأنبياء، واوصيائهم، ومن أمتحن الله قلبه للإيمان.

٣ ـ الإمام الحجّة:

وأدلى الإمام المصلح العظيم بقيّة الله في الأرض قائم آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) مفاتيح الجنان للقمّي وغيره من كتب الزيارات والأدعية.

٤٦

بكلمة رائعة في حقّ عمّه العبّاسعليه‌السلام جاء فيها:

« السلام على أبي الفضل العبّاس ابن أمير المؤمنين، المواسي أخاه بنفسه، الآخذ لغده من أمسه، الفادي له، الواقي، الساعي إليه بمائه، المقطوعة يداه، لعن الله قاتليه يزيد بن الرقاد، وحكيم بن الطفيل الطائي »(١) .

وأشاد بقيّة الله في الأرض بالصفات الكريمة الماثلة في عمّه قمر بني هاشم وفخر عدنان، وهي:

١ ـ مواساته لأخيه سيّد الشهداءعليه‌السلام ، فقد واساه في أحلك الظروف، وأشدّها محنة وقسوة، وظلّت مواساته له مضرب المثل على امتداد التاريخ.

٢ ـ تقديمه أفضل الزاد لآخرته، وذلك بتقواه، وشدّة تحرّجه في الدين، ونصرته لإمام الهدى.

٣ ـ تقديم نفسه، واخوته، وولده فداءً لسيّد شباب أهل الجنّة الإمام الحسينعليه‌السلام .

٤ ـ وقايته لأخيه المظلوم بمهجته.

٥ ـ سعيه لأخيه وأهل بيته بالماء حينما فرضت سلطات البغي والجور الحصار على ماء الفرات من أن تصل قطرة منه لآل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٤ ـ الشعراء:

وهام الأحرار من شعراء أهل البيت: بشخصية أبي الفضل التي

__________________

(١) مزار محمد بن المشهدي من أعلام القرن السادس: ٥٥٣.

٤٧

بلغت قمّة الشرف والمجد، وسجّلت صفحات من النور في تاريخ الأمّة الإسلامية، وقد نظموا في حقّه روائع الشعر العربي إكباراً وإعجاباً بمثله الكريمة، فيما يلي بعضهم.

١ ـ الكُمَيْت:

أمّا شاعر الإسلام الأكبر الكُميت الأسدي فقد انطبع حبّ أبي الفضل في أعماق نفسه، وقد تعرّض لمدحه في إحدى هاشمياته الخالدة قال:

وأبو الفضل إنّ ذكرهم الحلو

شفاء النفوس من اسقام(١)

إنّ ذكر أبي الفضل العباسعليه‌السلام ، وسائر أهل البيت: حلو عند كل شريف لأنّه ذكر للفضيلة والكمال المطلق، كما أنّه شفاء للنفوس من أسقام الجهل والغرور، وسائر الأمراض النفسية.

٢ ـ الفضل بن محمد:

من الشعراء الملهمين الذين هاموا بشخصية أبي الفضلعليه‌السلام هو حفيده الشاعر الكبير الفضل بن محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيدالله بن العباس فقد قال:

إني لأذكـر للعبّـاس موقفه

بكربـلاء وهام القوم يختطف

يحمي الحسين ويحميه على ظمأ

ولا يـولّـي ولا يثنـي فيختلف

ولا أرى مشهـداً يوماً كمشهده

مع الحسين عليه الفضل والشرف

_________________

(١) الهاشميات: ٢٥، ومن الغريب أن الشارح لهذا الديوان قال: ان المراد بأبي الفضل هو العباس بن عبد المطلب.

٤٨

أكرم به مشهداً بانت فضيلته

وما أضاع له أفعاله خلف(١)

وصوّرت هذه الأبيات شجاعة أبي الفضلعليه‌السلام وما قام به من دور مشرق يدعو إلى الاعتزاز والفخر في حماية أخيه أبي الأحرار، ووقايته له بمهجته، وسقايته له ولأفراد عائلته وأطفاله بالماء، فلم يكن هناك مشهد أفضل ولا أسمى من هذا الموقف الرائع الذي وقفه أبو الفضل مع أخيه أبي عبد اللهعليه‌السلام وقد استولت مواقف أبي الفضل على حفيده الفضل فهام بها ورثاه بذوب روحه، وكان من رثائه له هذه الأبيات الرقيقة:

أحق النـاس أن يبكى عليه

فتى أبكى الحسين بكربـلاء

أخوه وابـن والده علـي

أبو الفضل المضرّج بالدماء

ومن واسـاه لا يثنيه شيء

وجادله على عطش بماء(٢)

نعم ان أحق الناس أن يمجد ويبكى على ما حلّ به من رزء قاصم هو أبو الفضل رمز الإباء والفضيلة، فقد رزأ الإمام الحسينعليه‌السلام بمصرعه، وبكاه أمرّ البكاء لأنّه فقد بمصرعه أبرّ الإخوان، وأعطفهم عليه.

٣ ـ السيّد راضي القزويني:

وهام الشاعر العلوي السيّد راضي القزويني بشخصية أبي الفضلعليه‌السلام قال:

أبا الفضل يا من أسس الفضل والإبا

أبى الفضل إلاّ أن تكون لـه أبـا

__________________

(١) قمر بني هاشم: ١٤٧ نقلاً عن المجدي.

(٢) الغدير ٣: ٥.

٤٩

تطلبت أسبـاب العلـى فبلغتها

وما كل ساع بالغ ما تطلبـا

ودون احتمال الضيم عزّ ومنعة

تخيرت أطراف الأسنّة مركبا

انّ أبا الفضل من المؤسسين للفضل والإباء في دنيا العرب والإسلام فقد سما إلى طرق المجد، وأسباب العلى، فبلغ قمّتها، وقد تخير أطراف الأسّنة والرماح حتى لا يناله ذلّ، ولا ضيم.

٤ ـ محمد رضا الأزري:

وأشاد الشاعر الكبير الحاج محمد رضا الأزري في رائعته بالمثل الكريمة التي تحلّى بها قمر بني هاشم، والتي احتلت عواطف الأحرار ومشاعرهم يقول:

فانهض الى الذكر الجميل مشمّراً

فالذكر أبقى ما اقتنته كرامها

أو ما أتاك حديث وقعة كربلا

انّى وقد بلغ السماء قتامها

يوم أبو الفضل استجار به الهدى

والشمس من كدر العجاج لثامها

ودعا الأزري بالبيت من رائعته إلى اقتناء الذكر الجميل الذي هو من أفضل المكاسب التي يظفر بها الإنسان فانه أبقى، وأخلد له، ودعا بالبيت الثاني إلى التأمّل والاستفادة من واقعة كربلاء التي تفجّرت من بركان هائل من الفضائل والمآثر لآل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعرج بالبيت الثالث على أبي الفضل العبّاسعليه‌السلام الذي استجار به سبط النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وريحانته، ولنستمع إلى ما قام به العبّاس من النصر والحماية لأخيه، يقول الأزري:

فحمى عرينتـه ودمدم دونها

ويذب من دون الشرى ضرغامها

٥٠

والبيض فوق البيض تحسب وقعها

زجل الرعود إذا اكفهرّ غمامها

من باسل يلقى الكتيبة باسماً

والشوس يرشح بالمنية هامها

واشم لا يحتل دار هضيمة

أو يستقلّ على النجوم رغامها

أو لم تكن تدري قريش أنّه

طلاع كل ثنية مقدامها

وهذه الأبيات منسجمة كل الانسجام مع بطولات أبي الفضل، فقد صوّرت بسالته، وما قام به من دور مشرف في حماية أخيه أبي الأحرار فقد انبرى كالأسد يذبّ عن أخيه في معركة الشرف والكرامة، غير حافل بتلك الوحوش الكاسرة التي ملأت البيداء دفاعاً عن ذئاب البشرية، وقد انطلق أبو الفضل باسماً في ميادين الحرب وهو يحطّم أنوف أُولئك الأوغاد ويجرّعهم غصص الموت في سبيل كرامته وعزّة أخيه، وقد استبان للقبائل القرشية في هذه المعركة ان أبا الفضل طلاع كل ثنية، وانه ابن من أرغمها على الإسلام وحطّم جاهليتها وأوثانها.

وبهذا العرض نأتي على الانطباعات الكريمة عن شخصية أبي الفضلعليه‌السلام عند الأئمة الطاهرينعليهم‌السلام ، وعند بعض أعلام الأدب العربي.

* * *

٥١

٥٢

عناصره النفسيّة

٥٣

٥٤

كان سيّدنا العباسعليه‌السلام دنيا من الفضائل والمآثر، فما من صفة كريمة أو نزعة رفيعة إلاّ وهي من عناصره وذاتياته، وحسبه فخراً أنّه نجل الإمام أمير المؤمنين الذي حوى جميع فضائل الدنيا، وقد ورث أبو الفضل فضائل أبيه وخصائصه، حتى صار عند المسلمين رمزاً لكل فضيلة، وعنواناً لجميع القيم الرفيعة، ونلمح ـ بإيجاز ـ لبعض صفاته.

١ ـ الشجاعة:

أمّا الشجاعة فهي من أسمى صفات الرجولة لأنها تنمّ عن قوة الشخصية وصلابتها، وتماسكها أمام الأحداث، وقد ورث أبو الفضل هذه الصفة الكريمة من أبيه الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام الذي هو أشجع إنسان في دنيا الوجود، كما ورث هذه الصفة من أخواله الذين تميّزوا بهذه الظاهرة، وعرفوا بها من بين سائر الأحياء العربية.

لقد كان أبو الفضل دنيا في البطولات، فلم يخالج قلبه خوف ولارعب في الحروب التي خاضها مع أبيه كما يقول بعض المؤرخين، وقد أبدى من الشجاعة يوم الطف ما صار مضرب المثل على امتداد التأريخ، فقد كان ذلك اليوم من أعظم الملاحم التي جرت في الإسلام، وقد برز فيه أبو الفضل أمام تلك القوى التي ملأت البيداء فجبَّنَ الشجعان وأرعب قلوب

٥٥

عامة الجيش، فزلزلت الأرض تحت أقدامهم وخيّم عليهم الموت، وراحوا يمنّونه بإعطاء القيادة العامة إن تخلّى عن مساندة أخيه، فهزأ منهم العبّاس، وزاده ذلك تصلّباً في الدفاع عن عقيدته ومبادئه.

ان شجاعة أبي الفضلعليه‌السلام ، وما أبداه من البسالة يوم الطفّ لم تكن من أجل مغنم مادي من هذه الحياة، وانّما كانت دفاعاً عن أقدس المبادئ الماثلة في نهضة أخيه سيّد الشهداء المدافع الأوّل عن حقوق المظلومين والمضطهدين.

مع الشعراء:

وبهر شعراء الإسلام بشجاعة أبي الفضل، وقوّة بأسه وما ألحقه بالجيش الأموي من الهزيمة الساحقة، وفيما يلي بعض الشعراء الذين هاموا بشخصيته.

١ ـ السيّد جعفر الحلّي:

ووصف الشاعر العلوي السيّد جعفر الحلّي في رائعته ما مُني به الجيش الأموي من الرعب والفزع من أبي الفضلعليه‌السلام يقول:

وقع العذاب على جيوش أميّة

من باسل هو في الوقائع معلم

ما راعهم إلاّ تقحم ضيغم

غيران يعجم لفظه ويدمدم

عبست وجوه القوم خوف الموت

والعبّاس فيهم ضاحك يتبسّم

قلب اليمين على الشمال وغاص في

الأوساط يحصد للرؤوس ويحطم

ما كرّ ذو بأس له متقدماً

إلاّ وفرّ ورأسه المتقدّم

صبغ الخيول برمحه حتى غدا

سيان أشقر لونها والأدهم

٥٦

ما شدّ غضباناً على ملمومه

إلاّ وحلّ بها البـلاء المبـرم

وله إلى الاقدام نزعة هارب

فكأنّما هـو بالتقـدم يسلـم

بطل تورث من أبيه شجاعة

فيها أنوف بني الضلالة ترغم

أرأيتم هذا الوصف الرائع لبسالة أبي الفضل وقوة بأسه وشجاعته النادرة.

أرأيتم كيف وصف الحلّي ما حلّ بالجيش الأموي من الجبن الشامل، والهزيمة الساحقة حينما برز إليهم قمر بني هاشم وبطل الإسلام فأنزل بهم العذاب الأليم، وترك صفوفهم تموج من الخوف والرعب، وكان العباس متبسّماً مثلوج الفؤاد مما ينزل بهم من الخسائر الفادحة، فقد ملأ ساحات المعركة بجثث قتلاهم، وصبغ خيولهم بدمائهم، وفيما أحسب أنّه لم توصف البسالة والشجاعة بمثل هذا الوصف الرائع الدقيق، والذي لا مبالغة فيه حسبما تحدّث الرواة عمّا أنزله العباسعليه‌السلام بأهل الكوفة من الخسائر الجسيمة.

ويستمرّ السيد الحلّي في وصف شجاعة أبي الفضل فيقول:

بطل إذا ركب المطهم خلْته

جبلاً أشمّ يخف فيه مطهم

قسماً بصارمه الصقيل وانني

في غير صاعقة السماء لا أقسم

لولا القضا لمحا الوجود بسيفه

والله يقضي ما يشاء ويحكم

لقد كان سيف أبي الفضل صاعقة مدمّرة قد حلّت بأهل الكوفة، ولولا قضاء الله لأتى العبّاس على الجيش، ومحاهم من ساحة الوجود.

٢ ـ الإمام كاشف الغطاء:

وبهر الإمام محمد الحسين كاشف الغطاءرحمه‌الله بشجاعة أبي الفضل

٥٧

فقال في قصيدته العصماء:

وتعبس من خوف وجوه أميّة

اذا كرّ عبّاس الوغى يتبسّم

عليم بتأويل المنيّة سيفه

تزول على من بالكريهة معلم

وان عاد ليل الحرب بالنقع ألْيلا

فيوم عداه منه بالشر أيوم

لقد عبست وجوه الجيش الأموي رعباً وخوفاً من أبي الفضل الذي حصد رؤوس أبطالهم، وحطّم معنوياتهم، وأذاقهم وابلاً من العذاب الأليم.

٣ ـ الفرطوسي:

وعرض شاعر أهل البيتعليهم‌السلام الشيخ عبد المنعم الفرطوسي نضّر الله مثواه في ملحمته الخالدة إلى شجاعة أبي الفضل وبسالته في ميدان الحرب قال:

علم للجهاد في كل زحف

علم في الثبات عند اللقاء

قد نما فيه كل بأس وعزّ

من عليّ بنجدة وإباء

هو ثبت الجنان في كل روع

وهو روع الجنان من كل راء

وأضاف الفرطوسي مصوّراً ما أنزله أبو الفضل من الخسائر الفادحة في جيوش الأمويين قال:

فارتقى صهوة الجواد مطلاً

علمـاً فـوق قلعة شمّـاء

وتجلّى والحرب ليل قثام

قمراً فـي غياهب الظلماء

فاستطارت مـن الكمـاة قلوب

أفرغت من ضلوعها كالهواء

وتهاوت جسومهم وهي صرعى

واستطارت رؤوسهم كالهباء

٥٨

وهو يرمي الكتائب السود رجماً

بالمنايا من اليد البيضاء(١)

إن شجاعة أبي الفضل قد أدهشت أفذاذ الشعراء، وصارت مضرب المثل على امتداد التأريخ، ومما زاد في أهميتها انّها كانت لنصرة الحق والذبّ عن المثل والمبادئ التي جاء بها الإسلام، وانها لم تكن بأي حال من أجل مغنم مادي من مغانم هذه الحياة.

٢ ـ الإيمان بالله:

أمّا قوّة الإيمان بالله، وصلابته فانها من أبرز العناصر في شخصية أبي الفضلعليه‌السلام ، ومن أوليات صفاته، فقد تربّى في حجور الإيمان ومراكز التقوى، ومعاهد الطاعة والعبادة لله تعالى، فقد غذّاه أبوه زعيم الموحّدين، وسيّد المتّقين بجوهر الإيمان، وواقع التوحيد، لقد غذّاه بالإيمان الناشىء عن الوعي، والتدبّر في حقائق الكون، وأسرار الطبيعة، ذلك الإيمان الذي اعلنه الإمامعليه‌السلام بقوله: « لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً » وقد تفاعل هذا الإيمان العميق في أعماق قلب أبي الفضل وفي دخائل ذاته حتى صار من عمالقة المتقين والموحّدين، وكان من عظيم إيمانه الذي لا يحد أنّه قدم نفسه واخوته وبعض أبنائه قرابين خالصة لوجه الله تعالى.

لقد جاهد العبّاس ببسالة دفاعاً عن دين الله، وحماية لمبادئ الإسلام التي تعرّضت للخطر الماحق أيّام الحكم الأموي، ولم يبغ بذلك إلاّ وجه الله والدار الآخرة.

__________________

(١) ملحمة أهل البيت ٣: ٣٢٩ ـ ٣٣٠.

٥٩

٣ ـ الإباء:

وصفة أخرى من أسمى صفات أبي الفضلعليه‌السلام ، وهي الإباء وعزّة النفس فقد أبي أن يعيش ذليلاً في ظلّ الحكم الأموي الذي اتخذ مال الله دولاً، وعباد الله خولاً، فاندفع إلى ساحات الجهاد كما اندفع أخوه أبو الأحرار الذي رفع شعار العزّة والكرامة، وأعلن أن الموت تحت ظلال الأسنّة سعادة، والحياة مع الظالمين برماً.

لقد مثّل أبو الفضلعليه‌السلام يوم الطفّ الإباء بجميع رحابه ومفاهيمه فقد منّاه الأمويون بإمارة الجيش، وإسناد القيادة العامة له أن تخلّى عن أخيه سيّد شباب أهل الجنّة، فهزأ منهم وجعل إمارة جيشهم تحت حذائه، واندفع بشوق وإخلاص إلى ميادين الحرب يجندل الأبطال ويحصد الرؤوس دفاعاً عن حرّيته ودينه وكرامته.

٤ ـ الصبر:

ومن خصائص أبي الفضلعليه‌السلام ومميّزاته الصبر على محن الزمان، ونوائب الدهر، فقد ألمّت به يوم الطف من المصائب والمحن التي تذوب من هولها الجبال، فلم يجزع، ولم يفه بأيّ كلمة تدلّ على سخطه، وعدم رضاه بما جرى عليه وعلى أهل بيته، وانّما سلّم أمره إلى الخالق العظيم، مقتدياً بأخيه سيّد الشهداءعليه‌السلام الذي لو وزن صبره بالجبال الرواسي لرجح عليها.

لقد رأى أبو الفضل الكواكب المشرقة، والممجدين الأوفياء من

٦٠