قضايا المجتمع والأسرة والزواج

قضايا المجتمع والأسرة والزواج 0%

قضايا المجتمع والأسرة والزواج مؤلف:
الناشر: دار الصفوة
تصنيف: الأسرة والطفل
الصفحات: 233

قضايا المجتمع والأسرة والزواج

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
الناشر: دار الصفوة
تصنيف: الصفحات: 233
المشاهدات: 45524
تحميل: 5204

توضيحات:

قضايا المجتمع والأسرة والزواج
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 233 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 45524 / تحميل: 5204
الحجم الحجم الحجم
قضايا المجتمع والأسرة والزواج

قضايا المجتمع والأسرة والزواج

مؤلف:
الناشر: دار الصفوة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

قريب الوضع من وضع الروم، فقد كان الاجتماع المدني - وكذا الاجتماع البيتي - عندهم متقوّماً بالرجال، والنساء تبع لهم؛ ولذا لم يكن لها استقلال في إرادة ولا فعل إلاّ تحت ولاية الرجال، لكنّهم جميعاً ناقضوا أنفسهم بحسب الحقيقة في ذلك، فإنّ قوانينهم الموضوعة كانت تحكم عليهن بالاستقلال ولا تحكم لهنّ إلاّ بالتبع إذا وافق نفع الرجال، فكانت المرأة عندهم تُعاقب بجميع جرائمها بالاستقلال، ولا تُثاب لحسناتها ولا يراعى جانبها إلاّ بالتبع وتحت ولاية الرجل.

وهذا بعينه من الشواهد الدالّة على أنّ جميع هذه القوانين، ما كانت تراها جزءاً ضعيفاً من المجتمع الإنساني، ذات شخصية تبعية، بل كانت تقدّر أنّها كالجراثيم المضرّة، مفسدة لمزاج المجتمع مضرّة بصحّتها، غير أنّ للمجتمع حاجة ضرورية إليها من حيث بقاء النسل، فيجب أن يُعتنى بشأنها، وتُذاق وبال أمرها إذا جنت أو أجرمت، ويحتلب الرجال درّها إذا أحسنت أو نفعت، ولا تُترك على حيال إرادتها صوناً من شرّها، كالعدوِّ القويّ الذي يُغلب فيؤخَذ أسيراً مسترقّاً، يعيش طول حياته تحت القهر، إن جاء بالسيئة يؤاخذ بها، وإن جاء بالحسنة لم يُشكر لها.

وهذا الذي سمعته - إنّ الاجتماع كان متقوّماً عندهم بالرجال - هو الذي ألزمهم أن يعتقدوا أنّ الأولاد بالحقيقة هم الذكور، وأنّ بقاء النسل ببقائهم، وهذا هو منشأ ظهور عمل التبنّي والإلحاق بينهم، فإنّ البيت الذي ليس لربّه ولد ذكر كان محكوماً بالخراب، والنسل مكتوباً عليه الفناء والانقراض، فاضطرّ هؤلاء إلى اتّخاذ أبناء؛ صوناً عن الانقراض وموت الذكر، فدعوا غير أبنائهم لأصلابهم أبناءً لأنفسهم، فكانوا أبناء رسماً، يرثون ويورثون ويرتّب عليهم آثار الأبناء الصُلبيين، وكان الرجل منهم إذا زعم أنّه عاقر لا يولَد منه

١٠١

ولد، عمد إلى بعض أقاربه، كأخيه وابن أخيه، فأورده فراش أهله لتعلق منه فتلد ولداً يدعوه لنفسه، ويقوم بقاء بيته.

وكان الأمر في التزويج والتطليق في اليونان قريباً منهما في الروم، وكان من الجائز عندهم تعدُّد الزوجات، غير أنّ الزوجة إذا زادت على الواحدة كانت واحدة منهن زوجة رسمية، والباقية غير رسمية.

- 4 -

حال المرأة عن العرب ومُحيط حياتهم (محيط نزول القرآن)

وقد كانت العرب قاطنين في شبه الجزيرة، وهي منطقة حارّة جدبة الأرض، والمعظم من أُمّتهم قبائل بدوية، بعيدة عن الحضارة والمدنية، يعيشون بشنّ الغارات، وهم متّصلون بإيران من جانب، وبالروم من جانب، وببلاد الحبشة والسودان من آخر.

ولذلك؛ كانت العمدة من رسومهم رسوم التوحّش، وربّما وجِد خلالها شيء من عادات الروم وإيران، ومن عادات الهند ومصر القديم أحياناً.

كانت العرب لا ترى للمرأة استقلالاً في الحياة، ولا حرمة ولا شرافة، إلاّ حرمة البيت وشرافته، وكانت لا تورّث النساء، وكانت تجوِّز تعدُّد الزوجات من غير تحديد بعدد معيّن كاليهود، وكذا في الطلاق، وكانت تئد البنات ابتداء بذلك بنو تميم؛ لوقعة كانت لهم مع النعمان بن المنذر، أُسرت فيه عدّة من بناتهم، والقصّة معروفة فأغضبهم ذلك فابتدروا به، ثمّ سرت السجية في غيرهم، وكانت العرب تتشاءم إذا ولِدت للرجل منهم بنت يعدُّها عاراً لنفسه، يتوارى من القوم من سوء ما بُشّر به، لكن يسرُّه الابن مهما كثر ولو بالدعاء والإلحاق، حتى إنّهم كانوا يتبنُّون الولد لزنا مُحصنة ارتكبوه، وربّما نازع رجال من صناديدهم وأُولي الطول منهم في ولد ادّعاه كل لنفسه.

١٠٢

وربّما لاح في بعض البيوت استقلال لنسائهم وخاصة للبنات في أمر الازدواج، فكان يراعي فيه رضى المرأة وانتخابها، فيُشبه ذلك منهم دأب الأشراف بإيران الجاري على تمايز الطبقات.

وكيف كان، فمعاملتهم مع النساء كانت معاملة مركّبة من معاملة أهل المدنية من الروم وإيران، كتحريم الاستقلال في الحقوق، والشركة في الأمور العامة الاجتماعية، كالحكم والحرب وأمر الازدواج إلاّ استثناءً، ومن معاملة أهل التوحّش والبربرية، فلم يكن حرمانهنّ مستنداً إلى تقديس رؤساء البيوت وعبادتهم، بل من باب غلبة القويّ واستخدامه للضعيف.

وأمّا العبادة، فكانوا يعبدون جميعاً (رجالاً ونساءً) أصناماً، يُشبه أمرها أمر الأصنام عند الصابئين، أصحاب الكواكب وأرباب الأنواع، وتتميّز أصنامهم بحسب تميّز القبائل وأهوائها المختلفة، فيعبدون الكواكب والملائكة (وهم بنات الله سبحانه بزعمهم) ، ويتّخذونها على صور صوّرتها لهم أوهامهم، ومن أشياء مختلفة، كالحجارة والخشب، وقد بلغ هواهم في ذلك إلى مثل ما نُقل عن بني حنيفة، أنّهم اتّخذوا لهم صنماً من الحيس فعبدوه دهراً طويلاً، ثمّ أصابتهم مجاعة فأكلوه، فقيل فيهم:

أكلت حنيفة ربَّها

زمن التقحُّم والمجاعة

لم يحذروا من ربِّهم

سوء العواقب والتباعة

وربّما عبدوا حجراً، حتى إذا وجدوا حجراً أحسن منه، طرحوا الأول وأخذوا بالثاني، وإذا لم يجدوا شيئاً جمعوا حفنة من تراب، ثم جاؤوا بغنم فحلبوه عليها، ثمّ طافوا بها يعبدونها.

وقد أودعت هذا الحرمان والشقاء في نفوس النساء ضعفاً في الفكرة، يُصوّر لها أوهاماً وخرافات عجيبة، في الحوادث والوقائع المختلفة، ضبطتها

١٠٣

كُتب السير والتاريخ.

فهذه جمل من أحوال المرأة في المجتمع الإنساني، من أدواره المختلفة قبل الإسلام وزمن ظهوره، آثرنا فيها الاختصار التامّ، ويستنتج من جميع ذلك:

أولاً: إنّهم كانوا يرونها إنساناً في أُفق الحيوان العُجَم، أو إنساناً ضعيف الإنسانية منحطّاً، لا يؤمَن شرُّه وفساده لو أُطلق من قيد التبعية، واكتسب الحرّية في حياته، والنظر الأول أنسب لسيرة الأُمم الوحشية والثاني لغيرهم.

وثانياً: إنّهم كانوا يرون في وزنها الاجتماعي أنّها خارجة من هيكل المجتمع المركّب غير داخلة فيه، وإنّما هي من شرائطه التي لا غناء عنها، كالمسكن لا غناء عن الالتجاء إليه، أو أنّها كالأسير المسترقِّ الذي هي من توابع المجتمع الغالب، يُنتفع من عمله ولا يؤمَن كيده على اختلاف المسلكين.

وثالثاً: إنّهم كانوا يرون حرمانها من عامة الحقوق التي أمكن انتفاعها منها، إلاّ بمقدار يرجع انتفاعها إلى انتفاع الرجال القيِّمين بأمرها.

ورابعاً: إنّ أساس معاملتهم معها فيما عاملوا، هو غلبة القويّ على الضعيف، وبعبارة أُخرى: قريحة الاستخدام، هذا في الأُمم غير المتمدّنة.

وأمّا الأُمم المتمدّنة فيُضاف عندهم إلى ذلك ما كانوا يعتقدونه في أمرها: أنّها إنسان ضعيف الخِلقة، لا تقدر على الاستقلال بأمرها، ولا يؤمَن شرُّها، وربّما اختلف الأمر اختلاطاً باختلاف الأُمم والأجيال.

١٠٤

- 5 -

ماذا أبدعه الإسلام في أمرها؟

لا زالت بأجمعها ترى في أمر المرأة ما قصصناه عليك، وتحبسها في سجن الذلّة والهوان، حتى صار الضعف والصغار طبيعة ثانية لها، عليها نبتت لحمها وعظمها، وعليها كانت تحيا وتموت، وعادت ألفاظ المرأة والضعف والهوان كاللغات المُترادفة، بعدما وضعت متبائنة، لا عند الرجال فقط، بل وعند النساء - ومن العجب ذلك - ولا ترى أُمّة من الأُمم - وحشيها ومدنيها - إلاّ وعندهم أمثال سائرة في ضعفها وهوان أمرها، وفي لغاتهم على اختلاف أصولها وسياقاتها وألحانها أنواع، من الاستعارة والكناية والتشبيه، مربوطة بهذه اللفظة (المرأة) يقرع بها الجَبان، ويؤنّب بها الضعيف، ويُلام بها المخذول المُستهان والمُستذلِّ المنظلم، ويوجد من نحو قول القائل:

وما أدري وليتَ أخال أدري

أقوم آل حصن أم نساء

مئات وألوف من النَّظم والنثر في كل لغة.

وهذا - في نفسه - كافٍ في أن يحصل للباحث ما كان يعتقده المجتمع الإنساني في أمر المرأة، وإن لم يكن هناك ما جمعته كُتب السير والتواريخ من مذاهب الأُمم والمِلل في أمرها، فإنّ الخصائل الروحية والجهات الوجودية في كل أمة تتجلّى في لغتها وآدابها.

ولم يورث من السابقين ما يعتني بشأنها ويهمّ بأمرها، إلاّ بعض ما ورد في التوراة، وما وصّى به عيسى بن مريم (عليهما السلام) من لزوم التسهيل عليها والإرفاق بها.

وأمّا الإسلام - أعني الدين الحنيف النازل به القرآن - فإنّه أبدع في حقّها أمراً ما كانت تعرفه الدنيا منذ قطن قاطنوها، وخالفهم جميعاً في بناء بُنية فطرية، عليها كانت الدنيا هدمتها من أول يوم وأعفت آثارها، وألغى ما كانت

١٠٥

تعتقده الدنيا في هويّتها اعتقاداً، وما كانت تسير فيها سيرتها عملاً.

أمّا هويّتها: فإنّه بيَّن أنّ المرأة كالرجل إنسان، وأنّ كل إنسان ذكر أو أُنثى، فإنّه إنسان يشترك في مادّته وعنصره إنسانان ذكر وأُنثى، ولا فضل لأحد على أحد إلاّ بالتقوى.

قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ... ) (1) .

فجعل تعالى كل إنسان مأخوذا مؤلّفاً من إنسانين، ذكر وأُنثى، هما معاً، وبنسبة واحدة مادة كونه ووجوده، وهو - سواء كان ذكراً أم أنثى - مجموع المادة المأخوذة منهما، ولم يقل تعالى: مثل ما قاله القائل:

وإنّما أمّهات الناس أوعية

.....................................

ولا قال مثل ما قاله الآخر:

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا

بنوهنَّ أبناء الرجال الأباعد

بل جعل تعالى كُلاّ ًمخلوقاً مؤلّفاً من كل، فعاد الكل أمثالاً، ولا بيان أتمّ ولا أبلغ من هذا البيان، ثمّ جعل الفضل في التقوى.

وقال تعالى: ( ... أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ... ) (2) .

فصرَّح أنّ السعي غير خائب والعمل غير مُضيَّع عند الله، وعلّل ذلك بقوله: ( ... بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ... ) ، فعبّر صريحاً بما هو نتيجة قوله في الآية السابقة: ( ... إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى... ) ، وهو أنّ الرجل والمرأة جميعاً من نوع واحد

____________________

(1) سورة الحجرات، الآية: 13.

(2) سورة آل عمران، الآية: 195.

١٠٦

من غير فرق في الأصل والسنخ.

ثمّ بَيّن بذلك أنّ عمل كل واحدٍ من هذين الصنفين غير مُضيّع عند الله، لا يبطل في نفسه، ولا يعدوه إلى غيره، كل نفس بما كسبت رهينة، لا كما كان يقوله الناس: إنَّ عليهن سيِّئاتهنّ، وللرجال حسناتهنّ من منافع وجودهنّ. وسيجيء لهذا الكلام مزيد توضيح.

وإذا كان لكلٍّ منهما ما عمل ولا كرامة إلاّ بالتقوى، ومن التقوى الأخلاق الفاضلة كالإيمان بدرجاته، والعلم النافع، والعقل الرزين، والخُلق الحسن، والصبر والحِلم، فالمرأة المؤمنة بدرجات الإيمان، أو المليئة علماً، أو الرزينة عقلاً، أو الحسنة خُلقاً أكرم ذاتاً، وأسمى درجة ممَّن لا يُعادلها في ذلك من الرجال في الإسلام، كان مَن كان، فلا كرامة إلاّ للتقوى والفضيلة.

وفي معنى الآية السابقة، وأوضح منها قوله تعالى: ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) (1) .

وقوله تعالى: ( ... وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ) (2) .

وقوله تعالى: ( وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً ) (3) .

وقد ذمّ الله سبحانه الاستهانة بأمر البنات بمثل قوله، وهو من أبلغ

____________________

(1) سورة النحل، الآية: 97.

(2) سورة المؤمن، الآية: 40.

(3) سورة النساء، الآية: 124.

١٠٧

الذمّ: ( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ ) (1) .

ولم يكن تواريهم إلاّ لعدهم ولادتها عاراً على المولود له، وعمدة ذلك أنّهم كانوا يتصوّرون أنّها ستكبر فتصير لعبة لغيرها يتمتّع بها، وذلك نوع غلبة من الزوج عليها في أمر مستهجن، فيعود عاره إلى بيتها وأبيها، ولذلك كانوا يئدون البنات / وقد سمعت السبب الأول فيه فيما مرّ، وقد بالغ الله سبحانه في التشديد عليه، حيث قال: ( وَإِذَا المًوءودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ) (2) . وقد بقي من هذه الخرافات بقايا عند المسلمين ورثوها من أسلافهم، ولم يغسل رينها من قلوبهم المربون، فتراهم يعدُّون الزنا عاراً لازماً على المرأة وبيتها وإن تابت، دون الزاني وإن أصرّ، مع أنّ الإسلام قد جمع العار والقبح كلّه في المعصية، والزاني والزانية سواء فيها.

____________________

(1) سورة النحل، الآيتان: 58 - 59.

(2) سورة التكوير، الآيتان: 8 - 9.

١٠٨

الوزن الاجتماعي للمرأة في الإسلام:

فالإسلام ساوى بينها وبين الرجل، من حيث تدبير شؤون الحياة بالإرادة والعمل، فإنّهما متساويان من حيث تعلّق الإرادة بما تحتاج إليه البُنية الإنسانية، في الأكل والشرب وغيرهما من لوازم البقاء، وقد قال تعالى: ( ... بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ... ) (1) ، فلها أن تستقلّ بالإرادة، ولها أن تستقلّ بالعمل وتمتلك نتاجهما، كما للرجل ذلك، من غير فرق ( ... لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ... ) ، فهما سواء فيما يراه الإسلام ويُحقّه القرآن، والله يُحق الحق بكلماته، غير أنّه قرّر فيها خصلتين ميّزها بهما الصُّنع الإلهي.

إحداهما: أنّها بمنزلة الحرث في تكوُّن النوع ونمائه، فعليها يعتمد النوع من بقائه، فتختصُّ من الأحكام بمثل ما يختصُّ به الحرث، وتمتاز بذلك من الرجل.

والثانية: أنّ وجودها مبنيٌّ على لطافة البُنية ورقّة الشعور، ولذلك أيضاً تأثير في أحوالها الوظائف الاجتماعية المحولّة إليها.

فهذا وزنها

____________________

(1) سورة آل عمران، الآية: 195.

١٠٩

الاجتماعي، وبذلك يظهر وزن الرجل في المجتمع، وإليه تنحل جميع الأحكام المشتركة بينهما، وما يختصّ به أحدهما في الإسلام، قال تعالى: ( وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ) (1) .

يريد أنّ الأعمال التي يُهديها كلٌّ من الفريقين إلى المجتمع هي الملاك لما اختصّ به من الفضل، وإنّ من هذا الفضل ما تعيَّن لحوقه بالبعض دون البعض، كفضل الرجل على المرأة في سهم الإرث، وفضل المرأة على الرجل في وضع النفقة عنها، فلا ينبغي أن يتمنّاه مُتمنٍّ، ومنه ما لم يتعيّن إلاّ بعمل العامل، كائناً مَن كان، كفضل الله يؤتيه مَن يشاء، واسألوا الله من فضله، والدليل على هذا الذي ذكرنا قوله تعالى بعده: ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ... ) على ما سيجيء بيانه.

مُساواة في الأحكام:

وأمّا الأحكام المشتركة والمختصّة، فهي تُشارك الرجل في جميع الأحكام العبادية والحقوق الاجتماعية، فلها أن تستقلّ فيما يستقلُّ به الرجل، من غير فرق في إرث ولا كسب ولا معاملة، ولا تعليم وتعلُّم، ولا اقتناء حق، ولا دفاع عن حق وغير ذلك، إلاّ في موارد يقتضي طباعها ذلك.

وعمدة هذه الموارد: أنّها لا تتولّى الحكومة والقضاء، ولا تتولّى القتال بمعنى المقارعة، لا مطلق الحضور والإعانة على الأمر كمداواة الجرحى مثلاً، ولها نصف سهم الرجل في الإرث، وعليها الحجاب وستر

____________________

(1) سورة النساء، الآية: 32.

١١٠

مواضع الزينة، وعليها أن تُطيع زوجها فيما يرجع إلى التمتُّع منها، وتُدرِك ما فاتها بأنَّ نفقتها في الحياة على الرجل - الأب أو الزوج - وأنّ عليه أن يحمي عنها منتهى ما يستطيعه، وأنّ لها حق تربية الولد وحضانته.

وقد سهَّل الله لها أنّها محميّة النفس والعرض حتى عن سوء الذِّكْر، وأنّ العبادة موضوعة عنها أيّام عادتها ونفاسها، وأنّها لازمة الإرفاق في جميع الأحول.

والمتحصّل من جميع ذلك: أنّها لا يجب عليها في جانب العلم إلاّ العلم بأُصول المعارف والعلم بالفروع الدينية (أحكام العبادات والقوانين الجارية في الاجتماع)، وأمّا في جانب العمل، فأحكام الدين وطاعة الزوج فيما يتمتّع به منها، وأمّا تنظيم الحياة الفردية - بعمل أو كسب بحرفة أو صناعة وكذا الورود فيما يقوم به نظام البيت - وكذا المداخلة في ما يصلح المجتمع العام، كتعلُّم العلوم واتّخاذ الصناعات والحرف المفيدة للعامّة والنافعة في الاجتماعات مع حفظ الحدود الموضوعة فيها، فلا يجب عليها شيء من ذلك، ولازمه أن يكون الورود في جميع هذه الموارد، من علم أو كسب، أو شغل أو تربية، ونحو ذلك، كلّها فضلاً لها تتفاضل به، وفخراً لها تتفاخر به، وقد جوّز الإسلام، بل ندب إلى التفاخر بينهنّ، مع أنّ الرجال نهوا عن التفاخر في غير حال الحرب.

والسنّة النبوية تؤيّد ما ذكرناه، ولولا بلوغ الكلام في طوله إلى ما لا يسعه هذا المقام، لذكرنا طرفاً من سيرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) مع زوجته خديجة، ومع بنته سيد النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام) ومع نسائه، ومع نساء قومه وما وصّى به في أمر النساء، والمأثور من طريقة أئمّة أهل البيت ونسائهم، كزينب بنت علي، وفاطمة وسكينة بنتي الحسين، وغيرهن على جماعتهم السلام، ووصاياهم في أمر النساء، ولعلَّنا نُوفَّق لنقل شطر منها في الأبحاث الروائية

١١١

المتعلِّقة بآيات النساء، وإنَّما الأساس الذي بُنيت عليه هذه الأحكام والحقوق فهو الفطرة، وقد عُلِم من الكلام في وزنها الاجتماعي، كيفية هذا البناء، ونزيده هاهنا إيضاحات، فنقول: لا ينبغي أن يرتاب الباحث عن أحكام الاجتماع وما يتَّصل بها من المباحث العلمية، أنَّ الوظائف الاجتماعية والتكاليف الاعتبارية المتفرِّعة عليها، يجب انتهائها - بالآخرة - إلى الطبيعة، فخصوصية البُنية الطبيعية الإنسانية هي التي هدت الإنسان إلى هذا الاجتماع النوعي، الذي لا يكاد يوجد النوع خالياً عنه في زمان، وإن أمكن أن يعرض لهذا الاجتماع المستند إلى اقتضاء الطبيعة ما يُخرجه عن مجرى الصحّة إلى مجرى الفساد، كما يمكن أن يعرض للبدن الطبيعي ما يُخرجه عن تمامه الطبيعي إلى نقص الخِلقة، أو عن صحّته الطبيعية إلى القسم والعاهة.

فالاجتماع بجميع شؤونه وجهاته - سواء كان اجتماعاً فاضلاً أم اجتماعاً فاسداً - ينتهي في النهاية إلى الطبيعة، وإن اختلف القسمان، من حيث إنّ المجتمع الفاسد يُصادف في طريق الانتهاء ما يُفسده في آثاره، بخلاف الاجتماع الفاضل.

فهذه حقيقة، وقد أشار إليها - تصريحاً أو تلويحاً - الباحثون من هذه المباحث، وقد سبقهم إلى بيانه الكتاب الإلهي، فبيّنه بأبدع البيان، قال تعالى: ( ... الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) (1) .

وقال تعالى: ( الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ) (2).

وقال تعالى: ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا

____________________

(1) سورة طه، الآية: 50.

(2) سورة الأعلى، الآيتان: 2 - 3.

١١٢

وَتَقْوَاهَا ) (1) .

إلى غير ذلك من آيات القدر.

فالأشياء - ومن جملتها الإنسان - إنّما تهتدي في وجودها وحياتها إلى ما خُلقت له، وجُهِّزت بما يكفيه ويصلح له من الخلقة، والحياة القيِّمة بسعادة الإنسان هي التي تنطبق أعمالها على الخلقة والفطرة انطباقاً تاماً، وتنتهي وظائفها وتكاليفها إلى الطبيعة انتهاءً صحيحاً، وهذا هو الذي يُشير إليه قوله تعالى: ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ... ) (2) .

والذي تقتضيه الفطرة في أمر الوظائف والحقوق الاجتماعية بين الأفراد - على أنّ الجميع إنسان ذو فطرة بشرية - أن يُساوي بينهم في الحقوق والوظائف، من غير أن يُحبا بعض ويُضطهد آخرون بإبطال حقوقهم، لكن ليس مقتضى هذه التسوية، التي يحكم بها العدل الاجتماعي أن يبذل كل مقام اجتماعي لكل فرد من أفراد المجتمع، فيتقلّد الصبي - مثلاً - على صباوته والسفيه على سفاهته، ما يتقلّده الإنسان العاقل المجرّب، أو يتناول الضعيف العاجز ما يتناوله القوي المقتدر في الشؤون والدرجات، فإنّ في تسوية حال الصالح وغير الصالح إفساداً لما لهما معاً.

بل الذي يقتضيه العدل الاجتماعي، ويُفسّر به معنى التسوية، أن يُعطى كلّ ذي حقٍّ حقَّه ويُنزل منزلته، فالتساوي بين الأفراد والطبقات إنّما هو في نيل كل ذي حقٍّ خصوص حقَّه، من غير أن يُزاحم حقٌّ حقَّاً، أو يُهمَل أو يُبطَل حقٌّ بغياً أو تحكُّماً ونحو ذلك، وهذا هو الذي يُشير إليه قوله تعالى: ( ... وَلَهُنَّ

____________________

(1) سورة الشمس، الآيتان: 7 - 8.

(2) سورة الروم، الآية: 30.

١١٣

مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ... ) (الآية)، كما مرَّ بيانه، فأنّ الآية تُصرِّح بالتساوي في عين تقرير الاختلاف بينهن وبين الرجال.

ثمَّ إنّ اشتراك القبيلين، أعني الرجال والنساء، في أصول المواهب الوجودية - أعني الفكر والإرادة المولِّدتين للاختيار - يستدعي اشتراكها مع الرجل، في حرِّية الفكر والإرادة أعني الاختيار، فلها الاستقلال بالتصرُّف في جميع شؤون حياتها الفردية والاجتماعية، عدا ما منع عنه مانع، وقد أعطاها الإسلام هذا الاستقلال والحرِّية على أتمِّ الوجوه، كما سمعت فيما تقدّم، فصارت - بنعمة الله سبحانه - مستقلّة بنفسها منفكّة الإرادة والعمل عن الرجال وولايتهم وقيمومتهم، واجدة لما لم يسمح لها به الدنيا في جميع أدوارها، وخلت عنه صحائف تاريخ وجودها، قال تعالى: ( ... فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ... ) (1) .

لكنَّها - مع وجود العوامل المشتركة المذكورة في وجودها - تختلف مع الرجال من جهة أُخرى، فإنّ المتوسِّطة من النساء تتأخّر عن المتوسّط من الرجال، في الخصوصيات الكمالية من بُنيتها، كالدماغ والقلب، والشرايين والأعصاب، والقامة والوزن - على ما شرحه فَنُّ وظائف الأعضاء - واستوجب ذلك أنَّ جسمها ألطف وأنعم، كما أنَّ جسم الرجل أخشن وأصلب، وأنّ الإحساسات اللطيفة، كالحبِّ ورقَّة القلب والميل إلى الجمال والزينة، أغلب عليها من الرجل، كما أنّ التعقُّل أغلب عليه من المرأة، فحياتها حياة إحساسية، كما أنّ حياة الرجل حياة تعقُّلية.

ولذلك؛ فرّق الإسلام بينهما في الوظائف والتكاليف العامة الاجتماعية، التي يرتبط قوامها بأحد الأمرين: أعني التعقُّل، العواطف (الإحساسات)

____________________

(1) سورة البقرة، الآية: 234.

١١٤

فخصَّ مثل الولاية والقضاء والقتال بالرجال؛ لاحتياجها المُبرم إلى التعقُّل، والحياة التعقلية إنَّما هي للرجل دون المرأة، وخصّ مثل حضانة الأولاد وتربيتها وتدبير المنزل بالمرأة، وجعل نفقتها على الرجل، وعوّض ذلك له بالسهمين في الإرث (وهو في الحقيقة بمنزلة أن يقتسما الميراث نصفين، ثمَّ تُعطي المرأة ثُلث سهمها للرجل، في مقابل نفقتها، أي للانتفاع بنصف ما في يده، فيرجع بالحقيقة إلى أنَّ ثُلثي المال في الدنيا للرجال ملكاً وعيناً وثُلثيها للنساء انتفاعاً، فالتدبير الغالب إنّما هو للرجال لغلبة تعقُّلهم، والانتفاع والتمتع الغالب للنساء؛ لغلبة إحساسهن، وسنزيده إيضاحاً في الكلام على آيات الإرث، إن شاء الله تعالى.

ثمّ تمّم ذلك بتسهيلات وتخفيفات في حقّ المرأة، مرّت الإشارة إليها.

فإن قلت: ما ذُكِر من الإرفاق البالغ للمرأة في الإسلام يوجب تعطُّلها عن العمل، فإن ارتفعت الحاجة الضرورية إلى لوازم الحياة بتخديرها، وكفاية مؤونتها بإيجاب الإنفاق على الرجل، يوجب إهمالها وكسلها وتثاقلها عن تحمُّل مشاقِّ الأعمال والأشغال، فتنمو على ذلك نماءً رديّاً، وتنبت نباتاً سيِّئاً غير صالح لتكامل المجتمع، وقد أيَّدت التجربة ذلك.

قلت: وضع القوانين المصلحة لحال البشر أمرٌ، وإجراء ذلك بالسيرة الصالحة والتربية الحسنة التي تُنبت الإنسان نباتاً حسناً أمرٌ آخر. والذي أُصيب به الإسلام في مدَّة سيرها الماضي، هو فقد الأولياء الصالحين، والقوَّام المجاهدين، فارتدَّت بذلك أنفاس الأحكام، وتوقَّفت التربية ثمَّ رجعت القهقري.

ومن أوضح ما أفادته التجارب القطعية: أنّ مجرّد النظر والاعتقاد لا يُثمر أثره، ما لم يُثبت في النفس بالتبليغ والتربية الصالحَين، والمسلمون - في غير بُرهة يسيرة - لم يستفيدوا من الأولياء المتظاهرين بولايتهم القيِّمين بأمورهم تربية صالحة، يجتمع فيها العلم والعمل.

فهذا معاوية، يقول على

١١٥

منبر العراق حين غلب على أمر الخلافة ما حاصله: إنِّي ما كنت أُقاتلكم لتُصلُّوا أو تصوموا، فذلك إليكم، وإنَّما كنت أقاتلكم لأتأمَّر عليكم، وقد فعلت.

وهذا غيره من الأُمويّين والعباسيين فمَن دونهم، ولولا استغاثة هذا الدين بنور الله الذي لا يطفأ، والله مُتمُّ نوره ولو كره الكافرون، لقضي عليه منذ عهد قديم.

حرّية المرأة في المدنية الغربية:

لا شكّ أنّ الإسلام له التقدُّم الباهر في إطلاقها عن قيد الأسر، وإعطائها الاستقلال في الإرادة والعمل، وأنّ أُمم الغرب فيما صنعوا من أمرها إنّما قلدوا الإسلام - وإن أساؤوا التقليد والمحاذاة - فإنَّ سيرة الإسلام حلقة بارزة مؤثِّرة أتمَّ التأثير في سلسلة السير الاجتماعية، وهي متوسّطة مُتخلِّلة، ومن المُحال أن يتَّصل ذيل السلسلة بصدرها دونها.

وبالجملة؛ فهؤلاء بنوا على المساواة التامّة بين الرجل والمرأة في الحقوق في هذه الأزمنة، بعد أن اجتهدوا في ذلك سنين، مع ما في المرأة من التأخُّر الكمالي بالنسبة إلى الرجل كما سمعت (إجماله).

والرأي العام عندهم تقريباً: أنّ تأخُّر المرأة في الكمال والفضيلة مستند إلى سوء التربية، التي دامت عليها ومكثت قروناً لعلّها تعادل عمر الدنيا، مع تساوي طباعها طباع الرجل.

ويتوجّه عليه: أنّ الاجتماع منذ أقدم عهود تكوُّنه قضى على تأخُّرها عن الرجل في الجملة، ولو كان الطباعان متساويين لظهر خلافه، ولو في بعض الأحيان، ولتغيّرت خلقة أعضائها الرئيسة وغيرها إلى مثل ما في الرجل.

١١٦

ويؤيِّد ذلك أنّ المدنية الغربية - مع غاية عنايتها في تقديم المرأة ما قدرت بعد على إيجاد التساوي بينهما ولم يزل الإحصاءات في جميع ما قدّم الإسلام فيه الرجل على المرأة كالولاية والقضاء والقتال - تُقدِّم الرجال وتؤخُّر النساء، وأمّا ما الذي أورثته هذه التسوية في هيكل المجتمع الحاضر، فسنشرح ما تيسّر لنا منه في محلّه إن شاء الله تعالى.

قوانين الإسلام الاجتماعية وقوانين العرب:

عمل النكاح في أصول الأعمال الاجتماعية، والبشر منذ أول تكوُّنه وتكثُّره حتى اليوم لم يخلُ عن هذا العمل الاجتماعي، وقد عرفت أنّ هذه الأعمال لا بدّ لها من أصل طبيعي ترجع إليه، ابتداءً أو أنتهاءً.

وقد وضع الإسلام هذا العمل عند تقنينه على أساس خلقة الفحولة والإناث؛ إذ من البيِّن أن هذا التجهيز المتقابل الموجود في الرجل والمرأة - وهو تجهيز دقيق يستوعب جميع بدن الذكور والإناث - لم يوضع هباءً باطلاً، ومن البيِّن - عند كلِّ مَن أجاد التأمُّل - أنّ طبيعة الإنسان الذكور في تجهيزها لا تريدُّ إلاّ الإناث وكذا العكس، وأنّ هذا التجهيز لا غاية له إلاّ إنتاج المثل وإبقاء النوع بذلك، فعمل النكاح يبتني على هذه الحقيقة، وجميع الأحكام المتعلِّقة به تدور مدارها؛ ولذلك وضِع التشريع على ذلك - أي على البُضع - ووضع عليه أحكام العفّة والمواقعة، واختصاص الزوجة بالزوج، وأحكام الطلاق والعدّة والأولاد والإرث ونحو ذلك.

وأمّا القوانين الأُخر الحاضرة، فقد وضعت أساس النكاح على تشريك الزوجين مساعيهما في الحياة، فالنكاح نوعُ اشتراك في العيش هو أضيق دائرة من الاجتماع البلدي ونحو ذلك؛ ولذلك لا ترى القوانين الحاضرة

١١٧

متعرّضة لشيء ممّا تعرّض له الإسلام، من أحكام العفّة ونحو ذلك.

وهذا البناء على ما يتفرّع عليه من أنواع المشكلات والمحاذير الاجتماعية - على ما سنُبيّن إن شاء الله العزيز - لا ينطبق على أساس الخلقة والفطرة أصلاً، فإنّ غاية ما نجده في الإنسان، من الداعي الطبيعي إلى الاجتماع وتشريك المساعي، هو أنّ بُنيته في سعادة حياته تحتاج إلى أمور كثيرة وأعمال شتّى، لا يمكنه وحده أن يقوم بها جميعاً، إلاَّ بالاجتماع والتعاون، فالجميع يقوم بالجميع، والأشواق الخاصة المتعلِّق كل واحد منها بشغل من الأشغال ونحو من أنحاء الأعمال، متفرِّقة في الأفراد، يحصل من مجموعها مجموع الأشغال والأعمال.

وهذا الداعي إنَّما يدعو إلى الاجتماع والتعاون بين الفرد والفرد أيَّا ما كانا، وأمّا الاجتماع الكائن من رجل وامرأة، فلا دعوة من هذا الداعي بالنسبة إليه، فبناء الازدواج على أساس التعاون الحيوي، انحراف عن صراط الاقتضاء الطبيعي للتناسل والتوالد، إلى غيره ممّا لا دعوة من الطبيعة والفطرة بالنسبة إليه.

ولو كان الأمر على هذا - أعني وضع الازدواج على أساس التعاون والاشتراك في الحياة - كان من اللازم أن لا يختصّ أمر الازدواج في الأحكام الاجتماعية بشيء أصلاً، إلاّ الأحكام العامة الموضوعة لمطلق الشركة والتعاون، وفي ذلك إبطال فضيلة العفّة رأساً، وإبطال أحكام الأنساب والمواريث - كما التزمه الشيوعية - وفي ذلك إبطال جميع الغرائز الفطرية، التي جُهِّز بها الذكور والإناث من الإنسان، وسنزيده إيضاحاً في محلٍّ يُناسبه إن شاء الله، هذا إجمال الكلام في النكاح.

وأمّا الطلاق، فهو من مخافر هذه الشريعة الإسلامية، وقد وضع جوازه على الفطرة؛ إذ لا دليل من الفطرة يدلُّ

١١٨

على المنع عنه، وإمّا خصوصيات القيود المأخوذة من تشريعه، فسيجيء الكلام فيها إن شاء الله تعالى.

وقد اضطرّت المِلل المُعظمة اليوم إلى إدخاله في قوانينهم المدنيّة بعد ما لم يكن.

١١٩

١٢٠