آداب المتعلّمين

آداب المتعلّمين0%

آداب المتعلّمين مؤلف:
الناشر: انتشارات كتابخانه مدرسه علميّه إمام عصر عجّل الله تعالى فرجه - شيراز
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 149

آداب المتعلّمين

مؤلف: أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي (شيخ الطائفة)
الناشر: انتشارات كتابخانه مدرسه علميّه إمام عصر عجّل الله تعالى فرجه - شيراز
تصنيف:

الصفحات: 149
المشاهدات: 74356
تحميل: 7542

توضيحات:

آداب المتعلّمين
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 149 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 74356 / تحميل: 7542
الحجم الحجم الحجم
آداب المتعلّمين

آداب المتعلّمين

مؤلف:
الناشر: انتشارات كتابخانه مدرسه علميّه إمام عصر عجّل الله تعالى فرجه - شيراز
العربية

____________________

ولا تطلبنَ عَثْرتَه.

وإنْ زلَ قبلتَ معذرتَه.

وعليك أنْ توقّرَه وتعظّمَه لله، مادام يحفَظُ أمر الله.

ولا تجلس أمامه.

وإنْ كانتْ له حاجة سبقْتَ القومَ إلى خدمته).

جامع بيان العلم (ج١، ص١٢٩).

وفي (رسالة الحقوق) المرويّة عن الإمام زين العابدين عليه السلام: (وحق سائِسِك بالعلم: التعظيمُ له، والتوقيرُ لمجلسه، وحُسْنُ الاستماع إليه، والإقبالُ عليه.

وأنْ لا ترفع عليه صوتك، ولا تجيبَ أحدا يسألُه عن شيٍ، حتى يكون هو الذي يُجيبُ، ولا تُحدث في مجلسه أحدا، ولا تغتابَ عندَه أحدا.

وأنْ تدفعَ عنه إذا ذكر عندك بسوءٍ، وأن تستر عيوبَه وتُظْهرَ مناقبه.

ولا تجالسَ له عدوّا، ولا تُعادي له وليّا.

فإذا فعلتَ ذلك شَهدَتْ لك ملائكةُ الله جلَ وعَزَ بأنّكَ قصدتَه وتعلمتَ علمه لله جلّ اسمُه، لا للناسِ). رسالة الحقوق، الفقرة (السادسة عشرة) وانظر شرح رسالة الحقوق،

للقبانجي (٤٠٩١ - ٤٣٨).

وأخبرني بعض طُلاّب العلم من أهل اليمن، أنّ استاذَه المغفور له، صديقنا العلاّمة السيّد يحيى بن عبد الله راوية، كان يتلو عليه هذه الأبيات غير منسوبة:

إصْبِرْ على مُر الجفا من معلّمٍ * فإنّ رسوب العلم في نفراتِه

فَمَنْ لَم يذُقْ مُرَ التعلّم ساعةً * تجرّع مُرَ الجهل طول حياتِه

ومن فاتَه التعليم وَقْتَ شبابه * فكَبر عليه معلِنا لوفاتِه

حياةُ الفَتى - والله - بِالعِلم والتقى * إذا لم يكونا، لا اعْتبارَ بذاتِه

٦١

[٢٢ - أخلاق الطالب]

وينبغي لطالب العلم أنْ يحتَرِزَ عَن الأخْلاق الذَميمة، فإنّها كِلاب معنويّة، وقال رسولُ الله صلىالله عليه وآله وسلم: (لا تدخُلُ الملائِكةُ بيتا فيه كَلْب أوْ

صُوْرَة)(٤٧) .

____________________

(٤٧) الحديث بهذا اللفظ مذكور في مسند أحمد (٨٣١) والجامع الصغير للسيوطي ( ٢/ ٢٠٠). ورواه ابن أبي جمهور الأحسائي في الفصل العاشر من عوالي اللاَلي (ج١،

ص٢٦١) بدون: (أو صورة). وأرسل الفاضل المقداد السيّوريّ في (كنز العرفان في فقه القرآن) (٢/ ٣٠٩ ) حديثا طويلا في صدره: أنّ جبرئيل نزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: (إنّا معشر الملائكة لا ندخل بيتا فيه صورة ولا كلب ...) الحديث.

والمراد من إيراد الحديث ليس هو ظاهره، بل - كما ذكره بعض شرّاح العوالي - : المراد بالملائكة: المعارف الإلهيّة، والمراد بالبيت: القلب، والمراد بالكلب: الصفات الذميمة.

فالمعني: أنّ العلم لا يستقرّ في قلب مَنْ تملّكتْ من قلبه الأخلاقُ الذميمة. ]وقد ذكر المؤلّف بعضَ الصفات الذميمة والأخلاق السيّئة في الفقرة [١٠]و.[٤٩]

وأفضل كتاب يُفيد الطالب والعالم هو كتاب (أدب الدنيا والدين) للماوردي، فإنّه عظيم الفائدة، غنيّ المادّة، قويّ العبارة، وواضح الدلالة.

وقد حثّ الرسول والأئمة :، الناس كافةً على امتلاك الأخلاق الحسنة والكريمة، وإليك بعض ما روى في ذلك: ممّا روي واشتهر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله: (إنّما بُعِثتُ لاُتممَ مكارم الأخلاق)

رواه الخرائطي في مكارم الأخلاق ومعاليها (ص١) وهو أوّل أحاديثه.

٦٢

____________________

وروى الخطيب عن الحسين بن عليّ عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (إنّ الله يحبّ معاليَ الأخلاق وأشرافها، ويكْرَه سفسافه). الجامع لأخلاق الراوي (١٣٧١). ورواه الخرائطي عن سهل بن سعد الساعدي في مكارم الأخلاق (ص١) بدون: وأشرافها.

وقال عليّ بن أبي طالب عليه السلام: (إنّ الله تعالى جعل مكارم الأخلاق ومحاسنها وصلا بينه وبينكم، فحسب الرجل أنْ يتّصل من الله تعالى بخُلُقٍ منه). ذكره في أدب الدنيا والدين (ص٢٢٦).

وقال عليه السلام: (تعلّموا العلم، وتزيّنوا معه بالوقار والحلم، وتواضعوا لمن تتعلّمون منه، ولمن تعلّمونه، ولا تكونوا جبابرةَ العلماء فيذهب باطلكم حقّكم)

وفي لفظ: (... فلا يقوم علمكم بجهلكم). جامع بيان العلم (١٤١١).

وعن عليّ عليه السلام، قال: (إذا تعلّمتم العلم فاكظموا عليه ولا تخلطوه بضحك وباطل، فتمجّه القلوب) رواه ابن عبد البرّ في جامعه (١٤١١)، ورواه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (٢٣٢١).

وقال عليه السلام: (إذا ضحكَ العالم ضحكةً مجَ من العِلْمِ مَجَةً) رواه الماوردي في أدب الدنيا والدين (ص٣٠٢).

وممّا قاله أمير المؤمنين عليه السلام منظوما:

إنّ المكارمَ أخلاق مُطهرة * فالدينُ أوّلها والعقل ثانيها

والعلمُ ثالثُها والحلمُ رابعُها * والجود خامسُها والفضل ساديها

والبِر سابعها والصبر ثامنُها * والشكرُ تاسعها والليْنُ باقيها

والنفس تعلم أنّي لا اُصادِقُها * ولستُ أرشُدُ إلا حينَ أعْصيها

٦٣

____________________

وهو في الديوان (ص١٢٣) ورواه في أدب الدنيا والدين (ص٣٠) باختلاف وزيادة.

وقال عليه السلام - وهو أجدر بطالب العلم أن يكون عليه - :

ومحترسٍ عن نفسه خوف ذِلةٍ * تكون عليه حُجّةً هيَ ماهيَا

فقلّصَ بُرديْه وأفضى بِقلبه * إلى البرّ والتقوى فنال الأمانِيَا

وجانب أسباب السفاهةِ والخنا * عَفافا وتنزيها فأصبح عالِيَا

وصانَ عن الفحشاء نفسا كريمةً * أبَتْ همّةً إلا العُلى والمعالِيَا

تراه إذا ما طاشَ ذوالجهل والصِبا * حليما وَقُورا صائن النفسِ هادِيَا

له حِلْمُ كهلٍ في صرامة حازِم * وفي العينِ إنْ أبصرتَ أبصرت ساهيَا

يَروق صفأُ الماءِ منه بوجهه * فأصبحَ منه المأ في الوجه صافِيَا

ومن فضله يرعى ذِماما لجارِه * ويحفظ منه العَهدَ إذ ظلَ راعِيَا

صبورا على صرف الليالي وَدَرْئها * كتوما لأسرار الضمير مُدارِيَا

له همّة تعلو على كلّ همّةٍ * كما قد علا البدرُ النجومَ الدراريَا

وهو في الديوان (ص١٢٨ - ١٢٩)

٦٤

الفصل الرابع

في الجدّ والمواظبة والهمَة

[٢٣ - الجدّ في الطَلَب]

ثمَ لابُدَ لطالب العِلْمِ من الجدّ، والمواظبة والملازَمة.

قيل: (مَنْ طَلَبَ شيئا وَجَدَ وَجَدَ، ومَنْ قَرَعَ بابا وَلَجَ وَلَجَ)((٤٨) ).

وقيلَ: (بقَدْرِ ما تتعنّى(٤٩) تنالُ ما تَتَمنَى)(٥٠) .

____________________

(٤٨) قال الماوردي: روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: (بالصّبر يتوقّعُ الفرَجُ، ومَنْ يُدْمِنْ قرْعَ البَابَ يَلجْ) أدب الدنيا والدين (ص٢٧٩).

وفي المنقول من حكم أمير المؤمنين عليه السلام قوله: (اطلب تجد) معجم الفاظ غرر الحكم (ص٦٤١).

(٤٩) كذا في بعض النسخ والزرنوجي، وكان في (ف) ونسخ اُخرى والخشاب: سعى.

(٥٠) قال أبو الحسن موسى الكاظم عليه السلام لبعض ولده: (... وإيّاك والضجر والكسل، فإنّهما يمنعانك حظك من الدنيا والاَخرة) عن كتاب الحسن بن محبوب السراد في مستطرفات السرائر (ص٨٠).

وفي حديث وصيّة النبي لعليّ :: (يا علي لا تمزَحْ فيذهبُ بهاؤك، ولا تكذب فيذهب نورك وإيّاك وخصلتين: الضجر، والكسل، فإنْ ضجرت لم تصبر على حق، وإن كسلت لم تؤدّ حقّ) كتاب من لا يحضره الفقيه (٣٥٢٤، ح٥٧٦٢).

وروى القضاعي قول أمير المؤمنين عليه السلام:

إصْبِرْ على مضض الإدْلاج بالسَحَرِ * وفي الرواح إلى الحاجات والبُكَرِ

لا تَيْئَسَنَ ولا تُحْزِنْكَ مَطْلَبة * فالنُجْحُ يَتْلَفُ بين العَجْزِ والضَجَرِ

إنّي رأيتُ وفي الأيّام تجربَة * للصَبْرِ عاقبةً محمودَةَ الأثَرِ

وقلَ مَنْ جَدَ في أمْرٍ يُطالبُه * واسْتَصْحَبَ الصَبْرَ إلا فازَ بالظَفَرِ

دستور معالم الحكم (ص٨ - ١٥٩).

ونقل الماوردي البيت الثاني فقط في أدب الدنيا والدين (ص٦٤) وهو عنده: لا تعجَزنّ ولا تَدْخلك مضجرة فالنجحُ يهلك

٦٥

وقيلَ: (يُحتاجُ في التعلم إلى جِدّ الثلاثة:

المتعلّم، والاُستاذ، والأب - إنْ كان في الحياة - )(٥١) .

____________________

(٥١) قال الزرنوجي: واُنْشِدْتُ - وقيل: إنّه لعليّ بن أبي طالب عليه السلام - :

ألا لا تَنالُ العِلْمَ إلاّ بِسِتّةٍ * سأُنبيك عن مجموعها بِبَيانِ

ذكاء وحِرْص واصْطِبار وبُلْغَة * وإرشادُ اُسْتاذٍ وطُوْلُ زَمانِ

وقال عليه السلام:

لو كانَ هذا العلمُ يحصَلُ بالمُنى * لما كانَ يبقى في البريَة جاهلُ

إجْهدْ ولا تكسَلْ ولا تكُ غافلا * فندامة العُقْبى لمن يتكاسلُ

وهو في الديوان (ص٩٧).

قال الشاعر - وهو من شواهد العربيّة - :

اُطْلُبْ ولا تضجَر من مَطْلَبِ * فآفةُ الطالبِ أنْ يضْجرا

أما ترى الحَبْلَ بِتكراره * في الصَخْرة الصمّأ قَد أثّرا

مغني اللبيب لابن هشام (ص٥١٩) الشاهد (٧٤١) و (ص٧٦٣) الشاهد (٩٩٩) وقال المعلّق: لم يذكر قائله، وقد أهمله السيوطي.

وقال الإمام موسى الكاظم عليه السلام: (من ترك التماس المعالي لانقطاع رجائه فيها لم ينَلْ جسيما. ومن تعاطى ما ليس من أهله، فاتَه ما هو من أهله، وقعد به ما يرجوه من أمَله. ومن أبْطَرَتْه النعمةُ وقره زواله). في نزهة الناظر (ص٦٠).

٦٦

[٢٤ - المواظبة على الطَلَب]

ولابُدَ لطالب العلمِ من المواظَبةِ على الدرس. والتكرارِ في أوّل الليل وآخره، فإنَ ما بينَ العشائين، ووَقْتَ السحر، وَقْت مبارَك. وقيلَ: (مَنْ أسْهرَ نفسه بالليل فقد فَرَحَ قلبه بالنهار).

ويغتنم أيّامَ الحداثة، وعُنفوان الشباب(٥٢) .

____________________

(٥٢) قال أمير المؤمنين عليه السلام: (قَلْبُ الحَدَثِ كالأراضي الخالية، ما اُلْقيَ فيها من شيٍ قبِلَتْه). رواه الماوردي في أدب الدنيا والدين (ص٥٧)

وقال: وإنّما كانَ كذلك لأنّ الصغيرَ أفْرَغُ قلبا، وأقل شُغْلا، وأيْسَرُ تَبذلا، وأكْثَرُ تواضُعا.

وقال الإمام عليه السلام شعرا:

حَرضْ بَنيك على الاَداب في الصِغَرِ * كَيْما تقِرَ به عَيْناكَ في الكِبَرِ

وإنّما كامِلُ الاَدابِ يجمَعُها * في عُنفوان الصِبا كالنقش في الحَجَرِ

هيَ الكُنوزُ التي تَنْمُو ذخائِرُها * ولا يُخافُ عليها حادِثُ الغِيَرِ

الناسُ إثْنانِ ذُو علمٍ ومُسْتمع * واعٍ وسائرهمْ كاللَغْوِ والعُكَرِ

وهو في الديوان (ص٦٨).

٦٧

____________________

وروى ابن عبد البرّ أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (مَنْ تعلّم العلم وهو شاب، كانَ كَوَشْمٍ في حَجَرٍ، ومن تعلّم العلم بعدما يدخل في السِنّ، كانَ كالكِتاب على ظهر الماء). جامع بيان العلم (٨٢١).

وروى عن أبي عبيد الله نِفْطوَيْه ، أنّه أنشدَ لنفسه: جامع بيان العلم (٤١ - ٨٥).

أرانيَ أنسى ما تعلّمتُ في الكِبَرْ * ولستُ بناسٍ ما تعلّمتُ في الصِغَرْ

وما العلم إلا بالتعلم في الصِبا * وما الحلم إلا بالتحلم في الكِبَرْ

ولو فُلِقَ القلبُ المعلَم في الصِبا * لاُلْفيَ فيه العلمُ كالنقش في الحَجَرْ

وللسيد محمد صالح القزويني (المتوفى عام ١٣٧٥ه-)وهومن كبار خطباء كربلاء المقدسة وشعرائها العلماء:

العلم زينتكم يا معشر البشر * به رقيت العلى فارقوا على اثرى

إني طلبت العلى جدا ومجتهدا * ألا بجهدى سأرقى هالة القمر

تزينوا بفنون العلم فى الصغر * العلم فى الصغر كالنقش فى الحجر

نصيحة هامّة:وقد أثار الشيخ ابن إدريس نُكْتةً مهمّة، فيها نصيحة هامّة للمُحدَثين من طلاب العلم الذين يشتغلون بالتحصيل وهم أحداث يافعون، لكنّهم بفضل ما مهدَه لهم الأوّلون من وسائل التحصيل وأسباب الوصول إلى أفضل النتائج بأسهل سبيل، قد يستدركون على مَنْ سبقَ من الأساتذة والعلماء والمحقّقين ما لم ينتبه إليه أحدهم، أو زلّت فيه أقلامهم، أو سَهتْ عنه أعيُنهم، أو غفلت عنه أذهانهم، فليس له أن يتبجّحَ ويغترّ، أو يظنّ أن حظّه من العلم أوفر، فقال الشيخ ابن إدريس في ذلك ما نصّه:ولا ينبغي - لمن استدرك على مَنْ سَلَفَ، وسبق إلى بعض الأشياء - أنْ يرى لنفسه الفضل عليهم، لأنّهم إنّما زلّوا - حيث زلّوا - لأجل أنّهم كدّوا أفكارهم، وشغلوا زمانهم في غيره، ثمّ صاروا إلى الشي الذي زلّوا فيه بقلوبٍ قد كلّتْ، ونفوسٍ قد سَئِمتْ، وأوقاتٍ ضيّقة.ومن يأتي بعدَهم فقد استفاد منهم ما استخرجوه، ووقف على ما أظهروه، من غير كد ولا كُلْفةٍ، وحصلتْ له بذلك رياضة، واكتسب قوّةً.فليس بِعَجَبٍ - إذا صار إلى حيثُ زَلّ فيه مَنْ تقدَمَ، وهو موفورُ القِوى، متّسعُ الزمان، لم يلحقه مَلَل، ولا خامرَه ضَجَر - أنْ يلحظ ما لم يلحظوه، ويتأمّلَ ما لم يتأمّلوه ولذل زاد المتأخرون على المتقدّمين.

ولهذا كثرت العلوم بكثرة الرجال، واتّصال الزمان، وامتداد الاَجال. فربّما لم يُشبع القول المتقدّم في المسألة، على ما أورده المتأخرون، وإنْ كان - بحمد الله - بهم يُقتدى، وعلى أمثلتهم يُحتذى. غفر الله لهم، ولنا، ولجميع المؤمنين، آمين ربّ العالمين. السرائر، لابن إدريس (٦٥٢٣ - ٦٥٣) ومستطرفات السرائر (ص١٦٦ - ١٦٧).

٦٨

ولا يُجْهدْ نَفْسَه جُهدا يُضْعِفُ النَفْسَ، وينقطعُ عن العَمَلِ، بل يستعملُ الرِفْقَ في ذلك فإنّ الرِفْقَ أصْل عظيم في جميع الأشياء((٥٣) ).

[٢٥ - الهمّة العالية]

ولابُدّ لطالِب العلم من الهمّة العالية في العلم، فإنّ المَرَْ يطير بِهمَتِه

____________________

(٥٣) وروى عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قوله: (الرفْقُ رأسُ الحكمة) رواه الخرائطي في مكارم الأخلاق (ص٩١) رقم ٤٢٣.

وقال صلى الله عليه وآله وسلم : (عليكم بالرفق، فإنّه ما خالط شيئا إلا زانَه، ولا فارقه إلا شانَه). أرسله في نزهة الناظر (ص٤) و (ص١٤).

وقال عليّ عليه السلام من وصيّته لابنه الحسين الشهيدعليه السلام: (يا بُنيّ، رأس العلم الرفق، وآفته الخرق) رواها نزهة الناظر (ص٢٨).

٦٩

كالطيْرِ يطيرُ بجناحَيْه.

فلابُدَ أنْ تكونَ همَتُه على حِفْظِ جميع الكُتُبِ ليُحصلَ البَعْضَ.

فأمّا إذا كانَتْ له همَة، ولم يكنْ له جِد، أو كانَ له جد ولم تكُنْ له همَة عالية، لا يحصل له إلا القليلُ من العلم.

[٢٦ - المثابَرة والدقّة]

وينبغي أنْ يَبْعَثَ نَفْسَه على التَحْصيلِ والجِد والمُواظَبةِ، بِالتأملِ في فضائِلِ العُلوم ودَقائِقها وحَقائِقها(٥٤) .

فإنَ العلم يَبْقى، وغيرُه يَفْنى(٥٥) فإنَه حَياة أَبَدِيّة.

قيل: (العالِمونَ (لا يموتون) وإنْ ماتُوا فَهمْ أحْياء)(٥٦) .

____________________

(٥٤) كلمة (وحقائقه) وردت في بعض النسخ دون بعض.

(٥٥) أضاف الزرنوجي هنا: كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام:

رَضِيْنا قِسْمة الجبّار فينا * لنا علم وللأعداء مالُ

فإنّ المالَ يفنى عن قريبٍ * وإنّ العلمَ يبقى لا يُزالُ

وهو في الديوان (ص٨٥).

()٥٦ كذا جاء القول في كتابنا، وما بين القوسين من (ف، و) فقط، وزاد الخشاب في أوّله: (المؤمنون ...) ولم يذكره الزرنوجي، إلا أنّه نقل بمعناه شعرا، فقال:

أنشدنا ظهير الدين المرغيناني شعرا، فقال:

الجاهلونَ فموتى قبلَ موتهمُ * والعالِمونَ وإنْ ماتوا فأحْياءُ

وفي حديث كميل بن زياد النخعي المشهور عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، المشهور في تفضيل العلم على المال، قال: (العلم خير من المال: لأنّ المال تحرسُه، والعلمُ يحرسُكَ، والمالُ تُفنيه النفقةُ، والعلم يزكو على الإنفاق، والعلم حاكم والمال محكوم عليه. مات خزّان المال وهم

أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر ...). رواه ابن عبد البرّ في جامعه (٥٧١) وقال: من قول عليّ عليه السلام هذا أخذ

سابقُ البربري قوله:

موتُ التقيّ حياة لا انقطاع لها * قد مات قوم وهم في الناس أحياء

أقول: ومن الشعر الشهير النسبة إلى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قوله:

ما الفضل إلا لأهل العلم أنّهم * على الهدى لمن استهدى أدِلاّءُ

وقَدْرُ كلّ امْرِىٍ ما كان يُحسِنُه * وللرِجال على الأفعال أسْماءُ

وضِدّ كلّ امْرِىٍ ما كانَ يجهلُه * والجاهلونَ لأهل العلم أعْداءُ

فَفُزْ بِعلمٍ ولا تطلب به بَدَلا * فالناسُ مَوْتَى وأهل العلم أحْياءُ

وهو في الديوان (ص١٦) ونقله ابن عبد البِرّ في جامعه (٤٨١) إلا البيت الأخير.

٧٠

وكفى بِلَذّةِ العلم داعِيا - لِلعاقِلِ - إلى تَحْصيله.

[٢٧ - الكَسَلْ وأسبابُه وعلاجُه]

وقد يتولّدُ الكَسَلُ من كثرة البَلْغَمِ والرطوبات(٥٧) .

وطريق تقليله تقليلُ الطعام، وذلك: لاِضنّ النسيانَ من كثرة البَلْغَمِ،

وكثرةُ البَلْغَمِ من كَثْرة شُرْبِ المأِ، وكَثْرةُ شُرْبِ المأِ من كَثْرة الأكْلِ(٥٨) .

____________________

(٥٧) لاحظ الفقرة .[٥٣]

(٥٨) قال الزرنوجي هنا: قيل: (اتّفقَ سبعونَ نبيّا على أنّ كثرة النِسيان من كثرة البلغم).

٧١

والخبزُ اليابِسُ يقطع البَلْغَمَ والرّطوبة.

وكذا أ كْلُ الزبيبِ، ولا يُكْثر الأكْلَ منه، حتّى لا يَحْتاجَ إلى شُرْب الماءِ، فيزيدُ البَلْغمُ.

والسِواكُ يُقَللُ البَلْغَمَ، ويزيدُ في الحفظ، والفَصاحَةِ.

وكذا القَيُْ يُقلّلُ البَلْغَمَ والرطوبات.

وطريقُ تقليلِ الأكلِ:

التأملُ في منافعِ قلّة الأكلِ، وهي: الصحةُ، والعفّةُ، وغيرُهما.

والتأمُلُ في مَضار كثْرةُ الأكْلِ، وهي: الأمراضُ وكلالةُ الطَبْعِ، وقلّة الفِطنة((٥٩) ).

وقيل: (البِطْنَةُ تُذهب الفِطْنَةَ)(٦٠) .

وينبغي أنْ يأكُلَ الأطعمةَ الدسْمةَ(٦١) ، ويُقَدمَ - في الأكْلِ - الألطفَ،

____________________

(٥٩) قوله (وقلة الفطنة) لم يرد في (ب، و، ع).

(٦٠) قال الماوردي: قد روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: (إيّاكم والبطنةَ، فإنّها مفسدة للدين، مُورِثة للسُقْمِ، مَكْسلة عن العبادة). أدب الدنيا والدين (ص٣٣٥).

وقال عليّ عليه السلام: (إنْ كُنْتَ بَطِنا، فَعُدَ نفسك زَمِن). أدب الدنيا والدين (ص٣٣٥).

(٦١) الظاهر أن أثر الأطعمة الدسمة في تقليل الأكل من جهة أنّها تصدمُ الاَكل فيمتنع من الأكل الأكثر، ويحصل بذلك المطلوب.

وقد يُتصوّرُ أنْ أكل الأطعمة الدسمة يقتضي شرب المأ، وقد ذكر الماتن في بداية هذه الفقرة أن كثرة شرب المأ يؤدي إلى كثرة البلغم وهو موجب للنسيان فيُقال: إنّما الغرضُ هنا الإرشاد إلى طريقٍ لتقليل الأكل، وذلك يحصل بتناول الطعام الدسم، فلو عارض ذلك عند شخص يغلب عليه البلغم، فلابدّ له من أنْ يلتجى إلى طريقة اُخرى لتقليل الأكل، فلاحظ.

٧٢

والأشهى.

وأنْ لا يَسْعى في الأكْلِ والنوم إلا لغرض الطاعات، كالصلاة، والصوم، وغيرهما.

٧٣

الفصل الخامس

في بِدايةِ السبقِ(٦٢) وقَدَرِه وتَرْتيبِه

[٢٨ - وَقْتُ الشروع]

ينبغي أنْ تكونَ بدايةُ السَبْق يومَ الأربعاء، كما قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم (ما من شي بُدِىَ في يوم الأربعاء إلاّ وقد تمَ)(٦٣) .

____________________

(٦٢) السَبْقُ: مصدر (سَبَقَ) قال الراغب في المفردات: أصله التقدّم في السَيْرِ، ثم يتجوّز به في غيره من التقدم، ويُستعارُ لإحراز الفضل والتبريز.

أقول: والمرادُ هنا (الدَرْسُ) ولعلّه من أجل كون الدرس منشأً لإحراز الفضل والرّفعة، تسميةً للسبَب باسم المسبَب.

(٦٣) قال الشيخ الشهيد الثاني: (وروي في يوم الأربعاء خبر ...) فأورد هذا الحديث، لاحظ منية المريد (ص٢٦٦).

وقال الزرنوجي: (كان اُستاذنا شيخ الإسلام برهان الدين يروي في ذلك حديثا فيستدلّ به، ويقول: ...) وأورد هذا الحديث.

وقال الزرنوجي - أيضا - : وهكذا كان يفعل أبو حنيفة، وكان يروي هذا الحديث عن اُستاذه الشيخ الإمام الأجلّ قوام الدين أحمد بن عبد الرشيد.

٧٤

قيل: كل عملٍ من أَعمالِ الخير لابُدّ أنْ يوقَعَ يَوْمَ الأربعاءِ(٦٤) وهذا، لأنّ يومَ الأربعاء يوم خُلِقَ فيه النُورُ(٦٥) . وهو يوم نحْس فى حق الكُفّارِ، فيكونُ مُبارَكا للمؤمِنينَ(٦٦) .

____________________

(٦٤) كذا في النسخ إلاّ (أ) وبعض النسخ، فلم يرد من أوّل السطر إلى هنا فيهما.

(٦٥) جاءفي الحديث (١٨٥٤) من رياض الصالحين للنووي: (خلق النور يوم الأربعاء انظر كنوز الباحثين، نور: (ص٧٩٨) ويوم: (٨٤٥).

وقد روى ابن طاوس عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام حديثا فيه: (أما الأربعاءفيوم خلقت فيه النار ...) لاحظ الدروع الواقية (ص٥٨) وانظر الهامش التالي.

(٦٦) روى ابن طاوس في الدروع الواقية (ص٥٨) الفصل (٨) عن الإمام الصادق عليه السلام انّه سئل عن سبب الصوم يوم الأربعاءفي وسط الشهر فقال: (لأنّه لم يعذّب قوم قطّ إلا في أربعاء في وسط الشهر، فنردّ عنا نحسه).

وروى عن كتاب (علل الشريعة) للحسين بن عليّ بن شيبان القزويني، عن الإمام الرضا عليه السلام قال: (الأربعاء يوم نحسٍ مستمرّ، لأنّه أوّل الأيام وآخر الأيام التي قال الله عزّوجلّ: (سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَامٍ حُسُوْما) .[الحاقّة ٩٦ - آية ٧]وروى صدره ابن عدي في الكامل (٢٣٨١) في ترجمة (ابراهيم بن أبي حية، أبو إسماعيل المكّي).

وروى الزمخشري في (ربيع الأبرار) (٨٣١) حديثا نصّه: (آخر أربعاء في الشهر يوم نحس).

وظاهر هذه الأخبار كون نحوسة الأربعاء عامّا للمؤمن وغيره، وأنّ ورود العذاب فيه على غير المؤمنين علامة لنحوسته العامّة، وهذا يُنافي كونه مباركا

ويبدو لي - في الخروج عن هذا الدخل - أمران:

الأوّل: أنّ النحوسة العامّة إنّما هي في خصوص أربعاء وسط الشهر وآخره كما هو صريح الأخبار، فإنّها قيدت بذلك. وقد ورد في حديث من مسانيد الرضا عليه السلام مرفوع إلى أمير المؤمنين

فيه أنّ رجلا قام إليه فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن يوم الأربعاء وتطيرنا منه، وثقله، وأي يومٍ هو

فقال عليه السلام: آخر أربعاء في الشهور، وهو المحاق، وهويوم قتلِ قابيل هابيل أخاه، ويوم الأربعاء اُلقي إبراهيم عليه السلام في النار إلى آخر الحديث وهو طويل، ذكر فيه أربعا وعشرين حادثةً وقعت في يوم الأربعاء. أورد الحديث الصدوق في عيون أخبار الرضا ٧ (٢٤٠١) ح١ ووزّع فقراته في علل الشرائع (ص٤٩٣) باب ٢٤٤ ح١ وغيرها، وفي الخصال (ص٣١٨ - ٣١٩) ح١٠٢ و ١٠٣ وغيرها. وفي البحار عن العيون والعلل (٧٥١٠) ح١.

الثاني: أنّ نحوسة الأربعاء إنّما تندفع عن المؤمن بإقدامه على الأعمال الصالحة، ولذا أضاف الإمام بعد حكمه على الأربعاء بأنّه خلقت فيه النار، فقال: (والصومُ جُنّة) أي ندفع بالصوم نحوسة هذا اليوم، فيكون الابتداء بالدرس فيه جُنّة يدفع بها ما في هذا اليوم، ويرد به نحسه، كما يُرد بالصوم.

٧٥

[٢٩ - مقدار الدرس وتكراره]

وأمّا قَدَرُ السَبْقِ في الابتداء:

فينبغي أنْ يكونَ قَدَرُ السبقِ للمُبْتَدِىِ قَدَرَ ما يُمْكِنُ ضَبْطُه بالإعادَةِ مرّتينِ، بالرِفْقِ والتَدْريجِ.

فأمّا إذا طالَ السبقُ في الابتداء، واحْتاجَ إلى الإعادة عشر مرّاتٍ، فهو في الانتهاء- أيضا - كذلك، لأنّه يعتاد ذلك، ولا يتركُ تلك العادةَ إلاّ

٧٦

بجُهدٍ كثير.

وقد قيلَ: (الدَرْسُ(٦٧) حَرْف، والتكرارُ ألْف).

[٣٠ - الشروع بالمتون الصغار]

وينبغي أنْ يبتدىَ بشيٍ يكونُ أقربَ إلى فهمه.

والأساتيذُ كانوا يختارونَ للمبتدىء صِغارَ المُتونِ المبسوطةِ(٦٨) ، لاِنّها أقْربُ إلى الفهم، والضَبْطِ.

[٣١ - كتابةُ الدرس]

وينبغي أنْ يُعَلّقَ(٦٩) السبق، بعدَ الضَبْطِ والإعادة كثيرا.

ولا يكتب المتعلّمُ شيئا لا يفهمُه، فإنّه يورِثُ كلالةَ الطبْعِ، ويُذْهبُ الفِطْنةَ، ويضيّعُ أوقاته.

____________________

(٦٧) في الخشاب و (ب، د): السبق، بدل (الدرس).

(٦٨) في أكثر النسخ: (صغارات المبسوط)، وفي (ع) المبسوطة، وما أثبتناه تلفيق من عدّة نسخٍ، والمراد: المتون الصغيرة الواضحة العبارة، لما فيها من البسط والتفصيل.

(٦٩) كذا في الزرنوجي وبعض النسخ، وفي بعضها: يتعلّق، وفي آخر: يعوّل، وفي الخشاب: يعقل وفي (ف، و) يتعقّل.

والتعليق: الكتابة على الهوامش، ومنه سُمّي (خطّ التعليق)، وقد يُطلق على مُطلق كتابة الشي واستنساخه، ونقله، وأطلقه بعض المؤلّفين كذلك على كتابة ما ألّفوه.

٧٧

[٣٢ - فهم الدرس]

وينبغي أنْ يجتهدَ في الفهم عن الاُستاذ، أو بالتأملِ، والتفكرِ، وكثرة التكْرار، فإنّه إذا قَلَ السبقُ وكَثُرَ التكْرار والتأمل يُدْركُ ويُفْهمُ.

وقيل: (حِفْظُ حرفينِ خَيْر من سماع وَرَقين(٧٠) (وفَهمُ حرفينِ خَيْر من حِفْظ وِقْرين)(٧١) ).

____________________

(٧٠) في الزرنوجي: وِقْريْنِ، بدل (ورقين).

(٧١) ما بين القوسين ورد في الزرنوجي ونسخة (أ، و، د، ع) لكن في هذه: ورقين هنا. وقد أثبتنا (ورقين) في الموضع الأوّل، و (وِقرين) في الموضع الثاني، لِحاظا للسجْع، فإنّه مع اختلاف الكلمتين أبْدَعُ. وقد جأ القول في (ب) كما أثبتناه.

والوِقْر: الحِمْل الثقيل.

وقد ورد التأكيد في الأحاديث الشريفة على معنى تقديم الفهم على مجرّد الرواية والجمع:

منها قول الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام: (خَبَر تدريه خَيْر من ألْفٍ ترويه).

وقوله عليه السلام: (عليكم بالدرايات لا بالروايات).

وقال عليه السلام: (رواة الكتاب كثير، ورعاته قليل، فكم من مستنسخٍ للحديث مُسْتَغِشٍّ للكتاب، والعلماء تجزيهم الدراية، والجهال تجزيهم الرواية).

رواها الشيخ ابن إدريس الحليّ في مستطرفات السرائر (ص١٤٩ - ١٥٠) نقلا عن كتاب (اُنس العالم) للصفواني،

وروى الخطيب البغداديّ بإسناده عن عليّ بن موسى الرضا عن ابيه عن جدّه عن اَبائه عليهم السلام انّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :( كونوا دراةً ولاتكونوا رواةً، حديث تعرفون فقهه خير من الف حديثٍ تروونه ) كتاب نصيحة اهل الحديث للخطيب (ص ٤-١٢٥).

وفى حلية الأولياء لأبي نعيم (ج ص ) : عن ابن مسعود مرفوعاً :( كونوا للعلم رعاةً ولا تكونوا رواةً ) لاحظ فيض القدير (٥٧٥)الحديث ٦٤٣٤.

وروى الماوردي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قوله: (همَةُ السفهأ الرواية وهمّةُ العلماء الرعاية).أدب الدنيا والدين (ص٦٥).

وانظر جامع بيان العلم، لابن عبد البرّ (١٢٧٢ وما بعدها) وخاصة الصفحات (١٣١ - ١٣٢) فقد نقل أشعارا منظومة منها قول عمّار الكلبي:

إنّ الرواةَ على جهلٍ بما حملوا * مثل الجمال عليها يُحمل الودعُ

لا الودع ينفعه حمل الجمال له * ولا الجمال بحمل الودع تنتفعُ

٧٨

وإذا تَهاوَنَ في الفَهمِ، ولم يجتَهدْ مرّةً أو مرّتينِ، يَعْتادُ ذلِكَ، فلا يَفهمُ الكلامَ اليسير(٧٢) .

فينبغي أنْ لا يَتَهاوَنَ، بل يَجْتَهدَ، ويَدْعُوَ الله تعالى، ويَتَضَرَعَ إليه، فإنَه يُجيبُ مَنْ دَعاه، ولا يُخَيبُ مَنْ رَجاه.

[٣٣ - المُباحثةُ والمُذاكَرة]

ولابُدَ لطالب العلم من المطارحَة(٧٣) والمناظَرةِ.

فينبغي أنْ يكونَ بالإنصافِ، والتأنّي، والتأملِ.

فيحترز عن الشَغَبِ(٧٤) والغَضَبِ، فإنَ المناظرةَ والمذاكرةَ مشاوَرة،

والمشاوَرةُ إنّما تكونُ لاستخراج الصوابِ، وذلك إنّما يحصل بالتأمل

____________________

(٧٢) راجع للتفصيل عن (الفهم) بحثا ممتعا في أدب الدنيا والدين للماوردي (ص٥٩ - ٧٥)، وممّا جأ فيه (ص٧٩) أنشد المبرّد لبعضهم:

فسَلِ الفقيه تكُن فقيها مثله * لا خيرَ في علمٍ بغير تدَبرِ

وإذا تعسَرتِ الاُمورُ فأرْجِها * وعليك بالأمر الذي لم يَعْسُرِ

(٧٣) في الزرنوجي: المذاكرة والمناظرة والمطارحة، بدل ما في كتابنا. وتتناوب هذه الكلمات في المواضع الاَتية حسب اختلاف النسخ والمراد منها واحد.

(٧٤) في بعض النسخ: التعسف، بدل (الشغب).

٧٩

والإنْصافِ، ولا يحصل ذلك بالغَضَب، والشَغَبِ(٧٥) .

وفائدة المطارحة(٧٦) والمُناظرة أقوى من فائدة مجرّد التكرار، لأنّ فيه تكرارا مع زيادةٍ.

قيل: (مُطارحةُ ساعةٍ خير من تكرار شَهرٍ)(٧٧) لكن إذا كانَ مَعَ

____________________

(٧٥) أضاف الخشاب هنا: والمشقّة.

(٧٦) في نسخة (أ): المباحثة، بدل (المطارحة).

(٧٧) قد أكّد الأئمة : على المذاكرة في أحاديث كثيرة، منها:

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أنّه قال: (تذاكروا، وتلاقوا وتحدّثوا، فإنّ الحديث جلاء للقلوب، إنّ القلوب لترين كما يرين السيفُ، جلاؤها الحديث). رواه الكليني في الكافي (٤١١) كتاب فضل العلم، الحديث قبل الأخير من الباب (١٠) سؤال العالم وتذاكره.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: (إذا اجتمع المسلمان فتذاكرا غفر الله لأبَشّهما بِصاحبه). رواه ابن منظور في لسان العرب (٢٦٦٦) طبع صادر، مادة (بشش).

وعنه عليه السلام قال: (تزاوروا، وتذاكروا الحديث، فإنّكم إن لم تفعلوا يَدْرُسْ علمُكم). رواه في جامع بيان العلم (١٠١١) وانظر تدوين السنّة الشريفة (ص٥٦٤) فقد خرجناه عن مصادر اُخري.

وقال أبو جعفر الباقرعليه السلام: (رحم الله عبدا أحيى العلم) قيل: وما إحياؤه: قال: (أنْ يذاكر به أهل الدين والورع). رواه الكليني في الكافي (٥٠١) كتاب فضل العلم، الباب (١٠).

وقال الباقر عليه السلام: (تذاكر العلم دراسة، والدِراسَةُ صلاة حَسَنة). رواه الكليني في الكافي (٥٠١) كتاب فضل العلم، الحديث الأخير من الباب (١٠) سؤال العالم وتذاكره.

وقال أبو عبد الله الصادق عليه السلام: (القلوبُ تُرْب، والعلم غرسُها، والمذاكرة ماؤها، فإذا انقطع عن التُرْبِ ماؤها جَفَ غرسه). رواه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (٤١٩٢).

وقال الصادق عليه السلام: (دراسة العلم لِقاح المعرفة) رواه الحلواني في نزهة الناظر (ص٥٦).

٨٠