الشيعة تجيب

الشيعة تجيب0%

الشيعة تجيب مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 191

الشيعة تجيب

مؤلف: سيد رضا حسيني نسب
تصنيف:

الصفحات: 191
المشاهدات: 38047
تحميل: 3580

توضيحات:

الشيعة تجيب
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 191 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 38047 / تحميل: 3580
الحجم الحجم الحجم
الشيعة تجيب

الشيعة تجيب

مؤلف:
العربية

فيقول المفسّرون في شأن نزول هذه الآية الشريفة أنّ عمار بن ياسر وأباه واُمّه ابتُلوا بالكفّار والمشركين، فعرضوا عليهم أن يكفروا وأن يتركوا دين الإسلام ويرجعوا إلى دينهم الأوّل، فشهد من كان مع عمّار بالوحدانيّة لله سبحانه وبنبوّة النبيّ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاستشهد بعضٌ وعُذّب بعضٌ، وأما عمّار فقد ابرز خلاف ما يعتقد تقيّة، وقال بلسانه ما يرضي الكفّار. فلما ذهب إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان في قلق وعدم ارتياح مما صدر منه، فهدّأه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسكّن عليه، فنزلت الآية المذكورة(١) .

فيتّضح من هذه الآية ومن أقوال المفسّرين أنّ التقيّة - التي هي كتمان العقيدة لحفظ النفس وللوقاية من التعرّض للضرر المادّي والمعنوي - كانت على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد أقرّها دين الإسلام العزيز.

التقيّة في النظرة الشيعيّة

لما كانت الحكومات الظالمة لبني اُميّة وبني العباس ومن تلاهما في مختلف العصور قد شنّت حرباً شعواء ضدّ الشيعة، فحاولت قتلهم، استخدم الشيعة اُسلوب التقيّة القرآني للحفاظ على أرواحهم وأرواح إخوانهم خلال تلك الظروف القاسية.

ومن الواضح أنّه في مثل هذه الأجواء التي خيّم عليها الاستبداد والظلم لا يوجد سبيل آخر للشيعة للنجاة من هذه المحنة ومن هذا الظلم الذي هدّد كيان الشيعة بالفناء. ولهذا فلو لم يسلك حكّام الجور وأتباعهم سبيل قتل وتعذيب وإقصاء الشيعة لما كان مبرّر للشيعة في استخدام التقيّة.

____________________

(١) راجع تفسير الدر المنثور، ج ٤، ص ١٣١، وغيره ذيل الآية.

١٦١

الجدير بالذكر أنّ التقيّة لا تختصّ بالشيعة، بل إنّ بقيّة المسلمين يقولون بها أيضاً تجاه العدوّ الفاجر الذي يخالف جميع المذاهب ; كالخوارج، والحكومات الظالمة التي لا تتحرّج من سفك الدماء ومن كلّ حرام، ففي صورة عدم إمكان مواجهتهم يلتجئون إلى درع التقيّة، فيسترون عقيدتهم لحفظ دمائهم.

وعليه فإذا عاش المسلمون جميعاً في أجواء تسودها الاُلفة والتفاهم والوحدة فسوف لا يبقى مجال للتقيّة.

النتيجة:

نستنتج مما مرّ الاُمور التالية:

١ - إنّ للتقيّة جذوراً قرآنيّة، واستخدام الصحابة لها وتأييد الرسول الأكرم لها دليل واضح على جوازها وتحقّقها والعمل بها في صدر الإسلام.

٢ - إنّ الحافز لاستخدام الشيعة للتقيّة هو التوقّي عمّا كانوا يعيشونه من الظلم والقتل الذريع، والذي كان يهدّد الكيان الشيعي بالزوال والفناء.

٣ - عدم اختصاص التقيّة بالشيعة بل هي موجودة عند غيرهم من المسلمين أيضاً.

٤ - إنّ التقيّة لا تختصّ بالتقيّة من الكفّار والمشركين وذلك بكتمان العقائد الإسلاميّة عنهم، بل الملاك في التقيّة وكتمان العقائد هو حفظ النفس من العدوّ الذي لا يتحرّج من سفك الدماء، ولا يمكن مقاومته، أو أنّ الشرائط الحاكمة غير مناسبة لمواجهته.

٥ - إذا عاش المسلمون جميعاً في أجواء تسودها الاُلفة والتفاهم والوحدة فسوف لا يبقى مجال للتقيّة.

١٦٢

السؤال الثاني والثلاثون

لماذا اعتبر القانون الأساسي للجمهوريّة الإسلاميّة المذهب الجعفري المذهب الرسمي؟

الجواب:

لا شكّ ولا ريب في أنّ جميع المذاهب الإسلاميّة محترمة في نظر القانون الأساسي للجمهوريّة الإسلاميّة. كما لا ريب في وجود الاختلاف بين المذاهب الإسلاميّة - من الجعفريّة والشافعيّة والمالكيّة والحنفيّة والحنبليّة - في تعيين الوظائف الشرعيّة.

ومن جانب آخر ينبغي رعاية الاتّساق والانسجام بين القوانين والمقرّرات الحقوقيّة للمجتمع حين تدوينها، ومن هنا فلابدّ من رعاية مذهب واحد من المذاهب الإسلاميّة لوضع القوانين المختلفة، وإلاّ فإنّه مع تعدد المنابع التي تنهل منها القوانين لا يمكن أن توضع قوانين منسجمة ومتناسقة.

وعلى هذا فمن المناسب اختيار مذهب واحد من بين المذاهب الإسلاميّة المختلفة بعنوانه أساساً لتدوين القوانين للحيلولة دون حصول الخلل والتبعثر وعدم الانسجام في قوانين الدولة، وتسهيل الطريق لسَنِّ قوانين متّفقة ومتّسقة في مختلف المجالات الاجتماعيّة والاقتصادية والسياسيّة وغيرها.

الأساس والملاك في تعيين المذهب الجعفري

وهنا يطرح سؤال آخر وهو: على أيّ أساس تمّ اختيار المذهب الجعفري من بين المذاهب الإسلاميّة المتعدّدة وجعله محوراً لقوانين الدولة ؟

١٦٣

وجوابه: إنّ الأغلبيّة الساحقة من سكّان الجمهوريّة الإسلاميّة هم من المسلمين ومن أتباع المذهب الجعفري، فهم يعيّنون وظائفهم الفرديّة والاجتماعيّة من خلال هذا المذهب لا غير. وعليه فمن الطبيعي جدّاً أن يكون المذهب الرسمي للدولة هو المذهب الجعفري، وهذا لا ينافي شيئاً من الموازين المنطقيّة والحقوقيّة.

احترام المذاهب الإسلاميّة الاُخرى

القانون الأساسي للجمهوريّة الإسلاميّة وإن كان وفقاً للمذهب الجعفري، لكن لوحظ فيه احترام جميع المذاهب الإسلاميّة الاُخرى من الشافعيّة والمالكيّة والحنفيّة والحنبليّة والزيدية وغيرها، بل روعيت فيه حقوق أتباع المذاهب الاُخرى في أداء ما يلي وفقاً لمذاهبهم وفقههم:

١- أداء الشعائر الدينيّة والمذهبيّة.

٢- التعليم والتربية الدينية.

٣- أداء الأفعال الفرديّة.

٤- الأحكام المذهبيّة الخاصّة ; كالزواج، والطلاق، والإرث، والوصيّة، وغيرها.

مضافاً إلى ذلك كلّه فإنّ المدن التي غالبيّة سكّانها من أحد المذاهب الاُخرى تعطى بعض الصلاحيّات لمسؤوليها وفقاً للمذهب الغالب في تلك المدينة، ضمن إطار صلاحيّات الهيئة المشرفة على البلديّة، في نفس الوقت الذي تحفظ فيه حقوق المذاهب الاُخرى.

ولأجل رفع الإبهام وإيضاح المسألة بنحو أكثر نذكر الأصل الثاني عشر من الفصل الأوّل من فصول القانون الأساسي للجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة:

١٦٤

«الدين الرسمي لإيران هو الإسلام، والمذهب هو المذهب الجعفري الإثني عشري، وهذا الأصل لا يقبل التغيير إلى الأبد. وأما المذاهب الإسلاميّة الاُخرى من الحنفيّة والشافعيّة والمالكيّة والحنبليّة والزيدية فإنّ لها الاحترام الكامل، ولأتباع هذه المذاهب الحرّية التامّة في أداء شعائرهم الدينيّة والمذهبيّة طبقاً لمذاهبهم وفقههم، وفي التعليم والتربية الدينيّة، والأحوال الشخصيّة (كالزواج، والطلاق، والإرث، والوصيّة)، والدعاوى المتعلّقة بها في المحاكم لها صفة رسميّة. وتكون القوانين المحليّة - ضمن إطار صلاحيّات الهيئة المشرفة على البلديّة - في كلّ مدينة غالبيّة سكّانها من أحد المذاهب الاُخرى وفقاً لذلك المذهب مع حفظ حقوق المذاهب الاُخرى».

فعلى ضوء هذا الأصل تتّضح مكانة ومنزلة المذاهب الاُخرى ومدى احترامها في نظر القانون الأساسي للجمهوريّة الإسلاميّة.

١٦٥

السؤال الثالث والثلاثون

هل يعتقد الشيعة وجوب صلاة الوتر ؟

الجواب:

صلاة الوتر إحدى النوافل والصلوات الليليّة التي يرى المسلمون وأتباع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله استحبابها. لكن تبعاً للروايات الشريفة ذكر فقهاء الشيعة بعض الاُمور بعنوان أنّها «خصائص النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله »، ومنها وجوب صلاة الوتر عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فذكر العلاّمة الحلّيقدس‌سره في كتابه «تذكرة الفقهاء» حوالي سبعين خصّيصة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال في أوّل كلامه:

«لا شكّ أنّ الله تعالى شرّف رسوله محمّداً عليه ] وآله [ أفضل الصلاة والسلام، وميّزه عن سائر خلقه بأن خصّه بأشياء فرضها عليه دون خلقه... فأما الواجبات عليه دون غيره من اُمّته اُمور:

(أ) السواك.

(ب) الوتر.

(ج) الاُضحية.

روي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: «ثلاث كتبت عليّ ولم تكتب عليكم; السواك، والوتر، والاُضحية...»(١) .

____________________

(١) تذكرة الفقهاء، ج ٢، ص ٥٦٥ كتاب النكاح، المقدمة الرابعة.

١٦٦

فعلى هذا يعتقد الشيعة وجوب صلاة الوتر على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله واستحبابها للمسلمين عامّة.

١٦٧

السؤال الرابع والثلاثون

هل الاعتقاد بقدرة أولياء الله الغيبيّة توجب الشرك ؟

الجواب:

من الواضح أنّ كلّ إنسان حينما يطلب شيئاً من آخر فهو يعتقد أنّه قادر على الإتيان به، وهذه القدرة على نوعين:

أ - أن تكون قدرته على الإتيان بالشيء قدرة مادّية ; نظير طلبنا من شخص الإتيان بقدح من الماء.

ب - أن تكون قدرته على الإتيان بالشيء قدرة غيبيّة وخارجة عن نطاق المادّة ; نظير اعتقادنا بأنّ عبداً مخلصاً لله كعيسى بن مريم له القدرة على علاج ما يعجز عنه الأطبّاء، فبِنَفَسه المبارك يداوي المرضى.

فمن الواضح أنّ هذه القدرة الغيبيّة التي نعتقد بها إذا كانت معتمدة على قدرة الله سبحانه وإرادته فلا تنافي التوحيد بل هي نظير الاعتقاد بالقدرة المادّية، فكلاهما موهبة من الله سبحانه، فكما أعطى سبحانه الناس هذه القدرة المادّية، كذلك أعطى هذه القدرة الغيبيّة لبعض عباده المخلصين.

ولتوضيح الجواب نقول: الاعتقاد بالقدرة الغيبيّة لأولياء الله سبحانه يمكن أن تتصوّر على نحوين:

أ - الاعتقاد بالقدرة الغيبيّة لشخص مع اعتقاد استقلاله في القدرة، بحيث ننسب الفعل الإلهي إليه مستقلاًّ.

١٦٨

فلا شكّ ولا ريب أنّ الاعتقاد بالقدرة الاستقلاليّة عن قدرة الله سبحانه بهذا النحو شركٌ بالله ; وذلك أنّه يجعل غير الله منشأً للقدرة بالأصالة والاستقلال، وينسب الفعل الإلهي إليه، مع أنّ الباري عزّ اسمه هو القادر وهو المنشئ لجميع أنواع القدرة.

ب - الاعتقاد بالقدرة الغيبيّة لبعض أولياء الله المخلصين مع الاعتقاد بأنّها نابعة من قدرة الله سبحانه وتعالى، وأنّ أفعال أولياء الله هذه بإذنه سبحانه، وأنّهم ليسوا إلاّ وسائط لظهور هذه القدرة وتجلّيها، وليس لهم قدرة مستقلّة عن قدرته عزّوجلّ، بل هم معتمدون في وجودهم وفي قدرتهم على فعل هذه الأفعال على الباري سبحانه وتعالى.

ومن الواضح أنّ مثل هذا الاعتقاد لا يوجب شركاً، فاعتقاد هذا النحو من القدرة ليس اعتقاداً بالوهيّة هؤلاء الأولياء، وليس فيه نسبة الأفعال الإلهيّة لهم، فإنّ هؤلاء الأولياء الصالحين فعلوا هذه الأفعال بقدرتهم الغيبيّة التي وهبها الله لهم، وقد فعلوها بإذنه تعالى وبإرادته التي لا تتخلّف.

قال تعالى في كتابه الكريم والذكر الحكيم:

( وَ ما كانَ لِرَسُول أَنْ يَأْتِيَ بِآيَة إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ ) (١) .

وبهذا البيان المختصر اتّضح أنّ هذه العقيدة لا توجب الشرك، بل هي منسجمة تماماً مع التوحيد.

____________________

(١) الرعد: ٣٨.

١٦٩

القدرة الغيبيّة لأولياء الله في نظر القرآن

ذكر الكتاب العزيز صراحة أسماء جملة من أولياء الله المخلصين الذين كانوا يتمتّعون بهذه القدرة الغيبيّة بإذن الله سبحانه، وإليك فيما يلي بعض الفقرات من الذكر الحكيم في هذا المجال:

١ - القدرة الغيبيّة لموسىعليه‌السلام

أمر الباري سبحانه نبيّه موسىعليه‌السلام أن يضرب الصخرة بعصاه لتتفجّر منها عيون الماء الزلال، وذلك قوله:

( وَ إِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْنًا ) (١) .

٢ - القدرة الغيبيّة لعيسىعليه‌السلام

ذكرت القدرة الغيبيّة لعيسىعليه‌السلام في القرآن الكريم في مواضع عديدة، نشير إلى نموذج منها:

( أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَ أُبْرِئُ الاَكْمَهَ وَ الاَبْرَصَ وَ أُحْيِي الْمَوْتى بِإِذْنِ اللّهِ وَ أُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَ ما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ... ) (٢) .

٣ - القدرة الغيبيّة لسليمانعليه‌السلام

يبيّن القرآن الكريم القدرات الغيبيّة التي وهبها الله لنبيّه سليمانعليه‌السلام بقوله:

( وَ وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَ قالَ يا أَيُّهَا النّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَ أُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْء إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ) (٣) .

____________________

(١) البقرة: ٦٠.

(٢) آل عمران: ٤٩.

(٣) النمل: ١٦.

١٧٠

فلا ريب أنّ ما صدر عن موسىعليه‌السلام من تفجير عيون الماء من الصخرة الصلدة بسبب ضربها بعصاه الخفيفة، وما صدر عن عيسىعليه‌السلام من خلق الطير من الطين، ومعالجة المرضى الذين عجز الأطبّاء عن علاجهم، وإحياء الموتى، وما صدر عن سليمانعليه‌السلام من فهم منطق الطير، كلّها اُمور خارقة للعادة، وخارجة عن المجرى الطبيعي للاُمور، وهي نوع من تنفيذ القدرة الغيبيّة.

فهل يعدّ اعتقادنا بقدرة أولياء الله الغيبيّة شركاً وبدعة في الدين، والحال أنّ القرآن الكريم يصرّح ويصدع بهذه الآيات البيّنة لبيان قدرتهم الغيبيّة ؟ !

وبهذا يتّضح جيداً أنّ الاعتقاد بالقدرة الغيبيّة لأولياء الله الصالحين لا تعني الاعتقاد بالوهيّتهم، ولا تعني نسبة الأفعال الإلهيّة إليهم، وإلاّ فإنّه يلزم منه القول بأنّ موسى وعيسى وسليمانعليهم‌السلام وغيرهم آلهة بحسب النظرة القرآنيّة، مع أنّ جميع المسلمين يعلم بأن القرآن يعدّ الأنبياء عبيداً مخلصين لله سبحانه وتعالى.

وبهذا اتّضح إلى هنا أنّ الاعتقاد بالقدرة الغيبيّة لأولياء الله المخلصين إذا كانت مستندة إلى قدرة الله سبحانه وتعالى، وأنّ أولياء الله وسائط لظهور هذه القدرة وتجلّيها، فلا توجب شركاً، بل هي منسجمة مع التوحيد تماماً، فإنّ المعيار في التوحيد هو أن ننسب جميع ما في الكون من القدرة لله سبحانه وتعالى، وأن نعتقد أنّه تعالى المنشئ والمفيض لأنواع القدرة والحركة على المخلوقات.

١٧١

السؤال الخامس والثلاثون

لماذا تقولون أنّ مقام الإمامة أرفع من مقام النبوّة ؟

الجواب:

للإجابة على هذا السؤال لابدّ من بيان المعنى الدقيق للعناوين التالية لورودها في القرآن الكريم والروايات الشريفة: «النبوّة»، «الرسالة»، «الإمامة»، ليتضح سبب رفعة مقام الإمامة على النبوة والرسالة.

١- مقام النبوّة

لفظ «النبيّ» مشتقّ من مادّة «نبأ»(١) ، والنبأ هو الخبر المهمّ، وعليه فمعنى «النبيّ» هو الحامل للخبر المهم أو المخبر به. ويطلق النبيّ في الاصطلاح القرآني على الإنسان الذي يتلقّى الوحي عن الله عزّوجلّ، فيخبر الناس عن الله من دون واسطة اُخرى من البشر، ولهذا فقد عرّف العلماء النبيّ بما يلي:

«هو الذي يؤدّي عن الله تعالى بلا واسطة من البشر»(٢)

فعلى هذا الأساس تكون وظيفة النبيّ مشخّصة ومحدّدة في هذا الإطار ; وهو تلقّي الوحي من السماء، وإبلاغ الناس ما اُوحي إليه، ولهذا فإن القرآن الكريم يقول في هذا المضمار:

( فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ ) .

____________________

(١) قال الجوهري: النَبِيءُ: المُخْبِر عن اللّه عزّوجلّ، مَكِّيَّةٌ، لأَنه أَنْبَأَ عنه، وهو فَعِيلٌ بمعنى فاعِل. وفي النهاية: فَعِيل بمعنى فاعِل للمبالغة من النَّبَإِ ; الخَبَر، لأَنه أَنْبَأَ عن الله ; أَي أَخْبَرَ. قال: ويجوز فيه تحقيق الهمز وتخفيفه (لسان العرب: ١ / ١٦٢ / نبأ).

(٢) التبيان للشيخ الطوسي، ج ٤، ص ٤٧٤. النكت الإعتقادية للشيخ المفيد، ص ٣٤. روضة الواعظين، ص ٤٩.

١٧٢

٢ - مقام الرسالة

يطلق مصطلح الرسول في قاموس الوحي على النبيّ الذي عليه مسؤوليّتان ; تلقّي الوحي من السماء وإبلاغ الناس به، ومسؤوليّة تبليغ الرسالة الإلهيّة الملقاة على عاتقه إلى الناس. يقول القرآن الكريم في هذا المضمار:

( فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ) (١) .

وبهذا يتّضح أنّ مقام الرسول غير مقام النبيّ، وأنّ الرسالة مقام يمنح للنبيّ. وبعبارة اُخرى: أنّ النبوّة والرسالة عنوانان يشيران إلى خصوصيّات الأنبياء، فالنبوّة باعتبار أنّ النبيّ حامل للأنباء والأخبار عن الله عزّوجلّ، والرسالة باعتبار أنّ النبيّ مبلّغ للرسالة الإلهيّة.

فنستنتج من مجموع ما ذكر أنّ مهمّة الأنبياء والمرسلين هي بيان الأحكام من الحلال والحرام وهداية الناس إلى طريق السعادة، وليس لهم مهمّة غير إخبار الناس وإبلاغ الرسالة.

٣ - مقام الإمامة

مقام الإمامة في النظرة القرآنيّة غير مقامي النبوّة والرسالة، ومقام الإمامة يلازم منح الصلاحيّات الكثيرة للإمام لأجل قيادة وإدارة الاُمّة.

وإليك فيما يلي الأدلّة الواضحة على ما ذكرناه من خلال الآيات الشريفة:

١- ذكر القرآن الكريم في شأن منح إبراهيم الخليلعليه‌السلام مقام الإمامة:

( وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمات فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمامًا قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (٢) .

____________________

(١) البقرة: ٢١٣.

(٢) المائدة: ٩٢.

١٧٣

فالآية الكريمة تبيّن أمرين:

أ - تدلّ الآية بوضوح على مغايرة الإمامة لمفهومي النبوّة والرسالة ; وذلك أنّ إبراهيمعليه‌السلام كان نبيّاً قبل جعله إماماً بسنين كثيرة، ومرّ بامتحانات عسيرة، منها عزمه على ذبح ولده إسماعيلعليه‌السلام . والدليل على أنّ إبراهيمعليه‌السلام كان نبيّاً قبل جعله إماماً هو:

إنّنا نعلم أنّ إبراهيمعليه‌السلام لم يكن له ولد، وإنّما رزق إسماعيل وإسحاقعليهما‌السلام في سنّ الكهولة من عمره، فالقرآن الكريم يقول عن لسان إبراهيم:

( اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ ) (١) .

فمن هنا يعلم أنّ امتحان إبراهيمعليه‌السلام بذبح إسماعيلعليه‌السلام - والذي كان بعد مروره بامتحانات عسيرة اُخرى - هو الذي هيّأه لمقام الإمامة، وقد نال مقام الإمامة في أواخر أيام حياتهعليه‌السلام ، مع أنّه كان نبيّاً قبل ذلك بسنين متطاولة ; حيث اُوحي إليه قبل أن يرزق ذرّية، والوحي علامة النبوّة(٢) .

ب - يستفاد من قوله تعالى:( وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمات فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمامًا ) أنّ مقام الإمامة الإلهيّة وقيادة الاُمّة في مرتبة أعلى وأرفع من مرتبة النبوّة والرسالة ; فإنّ القرآن الكريم يصرّح بأن إبراهيمعليه‌السلام نال هذا المقام بعد أن كان رسولاً

____________________

(١) البقرة: ١٢٤.

(٢) إبراهيم: ٣٩.

١٧٤

نبيّاً وبعد أن ابتُلي ببلايا شديدة وامتحانات صعبة، وخرج منها مرفوع الرأس، مُنح له مقام الإمامة، وسبب ذلك واضح وهو أنّ مقام الإمامة أرفع من مقام النبوّة والرسالة ; فإنّ من وظائف مقام الإمامة مضافاً إلى تلقّي الوحي وتبليغ الرسالة هو قيادة الاُمّة، وإدارة شؤونهم بنحو صحيح في طريق الهداية لأجل إيصالهم إلى الكمال والسعادة، ومن الواضح أنّ هذا المقام مقام جليل رفيع، ولا يناله أحد إلاّ بعد المرور بامتحانات عسيرة ومتتالية.

٢ - يتّضح من الآية المتقدّمة أنّ إبراهيمعليه‌السلام بعد أن نال مقام الإمامة الإلهيّة وقيادة الاُمّة بعد تلك الامتحانات طلب من الله عزّوجلّ أن يجعل هذا المقام والمنصب في ذرّيته. ومن الآيات الاُخرى الواردة في الكتاب الحكيم يتبيّن أنّ الله قد استجاب دعاء وطلب إبراهيمعليه‌السلام ، وأنّه جعل الإمامة في صالحي نسله وذرّيته، فقال تعالى:

( فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ) (١) .

فيستفاد من الآية أنّ مقام الإمامة وقيادة الاُمّة غير مقام النبوّة والرسالة، وأنّ الله منح هذا المقام خليله إبراهيمعليه‌السلام بعد ابتلائه بامتحانات عسيرة، فعندها طلب خليل الرحمن من ربّ العزّة أن يبقي الإمامة وقيادة الاُمّة في ذرّيته، فأبقى الله هذا المقام في صالحي ذرّيته، فأعطاهم) الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ (وهو رمز النبوّة والرسالة ،) وَ آتَيْناهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (وهو مقام الإمامة وقيادة الاُمّة وزعامة الناس، وبهذا فقد لبّى طلب إبراهيمعليه‌السلام ، ولهذا نجد أنّ بعض ذرّيته - كيوسف، وداود، وسليمان - كانوا قادة للاُمّة وأئمّة مضافاً إلى كونهم أنبياء.

____________________

(١) النساء: ٥٤.

١٧٥

وبهذا يتّضح أنّ مقام الإمامة غير مقام النبوّة والرسالة. ولأهمّيّة مقام الإمامة وسعة الصلاحيّات المعطاة للإمام فإن مقام الإمامة أرفع من مقام النبوّة.

رفعة منزلة الإمامة

اتّضح من البيانات السابقة أنّ مهمّة النبيّ والرسول - باعتبارهم أنبياء ورسل - هي إيضاح طريق الحقّ والهداية للناس، ومتى ما نال النبيّ أو الرسول مقام الإمامة تحمّل عبء مسؤوليّة أكبر، وبالتالي تحمّل أعباء مسؤوليّة تحقيق الأهداف السماوية، وتطبيق الأحكام الشرعيّة، لتحقيق مجتمع سعيد ومثالي، ويقود الاُمّة في طريق يضمن لها فيه سعادة الدارين ; الدنيا والآخرة.

ومن الواضح أنّ تحمّل مسؤوليّة خطيرة كهذه بحاجة إلى مؤهّلات خاصّة، وقدرة معنوية فائقة، واستعداد على مستوى رفيع، فإن القيام بهذه المهمّة الصعبة يلازم مواجهة المشاكل الكثيرة، ويحتاج إلى مقاومة الأهواء، والصبر على الأذى في سبيل الله سبحانه، ولا يمكن تحقّقها من دون وجود المحبّة الإلهيّة في القلب، والفناء في ساحة رضاه تقدّست أسماؤه.

ومن هنا فإنّ الله سبحانه لم يمنح إبراهيمعليه‌السلام هذا المقام إلاّ بعد امتحانه الشديد، وابتلائه المتتالي، وفي آخر سنين عمره الشريف. ولهذا فلم يتزيّن بهذا المقام إلاّ عباد الله المخلصين، كنبيّنا الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم تودع قيادة الاُمّة إلاّ إلى هؤلاء.

هل يوجد تلازم بين النبوّة والإمامة ؟

يطرح السؤال التالي نفسه وهو أنّ النبيّ الذي وصل إلى مقام النبوّة هل يجب أن يكون إماماً ؟ والإمام الذي وصل إلى مقام الإمامة هل يجب أن يكون نبيّاً ؟

١٧٦

وجواب هذا السؤال بكلا شطريه هو النفي. وإليك فيما يلي توضيح الجواب من خلال آيات الكتاب العزيز.

فيتّضح من الآيات النازلة في بيان قتال طالوت وجالوت أنّ الله سبحانه وتعالى جعل النبوّة بعد موسىعليه‌السلام في رجل اسمه «اشموئيل»، مع أنّ مقام الإمامة وقيادة الاُمّة كانت في عاتق طالوت، وإليك تفصيل الكلام:

بعد رحيل النبيّ موسىصلى‌الله‌عليه‌وآله قال طائفة من بني إسرائيل لنبيّ زمانهم:

( ابْعَثْ لَنا مَلِكًا نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ) (١) .

فقال لهم نبيّهم:

( وَ قالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكًا قالُوا أَنّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَ لَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ وَ اللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ) (٢) .

فيستفاد من الآية المذكورة ما يلي:

١ - من الممكن أن توجب المصلحة انفكاك النبوّة عن الإمامة وقيادة الاُمّة، فتكون النبوّة في شخص، والإمامة وقيادة الاُمّة في شخص آخر، وكلاهما في زمان واحد، وكلّ منهما يليق بمنصبه. ولم يعترض بنو إسرائيل على تفكيك أحد هذين المنصبين عن الآخر ; بأن يقولوا: أيّها النبيّ أنت أولى وأليق بمقام الإمامة وقيادة الاُمّة. وإنما قالوا في مقام الاعتراض: نحن أولى وأليق منه بمقام القيادة.

____________________

(١) البقرة: ٢٤٦.

(٢) البقرة: ٢٤٧.

١٧٧

٢- إنّ المقام الذي حازه طالوت كان من عند الله وبفضل الله سبحانه، وذلك قوله:

( إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكًا ) .

وقال أيضاً:

( إِنَّ اللّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ ) .

٣- إنّ منصب ومقام طالوت لم يكن منحصراً في قيادة الجيش، بل كان قائداً لبني اسرائيل، وذلك بشهادة قوله تعالى:) مَلِكًا (، وإن كان الهدف الرئيسي من قيادة بني إسرائيل هو قيادتهم للجهاد في سبيل الله، ولكن منصبه الإلهي كان يسمح ويجيز له أن يتصرّف بما يليق بالحكومة بشهادة آخر الآية وهو قوله تعالى:

( وَ اللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ )

٤- إنّ أهم شرط من شرائط الإمامة والقيادة هو العلم الواسع، والقدرة في الجسم، والمؤهلات المعنوية. وخصوصاً للقادة في ذلك الزمان الذين كانوا يقودون الجيوش، ويجاهدون معهم.(١)

فاستبان مما مرّ أنّه لا تلازم بين النبوّة والإمامة، وأنّه يمكن انفصالهما فتكون النبوّة في شخص ولا يكون إماماً وقائداً للاُمّة، أو أن تكون الإمامة الإلهيّة وقيادة الاُمّة في شخص ولا يكون نبياً. ويمكن أن يجتمع المقامان في شخص واحد له أهليّة كلا المقامين، كما يقول تعالى:

( فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللّهِ وَ قَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَ آتاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَ الْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَهُ مِمّا يَشاءُ ) (٢) .

____________________

(١) اقتباس من كتاب «منشور جاويدان» للشيخ السبحاني.

(٢) البقرة: ٢٥١.

١٧٨

السؤال السادس والثلاثون

ما هو المعيار في معرفة التوحيد من الشرك ؟

الجواب:

من أهم المسائل المطروحة في مباحث التوحيد والشرك هو معرفة المعيار فيهما، وما دام هذا السؤال باقياً من دون إجابة فلا يمكن الإجابة عن بعض الأسئلة الاُخرى المبنيّة عليه أيضاً، فالإجابة عن هذا السؤال بمنزلة الأساس لغيره من الأجوبة أيضاً. ومن هنا سنطرح فيما يلي مسائل التوحيد والشرك بصورة مختصرة:

١- التوحيد في الذات

التوحيد في الذات يطرح بشكلين، هما:

أ- إنّ الله واحد، وليس له مثيل أو نظير، وهو التوحيد الذي ذكره الباري في كتابه العزيز بصور مختلفة، كقوله تعالى:

( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) (١) .

وقوله في موضع آخر:

( وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) (٢) .

لكن قد يفسّر هذا التوحيد الوارد في الآية بتفسير ساذج ينسجم مع أذهان عوامّ الناس، فيأخذ صبغة التوحيد العددي ; وهو أن يقال: إنّ الله واحد لا إثنان.

____________________

(١) الشورى: ١١.

(٢) التوحيد: ٤.

١٧٩

ومن الواضح أنّ التوحيد العددي لا يناسب مقام العظمة الإلهيّة.

ب - أنّ الذات الإلهيّة بسيطة لا تركيب فيها، فإنّ التركيب في الموجود دليل على حاجته، سواء كان التركيب في الأجزاء أو كان التركيب ذهنيّاً ; لأنّ التركيب في موجود معيّن دليل على حاجته إلى أجزائه، والحاجة علامة الإمكان، والإمكان يلازم الحاجة إلى العلّة، وكلّ ذلك ينافي وجوب الوجود.

٢- التوحيد في الخالقيّة

التوحيد في الخالقيّة هو أحد مراتب التوحيد، وقد أيّده العقل والنقل. فدلّ العقل على أنّ كلّ ما في عالم الإمكان من الموجودات فهو عار عن كلّ جمال وكمال، وأنّ كلّ جمال وكمال في الوجود فهو من منبع الفيض، أعني الغني بالذات، واجب الوجود. فكلّ ما نشاهده من الجمال والكمال فهو جماله وكماله تقدّست أسماؤه.

وأمّا النقل فقد دلّت الآيات الكثيرة بصراحة على هذا النوع من التوحيد، نظير قوله تعالى:

( قُلِ اللّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْء وَ هُوَ الْواحِدُ الْقَهّارُ ) (١) .

فعلى هذا لا يمكن أن يتصوّر خلاف في أصل التوحيد في الخالقيّة.

نعم، يوجد تفسيران للتوحيد في الخالقيّة، هما:

أ - إنّ كلّ ما في الوجود من نظام العلّيّة والمعلوليّة أو الأسباب والمسبّبات بين الموجودات فلابدّ أن ينتهي إلى علّة أصيلة هي علّة العلل، ومسبّبة الأسباب، هو الخالق المستقلّ والأصيل لتمام

____________________

(١) الرعد: ١٦. ونظير الآية ١٠٢ من سورة الأنعام:( ذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْء ) .

١٨٠