الشيعة تجيب

الشيعة تجيب0%

الشيعة تجيب مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 191

الشيعة تجيب

مؤلف: سيد رضا حسيني نسب
تصنيف:

الصفحات: 191
المشاهدات: 38067
تحميل: 3580

توضيحات:

الشيعة تجيب
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 191 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 38067 / تحميل: 3580
الحجم الحجم الحجم
الشيعة تجيب

الشيعة تجيب

مؤلف:
العربية

٧- وقال القاضي السيد نور الدين التستري صاحب كتاب «إحقاق الحقّ» (المتوفّى سنة ١٠١٩ ه-): «ما نسبه البعض إلى الشيعة الإمامية من القول بتحريف القرآن، ليس هو قول الشيعة أجمع، وإنّما قال به قليل منهم، ولا يعتنى بهم»(١) .

٨- وقال محمد بن حسين المعروف ببهاء الدين العاملي (المتوفّى سنة ١٠٣٠ ه-): «الصحيح أنّ القرآن العظيم مصون عن كلّ زيادة ونقصان، وما يقال من أنّه "حذف اسم أمير المؤمنينعليه‌السلام من القرآن" فهو غير مرضي عند العلماء، وكلّ من يسبر التاريخ والروايات يعلم أنّ القرآن - لتواتره ونقل آلاف الصحابة له - ثابت، وأنّه جمع على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله »(٢) .

٩- وقال الفيض الكاشاني صاحب كتاب الوافي (المتوفّى سنة ١٠٩١ ه-): «فكيف يتطرق إليه التحريف والتغيير، وأيضا قد استفاض عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمةعليهم‌السلام حديث عرض الخبر المروي على كتاب الله ليعلم صحته بموافقته له وفساده بمخالفته فإذا كان القرآن الذي بأيدينا محرفا فما فائدة العرض مع أن خبر التحريف مخالف لكتاب الله مكذب له فيجب رده والحكم بفساده أو تأويله»(٣) .

١٠- وقال الشيخ الحرّ العاملي (المتوفّى سنة ١١٠٤ ه-): «كلّ من يسبر التاريخ والروايات يعلم أنّ القرآن - لتواتره ونقل آلاف

____________________

(١) الاء الرحمن، ص ٢٥.

(٢) الاء الرحمن، ص ٢٥.

(٣) التفسير الصافي، ج ١، ص ٥١.

٦١

الصحابة له - ثابت، وأنّه جمع ورتِّب على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله »(١) .

١١- وقال المحقق الجليل الشيخ جعفر كاشف الغطاء في كتابه المعروف (كشف الغطاء):«لا ريب في أنّه محفوظ من النقصان بحفظ الملك الديّان، كما دلّ عليه صريح القرآن وإجماع العلماء في جميع الأزمان، ولا عبرة بالنادر»(٢) .

١٢- وقال قائد الثورة الإسلامية الإمام الخمينيقدس‌سره : «إنّ الواقف على عناية المسلمين على جمع الكتاب وحفظه وضبطه قراءة وكتابة، يقف علي بطلان تلك المزعمة، وأنّه لا ينبغي أن يركن إليه ذو مسكة. وما وردت فيه من الأخبار، بين ضعيف لا يُستدلّ به، إلى مجعول يلوح منها أمارات الجعل، إلى غريب يقضى منه العجب، إلى صحيح يدلّ على أن مضمونه تأويل الكتاب وتفسيره، إلى غير ذلك من الأقسام التي يحتاج بيان المراد منها إلى تأليف كتاب حافل، ولولا خوف الخروج عن طور الكتاب لأرخينا عنان البيان إلى بيان تأريخ القرآن، وما جرى عليه طيلة تلك القرون، وأوضحنا لك أن الكتاب هو عين ما بين الدفّتين. والاختلاف الناشئ بين القرّاء ليس إلاّ أمراً حديثاً، لا ربط له بما نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين»(٣) .

____________________

(١) آلاء الرحمن، ص ٢٥.

(٢) كشف الغطاء، ج ٢، ص ٢٩٩.

(٣) تهذيب الأصول (تقرير بحث السيد الخميني)، ج ٢، ص ٩٦.

٦٢

النتيجة:

بهذا يتضح أنّ جمهور المسلمين سنّة وشيعة يعتقدون أنّ القرآن الموجود بأيدينا هو القرآن النازل على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّه مصون عن التغيير والتحريف سواء كان زيادة أو نقصاً.

كما يتضح بذلك وهن ما نسب إلى الشيعة من القول بالتحريف، وإن كانت النسبة إليهم بسبب وجود روايات ضعيفة في ذلك، فنقول إن وجود الروايات الضعيفة لا يختص بطائفة يسيرة من الشيعة بل روى جملة من المفسرين السنّة روايات في ذلك أيضاً، نشير إلى بعضها:

١- روى أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي في تفسيره عن أبي بكر الأنباري عن اُبي بن كعب:

«كانت هذه السورة تعدل سورة البقرة، وكانت فيها آية الرجم: (الشيخُ والشيخةُ إذا زَنَيا فارجموهما ألبتَّةَ نَكالاً من اللهِ واللهُ عزيزٌ حكيمٌ)»(١) .

وروى فيه أيضاً عن عائشة أنها قالت:

«كانت سورة الأحزاب تعدل على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مئتي آية، فلما كتب المصحف لم يقدر منها إلاّ على ما هي الآن»(٢) .

٢- وقال السيوطي في كتاب الإتقان:

____________________

(١) تفسير القرطبي، ج ١٤، ص ١١٣.

(٢) تفسير القرطبي، ج ١٤، ص ١١٣.

٦٣

«وفي مصحف ابن مسعود مئة واثنتا عشرة سورة ; لأنه لم يكتب المعوّذتين. وفي مصحف اُبي مئة وست عشرة لأنّه كتب في آخره سورتي الحفد والخلع»(١) .

مع أنّ الجميع يعلم أنّ عدد سور القرآن مئة وأربع عشر سورة، ولا نجد أثراً لسورتي الحفد والخلع.

٣- وروى هبة الله بن سلامة في كتاب «الناسخ والمنسوخ» عن أنس بن مالك أنّه قال:

«كنا نقرأ سورة تعدل سورة التوبة ما أحفظ منها إلاّ هذه الآية: (لو كان لابنِ آدمَ واديانِ من ذهب لابتغى إليهما ثالثا، ولو أنّ له ثالثاً لابتغى إليه رابعاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب، ويتوب الله على من تاب)(٢) .

والحال أنّنا لا نجد آية في المصحف بهذا النص أو المضمون، مع عدم انسجامها مع بلاغة القرآن.

٤ - وروى جلال الدين السيوطي في تفسيره «الدر المنثور» عن حذيفة قال:

«قال لي عمر بن الخطاب: كم تعدّون سورة الأحزاب؟ قلت: ثنتين أو ثلاثاً وسبعين. قال: إن كانت لتقارب سورة البقرة، وإن كان فيها لآية الرجم»(٣) .

وعليه فنفر قليل من السنة والشيعة روت روايات ضعيفة في وقوع التحريف والتغيير في القرآن الكريم، وهذه الروايات الضعيفة غير مقبولة عند أكثر المسلمين سنّة وشيعة، بل تردها آيات الكتاب العزيز، والروايات الصحيحة والمتواترة

____________________

(١) الإتقان في علوم القرآن، ج ١، ص ٦٧. الدر المنثور للسيوطي، ج ٦، ص ٤٢٠.

(٢) الناسخ والمنسوخ لابن حزم، ص ٩.

(٣) الدر المنثور، ج ٥، ص ١٨٠.

٦٤

السؤال السابع عشر

ما هو رأي الشيعة في الصحابة ؟

ينقسم من تشرف بلقاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في نظر الشيعة إلى أقسام، ونرى من المناسب أولاً وقبل ذكر الأقسام أن نذكر تعريف الصحابي إجمالاً، فنقول:

توجد تعريفات عديدة لصحابة النبيّ، نشير إلى بعضها فيما يلي:

١- يقول سعيد بن المسيب:

«لا يعد الصحابي إلاّ من أقام مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سنة أو سنتين وغزا معه غزوة أو غزوتين»(١) .

٢- وقال الواقدي:

«رأيت أهل العلم يقولون: كلّ من رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد أدرك الحلم فأسلم وعقل أمر الدين ورضيه، فهو عندنا ممن صحب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ولو ساعة من نهار»(٢) .

٣- وقال محمد بن إسماعيل البخاري:

«من صحب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أو رآه من المسلمين فهو صحابي»(٣) .

٤ - وقال أحمد بن حنبل:

____________________

(١) اُسد الغابة، ج ١، ص ١١ و ١٢، طبع مصر).

(٢) المصدر السابق.

(٣) المصدر السابق.

٦٥

«كلّ من صحب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله شهراً أو ساعة أو رأى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فهو صحابي»(١) .

وهنا نشير إلى أنّ أحد الاُمور المسلّمة بين علماء السنّة هو القول بعدالة الصحابة، بمعنى أنّ من أدرك صحبة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فهو عادل(٢) .

ولنذكر الآن تحقيق هذا المقال تبعاً للوارد في الآيات الكريمة، ثمّ نعقّبه بذكر رأي الشيعة - النابع من مفاد الكتاب والسنة - في المسألة.

ذكر التأريخ أسماء وأوصاف أكثر من اثني عشر ألف شخصاً بعنوان «صحابة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله »، نجد فيما بينهم وجوهاً مختلفة. ولا شك أنّ صحبة الرسول الكريم فخر عظيم ما ناله إلاّ طائفة من المسلمين. والاُمة الإسلامية تنظر إليهم دوماً بعين الإجلال والتعظيم ; فهم السابقون للإسلام، وهم الذين هزّوا راية الإسلام المنصورة لأول مرة. بل إنّ القرآن الكريم مجّد بهم أيضاً فقال:

( لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَ قاتَلُوا ) (٣) .

لكن يجب القول أيضاً أنّ صحبة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لم تكن إكسيراً يقلب ويغيّر حقائق المسلمين، بل ليست ضماناً للصحابي يضمن له الاستقامة مدى حياته.

ولإيضاح المسألة أكثر يجدر بنا الرجوع للقرآن الكريم والذي عليه اتفاق جميع المسلمين ; لننظر ما يرشدنا إليه في هذا المجال.

____________________

(١) المصدر السابق.

(٢) الاستيعاب في أسماء الأصحاب، ج ١، ص ٢، اسد الغابة، ج ١، ص ٣ نقلاً عن ابن الأثير.

(٣) الحديد: ١٠.

٦٦

الصحابي في الرؤية القرآنية:

ينقسم من تشرّف بلقاء وصحبة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في النظرة القرآنية إلى قسمين:

القسم الأول:

هم الذين أطرتهم الآيات الخالدة للكتاب العزيز، ووصفتهم بمؤسسي كيان الإسلام الشامخ العزيز، ونحن ننقل إليك بعض المقاطع النورانية من آي الذكر الحكيم المتعلقة بهذا القسم:

١ - السابقون الأولون:

( وَ السّابِقُونَ الاَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الاَنْصارِ وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسان رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَنّات تَجْرِي تَحْتَهَا الاَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَدًا ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (١) .

( لَقَدْ رَضِيَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَ أَثابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) (٢) .

٢ - المهاجرون:

( لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللّهِ وَ رِضْوانًا وَ يَنْصُرُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ ) (٣) .

____________________

(١) التوبة: ١٠٠.

(٢) الفتح: ١٨.

(٣) الحشر: ٨.

٦٧

٣- أصحاب الفتح:

( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللّهِ وَ رِضْوانًا سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) (١) .

القسم الثاني:

القسم الثاني ممّن صحب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله هم المنافقون أصحاب الوجوه المتعددة، وأصحاب القلوب المريضة، وقد فضحهم الذكر الحكيم، وأبان حقيقتهم للنبيّ الكريم عليه وآله صلوات المصلّين، وإليك بعض الآيات المتعلقة بهذا القسم:

١- المنافقون المعروفون:

( إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللّهِ وَ اللّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَ اللّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ ) (٢) .

٢- المنافقون المجهولون:

( وَ مِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الاَعْرابِ مُنافِقُونَ وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذاب عَظِيم ) (٣) .

٣- أصحاب القلوب المريضة:

____________________

(١) الفتح: ٢٩.

(٢) المنافقون: ١.

(٣) التوبة: ١٠١.

٦٨

( وَ إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللّهُ وَ رَسُولُهُ إِلاّ غُرُورًا ) (١) .

٤- المذنبون:

( وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحًا وَ آخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (٢) .

مضافاً إلى الآيات المذكورة الذامّة لهؤلاء الصحابة، وردت بعض الروايات عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذمّ بعض الصحابة، وإليك نموذجان منها:

١- روى أبو حازم سهل بن سعد قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول:

«أنا فرطكم على الحوض، من ورد شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدا، وليردنّ عليّ الحوضَ أقوامٌ أعرفُهم ويعرفونني، ثمّ يُحال بيني وبينهم»

قال أبو حازم: فسمع النعمان بن أبي عياش وأنا اُحدثهم هذا الحديث، فقال: هكذا سمعتَ سهلاً يقولُ ؟ قال: فقلت: نعم. قال: وأنا أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد فيقول:

إنّهم من اُمتي ! فيقالُ: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سُحقاً سُحقاً لمن بدّل بعدي»(٣) .

فيعرف من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله «أقوامٌ أعرفُهم ويعرفونني»، ومن قوله: «سُحقاً لمن بدّل بعدي»، أنّ المراد من هؤلاء أصحابه الذين عاشوا معه مدة.

____________________

(١) الأحزاب: ١٢.

(٢) التوبة: ١٠٢.

(٣) جامع الاُصول لابن الأثير: ج ١١، ص ١٢٠، ح ٧٩٧٢. ورواه البخاري ومسلم.

٦٩

٢- روى البخاري ومسلم عن النبيّ أنّه قال:

«يرد عليّ يوم القيامة رهطٌ من أصحابي فيجلون(١) عن الحوض، فأقول يا ربّ أصحابي ! فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى»(٢) .

النتيجة:

المستفاد من آيات الكتاب والسنّة الشريفة أنّ الذين نالوا شرف صحبة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ليسوا بمرتبة واحدة، وإنما هم على مراتب متعددة، فبعضهم في أعلى درجات الكمال والرفعة، حتى كان السبب في نمو شجرة الإسلام اليانعة. وبعضهم مريض القلب، منافق، له وجهان. وبعضهم مذنب.

وبهذا يتضح نظر الشيعة في الصحابة، وهو عين النظرة القرآنية والنبوية لهم.

____________________

(١) في نسخة «فيحلؤون عنه».

(٢) صحيح البخاري، ج ٧، ص ٢٠٨.

٧٠

السؤال الثامن عشر

ما المراد من نكاح المتعة ولماذا يحكم الشيعة بحلّيته ؟

الجواب:

حقيقة النكاح هي نوع علاقة وارتباط شرعيّ يحصل بين الرجل والمرأة، غاية الأمر أنّ هذه العلاقة بين الزوجين قد يكون لها أمد معين تنتهي إليه، وقد لا يكون لها أمد وزمان مشخص في العقد بل هي علاقة دائمية بين الزوجين. فكلا النحوين نكاح شرعي وإنما الفرق بينهما هو في المدّة فأحدهما دائم والآخر مؤقّت وله مدّة معيّنة، والنكاحان متشابهان في كثير من الخصوصيات.

وأما الشروط المعتبرة في نكاح المتعة فهي نظير الشروط المعتبرة في النكاح الدائم، وهي:

١- أن لا يمنع من زواجهما مانع شرعي، سببياً كان المانع، أو نسبياً، أو غيرهما، فإن منع مانعٌ كان عقدهما باطل.

٢- أن يذكر المهر المتفق عليه بين الزوجين في صيغة العقد.

٣- أن تعيّن مدة الزواج.

٤- إجراء صيغة العقد بين الزوجين.

٥- الطفل المولود من الزوجين بهذا النكاح طفلهما شرعاً، كالطفل المولود من النكاح الدائم، من دون أيّ فرق بينهما، فيجب أن يمنح جنسية كما يمنح المولود من النكاح الدائم.

٧١

٦- نفقة الأولاد المولودين بهذا النكاح على الأب، كالنكاح الدائم. ويرث الأولاد أبويهما.

٧- إذا انقضت مدة نكاح المتعة وجبت العدّة على الزوجة إن لم تكن يائساً، فإن تبيّن خلال العدّة أنها حامل فلا يحق لها التزويج حتى تنقضي العدة.

وهكذا يجب رعاية بقيّة أحكام النكاح الدائم في نكاح المتعة سوى أمرين هما ;

أ- بما أنّ الهدف من تشريع نكاح المتعة هو رفع الضرورة فلا يجب على الزوج النفقة على الزوجة، بل نفقة الزوجة من مالها.

ب - ليس للزوجة إرث في هذا الزواج إن لم تشترطه في متن العقد.

ومن الواضح أنّ كلا الأمرين خارجان عن حقيقة النكاح. والجميع يعتقد أنّ الشريعة الإسلاميّة شريعة خالدة، وهي خاتمة الشرائع الإلهيّة، وهي الشريعة المتكاملة التي تلبّي حوائج البشرية أجمع.

وهنا نقول: إنّ الشابّ الذي يعيش الغربة - سواء في مدينة اُخرى أو في بلد آخر - من أجل إكمال دراسته الجامعية مثلاً هو بحاجة إلى ما يسدّ غريزته الجنسية من جانب، والظروف التي يعيشها - من الناحية المادية وغيرها - لا تساعده على الزواج الدائم من جانب آخر، فهذا الشاب يرى أمامه ثلاث طرق لابدّ له من اختيار أحدها، هي:

أ- أن يبقى على هذه الحال والمعاناة من حالة العزوبة.

ب - أن ينجرف في أمواج الفساد والفحشاء.

٧٢

ج- أن يتكيّف مع هذه الشرائط الحاكمة عليه فيلبّي حاجته ضمن الإطار الشرعي ; وذلك بالزواج بامرأة - ليس لها مانع شرعي من التزويج به - لمدّة معينة.

أما الطريق الأول فهو طريق فاشل غالباً ; وإن كان عدد قليل من الشباب ينجح في صبره ومقاومته وتحمّله، ولكن هذا الطريق لا يمكن تطبيقه على الجميع بلا ريب.

وأما الطريق الثاني فعاقبة سالكه هي الضلال المبين، وهو طريق محرّم ; فهو عمل حرام شرعاً كما لا يخفى. كما أنّ تجويزه بحجّة الضرورة نوعٌ من الضلال والانحراف الفكري أيضاً.

وعليه فلا يبقى سوى الطريق الثالث الذي أبداه واقترحه لنا الشرع الإسلامي المقدّس، والذي عمل به المسلمون في حياة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّما وقع الخلاف فيه بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ولابدّ من التنبيه على أمر هو: إنّ الذين يتخوّفون من نكاح المتعة، ويعتقدون أنّه نكاح غير مشروع عليهم أن يلتفتوا إلى أن فقهاء المسلمين أجمع يرون صحّة نظيره في العقد الدائم وذلك إذا نوى الزوجان عند العقد إيقاع الطلاق بعد سنة مثلاً فإن هذا العقد وإن كان دائماً صورة لكنه مؤقت حقيقة ومع ذلك يراه الفقهاء صحيحاً. نعم الفرق بين هذا العقد الدائم والمؤقت هو أنّ هذا العقد ظاهره دائم وباطنه مؤقت، وعقد المتعة ظاهره وباطنه مؤقت.

فمن يرى صحة أمثال هذا العقد الدائم - والذي يحكم بصحته جميع فقهاء المسلمين - كيف يفسح لنفسه المجال للتخوّف من تجويز المتعة !

٧٣

وبهذا اتّضحت حقيقة عقد المتعة، بقي الكلام في أدلّة مشروعيتها، ومن المناسب أن نطرح هذا البحث ضمن مرحلتين، هما:

١- مشروعية نكاح المتعة.

٢- عدم نسخ المتعة في زمان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

أما أدلّة مشروعيتها، فمن أوضح الأدلّة عليها قوله تعالى:

( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) (١) .

ومن الواضح أنّ هذه الآية واردة في النكاح المؤقّت ; فإنها:

أولاً: ان الآية استعملت لفظ: «اسْتَمْتَعْتُمْ»، وهذا اللفظ ظاهر في نكاح المتعة، ولو اُريد العقد الدائم منه للزم نصب قرينة عليه، ولا قرينة في الآية.

ثانياً: ان الآية استعملت لفظ: «أُجُورَهُنَّ»، وهو قرينة واضحة على إرادة نكاح المتعة، لإنها لو أرادت العقد الدائم لعبّرت ب- «مهورهنّ» أو ب- «صداقهنّ» ونحو ذلك من التعابير الدالة على المهر.

ثالثاً: صرح المفسرون - سنة وشيعة - بأن الآية نزلت في نكاح المتعة. فنقل جلال الدين السيوطي في تفسيره المعروف «الدر المنثور» عن ابن جرير والسدّي أنّ الآية نزلت في نكاح المتعة.

كما روى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تفسيره عن السدّي ومجاهد وابن عباس أنّ الآية في النكاح المؤقت.

____________________

(١) النساء: ٢٤.

٧٤

رابعاً: هذا الأمر مما سلّم به أصحاب الصحاح والمسانيد وأصحاب الجوامع الحديثية، وعلى سبيل المثال ننقل إليك ما رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع قالا:

«خرج علينا منادي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أذن لكم ان تستمتعوا، يعني متعة النساء»(١) .

والروايات المسندة والصحيحة لا يَسَعها المقام، وعليه فأصل تشريع المتعة في صدر الإسلام وفي عصر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ثابت لدى العلماء والمفسرين(٢) .

بقي الكلام في أنّ آية المتعة هل هي منسوخة أم لا ؟ حيث أنك قلّما تجد من ينكر مشروعية المتعة في زمان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إنما الكلام في نسخ الآية وعدمه.

الروايات الشريفة والتاريخ يثبت أنّ المتعة كانت معمولاً بها في حياة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعده إلى زمان خلافة الخليفة الثاني، وقد منعها الخليفة الثاني ونهى عنها لمصالح خاصة; فروى مسلم في صحيحه عن أبي نضرة قال:

____________________

(١) صحيح مسلم، ج ٤، ص ١٣٠.

(٢) على نحو المثال نشير إلى بعض مصادرها:

(أ) مسند أحمد، ج ٤، ص ٤٣٦، و ج ٣ ص ٣٥٦. (ب) الموطأ لمالك، ج ٢، ص ٣٠. (ج) سنن البيهقي، ج ٧، ص ٣٠٦. (د) تفسير الطبري ج ٥، ص ٩. (ه-) النهاية لابن الأثير، ج ٢، ص ٢٤٩. (و) تفسير الرازي، ج ٣، ص ٢٠١. (ز) تاريخ ابن خلكان، ج ١، ص ٣٥٩. (ح) أحكام القرآن للجصاص، ج ٢، ص ١٧٨. (ط) المحاضرات للراغب، ج ٢، ص ٩٤. (الجامع الكبير للسيوطي، ج ٨، ص ٢٩٣. (ي) فتح الباري لابن حجر، ج ٩، ص ١٤١.

٧٥

«كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال: إنّ ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين، فقال جابر: فعلناهما مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما»(١) .

وقال السيوطي في تفسيره «الدر المنثور»:

أخرج عبد الرزاق وأبو داود في ناسخه وابن جرير عن الحكم أنّه سئل عن هذه الآية أمنسوخة ؟ قال: لا. وقال عليّ: لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلاّ شقيّ»(٢)

وروى القوشجي في شرح التجريد عن عمر أنّه قال على المنبر:

«أيّها الناس، ثلاث كنّ على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنا أنهى عنهنّ، واُحرّمهنّ، واُعاقب عليهنّ: متعة النساء، ومتعة الحج، وحيّ على خير العمل»(٣) .

وتنبغي الإشارة إلى أنّ الروايات الواردة في المقام أكثر مما يسَعها المقام.

كما ينبغي التنبيه على أنّ المتعة من أقسام النكاح، اذ ينقسم النكاح إلى دائم ومؤقت، والمرأة التي يُعقد عليها بعقد المتعة هي زوجة للإنسان، وكذا فإن الرجل يكون زوجاً لها، وعليه فالآيات الواردة في الزواج تكون شاملة له أيضاً، فإذا قال القرآن:

( وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ * إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) (٤) .

____________________

(١) صحيح مسلم، ج ٤، ص ٥٩، وأيضاً: ص ١٣١. السنن الكبرى للبيهقي، ج ٧، ص ٢٠٦.

(٢) الدر المنثور للسيوطي، ج ٢، ص ١٤٠.

(٣) شرح التجريد للقوشجي، ص ٤٨٤.

(٤) المؤمنون: ٥ و ٦.

٧٦

فالمرأة التي دخلت في زوجيّة الرجل بعقد مؤقت - ضمن الشرائط السالفة - داخلة في قوله تعالى:( إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ ) وليست خارجة عن نطاق الآية الشريفة، بمعنى أنّ هذه المرأة - التي دخلت في حبالة الرجل بعقد المتعة - زوجة لهذا الرجل ويشملها عنوان( أَزْواجِهِمْ ) الوارد في الآية.

واذا كانت الآيات المذكورة تجيز العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة لطائفتين فحسب، هما: الزوجات والإماء، فالمرأة المتمتّع بها تكون داخلة في القسم الأول وهو الزوجات.

والعجب من قول البعض حيث قال: ان الآيات من سورة «المؤمنون» ناسخة لآية المتعة الواردة في سورة النساء، مع وضوح أنّ نزول إلآية الناسخة يجب أن يكون بعد نزول المنسوخة، مع أنّ المقام ليس كذلك ; فآية المتعة متأخرة نزولاً عن الآيات في سورة «المؤمنون»، فسورة «المؤمنون» مكّية (أي أنها نزلت على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في مكة قبل هجرته للمدينة)، وسورة النساء مدنيّة (أي أنّها نزلت على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في المدينة المنورة بعد هجرته إليها)، وآية المتعة وردت فيها. فكيف يمكن أن تكون الآية المكّية ناسخة لآية مدنية ؟!

والدليل الآخر على عدم نسخ آية المتعة هو الروايات الكثيرة المصرحة بعدم نسخها في حياة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، نظير الرواية التي نقلناها عن السيوطي في تفسيره «الدر المنثور»(١) ، وتقدم توضيحها.

وفي ختام المطاف نشير إلى أنّ أئمة أهل البيتعليهم‌السلام والذين هم الهداة للاُمة والقرين الذي لا ينفكّ للقرآن - بمقتضى حديث الثقلين - صرّحوا بعدم نسخ زواج المتعة(٢) .

____________________

(١) الدر المنثور، ج ٢، ص ١٤٠ و ١٤١، ذيل آية المتعة.

(٢) انظر: وسائل الشيعة، ج ١٤، ص ٤٣٦، كتاب النكاح، الباب الأول من أبواب المتعة.

٧٧

ويمكن تأييد حلّية النكاح المؤقت مع رعاية شرائطه المذكورة بأنّ الشريعة الإسلامية المقدّسة قادرة على حلّ المشاكل والمعضلات التي تواجه المجتمعات البشرية في جميع العصور، فانّ أحد الأساليب لنجاة الشباب من الانجراف في سيول الانحراف والضلال هو النكاح المذكور بشرائطه السالفة.

٧٨

السؤال التاسع عشر

لماذا يسجد الشيعة على التربة ؟

يعتقد طائفة من الناس أنّ السجود على التربة أو السجود على تربة الشهداء هو نوع عبادة للتربة وهو من الشرك بالله العظيم.

الجواب:

للإجابة على هذا السؤال لابدّ من التنبيه على وجود فرق واضح بين عبارتي «السجود لله» و «السجود على الأرض»، وأساس الشبهة في السؤال المذكور هو الخلط بين العبارتين وعدم الفرق بينهما.

من المتسالم عليه أنّ مفاد عبارة «السجود لله» هو أن يكون السجود لله، مع أنّ مفاد جملة «السجود على الأرض» أنّ السجود يكون على الأرض. وبعبارة اُخرى أننا في سجودنا على الأرض نسجد لله سبحانه وتعالى. وأساساً فإن سجود المسلمين أجمع لابدّ ان يقع على شيء ما، والحال أنّ سجودهم لله سبحانه، وجميع الحجاج يسجدون على أرض وأحجار المسجد الحرام مع أنّهم لا يريدون بسجودهم أحداً غير الله.

وبهذا البيان اتضح أنّ السجود على الأرض والنبات ليس عبادة لها، وإنما هو خضوع وعبادة لله بالخضوع له إلى حد السجود على التراب. كما اتضح أنّ السجود على التربة غير السجود للتربة. فمن جانب نجد القرآن يقول:

( وَ لِلّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الاَرْضِ ) (١) .

ومن جانب آخر يقول نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله :

____________________

(١) الرعد: ١٥.

٧٩

«جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً»(١) .

وعليه فالسجود لله لا ينافي السجود على الأرض أو على التربة، وإنما بينهما تمام الانسجام والملاءمة ; فالسجود على التراب والنبات رمز لشدة الخضوع والتذلل لله الواحد القهار.

ولأجل ايضاح ما تقول به الشيعة في المقام لا بأس بالإشارة إلى مقطع من كلام إمامنا ورئيس مذهبنا الصادق المصدّق جعفر بن محمدعليه‌السلام :

قال هشام بن الحكم لأبي عبد اللهعليه‌السلام : أخبرني عما يجوز السجود عليه وعمّا لا يجوز ! قال: السجود لا يجوز إلاّ على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلاّ ما اُكل أو لُبس. فقال له: جعلت فداك ما العلّة في ذلك ؟ قال: لأن السجود خضوع لله عزّوجلّ فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل أو يلبس لأن أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون، والساجد في سجوده في عبادة الله عزّوجلّ فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغترّوا بغرورها، والسجود على الأرض أفضل لأنه أبلغ في التواضع والخضوع لله عزّوجلّ»(٢) .

فهذا الكلام النوراني واضح في أنّ علة السجود على التراب هو انسجامه مع شدة الخضوع لله سبحانه وتعالى.

____________________

(١) صحيح البخاري ج ١، ص ٩١ كتاب الصلاة.

(٢) من لا يحضره الفقيه، ج ١، ص ٢٧٢، ح ٨٤٣. بحار الأنوار، ج ٨٥، ص ١٤٧ نقلاً عن علل الشرائع.

٨٠