الأسرة في المجتمع الإسلامي

الأسرة في المجتمع الإسلامي33%

الأسرة في المجتمع الإسلامي مؤلف:
تصنيف: الأسرة والطفل
الصفحات: 113

الأسرة في المجتمع الإسلامي
  • البداية
  • السابق
  • 113 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 79557 / تحميل: 7033
الحجم الحجم الحجم
الأسرة في المجتمع الإسلامي

الأسرة في المجتمع الإسلامي

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الأسرة

في المجتمع الإسلامي

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

٣

٤

مقدّمة المركز

الحمد لله الواحد الأحد الذي تطمئنّ القلوب بذكره، والصلاة والسلام على أبي القاسم محمّد أشرف أنبياء الله ورسله، وعلى آله المنتجبين المطهّرين وبعد.

سَبق لمركز الرسالة أنْ أصدر في شأن الأُسرة كتابين من سلسلته المستمرّة (سلسلة المعارف الإسلاميّة)، كان الأوّل تحت عنوان (تربية الطفل في الإسلام)، وتناول الثاني (آداب الأُسرة في الإسلام) وقد حملا الرقمين (٨ و٢١) على الترتيب، ثمّ جاء كتابنا الثالث هذا ليُعالج هذا الموضوع الحسّاس من جوانبه الأُخرى؛ تقديراً منّا للحاجة المستمرّة إلى رفع مستوى الوعي الديني والثقافي في شأن الأُسرة، اللبنة الأساس في المجتمع، ومدرسة الإعداد الأوّلي والأهم لأفراده.

تقديراً - من ناحية أُخرى - لأهميّة الحديث عن الأُسرة اليوم في خِضمّ الصراع الحضاري والثقافي الدائر بين الإسلام كدين، ونظام للحياة والمجتمع، وبين الأنظمة المادّيّة سواء في الشرق أم الغرب، التي جعلت تفكيك الأُسرة أو تهميش الروابط الأُسريّة جزءاً لا يتجزّأ من صياغاتها النظريّة وبرامجها العمليّة، مع ما تمتلكه هذه الأنظمة المادّيّة اليوم، من عناصر قوّة تمكّنها من الاختراق الثقافي للمجتمعات الإسلاميّة التي افتُقدت مُنذ زمن عنصر المبادرة، بل افتَقدت إلى حدٍّ كبير القدرة على التحصّن الثقافي ضدَّ أيّ غزو أو اختراق من هذا النوع.

وإذا كان الإسلام يتمتّع بقدراته الذاتيّة الفائقة بما يتوفّر عليه من نُظُم شاملة ومتماسكة، فإنّ المسلمين بحاجة دائماً إلى مزيد من الوعي الذي يرتفع بمعارفهم الإسلاميّة إلى مستوى الثقافة العمليّة المُعاشة في الواقع، من أجل تقليل الفجوة بين

٥

واقِعهم العملي، وبين ما يستندون إليه من رصيد عقيدي وفكري أثبتَت وتَثبت تجارب الأُمم، أنّه الرصيد الأكمل والأعظم شمولاً وعمقاً وتماسكاً، من أيِّ رصيد آخر تستند إليه أُمّة مِن أُمم الأرض.

فها نحن نشهد في عصرنا الحديث صَرخات الكثير من المفكّرين وعلماء الاجتماع الغربيّين، وهي تتوجّع من نظام تفكيك الأُسرة ومخلّفاته السيّئة على الفرد والمجتمع، مشفوعةً بإحصاءات علميّة تؤكّد دعواهم المستمّرة إلى المحافظة على نظام الأُسرة وصيانة كيانها، بل قد ذاق المجتمع الغربي نفسه مرارة واقعهِ الأُسري المفكّك، فظهرت جمعيّات خاصّة لمقاومة اتجاه النساء إلى العمل خارج المنزل، وأُخرى تدعو إلى العودة إلى الأديان السماويّة وتعاليمها في شأن الأُسرة.. فيما خصّصت إحدى الحكومات الاسكندنافيّة - أخيراً - مكافئات ماليّة مُغرية للآباء أيّام الإجازات، ترغيباً لهم في أنْ يقضوا أوقاتاً أطول مع أبنائهم.

ولكنْ مهما بلغت هذه الصرخات من قوّة وقدرة على التأثير، فإنّها ستبقى معالجات سطحيّة إذا ما قُورنت بالنظام الأُسري في الإسلام، الذي تتوزّع أركانه على المجتمع والأُسرة والفرد، ليضمن تحقيق الاستعداد التام لتكوين الأُسرة السليمة، منذ مقدّماتها الأولى، متابعاً مراحل نشأتها وتكوينها ونموّها في ما هو أُُسَري بحت، وفي ما يتجاوز إطار الأُسرة إلى المجتمع، الأمر الذي يتطلّب تحقيق المستوى الأفضل من الوعي برسالة هذا النظام والمعرفة بتفاصيله التي تنتظم في نَسَق متكامل لا يستغني فيه بعضها عن بعض.

من أجل ذلك كلّه يتبنّى مركز الرسالة هذا الكتاب الذي نرجو له أنْ يسهم في تعضيد بناء الأُسرة المسلمة على الأُسُس القويمة، لتكون أكثر صلابة أمام التحدّيات المعاصرة، وأكثر متانة في أداء رسالتها في المجتمع.

والله من وراء القصد

مركز الرسالة

٦

المقدّمة

الحمدُ لله الذي جعل لنا من أنفسنا أزواجاً وجعل بيننا مودّةً ورحمة. والصلاة والسلام على رسوله الأمين وآل بيته الطيّبين الطاهرين..

وبعد.. فقد احتلّ موضوع الأُسرة مكانةً مرموقةً في برنامج الإسلام التغييري الواسع النطاق؛ لكونها تشكّل اللّبنة الأساسية الأُولى في صرحِه الاجتماعي.

ولم ينصبّ اهتمام الإسلام على مرحلة تشكيل الأُسرة وتكوينها فحسب، بل أولى عناية خاصّة لمرحلة ما قبل التأسيس، وذلك بترغيب الشباب من الجِنسين على العيش المُشترك ضمن إطار الأُسرة كمجتمع صغير، فقد أشار إلى المعطيات الإيجابيّة المترتّبة على العُلقة الزوجيّة ونفّر أشدّ التنفير من العزوبة، كما تعرّض بشيء من التفصيل للمقوّمات الأساسيّة التي يجب أنْ تقوم عليها الحياة الزوجيّة، وتطرّق للأُسُس السليمة التي تتم بموجبها عمليّة اختيار الشريك، تلك الأُسُس التي ترتكز على نظافة القصد وسلامة النيّة.

وكان من الطبيعي أنْ يحثّ الإسلام على التساهل في قضيّة المهر وشروط الزواج ومقدّماته، وازدادت عنايته أكثر بالأُسرة في مرحلة النشأة والتكوين، فقد عمل على توثيق العلاقة الجديدة بين الزوجين على مختلف الأصعدة.

فعلى الصعيد النفسي ومن أجل الارتقاء الروحي والإيماني للزوجين أكّد على توثيق علاقتهما بالله تعالى، وهو أمر له مردود إيجابي على علاقتهما فيما بينهما، ولا يخفى بأنّ توثيق العلاقة مع الخالق، يُؤدّي - بالملازمة - إلى تقوية العلاقة مع المخلوق.

وعلى الصعيد التربوي، دعا الإسلام إلى تأسيس أُسرة تقوم على أُسُس من التفاهم والانسجام، والحبّ المتبادل والمعاشرة بالمعروف، والشعور بالمسؤوليّة تجاه العائلة، وكذلك الإنصاف والعدل، وتقسيم العمل وتوزيع الأدوار وعدم إلحاق

٧

الضرر بالطرف الآخر، وما إلى ذلك.

وعلى الصعيد الأخلاقي أكّد على التمسك بعُرى الصبر الجميل، والابتعاد عن الخيانة الزوجيّة وعدم خلع حزام العفة، وتجنّب الطعن في الشرف من خلال القذف وما إلى ذلك، وأيضاً تجنّب الغيرة التي تكون لها - في غالب الأحيان - آثار تدميريّة على الأُسرة، زِد على ذلك دعوة الإسلام الملحّة إلى تحصين سياج الأُسرة من خلال رعاية جانب الآداب والأخلاق الإسلاميّة من قبل كلا الزوجين.

ولم يكتفِ الإسلام - كرسالة شموليّة - بالجانب الوعظي، أو الإرشادي، بل صبّ توصياته بخصوص الأُسرة في قوالب قانونيّة واضحة ومُلزمة، حدَّد فيها الواجبات المُلقاة على الزوجين تجاه بعضهما البعض، وتجاه أولادهما، كما بيّن الحقوق المترتّبة على كلِّ فرد في الأُسرة.

هذه الخطوط الرئيسة سوف تجد تفاصيلها في هذا البحث الذي اتّبعنا فيه المنهج النقلي، وأردنا من خلاله الكشف عن موقف الإسلام الأصيل الذي تمثّله مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) من موضوع الأُسرة، وهو الموضوع الذي يتزايد بشأنه اهتمام الرأي العالمي نتيجة للدعوات المظلّلة التي تصدر من الغرب، وتدعو الشباب إلى التمرّد على نظام الأُسرة بُغية تقويضِه، إمّا من خلال سلوك طريق الرّهبنة والعزوف عن الزواج، أو الانجراف مع تيّار الإباحيّة العارم الذي يتنصّل للقيم، ويسعى نحو تحطيم النظم التقليديّة ومنها نظام الأُسرة.

وقد قسّمنا البحث إلى مقدِّمة وثلاثة فصول، نتعرّض في:

الفصل الأول: إلى الأُسرة قبل التكوين.

أمّا الفصل الثاني: فيتكفّل ببيان عناية الإسلام بالأُسرة عند نشأتها.

أمّا الفصل الثالث: فهو مقارنة بين المنهج الإسلامي والمادّي في بناء الأُسرة وما يترتّب على المنهجين من آثار اجتماعيّة وتربويّة وأخلاقيّة.

ومن الله تعالى نستمدّ العون والتوفيق

٨

الفصل الأول

الأسرة قبل التكوين في المنهج الإسلامي

يُطلق لفظ الأُسرة في اللغة على عشيرة الرجل ورهطه الأدنون وأهل بيته؛ لأنّه يتقوّى بهم (١) .

أمّا في الاصطلاح فإنّ مفهوم الأُسرة يتطوّر عبر الزمان ويتأثّر بالمكان، ويُطلق في الإسلام على الجماعة المكوّنة من الزوج والزوجة وأولادهما غير المتزوجين الذين يقيمون معاً في مسكن واحد، وعندما نقيّد الأُسرة بقولنا: الأُسرة المسلمة، فلا بدّ لأفرادها من أنْ يكونوا في أفكارهم وعواطفهم وسلوكهم من الملتزمين بأحكام الإسلام (٢) .

فالدين الإسلامي - باعتباره منهجاً شاملاً لجميع جوانب الحياة الإنسانيّة - أولى الأُسرة أهميّة خاصّة في مفردات منهجه المتكامل، ذلك لما لها من دور فعّال يسهم في بناء إنسان صالح يُشارك في خدمة المجتمع ورقيّه وتنمية قدراته.

ومن هذا المُنطلق يُمكن القول بأنَّ الإسلام يقدّم نظرته المثلى قبل تشكيل

____________________

١) الصحاح | الجوهري ٢: ٥٧٩، لسان العرب | ابن منظور ٤: ٢٠ مادّة - اُسر..

٢) راجع: نظام الأسرة في الإسلام | باقر شريف القرشي: ١٨، والأسرة والحياة العائليّة| الدكتورة سناء الخولي: ٣٥ - الاسكندريّة - ١٩٨٦ م.

٩

الأُسرة، كخطوة استباقيّة لما يجب أنْ تكون عليه الأُسرة المسلمة؛ تنحرف عن مسارها الذي رسمه لها كمؤسّسة تربويّة أساسيّة في المجتمع، وسوف نتناول هذا الموضوع من خلال المباحث التالية:

المبحث الأوّل

أساليب الإسلام في التشجيع على الزواج

يُمكن تحديد المنهج الإسلامي في التشجيع على الزواج، باعتباره النواة الأُولى لتكوين الأُسرة المسلمة في أُسلوبَي الترغيب على الزواج والترهيب من تركه الواردين في الكتاب الكريم والسنة المطهّرة.

أولاً: أُسلوب الترغيب:

قال تعالى: ( وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) (النور:٣٢) (١) .

فهذه الآية تدلّ على أمرٍ إلهي في التشجيع على الزواج والوعد بتذليل العقَبات الاقتصاديّة التي تعتريه.

كما كشف لنا القرآن الكريم - وفي معرض الامتنان على البشريّة - عن أنّ الزواج آية من آياته الرحمانيّة التي تعمُّ جميع الناس، سواء منهم المسلم أم الكافر، ينعمون من خلاله بالسكينة والاطمئنان في أجواءٍ من المودّة والرحمة،

____________________

١) سورة النور: ٢٤ | ٣٢.

١٠

فقال عزَّ من قائل: ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) (١) .

وإذا طالعنا السُنّة المباركة نجد أنَّ الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد وضّح لنا الرغبة الإلهيّة للبناء الأُسري القائم على أساس الزواج وله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (ما بُني بناء في الإسلام أحبُّ إلى الله من التزويج) (٢) .

وحَرَص (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على إبراز المُعطيات الإيجابيّة للزواج تشجيعاً للشباب من أجل الإقدام عليه عندما قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (يا مَعشر الشباب، مَن استطاع منكم الباه فليتزوَّج، فإنّه أغضُّ للبَصر وأحصَنُ للفرج..) (٣) .

وبصرف النظر عمّا ورَد في النقل - من آيات وروايات - بخصوص الترغيب في الزواج فإنّ العقل يحكُم بضرورته لكونِه السبب المُباشر وراء تشكيل أوّل خليّة اجتماعيّة، هي الأسرة التي ترفد المجتمع بأفراد صالحين يُسهمون في بنائه وتطويره وفق أُسُس سليمة بعيدة عن أسباب الانحراف والابتذال.

ومن هذه الجهة يكشف لنا الإمام الرضا (عليه السلام) ضرورة الزواج الاجتماعيّة يستقل بإدراكها العقل بغضّ النظر عن الشرع، فيقول (عليه السلام): (لو لم يكن في المناكحة والمصاهرة آيةٌ مُحكمة منزلة، ولا سُنَّة متّبعة، لكان فيما جعل لله فيها من بِرّ القريب، وتآلف البعيد، ما رغب فيه العاقل اللبيب، وسارَع إليه المُوفّق المُصيب...) (٤) .

____________________

١) سورة الروم: ٣٠ | ٢١.

٢) مكارم الأخلاق | الطبرسي: ١٩٦.

٣) مكارم الأخلاق: ١٩٧.

٤) مكارم الأخلاق: ٢٠٦.

١١

كما أنَّ الزواج من السنن الاجتماعيّة، التي لم تزل دائرة في تاريخ النوع الإنساني إلى هذا اليوم، وهو دليل على كونه سُنّة فطريّة حافظت على بقاء النوع الإنساني؛ ذلك لأنّ الأنواع تبقى ببقاء نسلها، ناهيك عن أنّ الذكَر والأُنثى مُجهّزان بحسب البنية الجسمانيّة بوسائل التناسل والتوالد..

وكلاهما في ابتغاء ذلك شرع سواء، وإنْ زيدت الأُنثى بجهاز الإرضاع والعواطف الفطريّة المُلائمة لتربية الأولاد، وقد أودع تعالى كلا الجنسين غرائز إنسانية تنعطف إلى محبّة الأولاد ورعايتهم، وتنقضي بكون كل منهما مسكناً للآخر، وبلزوم تأسيس البيت، إذن فالفحشاء والسِّفاح الذي يَقطع النسل ويُفسد الأنساب أوّل ما تبغضه الفطرة الإنسانيّة القاضية بالنكاح (١) .

وممّا يدلّ على أنّ الزواج أمر فطري قول الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (من أحبّ فطرتي، فليستنَّ بسنتي، ومن سنتي التزويج) (٢) .

وعليه فالزواج يقف سدّاً منيعاً يحول دون الانحراف الجنسي، وهو من أفضل الوسائل الوقائيّة التي تحصّن الناس من الانزلاق إلى هاوية الرذيلة، وبالتالي الوقوع في الفتنة.

رُوي عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنّه قال: (نزل جبرئيل على النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال: يا محمّد إنّ ربّك يُقرؤك السلام ويقول: إنَّ الأبكار من النّساء بِمَنزلة الثمر على الشجر، فإذا أينع الثمر فلا دواء له إلاّ اجتنائه، وإلاّ أفسَدَته الشمس، وغيّرته الرّيح، وإنّ الأبكار إذا أدركن ما تدرك النّساء فلا دواء لهُن إلاّ البعول، وإلاّ لم يُؤمَن عليهنّ الفتنة، فصعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) المنبر، فجَمَع

____________________

١) تفسير الميزان | العلاّمة الطباطبائي ٤: ٣١٢ - ٣١٣.

٢) مكارم الأخلاق: ١٩٧.

١٢

الناس، ثمّ أعلَمَهُم ما أمر الله عزَّ وجلَّ به) (١) .

ولم يكتفِ الإسلام بتشجيع الشباب من الجنسين على الزواج، بل دعا المسلمين إلى تحقيق أعلى درجة من المشاركة والتعاون، ومدّ يد العون لكلِّ من تضيق يده عن تهيئة الوسائل اللازمة للزواج، ووعد كلّ من يُساهم في هذا العمل الخيري بالثواب الجزيل، وثمّة شواهد نقليّة على هذا التوجه، منها.

قال الإمام زين العابدين (عليه السلام): (... ومن زوَّجه زوجة يأنس بها ويسكن إليها، آنَسَهُ الله في قبره بصورة أحبّ أهله إليه) (٢)

وقال حفيدُه الإمام الكاظم (عليه السلام): (ثلاثة يَستظلّون بظلّ عرش الله يوم لا ظلَّ إلاّ ظلّه: رجل زوّج أخاهُ المسلم، أو خدَمه أو كتَم له سرّاً) (٣) .

وفي هذا الإطار مَلحّة لتوسيع المشاركة الاجتماعيّة في هذه القضيّة الحيويّة، ودفع المسلمين للقيام بدور الوساطة بين الشباب المؤهّلين للزواج، وفتح قنوات الاتّصال والتعارف بين عوائلهم، وكذلك مدّ جُسور الفهم والتفاهم بين العروسين، وهي أمور لابدّ منها حتّى يكون الزواج عن قناعة ورضا وطيب نفس، وعلى نحوٍ مدروس، وليس قراراً ارتجالياً قد تترتّب عليه عواقب لا تُحمد عقباها.

ثمّ إنّ الوسيط أو الشفيع يُساهم مساهمة فعّالة في تذليل الصعوبات ورفع الموانع والعقبات التي تَعترض الجانبين، وقد أشادَ أميرُ المؤمنين (عليه السلام) بدور الشفيع أو الوسيط فقال: (أفضل الشفاعات أنْ يشفع بين اثنين في نكاح،

____________________

١) وسائل الشيعة ١٤: ٣٩ كتاب النكاح.

٢) ثواب الأعمال، للصدوق: ١٧٥ - ١٧٦.

٣) الخصال | الصدوق ١: ١٤١ باب الثلاثة.

١٣

حتّى يَجمَع شَملَهُما) (١) .

المُعطيات الإيجابية للزواج:

ومن ضمن أُسلوب (الترغيب) نجد من خلال نظرتنا الفاحصة للنصوص أنّ الإسلام يُبرز - بوضوح - المعطيات الإيجابيّة للزواج، ويُمكن تبويبها في النقاط التالية:

١ - الدخول في ولاية الله:

فلاشكّ أنّ مَن أقدم من الشباب على الزواج، أو مَن قدّم خدمة في هذا الشأن، امتثالاً لأمرِ الله تعالى، ورغبةً في رضاه، سوف يُدخله الله تعالى في ولايته، وقد ورد عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّه قال: (مَن نكَح لله وأنكَح لله استحقَّ ولاية الله) (٢) .

ويُفهم من ذلك بالدلالة الالتزاميّة أنّ مَن يُحجِم عن الزواج بدون سبب شرعي، أو مَن يَضَع العراقيل في هذا السبيل، فسوف يكون أقرب إلى ولاية الشيطان.

ولعلّ ذلك ما يُفسّر قول الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (أيّما شاب تزوّج في حَداثة سنّه عجّ شيطانه: يا ويله! عَصَمَ منّي دينه) (٣) .

٢ - امتثال سُنّة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم):

وهي سُنَّةٌ هاديةٌ راشدة تدفع من عمل بها نحو الصلاح، وتُؤدّي إلى الفوز والفلاح، وقد تجسّدت بأقوال الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) العديدة، التي حثَّ فيها الشباب

____________________

١) مكارم الأخلاق | الطبرسي: ١٩٦.

٢) المحجّة البيضاء | الكاشاني ٣: ٥٤ مؤسّسة الأعلمي ط٢.

٣) كنز العمّال ١٦: ٢٧٦ | ٤٤٤٤١.

١٤

على نبذ حياة العزوبيّة، كما جُسّدَت في أفعاله، فقد تزوّج مرّات عديدة، وزوّج بناته أيضاً، كما تمثّلت في تقريره، فَلَم يكتفِ بالسكوت عمّن يتزوّجون، بل كان يسأل أصحابه ومَن يُحيط به عن أخبار الزواج، فيُبارك لمَن تزوّج منهم ويدعو له، كما ويسأل العزّاب منهم عن سبب عزوفهم عن الزواج، و يُحاول حلّ مشاكلهم ويشفع أو يتوسّط لتسهيلها، وقد زوّج (جُوَيبِر) مع فقره المُدقِع من (الزلفاء) مع ما هي فيه من الجاه والثراء.

فالزواج - إذن - إضافةً إلى أنّه آية ربانيّة فهو سنّة نبويّة يتوجّب إتّباعها، والعمل بها، قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (النكاح سنّتي، فمَن رغِب عن سنّتي فَلَيس منّي...) (١) .

وانطلاقاً من هذا التوجّه النبوي، قال أمير المؤمنين (عليه السلام) موصياً: (تزوّجوا، فإنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كثيراً ما كان يقول: مَن كان يُحبُّ أنْ يتَّبِع سُنّتي فليتزوّج، فإنَّ مِن سُنّتي التزويج) (٢) .

٣ - اكتساب الفضيلة العالية:

فالمتزوِّج أفضل عند الله تعالى ورسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الأعزب درجةً، وأجزل ثواباً، قال الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (المتزوّج النائم أفضل عند الله من الصائِم القائم العزِب) (٣) .

ورُوي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: (ركعتان يُصلّيها مُتزوّج أفضل من سبعين ركعة يُصلّيها أعزب) (٤) .

____________________

١) جامع الأخبار: ٢٧١ | ٧٣٧، كنز العمّال ١٦: ٢٧١ | ٤٤٤٠٧.

٢) تُحف العقول: ١٠٥.

٣) جامع الأخبار: ٢٧٢ | ٧٤١.

٤) ثواب الأعمال: ٦٢.

١٥

وعن أبي الحسن (عليه السلام) قال: (جاء رجلٌ إلى أبي جعفر (عليه السلام) فقال له: هل لك من زوجة؟ قال: لا، فقال أبو جعفر عليه السلام: لا أحبُّ أنّ ليَ الدنيا وما فيها وأنْ أبيت ليلةً وليس لي زوجة، ثمّ قال: إنّ ركعتين يُصلّيهما رجلٌ متزوِّج أفضل من رجلٍ أعزب يقومُ ليلهُ ويصوم نهاره) (١) .

ولعلَّ الوجه في هذا التفاضل، أنّ الأعزب يكون عُرضةً لضغط الغريزة الجنسيّة فيَشغل الجنس حيّزاً كبيراً من تفكيره ويكون محوراً لاهتمامه، الأمر الذي ينعكس - سلباً - على عبادته، التي تكتسب فضيلتها وكمالها من التوجّه الكلّي نحو المعبود، والابتعاد عمّا سواه.

وهناك من تضيق عدَسَة الرؤية لديه أو يفهم الدين فهماً قاصراً، فَيَرى أنّ الرهبانيّة تُكسب الإنسان فضلاً وكمالاً، كما هو الحال عند بعض النصارى وأهل التصوّف، ولكنّ أهل البيت (عليهم السلام) يرفضون هذا الفهم القاصر، فقد وَرَد عن الإمام الرضا (عليه السلام):

(إنَّ امرأة سألت أبا جعفر (عليه السلام) فقالت: أصلَحك الله إنّي مُتبتّلة، فقال لها: وما التبتّل عندك؟ قالت: لا أُريد التزويج أبداً، قال: ولِمَ؟ قالت: ألتمس في ذلك الفضل، فقال: انصرفي فلو كان في ذلك فضل لكانت فاطمة (عليها السلام) أحقُّ به منك، إنّه ليس أحدٌ يسبقها إلى الفضل) (٢) .

٤- الطهارة المعنويّة:

فممّا لا ريب فيه أنّ الزواج عامل مساعد على التطهّر من الآثام كالزنا، واللواط، وسائر أشكال الانحراف عن الطريق المستقيم، ومن أجل ذلك قال

____________________

١) مكارم الأخلاق: ١٩٧.

٢) أمالي الطوسي ١: ٣٨٠. وبحار الأنوار ١٠٣: ٢١٩.

١٦

الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (مَن سرّه أنْ يلقى الله طاهراً مُطهّراً، فَليَلقه بزوجةٍ صالحة) (١) .

فالزواج هو الطريق الطبيعي لرفد الأُمّة بعناصر شابّة، تُجدّد حيويّتها، وتقوم على أكتافهم نهضتها وصيرورة تقدّمها، ولذلك نلاحظ أنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد أفصَح أكثر من مرّة عن رغبتهِ في كثرة أفراد أمّته، ومن ذلك قوله: (تناكحوا، تكاثروا، فإنّي أُباهي بكم الأُمم يوم القيامة حتّّى بالسِّقط) (٢) .

٥ - زيادة الرزق وحسن الخلق:

لقد طمأن الله تعالى الذين يَخشون الدخول في عشّ الزوجيّة خوفاً من الفقر، وما يُوجبه من النفقة، قائلاً: ( وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) (٣) .

وهو وعدٌ جميل بالغنى وسِعة الرزق، وقد أكّده بقوله ( واللهُ واسعٌ عليمٌ ) ، والرزق يتبع صلاحيّة المرزوق بمشيئةٍ مِن الله سبحانه (٤) .

وفي حديث الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما يقشع غيوم الهموم التي تتراكم في النفوس خوفاً من أعباء الزواج، فقد قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (التمسوا الرزق بالنكاح)، وأيضاً قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (تزوَّجوا النساء، فإنّهنَّ يأتين بالمال) (٥) .

وفي حديثٍ ثالثٍ يكشف لنا فيه عن مُعطيات أُخرى معنويّة للزواج، إضافةً

____________________

١) مكارم الأخلاق: ١٩٧.

٢) المحجّة البيضاء ٣: ٥٣.

٣) سورة النور: ٢٤ | ٣٢.

٤) تفسير الميزان ٥: ١١٣.

٥) مكارم الأخلاق: ١٩٦.

١٧

إلى المادّيّة عندما قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (زوّجوا أياماكُم، (١) فإنَّ الله يُحسِن لهم في أخلاقِهم، ويوسّع لهم في أرزاقهم، ويزيدهم في مُروّاتهم) (٢) .

وفي هذا الصدد يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (مَن ترك التزويج مخافة الفقر، فقد أسَاء الظنّ بالله عزَّ وجلَّ) (٣) انطلاقاً من الآية المتقدّمة التي تتضمّن وعداً جميلاً بالمدد والمعونة.

ثانياً: أُسلوب الترهيب:

وبالإضافة إلى أُسلوب (الترغيب) الذي أشرنا إليه، فقد اتّبع الإسلام أُسلوب التنفير من العزوبة والتحذير من عواقبها، من أجل كسر أسوار العزلة، وقطع الطريق على الذين يَخلعون حزام العفة، ويُريدون التنصّل من المسؤوليّة الاجتماعيّة، فالمُلاحَظ أنّه يَشنّ على هؤلاء حملات شديدة، قال الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (شراركم عزّابكم، وأراذل موتاكم عزّابكم) (٤) .

فالامتناع عن الزواج بلا عُذرٍ صحيح مذموم ومكروه، ويجعل الفرد في زمرة المذنبين، ويقرّبه من دائرة الشيطان، إذ لا رهبانيّة في الإسلام كما هو معلوم، ومن الشواهد على ذلك أنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)

سأل رجلاً اسمه عكّاف:(ألك زوجة؟ قال: لا يا رسول الله، قال : ألك جارية؟ قال: لا يا رسول الله؟

____________________

١) الأيامى: جمع أيّم، وهو الذكر الذي لا أُنثى معه والأُنثى التي لا ذكر معها، تفسير الميزان ٥: ١١٢ - ١١٣.

٢) نوادر الراوندي: ٣٦، بحار الأنوار ١٠٣: ٢٢٢.

٣) مكارم الأخلاق: ١٩٧.

٤) كنز العمّال ١٦: ٢٧٧ | ٤٤٤٤٩.

١٨

قال: أفأنت مُوسِر؟ قال: نعم. قال: تزوّج وإلاّ فأنت من المذنبين).

وفي رواية (تزوّج وإلاّ فأنت من إخوان الشياطين) (١) .

ولقد بلغ الترهيب والتحذير لمثل هؤلاء المُمتنعين عن التزويج مخافة العِيلَة إلى أقصى حدوده، حين قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (مَن تَرَكَ التزويج مَخافَةَ العِيلَة فليس منّا) (٢) .

المبحث الثاني

أنواع الزواج

ينقسم الزواج إلى قسمين: دائم ومُنقطع، وكلّ منهما يحتاج إلى عقد مُشتمل على إيجاب وقبول دالَّين على إنشاء المعنى المقصود، والرِّضا به (النكاح المنقطع سائغ في دين الإسلام؛ لتحقّق شرعيّته، وعدم ما يدلّ على رفعه) (٣) .

ورُوي عن جابر قال: تمتّعنا مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأبي بكر، وما زلنا نتمتّع حتّى نهى عنها عُمر (٤) .

وعن عبد الله بن مسعود، قال: كنّا نغزو مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ليس معنا نساء، فقلنا: يا رسول الله، ألا نَستَحصِن هنا بأجر؟ فأمَرَنا أنْ نَنكح المرأة بالثوب (٥) .

____________________

١) جامع الأخبار: ٢٧٢ | ٧٤٣.

٢) كنز العمّال ١٦: ٢٧٩ | ٤٤٤٦٠.

٣) شرائع الإسلام | المحقّق الحلي ٢: ٥٢٨ كتاب النكاح.

٤) وسائل الشيعة | الحر العاملي ١٤: ٤٤١ كتاب النكاح - أبواب المتعة.

٥) وسائل الشيعة ١٤: ٤٤٠.

١٩

ويدل عليه قوله تعالى: ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) (١) .

يقول العلاّمة الطباطبائي في معرض تفسيره للآية المتقدمة: (والمراد بالاستمتاع المذكور في الآية نكاح المتعة بلا شك، فإنّ الآية مدنيّة نازلة في سورة النساء في النصف الأوّل من عهد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، بعد الهجرة على ما يشهد به معظم آياتها، وهذا النكاح - أعني المتعة - كان دائراً بينهم، معمولاً عندهم في هذه البرهة من الزمن من غير شك، وقد أطبقت الأخبار على تسلّم ذلك، وأصل وجوده بينهم بمرأى من النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومَسمَعٍ منه لاشكّ فيه، وكان اسمه هذا الاسم، ولا يُعبّر عنه إلاّ بهذا اللفظّ، من كون قوله تعالى:

( فما استَمتَعتُم بهِ مِنُهنَّ ) ، محمولاً عليه مفهوماً منه هذا المعنى..

وجملة الأمر أنَّ المفهوم من الآية حكم نكاح المتعة، وهو المنقول عن القدماء من مُفسّري الصحابة والتابعين، كابن عبّاس، وابن مسعود، وأُبيّ بن كعب، وقتادة، ومجاهد، والسدّي، وابن جُبير، والحسن وغيرهم، وهو مذهب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) (٢) .

ويمكننا أنْ ننظر إلى هذا النوع من الزواج - الذي يُحاول البعض إثارة الجدل حوله - من زاوية العقل، فالملاحظ أنّ الناس ليس كلّهم بقادر على الزواج الدائم، سيّما في هذا العصر لأسباب اقتصاديّة، أو اجتماعيّة، أو نفسيّة أو غيرها، فيدور الأمر بين ثلاثة أمور: إمّا الكَبت الجنسي المُوجِب لأمراضٍ خطيرة، وأمّا الفساد والرذيلة الذي يُؤدّي إلى تفكّك بناء العائلة والمنظومة الاجتماعيّة، وامتهان الكرامة الإنسانيّة، وانعدام النسل السليم وانتشار الأمراض، وأمّا

____________________

١) سورة النساء: ٤ | ٢٤.

٢) تفسير الميزان ٤: ٢٧١ - ٢٧٢.

٢٠

العمل وفق الشريعة الإلهيّة والسُنّة المحمّديّة القاضية بتحليل المتعة كأسلوب شرعي يعالج جذور المشكلة، ويمنع الفساد والعزوبة.

ومن أجل ذلك شُرّع زواج (المتعة) صوناً للشباب من الوقوع في شباك الشيطان، ومُمارسة الزنا واللواط وما إلى ذلك من مظاهر الشذوذ والفساد، وعليه لم يتجاوز الإمام عليّ (عليه السلام) الحقيقة عندما قال: (لولا ما سبقني به ابن الخطّاب ما زنا إلاّ شقي) (1) .

وكيفما كان فإنّه لا فرق بين الزواج الدائم والمُنقطع في أنّ كلاًّ منهما لا يتم إلاّ بعقد ومهر، وفي نشر الحرمة من حيث المصاهرة، وفي وجوب التوارث بين أولاد المرأة المُتمتّع بها، وبين أولاد الزواج الدائم وأيضاً سائر الحقوق المادّيّة والأدبيّة، وتبقى فروق معدودة يُراجَع للوقوف عليها كُتب الفقه.

المبحث الثالث

مقدّمات الزواج في المنظور الإسلامي

أولاً: أُسُس اختيار الشريك:

لا يخفى بأنّ الإسلام يرشد الزوجين إلى الأُسس السليمة عند الاختيار، ويكشف عن المواصفات التي يجب مراعاتها، فهو يحث كلاًّ من الزوجين على بذل الوسع واستنفاذ الجهد، بُغية التعرّف على أوصاف شريك العمر، بالمشورة مع الأقارب وغيرهم لكون القضيّة حيويّة لا تقتصر على سعادتهما بل

____________________

1) وسائل الشيعة | الحر العاملي 14: 436 كتاب النكاح - أبواب المتعة.

٢١

تنعكس آثارها على النسل.

وكان عباد الله الصالحون يطلبون المدد والعون من الله تعالى لكي يوفّقهم لحسن الاختيار، وأنْ يهب لهم الزوجة والذرّيّة الصالحة ( والَّذِينَ يَقُولُونَ ربَّنا هَب لنا مِنْ أزواجِنَا وذُرِياتِنَا قُرَّةَ أعيُنٍ واجعَلنَا لِلمُتَّقينَ إمَامَاً ) (1) .

وسوف نستعرض بإيجاز المواصفات المثاليّة التي حدّدها الإسلام لكلِّ من الزوجين.

1 - مواصفات الزوجة الصالحة:

في ضوء قراءتنا الفاحصة للنصوص الواردة في هذا الشأن، نجد أنّ الإسلام يقدّم الإرشادات المناسبة للزوج أُسس اختيار الزوجة في ضوء معايير سليمة.

إنَّ الإسلام يرى أنّ الوقاية خيرٌ من العلاج، لذلك يُسدي نصائحه بسخاء للزوج، يحثّه فيها على التثبّت والتأنّي عند الاختيار حتّى لا يكون كحاطبِ ليل لا يدري ما يجمع في حزمته، وقد كشف له عن خطأ النظرة الأحاديّةِ الجانب التي تُركّز على الجمال أو المال فحسب، مُؤكّدا على النظرة الشموليّة التي تتجاوز الظواهر المادّيّة، بل تغوص نحو العمق لتبحث عن المواصفات المعنويّة من دين وأخلاق وما إلى ذلك.

وفي هذا الصدد يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (إنّما المرأة قلادة فانظر ما تتقلّد، وليس للمرأة خطر، لا لصالحتهنَّ ولا لطالحتهنَّ: فأمّا صالحتهنَّ فليس خطرها الذّهب والفضة، هي خير من الذهب والفضة، وأمّا طالحتهن فليس خطرها التراب، التراب خير منها) (2) .

____________________

1) سورة الفرقان: 25 | 74.

2) وسائل الشيعة 14: 17 كتاب النكاح.

٢٢

وقد أولى الأئمّة من عترة المصطفى (عليهم السلام) عناية خاصّة لمسألة اختيار الزوجة، وكانوا مع سُموّ مقامهم ورجاحة عقلهم وكثرة تجاربهم، يستشيرون الآخرين في هذا الشأن، (ومن الشواهد الدالّة على ذلك، أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام)، بعد وفاة فاطمة (عليها السلام): لما أراد أن يتزوّج قال لأخيه عقيل: (انظر لي امرأة قد أولدتها الفحولة من بني العرب؛ لأتزوَّجها فتلدُ لي غلاماً فارساً)، وفكَّر عقيل قليلاً ثمّ قال لأخيه: تزوّج أمُّ البنين الكلابيّة، فإنّه ليس في العرب على وجه الإطلاق أشجع من آبائها..

وصار عقيل يُعدِّد أمجاد أعمام وأخوال أمُّ البنين، فخطبها الإمام وتزوَّجها.. وأنجبت أمُّ البنين من الإمام أربعة ذكور.. هم: العبّاسُ، وعبد الله، وجعفر، وعثمان) (1) .

وكان أهل البيت (عليهم السلام) يسدون النصيحة المُخلصة لكلِّ من استشارهم في هذا الشأن، فعندما استشار داود الكرخي الإمام الصادق (عليه السلام) قائلاً له: إنَّ صاحبتي هلكت وكانت لي موافقة وقد هممت أنْ أتزوّج،

قال الإمام (عليه السلام): (اُنظر أين تضع نفسك، ومن تشركه في مالك، وتطلعه على دينك وسرّك وأمانتك، فإنْ كنت لابدّ فاعلاً فبكراً تُنسب إلى الخير وإلى حسن الخلق) (2) .

وما يبدو مثيراً للاهتمام أنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته الأطهار (عليه السلام) يقدّمون رؤيتهم المعرفيّة للشباب التي تكشف النقاب عن طبائع النساء، وسوف نسلط الضوء على هذا المطلب قبل الخوض في تفاصيل مواصفات الزوجة الصالحة:

____________________

1) العبّاس بن علي - سلسلة عظماء الإسلام، محمّد كامل المحامي: 20 - 23 منشورات المكتب العالمي للطباعة - بيروت 1980 م ط3.

2) من لا يحضره الفقيه 3: 244 باب أصناف النساء.

٢٣

طبائع النساء:

لقد كَشف الرسول الأكرم (صلّى الله عليه واله وسلّم) وأهل بيته (عليهم السلام) ومن خلال أحاديث كثيرة في هذا المجال عن طبائع النساء المختلفة؛ وذلك لتنمية وعي الشباب وتعميق خبرتهم لاختيار الأنسب والأفضل منهنَّ.

قال رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم): (ألا أُخبركم بخير نسائكم؟ قالوا بلى. قال: إنَّ خير نسائكم الولود الودود الستيرة العفيفة، العزيزة في أهلها، الذليلة مع بعلها، المتبرّجة مع زوجها الحصان عن غيره، التي تسمع قوله وتطيع أمره، وإذا خلا بها بذلت له ما أراد منها ولم تتبذّل له تبذّل الرجل) (1) .

وفي هذا الصدد يقول الإمام الباقر (عليه السلام): (النساء أربعة أصناف: فمنهنَّ ربيع مُربّع، ومنهنّ جامع مُجمّع، ومنهنّ كرب مُقمّع، ومنهن غلّ قمّل.

فأمّا الربيع المربّع: فالتي في حجرها ولد وفي بطنها آخر، والجامع المجمّع: الكثيرة الخير المُحصنة، والكرب المُقمّع: السيّئة الخلق مع زوجها، وغلّ قمّل: هي التي عند زوجها كالغل القمّل، وهو غلّ من جلد يقع فيه القمّل فيأكله، فلا يتهيأ أنْ يحلّ منه شيئاً، وهو مثَل للعرب) (2) .

وعن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: (هنَّ ثلاث: فامرأة ولودٌ ودود، تعين زوجها على دهره، وتساعده على دنياه وآخرته، ولا تعين الدهر عليه، وامرأة عقيم لا ذات جمال ولا خُلق، ولا تعين زوجها على خير، وامرأة صخّابة، ولاّجة، خرّاجة، همّازة، تستقل الكثير ولا تقبل اليسير) (3) .

____________________

1) مكارم الأخلاق: 200.

2) مكارم الأخلاق: 198. ومن لا يحضره الفقيه 3: 244.

3) من لا يحضره الفقيه 3: 244 باب أصناف النساء.

٢٤

وفي هذا الإطار يُلفت الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنظارنا إلى قضيّة جوهريّة لابدّ أن تُستحضر في الذهن عند الاختيار، وذلك في قوله (عليه السلام): (خيار خصال النساء شرار خصال الرجال: الزهو، والجُبن، والبُخل، فإذا كانت المرأة مزهوّة، لم تُمكّن من نفسها، وإذا كانت بخيلة، حفظت مالها ومال بعلها، وإذا كانت جبانة، فرَقت من كلِّ شيءٍ يعرض لها) (1) .

وهكذا نجد أنّ أهل البيت (عليهم السلام) يُؤكّدون على ضرورة الاختيار الحر والواعي لشريكة العمر، ومن خلال استقراء الآيات والروايات الواردة حول مواصفات الزوجة الصالحة، وجدنا بالإمكان تصنيفها إلى قسمين رئيسين:

أ - مواصفات دينيّة ومعنويّة:

إنَّ من الأهميّة بمكان أنْ تكون الزوجة ذات دين يُعصمها عن الخطأ والخطيئة، ويزرع في وعيها العقيدة الصحيحة والآداب السامية التي ستنقلها بدورها إلى أبنائها، ولأجل ذلك حرّم الإسلام الزواج من المشركات، قال تعالى: ( ولا تَنكِحُوا المُشرِكاتِ حتّى يُؤمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤمِنةٌ خَيْرٌ مِن مُشرِكَةٍ ولَو أعجَبَتكُم ) (2) .

ولأجل أنّ الدين له مدخليّة كُبرى في استقامة الزوجة، أوصى الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم) الشباب بأنْ لا ينظروا بعين الشهوة والطمع لمن يرغبون الاقتران بها، كأن يركّزون على جمالها ومالها، بل عليهم في المقام الأوّل أنْ ينظروا إلى دينها وتدينها، قال رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم): (تُنكح المرأة على أربع خلال: على مالها، وعلى دينها، وعلى جمالها، وعلى حسبها ونسبها، فعليك بذاتِ

____________________

1) نهج البلاغة، ضبط صبحي الصالح: 509 | الحكمة 234.

2) سورة البقرة: 2 | 221.

٢٥

الدين) (1) . وقال (صلّى الله عليه واله وسلّم) مُوصياً: (مَن تزوّج امرأة لا يتزوّجها إلاّ لجمالها، لم يرَ فيها ما يحبّ، ومن تزوّجها لمالها لا يتزوّجها إلاّ وكله الله إليه، فعليكم بذات الدين) (2) .

وقال (صلّى الله عليه واله وسلّم): (لا تَتزوّجوا النساء لحسنهنَّ، فعسى حسنهنَّ أنْ يُرديهنَّ، ولا تَتزوّجوهنَّ لأموالهنّ، فعسى أموالهنَّ أن تطغيهنَّ، ولكن تزوجوهنَّ على الدين) (3) .

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إذا تزوج الرّجل المرأة لمالها، أو جمالها، لم يُرزق ذلك، فإن تزوّجها لدينِها رزقه الله جَمالها ومالها) (4) .

ومن المسائل المعنويّة التي تتطّلب الإشارة في هذا المقام والأخذ بنظر الاعتبار، هي مسألة النسب والحسب، فإنّه لا نزاع في أنَّ للنسب دوراً خطيراً في بناء شخصيّة الإنسان، وإرساء دعائمها الأساسيّة.

إنَّ كثيراً من الصفات المعنويّة والجسديّة يرثُها الإنسان عن آبائه، وأخواله، وأجداده، وهي تَتحكّم في رسم معالم شخصيّته، قال رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم): (تخيّروا لنطفكم، فإن النساء يلدن أشباه إخوانهنَّ وأخواتهنَّ) (5) .

وفي هذا الصدد قال الإمام الصادق (عليه السلام): (تزوَّجوا في الحجز الصالح، فإنَّ العرق دسّاس) (6).

____________________

1) كنز العمّال 16: 303 | 44602.

2) روضة الواعضين، للفتال النيسابوري: 374 منشورات الرضي - قم.

3) كنز العمّال 16: 292 | 44537.

4) من لا يحضره الفقيه 3: 248 باب الوصيّة بالنساء.

5) كنز العمّال 16: 295 | 44557.

6) مكارم الأخلاق: 197.

٢٦

ممّا تقدّم يتّضح لنا أنّ الاقتران بذات الدين، هو قطب الرحى في توجّهات القرآن والسُنّة؛ وذلك لإرساء أُسُس متينة تقوم عليها الحياة الأُسريّة، وبدون ذلك يصبح البناء الأُسري متزلزلاً كالبناء فوق رمال مُتحرّكة، وقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام): (أتى رجل إلى رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم) يَستأمره في النكاح، فقال: نعم إنكح، وعليك بذواتِ الدين تربت يداك) (1) .

ولابدّ من التنويه على أنّ المراد من كون الزوجة ذات دين بإطلاقه، قد يشمل بإطلاقه الكتابيّة فقد (اتفقت مذاهب السُنّة الأربعة على صحّة الزواج من الكتابيّة، واختلف فقهاء الشيعة فيما بينهم، فقال أكثرهم: لا يجوز للمسلم أنْ يتزوّج اليهوديّة والنصرانيّة، وقال جماعة من كبارهم، منهم الشيخ محمّد حسن في الجواهر، والشهيد الثاني في المسالك، والسيّد أبو الحسن في الوسيلة بالجواز) (2) .

ومهما يكن الأمر، فإنّ الذي لاشكّ فيه هو تفضيل الزوجة المسلمة؛ لأنّ الإسلام هو أكمل الأديان، ويحصّن المرأة عقائديّاً وسلوكيّاً، ويؤهّلها للدخول إلى عش الزوجيّة، ويُوجب عليها طاعة زوجها وعدم خيانته في عرضه وماله، فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم): ما استفاد امرؤٌ مسلم فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة، تسرّه إذا نظر إليها، وتُطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله) (3) .

ومن المؤكّد أنّ مجرّد الإسلام لا يكفي بدون الصلاح، فكثير من المُسلمات

____________________

1) وسائل الشيعة 14: 21 باب استحباب اختيار الزوجة الصالحة.

2) التفسير الكاشف | الشيخ محمّد جواد مغنية 1: 334.

3) وسائل الشيعة 14: 23 باب استحباب اختيار الزوجة الصالحة.

٢٧

غير الملتزمات يَضربن بتعاليم الإسلام السمحة عرض الحائط، عند عدم انسجامها مع رغباتهنّ الجامحة، أو عند تصادمها مع مصالحهن.

وعليه فمن الأهميّة بمكان اختيار الزوجة المسلمة الصالحة فهي التي تصنع للزوج إكليل سعادته.

ورد عن الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (من سعادة المرء الزوجة الصالحة) (1) .

وصفوة القول أنّ الإسلام يرشد الشاب أن يتبع ميزاناً معيارياً يرجّح فيه الصفات المعنوية كالدين والصلاح عند اختيار الزوجة، قال تعالى: ( وانكِحُوا الأيامَى مِنكُم والصَّالِحينَ مِن عِبادِكُم وإمائكُم.. ) (2) .

ب - مواصفات جسميّة وعقليّة:

فمن الحقائق الموضوعيّة أنَّ سلامة جسم المرأة وعقلها له دور فعّال في تربية الأطفال وتقويم شخصيّتهم؛ ليكونوا أفراداً صالحين يسهمون في بناء المجتمع وتطويره.

ولم يغفل الدين الإسلامي عن هذه الحقيقة، لذا نبّه على ضرورة مراعاة عوامل السلامة من العيوب الجسميّة والعقليّة لكلا الزوجين، وجعل منهما الخيار في فسخ العقد، فيما إذا ما تبين أنّ أحدهما كان مُصاباً بعيبٍ جسماني أو خللٍ عقلي، وحول هذه المسألة قال الإمام الصادق (عليه السلام): (إنّما يُردُّ النكاح من البرص، والجذام، والجنون، والعَفَل) (3) .

وبالإضافة إلى وجوب التأكّد من سلامة الزوجة من العيوب الجسديّة

____________________

1) وسائل الشيعة 14: 23.

2) سورة النور: 24 | 32.

3) وسائل الشيعة 14: 594 أبواب العيوب والتدليس.

٢٨

الموجبة لفسخ العقد، لابدّ من التركيز على سلامتها العقليّة، حتّى لا تكون مجنونة أو حمقاء تسيء التصرف، ولا تضع الشيء موضعه، ومن أجل ذلك قال الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم) محذراً الشباب من العواقب الاجتماعيّة، والتربويّة الوخيمة: (إيّاكم وتزوّج الحمقاء، فإنَّ صحبتها ضياع، وولدها ضياع) (1) .

وينبغي الإشارة هنا إلى أنّ الإسلام (يُجوّز - للرجل - أنْ ينظر إلى وجه امرأة يريد نكاحها، وإنْ لم يستأذنها، ويختصّ الجواز بوجهِها وكفّيها، وله أنْ يكرر النظر إليها، وأنْ ينظرها قائمة وماشية، وروي: جواز النظر إلى شعرها ومحاسنها وجسدها من فوق الثياب) (2) .

ومن يستقري النصوص الواردة في هذا الخصوص، يجد أنّها تُزوّد الشاب برُؤية كاملة عن المواصفات الجسميّة المطلوبة، ومن خلال قراءتنا الفاحصة يُمكن تصنيفها إلى الفقرات التالية:

أولاً - مواصفات جسميّة عامّة:

تتناول اللّون والقامة والسِّن وغيرها منها ما ورد في قول الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (لا تتزوجنَّ شهبرة، ولا لهبرة، ولا نهبرة، ولا هيدرة، ولا لفوتاً) (3) .

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (تزوّج عَيناء سَمراء عجزاء مربوعة، فإنْ كرهتها

____________________

1) نوادر الراوندي: 13، وبحار الأنوار 103: 237.

2) شرائع الإسلام 2: 495 كتاب النكاح - مسائل النظر إلى الأجنبيّة.

3) معاني الأخبار: 318 دار المعرفة - بيروت 1979 م، والشهبرة: الزرقاء البذيّة، واللهبرة: الطّويلة المهزولة، والنّهبرة: القصيرة الذّميمة، والهيدرة: العجوز المدبرة، واللفوت: ذات الولد من غيرك.

٢٩

فعليَّ الصداق) (1) .

وعنه (عليه السلام) قال: (من أراد الباءة فليتزوج بامرأة قريبة من الأرض، بعيدة ما بين المنكبين، سمراء اللّون، فإن لم يحظّ بها فعليَّ مهرها) (2) .

وهكذا نجد أنَّ هذه الأحاديث وغيرها كثيراً، تُلفت نظر الشاب وتوقفه على المواصفات الجماليّة في المرأة، حتّى يتمكّن من انتخاب الزوجة التي تتناسب مع ذوقه، وتحقّق رغبته، وحتّى تقرّ عينه ولا يتطلّع إلى أعراض الآخرين، زد على ذلك، يُحيطه علماً بأنّ لبعض المواصفات الجسميّة للمرأة مدخليّة في الإنجاب لذلك قال (صلّى الله عليه واله وسلّم) مُوصياً: (تخيّروا لنطفكم، وانتخبوا المناكح، وعليكم بذات الأوراك، فإنَّهنَّ أنجب) (3) .

ثانياً - الوجه الحسن:

يُفضّل أن تكون المرأة حسناء ذات وجه صبوح، تُدخل السرور والبهجة على نفس زوجها، عندما يقع نظره عليها، قال الرسول الأكرم (صلّى الله عليه واله وسلّم): (أفضل نساء أُمّتي أصبحهنّ وجهاً، وأقلّهنَّ مهراً) (4) .

وفي الوقت الذي فضّل فيه أنْ تكون المرأة حسناء، فقد حذّر - بشدّة - من اختيار المرأة الحسناء التي نشأت وترعرعت في بيئة فاسدة، أو وسط اجتماعي منحرف، وقد (قام رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم) خطيباً فقال: (أيُّها الناس، إياكم وخضراء الدمن، قيل: يا رسول الله، وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في

____________________

1) مكارم الأخلاق: 199.

2) مكارم الأخلاق: 201.

3) كنز العمّال 16: 302 | 44594.

4) مكارم الأخلاق: 198.

٣٠

منبت السوء) (1) .

كما حذّر (صلّى الله عليه واله وسلّم) من اختيار الحسناء غير الولود قائلاً: (ذروا الحسناء العقيم، وعليكم بالسوداء الولود، فإنّي مُكاثر بكم الأُمم حتّى بالسقط) (2) .

وعليه يُفضّل اختيار الحسناء بشرط أنْ تكون خيّرةً، ولوداً نشأت في تربةٍ صالحةٍ وبيئةٍ صالحة، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (الخيرات الحسان من نساء أهل الدنيا، هنَّ أجمل من الحور العين) (3) .

ثالثاً - جمال الشعر:

قال عليّ بن الحسين (عليه السلام): (إذا أراد أحدكم أنْ يتزوّج، فليسأل عن شعرها كما يسأل عن وجهها، فإنَّ الشعر أحد الجمالين) (4) .

رابعاً - طيب الريح:

فلاشكّ أنّ له مدخليّة في المواصفات الجسميّة المثاليّة، فالمرأة الطيّبة الريح، تجذب قلبَ زوجها كما يجذب شذا الأزهار النحل،

قال الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (تزوّجوا الأبكار، فأنّهنّ أطيَب شيءٍ أفواهاً..) (5) ، وعن عليّ ابن الحسين (عليه السلام)

قال: (خير نسائكم الطيّبة الريح..) (6) .

وهكذا نجد أنّ الرسول وأهل بيته (عليهم السلام) يُقدّمون للشباب المواصفات الجماليّة الكاملة ليضعوها

____________________

1) مكارم الأخلاق: 203.

وإنّما جعلها خضراء الدِّمن تشبيهاً بالشجرة الناضرة في دمنة البقرة، وأصل الدِّمن ما تدمنه الإبل والغنم من أبعارها وأبوالها، فربّما ينبت فيها النبات الحسن وأصله في دمنة، يقول: فمنظرها حسن أنيق، ومنبتها فاسد. معاني الأخبار: 316.

2) مكارم الأخلاق: 202.

3) مكارم الأخلاق: 200.

4) مكارم الأخلاق: 200.

5) روضة الواعظين: 375.

6) مكارم الأخلاق: 200.

٣١

نصب أعينهم، عند اختيار شريكة العمر.

2 - مواصفات الزّوج المثالي:

لقد كفل الإسلام للمرأة حقّ اختيار شريك العمر، وأرشدها إلى جُملة من المواصفات التي يُفضّل أنْ يتّصف بها الشريك الصالح، ونظرا لكون المرأة بطبعها عاطفيّة، ورقيقة الحسّ، ويغلب عليها الحياء، فقد جعل الإسلام لأب الفتاة ولاية عليها، وشرّك بينهما في عمليّة الاختيار التي تلعب دوراً مهمّاً في تحديد مصير البنت ومستقبلها.

وأبرز المواصفات التي يجب توفّرها في الزّوج المثالي هي:

أ - أنْ يكون مُتديّناً وذا خُلقٍ حسن:

وهما من أهمّ مرتكزات البناء الزوجي النموذجي، فالرجل الذي لا يرتبط بدين ولا يتقيّد بخُلق، سوف يجعل حياة الزوجة جحيماً لا يُطاق، وبالمقابل فإنّ الزوج المُتديّن الذي يتحسّس المسؤوليّة في الحياة، ويشعر برقابة الله الدائمة، ويعلم بعاقبة أعماله في الآخرة، سوف يوفّر لها سُبل السعادة والنجاح في الحياة الزوجيّة.

وقد نقل لنا القرآن الكريم سابقة في هذا السياق، متمثّلة في إحدى بنات شُعيب (عليه السلام) التي أدركت ببصيرتها الإيمانيّة، وتجربتها القصيرة مع موسى (عليه السلام)، أنّه تتجسّد فيه المواصفات الجسميّة والخُلقيّة معاً، فقد كان قويّاً وأميناً ( قَالَتْ إحْدَاهُمَا يَا أبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ * قَالَ إنِّي أُرِيدُ أنْ أُنكِحَكَ إحْدَى ابْنَتَيَّ... ) (1) .

(يا أبتِ استأجره لرعي ماشيتنا، ليكفينا مؤنة هذا العمل، فهو قويّ وأمين، وكأنّ النبيّ قد فطن إلى المراد، فأسرع إلى تحقيق رغبة

____________________

1) سورة القصص: 28 | 26 - 27.

٣٢

ابنته، وطلب إلى موسى أنْ يخدمه فيرعى غنمه ثماني سنوات لقاء أنْ يُزوّجه بإحداهما.. فقبل موسى طلب شعيب (عليه السلام)) (1) .

فهذه سابقة قرآنيّة تجعل من ابنة شعيب (عليه السلام) قدوة حسنة لكلِّ امرأة تبحث عن الزوج المثالي.

ورُوي عن الحسين بن بشار قال: كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) في رجلٍ خطب إليَّ فكتب: (من خَطَب إليكم فرضيتم دينه وأمانته، كائناً من كان فزوّجوه)، ( إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ) (الأنفال:73) (2) .

وكان آل البيت (عليهم السلام) يُمارسون مع أولياء أُمور النساء حواراً إقناعيّاً، يستند إلى القرآن، أو إلى المُعطيات الواقعيّة، ولا يكتفون بإسداء النصائح المُجرّدة، ومن الشواهد الدالّة على هذا التوجه: جاء رجل إلى الإمام الحسن (عليه السلام)، يستشيره في تزويج ابنته، فقال: (زوّجها مِن رجلٍ تقيّ، فإنّه إنْ أحبّها أكرمَها، وإنْ أبغَضَها لم يظلمها) (3) .

ولاشكّ أنّ هذه النصائح إذا دُعمت بالمُعطيات، وعزّزت بالحقائق والشواهد، فسوف ترسخ قناعة الآباء بها، ويأخذونها على محمل الجدّ ويتصرّفون في ضوئها.

وفي موقف آخر، أسدى الإمام الرّضا (عليه السلام) نصيحته المخلصة إلى وليّ أمر إحدى الفتيات مدعمة بالدليل القرآني؛ ليزيل غشاوة الشك من قلبه، قال له: (إذا خطب إليك رجل رضيت دينه وخُلقه فزوّجه، ولا يمنعك فقره وفاقته، قال

____________________

1) مع الأنبياء في القرآن | عفيف عبد الفتاح طبّارة: 224 دار العلم للملايين ط16.

2) من لا يحضره الفقيه 3: 248 كتاب النكاح - باب الأكفّاء.

3) مكارم الأخلاق: 204.

٣٣

الله تعالى: ( وَإن يَتفرَّقا يُغنِ الله كُلاًّ من سَعَتهِ ) وقال: ( إنْ يكُونُوا فقَراءَ يُغنِهِم اللهُ مِن فَضلِهِ.. ) (1) .

وينبغي الإشارة في نهاية هذه الفقرة، إلى أنّ الشرف لا ينحصر مصداقه في الحسَب والنسَب فحسب، كما كان الحال في عهد الجاهليّة، بل يتجسّد مصداقه الأعلى في الانتساب إلى الإسلام واعتناق مبادئه السامية، والتحلّي بفضائله العالية، هذا هو معيار التفاضل الكامل بين الناس، ويجب أنْ يكون مقياساً أساسيّاً لانتخاب الزوج المثالي،

بدليل قول الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم):(أنكحت زيدَ بن حارثة زينب بنت جحش، وأنكحت المقداد ضباعة بنت الزبير بن عبد المطّلب؛ ليعلموا أنّ أشرف الشرف الإسلام) (2) .

ب - أنْ لا يكون شارباً للخمر:

لو صرفنا النظر عن الآثار الضارّة التي يتركها الخمر على الوراثة، فإنّ له آثاراً اجتماعيّة مأساويّة على الزوجة، فانشغال الزوج المُدمِن على الخمر بشؤونه الخاصّة، وحرصه الدائم على إرواء غليله من الشراب، يجعله لا يهتم بزوجته وأطفاله، وقد يمتنع عن دفع المصاريف اللازمة لإعالتهم، الأمر الذي يُؤدّي إلى جملة مساوئ اجتماعيّة، أقلّها انفصام عُرى العلاقة الزوجيّة، وتفكّك الروابط الأُسريّة، ناهيك عن انحراف الأطفال وتسيّبهم.

قال الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (مَن شرِب الخمرَ بعدما حرَّمها الله، فلَيس بأهل

____________________

1) فقه الرضا: 31، وبحار الأنوار 103: 372، والآيات من سورة النساء: 4 | 130 وسورة النور: 24 | 32.

2) مكارم الأخلاق: 238، وكنز العمّال 1: 78 | 313.

٣٤

أنْ يُزوّج إذا خَطَب) (1) .

وقال الإمام الصادق (عليه السلام) محذّراً:

(من زوّج كريمته من شارب خمر، فقد قطع رحمها) (2) .

جـ - أنْ لا يكون معروفاً بالزنا:

فكما حذّر آل البيت (عليهم السلام) من الاقتران بالمرأة التي تخلع ثوب العفاف والفضيلة، كذلك حذّروا من الرّجل الذي يخلع ثوب الحياء ويُجاهر بالزنا، وليس أدلُّ على ذلك ممّا ورد عن الحلبي قال: قال الإمام الصادق (عليه السلام): (لا تَتَزوّجوا المرأة المُستعلِنة بالزنا، ولا تُزوّجوا الرجل المُستعلِن بالزنا، إلاّ أنْ تعرفوا منهما التوبة) (5) .

ومن جميع ما تقدّم نجد أنّ الإسلام يُرشد الفتاة وأولياء أمرها إلى جملة من المواصفات المثاليّة، التي يجب أخذها بنظر الاعتبار عند اختيار شريك العمر، كما حذّر الإسلام من القرار الارتجالي غير المدروس أو المرتكز على أُسُس مصلحيّة، فإنّه يضع الفتاة رهينة بيَد الرجل الذي له حقّ القيّمومة عليها ومَلَك زمام أمرها.

دَور العاطفة في الاختيار:

وينبغي التطرّق هنا إلى نقطة جوهريّة تتعلّق بالزوجين معاً، أنْ لا يكون اختيار أحدهما للآخر قائماً - من حيث الأساس - على العواطف فحسب؛ لأنّ هذا الاختيار قد يسقط من الحساب سائر المواصفات الكماليّة المطلوبة، يقول الرسول الأكرم (صلّى الله عليه واله وسلّم): (.. حبّك للشيء يعمي

____________________

1) مكارم الأخلاق: 204.

2) مكارم الأخلاق: 238.

3) مكارم الأخلاق: 204.

٣٥

ويصمُّ..) (1) .. وصاحب الهوى - على الأغلب - يَنساق لعاطفته المُتأجّجة، فيغضّ الطرف عن عيوب المحبوب، ويسدّ منافذ سمعه عن نصائح الآخرين ولو كانت صادقة ومخلصة،

يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (عَينُ المُحبّ عمية عن معايب المحبوب، وأذنه صمّاء عن قبح مساويه) (2) .

صحيح أنّ العاطفة والودّ أو الانسجام النفسي من العوامل المساعدة على إدامة واستمرار الرابطة الزوجيّة، وأنّ الإسلام قد أعطى الشاب الحقَّ في انتخاب المرأة التي يميل إليها، فعن ابن أبي يعفور، عن الصادق (عليه السلام)، قال: قلتُ إنّي أردتُ أنْ أتزوّج امرأة، وإنّ أبويّ أرادا غيرها، قال: (تزوّج التي هَوَيت، ودع التي هوى أبواك) (3) .

ولكنّ الصحيح أيضاً، أنّ تجاهل المواصفات والنصائح التي عرضها الشرع أو التي أسّسها العقل، سوف يُؤدّي إلى نتائج لا تُحمد عُقباها في المستقبل، وخصوصاً بعد أنْ تنقشع غشاوة العواطف العمياء عن القلوب، أو تبرد حرارتها، عندها تظهر العيوب باديةً للعيان، وعليه فيجب أنْ لا تكون عاصفة الهوى هي محور الاختيار دون النظر والتعقّل في توفّر المواصفات المطلوبة في المحبوب.

الأمر الآخر الذي يجب التنويه به هو ضرورة تمسّك الزوجين بمبادئ الإسلام وقِيَمِه الأخلاقيّة قَبل الاقتران، فَتَديّن الرجل أو المرأة يُجنّبهما الخوض في مغامرات عاطفيّة قد تعصف بعشّ الزوجيّة، ويتأكّد هذا الأمر في المرأة ذات الطبيعة العاطفيّة، التي قد تتعرّض لعوامل الإغراء فتقع في الشباك التي ينصبها لها الفسّاق.

____________________

1) بحار الأنوار 77: 165.

2) غرر الحكم ح 6314.

3) مكارم الأخلاق: 237.

٣٦

ثانياً: الكفاءة بين الزوجين:

لقد أشار القرآن الكريم إلى هذه المسألة بصورة صريحة، قال عزّ من قائل: ( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ.. ) (1) .

وهذه الرؤية القرآنيّة نجد تأكيداً عليها في السيرة النبويّة المطهّرة، خصوصاً وأنّ المساواة بين غير المتكافئين ظُلمٌ وإجحاف لا يقرّه الشرع ولا ينسجم مع منطق العقل.

قال الرسول الأكرم (صلّى الله عليه واله وسلّم): (وانكحوا الأكفاء، وانكحوا فيهم، واختاروا لنطفكم) (2) .

وفي هذا السياق يُحدّد الإمام الصادق (عليه السلام) الخطوط العامّة للكفاءة الزوجيّة بقوله:

(الكفء أنْ يكون عفيفاً وعنده يسار) (3) وعند التمعّن في هذا الحديث نجد أنّ الإمام (عليه السلام) يركّز على أهمية توفّر شرطين أساسيين في الكفاءة يتوقّف عليهما نجاح الحياة الزوجيّة وضمان استمرارها، وهما الشرط الأخلاقي المُتمثّل بالعفّة، والشرط الاقتصادي المُتمثّل باليسار.

وبتعبير آخر، أنّه يرى أنّ الكفاءة التامّة تَتَحقّق بتوفّر البعدين المعنوي والمادّي معاً، فميزان الكفاءة الحقّة - إذن - يجب أنْ يقوم في إحدى كفّتيه على الأخلاق والفضيلّة، وعلى التمكّن من الإنفاق في الكفّة الأُخرى، هذه هي النظرة الواقعيّة للكفاءة، فالإسلام لا يُريد من الرجل أنْ يكون راهباً يقبع في أحد

____________________

1) سورة النور: 24 | 26.

2) وسائل الشيعة 14: 29 باب استحباب اختيار الزوجة.

3) من لا يحضره الفقيه 3: 249 باب الأكفاء.

٣٧

زوايا الدار أو المسجد للعبادة والنسك ويترك زوجته وأطفالها عرضة لعوامل الفقر والفاقة، كما لا يرتضي أنْ يكون غنيّاً في غاية الثراء ولكن لا رصيد له من الفضيلة والعفّة.

كان أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) لمّا خَطَب فاطمة عليها السلام فقيراً حتّى إنّ نساء قريش قد عيّرنها بفَقْرِه،

فقال لها النبيّ (صلّى الله عليه واله وسلّم): (أما ترضين يا فاطمة أنْ زوّجتك أقدمهم سلماً، وأكثرهم علماً، إنّ الله تعالى أطّلع إلى أهل الأرض اطّلاعة فاختار منهم أباك، فجعله نبيّاً، وأطّلع إليهم ثانية، فاختار منهم بَعلَك فجعله وصيّاً، وأوحى الله إليَّ أن أنكحك إياه..) فضحكت فاطمة عليها السلام واستبشرت.. (1) .

هذا الموقف الذي سجّله التاريخ بسطور من نور، يُعطي الشباب درساً في الاختيار السليم لكي يضعوا نصب أعينهم الكفاءة المعنويّة ويمنحوها الأولويّة.

وما تقدّم شاهد عملي من السُنّة على أهميّة مراعاة الكفاءة بين الزوجين، وليست الكفاءة مَنوطةً بزخرف الحياة المادّيّة بقدر ما تتحقّق بالتماثل والتشابه من السجايا والطباع، وقد أعربت عن ذلك زوجة معاوية، وقد سَئمت في كَنفه مظاهر الترف والبذخ والسلطان والثراء، وحنّت إلى فتى أحلامها، كان خلواً من كلِّ ذلك - فقد كانت مطلّقة وتزوّجت من معاوية، فلم تذق معه طعم السعادة ولم ترضَ عن أخلاقه - فأنشدت:

لَبَيتٌ تَخفِق الأرواحُ فيهِ

أحَبُّ إليَّ مِن قَصرٍ مُنيفِ

ولُبسُ عباءة وتَقرُّ عَينِي

أحبُّ إليَّ مِن لِبس الشُّفوفِ

____________________

1) الإرشاد | الشيخ المفيد: 24.

٣٨

وخَرقٍ من بني عمّي نجيب

أحبُّ إليَّ من علجٍ عنيفِ (1)

إذن من الأهميّة بمكان أنْ تُوجد حالة من التكافؤ بين الزوجين، وعلى الخصوص في الجانب الإيماني والأخلاقي والعلمي، وقد أشار الفقهاء إلى هذه المسألة المهمّة، يقول المحقّق الحلّي قُدّس سرّه: (الكفاءة شرطٌ في النكاح، وهي التساوي في الإسلام، وهل يشترط التساوي في الإيمان؟ فيه روايتان، أظهرهما الاكتفاء بالإسلام، وإنْ تأكّد استحباب الإيمان، وهو في طرف الزوجة أتمّ؛ لأنّ المرأة تأخذ من دين بعلها..) (2) .

ثالثاً: نظافة القصد وسلامة النيّة:

الإسلام يُريد للعلاقة الزوجيّة أنْ تبتني على أُُس معنويّة سليمة، فهو يُريد لها نظافة القصد وطهارة الغاية وسلامة النيّة، كونها علاقة تَتَرتّب عليها أهداف سامية تتمثّل بإدامة التناسل وتنشئة الأجيال، ومن هنا ورد عن الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام) أنّه قال: (مَن تَزوّج لله عزَّ وجل ولِصَلة الرحم توّجَه الله تاجَ المُلوك) (3) .

وعليه فالقصد السليم يُؤّدي إلى التكريم من قِبل الله تعالى، فهو العالم بدخائل النفوس وخوالج القلوب، وقد هدّد الذين يتّخذون من رابطة الزواج المقدّسة مادّة للتفاخر والرياء ووسيلة لإيقاع الأذى أو الحصول على المنافع والمطامع غير المشروعة،

قال الرسول الأكرم (صلّى الله عليه واله وسلّم): (مَن نَكَح امرأةً حلالاً، بمالٍ حلال، غير أنّه أراد بها فخراً ورياءً، لم يزده الله عزَّ وجلَّ بذلك إلاّ

____________________

1) أخلاق أهل البيت (عليهم السلام) | السيّد مهدي الصدر: 453 - 454 دار الكتاب الإسلامي.

2) شرائع الإسلام | المحقّق الحلّي 2: 525 كتاب النكاح.

3) مكارم الأخلاق: 198.

٣٩

ذلاًّ وهواناً، وأقامَهُ الله بقدر ما استمتع منها على شفير جهنّم، ثمَّ يَهوي فيها سبعين خريفاً) (1) .

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إذا تزوّج الرجل المرأة لمالها أو جمالها، لم يُرزق ذلك، فإن تزوّجها لدينها، رزقه الله عزَّ وجلَّ مالها وجمالها) (2) .

وهكذا يظهر لنا جلياً أنّ الإسلام يُريد من الزواج الذي هو أحبُّ بناء إلى الله تعالى، أنْ يَبتني على هدفٍ نبيل وقصدٍ سليم، وعليه فهو يُكرِّم أصحاب القلوب السليمة، ويُنذر ذوي النوايا السيّئة بسوء العذاب.

رابعاً: البساطة في المهر والصداق:

ليس خافياً على أحد بأنّ الإسلام يسعى لإزالة العوائق التي تحول دون نسج العلائق الشرعيّة بين الجنسين، والتي تتمثل - أساساً - في الزواج.

والملاحظ أنّه يتّخذ موقفاً توفيقيّاً بين الزوجين، ففي الوقت الذي يجعل للمرأة المهر، ويأمر الرجل بإعطائه لها على الوجه الأكمل، وفق قوله تعالى: ( وآتوا النّساء صدُقاتهنَّ نحِلة.. ) (3) ، فإنّه يحثُّ النساء وأولياءهنّ على عدم تجاوز الحدود المعقولة للصداق، وعلى عدم التعسّف عند استيفائه.

____________________

1) عقاب الأعمال | الصدوق: 333 باب يجمع عقوبات الأعمال.

2) مكارم الأخلاق: 203.

3) سورة النساء: 4 | 4، وفي الآية 20 من هذه السورة المباركة ما يدلّ على وجوب دفع الصداق كاملاً للمرأة وإن كان كبيراً، وورد في الحديث تحذير من العواقب المترتّبة على غصب مهور النساء، منه ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام):إنَّ أقذر الذنوب ثلاثة: قتل البهيمة، وحبس مهر المرأة، ومنع الأجير أجره وقوله (عليه السلام): من تزوّج امرأة ولم ينوِ أن يوفّيها صداقها فهو عند الله عزَّ وجلَّ زانٍ مكارم الأخلاق: 207 و 237.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113