الأسرة في المجتمع الإسلامي

الأسرة في المجتمع الإسلامي33%

الأسرة في المجتمع الإسلامي مؤلف:
تصنيف: الأسرة والطفل
الصفحات: 113

الأسرة في المجتمع الإسلامي
  • البداية
  • السابق
  • 113 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 79571 / تحميل: 7036
الحجم الحجم الحجم
الأسرة في المجتمع الإسلامي

الأسرة في المجتمع الإسلامي

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

إنَّ الغلو في المهور يشكّل عقبة اقتصاديّة تحول دون الإقدام على الزواج، وعليه يُمارس الإسلام حواراً إقناعيّاً مع النساء وأولياء أمورهنّ ويُرَّغبهم في تيسير المهر، قال الرسول الأكرم (صلّى الله عليه واله وسلّم): (إنَّ من يُمن المرأة تَيسير خطبتها، وتَيسير صداقها..) (١)

وقال أيضاً: (أفضل نساء أُمّتي أحسنهنَّ وجهاً، وأقلّهنَّ مهراً) (٢) .

وفي مقابل أُسلوب الترغيب اتّبع الإسلام مع المتشدّدين في المهور أُسلوب التوبيخ والتنفير، وفي هذا الصدد يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (الشؤم في ثلاثة أشياء: في الدابّة، والمرأة، والدار. فأمّا المرأة فشؤمها غلاء مهرها...).

وفي حديث آخر يَجمَع بين الأُسلوبين، فيقول: (من بركة المرأة قلّة مؤونتها، وتيسير ولادتها، ومن شؤمها شدّة مؤونتها، وتعسير ولادتها) (٣) .

ويذهب الإسلام أبعد من ذلك، فهو يعد المرأة التي تَتَصدّق بصداقها على زوجها بالثواب الجزيل وينظر إليها بعين الإكبار والإجلال، فعن الإمام الصادق (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام) قال: (قال رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم) ما من امرأة تصدّقت على زوجها بمهرها قبل أنْ يدخل بها، إلاّ كَتَب الله لها بكلِّ دينار عتق رقبة) (٤) .

جدير ذكره أنّ الإسلام قد حذّر من المعطيات السلبيّة النفسيّة فضلاً عن الاقتصاديّة التي تَتَرتّب على المُغالاة في المهور، ولعلّ من أبرزها العداوة

____________________

١) كنز العمّال ١٦: ٣٢٢ | ٤٤٧٢١.

٢) مكارم الأخلاق: ١٩٨.

٣) مكارم الأخلاق: ١٩٨.

٤) المصدر السابق: ٢٣٧.

٤١

والضغينة التي قد تجد متنفّساً لها في إثارة المَشاكل لأهل المرأة من طرف الزوج الذي يحسّ بالإجحاف والتعسّف، فيُبيّت نيّة السوء لإلحاق الأذى بالمرأة وأهلها فيما بعد، ومن أجل ذلك قال الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (تياسروا في الصداق، فإنّ الرّجل لَيُعطي المرأة حتّى يبقى ذلك في نفسه عليها حسيكة) (١) .

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (لا تُغالوا في مُهور النساء فتكون عداوة) (٢) .

وهنا يبدو من الضرورة بمكان الإشارة إلى أنّ الإسلام يحثُّ على عدم تجاوز السُنّة المحدّدة للصداق، وهي خمسمائة درهم، يقول السيّد محسن العاملي: (إنَّ الروايات مختلفة في قدر مهر الزهراء (عليها السلام) والصواب أنَّه كان خمسمائة درهم، اثنتي عشرة أوقية ونصفاً، والأوقية أربعون درهماً؛ لأنّه مهر السُنّة كما ثبت من طريق أهل البيت (عليهم السلام)) (٣) .

والظاهر أنّ نبيّ الإسلام (صلّى الله عليه واله وسلّم) أراد من تحديده لمهر الزهراء (عليها السلام) بهذا المقدار، أنّ يضع حدّاً مثاليّاً يُمثّل الحلّ النسبي والوسط الذي ينسجم مع العقل والمنطق لقضيّة الصداق، خصوصاً إذا ما علِمنا بأنّ اليد الغيبيّة كانت من وراء تحديد مهر الزهراء (عليها السلام)، فعن جابر الأنصاري قال: لما زوّج رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم) فاطمة (عليها السلام) من علي (عليه السلام) أتاه أُناس من قريش فقالوا: إنّك زوَّجت عليّاً بمهرٍ خسيس، فقال: (ما أنا زوّجت عليّاً، ولكنّ الله زوّجه) (٤) .

وبنظرةٍ فاحصة نجد أنّ الإسلام عالج هذه القضيّة بمنتهى المُرونة إذ إنّه لم يجعل

____________________

١) كنز العمّال ١٦: ٣٢٤ | ٤٤٧٣١.

٢) مكارم الأخلاق: ٢٣٧.

٣) في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) ١: ١٦٢ - ١٦٣ دار التعارف ط ١٤٠٠ هـ.

٤) مكارم الأخلاق: ٢٠٨.

٤٢

مهر السُنّة الذي هو مهر الزهراء (عليها السلام) واجباً على الجميع، بل جعله حدّاً لا يجوز تعدّيه وتجاوزه من قِبل ذَوِي الثراء والأغنياء، بشكل يجعل الزواج مُتعسّراً، سيّما على الفقراء وذَوي الدخل المحدود الذين فَتَح لهم الإسلام الباب على مصراعيه في الحثّ على تزويجهم ولو بتعليم سورة من القرآن.

خامساً: مراسيم الزّواج:

نظراً لأهميّة وقدسيّة الزوّاج فقد وضعت له مراسيم خاصّة تنسجم مع مبادئ الإسلام ورؤيته السليمة، وتمتاز بالبساطة والابتعاد عن مظاهر الإسراف والتكلّف، ولا تخرج عن قواعد وحدود الشرع.

وتبدأ هذه المراسيم العبادّيّة - الاجتماعيّة مُنذ أنْ يقرّر الشاب الزواج بأنْ يُصلّي ركعتين ويدعو بعدهما بمأثور الدعاء، فقد رُوي أنَّ الإمام الباقر (عليه السلام) سأل أبا بصير، قائلاً له: (إذا تزوج أحدكم كيف يصنع؟ فقال: لا أدري،

فقال (عليه السلام): إذا همَّ بذلك فليصلِ ركعتين وليحمد الله عزَّ وجل وليقل: (اللهمَّ إني أُريد أنْ أتزوّج، اللهمَّ فقدّر لي من النساء أحسنهنَّ خَلقاً وخُلقاً، وأعفّهن فرجاً، وأحفظهنَّ لي في نفسِها ومالي، وأوسعهن رزقاً، وأعظمهنّ بركةً، واقضِ لي منها ولداً طيّباً، تجعله لي خَلَفاً صالحاً في حياتي وبعد موتي)) (١) .

بعد ذلك يَنتخِب الزوجة الصالحة، وفق المواصفات التي ذكرناها آنفاً وتبدأ مراسيم الخطبة قبل العقد وذلك بإحضار جماعة من أهل الفضل والمعرفة إلى أهل المرأة، ويُستحب أنْ يُلقي الخطيب أو مَن ينوب عنه خطبةً يَستهلّها بآيٍ مِن

____________________

١) مكارم الأخلاق: ٢٠٥.

٤٣

القرآن الكريم والحديث الشريف، ثُمّ يُفضى إلى ذِكر الغرض، وهو خطبة المرأة وذكر مواصفاتها الصالحة وإيمانها وما إلى ذلك، وفي السيرة النبويّة وتُراث الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) كثير من الخُطب المأثورة عنهم (عليهم السلام) في الزواج، منها خطبة الإمام الرضا (عليه السلام) لنفسه في زواجه من أمّ حبيبة، وخطبة ولده الإمام الجواد (عليه السلام) لنفسه في زواجه من أمّ الفضل، وغيرهما.

ويُستحب الإعلان عن العقد والإشهاد عليه، وإيقاعه ليلاً،

قال الإمام الصادق (عليه السلام): (زفّوا عرائسكم ليلاً، وأطعموا ضُحى) (١) .

ويُستحب الوليمة عند الزفاف يوماً أو يَومين، وأنْ يُدعى لها المؤمنون.

واتّضح من خلال هذه المراسيم أنّ السمة الغالبة عليها هي عباديّة فضلاً عن كونها اجتماعيّة، تُوجّه الزوجين للارتباط بالله تعالى واستمداد العون والتوفيق منه، ثُمّ يتخلّلها أداء الصلاة والأذكار وقراءة القرآن والإطعام الذي يُذكر فيه - عادة - الجيران ويشمل الفقراء والمساكين.

ثمّ تأتي مراسيم الزفاف، وممّا يدل على أهميّتها أنّه (لمّا كانت ليلة الزفاف - لفاطمة على الإمام عليّ (عليهما السلام) - أتى النبيّ (صلّى الله عليه واله وسلّم) ببغلته الشهباء، وثنى عليها قطيفة، وقال لفاطمة: (اركبي)، وأمَرَ سلمان رضي الله عنه أنْ يقودها، والنبيّ … (صلّى الله عليه واله وسلّم) يسوقها، وكبّر (صلّى الله عليه واله وسلّم) فوضع التكبير على العرائس من تلك الليلة) (٢) .

وهكذا تتمّ هذه المراسيم العالية في أجواء من الطُّهر والفضيلة، تَتَفجّر فيها ينابيع المشاعر والأحاسيس الخيّرة، وتنطلق فيها الدعوات المخلصة إلى الله تعالى؛ لكي يُبارك للعروسين حياتهما الجديدة.

____________________

١) مكارم الأخلاق: ٢٠٨.

٢) مكارم الأخلاق: ٢٠٨.

٤٤

الفصل الثاني

عناية الإسلام بالأُسرة عند نشأتها

المبحث الأول: عناية الإسلام بالجانب الروحي بين الزوجين

يضع الإسلام في طليعة اهتمامه مسألة توثيق العلاقة الروحيّة بين الزوجين قبل وبعد عقد قرانهما، حتّى يصمدا في وجه رياح المصاعب والمصائب التي يُمكن أنْ تعصف بِعُش الزوجيّة.

فليس خافياً بأنّ توثيق العلاقة مع الخالق تنعكس آثاره النافعة على المخلوق، والملاحظ أنّ الإسلام يتّبع خطّة ثلاثيّةِ الأركان من أجل الارتقاء الروحي بالزوجين، يُمكننا الإشارة إليها بالنقاط التالية:

أولاً: المواظبة على الطاعات:

الطاعة تَتَحقّق - واقعاً - من خلال تطبيق المنهج الربّاني المعد سلفاً من أجل الارتقاء الروحي بالإنسان المسلم، وتأتي (الصلاة) في طليعة تلك الطاعات، فهي تربط الإنسان بربّه في أوقات متعاقبة ومنتظمة، فيستمدّ من خلالها شحنات روحيّة عالية، الأمر الذي يَنعكس - إيجابيّاً - على سلوكه وتعامله مع

٤٥

عائلته، لا سيّما وأنّ الصلاة تقوم بدور الرّدع للإنسان المسلم عن الفحشاء والمنكر، قال تعالى مخاطباً الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): ( ..وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ.. ) (العنكبوت:٤٥) (١) .

ولذلك نجد أنّ الرسل والأنبياء، يأمرون أهلهم بالمحافظة على الصلاة، ومن أبرز الشواهد على ذلك ما حكاه القرآن عن سلوك إسماعيل (عليه السلام) السوّي، وكيف كان يأمر أهله بالطاعات، قال تعالى: ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إسْماعِيلَ إنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً * وَكَانَ يَأْمُرُ أهْلَهُ بِالصَّلأةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً ) (مريم:٥٤-٥٥) (٢) .

كما نجد في القرآن خطاباً موجّهاً للرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم) بأنْ يأمر أهله بالصلاة ويصطبر عليها، والمُلفت للنظر هنا أنّ هذا الخطاب قد ورد بعد النهي عن النظر إلى نساء الآخرين، الأمر الذي يعني أنّ الطاعات وخاصّة الصلاة، تُحصّن الإنسان وأهله من المَفاسِد الاجتماعيّة.

تدبّر جيّداً في هذا المقطع القرآني الزاخر بالمعاني: ( وَلأ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأبْقَى * وَأْمُرْ أهْلَكَ بِالصَّلأةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لأ نَسْألُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ) (طه:١٣١-١٣٢) (٣) .

فمن الضرورة بمكان أنْ يَحثّ ويُشجع كلّ من الزوجين أحدهما الآخر على المحافظة على الصلاة التي تُقرّبهما إلى الله تعالى وتُبعّدهما عن الفحشاء والمنكر، خصوصاً وأنّ هذا الحثّ والتشجيع المُتبادل يَستتبع الثواب الجزيل، قال

____________________

١) سورة العنكبوت: ٢٩ | ٤٥.

٢) سورة مريم: ١٩ | ٥٤ - ٥٥.

٣) سورة طه: ٢٠ | ١٣١ - ١٣٢.

٤٦

النبي (صلّى الله عليه واله وسلّم): (رحِم اللهُ رجلاً قام من الليل فصلّى وأيقظ امرأته فصلّت، فإنْ أبت نضح في وجهِها الماء، رحِم الله امرأةً قامَت من الليل فصلّت وأيقظت زوجها، فإنْ أبى نَضَحَت في وجهِه الماء) (١) .

وفي هذا الإطار لابدّ من إلفات النظر إلى أنْ الإسلام قد ربط بين قبول الصلاة وكمالها، وبين العلاقة الزوجيّة وطبيعتها، ويكفي شاهداً على ذلك ما ورد في وصيّة النبي (صلّى الله عليه واله وسلّم) للإمام عليّ (عليه السلام): (.. يا علي ثمانية لا يُقبل منهم الصلاة.. والناشزة وزوجها عليها ساخط..) (٢) .

من جانب آخر يُعتبر الصيام أحد الطاعات التي تفرز معطيات روحيّة واجتماعيّة أبرزها التقوى وابتلاء إخلاص الخُلق، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (البقرة:١٣٨) (٣) .

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (فرض الله الإيمان تطهيراً من الشرك، والصلاة تنزيهاً عن الكبر، والزكاة تسبيباً للرزق، والصيام ابتلاءً لإخلاص الخُلق..) (٤) .

ولاشكّ بأنّ الإخلاص للخالق يَستتبع إخلاصاً في التعامل مع المخلوقين وخاصّة مع الأهل أو الزوج.

ثمّ إنَّ الصيام يكتسب قبوله وكماله من الالتزام السلوكي العالي للفرد المسلم مع الآخرين، عن فاطمة الزهراء (عليها السلام) أنّها قالت: (ما يصنع الصائم بصيامه إذا

____________________

١) سنن أبي داود ٢: ٧٠ | ١٤٥٠ باب الحث على قيام الليل. ط - دار الفكر.

٢) مكارم الأخلاق | الطبرسي: ٥٠٠.

٣) سورة البقرة: ٢ | ١٨٣.

٤) نهج البلاغة، ضبط صبحي الصالح: ٥١٢ | حكم ٢٥٢.

٤٧

لم يغضّ لسانه، وسمعه، وبصره، وجوارحه) (١) .

فهو يقوم بعمليّة ضبط واعية لجوارح الفرد ويردعه عن الإساءة للآخرين، كما يُساهم في خَلق حالة من السكينة والاطمئنان في نفسه، قال الإمام الباقر (عليه السلام): (والصيام والحجّ تسكين للقلوب) (٢) .

ثانياً: مُمارسة المَندوبات:

وتأتي في المرحلة التالية بعد أداء الواجبات، فَتُساهم في رفع إيمان الزوجين إلى آفاق عالية، وتحيط حياتهما الزوجيّة بهالة من الروحانيّة، وقبل كلّ ذلك تُقرّبهما إلى الله زُلفى، قال الإمام الكاظم (عليه السلام): (صلاة النَّوافل قُربانٌ إلى الله لكلِّ مُؤمن) (٣) .

ويأتي ذكر الله تعالى في طليعة المندوبات، إذ يعمل على زرع الطمأنينة في القلوب، وقَشعِ غيوم المخاوف التي تزخر بها الحياة، قال تعالى: ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ ألأ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) (الرعد:٢٨) (٤) .

ثمّ إنَّ ذكر الله لا تقتصر آثاره النافعة على الناحية الروحيّة، بل يشتمل الجوانب السلوكيّة أيضاً، فلا شكّ أنّها تنعكس على العائلة، وتُحقّق الحياة الطيّبة والسعيدة لأفرادها، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (مَن عَمّر قلبَه بدوام الذكر، حسنت أفعاله في السر والجهر) (٥) ،

وقال أيضاً: (اذكروا الله ذكراً خالصاً،

____________________

١) دعائم الإسلام: ٢٦٨، وبحار الأنوار ٩٦: ٢٩٥.

٢) أمالي الطوسي ١: ٣٠٢، وبحار الأنوار ٧٨: ١٨٣.

٣) تحف العقول: ٤٠٣.

٤) سورة الرعد: ١٣ | ٢٨.

٥) غرر الحكم ح ٨٨٧٢.

٤٨

تَحيوا به أفضل الحياة، وتَسلكوا بهِ طُرُق النجاة) (١) .

وما يُعزز ذلك، نجد أنّ بيوت الأنبياء وأهل البيت (عليهم السلام) خاصّة تُخيم عليها السعادة والسكينة والاحترام المُتبادل؛ وذلك نتيجة لمواظبتهم على الطاعات وكثرة ذكرهم لله سبحانه.

ذَكَر صاحب مَجمع البيان في معرض تفسيره لقوله تعالى: ( فِي بُيُوتٍ أذِنَ اللهُ أن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ) (٢) .

أنّه سُئل النبيّ (صلّى الله عليه واله وسلّم) لما قرأ الآية، أيّ بيوتٍ هذه؟ فقال: (هي بيوت الأنبياء) فقام أبو بكر فقال: يا رسول الله، هذا البيت منها؟ يعني بيت عليّ وفاطمة (عليهما السلام) قال (نَعم، مِن أفضلِها). ويَعضِد هذا القول قوله تعالى: ( إنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٣)

وقوله: ( رَحمةُ اللهِ وَبركاتُهُ عَليكُم أهلَ البيتِ ) (هود:٧٣) (٤) .

من جهة ثانية نَجد أنّ البيوت التي تبتعد عن جادّة الإيمان وطاعة الله تعالى وتُعرِض عن ذكره، تكون عُرضةً للمشاكل والمشاجرات بين الزوجين، ويَنفَرِط فيما بينها عَقد المحبّة والأُلفة، كما أخبر تعالى: ( ومَن أعرَضَ عن ذِكري فإنَّ لهُ معيشَةً ضنكاً.. ) (٥) .

وينبغي الإشارة هنا إلى أنّ صلاة اللّيل هي من المندوبات التي تُساهم في

____________________

١) تحف العقول: ٢٠ حكم ومواعظ أمير المؤمنين (عليه السلام).

٢) سورة النور: ٢٤ | ٣٦.

٣) سورة الأحزاب: ٣٣ | ٣٣.

٤) مجمع البيان | الطبرسي ٥: ٥٠ - ٥١ | ١٩ منشورات مكتبة الحياة - بيروت.

٥) سورة طه: ٢٠ | ١٢٤.

٤٩

رَفع المؤشّر الروحي للزوجين، وتُدخِلَهما في عِداد الذاكرين؛ لذلك قال الرسول الأكرم (صلّى الله عليه واله وسلّم): (مَن استَيقَظ من الليل وأيقظ امرأته فصلّيا ركعتين جميعاً، كُتِبا مِن الذاكرين الله كثيراً والذاكرات) (١) .

أضف إلى ذلك أنّ الصوم المندوب يُطهّر القلب والصدر، من الوساوِس والشُكوك والنوايا السيّئة، التي قد تُعكّر صفو الحياة الزوجيّة، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (.. صوم ثلاثة أيّام من كلِّ شهر، أربعاء بين خميسين وصوم شعبان، يُذهب بِوَساوس الصدر وبَلابِل القَلب) (٢) .

ثالثاً: اجتناب المعاصي والآثام:

ذلك لأنّ المعاصي والذنوب تُسَبّب قساوة القلوب، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (ما جفّت الدموع إلاّ لقسوة القلوب، وما قست القلوب إلاّ لكثرة الذنوب) (٣) .

ولاشكّ أنّ صاحب القلب القاسي يكون عديم الإحساس، وضعيف العاطفة تجاه العائلة، ويَتعامل معهم في منتهى القسوة، ثمّ إنّ الذنوب تجلِب البلاء وتُنقّص الرزق،

قال الإمام عليّ (عليه السلام) محذّراً: (.. توقّوا الذنوب، فما مِن بليّةٍ ولا نقصِ رزقٍ، إلاّ بذنب حتّى الخَدش والكبوة والمُصيبة) (٤) .

وهناك صنف من الذنوب تَنعكس آثارها السلبيّة مباشرة على الأُسرة

____________________

١) سنن أبي داود ٢: ٧٠ | ١٤٥١ باب الحث على صلاة الليل.

٢) الخصال، للصدوق ٢: ٦١٢ | ٤٠٠ منشورات جماعة المدرسين - قم طبع ١٤٠٣ هـ.

٣) علل الشرائع، للصدوق: ٨١ | ٧٤ باب علم جفاف الدموع وقسوة القلوب.

٤) الخصال، للصدوق ٢: ٦١٦ | ٤٠٠.

٥٠

كشِرب الخَمر والزنا وقَطيعة الرحِم وعُقوق الوالدين، وقد جاءت الإشارة إلى الآثار الضارة لكلٍّ منها في الذكر الحكيم والحديث الشريف، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (الذنوب التي تغير النِّعم، البَغي... والتي تَهتِك السِّتر شرب الخمر، والتي تَحبِس الرزق الزنا، والتي تُعجِّل الفناء قطيعة الرحِم، والتي تردُّ الدعاء وتُظلم الهواء عقوق الوالدين) (١) .

المبحث الثاني:

عناية الإسلام بالجانب التربوي والأخلاقي بين الزوجين

أولاً: جانب التربية:

لقد أولى الإسلام عنايتَهُ الفائقة لجانب التربية في الأُسرة، ويتّضح لنا ذلك من خلال جُملة من التعاليم التربويّة العالية، التي طلَب من الزوجين مراعاتها والعمل بها، وسوف نُشير هنا إلى أبرزها:

أ - الحبّ المتبادل:

الحبُّ المُتبادل يشكّلُ سوراً عاطفيّاً يُحيط بأفراد الأُسرة، ويشيع أجواء الأُلفة والودّ فيما بينهم، وقد أبرزت الدراسات الاجتماعيّة الحديثة أهميّة الحبُّ المُتبادل بين الزوجين، وأطلقت عليه مُصطلح (الوظيفة العاطفيّة).

ولقد سَبق الإسلام الدراسات الاجتماعيّة الحديثة، فأكّد على أهميّة الحبّ المتبادل بين أفراد العائلة، وحدّد العوامل التي تُورث المحبّة وتُساعد على

____________________

١) أُصول الكافي ٢: ٤٤٧ - ٤٤٨ | ١ باب تفسير الذنوب من كتاب الإيمان والكفر.

٥١

استمرارها كالإحسان والخُلق الحسن والبِشر وطلاقة الوجه.

قال رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم): (جُبلت القلوب على حُبِّ من أحسن إليها، وبُغضِ مَن أساء إليها) (١) ، وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (حُسن الخُلق مَجلَبة للمودّة) (٢) ، وقال الإمام الباقر (عليه السلام): (البشر الحسن وطلاقةُ الوجه، مكسبةٌ للمَحبّة، وقُربةٌ إلى الله، وعبوس الوجه وسوءُ البشر، مكسبة للمَقت وبُعد مِن الله) (٣) .

وثمّة عوامل رئيسة دينيّة وخُلقيّة وحتّى اقتصاديّة، تُورث المَحبّة، حصرها الإمام الصادق (عليه السلام) بثلاثة خصال، فقال: (ثلاثةٌ تورثُ المحبَّة: الدِّينُ، والتواضع، والبذل) (٤) .

ب - المُعاشرة بالمعروف:

لقد حثّت تعاليم الإسلام الزوجين على حُسن المُعاشرة فيما بينهما؛ وذلك لأنّها ركيزة أساسيّة لدوام المحبّة والأُلفة، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (بحسن العشرة تدوم المودّة) (٥) ،

وقال أيضاً: (بِحُسن العِشرة تَدوم الوَصلة) (٦) .

وفي هذا السياق نجد توصيات خاصّة للزوج بصفتِه قيّماً على الزوجة قد ملّكه الله تعالى عِصمتها، وجعلها تحت قيُّمومّته تحثّه على العِشرة الحسنة معها، قال تعالى: ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمعرُوفِ ) (٧) ، وقد ورد في توصيات الإمام

____________________

١) تحف العقول: ٣٧ من مواعظ النبي (صلّى الله عليه واله وسلّم).

٢) تحف العقول: ٣٥٦.

٣) تحف العقول: ٢٩٦.

٤) تحف العقول: ٣١٦.

٥) غرر الحكم ح ٤٢٠٠ و ٤٢٧٠.

٦) غرر الحكم ح ٤٢٠٠ و ٤٢٧٠.

٧) سورة النساء: ٤ | ١٩.

٥٢

عليّ (عليه السلام) التربويّة لابنه الإمام الحسن (عليه السلام): (.. ولا يَكُن أهلك أشقى الخَلق بك..) (١) ، والإمام الصادق (عليه السلام) أبعد من ذلك في تأكيده على الزوج بضرورة العشرة الحسنة مع زوجته، والتطبّع بها وإنْ لم تكن له طبعاً، الأمر الذي يَكشِف لنا عن أهميّتها التربويّة العالية، قال (عليه السلام): (إنَّ المرء يحتاج في منزله وعياله إلى ثلاث خلال يتكلفها، وإنْ لم تَكُن في طَبعه ذلك: مُعاشرةٌ جميلة، وسعة بتقدير، وغيرة بتحصّن) (٢) .

ونجد بالمقابل أنّ السُنّة المطهّرة تحثُّ النساء على حسن العشرة مع الرجال، وتعتبر ذلك بمثابة الجهاد لهنَّ، قال الرسول الأكرم (صلّى الله عليه واله وسلّم): (جهادُ المرأة حُسن التبعّل لزوجها) (٣) .

ثمّ إنّ مِن دواعي العِشرة الحسنة، التسامُح والتساهُل بين الزوجين، وخاصّة في الأُمور العاديّة، التي قد تصدر بصورة عفويّة، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (مَن لم يَتَغافل ولا يغضّ عن كثير من الأُمور تَنَغّصت عيشته) (٤) .

جـ - الشعور بالمسؤوليّة:

لقد أكّد القرآن على مسؤوليّة الإنسان بصورة عامّة، فقال: ( وقفُوهُم إنَّهُم مسؤُولونَ ) (٥) . كما أكّدت السيرة النبويّة على شُمول هذه المسؤوليّة للرجل والمرأة معاً في محيطهما العائلي، قال الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (ألا كلّكم راعٍ وكلّكم

____________________

١) نهج البلاغة، ضبط صبحي الصالح: ٤٠٣ كتاب ٣١.

٢) تحف العقول: ٣٢٢ من حديث الإمام الصادق (عليه السلام) المعروف بـ (نثر الدرر).

٣) تحف العقول: ٣٢٢.

٤) تحف العقول: ٦٠ من مواعظ النبي (صلّى الله عليه واله وسلّم). ٥) سورة الصافات: ٣٧ | ٢٤.

٥٣

مسؤول عن رعيّته، فالأمير الذي على النّاس راعٍ وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعيةٌ على بيتِ بعلها وولده وهي مسؤولةٌ عنهم) (١) .

مِن كلِّ ذلك يظهر لنا بأنّ الإسلام يحثُّ الزوجين على الشعور بالمسؤوليّة الإنسانيّة بصفة عامّة وعلى المسؤوليّة الأُسرية بصفة خاصّة.

د - الإنصاف والعدل:

الإنصاف من العوامل التربويّة التي تديم المحبّة وتُوجب الأُلفة بين الزوجين، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (الإنصاف يستديم المحبّة) (٢) ،

ويقول أيضاً: (الإنصاف يَرفع الخلاف ويُوجب الائتلاف) (٣) ،

ومَن يُطالع كتابه (عليه السلام) الذي أرسله إلى الأشتر لمّا بعثه إلى مصر، يجد أنّه يُشير فيه صراحةً إلى أنّ عدم الإنصاف يُؤدّي إلى الظلم: (... أنصف الله وأنصف الناس من نفسك، ومِن خاصّة أهلك، ومَن لك فيه هوى من رعيّتك، فإنّك إلاّ تفعل تَظلم..) (٤) .

وهناك دعوةً مُلحّة للعدل بين النساء، لمَن يتزّوج بأكثر من امرأة، وتحذير مِن مغبّة الظلم لهما أو لإحداهما، ورد ذلك في آخر خطبة للرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم) التي تضمّنت تعاليم تربويّة عديدة منها - في ما يتّصل بهذه الفقرة - قوله: (.. ومَن كانت لهُ امرأتان، فلم يعدل بينهما في القسم من نفسه، وماله، جاء يوم القيامة

____________________

١) تنبيه الخواطر ١: ٦.

٢) غرر الحكم ح ١٠٧٦.

٣) غرر الحكم ح ١٧٠٢.

٤) تحف العقول: ١٢٧.

٥٤

مغلولاً مائلاً شقه، حتّى يَدخل النار) (١) .

هـ - تقسيم العمل وبيان الأدوار:

وهُما من الأساليب الناجحة في إدارة أُمور الأُسرة، فالرجل عليه العمل والكسب خارج البيت لتوفير سُبل العيش الكريم للعائلة، والمرأة تضطلع بمهمّة إدارة المنزل ورعاية الأطفال.

وتروي لنا مصادرنا التراثيّة حالة التعاون وتقسيم العمل الرائعة بين فاطمة الزهراء والإمام عليّ (عليهما السلام)، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (كان أمير المؤمنين يحطب ويستقي ويَكنس، وكانت فاطمة تَطحَن وتَعجِن وتَخبز) (٢) .

لقد قامت فاطمة عليها السلام بأداء واجباتها المنزليّة خير قيام، وخير شاهد على ذلك ما أفاده زوجها أمير المؤمنين (عليه السلام) بحقّها عندما قال لرجل من بني سعد:

(ألا أحدّثك عنّي وعن فاطمة، إنّها كانت عندي، وكانت من أحبّ أهلهِ إليه - أي للرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم) - وإنّها استَقَت بالقِربة حتّى أثّرت في صدرِها، وطَحنت بالرحى حتّى مَجِلت يداها، وكَسَحت البيت حتّى اغبَرّت ثيابها، وأوقَدَت النار تحت القِدر حتّى دكِنت ثيابها، فأصابها من ذلك ضِمارٌ شديد) (٣) .

ثمّ إنَّ الإسلام لا يُحرّم العمل على المرأة، كما يزعم بعض الناس، بل يُفضّل أنْ تعمل المرأة في بيتها صيانةً لها، والإسلام يُشجّع المرأة أنْ تُزاول الأعمال المنزليّة؛ لكي تُساهم في دعم اقتصاد العائلة وتخفّف العبء عن كاهل الزوج عند الضرورة،

يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (مُروا نِساءكم بالغَزْل، فإنّه خيرٌ لهنَّ

____________________

١) عقاب الأعمال، للصدوق: ٣٣٣ | ١ باب يجمع عقوبات الأعمال.

٢) تنبيه الخواطر ٢: ٧٩.

٣) علل الشرائع، للصدوق: ٣٦٦ باب ٨٨ علّة تسبيح فاطمة (عليها السلام).

٥٥

وأزين)، ويقول أيضاً: (المِغْزَل في يد المرأة الصالحة، كالرمح في يَد الغازي المُريد وجه الله) (١) .

د - عدم إلحاق الضرر:

فقد ورد في الحديث تحذير شديد للزوجين من العواقب المُترتّبة على إلحاق الضرر من قبل أحدهما بالآخر، قال الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (مَن كان لهُ امرأة تُؤذيه، لم يَقبل الله صلاتَها ولا حسنةً من عمَلها، حتّى تُعينه وتُرضيه، وإن صامت الدهر.. وعلى الرجل مثل ذلك الوزر إذا كان لها مُؤذياً ظالماً) (٢) .

ومن الخطابات المُوجّهة للزوجة خاصّة، قول الإمام الصادق (عليه السلام): (ملعونةٌ ملعونة، امرأة تُؤذي زوجها وتَغمّه، وسعيدةٌ سعيدة، امرأة تُكرِم زوجَها ولا تُؤذيه، وتطيعه في جميع أحواله) (٣) .

ومن الخطابات المُوجّهة للزوج في هذا الصدد قول الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (ومن أضرَّ بإمرأة حتّى تَفتدي منه نفسها، لم يرضَ الله تعالى له بعقوبة دون النار؛ لأنَّ الله تعالى يغضب للمرأة كما يغضَب لليتيم) (٤) .

والمُلاحظ أنّ السيرة النبويّة في الوقت الذي تُوصي فيه الرجال بالرِّفق، وعدم إلحاق الضرر بالنساء، كما قال الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (أوصيكم بالضعيفين: النساء وما مَلَكت أيمانكم) (٥) ، كذلك تُوصي النساء بالرفق بالأزواج وعدم

____________________

١) مكارم الأخلاق: ٢٣٨.

٢) وسائل الشيعة ١٤: ١١٦ | ١ باب ٨٢.

٣) بحار الأنوار ١٠٣: ٢٥٣ عن كنز الفوائد للكراجكي: ٦٣.

٤) عقاب الأعمال، للصدوق: ٣٣٤ باب يجمع عقوبات الأعمال.

٥) تحف العقول: ١٢٠ من وصايا الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم).

٥٦

تَكليفهم فوقَ طاقتهم وبما يَشقُّ عليهم، بدليل قول الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (.. ألا وأيّما امرأة لم تَرفِق بزوجها، وحملته على ما لا يَقدر عليه، وما لا يَطيق، لم يَقبل الله منها حسنة، وتلقى الله وهو عليها غضبان) (١) .

ز - الخدمة المُتبادلة:

فمِن المُؤكّد أنّ الإسلام يدعو المسلمين إلى إسداء الخدمة ومدّ يد العون لبعضهم البعض، فعَن أبي المُعتمر قال: سمعتُ أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: قال رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم): (أيّما مسلم خَدَم قوماً من المسلمين، إلاّ أعطاه الله مثلَ عددهم خُدَّاماً في الجنّة) (٢) .

وإلى جانب هذا التوجّه العام، فإنّه يدعو الزوجين إلى خِدمة بعضهما البعض بما يَعود بالنفع عليهما، وعلى عُموم أفراد العائلة، ويُرتّب على هذه الخدمة مهما كانت بسيطة الثواب العظيم، فَعَن ورّام بن أبي فراس قال:

قال رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم):

(أيّما امرأة خدمت زوجها سبعة أيّام، أغلق الله عنها سَبعة أبواب النّار، وفتح لها ثمانية أبواب الجنّة تدخل من أيّها شاءت).

وقال (صلّى الله عليه واله وسلّم): (ما مِن امرأة تَسقي زوجها شُربة مِن ماء إلاّ كان خيراً لها من عبادة سنة..) (٣) .

وتعتبر فاطمة الزهراء (عليها السلام) القدوة الحسنة في التوفّر على خدمة الزوج وأداء حقوقه، فعلى الرغم من الظروف الاقتصاديّة الصعبة التي مرَّ بها الإمام عليّ (عليه السلام)

____________________

١) تنبيه الخواطر ٢: ٢٦٢.

٢) أُصول الكافي ٢، ٢٠٧ | ١ باب في خدمة المؤمن من كتاب الإيمان والكفر.

٣) وسائل الشيعة ١٤: ١٢٣ | ٢ باب استحباب خدمة الزوجة لزوجها من كتاب النكاح.

٥٧

فإنّ فاطمة (عليها السلام) وقفت إلى جانبه، ولم تُكلّفه فوق طاقته، وكانت تخدمه بإخلاص، وقد شَهِد بحقّها واعترف بخدمتها، فقال (عليه السلام): (لقد تزوّجْت فاطمة ومالي ولها فراش غير جِلد كبش، كنّا ننام عليه باللّيل، ونعلف عليه النّاقة بالنهار، ومالي خادِم غيرها) (١) .

هذا فضلاً عن أنّ تعاليم الإسلام تحثُّ الرجل على خدمة امرأته وعياله، قال الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (إذا سقى الرجل امرأته أُجر) (٢) ، وقال (صلّى الله عليه واله وسلّم): (إنَّ الرجل ليؤجر في رفع اللقمة إلى في امرأته) (٣) ، وقال (صلّى الله عليه واله وسلّم): (.. لا يَخدِم العيال إلاّ صِدّيق أو شهيد أو رجلٌ يُريد الله بهِ خير الدنيا والآخرة) (٤) .

ح - الرّضا والموافقة:

فقد ورَدَت روايات عديدة تَحثُّ الزوجين على كسب رضا أحدهما للآخر، والحصول على موافقته، وفي هذا الصدد يقدّم الإمام الصادق (عليه السلام) توصياته التربويّة القيّمة لكلٍّ من الزوجين والتي تتضمّن الإشارة إلى الأساليب التي يجب أنْ يتّبعها كلّ واحد منهما لكسب رضا وموافقة شريكه، قال (عليه السلام): (لا غِنى بالزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته، وهي: الموافقة ليجلِب بها موافَقَتها ومحبّتها وهواها، وحُسن خُلقِه معها، واستعماله استمالَة قلبها بالهَيئة الحسنة في عينها وتوسعته عليها. ولا غِنى بالزوجة فيما بينها وبين زوجها المُوافق لها عن ثلاث خصال، وهنَّ: صيانَة نفسَها عن كُلِّ دنسٍ حتّى

____________________

١) تنبيه الخواطر ٢: ١٢.

٢) كنز العمال ١٦: ٢٧٥ | ٤٤٤٣٥.

٣) المحجّة البيضاء ٣: ٧٠ كتاب آداب النكاح، الفائدة الخامسة.

٤) بحار الأنوار ١٠٤: ١٣٢ باب فضل خدمة العيال، عن جامع الأخبار: ١٠٢.

٥٨

يَطمَئن قلبَه إلى الثقة بها في حال المَحبوب والمكروه، وحياطته ليكون ذلك عاطفاً عليها عن زلَّة تكون منها، وإظهار العشق له بالخلابة، والهيئة الحسنة لها في عينه) (١) .

والملاحظ أنّ الروايات تُؤكّد على ضرورة إرضاء المرأة لزوجها، وعدم إثارة سَخَطِه، قال الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (ويلٌ لامرأةٍ أغضبَت زوجها، وطُوبى لامرأةٍ رضِيَ عنها زوجُها) (٢) .

ط - الاهتمام بالهيئة:

وهُما من العوامل التي تُساهم في تَوثيق الروابط الزوجيّة وتُساعد على استمرارها.

فقد ورد في توصيات أمير المؤمنين (عليه السلام): (لتَتَطيّب المرأةُ لزوجِها) (٣) ، ورَوى محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام): (لا يَنبغي للمرأة أنْ تُعطّل نفسها، ولو أنْ تُعلّق في عُنقها قلادة) (٤) .

وهنا لابدّ مِن التنويه على أنّ زينة المرأة المتزوّجة لابدّ أنْ تقتصر على زوجها، فَعَن الإمام أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم): أيّ امرأة تَتَطَيّب ثمَّ خرجت مِن بيتها، فهي تُلعن حتّى تَرجِع إلى بيتها متى رجَعَت) (٥) .

____________________

١) تحف العقول: ٣٢٣ حديث الإمام الصادق (عليه السلام) المعروف بـ (نثر الدرر). والخلابة: الملاطفة باللسان.

٢) بحار الأنوار ١٠٣: ٢٤٦ عن جامع الأخبار: ١٥٨.

٣) تحف العقول: ١١١ من وصايا أمير المؤمنين (عليه السلام).

٤) مكارم الأخلاق: ٩٨.

٥) ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، للصدوق: ٣٠٨ باب عقاب المرأة تتطيّب لغير زوجها.

٥٩

من جانب آخر يَتوجّب على الزوج أنْ يهتم بنظافته ومظهره حتّى يَحوز على رضا الزوجة ويُدخل البهجة إلى نفسها، خُصوصاً وأنّ انحراف الزوجة قد تقع تَبِعاته على الزوج، نتيجة لعدم اهتمامه بنظافته ومظهره، وقد أورد لنا الإمام الرضا (عليه السلام) سابقة تاريخيّة في هذا الخصوص، عندما قال:

(أخبرني أبي، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام): أنّ نساء بَنِي إسرائيل خَرجْن من العفاف إلى الفجور، ما أخرجهن إلاّ قلّة تهيئة أزواجهن، وقل: إنّها تشتهي منكَ مثل الذي تَشتهي منها) (١) .

وكان رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم) يَتهيّأ لنسائهِ ويَهتمّ بمظهره ويَتطيّب: (وكان يُعرف بالرّيح الطيّب إذا أقبل) (٢) ، وسَلك أهل البيت (عليهم السلام) ذات المَسلَك النبويّ، فكانوا يهتمّون بمظهرهِم ويتهيّؤن لنسائهِم، عن الحسن بن الجهم، قال: رأيت أبا الحسن (عليه السلام) اختضب، فقلت: جُعلت فِداك اختضبت؟ فقال: (نعم، إنَّ التهيئة مِمّا يزيد في عفّة النساء، ولقد ترك النساء العفّة بترك أزواجهنَّ التهيئة).

ثمّ قال: (أيَسرّك أنْ تَراها على ما تراكَ عليه، إذا كُنت على غير تهيئة؟ قلتُ: لا، قال: فهو ذاك..) (٣) .

ثانياً: جانب الأخلاق:

تشكّل الأخلاق حجر الزاوية في إدامة التماسك والألفة بين أفراد الأُسرة

____________________

١) مكارم الأخلاق: ٨١.

٢) مكارم الأخلاق: ٢٣.

٣) وسائل الشيعة ١٤: ١٨٣ | ١ باب ١٤١ استحباب التنظيف والزينة.

٦٠

كمُجتمع صغير، وبينها وبين المُجتمع الكبير، ومن هنا جاء في موعظة النبي (صلّى الله عليه واله وسلّم) للإمام علي (عليه السلام): (... يا عليّ، أحسِن خُلقك مع أهلِك وجِيرانِك ومَن تُعاشِر وتُصاحِبُ مِن الناس، تُكتَب عند الله في الدّرجات العُلى) (1) .

وفي جهة أُخرى فإنّ سُوء الخُلق يَغرس في مُحيط العائلة بذور الخلاف، ويُنتج النفرة من البيت، ويولّد الملل للأهل،

يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (سوء الخُلق يُوحش القريب ويُنفر البعيد)، (2) ويقول أيضاً في خطبته المعروفة بـ (الوسيلة): (ومن ضاق خُلقه ملّه أهلُه) (3) . والملاحظ في ضوء النصوص الدينيّة أنّها تُركّز على أربع خصال أخلاقيّة لها مدخليّة كُبرى في توثيق وإدامة الحياة الزوجيّة وهي:

أ - الصبر الجميل:

وهو تحمّل الزوجين لتصرّفات أحدهما الآخر بدون بثّ الشكوى للآخرين، الذي يؤدّي إلى تدخّلات تعيق مسير الحياة الزوجيّة، علما بأنّ هذا الصبر سوف يكسِب الزوجين الثواب الجزيل، قال الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم) في خطبته الجامعة في المدينة قبيل رحيله: (.. ومن صَبر على سوء خُلق امرأته واحتسبَه، أعطاه الله تعالى بكلِّ يومٍ وليلةٍ يصبر عليها مِن الثواب ما أعطى أيّوب (عليه السلام) على بلائه، وكان عليها مِن الوزر في كلِّ يومٍ وليلة مثل رملٍ عالِج.. ومن كانت له امرأة لم توافقه، ولم تَصبر على مارزقه الله تعالى وشقّت عليه وحملته ما لم يقدر عليه، لم يقبل الله منها حسنةً تتّقي بها حرَّ النار، وغضَب الله عليها ما

____________________

1) تحف العقول: 14 مواعظ النبي (صلّى الله عليه واله وسلّم) وحكمه.

2) غرر الحكم ح 5593.

3) تحف العقول: 97.

٦١

دامت كذلك) (1) .

وقد ضرب أهل البيت (عليهم السلام) أروع الأمثلة على الصبر الجميل، مع أهلهم وما مَلكت أيمانهم، فعن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: (سمِعتُ أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إنّي لأصبَر مِن غلامي هذا، ومِن أهلي على ما هو أمرّ من الحنظل..) (2) .

ب - العفّة وعدم الخيانة:

لاشكّ أنّ خَلْع حِزام العفّة مِن قِبل الزوجين أو أحدهما موجِبٌ للخيانة، التي سرعان ما تُقوّض أركان الأُسرة وتسيء إلى سمعتها وتكسب أفرادها الإثم والعار.

والمُلاحَظ أنّ الإسلام يذهب إلى أنّ سقوط الزّوج في هاوية الرذيلة يُؤدّي إلى سقوط الزوجة أيضاً في تلك الهاوية، حسب قاعدة (كما تدين تُدان)، رَوى الإمام عليّ (عليه السلام): أنّ رسول الله (صلّى الله عليه واله وسلّم) قال: (لا تزنوا فيذهب الله لذّة نِسائكم مِن أجوافِكم، وعفّوا تعفّ نساؤكم، إنّ بني فلان زنَوا فزَنَت نساؤهم) (3) .

ويروي الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قد أوحى الله تعالى إلى موسى (عليه السلام):

(.. لاتزنوا فتزني نِساؤكم، ومن وطئ فرشَ أمريءٍ مسلمٍ وُطِئ فِراشُه، كما تدين تُدان) (4) .

ضمن هذا السياق نجد في النصوص الدينيّة استنكاراً شديداً للخيانة

____________________

1) عقاب الأعمال، للصدوق: 339 باب يجمع عقوبات الأعمال.

2) وسائل الشيعة 11: 209 | 5 من أبواب جهاد النفس.

3) مكارم الأخلاق: 238 من نوادر النكاح، الفصل العاشر.

4) عقاب الأعمال: 338.

٦٢

الزوجيّة وتهديداً مغلَّظاً للأزواج الذين يَخلَعون ثوب الفضيلة ويُوبِقون أنفسهم بارتكاب الرذيلة، ولهذا قال الرسول الأكرم (صلّى الله عليه واله وسلّم) مُتوعّداً: (... ومن فجر بامرأة ولها بعل تفجّر من فرجهما صديد واد مسيرة خمسمائة عام، يتأذى به أهل النّار من نتن ريحهما، وكان من أشدّ الناس عذاباً..) (1) .

جـ - تجنّب القذف:

إنَّ الطعن في شرف أحد الزوجين، ومهما كانت أسبابه، هو أُسلوب خسيس وذنبٌ كبير، أوجب الله تعالى على فاعله الحدّ في الدّنيا، والعذاب الشديد في الآخرة، فقد ورَد عن الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (.. ومَن رمى مُحصناً أو مُحصنة أحبَطَ الله عملَه، وجَلَده يوم القيامة سبعون ألف ملك مِن بين يديه ومَِن خلفه، وتَنهش لحمه حيّاتٌ وعقارب، ثمَّ يُؤمر به إلى النّار) (2) .

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): (إنّ قذف المُحصنات مِن الكبائر؛ لأنَّ الله عزَّ وجلَّ يقول: ( .. لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) ) (3) .

والمُلاحظ أنّ الإسلام تَشدّد في مسألة الأعراض كما تشدّد في مسألة الدماء، ومن مصاديق ذلك أنّ القاذف الذي لم يأتِ بأربعة شُهود، أو لم يصرّح بصيغة اللِعان إذا كان مِن الزوجين، فسوف يتعرّض للجَلْد الشديد، ولا يتمكّن من إسقاطه عن نفسه،

عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) في الذي يقذف امرأته قال: (يُجلَد). قلت: أرأيت إنْ عفت عنه؟ قال: (لا، ولا كرامة) (4) .

____________________

1) عقاب الأعمال: 338.

2) عقاب الأعمال، الصدوق: 335.

3) علل الشرائع: 480 | 2 باب 231 العلة التي من أجلها حرم قذف المحصنات.

4) من لا يحضره الفقيه 4: 34 | 1 باب 10 دار صعب ط 1401 هـ.

٦٣

د - تجنّب الغيرة:

الغيرة مِن الأسباب التي تدعو إلى تنغيص الحياة الزوجيّة، وتعكير صفوها، لذلك لم يغفل الدين الإسلامي في توجّهاته الأخلاقيّة عن هذه القضيّة، فهو يدعو المرأة إلى تجنّب الغيرة، وخاصّة تلك التي تستند إلى الأوهام والظنون السيّئة، أو التي تنطلق من بواعث نفسيّة ذاتيّة قد تكون من باب سُوء الظن أو الحسد، وتُؤدّي بالنتيجة إلى إلحاق الضرر بعلاقتها مع زوجها، وفي هذا الصدد يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (غيرة المرأة كفر) (1) .

ويَرى الإمام الباقر (عليه السلام) وفق نظرةٍ مَعرفيّة ثاقبة أنّ: (غيرة النساء الحسد، والحسد هو أصل الكفر، إنَّ النساء إذا غِرْنَ غضِبن، وإذا غضِبن كفَرْن، إلاّ المُسلمات منهن) (2) .

وقد دلّنا الإمام الصادق (عليه السلام) على مِعيار معنوي نُميّز مِن خلاله المرأة المُتكاملة عن سِواها، وذلك من خلال إثارة غِيرتها، فعن خالد القلانسي قال: ذكر رجل لأبي عبد الله (عليه السلام) امرأته فأحسَن عليها الثناء، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام):

(أغَرتَها؟ قال: لا، قال: فأغرها. فأغارها فثبتَت، فقال لأبي عبد الله (عليه السلام): إنّي أغرتها فثبتت، فقال: هي كما تقول) (3) .

وبالمقابل فإنّ الإسلام يُنمّي في الرجل خِصلة الغيرة إذا كانت على عِرضِه وسُمعتِه عائلتِه وكرامتِها، يرى أمير المؤمنين (عليه السلام): (غيرة الرجل إيمان) (4) ومع

____________________

1) نهج البلاغة، ضبط صبحي الصالح: 491 حكمة 124.

2) فروع الكافي 5: 505 باب غيرة النساء من كتاب النكاح.

3) فروع الكافي 5: 504.

4) نهج البلاغة، ضبط صبحي الصالح: 491 حكم 124.

٦٤

ذلك فإنّه يحثّه على تجنّب الغيرة في غير موضعها؛ لأنّها قد تؤدّي بالمرأة إلى الإعجاب والكِبَر وغيرهما من الخصال الذميمة،

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لابنه الإمام الحسن (عليه السلام): (.. وإياك والتغاير في غير موضع غيرة، فإنَّ ذلك يدعو الصحيحة منهنَّ إلى السقم..) (1) .

ثالثاً: جانب الآداب:

ويتَضمّن آداب الدخول إلى الأسرة وآداب الجُماع:

أ - آداب الدخول إلى الأُسرة:

للإسلام في هذا الباب آداب حضاريّة، يُمكن اختصارها بالنقاط التالية:

1 - الدخول من الأبواب: قال تعالى:

( .. وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرِّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن أبْوَابِهِا.. ) (2) .

فالقرآن يُعلِّم المسلمين أدباً رفِيعاً من أجل صيانة حُرمة الأُسرة، وعدم هتك ستر أفرادها، إذ إنّ دخول البيوت من أبوابها يُبعد الشبهات، والظنون السيّئة التي يُمكن أنْ تثيرها النفوس المريضة بما يسيء إلى سمعة العائلة.

2 - الاستئناس والسلام: قال تعالى:

( يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أهْلِهَا ذلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ* فَإن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أحَداً فلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أزْكَى لَكُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) (3) .

____________________

1) تحف العقول: 87.

2) سورة البقرة: 2 | 189.

3) سورة النور: 24 | 27 - 28.

٦٥

قال الطبرسي رحمه الله: رُوي عن أبي أيّوب الأنصاري،

قال: قلنا يا رسول الله، ما الاستئناس؟ قال: (يتَكلّم الرجل بالتسبيحة والتحميدة والتكبيرة ويتنحنح على أهل البيت).

ورُوي أنّ رجلاً قال للنبي (صلّى الله عليه واله وسلّم) استأذن على أمّي، فقال: (نعم، قال: إنّها ليس لها خادم غيري، أفتستأذن عليها كلمّا دخلت، قال: أتحبّ أنْ تراها عريانة؟ قال الرجل: لا، قال: فاستأذن عليها).

لا يجوز دخول دار الغير بغير إذنه، وإنْ لم يكن صاحبها فيها، ولا يجوز أنْ يتطلّع إلى المنزل ليرى مَن فيه فيستأذنه، إذا كان الباب مغلقاً، لقوله (عليه السلام): (إنّما جعل الاستئناس لأجل النظر)، إلاّ أنْ يكون الباب مفتوحاً؛ حبّه بالفتح أباح النظر..

( وإن قِيلَ لَكُم ارجعُوا فارجِعُوا ) ، أي فانصرفوا ولا تلجّوا عليهم، وذلك بأنْ يأمروكم بالانصراف صريحاً، أو يُوجد منهم ما يدلّ عليه (هو أزكى) معناه: أنّ الانصراف أنفع لكم في دينكم ودنياكم، وأطهر لقلوبكم، وأقرب إلى أنْ تصيروا أزكياء (1) .

وضمن هذا السياق، قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لأصحابه: (إذا دخل أحدُكم منزله فليُسلِّم على أهله، يقول: السلام عليكم، فإنْ لم يكُن له أهل فليقل: السلام علينا مِن ربّنا..) (2) .

وينبغي الإشارة إلى أنّ الإسلام يَحرص أشدّ الحرص على رعاية حُرمة الأُسرة، ومِن مصاديق ذلك أنّه كرِه التطلّع في الدور، جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (إنَّ الله تبارك وتعالى كرِه التطلّع في

____________________

1) مجمع البيان 5: 32 | 19 منشورات دار مكتبة الحياة - بيروت.

2) الخصال، للصدوق 2: 626 | 400.

٦٦

الدور) (1) .

كما أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيّته القيّمة للحسين (عليه السلام) إلى هذا الأمر بقوله: (مَن هَتك حِجاب غيره، انكشَفت عورات بيتِه) (2) .

ضمن هذا النطاق حثّ الإسلام المرأة على مُراعاة الآداب عند غياب زوجِها، بأنْ لا تُدخِل بيتَه أحداً يكرهُه، وقد اعتبر ذلك حقّاً للزوج على زوجته، جاء في خطبة النبي (صلّى الله عليه واله وسلّم) في حجّة الوداع أنّه قال: (.. أيُّها الناس، إنّ لنسائكُم عليكم حقّاً، ولكُم عليهنَّ حقّاً، حقّكم عليهنّ أنْ لا يُوطئن أحداً فرشُكم، ولا يُدخلن أحداً تكرهونه بيوتَكم إلاّ بإذنكم..) (3) .

ب - آداب الجُماع:

ولقد وضَع الإسلام للجماع آداباً خاصّة، تبدأ مُنذ دُخول الرّجل على زوجتِه، فقد جاء في وصيّة الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم) للإمام عليّ (عليه السلام): (يا علي، إذا أُدخلَت العروس بيتَك، فاخلَع خفّها حين تجلِس، واغسِل رِجلَيها، وصُبّ الماء مِن باب دارك إلى أقصى دارك، فإنّك إذا فعلت ذلك أخرج الله مِن دارك سَبعين ألفَ لون مِن الفقر، وأدخَل فيها سبعين ألف لون من الغنى، وسبعين لوناً من البركة، وأنزل عليك سبعين رحمة تُرفرف على رأس عَروسك..) (4) .

وقال الإمام الصادق (عليه السلام) لأحد أصحابه: (إذا أُدخِلَت عليك أهلَك فخُذ بناصِيتِها، واستقبل بها القبلة، وقُلْ: اللّهمَّ بأمانتك أخذتَها، وبكلماتك

____________________

1) مكارم الأخلاق: 234.

2) تحف العقول: 88.

3) تحف العقول: 33.

4) أمالي الصدوق: 455 مؤسّسة الأعلمي ط 5.

٦٧

استحلَلتُ فرجها، فإنْ قضيت لي منها ولداً فاجعله مباركاً سويّاً، ولا تجعل للشيطان فيه شركاً ولا نصيباً).

ومن كتاب النجاة المَروي عن الأئمّة (عليهم السلام): (إذا قَرُب الزفاف يُستحب أنْ تأمرها أنْ تُصلّي ركعتين، وتكون على وضوء إذا أُدخلَت عليك، وتُصلّي أنتَ أيضاً مثل ذلك، وتحمد الله، وتصلّي على النبيّ وآله.. وتقول إذا أردت المباشرة: اللّهمَّ ارزقني ولداً واجعله تقيّاً ذكيّاً ليس في خَلقه زيادة ولا نقصان، واجعل عاقبته إلى خير. وتُسمّي عند الجماع) (1) .

فالمُلاحظ أنّ السيرة العطرة تُسدي نصائحها القيّمة للزوجين عند المُباشرة، وتكشِف في الوقت عينه عن العلل والآثار المترتّبة عليها، والتي يُمكن تصنيفها والإشارة إليها في الفقرات التالية:

1 - تجنّب الجماع في أوقات معيّنة:

جاء في وصيّة النبيّ (صلّى الله عليه واله وسلّم) للإمام عليّ (عليه السلام): (لا تُجامع امرأتك في أوّل الشهر ووَسَطه وآخره، فإنّ الجنون والجذام والخبل يُسرع إليها وإلى ولدها).

ثمّ قال: (يا عليّ، لا تُجامع امرأتك بعد الظهر، فإنّه إنْ قُضى بينكما ولد في ذلك الوقت يكون أحول..) (2) .

وقال (صلّى الله عليه واله وسلّم): (يا عليّ، وعليك بالجُماع ليلةَ الاثنين، فإنّه إنْ قُضى بينكما ولد يكون حافظاً لكتاب الله، راضياً بما قَسَم الله عزَّ وجلَّ له).

____________________

1) من وصيّة النبي (صلّى الله عليه واله وسلّم) للإمام علي (عليه السلام) | مكارم الأخلاق: 208 - 212الفصل العاشر: في آداب الزفاف والمباشرة.

2) مكارم الأخلاق: 209.

٦٨

يا عليّ: (إنْ جامَعت أهلَك في ليلةِ الثلاثاء، فقضي بينكما ولد، فإنّه يُرزق الشهادة..) (1) .

2 - تجنّب الجماع في أماكن معيّنة:

قال الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (يا عليّ، لا تُجامع امرأتك تحت شجرةٍ مُثمرة، فإنّه إنْ قضى بينكما ولد يكون جلاّداً، أو قتّالاً، أو عريفاً) (2) .

وقال (صلّى الله عليه واله وسلّم): (يا عليّ، لا تجامع أهلك على سقوف البنيان، فإنّه إنْ قضى بينكما ولد يكون منافقاً، مرائياً، مبتدعاً) (3) .

ورُوي عن الإمام الصادق (عليه السلام):

(لا تُجامع في السفينة، ولا مُستقبل القبلة ولا مُستدبرها) (4) .

3 - تجنّب الجُماع في أوضاع معيّنة:

قال الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (يا عليّ، لا تُجامع امرأتك مِن قيام، فإنّ ذلك مِن فعل الحمير، وإنْ قضى بينكما ولد كان بوّالاً في الفراش، كالحمير تبول في كلّ مكان) (5) .

4 - تجنب الجُماع في حالات معينة:

قال الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (مَن جامَع امرأته وهي حائض فخرج الولدُ مجذوماً أو أبرصاً فلا يلومَنَّ إلاّ نفسه) (6) .

____________________

1) المصدر السابق: 211.

2) المصدر السابق: 210.

3) مكارم الأخلاق: 209 - 211.

4) المصدر السابق: 212.

5) المصدر السابق: 210.

6) مكارم الأخلاق: 212.

٦٩

وقال (صلّى الله عليه واله وسلّم) أيضاً: (يا عليّ، لا تُجامع أهلك إذا خرجت إلى سفر مسيرة ثلاثة أيّام ولياليهن، فإنّه إنْ قضى بينكما ولد يكون عوناً لكلِّ ظالم) (1) .

5 - تجنّب الكلام عند الجُماع والنظر:

فمِن وصايا أمير المؤمنين (عليه السلام): (إذا أراد أحدكُم غشيان زوجته فليُقلَّ الكلام، فإنَّ الكلام عند ذلك يُورث الخرس، ولا ينظرنَّ أحدكم إلى باطن فرج المرأة فإنّه يُورث البرص..) (2) .

وهكذا نجد أنّ السيرة المُطهّرة لم تَغفَل عن بيان آداب الجُماع والعواقب المترتّبة على أوضاعه وحالاته وأوقاته، التي تَنعكِس - سَلباً أو إيجاباً - على الأولاد سَواءً في صحّتهم وسلامتهم أو مستقبلهم ومصيرهم.

المبحث الثالث

عناية الإسلام بمراحل نشوء الطفل ونموّه

أولاً: مرحلة الحمل:

أولى الإسلام هذه الفترة التي يكون الجنين فيها قابِعاً في رحم أُمّه عناية خاصّة، ويتّضح ذلك من خلال استعراض النقاط التالية:

أ - الاهتمام بغذاء الحامل:

فقد أرشد المرأة إلى تناول الأغذية المُفيدة التي تُحافظ على صحّتها وتنمّي جنينها في جسمه أو عقله، ومِن الشواهد على ذلك قول الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (كُلوا السفرجل وتَهادوه بينكم، فإنّه يجلو البصر، ويُنبِت المودّة في القلب، وأطعموه حُبالاكم، فإنّه يُحسّن أولادكم،

وفي رواية: يُحسّن أخلاق أولادكم) (3) .

____________________

1) مكارم الأخلاق: 211 - 212.

2) تحف العقول: 125 وصايا أمير المؤمنين (عليه السلام).

3) مكارم الأخلاق: 171 - 172 الفصل العاشر.

٧٠

وقال (صلّى الله عليه واله وسلّم) أيضاً: (أطعموا نساءكم الحوامل اللبان، فإنّه يزيد في عقل الصبيّ) (1) .

وعن الإمام الرضا (عليه السلام): (أطعموا حُبالاكم اللبان، فإنْ يكُن في بطنهنَّ غلام خرَج ذكيّ القلب، عالماً شجاعاً، وإنْ يكن جارية، حسن خَلقها وخُلقها، وعظُمَت عجيزتها، وحظِيَت عند زوجها) (2) .

ب - مراعاة الطهارة والوقت المناسب عند جماع الحامل:

ومِن الشواهد على ذلك قال الرسول (صلّى الله عليه واله وسلّم): (يا عليّ إذا حملت امرأتك فلا تُجامعها إلاّ وأنت على وضوء، فإنّه إنْ قضى بينكما ولد يكون أعمى القلب، بخيل اليد) (3) ،

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (لا تُجامع في أوّل الشهر ولا في وسَطِه ولا في آخره، فإنّه مَن فعل ذلك فليستعدّ لسِقط الولد، وإنْ تمَّ أوشك أنْ يكون مجنوناً..) (4) .

جـ - مراعاة الحالة النفسيّة للحامل:

فهي في هذه الفترة مُرهفة الحس وتُعاني آلام الحمل ومضاعفاته، ويمتلكها هاجس مِن الخوف المُزدَوج على حياتها عند تعسّر الولادة وعلى سلامة جنينها وصحّته، ومِن أجل ذلك تحتاج إلى رعاية خاصّة، وتحمّل لبعض تصرفاتها مِن قِبل الزوج، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (من احتمل مِن امرأته ولو كلمة واحدة، أعتق الله رقَبَته من النار، وأوجب له الجنّة..) (5) .

____________________

1) مكارم الأخلاق: 194.

2) مكارم الأخلاق: 194.

3) مكارم الأخلاق: 210 في آداب الزفاف والمباشرة.

4) مكارم الأخلاق: 212.

5) مكارم الأخلاق: 216.

٧١

ثانياً: مرحلة الولادة:

وفي هذه الفترة التي تَشهد ظهور الوليد إلى الوجود، يدعو الدين الإسلامي إلى الاهتمام بالمرأة النفَساء، وتوفير الطعام المُناسب لها، خصوصاً وإنّها قد تضطلع بوظيفة الإرضاع للطفل، ومن هنا أوصى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الأزواج قائلاً: (أطعموا المرأة - في شَهرِها التي تَلد فيه - التمر، فإنّ ولدها يكون حليماً نقيّاً) (1) .

كما يُولي الإسلام عنايةً فائقةً بالوليد مُنذ نُعومة أظفاره، ويتّضح ذلك من خلال النقاط التالية:

أ - تسمية المولود:

ويُستحب تَسميته بأحسن الأسماء، لِما للاسم الحسن من آثار تربويّة تنعكس على نفسيّة الطفل ومكانته، وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: (سمّي الصبيّ يوم السابع..) (2) .

ولاشكّ أنّ اسم نبيّنا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو خير الأسماء، وكذلك أسماء أهل بيته الأطهار (عليهم السلام) وأسماء الرسُل والأنبياء والصالحين، ورَد عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أنّه قال: (سمّوا أولادكم أسماء الأنبياء، وأحسن الأسماء عبد الله وعبد الرحمن) (3) .

وعنه أيضاً: (مَن ولِد لهُ أربعة أولاد لم يُسمِّ أحدهم باسمي فقد

____________________

1) مكارم الأخلاق: 169.

2) مكارم الأخلاق: 227.

3) مكارم الأخلاق: 220 في فضل الأولاد.

٧٢

جفاني) (1) .

ب - الأذان والإقامة:

من أجل إسماع الطفل اسم الله تعالى وتَفتّح مداركه عليه، ولإبعاد الشيطان عنه، جاء في وصيّة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الجامعة: (يا عليّ، إذا ولِد لكَ غلام أو جارية، فأذّن في أُذُنِه اليُمنى، وأقم في اليُسرى، فإنّه لا يضرّه الشيطان أبداً) (2) .

جـ - العقيقة وحَلق الرأس:

وهما من السُنن المؤكّدة، وقد أوصى الإمام الصادق (عليه السلام) أحد الآباء الذين رزقوا مولوداً قائلاً: (عقّ عنه، واحلِق رأسه يوم السابع، وتصدّق بوزن شعره فضّة) (3) ، وعنه عن آبائه (عليهم السلام) قال: (عَقّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن الحسن والحسين (عليهما السلام) كبشاً يوم سابعهما، وقطّعه أعضاءً، ولم يَكسِر منه عظماً، وأمرَ فطُبخ بماءٍ وملح، وأكلوا منه بغير خُبز، وأطعموا الجيران) (4) .

د - الختان:

وهي سنّة مؤكّدة تبعث على الطهارة، وتُساعد على نُمو الطفل، بدليل قول الإمام الصادق (عليه السلام): (اختنوا أولادكم لسبعة أيام فإنّه أطهر وأسرع لنبات اللحم..) (5) .

____________________

1) الكافي 6: 19 | 6 باب الأسماء والكنى.

2) تحف العقول: 17.

3) الكافي 6: 27 | 1 باب انه يعق يوم السابع للمولود.

4) مكارم الأخلاق: 228.

5) الكافي 6: 34 | 1 باب التطهير.

٧٣

هـ - التحنيك:

وهو أنْ يُمضغ شيء كالتمر أو تُربة الحسين (عليه السلام) أو ماء الفرات ويدار في فم الطفل، وقد رَوى جعفر الصادق (عليه السلام) عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال:

(حنّكوا أولادكم بالتمر، هكذا فعل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالحسن والحسين (عليهما السلام)).

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): (حنّكوا أولادكم بماء الفرات وبتربة الحسين (عليه السلام)، فإنْ لم يكُن فبِماء السماء) (1) ويُستحب أنْ يكون المُحنِّك من الصالحين.

ثالثاً: مرحلة الرضاع والحضانة:

وهي من المراحل المهمّة في حياة الطفل إذ يحتاج فيها إلى عناية فائقة، فهو يُولد ضعيفاً لا حول له ولا قوّة، ويعتمد على والديه وخاصّة أمّه في الحصول على غذائه وتنظيف بدنه ولباسه، وسدّ حاجاته الأُخرى.

ويُعتبر حليب الأُم أفضل غذاء كامل للطفل في الأشهر الأُولى من حياته، لاحتوائه على المواد الضروريّة للنمو والمناعة من الأمراض، ثمّ إنّ الأُم تُزوّد وليدها عند الرضاع بغذاء معنويّ لابدّ منه لنموه الروحي، ألا وهو الحنان والدفء العاطفي الذي تُسبغه عليه عند إرضاعه وحضانته.

ومن أجل ذلك أكّدت الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) على أهميّة إرضاع الأُم لوليدها،

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (ما من لبنٍ يُرضع به الصبيّ أعظم عليه من لبن أُمّه) (2) .

____________________

1) مكارم الأخلاق: 229.

2) الكافي 6: 40 | 1 باب الرضاع.

٧٤

وفي حالة عدم تمكّن الأُم من الإرضاع - لسببٍ ما - يتوجّب على الأب أنْ ينتخِب امرأةً صالحة تشرف على إرضاعه، قال الإمام عليّ (عليه السلام): (انظروا مَن ترضع أولادكم، فإنّ الولد يشبُّ عليه) (1) . ويتطلّب أنْ تتوفّر في المُرضعة مواصفات حدّدتها الروايات، ويمكننا تصنيفها إلى ما يلي:

أ - مواصفات جسميّة:

كأن تكون حسنة الهيئة، الإمام الباقر (عليه السلام): (استرضع لولدك بلبن الحِسان، وإيّاك والقباح فإنّ اللبن قد يعدي) (2) .

ب - مواصفات عقليّة:

قال الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (لا تسترضعوا الحمقاء، فإنّ الولد يشبُّ عليه) (3) .

كما ورد النهي عن استرضاع المجنونة على ما سيأتي.

جـ - مواصفات دينيّة:

إذ نلاحظ أنّ الشريعة الإسلاميّة أكّدت على كون المرضعة مسلمة صالحة، وفي حال تعذّر ذلك فقد جوّزت استرضاع المرأة الكتابيّة، ولكنْ بشرط منعها من شرب الخمر، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (إذا أرضعن لكم، فامنعوهنَّ من شرب الخمر) (4) .

د - مواصفات أخلاقيّة:

فقد نهى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من استرضاع المرأة البغيّة لِما له من آثار سلبيّة على

____________________

1) الكافي 6: 44 | 1 من يكره لبنه ومن لا يكره.

2) الكافي 6: 44 | 12.

3) مكارم الأخلاق: 237.

4) الكافي 6: 42 | 3 باب من يكره لبنه ومن لا يكره.

٧٥

مستقبل الطفل ونشأته، قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (تَوَقَّوا على أولادكم من لبن البغيّة، والمجنونة فإنّ اللبن يعدي) (1) .

وقال الإمام الباقر (عليه السلام): (لبن اليهوديّة والنصرانيّة والمجوسيّة أحبُّ إليَّ من لبّن ولد الزنا) (2) .

وعمّمَ الإمام الصادق (عليه السلام) هذا النهي ليَشمل ابنة الزانية أيضاً، قال (لا تسترضعها ولا ابنتها) (3) .

هـ - مدّة الرضاعة:

لقد حدّد القرآن الكريم مدّة الرضاعة بسنتين، قال تعالى: ( والوالداتُ يُرضِعنَ أولادهُنَّ حَولين كامِلين لِمَن أرادَ أن يتمَّ الرَّضاعة.. ) (4) .

رابعاً: مرحلة الفِطام:

وفيها ينقطع الطفل عن الرضاع، ويبدأ بتناول الطعام بنفسه أو بمساعدة أُمّه أو مربّيته، وعليه فإنّه يحتاج إلى رعاية خاصّة، تتطلّب الاهتمام بمُراعاة الشروط الصحيّة اللازمة لنظافة الطفل، فعن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: (قال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): اغسلوا صبيانكم من الغمر، فإنّ الشيطان يشُمّ الغمر فيفزع الصبيّ في رُقاده، ويتأذّى بهِ الكاتبان) (5) .

____________________

1) مكارم الأخلاق: 223 في فضل الأولاد.

2) الكافي 6: 42 | 5 باب من يكره لبنه ومن لا يكره.

3) الكافي 6: 42 | 1.

4) سورة البقرة 2: 233.

5) علل الشرائع: 557 باب 344 من ج2 العلة التي من أجلها يغسل الصبيان من الغمر.َ =

٧٦

كما أنّ الطفل في هذه المرحلة يَميل بفطرته إلى الحركة واللعب، ويسعى إلى جلب الأنظار إليه من خلال المُشاغبة أو المُشاكسة، لذا يتوجّب على الوالدين تحمّله وعدم القسوة عليه، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (احمل صبيّك حتّى يأتي عليه ستّ سنين، ثمّ أدّبه في الكتاب ستّ سنين، ثمّ ضمّه إليك سبع سنين فأدّبه بأدبك، فإنّ قَبِل وصلح، وإلاّ فخلّ عنه) (1) .

ومن الضروري إفهام الصبيّ بعد مرحلة الفطام بوجود الله تعالى من خلال تلقينه الوحدانيّة والصلوات على النبيّ وآله (عليهم السلام)، عن عبد الله بن فضالة، عن أبي عبد الله أو أبي جعفر (عليهما السلام)، قال سمعته يقول: (إذا بلغ الغلام ثلاث سنين فقل له سبع مرات: قُلْ: لا إله إلاّ الله..) (2) .

وفي هذه الفترة يتوجّب مُراقبة صحّة الطفل ووزنه، وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه وضَع حدّاً يُمكن من خلاله معرفة وتيرة نموّ الطفل من خلال مراقبة طوله، قال (عليه السلام): (يزيد الصبيّ في كلّ سنة أربع أصابع بإصبعه) (3) .

ومن جانب آخر لابدّ في هذه المرحلة من تقبيل الطفل وإشعاره بالحبّ له والاهتمام به، قال الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (أكثروا من قُبلة أولادكم، فإنّ لكم بكلِّ قُبلةٍ درجةً في الجنّة مسيرة خمسمائة عام) (4) .

وينبغي الإشارة هنا إلى استحباب التصابي للطفل ومناغاته، لِما لذلك من

____________________

=

والغمر - بالتحريك: زنخ اللحم وما يتعلّق باليد من دسمة.

1) مكارم الأخلاق: 222.

2) مكارم الأخلاق: 223.

3) مكارم الأخلاق: 223.

4) روضة الواعظين: 369.

٧٧

أثر كبير على نموّه العاطفي وحلّ عقدة لسانه، وكان الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يتصابى للحسن والحسين (عليهما السلام) ويُركِبهما على ظهره.

وكانت فاطمة الزهراء (عليها السلام) تناغي الحسن (عليه السلام) وتقول:

أشبه أباكَ يا حَسَن

واخلَع على الحقِّ الرسَن

واعبد إلهاً ذا مِنَن

ولا تُوال ذا الإحَن

وتُناغي الحسين (عليه السلام) وتقول:

أنتَ شبيهٌ بأبي

لستَ شَبيهاً بعليّ (1)

وفي خاتمة المطاف نجد في حديث الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) دعوة صادقة لحُبّ الأطفال والرحمة بهم، والوفاء لهم، والصدق معهم، عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (أحبّوا الصبيان وارحموهم، فإذا وعدتموهم ففوا لهم، فإنّهم لا يَرَون إلاّ أنّكم ترزقونَهم) (2) .

____________________

1) في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، للسيّد محسن الأمين 3: 5 سيرة الحسن (عليه السلام).

2) مكارم الأخلاق: 252.

٧٨

الفصل الثالث

مقارنة بين المنهج الإسلامي والمنهج المادّي

في بناء الأُسرة

إذا أمعنّا النظر إلى المنهج الإسلامي في بناء الأُسرة وعقدنا مقارنةً بينه وبين المنهج المادّي، نستطيع أنْ نستخلص عدّة فروق جوهريّة بين المنهجين، من حيث طبيعة كلّ منهج والخصائص التي يتّصف بها، والآثار الناجمة عنه، وهي قضيّة جديرة بالاهتمام والدراسة؛ حتّى يزول الغَبش عن عيون الذين انبهروا بمناهج الغرب، واخذوا يسيرون في رَكبِه ولو على حساب دينهم وقِيَمهم، ويضيق المجال هنا عن الغَوص في التفاصيل، وحسبنا أنْ نستعرض الخطوط العامّة الفاصلة بين المنهجين، والتي تتمثّل بالنقاط التالية:

أولاً: الصبغة الدينيّة:

لاشكّ بأنّ الصبغة الدينيّة هي من أبرز ما يتميّز به المنهج الإسلامي في مجال الأُسرة، فمن المعلوم أنّ التشريع الإسلامي - عموماً - وما يتعلّق منه بالأُسرة على وجه الخصوص إلهيّ المصدر ويتمثّل بالوحي، أمّا المنهج المادّي فهو من صنع البشر أنفسهم، الذين لا يمكنهم الانسلاخ عن طبائعهم البشريّة، وعليه

٧٩

فهو يعكس مصالحهم، وينسجم مع أهوائهم وشهواتهم، ويكون - في غالب الأحيان - قاصراً وعُرضة للتبدّل الدائم.

ولمّا كان الدين يُشكّل قُطب الرحى في توجّهات الإسلام الاجتماعيّة نجد التأكيد على التماثل الديني بين الزوجين عند تكوين الأُسرة. فالإسلام - كما هو معلوم - يُحرّم زواج المسلمين من عَبَدَة الأوثان والأصنام من أتباع الديانات الوضعيّة، أي الذين يعبُدون الشمس والقمر والأشجار وما إلى ذلك، فكلّ هؤلاء أشركوا مع الله إلهاً سِواه،

قال تعالى: ( وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأََمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِن مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أعْجَبَتْكُمْ وَلأ تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا.. ) (1) .

فلم يُبح الإسلام زواج المسلم من مشركة؛ لأنّ الزواج سكينة ومودّة، ولا يُمكن أنْ يتحقّقا مع الاختلاف الشاسع في الاعتقاد، ثمّ إنّ هكذا زواج سوف يُؤثّر على دين الأولاد، الذين هُم مسلمون تبعاً لأبيهم ولكنّ وجودهم بجنب أُمّهم المشركة سوف يؤدّي إلى زعزعة عقائدهم وقيمهم.

من جانب آخر لا يسمح الإسلام للمسلمة بالزواج من غير المسلم حتّى ولو كان من أهل الكتاب؛ وذلك لأنّ الزواج يقتضي قيمومة الرجل على زوجته، ولا يجوز شرعاً أنْ يكون للرجل الكافر سلطان على المرأة المسلمة، لقوله تعالى: ( ..وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (2) .

واللافت للنظر أنّ الإسلام يُجوّز للرجل الزواج من الكتابيّة - على الرأي القائل بجوازه - وذلك؛ لأنّ المرأة غالباً ما تتأثّر بأدب زوجها وديانته، ولو أنّ

____________________

1) سورة البقرة: 2 | 221.

2) سورة النساء: 4 | 141.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113