الأسرة في المجتمع الإسلامي

الأسرة في المجتمع الإسلامي33%

الأسرة في المجتمع الإسلامي مؤلف:
تصنيف: الأسرة والطفل
الصفحات: 113

الأسرة في المجتمع الإسلامي
  • البداية
  • السابق
  • 113 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 79568 / تحميل: 7035
الحجم الحجم الحجم
الأسرة في المجتمع الإسلامي

الأسرة في المجتمع الإسلامي

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

العمل وفق الشريعة الإلهيّة والسُنّة المحمّديّة القاضية بتحليل المتعة كأسلوب شرعي يعالج جذور المشكلة، ويمنع الفساد والعزوبة.

ومن أجل ذلك شُرّع زواج (المتعة) صوناً للشباب من الوقوع في شباك الشيطان، ومُمارسة الزنا واللواط وما إلى ذلك من مظاهر الشذوذ والفساد، وعليه لم يتجاوز الإمام عليّ (عليه السلام) الحقيقة عندما قال: (لولا ما سبقني به ابن الخطّاب ما زنا إلاّ شقي) (١) .

وكيفما كان فإنّه لا فرق بين الزواج الدائم والمُنقطع في أنّ كلاًّ منهما لا يتم إلاّ بعقد ومهر، وفي نشر الحرمة من حيث المصاهرة، وفي وجوب التوارث بين أولاد المرأة المُتمتّع بها، وبين أولاد الزواج الدائم وأيضاً سائر الحقوق المادّيّة والأدبيّة، وتبقى فروق معدودة يُراجَع للوقوف عليها كُتب الفقه.

المبحث الثالث

مقدّمات الزواج في المنظور الإسلامي

أولاً: أُسُس اختيار الشريك:

لا يخفى بأنّ الإسلام يرشد الزوجين إلى الأُسس السليمة عند الاختيار، ويكشف عن المواصفات التي يجب مراعاتها، فهو يحث كلاًّ من الزوجين على بذل الوسع واستنفاذ الجهد، بُغية التعرّف على أوصاف شريك العمر، بالمشورة مع الأقارب وغيرهم لكون القضيّة حيويّة لا تقتصر على سعادتهما بل

____________________

١) وسائل الشيعة | الحر العاملي ١٤: ٤٣٦ كتاب النكاح - أبواب المتعة.

٢١

تنعكس آثارها على النسل.

وكان عباد الله الصالحون يطلبون المدد والعون من الله تعالى لكي يوفّقهم لحسن الاختيار، وأنْ يهب لهم الزوجة والذرّيّة الصالحة ( والَّذِينَ يَقُولُونَ ربَّنا هَب لنا مِنْ أزواجِنَا وذُرِياتِنَا قُرَّةَ أعيُنٍ واجعَلنَا لِلمُتَّقينَ إمَامَاً ) (١) .

وسوف نستعرض بإيجاز المواصفات المثاليّة التي حدّدها الإسلام لكلِّ من الزوجين.

١ - مواصفات الزوجة الصالحة:

في ضوء قراءتنا الفاحصة للنصوص الواردة في هذا الشأن، نجد أنّ الإسلام يقدّم الإرشادات المناسبة للزوج أُسس اختيار الزوجة في ضوء معايير سليمة.

إنَّ الإسلام يرى أنّ الوقاية خيرٌ من العلاج، لذلك يُسدي نصائحه بسخاء للزوج، يحثّه فيها على التثبّت والتأنّي عند الاختيار حتّى لا يكون كحاطبِ ليل لا يدري ما يجمع في حزمته، وقد كشف له عن خطأ النظرة الأحاديّةِ الجانب التي تُركّز على الجمال أو المال فحسب، مُؤكّدا على النظرة الشموليّة التي تتجاوز الظواهر المادّيّة، بل تغوص نحو العمق لتبحث عن المواصفات المعنويّة من دين وأخلاق وما إلى ذلك.

وفي هذا الصدد يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (إنّما المرأة قلادة فانظر ما تتقلّد، وليس للمرأة خطر، لا لصالحتهنَّ ولا لطالحتهنَّ: فأمّا صالحتهنَّ فليس خطرها الذّهب والفضة، هي خير من الذهب والفضة، وأمّا طالحتهن فليس خطرها التراب، التراب خير منها) (٢) .

____________________

١) سورة الفرقان: ٢٥ | ٧٤.

٢) وسائل الشيعة ١٤: ١٧ كتاب النكاح.

٢٢

وقد أولى الأئمّة من عترة المصطفى (عليهم السلام) عناية خاصّة لمسألة اختيار الزوجة، وكانوا مع سُموّ مقامهم ورجاحة عقلهم وكثرة تجاربهم، يستشيرون الآخرين في هذا الشأن، (ومن الشواهد الدالّة على ذلك، أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام)، بعد وفاة فاطمة (عليها السلام): لما أراد أن يتزوّج قال لأخيه عقيل: (انظر لي امرأة قد أولدتها الفحولة من بني العرب؛ لأتزوَّجها فتلدُ لي غلاماً فارساً)، وفكَّر عقيل قليلاً ثمّ قال لأخيه: تزوّج أمُّ البنين الكلابيّة، فإنّه ليس في العرب على وجه الإطلاق أشجع من آبائها..

وصار عقيل يُعدِّد أمجاد أعمام وأخوال أمُّ البنين، فخطبها الإمام وتزوَّجها.. وأنجبت أمُّ البنين من الإمام أربعة ذكور.. هم: العبّاسُ، وعبد الله، وجعفر، وعثمان) (١) .

وكان أهل البيت (عليهم السلام) يسدون النصيحة المُخلصة لكلِّ من استشارهم في هذا الشأن، فعندما استشار داود الكرخي الإمام الصادق (عليه السلام) قائلاً له: إنَّ صاحبتي هلكت وكانت لي موافقة وقد هممت أنْ أتزوّج،

قال الإمام (عليه السلام): (اُنظر أين تضع نفسك، ومن تشركه في مالك، وتطلعه على دينك وسرّك وأمانتك، فإنْ كنت لابدّ فاعلاً فبكراً تُنسب إلى الخير وإلى حسن الخلق) (٢) .

وما يبدو مثيراً للاهتمام أنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته الأطهار (عليه السلام) يقدّمون رؤيتهم المعرفيّة للشباب التي تكشف النقاب عن طبائع النساء، وسوف نسلط الضوء على هذا المطلب قبل الخوض في تفاصيل مواصفات الزوجة الصالحة:

____________________

١) العبّاس بن علي - سلسلة عظماء الإسلام، محمّد كامل المحامي: ٢٠ - ٢٣ منشورات المكتب العالمي للطباعة - بيروت ١٩٨٠ م ط٣.

٢) من لا يحضره الفقيه ٣: ٢٤٤ باب أصناف النساء.

٢٣

طبائع النساء:

لقد كَشف الرسول الأكرم (صلّى الله عليه واله وسلّم) وأهل بيته (عليهم السلام) ومن خلال أحاديث كثيرة في هذا المجال عن طبائع النساء المختلفة؛ وذلك لتنمية وعي الشباب وتعميق خبرتهم لاختيار الأنسب والأفضل منهنَّ.

قال رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم): (ألا أُخبركم بخير نسائكم؟ قالوا بلى. قال: إنَّ خير نسائكم الولود الودود الستيرة العفيفة، العزيزة في أهلها، الذليلة مع بعلها، المتبرّجة مع زوجها الحصان عن غيره، التي تسمع قوله وتطيع أمره، وإذا خلا بها بذلت له ما أراد منها ولم تتبذّل له تبذّل الرجل) (١) .

وفي هذا الصدد يقول الإمام الباقر (عليه السلام): (النساء أربعة أصناف: فمنهنَّ ربيع مُربّع، ومنهنّ جامع مُجمّع، ومنهنّ كرب مُقمّع، ومنهن غلّ قمّل.

فأمّا الربيع المربّع: فالتي في حجرها ولد وفي بطنها آخر، والجامع المجمّع: الكثيرة الخير المُحصنة، والكرب المُقمّع: السيّئة الخلق مع زوجها، وغلّ قمّل: هي التي عند زوجها كالغل القمّل، وهو غلّ من جلد يقع فيه القمّل فيأكله، فلا يتهيأ أنْ يحلّ منه شيئاً، وهو مثَل للعرب) (٢) .

وعن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: (هنَّ ثلاث: فامرأة ولودٌ ودود، تعين زوجها على دهره، وتساعده على دنياه وآخرته، ولا تعين الدهر عليه، وامرأة عقيم لا ذات جمال ولا خُلق، ولا تعين زوجها على خير، وامرأة صخّابة، ولاّجة، خرّاجة، همّازة، تستقل الكثير ولا تقبل اليسير) (٣) .

____________________

١) مكارم الأخلاق: ٢٠٠.

٢) مكارم الأخلاق: ١٩٨. ومن لا يحضره الفقيه ٣: ٢٤٤.

٣) من لا يحضره الفقيه ٣: ٢٤٤ باب أصناف النساء.

٢٤

وفي هذا الإطار يُلفت الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنظارنا إلى قضيّة جوهريّة لابدّ أن تُستحضر في الذهن عند الاختيار، وذلك في قوله (عليه السلام): (خيار خصال النساء شرار خصال الرجال: الزهو، والجُبن، والبُخل، فإذا كانت المرأة مزهوّة، لم تُمكّن من نفسها، وإذا كانت بخيلة، حفظت مالها ومال بعلها، وإذا كانت جبانة، فرَقت من كلِّ شيءٍ يعرض لها) (١) .

وهكذا نجد أنّ أهل البيت (عليهم السلام) يُؤكّدون على ضرورة الاختيار الحر والواعي لشريكة العمر، ومن خلال استقراء الآيات والروايات الواردة حول مواصفات الزوجة الصالحة، وجدنا بالإمكان تصنيفها إلى قسمين رئيسين:

أ - مواصفات دينيّة ومعنويّة:

إنَّ من الأهميّة بمكان أنْ تكون الزوجة ذات دين يُعصمها عن الخطأ والخطيئة، ويزرع في وعيها العقيدة الصحيحة والآداب السامية التي ستنقلها بدورها إلى أبنائها، ولأجل ذلك حرّم الإسلام الزواج من المشركات، قال تعالى: ( ولا تَنكِحُوا المُشرِكاتِ حتّى يُؤمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤمِنةٌ خَيْرٌ مِن مُشرِكَةٍ ولَو أعجَبَتكُم ) (٢) .

ولأجل أنّ الدين له مدخليّة كُبرى في استقامة الزوجة، أوصى الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم) الشباب بأنْ لا ينظروا بعين الشهوة والطمع لمن يرغبون الاقتران بها، كأن يركّزون على جمالها ومالها، بل عليهم في المقام الأوّل أنْ ينظروا إلى دينها وتدينها، قال رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم): (تُنكح المرأة على أربع خلال: على مالها، وعلى دينها، وعلى جمالها، وعلى حسبها ونسبها، فعليك بذاتِ

____________________

١) نهج البلاغة، ضبط صبحي الصالح: ٥٠٩ | الحكمة ٢٣٤.

٢) سورة البقرة: ٢ | ٢٢١.

٢٥

الدين) (١) . وقال (صلّى الله عليه واله وسلّم) مُوصياً: (مَن تزوّج امرأة لا يتزوّجها إلاّ لجمالها، لم يرَ فيها ما يحبّ، ومن تزوّجها لمالها لا يتزوّجها إلاّ وكله الله إليه، فعليكم بذات الدين) (٢) .

وقال (صلّى الله عليه واله وسلّم): (لا تَتزوّجوا النساء لحسنهنَّ، فعسى حسنهنَّ أنْ يُرديهنَّ، ولا تَتزوّجوهنَّ لأموالهنّ، فعسى أموالهنَّ أن تطغيهنَّ، ولكن تزوجوهنَّ على الدين) (٣) .

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إذا تزوج الرّجل المرأة لمالها، أو جمالها، لم يُرزق ذلك، فإن تزوّجها لدينِها رزقه الله جَمالها ومالها) (٤) .

ومن المسائل المعنويّة التي تتطّلب الإشارة في هذا المقام والأخذ بنظر الاعتبار، هي مسألة النسب والحسب، فإنّه لا نزاع في أنَّ للنسب دوراً خطيراً في بناء شخصيّة الإنسان، وإرساء دعائمها الأساسيّة.

إنَّ كثيراً من الصفات المعنويّة والجسديّة يرثُها الإنسان عن آبائه، وأخواله، وأجداده، وهي تَتحكّم في رسم معالم شخصيّته، قال رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم): (تخيّروا لنطفكم، فإن النساء يلدن أشباه إخوانهنَّ وأخواتهنَّ) (٥) .

وفي هذا الصدد قال الإمام الصادق (عليه السلام): (تزوَّجوا في الحجز الصالح، فإنَّ العرق دسّاس) (٦).

____________________

١) كنز العمّال ١٦: ٣٠٣ | ٤٤٦٠٢.

٢) روضة الواعضين، للفتال النيسابوري: ٣٧٤ منشورات الرضي - قم.

٣) كنز العمّال ١٦: ٢٩٢ | ٤٤٥٣٧.

٤) من لا يحضره الفقيه ٣: ٢٤٨ باب الوصيّة بالنساء.

٥) كنز العمّال ١٦: ٢٩٥ | ٤٤٥٥٧.

٦) مكارم الأخلاق: ١٩٧.

٢٦

ممّا تقدّم يتّضح لنا أنّ الاقتران بذات الدين، هو قطب الرحى في توجّهات القرآن والسُنّة؛ وذلك لإرساء أُسُس متينة تقوم عليها الحياة الأُسريّة، وبدون ذلك يصبح البناء الأُسري متزلزلاً كالبناء فوق رمال مُتحرّكة، وقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام): (أتى رجل إلى رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم) يَستأمره في النكاح، فقال: نعم إنكح، وعليك بذواتِ الدين تربت يداك) (١) .

ولابدّ من التنويه على أنّ المراد من كون الزوجة ذات دين بإطلاقه، قد يشمل بإطلاقه الكتابيّة فقد (اتفقت مذاهب السُنّة الأربعة على صحّة الزواج من الكتابيّة، واختلف فقهاء الشيعة فيما بينهم، فقال أكثرهم: لا يجوز للمسلم أنْ يتزوّج اليهوديّة والنصرانيّة، وقال جماعة من كبارهم، منهم الشيخ محمّد حسن في الجواهر، والشهيد الثاني في المسالك، والسيّد أبو الحسن في الوسيلة بالجواز) (٢) .

ومهما يكن الأمر، فإنّ الذي لاشكّ فيه هو تفضيل الزوجة المسلمة؛ لأنّ الإسلام هو أكمل الأديان، ويحصّن المرأة عقائديّاً وسلوكيّاً، ويؤهّلها للدخول إلى عش الزوجيّة، ويُوجب عليها طاعة زوجها وعدم خيانته في عرضه وماله، فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم): ما استفاد امرؤٌ مسلم فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة، تسرّه إذا نظر إليها، وتُطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله) (٣) .

ومن المؤكّد أنّ مجرّد الإسلام لا يكفي بدون الصلاح، فكثير من المُسلمات

____________________

١) وسائل الشيعة ١٤: ٢١ باب استحباب اختيار الزوجة الصالحة.

٢) التفسير الكاشف | الشيخ محمّد جواد مغنية ١: ٣٣٤.

٣) وسائل الشيعة ١٤: ٢٣ باب استحباب اختيار الزوجة الصالحة.

٢٧

غير الملتزمات يَضربن بتعاليم الإسلام السمحة عرض الحائط، عند عدم انسجامها مع رغباتهنّ الجامحة، أو عند تصادمها مع مصالحهن.

وعليه فمن الأهميّة بمكان اختيار الزوجة المسلمة الصالحة فهي التي تصنع للزوج إكليل سعادته.

ورد عن الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (من سعادة المرء الزوجة الصالحة) (١) .

وصفوة القول أنّ الإسلام يرشد الشاب أن يتبع ميزاناً معيارياً يرجّح فيه الصفات المعنوية كالدين والصلاح عند اختيار الزوجة، قال تعالى: ( وانكِحُوا الأيامَى مِنكُم والصَّالِحينَ مِن عِبادِكُم وإمائكُم.. ) (٢) .

ب - مواصفات جسميّة وعقليّة:

فمن الحقائق الموضوعيّة أنَّ سلامة جسم المرأة وعقلها له دور فعّال في تربية الأطفال وتقويم شخصيّتهم؛ ليكونوا أفراداً صالحين يسهمون في بناء المجتمع وتطويره.

ولم يغفل الدين الإسلامي عن هذه الحقيقة، لذا نبّه على ضرورة مراعاة عوامل السلامة من العيوب الجسميّة والعقليّة لكلا الزوجين، وجعل منهما الخيار في فسخ العقد، فيما إذا ما تبين أنّ أحدهما كان مُصاباً بعيبٍ جسماني أو خللٍ عقلي، وحول هذه المسألة قال الإمام الصادق (عليه السلام): (إنّما يُردُّ النكاح من البرص، والجذام، والجنون، والعَفَل) (٣) .

وبالإضافة إلى وجوب التأكّد من سلامة الزوجة من العيوب الجسديّة

____________________

١) وسائل الشيعة ١٤: ٢٣.

٢) سورة النور: ٢٤ | ٣٢.

٣) وسائل الشيعة ١٤: ٥٩٤ أبواب العيوب والتدليس.

٢٨

الموجبة لفسخ العقد، لابدّ من التركيز على سلامتها العقليّة، حتّى لا تكون مجنونة أو حمقاء تسيء التصرف، ولا تضع الشيء موضعه، ومن أجل ذلك قال الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم) محذراً الشباب من العواقب الاجتماعيّة، والتربويّة الوخيمة: (إيّاكم وتزوّج الحمقاء، فإنَّ صحبتها ضياع، وولدها ضياع) (١) .

وينبغي الإشارة هنا إلى أنّ الإسلام (يُجوّز - للرجل - أنْ ينظر إلى وجه امرأة يريد نكاحها، وإنْ لم يستأذنها، ويختصّ الجواز بوجهِها وكفّيها، وله أنْ يكرر النظر إليها، وأنْ ينظرها قائمة وماشية، وروي: جواز النظر إلى شعرها ومحاسنها وجسدها من فوق الثياب) (٢) .

ومن يستقري النصوص الواردة في هذا الخصوص، يجد أنّها تُزوّد الشاب برُؤية كاملة عن المواصفات الجسميّة المطلوبة، ومن خلال قراءتنا الفاحصة يُمكن تصنيفها إلى الفقرات التالية:

أولاً - مواصفات جسميّة عامّة:

تتناول اللّون والقامة والسِّن وغيرها منها ما ورد في قول الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (لا تتزوجنَّ شهبرة، ولا لهبرة، ولا نهبرة، ولا هيدرة، ولا لفوتاً) (٣) .

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (تزوّج عَيناء سَمراء عجزاء مربوعة، فإنْ كرهتها

____________________

١) نوادر الراوندي: ١٣، وبحار الأنوار ١٠٣: ٢٣٧.

٢) شرائع الإسلام ٢: ٤٩٥ كتاب النكاح - مسائل النظر إلى الأجنبيّة.

٣) معاني الأخبار: ٣١٨ دار المعرفة - بيروت ١٩٧٩ م، والشهبرة: الزرقاء البذيّة، واللهبرة: الطّويلة المهزولة، والنّهبرة: القصيرة الذّميمة، والهيدرة: العجوز المدبرة، واللفوت: ذات الولد من غيرك.

٢٩

فعليَّ الصداق) (١) .

وعنه (عليه السلام) قال: (من أراد الباءة فليتزوج بامرأة قريبة من الأرض، بعيدة ما بين المنكبين، سمراء اللّون، فإن لم يحظّ بها فعليَّ مهرها) (٢) .

وهكذا نجد أنَّ هذه الأحاديث وغيرها كثيراً، تُلفت نظر الشاب وتوقفه على المواصفات الجماليّة في المرأة، حتّى يتمكّن من انتخاب الزوجة التي تتناسب مع ذوقه، وتحقّق رغبته، وحتّى تقرّ عينه ولا يتطلّع إلى أعراض الآخرين، زد على ذلك، يُحيطه علماً بأنّ لبعض المواصفات الجسميّة للمرأة مدخليّة في الإنجاب لذلك قال (صلّى الله عليه واله وسلّم) مُوصياً: (تخيّروا لنطفكم، وانتخبوا المناكح، وعليكم بذات الأوراك، فإنَّهنَّ أنجب) (٣) .

ثانياً - الوجه الحسن:

يُفضّل أن تكون المرأة حسناء ذات وجه صبوح، تُدخل السرور والبهجة على نفس زوجها، عندما يقع نظره عليها، قال الرسول الأكرم (صلّى الله عليه واله وسلّم): (أفضل نساء أُمّتي أصبحهنّ وجهاً، وأقلّهنَّ مهراً) (٤) .

وفي الوقت الذي فضّل فيه أنْ تكون المرأة حسناء، فقد حذّر - بشدّة - من اختيار المرأة الحسناء التي نشأت وترعرعت في بيئة فاسدة، أو وسط اجتماعي منحرف، وقد (قام رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم) خطيباً فقال: (أيُّها الناس، إياكم وخضراء الدمن، قيل: يا رسول الله، وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في

____________________

١) مكارم الأخلاق: ١٩٩.

٢) مكارم الأخلاق: ٢٠١.

٣) كنز العمّال ١٦: ٣٠٢ | ٤٤٥٩٤.

٤) مكارم الأخلاق: ١٩٨.

٣٠

منبت السوء) (١) .

كما حذّر (صلّى الله عليه واله وسلّم) من اختيار الحسناء غير الولود قائلاً: (ذروا الحسناء العقيم، وعليكم بالسوداء الولود، فإنّي مُكاثر بكم الأُمم حتّى بالسقط) (٢) .

وعليه يُفضّل اختيار الحسناء بشرط أنْ تكون خيّرةً، ولوداً نشأت في تربةٍ صالحةٍ وبيئةٍ صالحة، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (الخيرات الحسان من نساء أهل الدنيا، هنَّ أجمل من الحور العين) (٣) .

ثالثاً - جمال الشعر:

قال عليّ بن الحسين (عليه السلام): (إذا أراد أحدكم أنْ يتزوّج، فليسأل عن شعرها كما يسأل عن وجهها، فإنَّ الشعر أحد الجمالين) (٤) .

رابعاً - طيب الريح:

فلاشكّ أنّ له مدخليّة في المواصفات الجسميّة المثاليّة، فالمرأة الطيّبة الريح، تجذب قلبَ زوجها كما يجذب شذا الأزهار النحل،

قال الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (تزوّجوا الأبكار، فأنّهنّ أطيَب شيءٍ أفواهاً..) (٥) ، وعن عليّ ابن الحسين (عليه السلام)

قال: (خير نسائكم الطيّبة الريح..) (٦) .

وهكذا نجد أنّ الرسول وأهل بيته (عليهم السلام) يُقدّمون للشباب المواصفات الجماليّة الكاملة ليضعوها

____________________

١) مكارم الأخلاق: ٢٠٣.

وإنّما جعلها خضراء الدِّمن تشبيهاً بالشجرة الناضرة في دمنة البقرة، وأصل الدِّمن ما تدمنه الإبل والغنم من أبعارها وأبوالها، فربّما ينبت فيها النبات الحسن وأصله في دمنة، يقول: فمنظرها حسن أنيق، ومنبتها فاسد. معاني الأخبار: ٣١٦.

٢) مكارم الأخلاق: ٢٠٢.

٣) مكارم الأخلاق: ٢٠٠.

٤) مكارم الأخلاق: ٢٠٠.

٥) روضة الواعظين: ٣٧٥.

٦) مكارم الأخلاق: ٢٠٠.

٣١

نصب أعينهم، عند اختيار شريكة العمر.

٢ - مواصفات الزّوج المثالي:

لقد كفل الإسلام للمرأة حقّ اختيار شريك العمر، وأرشدها إلى جُملة من المواصفات التي يُفضّل أنْ يتّصف بها الشريك الصالح، ونظرا لكون المرأة بطبعها عاطفيّة، ورقيقة الحسّ، ويغلب عليها الحياء، فقد جعل الإسلام لأب الفتاة ولاية عليها، وشرّك بينهما في عمليّة الاختيار التي تلعب دوراً مهمّاً في تحديد مصير البنت ومستقبلها.

وأبرز المواصفات التي يجب توفّرها في الزّوج المثالي هي:

أ - أنْ يكون مُتديّناً وذا خُلقٍ حسن:

وهما من أهمّ مرتكزات البناء الزوجي النموذجي، فالرجل الذي لا يرتبط بدين ولا يتقيّد بخُلق، سوف يجعل حياة الزوجة جحيماً لا يُطاق، وبالمقابل فإنّ الزوج المُتديّن الذي يتحسّس المسؤوليّة في الحياة، ويشعر برقابة الله الدائمة، ويعلم بعاقبة أعماله في الآخرة، سوف يوفّر لها سُبل السعادة والنجاح في الحياة الزوجيّة.

وقد نقل لنا القرآن الكريم سابقة في هذا السياق، متمثّلة في إحدى بنات شُعيب (عليه السلام) التي أدركت ببصيرتها الإيمانيّة، وتجربتها القصيرة مع موسى (عليه السلام)، أنّه تتجسّد فيه المواصفات الجسميّة والخُلقيّة معاً، فقد كان قويّاً وأميناً ( قَالَتْ إحْدَاهُمَا يَا أبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ * قَالَ إنِّي أُرِيدُ أنْ أُنكِحَكَ إحْدَى ابْنَتَيَّ... ) (١) .

(يا أبتِ استأجره لرعي ماشيتنا، ليكفينا مؤنة هذا العمل، فهو قويّ وأمين، وكأنّ النبيّ قد فطن إلى المراد، فأسرع إلى تحقيق رغبة

____________________

١) سورة القصص: ٢٨ | ٢٦ - ٢٧.

٣٢

ابنته، وطلب إلى موسى أنْ يخدمه فيرعى غنمه ثماني سنوات لقاء أنْ يُزوّجه بإحداهما.. فقبل موسى طلب شعيب (عليه السلام)) (١) .

فهذه سابقة قرآنيّة تجعل من ابنة شعيب (عليه السلام) قدوة حسنة لكلِّ امرأة تبحث عن الزوج المثالي.

ورُوي عن الحسين بن بشار قال: كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) في رجلٍ خطب إليَّ فكتب: (من خَطَب إليكم فرضيتم دينه وأمانته، كائناً من كان فزوّجوه)، ( إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ) (الأنفال:٧٣) (٢) .

وكان آل البيت (عليهم السلام) يُمارسون مع أولياء أُمور النساء حواراً إقناعيّاً، يستند إلى القرآن، أو إلى المُعطيات الواقعيّة، ولا يكتفون بإسداء النصائح المُجرّدة، ومن الشواهد الدالّة على هذا التوجه: جاء رجل إلى الإمام الحسن (عليه السلام)، يستشيره في تزويج ابنته، فقال: (زوّجها مِن رجلٍ تقيّ، فإنّه إنْ أحبّها أكرمَها، وإنْ أبغَضَها لم يظلمها) (٣) .

ولاشكّ أنّ هذه النصائح إذا دُعمت بالمُعطيات، وعزّزت بالحقائق والشواهد، فسوف ترسخ قناعة الآباء بها، ويأخذونها على محمل الجدّ ويتصرّفون في ضوئها.

وفي موقف آخر، أسدى الإمام الرّضا (عليه السلام) نصيحته المخلصة إلى وليّ أمر إحدى الفتيات مدعمة بالدليل القرآني؛ ليزيل غشاوة الشك من قلبه، قال له: (إذا خطب إليك رجل رضيت دينه وخُلقه فزوّجه، ولا يمنعك فقره وفاقته، قال

____________________

١) مع الأنبياء في القرآن | عفيف عبد الفتاح طبّارة: ٢٢٤ دار العلم للملايين ط١٦.

٢) من لا يحضره الفقيه ٣: ٢٤٨ كتاب النكاح - باب الأكفّاء.

٣) مكارم الأخلاق: ٢٠٤.

٣٣

الله تعالى: ( وَإن يَتفرَّقا يُغنِ الله كُلاًّ من سَعَتهِ ) وقال: ( إنْ يكُونُوا فقَراءَ يُغنِهِم اللهُ مِن فَضلِهِ.. ) (١) .

وينبغي الإشارة في نهاية هذه الفقرة، إلى أنّ الشرف لا ينحصر مصداقه في الحسَب والنسَب فحسب، كما كان الحال في عهد الجاهليّة، بل يتجسّد مصداقه الأعلى في الانتساب إلى الإسلام واعتناق مبادئه السامية، والتحلّي بفضائله العالية، هذا هو معيار التفاضل الكامل بين الناس، ويجب أنْ يكون مقياساً أساسيّاً لانتخاب الزوج المثالي،

بدليل قول الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم):(أنكحت زيدَ بن حارثة زينب بنت جحش، وأنكحت المقداد ضباعة بنت الزبير بن عبد المطّلب؛ ليعلموا أنّ أشرف الشرف الإسلام) (٢) .

ب - أنْ لا يكون شارباً للخمر:

لو صرفنا النظر عن الآثار الضارّة التي يتركها الخمر على الوراثة، فإنّ له آثاراً اجتماعيّة مأساويّة على الزوجة، فانشغال الزوج المُدمِن على الخمر بشؤونه الخاصّة، وحرصه الدائم على إرواء غليله من الشراب، يجعله لا يهتم بزوجته وأطفاله، وقد يمتنع عن دفع المصاريف اللازمة لإعالتهم، الأمر الذي يُؤدّي إلى جملة مساوئ اجتماعيّة، أقلّها انفصام عُرى العلاقة الزوجيّة، وتفكّك الروابط الأُسريّة، ناهيك عن انحراف الأطفال وتسيّبهم.

قال الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (مَن شرِب الخمرَ بعدما حرَّمها الله، فلَيس بأهل

____________________

١) فقه الرضا: ٣١، وبحار الأنوار ١٠٣: ٣٧٢، والآيات من سورة النساء: ٤ | ١٣٠ وسورة النور: ٢٤ | ٣٢.

٢) مكارم الأخلاق: ٢٣٨، وكنز العمّال ١: ٧٨ | ٣١٣.

٣٤

أنْ يُزوّج إذا خَطَب) (١) .

وقال الإمام الصادق (عليه السلام) محذّراً:

(من زوّج كريمته من شارب خمر، فقد قطع رحمها) (٢) .

جـ - أنْ لا يكون معروفاً بالزنا:

فكما حذّر آل البيت (عليهم السلام) من الاقتران بالمرأة التي تخلع ثوب العفاف والفضيلة، كذلك حذّروا من الرّجل الذي يخلع ثوب الحياء ويُجاهر بالزنا، وليس أدلُّ على ذلك ممّا ورد عن الحلبي قال: قال الإمام الصادق (عليه السلام): (لا تَتَزوّجوا المرأة المُستعلِنة بالزنا، ولا تُزوّجوا الرجل المُستعلِن بالزنا، إلاّ أنْ تعرفوا منهما التوبة) (٥) .

ومن جميع ما تقدّم نجد أنّ الإسلام يُرشد الفتاة وأولياء أمرها إلى جملة من المواصفات المثاليّة، التي يجب أخذها بنظر الاعتبار عند اختيار شريك العمر، كما حذّر الإسلام من القرار الارتجالي غير المدروس أو المرتكز على أُسُس مصلحيّة، فإنّه يضع الفتاة رهينة بيَد الرجل الذي له حقّ القيّمومة عليها ومَلَك زمام أمرها.

دَور العاطفة في الاختيار:

وينبغي التطرّق هنا إلى نقطة جوهريّة تتعلّق بالزوجين معاً، أنْ لا يكون اختيار أحدهما للآخر قائماً - من حيث الأساس - على العواطف فحسب؛ لأنّ هذا الاختيار قد يسقط من الحساب سائر المواصفات الكماليّة المطلوبة، يقول الرسول الأكرم (صلّى الله عليه واله وسلّم): (.. حبّك للشيء يعمي

____________________

١) مكارم الأخلاق: ٢٠٤.

٢) مكارم الأخلاق: ٢٣٨.

٣) مكارم الأخلاق: ٢٠٤.

٣٥

ويصمُّ..) (١) .. وصاحب الهوى - على الأغلب - يَنساق لعاطفته المُتأجّجة، فيغضّ الطرف عن عيوب المحبوب، ويسدّ منافذ سمعه عن نصائح الآخرين ولو كانت صادقة ومخلصة،

يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (عَينُ المُحبّ عمية عن معايب المحبوب، وأذنه صمّاء عن قبح مساويه) (٢) .

صحيح أنّ العاطفة والودّ أو الانسجام النفسي من العوامل المساعدة على إدامة واستمرار الرابطة الزوجيّة، وأنّ الإسلام قد أعطى الشاب الحقَّ في انتخاب المرأة التي يميل إليها، فعن ابن أبي يعفور، عن الصادق (عليه السلام)، قال: قلتُ إنّي أردتُ أنْ أتزوّج امرأة، وإنّ أبويّ أرادا غيرها، قال: (تزوّج التي هَوَيت، ودع التي هوى أبواك) (٣) .

ولكنّ الصحيح أيضاً، أنّ تجاهل المواصفات والنصائح التي عرضها الشرع أو التي أسّسها العقل، سوف يُؤدّي إلى نتائج لا تُحمد عُقباها في المستقبل، وخصوصاً بعد أنْ تنقشع غشاوة العواطف العمياء عن القلوب، أو تبرد حرارتها، عندها تظهر العيوب باديةً للعيان، وعليه فيجب أنْ لا تكون عاصفة الهوى هي محور الاختيار دون النظر والتعقّل في توفّر المواصفات المطلوبة في المحبوب.

الأمر الآخر الذي يجب التنويه به هو ضرورة تمسّك الزوجين بمبادئ الإسلام وقِيَمِه الأخلاقيّة قَبل الاقتران، فَتَديّن الرجل أو المرأة يُجنّبهما الخوض في مغامرات عاطفيّة قد تعصف بعشّ الزوجيّة، ويتأكّد هذا الأمر في المرأة ذات الطبيعة العاطفيّة، التي قد تتعرّض لعوامل الإغراء فتقع في الشباك التي ينصبها لها الفسّاق.

____________________

١) بحار الأنوار ٧٧: ١٦٥.

٢) غرر الحكم ح ٦٣١٤.

٣) مكارم الأخلاق: ٢٣٧.

٣٦

ثانياً: الكفاءة بين الزوجين:

لقد أشار القرآن الكريم إلى هذه المسألة بصورة صريحة، قال عزّ من قائل: ( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ.. ) (١) .

وهذه الرؤية القرآنيّة نجد تأكيداً عليها في السيرة النبويّة المطهّرة، خصوصاً وأنّ المساواة بين غير المتكافئين ظُلمٌ وإجحاف لا يقرّه الشرع ولا ينسجم مع منطق العقل.

قال الرسول الأكرم (صلّى الله عليه واله وسلّم): (وانكحوا الأكفاء، وانكحوا فيهم، واختاروا لنطفكم) (٢) .

وفي هذا السياق يُحدّد الإمام الصادق (عليه السلام) الخطوط العامّة للكفاءة الزوجيّة بقوله:

(الكفء أنْ يكون عفيفاً وعنده يسار) (٣) وعند التمعّن في هذا الحديث نجد أنّ الإمام (عليه السلام) يركّز على أهمية توفّر شرطين أساسيين في الكفاءة يتوقّف عليهما نجاح الحياة الزوجيّة وضمان استمرارها، وهما الشرط الأخلاقي المُتمثّل بالعفّة، والشرط الاقتصادي المُتمثّل باليسار.

وبتعبير آخر، أنّه يرى أنّ الكفاءة التامّة تَتَحقّق بتوفّر البعدين المعنوي والمادّي معاً، فميزان الكفاءة الحقّة - إذن - يجب أنْ يقوم في إحدى كفّتيه على الأخلاق والفضيلّة، وعلى التمكّن من الإنفاق في الكفّة الأُخرى، هذه هي النظرة الواقعيّة للكفاءة، فالإسلام لا يُريد من الرجل أنْ يكون راهباً يقبع في أحد

____________________

١) سورة النور: ٢٤ | ٢٦.

٢) وسائل الشيعة ١٤: ٢٩ باب استحباب اختيار الزوجة.

٣) من لا يحضره الفقيه ٣: ٢٤٩ باب الأكفاء.

٣٧

زوايا الدار أو المسجد للعبادة والنسك ويترك زوجته وأطفالها عرضة لعوامل الفقر والفاقة، كما لا يرتضي أنْ يكون غنيّاً في غاية الثراء ولكن لا رصيد له من الفضيلة والعفّة.

كان أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) لمّا خَطَب فاطمة عليها السلام فقيراً حتّى إنّ نساء قريش قد عيّرنها بفَقْرِه،

فقال لها النبيّ (صلّى الله عليه واله وسلّم): (أما ترضين يا فاطمة أنْ زوّجتك أقدمهم سلماً، وأكثرهم علماً، إنّ الله تعالى أطّلع إلى أهل الأرض اطّلاعة فاختار منهم أباك، فجعله نبيّاً، وأطّلع إليهم ثانية، فاختار منهم بَعلَك فجعله وصيّاً، وأوحى الله إليَّ أن أنكحك إياه..) فضحكت فاطمة عليها السلام واستبشرت.. (١) .

هذا الموقف الذي سجّله التاريخ بسطور من نور، يُعطي الشباب درساً في الاختيار السليم لكي يضعوا نصب أعينهم الكفاءة المعنويّة ويمنحوها الأولويّة.

وما تقدّم شاهد عملي من السُنّة على أهميّة مراعاة الكفاءة بين الزوجين، وليست الكفاءة مَنوطةً بزخرف الحياة المادّيّة بقدر ما تتحقّق بالتماثل والتشابه من السجايا والطباع، وقد أعربت عن ذلك زوجة معاوية، وقد سَئمت في كَنفه مظاهر الترف والبذخ والسلطان والثراء، وحنّت إلى فتى أحلامها، كان خلواً من كلِّ ذلك - فقد كانت مطلّقة وتزوّجت من معاوية، فلم تذق معه طعم السعادة ولم ترضَ عن أخلاقه - فأنشدت:

لَبَيتٌ تَخفِق الأرواحُ فيهِ

أحَبُّ إليَّ مِن قَصرٍ مُنيفِ

ولُبسُ عباءة وتَقرُّ عَينِي

أحبُّ إليَّ مِن لِبس الشُّفوفِ

____________________

١) الإرشاد | الشيخ المفيد: ٢٤.

٣٨

وخَرقٍ من بني عمّي نجيب

أحبُّ إليَّ من علجٍ عنيفِ (١)

إذن من الأهميّة بمكان أنْ تُوجد حالة من التكافؤ بين الزوجين، وعلى الخصوص في الجانب الإيماني والأخلاقي والعلمي، وقد أشار الفقهاء إلى هذه المسألة المهمّة، يقول المحقّق الحلّي قُدّس سرّه: (الكفاءة شرطٌ في النكاح، وهي التساوي في الإسلام، وهل يشترط التساوي في الإيمان؟ فيه روايتان، أظهرهما الاكتفاء بالإسلام، وإنْ تأكّد استحباب الإيمان، وهو في طرف الزوجة أتمّ؛ لأنّ المرأة تأخذ من دين بعلها..) (٢) .

ثالثاً: نظافة القصد وسلامة النيّة:

الإسلام يُريد للعلاقة الزوجيّة أنْ تبتني على أُُس معنويّة سليمة، فهو يُريد لها نظافة القصد وطهارة الغاية وسلامة النيّة، كونها علاقة تَتَرتّب عليها أهداف سامية تتمثّل بإدامة التناسل وتنشئة الأجيال، ومن هنا ورد عن الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام) أنّه قال: (مَن تَزوّج لله عزَّ وجل ولِصَلة الرحم توّجَه الله تاجَ المُلوك) (٣) .

وعليه فالقصد السليم يُؤّدي إلى التكريم من قِبل الله تعالى، فهو العالم بدخائل النفوس وخوالج القلوب، وقد هدّد الذين يتّخذون من رابطة الزواج المقدّسة مادّة للتفاخر والرياء ووسيلة لإيقاع الأذى أو الحصول على المنافع والمطامع غير المشروعة،

قال الرسول الأكرم (صلّى الله عليه واله وسلّم): (مَن نَكَح امرأةً حلالاً، بمالٍ حلال، غير أنّه أراد بها فخراً ورياءً، لم يزده الله عزَّ وجلَّ بذلك إلاّ

____________________

١) أخلاق أهل البيت (عليهم السلام) | السيّد مهدي الصدر: ٤٥٣ - ٤٥٤ دار الكتاب الإسلامي.

٢) شرائع الإسلام | المحقّق الحلّي ٢: ٥٢٥ كتاب النكاح.

٣) مكارم الأخلاق: ١٩٨.

٣٩

ذلاًّ وهواناً، وأقامَهُ الله بقدر ما استمتع منها على شفير جهنّم، ثمَّ يَهوي فيها سبعين خريفاً) (١) .

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إذا تزوّج الرجل المرأة لمالها أو جمالها، لم يُرزق ذلك، فإن تزوّجها لدينها، رزقه الله عزَّ وجلَّ مالها وجمالها) (٢) .

وهكذا يظهر لنا جلياً أنّ الإسلام يُريد من الزواج الذي هو أحبُّ بناء إلى الله تعالى، أنْ يَبتني على هدفٍ نبيل وقصدٍ سليم، وعليه فهو يُكرِّم أصحاب القلوب السليمة، ويُنذر ذوي النوايا السيّئة بسوء العذاب.

رابعاً: البساطة في المهر والصداق:

ليس خافياً على أحد بأنّ الإسلام يسعى لإزالة العوائق التي تحول دون نسج العلائق الشرعيّة بين الجنسين، والتي تتمثل - أساساً - في الزواج.

والملاحظ أنّه يتّخذ موقفاً توفيقيّاً بين الزوجين، ففي الوقت الذي يجعل للمرأة المهر، ويأمر الرجل بإعطائه لها على الوجه الأكمل، وفق قوله تعالى: ( وآتوا النّساء صدُقاتهنَّ نحِلة.. ) (٣) ، فإنّه يحثُّ النساء وأولياءهنّ على عدم تجاوز الحدود المعقولة للصداق، وعلى عدم التعسّف عند استيفائه.

____________________

١) عقاب الأعمال | الصدوق: ٣٣٣ باب يجمع عقوبات الأعمال.

٢) مكارم الأخلاق: ٢٠٣.

٣) سورة النساء: ٤ | ٤، وفي الآية ٢٠ من هذه السورة المباركة ما يدلّ على وجوب دفع الصداق كاملاً للمرأة وإن كان كبيراً، وورد في الحديث تحذير من العواقب المترتّبة على غصب مهور النساء، منه ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام):إنَّ أقذر الذنوب ثلاثة: قتل البهيمة، وحبس مهر المرأة، ومنع الأجير أجره وقوله (عليه السلام): من تزوّج امرأة ولم ينوِ أن يوفّيها صداقها فهو عند الله عزَّ وجلَّ زانٍ مكارم الأخلاق: ٢٠٧ و ٢٣٧.

٤٠

إنَّ الغلو في المهور يشكّل عقبة اقتصاديّة تحول دون الإقدام على الزواج، وعليه يُمارس الإسلام حواراً إقناعيّاً مع النساء وأولياء أمورهنّ ويُرَّغبهم في تيسير المهر، قال الرسول الأكرم (صلّى الله عليه واله وسلّم): (إنَّ من يُمن المرأة تَيسير خطبتها، وتَيسير صداقها..) (1)

وقال أيضاً: (أفضل نساء أُمّتي أحسنهنَّ وجهاً، وأقلّهنَّ مهراً) (2) .

وفي مقابل أُسلوب الترغيب اتّبع الإسلام مع المتشدّدين في المهور أُسلوب التوبيخ والتنفير، وفي هذا الصدد يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (الشؤم في ثلاثة أشياء: في الدابّة، والمرأة، والدار. فأمّا المرأة فشؤمها غلاء مهرها...).

وفي حديث آخر يَجمَع بين الأُسلوبين، فيقول: (من بركة المرأة قلّة مؤونتها، وتيسير ولادتها، ومن شؤمها شدّة مؤونتها، وتعسير ولادتها) (3) .

ويذهب الإسلام أبعد من ذلك، فهو يعد المرأة التي تَتَصدّق بصداقها على زوجها بالثواب الجزيل وينظر إليها بعين الإكبار والإجلال، فعن الإمام الصادق (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام) قال: (قال رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم) ما من امرأة تصدّقت على زوجها بمهرها قبل أنْ يدخل بها، إلاّ كَتَب الله لها بكلِّ دينار عتق رقبة) (4) .

جدير ذكره أنّ الإسلام قد حذّر من المعطيات السلبيّة النفسيّة فضلاً عن الاقتصاديّة التي تَتَرتّب على المُغالاة في المهور، ولعلّ من أبرزها العداوة

____________________

1) كنز العمّال 16: 322 | 44721.

2) مكارم الأخلاق: 198.

3) مكارم الأخلاق: 198.

4) المصدر السابق: 237.

٤١

والضغينة التي قد تجد متنفّساً لها في إثارة المَشاكل لأهل المرأة من طرف الزوج الذي يحسّ بالإجحاف والتعسّف، فيُبيّت نيّة السوء لإلحاق الأذى بالمرأة وأهلها فيما بعد، ومن أجل ذلك قال الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (تياسروا في الصداق، فإنّ الرّجل لَيُعطي المرأة حتّى يبقى ذلك في نفسه عليها حسيكة) (1) .

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (لا تُغالوا في مُهور النساء فتكون عداوة) (2) .

وهنا يبدو من الضرورة بمكان الإشارة إلى أنّ الإسلام يحثُّ على عدم تجاوز السُنّة المحدّدة للصداق، وهي خمسمائة درهم، يقول السيّد محسن العاملي: (إنَّ الروايات مختلفة في قدر مهر الزهراء (عليها السلام) والصواب أنَّه كان خمسمائة درهم، اثنتي عشرة أوقية ونصفاً، والأوقية أربعون درهماً؛ لأنّه مهر السُنّة كما ثبت من طريق أهل البيت (عليهم السلام)) (3) .

والظاهر أنّ نبيّ الإسلام (صلّى الله عليه واله وسلّم) أراد من تحديده لمهر الزهراء (عليها السلام) بهذا المقدار، أنّ يضع حدّاً مثاليّاً يُمثّل الحلّ النسبي والوسط الذي ينسجم مع العقل والمنطق لقضيّة الصداق، خصوصاً إذا ما علِمنا بأنّ اليد الغيبيّة كانت من وراء تحديد مهر الزهراء (عليها السلام)، فعن جابر الأنصاري قال: لما زوّج رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم) فاطمة (عليها السلام) من علي (عليه السلام) أتاه أُناس من قريش فقالوا: إنّك زوَّجت عليّاً بمهرٍ خسيس، فقال: (ما أنا زوّجت عليّاً، ولكنّ الله زوّجه) (4) .

وبنظرةٍ فاحصة نجد أنّ الإسلام عالج هذه القضيّة بمنتهى المُرونة إذ إنّه لم يجعل

____________________

1) كنز العمّال 16: 324 | 44731.

2) مكارم الأخلاق: 237.

3) في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) 1: 162 - 163 دار التعارف ط 1400 هـ.

4) مكارم الأخلاق: 208.

٤٢

مهر السُنّة الذي هو مهر الزهراء (عليها السلام) واجباً على الجميع، بل جعله حدّاً لا يجوز تعدّيه وتجاوزه من قِبل ذَوِي الثراء والأغنياء، بشكل يجعل الزواج مُتعسّراً، سيّما على الفقراء وذَوي الدخل المحدود الذين فَتَح لهم الإسلام الباب على مصراعيه في الحثّ على تزويجهم ولو بتعليم سورة من القرآن.

خامساً: مراسيم الزّواج:

نظراً لأهميّة وقدسيّة الزوّاج فقد وضعت له مراسيم خاصّة تنسجم مع مبادئ الإسلام ورؤيته السليمة، وتمتاز بالبساطة والابتعاد عن مظاهر الإسراف والتكلّف، ولا تخرج عن قواعد وحدود الشرع.

وتبدأ هذه المراسيم العبادّيّة - الاجتماعيّة مُنذ أنْ يقرّر الشاب الزواج بأنْ يُصلّي ركعتين ويدعو بعدهما بمأثور الدعاء، فقد رُوي أنَّ الإمام الباقر (عليه السلام) سأل أبا بصير، قائلاً له: (إذا تزوج أحدكم كيف يصنع؟ فقال: لا أدري،

فقال (عليه السلام): إذا همَّ بذلك فليصلِ ركعتين وليحمد الله عزَّ وجل وليقل: (اللهمَّ إني أُريد أنْ أتزوّج، اللهمَّ فقدّر لي من النساء أحسنهنَّ خَلقاً وخُلقاً، وأعفّهن فرجاً، وأحفظهنَّ لي في نفسِها ومالي، وأوسعهن رزقاً، وأعظمهنّ بركةً، واقضِ لي منها ولداً طيّباً، تجعله لي خَلَفاً صالحاً في حياتي وبعد موتي)) (1) .

بعد ذلك يَنتخِب الزوجة الصالحة، وفق المواصفات التي ذكرناها آنفاً وتبدأ مراسيم الخطبة قبل العقد وذلك بإحضار جماعة من أهل الفضل والمعرفة إلى أهل المرأة، ويُستحب أنْ يُلقي الخطيب أو مَن ينوب عنه خطبةً يَستهلّها بآيٍ مِن

____________________

1) مكارم الأخلاق: 205.

٤٣

القرآن الكريم والحديث الشريف، ثُمّ يُفضى إلى ذِكر الغرض، وهو خطبة المرأة وذكر مواصفاتها الصالحة وإيمانها وما إلى ذلك، وفي السيرة النبويّة وتُراث الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) كثير من الخُطب المأثورة عنهم (عليهم السلام) في الزواج، منها خطبة الإمام الرضا (عليه السلام) لنفسه في زواجه من أمّ حبيبة، وخطبة ولده الإمام الجواد (عليه السلام) لنفسه في زواجه من أمّ الفضل، وغيرهما.

ويُستحب الإعلان عن العقد والإشهاد عليه، وإيقاعه ليلاً،

قال الإمام الصادق (عليه السلام): (زفّوا عرائسكم ليلاً، وأطعموا ضُحى) (1) .

ويُستحب الوليمة عند الزفاف يوماً أو يَومين، وأنْ يُدعى لها المؤمنون.

واتّضح من خلال هذه المراسيم أنّ السمة الغالبة عليها هي عباديّة فضلاً عن كونها اجتماعيّة، تُوجّه الزوجين للارتباط بالله تعالى واستمداد العون والتوفيق منه، ثُمّ يتخلّلها أداء الصلاة والأذكار وقراءة القرآن والإطعام الذي يُذكر فيه - عادة - الجيران ويشمل الفقراء والمساكين.

ثمّ تأتي مراسيم الزفاف، وممّا يدل على أهميّتها أنّه (لمّا كانت ليلة الزفاف - لفاطمة على الإمام عليّ (عليهما السلام) - أتى النبيّ (صلّى الله عليه واله وسلّم) ببغلته الشهباء، وثنى عليها قطيفة، وقال لفاطمة: (اركبي)، وأمَرَ سلمان رضي الله عنه أنْ يقودها، والنبيّ … (صلّى الله عليه واله وسلّم) يسوقها، وكبّر (صلّى الله عليه واله وسلّم) فوضع التكبير على العرائس من تلك الليلة) (2) .

وهكذا تتمّ هذه المراسيم العالية في أجواء من الطُّهر والفضيلة، تَتَفجّر فيها ينابيع المشاعر والأحاسيس الخيّرة، وتنطلق فيها الدعوات المخلصة إلى الله تعالى؛ لكي يُبارك للعروسين حياتهما الجديدة.

____________________

1) مكارم الأخلاق: 208.

2) مكارم الأخلاق: 208.

٤٤

الفصل الثاني

عناية الإسلام بالأُسرة عند نشأتها

المبحث الأول: عناية الإسلام بالجانب الروحي بين الزوجين

يضع الإسلام في طليعة اهتمامه مسألة توثيق العلاقة الروحيّة بين الزوجين قبل وبعد عقد قرانهما، حتّى يصمدا في وجه رياح المصاعب والمصائب التي يُمكن أنْ تعصف بِعُش الزوجيّة.

فليس خافياً بأنّ توثيق العلاقة مع الخالق تنعكس آثاره النافعة على المخلوق، والملاحظ أنّ الإسلام يتّبع خطّة ثلاثيّةِ الأركان من أجل الارتقاء الروحي بالزوجين، يُمكننا الإشارة إليها بالنقاط التالية:

أولاً: المواظبة على الطاعات:

الطاعة تَتَحقّق - واقعاً - من خلال تطبيق المنهج الربّاني المعد سلفاً من أجل الارتقاء الروحي بالإنسان المسلم، وتأتي (الصلاة) في طليعة تلك الطاعات، فهي تربط الإنسان بربّه في أوقات متعاقبة ومنتظمة، فيستمدّ من خلالها شحنات روحيّة عالية، الأمر الذي يَنعكس - إيجابيّاً - على سلوكه وتعامله مع

٤٥

عائلته، لا سيّما وأنّ الصلاة تقوم بدور الرّدع للإنسان المسلم عن الفحشاء والمنكر، قال تعالى مخاطباً الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): ( ..وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ.. ) (العنكبوت:45) (1) .

ولذلك نجد أنّ الرسل والأنبياء، يأمرون أهلهم بالمحافظة على الصلاة، ومن أبرز الشواهد على ذلك ما حكاه القرآن عن سلوك إسماعيل (عليه السلام) السوّي، وكيف كان يأمر أهله بالطاعات، قال تعالى: ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إسْماعِيلَ إنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً * وَكَانَ يَأْمُرُ أهْلَهُ بِالصَّلأةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً ) (مريم:54-55) (2) .

كما نجد في القرآن خطاباً موجّهاً للرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم) بأنْ يأمر أهله بالصلاة ويصطبر عليها، والمُلفت للنظر هنا أنّ هذا الخطاب قد ورد بعد النهي عن النظر إلى نساء الآخرين، الأمر الذي يعني أنّ الطاعات وخاصّة الصلاة، تُحصّن الإنسان وأهله من المَفاسِد الاجتماعيّة.

تدبّر جيّداً في هذا المقطع القرآني الزاخر بالمعاني: ( وَلأ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأبْقَى * وَأْمُرْ أهْلَكَ بِالصَّلأةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لأ نَسْألُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ) (طه:131-132) (3) .

فمن الضرورة بمكان أنْ يَحثّ ويُشجع كلّ من الزوجين أحدهما الآخر على المحافظة على الصلاة التي تُقرّبهما إلى الله تعالى وتُبعّدهما عن الفحشاء والمنكر، خصوصاً وأنّ هذا الحثّ والتشجيع المُتبادل يَستتبع الثواب الجزيل، قال

____________________

1) سورة العنكبوت: 29 | 45.

2) سورة مريم: 19 | 54 - 55.

3) سورة طه: 20 | 131 - 132.

٤٦

النبي (صلّى الله عليه واله وسلّم): (رحِم اللهُ رجلاً قام من الليل فصلّى وأيقظ امرأته فصلّت، فإنْ أبت نضح في وجهِها الماء، رحِم الله امرأةً قامَت من الليل فصلّت وأيقظت زوجها، فإنْ أبى نَضَحَت في وجهِه الماء) (1) .

وفي هذا الإطار لابدّ من إلفات النظر إلى أنْ الإسلام قد ربط بين قبول الصلاة وكمالها، وبين العلاقة الزوجيّة وطبيعتها، ويكفي شاهداً على ذلك ما ورد في وصيّة النبي (صلّى الله عليه واله وسلّم) للإمام عليّ (عليه السلام): (.. يا علي ثمانية لا يُقبل منهم الصلاة.. والناشزة وزوجها عليها ساخط..) (2) .

من جانب آخر يُعتبر الصيام أحد الطاعات التي تفرز معطيات روحيّة واجتماعيّة أبرزها التقوى وابتلاء إخلاص الخُلق، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (البقرة:138) (3) .

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (فرض الله الإيمان تطهيراً من الشرك، والصلاة تنزيهاً عن الكبر، والزكاة تسبيباً للرزق، والصيام ابتلاءً لإخلاص الخُلق..) (4) .

ولاشكّ بأنّ الإخلاص للخالق يَستتبع إخلاصاً في التعامل مع المخلوقين وخاصّة مع الأهل أو الزوج.

ثمّ إنَّ الصيام يكتسب قبوله وكماله من الالتزام السلوكي العالي للفرد المسلم مع الآخرين، عن فاطمة الزهراء (عليها السلام) أنّها قالت: (ما يصنع الصائم بصيامه إذا

____________________

1) سنن أبي داود 2: 70 | 1450 باب الحث على قيام الليل. ط - دار الفكر.

2) مكارم الأخلاق | الطبرسي: 500.

3) سورة البقرة: 2 | 183.

4) نهج البلاغة، ضبط صبحي الصالح: 512 | حكم 252.

٤٧

لم يغضّ لسانه، وسمعه، وبصره، وجوارحه) (1) .

فهو يقوم بعمليّة ضبط واعية لجوارح الفرد ويردعه عن الإساءة للآخرين، كما يُساهم في خَلق حالة من السكينة والاطمئنان في نفسه، قال الإمام الباقر (عليه السلام): (والصيام والحجّ تسكين للقلوب) (2) .

ثانياً: مُمارسة المَندوبات:

وتأتي في المرحلة التالية بعد أداء الواجبات، فَتُساهم في رفع إيمان الزوجين إلى آفاق عالية، وتحيط حياتهما الزوجيّة بهالة من الروحانيّة، وقبل كلّ ذلك تُقرّبهما إلى الله زُلفى، قال الإمام الكاظم (عليه السلام): (صلاة النَّوافل قُربانٌ إلى الله لكلِّ مُؤمن) (3) .

ويأتي ذكر الله تعالى في طليعة المندوبات، إذ يعمل على زرع الطمأنينة في القلوب، وقَشعِ غيوم المخاوف التي تزخر بها الحياة، قال تعالى: ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ ألأ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) (الرعد:28) (4) .

ثمّ إنَّ ذكر الله لا تقتصر آثاره النافعة على الناحية الروحيّة، بل يشتمل الجوانب السلوكيّة أيضاً، فلا شكّ أنّها تنعكس على العائلة، وتُحقّق الحياة الطيّبة والسعيدة لأفرادها، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (مَن عَمّر قلبَه بدوام الذكر، حسنت أفعاله في السر والجهر) (5) ،

وقال أيضاً: (اذكروا الله ذكراً خالصاً،

____________________

1) دعائم الإسلام: 268، وبحار الأنوار 96: 295.

2) أمالي الطوسي 1: 302، وبحار الأنوار 78: 183.

3) تحف العقول: 403.

4) سورة الرعد: 13 | 28.

5) غرر الحكم ح 8872.

٤٨

تَحيوا به أفضل الحياة، وتَسلكوا بهِ طُرُق النجاة) (1) .

وما يُعزز ذلك، نجد أنّ بيوت الأنبياء وأهل البيت (عليهم السلام) خاصّة تُخيم عليها السعادة والسكينة والاحترام المُتبادل؛ وذلك نتيجة لمواظبتهم على الطاعات وكثرة ذكرهم لله سبحانه.

ذَكَر صاحب مَجمع البيان في معرض تفسيره لقوله تعالى: ( فِي بُيُوتٍ أذِنَ اللهُ أن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ) (2) .

أنّه سُئل النبيّ (صلّى الله عليه واله وسلّم) لما قرأ الآية، أيّ بيوتٍ هذه؟ فقال: (هي بيوت الأنبياء) فقام أبو بكر فقال: يا رسول الله، هذا البيت منها؟ يعني بيت عليّ وفاطمة (عليهما السلام) قال (نَعم، مِن أفضلِها). ويَعضِد هذا القول قوله تعالى: ( إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (3)

وقوله: ( رَحمةُ اللهِ وَبركاتُهُ عَليكُم أهلَ البيتِ ) (هود:73) (4) .

من جهة ثانية نَجد أنّ البيوت التي تبتعد عن جادّة الإيمان وطاعة الله تعالى وتُعرِض عن ذكره، تكون عُرضةً للمشاكل والمشاجرات بين الزوجين، ويَنفَرِط فيما بينها عَقد المحبّة والأُلفة، كما أخبر تعالى: ( ومَن أعرَضَ عن ذِكري فإنَّ لهُ معيشَةً ضنكاً.. ) (5) .

وينبغي الإشارة هنا إلى أنّ صلاة اللّيل هي من المندوبات التي تُساهم في

____________________

1) تحف العقول: 20 حكم ومواعظ أمير المؤمنين (عليه السلام).

2) سورة النور: 24 | 36.

3) سورة الأحزاب: 33 | 33.

4) مجمع البيان | الطبرسي 5: 50 - 51 | 19 منشورات مكتبة الحياة - بيروت.

5) سورة طه: 20 | 124.

٤٩

رَفع المؤشّر الروحي للزوجين، وتُدخِلَهما في عِداد الذاكرين؛ لذلك قال الرسول الأكرم (صلّى الله عليه واله وسلّم): (مَن استَيقَظ من الليل وأيقظ امرأته فصلّيا ركعتين جميعاً، كُتِبا مِن الذاكرين الله كثيراً والذاكرات) (1) .

أضف إلى ذلك أنّ الصوم المندوب يُطهّر القلب والصدر، من الوساوِس والشُكوك والنوايا السيّئة، التي قد تُعكّر صفو الحياة الزوجيّة، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (.. صوم ثلاثة أيّام من كلِّ شهر، أربعاء بين خميسين وصوم شعبان، يُذهب بِوَساوس الصدر وبَلابِل القَلب) (2) .

ثالثاً: اجتناب المعاصي والآثام:

ذلك لأنّ المعاصي والذنوب تُسَبّب قساوة القلوب، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (ما جفّت الدموع إلاّ لقسوة القلوب، وما قست القلوب إلاّ لكثرة الذنوب) (3) .

ولاشكّ أنّ صاحب القلب القاسي يكون عديم الإحساس، وضعيف العاطفة تجاه العائلة، ويَتعامل معهم في منتهى القسوة، ثمّ إنّ الذنوب تجلِب البلاء وتُنقّص الرزق،

قال الإمام عليّ (عليه السلام) محذّراً: (.. توقّوا الذنوب، فما مِن بليّةٍ ولا نقصِ رزقٍ، إلاّ بذنب حتّى الخَدش والكبوة والمُصيبة) (4) .

وهناك صنف من الذنوب تَنعكس آثارها السلبيّة مباشرة على الأُسرة

____________________

1) سنن أبي داود 2: 70 | 1451 باب الحث على صلاة الليل.

2) الخصال، للصدوق 2: 612 | 400 منشورات جماعة المدرسين - قم طبع 1403 هـ.

3) علل الشرائع، للصدوق: 81 | 74 باب علم جفاف الدموع وقسوة القلوب.

4) الخصال، للصدوق 2: 616 | 400.

٥٠

كشِرب الخَمر والزنا وقَطيعة الرحِم وعُقوق الوالدين، وقد جاءت الإشارة إلى الآثار الضارة لكلٍّ منها في الذكر الحكيم والحديث الشريف، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (الذنوب التي تغير النِّعم، البَغي... والتي تَهتِك السِّتر شرب الخمر، والتي تَحبِس الرزق الزنا، والتي تُعجِّل الفناء قطيعة الرحِم، والتي تردُّ الدعاء وتُظلم الهواء عقوق الوالدين) (1) .

المبحث الثاني:

عناية الإسلام بالجانب التربوي والأخلاقي بين الزوجين

أولاً: جانب التربية:

لقد أولى الإسلام عنايتَهُ الفائقة لجانب التربية في الأُسرة، ويتّضح لنا ذلك من خلال جُملة من التعاليم التربويّة العالية، التي طلَب من الزوجين مراعاتها والعمل بها، وسوف نُشير هنا إلى أبرزها:

أ - الحبّ المتبادل:

الحبُّ المُتبادل يشكّلُ سوراً عاطفيّاً يُحيط بأفراد الأُسرة، ويشيع أجواء الأُلفة والودّ فيما بينهم، وقد أبرزت الدراسات الاجتماعيّة الحديثة أهميّة الحبُّ المُتبادل بين الزوجين، وأطلقت عليه مُصطلح (الوظيفة العاطفيّة).

ولقد سَبق الإسلام الدراسات الاجتماعيّة الحديثة، فأكّد على أهميّة الحبّ المتبادل بين أفراد العائلة، وحدّد العوامل التي تُورث المحبّة وتُساعد على

____________________

1) أُصول الكافي 2: 447 - 448 | 1 باب تفسير الذنوب من كتاب الإيمان والكفر.

٥١

استمرارها كالإحسان والخُلق الحسن والبِشر وطلاقة الوجه.

قال رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم): (جُبلت القلوب على حُبِّ من أحسن إليها، وبُغضِ مَن أساء إليها) (1) ، وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (حُسن الخُلق مَجلَبة للمودّة) (2) ، وقال الإمام الباقر (عليه السلام): (البشر الحسن وطلاقةُ الوجه، مكسبةٌ للمَحبّة، وقُربةٌ إلى الله، وعبوس الوجه وسوءُ البشر، مكسبة للمَقت وبُعد مِن الله) (3) .

وثمّة عوامل رئيسة دينيّة وخُلقيّة وحتّى اقتصاديّة، تُورث المَحبّة، حصرها الإمام الصادق (عليه السلام) بثلاثة خصال، فقال: (ثلاثةٌ تورثُ المحبَّة: الدِّينُ، والتواضع، والبذل) (4) .

ب - المُعاشرة بالمعروف:

لقد حثّت تعاليم الإسلام الزوجين على حُسن المُعاشرة فيما بينهما؛ وذلك لأنّها ركيزة أساسيّة لدوام المحبّة والأُلفة، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (بحسن العشرة تدوم المودّة) (5) ،

وقال أيضاً: (بِحُسن العِشرة تَدوم الوَصلة) (6) .

وفي هذا السياق نجد توصيات خاصّة للزوج بصفتِه قيّماً على الزوجة قد ملّكه الله تعالى عِصمتها، وجعلها تحت قيُّمومّته تحثّه على العِشرة الحسنة معها، قال تعالى: ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمعرُوفِ ) (7) ، وقد ورد في توصيات الإمام

____________________

1) تحف العقول: 37 من مواعظ النبي (صلّى الله عليه واله وسلّم).

2) تحف العقول: 356.

3) تحف العقول: 296.

4) تحف العقول: 316.

5) غرر الحكم ح 4200 و 4270.

6) غرر الحكم ح 4200 و 4270.

7) سورة النساء: 4 | 19.

٥٢

عليّ (عليه السلام) التربويّة لابنه الإمام الحسن (عليه السلام): (.. ولا يَكُن أهلك أشقى الخَلق بك..) (1) ، والإمام الصادق (عليه السلام) أبعد من ذلك في تأكيده على الزوج بضرورة العشرة الحسنة مع زوجته، والتطبّع بها وإنْ لم تكن له طبعاً، الأمر الذي يَكشِف لنا عن أهميّتها التربويّة العالية، قال (عليه السلام): (إنَّ المرء يحتاج في منزله وعياله إلى ثلاث خلال يتكلفها، وإنْ لم تَكُن في طَبعه ذلك: مُعاشرةٌ جميلة، وسعة بتقدير، وغيرة بتحصّن) (2) .

ونجد بالمقابل أنّ السُنّة المطهّرة تحثُّ النساء على حسن العشرة مع الرجال، وتعتبر ذلك بمثابة الجهاد لهنَّ، قال الرسول الأكرم (صلّى الله عليه واله وسلّم): (جهادُ المرأة حُسن التبعّل لزوجها) (3) .

ثمّ إنّ مِن دواعي العِشرة الحسنة، التسامُح والتساهُل بين الزوجين، وخاصّة في الأُمور العاديّة، التي قد تصدر بصورة عفويّة، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (مَن لم يَتَغافل ولا يغضّ عن كثير من الأُمور تَنَغّصت عيشته) (4) .

جـ - الشعور بالمسؤوليّة:

لقد أكّد القرآن على مسؤوليّة الإنسان بصورة عامّة، فقال: ( وقفُوهُم إنَّهُم مسؤُولونَ ) (5) . كما أكّدت السيرة النبويّة على شُمول هذه المسؤوليّة للرجل والمرأة معاً في محيطهما العائلي، قال الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (ألا كلّكم راعٍ وكلّكم

____________________

1) نهج البلاغة، ضبط صبحي الصالح: 403 كتاب 31.

2) تحف العقول: 322 من حديث الإمام الصادق (عليه السلام) المعروف بـ (نثر الدرر).

3) تحف العقول: 322.

4) تحف العقول: 60 من مواعظ النبي (صلّى الله عليه واله وسلّم). 5) سورة الصافات: 37 | 24.

٥٣

مسؤول عن رعيّته، فالأمير الذي على النّاس راعٍ وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعيةٌ على بيتِ بعلها وولده وهي مسؤولةٌ عنهم) (1) .

مِن كلِّ ذلك يظهر لنا بأنّ الإسلام يحثُّ الزوجين على الشعور بالمسؤوليّة الإنسانيّة بصفة عامّة وعلى المسؤوليّة الأُسرية بصفة خاصّة.

د - الإنصاف والعدل:

الإنصاف من العوامل التربويّة التي تديم المحبّة وتُوجب الأُلفة بين الزوجين، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (الإنصاف يستديم المحبّة) (2) ،

ويقول أيضاً: (الإنصاف يَرفع الخلاف ويُوجب الائتلاف) (3) ،

ومَن يُطالع كتابه (عليه السلام) الذي أرسله إلى الأشتر لمّا بعثه إلى مصر، يجد أنّه يُشير فيه صراحةً إلى أنّ عدم الإنصاف يُؤدّي إلى الظلم: (... أنصف الله وأنصف الناس من نفسك، ومِن خاصّة أهلك، ومَن لك فيه هوى من رعيّتك، فإنّك إلاّ تفعل تَظلم..) (4) .

وهناك دعوةً مُلحّة للعدل بين النساء، لمَن يتزّوج بأكثر من امرأة، وتحذير مِن مغبّة الظلم لهما أو لإحداهما، ورد ذلك في آخر خطبة للرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم) التي تضمّنت تعاليم تربويّة عديدة منها - في ما يتّصل بهذه الفقرة - قوله: (.. ومَن كانت لهُ امرأتان، فلم يعدل بينهما في القسم من نفسه، وماله، جاء يوم القيامة

____________________

1) تنبيه الخواطر 1: 6.

2) غرر الحكم ح 1076.

3) غرر الحكم ح 1702.

4) تحف العقول: 127.

٥٤

مغلولاً مائلاً شقه، حتّى يَدخل النار) (1) .

هـ - تقسيم العمل وبيان الأدوار:

وهُما من الأساليب الناجحة في إدارة أُمور الأُسرة، فالرجل عليه العمل والكسب خارج البيت لتوفير سُبل العيش الكريم للعائلة، والمرأة تضطلع بمهمّة إدارة المنزل ورعاية الأطفال.

وتروي لنا مصادرنا التراثيّة حالة التعاون وتقسيم العمل الرائعة بين فاطمة الزهراء والإمام عليّ (عليهما السلام)، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (كان أمير المؤمنين يحطب ويستقي ويَكنس، وكانت فاطمة تَطحَن وتَعجِن وتَخبز) (2) .

لقد قامت فاطمة عليها السلام بأداء واجباتها المنزليّة خير قيام، وخير شاهد على ذلك ما أفاده زوجها أمير المؤمنين (عليه السلام) بحقّها عندما قال لرجل من بني سعد:

(ألا أحدّثك عنّي وعن فاطمة، إنّها كانت عندي، وكانت من أحبّ أهلهِ إليه - أي للرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم) - وإنّها استَقَت بالقِربة حتّى أثّرت في صدرِها، وطَحنت بالرحى حتّى مَجِلت يداها، وكَسَحت البيت حتّى اغبَرّت ثيابها، وأوقَدَت النار تحت القِدر حتّى دكِنت ثيابها، فأصابها من ذلك ضِمارٌ شديد) (3) .

ثمّ إنَّ الإسلام لا يُحرّم العمل على المرأة، كما يزعم بعض الناس، بل يُفضّل أنْ تعمل المرأة في بيتها صيانةً لها، والإسلام يُشجّع المرأة أنْ تُزاول الأعمال المنزليّة؛ لكي تُساهم في دعم اقتصاد العائلة وتخفّف العبء عن كاهل الزوج عند الضرورة،

يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (مُروا نِساءكم بالغَزْل، فإنّه خيرٌ لهنَّ

____________________

1) عقاب الأعمال، للصدوق: 333 | 1 باب يجمع عقوبات الأعمال.

2) تنبيه الخواطر 2: 79.

3) علل الشرائع، للصدوق: 366 باب 88 علّة تسبيح فاطمة (عليها السلام).

٥٥

وأزين)، ويقول أيضاً: (المِغْزَل في يد المرأة الصالحة، كالرمح في يَد الغازي المُريد وجه الله) (1) .

د - عدم إلحاق الضرر:

فقد ورد في الحديث تحذير شديد للزوجين من العواقب المُترتّبة على إلحاق الضرر من قبل أحدهما بالآخر، قال الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (مَن كان لهُ امرأة تُؤذيه، لم يَقبل الله صلاتَها ولا حسنةً من عمَلها، حتّى تُعينه وتُرضيه، وإن صامت الدهر.. وعلى الرجل مثل ذلك الوزر إذا كان لها مُؤذياً ظالماً) (2) .

ومن الخطابات المُوجّهة للزوجة خاصّة، قول الإمام الصادق (عليه السلام): (ملعونةٌ ملعونة، امرأة تُؤذي زوجها وتَغمّه، وسعيدةٌ سعيدة، امرأة تُكرِم زوجَها ولا تُؤذيه، وتطيعه في جميع أحواله) (3) .

ومن الخطابات المُوجّهة للزوج في هذا الصدد قول الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (ومن أضرَّ بإمرأة حتّى تَفتدي منه نفسها، لم يرضَ الله تعالى له بعقوبة دون النار؛ لأنَّ الله تعالى يغضب للمرأة كما يغضَب لليتيم) (4) .

والمُلاحظ أنّ السيرة النبويّة في الوقت الذي تُوصي فيه الرجال بالرِّفق، وعدم إلحاق الضرر بالنساء، كما قال الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (أوصيكم بالضعيفين: النساء وما مَلَكت أيمانكم) (5) ، كذلك تُوصي النساء بالرفق بالأزواج وعدم

____________________

1) مكارم الأخلاق: 238.

2) وسائل الشيعة 14: 116 | 1 باب 82.

3) بحار الأنوار 103: 253 عن كنز الفوائد للكراجكي: 63.

4) عقاب الأعمال، للصدوق: 334 باب يجمع عقوبات الأعمال.

5) تحف العقول: 120 من وصايا الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم).

٥٦

تَكليفهم فوقَ طاقتهم وبما يَشقُّ عليهم، بدليل قول الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (.. ألا وأيّما امرأة لم تَرفِق بزوجها، وحملته على ما لا يَقدر عليه، وما لا يَطيق، لم يَقبل الله منها حسنة، وتلقى الله وهو عليها غضبان) (1) .

ز - الخدمة المُتبادلة:

فمِن المُؤكّد أنّ الإسلام يدعو المسلمين إلى إسداء الخدمة ومدّ يد العون لبعضهم البعض، فعَن أبي المُعتمر قال: سمعتُ أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: قال رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم): (أيّما مسلم خَدَم قوماً من المسلمين، إلاّ أعطاه الله مثلَ عددهم خُدَّاماً في الجنّة) (2) .

وإلى جانب هذا التوجّه العام، فإنّه يدعو الزوجين إلى خِدمة بعضهما البعض بما يَعود بالنفع عليهما، وعلى عُموم أفراد العائلة، ويُرتّب على هذه الخدمة مهما كانت بسيطة الثواب العظيم، فَعَن ورّام بن أبي فراس قال:

قال رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم):

(أيّما امرأة خدمت زوجها سبعة أيّام، أغلق الله عنها سَبعة أبواب النّار، وفتح لها ثمانية أبواب الجنّة تدخل من أيّها شاءت).

وقال (صلّى الله عليه واله وسلّم): (ما مِن امرأة تَسقي زوجها شُربة مِن ماء إلاّ كان خيراً لها من عبادة سنة..) (3) .

وتعتبر فاطمة الزهراء (عليها السلام) القدوة الحسنة في التوفّر على خدمة الزوج وأداء حقوقه، فعلى الرغم من الظروف الاقتصاديّة الصعبة التي مرَّ بها الإمام عليّ (عليه السلام)

____________________

1) تنبيه الخواطر 2: 262.

2) أُصول الكافي 2، 207 | 1 باب في خدمة المؤمن من كتاب الإيمان والكفر.

3) وسائل الشيعة 14: 123 | 2 باب استحباب خدمة الزوجة لزوجها من كتاب النكاح.

٥٧

فإنّ فاطمة (عليها السلام) وقفت إلى جانبه، ولم تُكلّفه فوق طاقته، وكانت تخدمه بإخلاص، وقد شَهِد بحقّها واعترف بخدمتها، فقال (عليه السلام): (لقد تزوّجْت فاطمة ومالي ولها فراش غير جِلد كبش، كنّا ننام عليه باللّيل، ونعلف عليه النّاقة بالنهار، ومالي خادِم غيرها) (1) .

هذا فضلاً عن أنّ تعاليم الإسلام تحثُّ الرجل على خدمة امرأته وعياله، قال الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (إذا سقى الرجل امرأته أُجر) (2) ، وقال (صلّى الله عليه واله وسلّم): (إنَّ الرجل ليؤجر في رفع اللقمة إلى في امرأته) (3) ، وقال (صلّى الله عليه واله وسلّم): (.. لا يَخدِم العيال إلاّ صِدّيق أو شهيد أو رجلٌ يُريد الله بهِ خير الدنيا والآخرة) (4) .

ح - الرّضا والموافقة:

فقد ورَدَت روايات عديدة تَحثُّ الزوجين على كسب رضا أحدهما للآخر، والحصول على موافقته، وفي هذا الصدد يقدّم الإمام الصادق (عليه السلام) توصياته التربويّة القيّمة لكلٍّ من الزوجين والتي تتضمّن الإشارة إلى الأساليب التي يجب أنْ يتّبعها كلّ واحد منهما لكسب رضا وموافقة شريكه، قال (عليه السلام): (لا غِنى بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته، وهي: الموافقة ليجلِب بها موافَقَتها ومحبّتها وهواها، وحُسن خُلقِه معها، واستعماله استمالَة قلبها بالهَيئة الحسنة في عينها وتوسعته عليها. ولا غِنى بالزوجة فيما بينها وبين زوجها المُوافق لها عن ثلاث خصال، وهنَّ: صيانَة نفسَها عن كُلِّ دنسٍ حتّى

____________________

1) تنبيه الخواطر 2: 12.

2) كنز العمال 16: 275 | 44435.

3) المحجّة البيضاء 3: 70 كتاب آداب النكاح، الفائدة الخامسة.

4) بحار الأنوار 104: 132 باب فضل خدمة العيال، عن جامع الأخبار: 102.

٥٨

يَطمَئن قلبَه إلى الثقة بها في حال المَحبوب والمكروه، وحياطته ليكون ذلك عاطفاً عليها عن زلَّة تكون منها، وإظهار العشق له بالخلابة، والهيئة الحسنة لها في عينه) (1) .

والملاحظ أنّ الروايات تُؤكّد على ضرورة إرضاء المرأة لزوجها، وعدم إثارة سَخَطِه، قال الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (ويلٌ لامرأةٍ أغضبَت زوجها، وطُوبى لامرأةٍ رضِيَ عنها زوجُها) (2) .

ط - الاهتمام بالهيئة:

وهُما من العوامل التي تُساهم في تَوثيق الروابط الزوجيّة وتُساعد على استمرارها.

فقد ورد في توصيات أمير المؤمنين (عليه السلام): (لتَتَطيّب المرأةُ لزوجِها) (3) ، ورَوى محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام): (لا يَنبغي للمرأة أنْ تُعطّل نفسها، ولو أنْ تُعلّق في عُنقها قلادة) (4) .

وهنا لابدّ مِن التنويه على أنّ زينة المرأة المتزوّجة لابدّ أنْ تقتصر على زوجها، فَعَن الإمام أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم): أيّ امرأة تَتَطَيّب ثمَّ خرجت مِن بيتها، فهي تُلعن حتّى تَرجِع إلى بيتها متى رجَعَت) (5) .

____________________

1) تحف العقول: 323 حديث الإمام الصادق (عليه السلام) المعروف بـ (نثر الدرر). والخلابة: الملاطفة باللسان.

2) بحار الأنوار 103: 246 عن جامع الأخبار: 158.

3) تحف العقول: 111 من وصايا أمير المؤمنين (عليه السلام).

4) مكارم الأخلاق: 98.

5) ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، للصدوق: 308 باب عقاب المرأة تتطيّب لغير زوجها.

٥٩

من جانب آخر يَتوجّب على الزوج أنْ يهتم بنظافته ومظهره حتّى يَحوز على رضا الزوجة ويُدخل البهجة إلى نفسها، خُصوصاً وأنّ انحراف الزوجة قد تقع تَبِعاته على الزوج، نتيجة لعدم اهتمامه بنظافته ومظهره، وقد أورد لنا الإمام الرضا (عليه السلام) سابقة تاريخيّة في هذا الخصوص، عندما قال:

(أخبرني أبي، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام): أنّ نساء بَنِي إسرائيل خَرجْن من العفاف إلى الفجور، ما أخرجهن إلاّ قلّة تهيئة أزواجهن، وقل: إنّها تشتهي منكَ مثل الذي تَشتهي منها) (1) .

وكان رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم) يَتهيّأ لنسائهِ ويَهتمّ بمظهره ويَتطيّب: (وكان يُعرف بالرّيح الطيّب إذا أقبل) (2) ، وسَلك أهل البيت (عليهم السلام) ذات المَسلَك النبويّ، فكانوا يهتمّون بمظهرهِم ويتهيّؤن لنسائهِم، عن الحسن بن الجهم، قال: رأيت أبا الحسن (عليه السلام) اختضب، فقلت: جُعلت فِداك اختضبت؟ فقال: (نعم، إنَّ التهيئة مِمّا يزيد في عفّة النساء، ولقد ترك النساء العفّة بترك أزواجهنَّ التهيئة).

ثمّ قال: (أيَسرّك أنْ تَراها على ما تراكَ عليه، إذا كُنت على غير تهيئة؟ قلتُ: لا، قال: فهو ذاك..) (3) .

ثانياً: جانب الأخلاق:

تشكّل الأخلاق حجر الزاوية في إدامة التماسك والألفة بين أفراد الأُسرة

____________________

1) مكارم الأخلاق: 81.

2) مكارم الأخلاق: 23.

3) وسائل الشيعة 14: 183 | 1 باب 141 استحباب التنظيف والزينة.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113