قضايا المجتمع والأسرة والزواج

قضايا المجتمع والأسرة والزواج 0%

قضايا المجتمع والأسرة والزواج مؤلف:
الناشر: دار الصفوة
تصنيف: الأسرة والطفل
الصفحات: 233

قضايا المجتمع والأسرة والزواج

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
الناشر: دار الصفوة
تصنيف: الصفحات: 233
المشاهدات: 45560
تحميل: 5209

توضيحات:

قضايا المجتمع والأسرة والزواج
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 233 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 45560 / تحميل: 5209
الحجم الحجم الحجم
قضايا المجتمع والأسرة والزواج

قضايا المجتمع والأسرة والزواج

مؤلف:
الناشر: دار الصفوة
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

والحديث والإجماع والتاريخ، يتمّ به تحوّل الأقوال في هذه المسألة تحوّلها العجيب، فقد كانت سنّة قائمة في عهد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) ثمّ نهي عنها في عهد عمر ونفّذ النهي عند عامة الناس، ووجه النهي بانتساخ آية الاستمتاع بآيات أُخرى أو بنهي النبي عنها، وخالف في ذلك عدّة من الأصحاب (1) وجمٌّ غفير ممَّن تبعهم من فقهاء الحجاز واليمن وغيرهم، حتى مثل ابن جريح من أئمة الحديث (وكان يُبالغ في التمتّع حتى تمتّع بسبعين امرأة) (2) ومثل مالك أحد أئمة الفقه الأربعة (3) ، هذا، ثمّ أعرض المتأخّرون من أهل التفسير عن دلالة آية الاستمتاع على المتعة، وراموا تفسيرها بالنكاح الدائم، وذكروا أنّ المتعة كانت سنّة من النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) ثمّ نُسخت بالحديث، ثمّ راموا في هذه الأواخر أنّها كانت من أنواع الزنا في الجاهلية، رخّص فيها النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) رخصة بعد رخصة، ثمّ نهى عنها نهياً مؤبّداً إلى يوم القيامة، ثمّ ذكر هذا القائل الأخير: أنّها زنا جاهلي محض، لا خبر عنها في الإسلام قطُّ، إلاّ ما وقع في كُتب الشيعة. والله أعلم بما يصير إليه حال المسألة في مستقبل الزمان.

(بحث علمي)

رابطة النسب - وهي الرابطة التي تربط الفرد من الإنسان بالفرد الآخر

____________________

(1) ومن عجيب الكلام، ما ذكره الزجّاج في هذه الآية: أنّ هذه آية غلط فيها قوم غلطاً عظيماً؛ لجهلهم باللغة؛ وذلك أنّهم ذكروا أنّ قوله: ( ... فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ... ) من المتعة التي قد أجمع أهل العلم أنّها حرام.

ثمّ ذكر أنّ معنى الاستمتاع هو النكاح، وليتني أدري أنّ أيّ فصل من كلامه يقبل الإصلاح؟! أرميُه أمثال ابن عباس وأُبيّ وغيره بالجهل باللغة؟! أم دعواه إجماع أهل العلم على الحرمة؟! أم دعواه الخبرة باللغة وقد جعل الاستمتاع بمعنى النكاح؟!.

(2) راجع ترجمة ابن جريح في تهذيب التهذيب وميزان الاعتدال.

(3) راجع للحصول على هذه الأقوال الكتب الفقهية، وفي تفصيل أبحاثها الفقهية والكلامية ما ألّفه أساتذة الفنِّ من القُدماء والمتأخّرين وخاصة أعلام العصر الحاضر من نظّار باحثي الحُجج.

٢٢١

من جهة الولادة وجامع الرحم - هي في الأصل رابطة طبيعية تكوينية، تكوِّن الشعوب والقبائل، وتحمل الخصال المنبعثة عن الدم فتُسريها حسب تسرية الدم، وهي المبدأ للآداب والرسوم والسنن القومية بما تختلط وتمتزج بسائر الأسباب والعِلل المؤثِّرة.

وللمجتمعات الإنسانية - المترقّية وغير المترقّية - نوع اعتناء بها في السنن والقوانين الاجتماعية في الجملة، في نكاح، وإرث، وغير ذلك، وهم مع ذلك لا يزالون يتصرّفون في هذه الرابطة النسبية توسعة وتضييقاً بحسب المصالح المنبعثة عن خصوصيات مجتمعهم، كما سمعت في المباحث السابقة أنّ غالب الأُمم السالفة كانوا لا يرون للمرأة قرابة رسماً، وكانوا يرون قرابة الدعيّ وبنوّته، وكما أنّ الإسلام ينفي القرابة بين الكافر المحارب والمسلم، ويُلحق الولد للفراش وغير ذلك.

ولمّا أعتبر الإسلام للنساء القرابة، بما أعطاهنّ من الشركة التامّة في الأموال، والحرّية التامة في الإرادة والعمل، على ما سمعت في المباحث السابقة، وصار بذلك الابن والبنت في درجة واحدة من القرابة والرحم الرسمي، وكذلك الأب والأمّ، والأخ والأُخت، والجدّ والجدّة، والعمّ والعمّة، والخال والخالة، صار عمود النسب الرسمي مُتنزلاً من ناحية البنات، كما كان يُتنزل من ناحية البنين، فصار ابن البنت ابناً للإنسان كبنوّة ابن الابن وهكذا ما نزل، وكذا صار بنت الابن وبنت البنت بنتين للإنسان على حدٍّ سواء، وعلى ذلك جرت الأحكام في المناكح والمواريث، وقد عرفت فيما تقدّم أنّ آية التحريم ( ... حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ... ) الآية دالّة على ذلك.

وقد قصّر السلف من باحثينا في هذه المسألة وأشباهها (وهي مسألة

٢٢٢

اجتماعية وحقوقية) فحسبوها مسألة لغوية، يُستراح فيها إلى قضاء اللغة، فاشتدّ النزاع بينهم فيما وُضِع له لفظ الابن مثلاً، فمن معمِّم ومن مُخصِّص، وكل ذلك من الخطاء.

وقد ذكر بعضهم: أنّ الذي تعرفه اللغة من البنوّة ما يجري من ناحية الابن، وأمّا ابن البنت وكل ما يجري من ناحيتها فللحوق هؤلاء بآبائهم لا بجدِّهم الأمّي لا يعدهم العرب أبناءً للإنسان؛ وأمَّا قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) للحسنين: (ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا)، وغير ذلك فهذا الإطلاق إطلاق تشريفي، وأنشد في ذلك قول القائل:

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا

بنوهن أبناء الرجال الأباعد

ونظيره قول الآخر:

وإنَّما أُمَّهات الناس أوعية

مُستودعات وللأنساب آباء

أقول: وقد اختلط عليه طريق البحث، فحسبه بحثاً لغويّاً، زعم فيه أنّ العرب لو وضعت لفظ الابن لما يشمل ابن البنت تغيّرت بذلك نتيجة البحث، وهو غفلة عن أنّ الآثار والأحكام المترتّبة في المجتمعات المختلفة البشرية على الأبوّة والبنوّة ونحوهما لا تتبع اللغات، وإنّما تتبع نوع بنية المجتمع والسنن الدائرة فيها، وربّما تغيّرت هذه الأحكام والآثار بتغيير السنّة الاجتماعية في المجتمع مع بقاء اللغة على حالها، وهذا يكشف عن كون البحث اجتماعياً أو عائداً إليه، لا لفظياً لغويّاً.

وأمّا ما أُنشد من الشعر، فليس يسوِّي الشعر في سوق الحقائق شيئاً - وليس إلاّ زخرفة خيالية وتزويقاً وهميّاً - حتى يستدلّ بكل ما تقوّله شاعر لاغٍ ولا سيّما فيما يُداخله القرآن الذي هو قول فصل وليس بالهزل.

٢٢٣

وأمّا مسألة لحوق الأبناء بآبائهم دون الأجداد من جانب الأُمّهات، فهي - على أنّها ليست مسألة لفظية لغويّة - ليست من فروع النسب حتى يستلزم لحوق الابن والبنت بالأب انقطاع نسبهما من جهة الأمِّ، بل من فروع قيمومة الرجل على البيت من حيث الإنفاق، وتربية الأولاد ونحوها.

وبالجملة؛ فالأمِّ تنقل رابطة النسب إلى أولادها من ذكور أو إناث كما ينقلها الأب، ومن آثاره البارزة في الإسلام الميراث وحرمة النكاح.

نعم، هناك أحكام ومسائل أُخر لها ملاكات خاصة، كلحوق الولد والنفقة، ومسألة سهم أُولي القُربى من السادات، وكلٌّ تتبع ملاكها الخاص بها.

(بحث علمي آخر)

النكاح والازدواج من السنن الاجتماعية، التي لم تزل دائرة في المجتمعات الإنسانية - أيّ مجتمع كان - على ما بيدنا من تاريخ هذا النوع إلى هذا اليوم، وهو في نفسه دليل على كونه سنّة فطرية.

على أنّ من أقوى الدليل على ذلك كون الذكر والأُنثى مجهّزَين بحسب البُنية الجسمانية بوسائل التناسل والتوالد، كما ذكرناه مراراً، والطائفتان (الذكر والأُنثى) في ابتغاء ذلك شرع سواء وإن زيدت الأُنثى بجهاز الإرضاع والعواطف الفطرية الملائمة لتربية الأولاد.

ثمّ إنّ هناك غرائز إنسانية تنعطف إلى محبّة الأولاد، وتقبل قضاء الطبيعة بكون الإنسان باقياً ببقاء نسله، وتُذعن بكون المرأة سكناً للرجل وبالعكس، وتحترم أصل الوراثة بعد احترامها لأصل الملك والاختصاص، وتحترم لزوم تأسيس البيت.

والمجتمعات التي تحترم هذه الأُصول والأحكام الفطرية - في الجملة - لا

٢٢٤

مناص لها من الإذعان بسنّة النكاح على نحو الاختصاص بوجه، بمعنى أن لا يختلط الرجال والنساء على نحو يُبطل الأنساب، وإن فرض التحفُّظ عن فساد الصحّة العامة وقوَّة التوالد، الذي يوجبه شيوع الزنا والفحشاء.

هذه أُصول معتبرة عند جميع الأُمم الجارية على سنّة النكاح في الجملة، سواء خصُّوا الواحد بالواحد، أو جوّزوا الكثير من النساء للواحد من الرجال أو بالعكس، أو الكثير منهم للكثير منهنّ، على اختلاف هذه السنن بين الأُمم، فإنّهم مع ذلك يعتبرون النكاح بخاصته التي هي نوع ملازمة ومصاحبة بين الزوجين.

فالفحشاء والسفاح الذي يقطع النسل ويُفسد الأنساب، أول ما تُبغضه الفطرة الإنسانية القاضية بالنكاح، ولا تزال ترى لهذه المُباغضة آثاراً بين الأُمم المختلفة والمجتمعات المتنوّعة، حتى الأُمم التي تعيش على الحرّية التامة في الرجال والنساء في المواصلات والمخالطات الشهوية، فإنّهم متوحّشون من هذه الخلاعات المسترسلة، وتراهم يعيشون بقوانين تحفظ لهم أحكام الأنساب بوجه.

والإنسان مع إذعانه بسنّة النكاح لا يتقيّد فيه بحسب الطبع، ولا يحرّم على نفسه ذا قرابة أو أجنبيّاً، ولا يجتنّب الذكر من الإنسان أُمّاً ولا أُختاً ولا بنتاً ولا غيرهنّ، ولا الأُنثى منه أباً ولا أخاً ولا ابناً، بحسب الداعية الشهوية، فالتاريخ والنقل يُثبت نكاح الأُمّهات والأخوات والبنات وغيرهن في الأُمم العظيمة الراقية والمنحطّة، والأخبار تحقِّق الزنا الفاشي في الملل المتمدّنة اليوم بين الإخوة والأخوات، والآباء والبنات وغيرهن، فطاغية الشهوة لا يقوم لها شيء، وما كان بين هذه الأُمم من اجتناب نكاح الأُمّهات والأخوات والبنات وما يلحق بهنّ، فإنّما هو سنّة موروثة، ربّما انتهت إلى بعض الآداب والرسوم القومية.

٢٢٥

وإنّك إذا قايست القوانين المشرّعة في الإسلام؛ لتنظيم أمر الازدواج بسائر القوانين والسنن الدائرة في الدنيا، وتأمّلت فيها مُنصفاً، وجدتها أدقّ وأضمن لجميع شؤون الاحتياط في حفظ الأنساب وسائر المصالح الإنسانية الفطرية، وجميع ما شرّعه من الأحكام في أمر النكاح، وما يلحق به يرجع إلى حفظ الأنساب وسدِّ سبيل الزنا.

فالذي روعي فيه مصلحة حفظ الأنساب من غير واسطة، هو تحريم نكاح المُحصنات من النساء، وبذلك يتمُّ إلغاء ازدواح المرأة بأكثر من زوج واحد في زمان واحد، فإنّ فيه فساد الأنساب، كما أنّه هو الملاك في وضع عدّة الطلاق بتربّص المرأة بنفسها ثلاثة قروء؛ تحرُّزاً من اختلاط المياه.

وأمّا سائر أصناف النساء المُحرَّم نكاحها - وهي أربعة عشر صنفاً المعدودة في آيات التحريم - فإنّ الملاك في تحريم نكاحهنّ سدُّ باب الزنا؛ فإنّ الإنسان - وهو في المجتمع المنزلي - أكثر ما يُعاشر ويختلط ويسترسل ويُديم في المصاحبة، إنَّما هو مع هذه الأصناف الأربعة عشر، ودوام المصاحبة ومساس الاسترسال يوجب كمال توجُّه النفس وركوز الفكر فيهنّ، بما يهدي إلى تنبُّه الميول والعواطف الحيوانية وهيجان دواعي الشهوة، وبعثها الإنسان إلى ما يستلذُّه طبعه، وتتوق له نفسه، ومَن يَحُمْ حول الحُمّى أوشك أن يقع فيه.

فكان من الواجب أن لا يقتصر على مجرّد تحريم الزنا في هذه الموارد، فإنّ دوام المصاحبة، وتكرُّر هجوم الوساوس النفسانية، وورود الهمِّ بعد الهمِّ لا يدع للإنسان مجال التحفُّظ على نهي واحد من الزنا.

بل كان يجب أن تُحرَّم هؤلاء تحريماً مؤبّداً، وتقع عليه التربية الدينية؛ حتى يستقرّ في القلوب اليأس التام من بلوغهنّ والنيل منهنّ، ويُميت ذلك

٢٢٦

تعلُّق الشهوة ويقطع منبتها ويقلعها من أصلها، وهذا هو الذي نرى من كثير من المسلمين، حتى في المتوغِّلين في الفحشاء المسترسلين في المنكرات منهم، أنّهم لا يخطر ببالهم الفحشاء بالمحارم، وهتك ستر الأمّهات والبنات، ولولا ذلك لم يكد يخلو بيت من البيوت من فاحشة الزنا ونحوه.

وهذا، كما أنّ الإسلام سدّ باب الزنا في غير المحارم بإيجاب الحجاب، والمنع عن اختلاط الرجال بالنساء والنساء بالرجال، ولولا ذلك لم ينجح النهي عن الزنا في الحجز بين الإنسان، وبين هذا الفعال الشنيع، فهناك أحد أمرين: إمّا أن يمنع الاختلاط كما في طائفة، وإمّا أن يستقرّ اليأس من النيل بالمرّة بحرمة مؤبّدة يتربّى عليها الإنسان، حتى يستوي على هذه العقيدة، لا يُبصر مثاله فيما يُبصر، ولا يسمعه فيما يسمع، فلا يخطر بباله أبداً.

وتصديق ذلك ما نجده من حال الأُمم الغربية، فإنّ هؤلاء معاشر النصارى كانت ترى حرمة الزنا، وتعدّ تعدُّد الزوجات في تلو الزنا، أباحت اختلاط النساء بالرجال، فلم تلبث حتى فشا الفحشاء فيها فشوّاً لا يكاد يوجد في الألف منهم واحد يسلم من هذا الداء، ولا في ألف من رجالهم واحد يستيقن بكون مَن ينتسب إليه من أولاده من صُلبه، ثمّ لم يمكث هذا الداء حتى سرى إلى الرجال مع محارمهم، من الأخوات والبنات والأمهات، ثمّ إلى ما بين الرجال والغلمان، ثمّ الشبّان أنفسهم، ثمّ... وثمّ... آلَ الأمر إلى أن صارت هذه الطائفة التي ما خلقها الله سبحانه إلاّ سكناً للبشر، ونعمة يُقيم بها صلب الإنسانية، ويطيب بها عيشة النوع مصيدة يصطاد بها في كل شأن سياسي واقتصادي واجتماعي، ووسيلة للنيل إلى كل غرض يُفسد حياة المجتمع والفرد، وعادت الحياة الإنسانية أمنية تخيلية، ولعباً ولهواً بتمام

٢٢٧

معنى الكلمة، وقد اتّسع الخرق على الراتق.

هذا هو الذي بنى عليه الإسلام مسألة تحريم المحرّمات، من المُبهمات وغيرها في باب النكاح، إلاّ المحصنات من النساء على ما عرفت.

وتأثير هذا الحكم - في المنع عن فشوّ الزنا وتسرُّبه في المجتمع المنزلي - كتأثير حكم الحجاب في المنع عن ظهور الزنا، وسريان الفساد في المجتمع المدني، على ما عرفت.

وقد تقدّم أنّ قوله تعالى: ( ... وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ... ) الآية، لا تخلو عن إشارة إلى هذه الحكمة، ويمكن أن تكون الإشارة إليه بقوله تعالى - في آخر آيات التحريم -: ( يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ) (1) . فإنّ تحريم هذه الأصناف الأربعة عشر من الله سبحانه تحريماً باتّاً، يرفع عن كاهل الإنسان ثقل الصبر على هواهنّ والميل إليهنّ والنيل منهنّ، على إمكان من الأمر، وقد خُلق الإنسان ضعيفاً في قِبال الميول النفسانية، والدواعي الشهوانية، وقد قال تعالى: ( ... إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ) (2) . فإنّ من أمر الصبر أن يعيش الإنسان مع واحدة أو أكثر من النساء الأجنبيات، ويُصاحبهنّ في الخلوة والجلوة، ويتّصل بهنّ ليلاً ونهاراً ويمتلئ سمعه وبصره من لطيف إشاراتهنّ وحلو حركاتهن حيناً بعد حين، ثم يصبر على ما توسوسه نفسه في أمرهنّ، ولا يُجيبها في ما تتوق إليه، والحاجة إحدى الحاجتين الغذاء والنكاح، وما سواهما فضل يعود إليهما، وكأنّه هو الذي أشار إليه (صلّى الله عليه وآله وسلم) بقول: (مَن تزوّج أحرز نصف دينه فليتّق الله في النصف الآخر) (3) .

____________________

(1) سورة النساء، الآية: 28.

(2) سورة يوسف، الآية: 28.

(3) مرويّة في نكاح الوسائل.

٢٢٨

سنّة الزواج في العالم الحديث:

لا ريب أنّ الذي يدعو الإنسان ويبعثه نحو الاستنان بالسنن الاجتماعية، أو وضع القوانين الجارية في المجتمع البشري، تنبِّهه لحوائج الحياة وتوسّله بوضعها، والعمل بها إلى رفعها.

وكلّما كانت الحاجة أبسط، وإلى الطبيعة الساذجة أقرب، كان التوسّل إلى رفعها أوجب والإهمال في دفعها أدهى وأضرّ، فما الحاجة إلى أصل التغذّي والحياة تدور معه، كالحاجة إلى التنعم بألوان الطعام وأنواع الفواكه وهكذا؟!

ومن الحوائج الأولية الإنسانية حاجة كل من صنفيه - الذكور والإناث - إلى الآخرين بالنكاح والمباشرة، ولا ريب أنّ المطلوب بالنظر إلى الصنع والإيجاد بذلك بقاء النسل، وقد جُهِّز الإنسان بغريزة شهوة النكاح للتوسُّل به إلى ذلك.

ولذلك تجد المجتمعات الإنسانية، التي نُشاهدها أو نسمع بأخبارها مستنّة بسنّة الازدواج وتكوين البيت، وعلى ذلك كانت منذ أقدم عهودها، فلم يُضمن بقاء النسل إلاّ الازدواج.

ولا يدفع هذا الذي ذكرنا أنّ المدنيّة الحديثة وضعت سنّة الازدواج، على أصل الاشتراك في الحياة، دون أصل التناسل أو إرضاء الغريزة. فإنّ هذا البناء - على كونه بناء مُحدَثاً غير طبيعي - لم يبعث حتى الآن شيئاً من المجتمعات المستنّة بها على شيوع هذه الشركة الحيوية بين الرجال أنفسهم، أو النساء أنفسهنّ، وليس إلاّ لمباينته ما تبعث إليه الطبيعة الإنسانية.

وبالجملة؛ الازدواج سنّة طبيعيّة، لم تزل ولا تزال دائرة في المجتمعات

٢٢٩

البشرية، ولا يزاحم هذه السنّة الطبيعية في مسيرها إلاّ عمل الزنا، الذي هو أقوى مانع من تكوّن البيوت، وتحمُّل كُلفة الازدواج، وحمل أثقاله بانصراف غريزة الشهوة إليه، المستلزم لانهدام البيت وانقطاع النسل.

ولذا؛ كانت المجتمعات الدينية أو الطبيعة الساذجة تستشنعها وتعدُّها فاحشة منكرة، وتتوسّل إلى المنع عنه بأيّ وسيلة ممكنة، والمجتمعات المتمدّنة الحديثة، وإن لم تسدّ سبيله بالجملة، ولم تمنع عنه ذلك المنع، لكنّها مع ذلك لا تستحسنه؛ لما ترى من مضادّته العميقة لتكوّن البيوت وازدياد النفوس وبقاء النسل، وتحتال إلى تقليله بلطائف الحيل، وتروِّج سنَّة الازدواج، وتدعو إلى تكثير الأولاد، بجعل الجوائز وترفيع الدرجات، وغير ذلك من المشوقات.

غير أنّه على الرغم من كون سنّة الازدواج الدائم سنّة قانونية، متّبعة في جميع المجتمعات الإنسانية في العالم، وتحريض الدول عليها واحتيالها لتضعيف أمر الزنا، وصرف الناس - لا سيّما الشبّان والفتيات - عنه لا، يزال يوجد في جميع البلاد - صغيرتها وكبيرتها - معاهد لهذا العمل، الهادم لبنية المجتمع علنيّة أو سرّية، على اختلاف السنن الجارية فيها.

وهذا أوضح حجّة؛ على أنّ سنّة الازدواج الدائم لا تفي برفع هذه الحاجة الحيوية للنوع، وأنّ الإنسانية بعدُ في حاجة إلى تتميم نقيصتها هذه، وأنّ من الواجب على مَن بيده زمام التقنين، أن يتوسّع في أمر الازدواج.

ولذلك شفع شارع الإسلام سنّة الازدواج الدائم بسنّة الازدوج المؤقّت؛ تسهيلاً للأمر، وشرط فيه شروطاً ترتفع بها محاذير الزنا، من اختلاط المياه، واختلال الأنساب، والمواريث، وانهدام البيوت، وانقطاع النسل، وعدم لحوق الأولاد، وهي اختصاص المرأة بالرجل، والعدّة إذا افترقا، ولحوق

٢٣٠

الأولاد، ثمّ لها ما اشترطت على زوجها، وليس فيه على الرجل شيء من كُلفة الازدواج الدائم ومشقّته.

ولعمر الحق، إنّها لمن مفاخر الإسلام في شريعته السهلة السمحة، نظير الطلاق وتعدُّد الزوجات، وكثير من قوانينه، ولكن ما تُغني الآيات والنُّذر عن قوم لا يسمعون، يقول القائل: لأن أزني أحبُّ إليَّ من أن أتمتّع أو أُمتِّع.

٢٣١

الفهرس

الفصل الأوّل: أُسس المجتمع الإسلامي 5

الإنسان والمجتمع 7

الإنسان ونموُّه في مجتمعه 8

- الإسلام وعنايته بالمجتمع - 10

اعتبار الإسلام لرابطة الفرد والمجتمع 12

هل تقبل سنّة الإسلام الاجتماعية الإجراء والبقاء؟ 16

بماذا يتكوَّن ويعيش المجتمع الإسلامي؟ 28

التعقُّل والإحساس 35

الأجر الأخروي غاية المجتمع 38

الحرّية والمجتمع الإسلامي 40

التكامل في المجتمع الإسلامي 42

هل الإسلام قادر على إسعاد البشرية؟ 46

مَن الذي يتقلَّد ولاية المجتمع في الإسلام وما سيرته؟ 48

العقيدة جنسيّة المجتمع الإسلامي 53

البُعد الاجتماعي للإسلام 56

الدين الحق هو الغالب على الدنيا بالآخرة 63

الفصل الثاني: الطبيعة البشرية 66

عمر النوع الإنساني 68

أصل المجتمع البشري 70

الإنسان نوع مُستقلٌّ غير متحوِّل من نوع آخر 74

كيف تناسلت الطبقة الثانية من البشر؟ 75

المجتمع الأول 82

الطبيعة الإنسانية والمجتمع 89

٢٣٢

الفصل الثالث: المرأة 92

حياة المرأة في الأُمم غير المتمدِّنة 95

حياة المرأة في الأُمم المتمدّنة قبل الإسلام 97

حال المرأة عند الأُمم القديمة 99

حال المرأة عن العرب ومُحيط حياتهم (محيط نزول القرآن) 102

ماذا أبدعه الإسلام في أمرها؟ 105

الوزن الاجتماعي للمرأة في الإسلام: 109

مُساواة في الأحكام: 110

حرّية المرأة في المدنية الغربية: 116

قوانين الإسلام الاجتماعية وقوانين العرب: 117

قيمومة الرجال على النساء: 121

ماذا تعني قيمومة الرجل؟ 124

بحث روائي: 126

الزواج 134

النكاح من مقاصد الطبيعة 136

استيلاء الذكور على الإناث: 140

تعدُّد الزوجات 141

وقد استشكلوا على حكم تعدُّد الزوجات: 143

تعدُّد أزواج النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): 158

قضايا الزواج: 162

(بحث آخر روائي) 192

(بحث علمي) 221

(بحث علمي آخر) 224

سنّة الزواج في العالم الحديث: 229

٢٣٣