الغدير في الكتاب والسُنّة والأدب الجزء ١

الغدير في الكتاب والسُنّة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسُنّة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 418

الغدير في الكتاب والسُنّة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 418
المشاهدات: 88069
تحميل: 5157


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
المقدمة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 418 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 88069 / تحميل: 5157
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسُنّة والأدب

الغدير في الكتاب والسُنّة والأدب الجزء 1

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

السيِّد الجرجاني وزادوا ضغثاً على إبّالة فلم يكتفوا في ردِّ الحديث بعدم إخراج الصحيحين، ولم يقفوا على فرية ابن تيميّة في عزوه الطعن إلى البخاري والحرّاني، أو ما راقتهم النسبة إلى البخاري والحرّاني لمكان ضعف الناقل (ابن تيميّة) عندهم، فقالوا بإرسال مسلّم: قد طعن فيه ابن أبي داود وأبو حاتم السجستاني. ثمَّ جاء ابن حجر فزاد على أبي داود والسجستانيِّ قوله: وغيرهم. إلى أن جاد الدهر بالهرويِّ فزحزح السجستانيّ ووضع في محلِّه الواقدي وابن خزيمة فقال في السهام الثاقبة: قدح في صحّة الحديث كثيرٌ من أئمَّة الحديث كأبي داود والواقدي وابن خزيمة وغيرهم من الثقات.

لا أدري ما أجرأهم على الرَّحمن [ وقد خاب من افترى ] وما عساني أن أقول في بحّاثة يذكر هذه النسب المفتعلة على أئمَّة الحديث وحفّاظ السنَّة في كتابه؟ ألا مسائل هؤلاء عن مصدر هذه النقول والإضافات؟ أفي مؤلَّف وجدوها؟ فما هو؟ وأين هو؟ ولِمَ لم يسمّوه. أم عن المشايخ رووها؟ فلِمَ لَم يُسندوها؟ ألا مسائلٌ هؤلاء كيف خفي طعن مثل البخاري وقرنائه في الحديث على ذلك الجمّ الغفير من الحفّاظ والأعلام ومهرة الفنِّ في القرون الأولى إلى القرن السابع والثامن قرن ابن تيميَّة ومقلِّديه؟ فلم يَفُه به أحدٌ، ولا يوجد منه أثرٌ في أيّ تأليف ومسند، أو أنّهم أوقفهم السير عليه ولكنَّهم لم يروا في سوق الحق له قيمةً فضربوا عنه صفحاً؟.

وبعد هذا كلّه فأين تجد مقيل القول بإنكار تواتره من مستوى الحقيقة؟ والقول: بأنَّ الشيعة إتّفقوا على اعتبار التواتر فيما يُستدلُّ به على الإمامة فكيف يسوغ لهم الإحتجاج بحديث الغدير وهو من الآحاد؟(1) يقول الرجل ذلك وهو يرى الحديث متواتراً لرواية ثمانية صحابيّ(2) وأنَّ في القوم من يرى الحديث متواتراً لرواية أربعة من الصحابة له ويقول: لا تحلّ مخالفته(3) ويجزم بتواتر حديث:

_____________________

1 - التفتازاني في المقاصد ص 290، وابن حجر في الصواعق ص 25 ومقلديهما.

2 - راجع الصواعق ص 13.

3 - قال ابن حزم في المحلى في مسألة عدم جواز بيع الماء: فهؤلاء أربعة من الصحابة رضي الله عنهم فهو نقل تواتر لا تحل مخالفته.

٣٢١

الأئمَّة من قريش(1) ويقول: رواه أنس بن مالك، وعبد الله بن عمر، ومعاوية، وروى معناه جابر بن عبد الله، وجابر بن سمرة، وعبادة بن الصامت. وآخر يقول ذلك في حديث آخر رواه عليٌّ عن النبيِّ صلّى الله عليه وآله ويرويه عن علي اثني عشر رجل فيقول(2) : هذه اثنتا عشرة طريقاً إليه ومثل هذا يبلغ حدّ التواتر وآخر يرى حديث: تقتلك الفئة الباغية. متواتراً ويقول(3) : تواترت الروايات به رُوي ذلك عن عمّار وعثمان وابن مسعود وحذيفة وابن عبّاس في آخرين، وجوَّد السيوطي قول مَن حدَّد التواتر بعشرة وقال في ألفيَّته ص 16.

وما رواه عددٌ جمٌّ يجبْ

إحالة اجتماعهم على الكذبْ

فمتواترٌ وقومٌ حدَّدوا

بعشرةٍ وهو لديَّ أجودُ

هذه نظريَّتهم المشهورة في تحديد التواتر، لكنهم إذا وقفوا على حديث الغدير اتّخذوا له حدّاً أعلى لم تبلغه رواية مائة وعشر صحابيٍّ أو أكثر بالغاً ما بلغ.

ومن غرائب اليوم ما جاء به أحمد أمين في كتابه ظهور الاسلام تعليق ص 194 من: أنّه يرويه الشيعة عن البراء بن عازب. وأنت تعلم أنّ نصيب رواية البراء من إخراج علماء أهل السنّة أوفر من كثير من روايات الصحابة، فقد عرفت ص 18، 19، 20 وص 272 - 283: إنَّه أخرجها ما يربو على الأربعين رجلاً من فطاحل علمائهم وفيهم مثل أحمد وابن ماجة والترمذي والنسائي وابن أبي شيبة ونظرائهم، وجملةٌ من أسانيدها صحيحةٌ رجالها كلّهم ثقات، لكن: أحمد أمين راقه أن تكون الرواية معزوَّةً إلى الشيعة فحسب، إسقاطاً للإحتجاج بها، وليس هذا ببدع من تقوّلاته في صحايف إسلامه صبحاً وضحاً وظهراً.

( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ﴿5﴾

فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَـٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا )

(سورة الكهف)

_____________________

1 - راجع الفصل 4 ص 89.

2 - راجع تاريخ ابن كثير 7 ص 289.

3 - تهذيب التهذيب 7 ص 409، والإصابة 2 ص 512.

٣٢٢

الرأي العامّ في ابن حزم

الأندلسي المتوفّى 456

ما عساني أن أكتب عن شخصيّة أجمع فقهاء عصره على تضليله والتشنيع عليه ونهي العوام عن الإقتراب منه، وحكموا بإحراق تآليفه ومدوّناته مهما وجدوا الضلال في طيّاتها كما في لسان الميزان 4 ص 200، ويُعرِّفه الآلوسي عند ذكره بقوله: الضالّ المضلّ كما في تفسيره 21 ص 76.

ما عساني أن أقول في مؤلِّف لا يتحاشا عن الكذب على الله ورسوله، ولا يبالي بالجرأة على مقدَّسات الشرع النبويِّ، وقذف المسلمين بكلّ فاحشة، والأخذ بمخاريق القول وسقطات الرأي.

ما عساني أن أذكر عن بحّاثة لا يُعرف مبدئه في أقواله، ولا يستند على مصدر من الكتاب والسنّة في آرائه، غير أنّه إذا أفتى تحكّم، وإذا حكم مان، يعزو إلى الأُمّة الإسلاميّة ما هي بريئةٌ منه، ويضيف إلى الأئمّة وحفّاظ المذهب ما هم بُعداء منه، تُعرب تآليفه عن حقِّ القول من الرأي العام في ضلاله وإليك نماذج من آرائه.

قال في فقهه (المحلّى) ج 10 ص 482: مسئلة: مقتولٌ كان في أوليائه غائبٌ أو صغيرٌ أو مجنونٌ، إختلف الناس في هذا. ثمَّ نقل عن أبي حنيفة أنّه يقول: إنَّ للكبير أن يقتل ولا ينتظر الصغار. وعن الشافعي: إنَّ الكبير لا يستقيد حتى يبلغ الصغير ثمّ أورد على الشافعيَّة بأنّ الحسن بن علي قد قتل عبد الرحمن بن ملجم ولعليٍّ بنون صغار، ثمَّ قال: هذه القصّة (يعني قتل ابن ملجم) عائدةٌ على الحنفيّين بمثل ما شنّعوا على الشافعيِّين سواء سواء، لأنَّهم والمالكيِّين لا يختلفون في أنَّ من قتل آخر على تأويل فلا قَوَد في ذلك. ولا خلاف بين أحد من الأُمَّة في أنَّ عبد الرحمن بن ملجم لم يقتل عليّاً رضي الله عنه إلّا متأوِّلاً مجتهداً مقدِّراً على أنَّه صواب، وفي ذلك يقول

٣٢٣

عمران بن حطّان شاعر الصفريَّة:

يا ضربةً من تقيٍّ ما أراد بها

إلّا ليبلغ من ذي العرش رضوانا

إنّي لأذكره حيناً فأحسبه

أوفى البريَّة عند الله ميزانا

أي لأُفكّر فيه ثمَّ أحسبه، فقد حصل الحنفيّون في خلاف الحسن بن عليّ على مثل ما شنَّعوا به على الشافعيِّين، وما ينقلون أبداً من رجوع سهامهم عليهم، ومن الوقوع فيما حفروه(1) .

فهلّم معي نسائل كلّ معتنق للاسلام أين هذا الفتوى المجرَّدة من قول النبيِّ صلّى الله عليه وآله في حديث صحيح لعليّ عليه السلام: قاتلك أشقى الآخرين. وفي لفظ: أشقى الناس. وفي الثالث: أشقى هذه الأُمَّة كما أنَّ عاقر الناقة أشقى ثمود؟ أخرجه الحفّاظ الأثبات والأعلام الأئمّة بغير طريق، ويكاد أن يكون متواتراً على ما حدّد ابن حزم التواتر به. منهم:

إمام الحنابلة أحمد في المسند 4 ص 263، والنسائي في الخصايص ص 39، وابن قتيبة في الإمامة والسياسة 1 ص 135، والحاكم في المستدرك عن عمّار 3 ص 140، والذهبيُّ في تلخيصه وصحّحاه، ورواه الحاكم عن ابن سنان الدؤلي ص 113 وصحَّحه وذكره الذهبيُّ في تلخيصه، والخطيب في تاريخه عن جابر بن سمرة 1 ص 135، وابن عبد البرّ في الإستيعاب (هامش الإصابة) 3 ص 60 ذكره عن النسائي ثمّ قال: وذكره الطبري وغيره أيضاً، وذكره ابن إسحاق في السير، وهو معروف من رواية محمد بن كعب القرظي عن يزيد(2) بن جشم عن عمَّار بن ياسر، وذكره ابن أبي خيثمة من طرق، وأخرجه محبُّ الدين الطبريُّ في رياضه عن عليٍّ من طريق أحمد وابن الضحاك، وعن صهيب من طريق أبي حاتم والملا، ورواه ابن كثير في تاريخه 7 ص 323 من طريق أبي يعلى، وص 325 من طريق الخطيب، والسيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه 6 ص 411 عن ابن عساكر والحاكم والبيهقي، وص 412 بعدَّة طرق عن ابن

_____________________

1 - حكاه عنه ابن حجر في تلخيص الخبير لي تخريج أحاديث الرافعي الكبير - ط هند سنة 1303 - ص 416.

2 - كذا في النسخ والصحيح: عن أبي يزيد بن خثيم.

٣٢٤

عساكر، وص 413 من طريق ابن مردويه، وص 157 من طريق الدارقطني، وص 399 من طريق أحمد والبغوي والطبراني والحاكم وابن مردويه وأبي نعيم وابن عساكر وابن النجّار.

وأين هذا من قوله الآخر صلّى الله عليه وسلم لعلّي: ألا أخبرك بأشدِّ الناس عذاباً يوم القيامة؟ قال: أخبرني يا رسول الله؟ قال: فإنّ أشد الناس عذاباً يوم القيامة عاقر ناقة ثمود وخاضب لحيتك بدم رأسك. رواه ابن عبد ربِّه في «العقد الفريد» 2 ص 298.

وأين هذا من قوله الثالث صلّى الله عليه وآله: قاتلك شبه اليهود وهو يهود أخرجه ابن عدي في الكامل، وابن عساكر كما في ترتيب جمع الجوامع 6 ص 412.

وأين هذا ممّا ذكره ابن كثير في تاريخه 7 ص 323 من أنَّ عليّاً كان يكثر أن يقول: ما يحبس أشقاها؟ وأخرجه السيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه 6 ص 411 بطريقين عن أبي سعد وأبي نعيم وابن أبي شيبة، وص 413 من طريق ابن عساكر.

وأين هذا من قول أمير المؤمنين الآخر لابن ملجم: لا أراك إلّا من شرّ خلق الله؟ رواه الطبري في تاريخه 6 ص 85، وابن الأثير في الكامل 3 ص 169 وقوله الآخر عليه السلام: ما ينظر بي إلّا شقيّ؟ أخرجه أحمد بإسناده كما في البداية والنهاية 7 ص 324. وقوله الرابع لأهله: والله لوددت لو انبعث أشقاها؟ أخرجه أبو حاتم والملا في سيرته كما في الرياض 2 ص 248. وقوله الخامس: ما يمنع أشقاكم؟ كما في الكامل 3 ص 168، وفي كنز العمّال 6 ص 412 من طريق عبد الرزّاق وابن سعد. وقوله السادس: ما ينتظر أشقاها؟ أخرجه المحاملي كما في الرياض 2 ص 248.

ليت شعري أيَّ إجتهاد يؤدِّي إلى وجوب قتل الإمام المفترض طاعته؟ أو أيّ اجتهاد يسوِّغ جعل قتله مهراً لنكاح(1) امرأة خارجيَّة عشقها أشقى مراد؟ أو أيَّ مجال مجال للإجتهاد في مقابل النصِّ النبويِّ الأغرِّ؟ ولو فتح هذا الباب لتسرَّب الإجتهاد

_____________________

1 - راجع الإمامة والسياسة 1 ص 134، تاريخ الطبري 6 ص 83، والمستدرك 3 ص 143، والكامل 3 ص 168، والبداية والنهاية 7 ص 328.

٣٢٥

منه إلى قتلة الأنبياء والخلفاء جميعاً، لكن ابن حزم لا يرضى أن يكون قاتل عمر أو قتلة عثمان مجتهدين، ونحن أيضاً لا نقول به.

ثمَّ ليتني أدري أيّ أُمّة من الأُمم أطبقت على تعذير عبد الرحمن بن ملجم في ما ارتكبه؟ ليته دلَّنا عليها، فإنَّ الأُمَّة الإسلاميّة ليس عندها شيءٌ من هذا النقل المائن، أللهمّ إلّا الخوارج المارقين عن الدين، وقد إقتصّ الرجل أثرهم واحتجَّ بشعر قائلهم عمران.

أللهمّ؟ ما عمران بن حطّان وحكمه في تبرير عمل ابن ملجم من إراقة دم وليّ الله الإمام الطاهر أمير المؤمنين؟ ما قيمة قوله حتى يُستدلّ به ويُركن إليه في أحكام الإسلام؟ وما شأن فقيهٍ «ابن حزم» من الدين يحذو حذو مثل عمران ويأخذ قوله في دين الله، ويخالف به النبيَّ الأعظم في نصوصه الصحيحة الثابتة ويردّها ويقذف الأُمَّة الإسلاميَّة بسخب خارجيٍّ مارق؟ وهذا معاصره القاضي أبو الطيب طاهر ابن عبد الله الشافعي(1) يقول في عمران ومذهبه هذا.

إنّي لأبرأ ممّا أنت قائلهُ

عن ابن ملجمٍ الملعون بهتانا

يا ضربةً من شقيٍّ ما أراد بها

إلّا ليهدم للاسلام أركانا

إنّي لأذكره يوماً فألعنه

دنياً وألعن عمراناً وحطّانا

عليه ثُمَّ عليه الدهر متَّصلاً

لعائن الله إسراراً وإعلانا

فأنتما من كلاب النّار جاء به

نصُّ الشريعة برهاناً وتبيانا(2)

وقال بكر بن حسّان الباهلي:

قل لابن ملجم والأقدار غالبةٌ

: هدَّمتَ ويلك للإسلام أركانا

قتلتَ أفضل من يمشي على قدمٍ

وأوَّل الناس إسلاماً وإيمانا

وأعلم النّاس بالقرآن ثُمّ بما

سنَّ الرسول لنا شرعاً وتبيانا

_____________________

1 - من فقهاء الشافعية، قال ابن خلكان في تاريخه 1 ص 253: كان ثقة صادقاً ديناً ورعاً عارفاً بأصول الفقه وفروعه، محققاً في علمه، سليم الصدر، حسن الخلق، صحيح المذهب، يقول الشعر على طريقة الفقهاء، ولد بآمل 348 وتوفي ببغداد 450.

2 - مروج الذهب 2 ص 43.

٣٢٦

صهر النبيِّ ومولانا وناصره

أضحت مناقبه نوراً وبرهانا

وكان منه على رغم الحسود له

مكان هارون من موسى بن عمرانا

وكان في الحرب سيفاً صارماً ذكراً

ليثاً إذا ما لقى الأقران أقرانا

ذكرتُ قاتله والدمع منحدرٌ

فقلتُ: سبحان ربِّ الناس سبحانا

إنِّي لأحسبه ما كان من بشرٍ

يخشى المعاد ولكن كان شيطانا

أشقى مراد إذا عُدَّت قبائلها

وأخسر الناس عند الله ميزانا

كعاقر الناقة الأولى التي جلبت

على ثمودَ بأرض الحجر خسرانا

قد كان يخبرهم أن سوف يخضبها

قبل المنيَّة أزماناً فأزمانا

فلا عفا الله عنه ما تحمَّله(1)

ولا سقى قبر عمران بن حطّانا

لقوله في شقيٍّ ظلَّ مجترماً

ونال ما ناله ظلماً وعدوانا

: (يا ضربة من تقيٍّ ما أراد بها

إلّا ليبلغ من ذي العرش رضوانا)

بل ضربة من غويٍّ أورثته لظى(2)

وسوف يلقى به الرّحمن غضبانا

كأنَّه لم يرد قصداً بضربته

إلّا ليصلى عذاب الخلد نيرانا(3)

م - قال ابن حجر في الإصابة 3 ص 179: صاحب الأبيات بكر بن حمّاد التاهرتي، وهو من أهل القيروان في عصر البخاري وأجازه عنها السيِّد الحميري الشاعر المشهور الشيعيّ وهو في ديوانه. ا هـ.

وفي الإستيعاب 2 ص 472: أبو بكر ابن حمّاد التاهرتي، وذكر له أبياتاً في رثاء مولانا أمير المؤمنين عليه السلام أوّلها:

وهزَّ علي بالعراقين لحيةً

مصيبتها جلّت على كلّ مسلم

وقال محمد بن أحمد الطبيب(4) ردّاً على عمران بن حطّان:

_____________________

1 - في الكامل: فلا عفا الله عنه سوء فعلته.

2 - في الكامل: بل ضربة من غوى أوردته لظى.

3 - مروج الذهب 2 ص 43، الاستيعاب في ترجمة أمير المؤمنين، الكامل لابن الأثير 3 ص 171، تمام المتون للصفدي ص 152.

4 - يوجد البيتان في كامل المبرد 3: 90 ط محمد بن علي صبيح وأولاده، وليسا من أصل الكتاب كما لا يخفى.

٣٢٧

يا ضربةً من غدورٍ صار ضاربها

أشقى البريَّة عند الله إنسانا

إذا تفكّرتُ فيه ظلتُ ألعنه

وألعن الكلب عمران بن حطّانا]

على أنّ قتل الإمام المجتبى لإبن ملجم وتقرير المسلمين له على ذلك صحابيِّهم وتابعيِّهم حتى أنَّ كلَّ أحدٍ منهم كان يودُّ أنَّه هو المباشر لقتله يدلّنا على أنَّ فعل اللعين لم يكن ممّا يتطرَّق إليه الإجتهاد فضلاً عن أن يُبرِّره، ولو كان هناك اجتهاد فهو في مقابلة النصوص المتضافرة، فكان من الصالح العام لكافَّة المسلمين إجتياح تلك الجرثومة الخبيثة، وهو واجب أيِّ أحد من الأُمّة الإسلاميّة، غير أنَّ إمام الوقت السيِّد المجتبى تقدَّم إلى تلك الفضيلة كتقدُّمه إلى غيرها من الفضايل.

فليس هو من المواضيع التي حرَّرها ابن حزم فتحكّم أو تهكّم على الشافعيَّة والحنفيَّة والمالكيَّة وإنَّما هو من ضروريّات الإسلام في قاتل كلِّ إمام حقٍّ، ولذلك ترى أنَّ القائلين بإمامة عمر بن الخطاب لم يشكّوا في وجوب قتل قاتله، ولم ير أحد منهم للإجتهاد هناك مجالاً، كما سيأتي في كلام ابن حزم نفسه: إنّه لم ير له مجالاً لقتلة عثمان.

فشتّان بين ابن حزم وبين ابن حجر، هذا يبرِّر عمل عبد الرحمن وذاك يعتذر عن ذكر إسمه في كتابه لسان الميزان.

م - ويصفه بالفتك وأنَّه من بقايا الخوارج في تهذيب التهذيب 7: 338].

وابن حجر في كلامه هذا إتّبع أثر الحافظ أبي زرعة العراقيِّ في قوله في طرح التثريب 1: 86: انتدب له «لعليٍّ» قومٌ من الخوارج فقاتلهم فظفر بهم ثمَّ انتدب له من بقاياهم أشقى الآخرين عبد الرحمن بن ملجم المرادي، وكان فاتكاً ملعوناً فطعنه].

* (ومن نماذج آرائه) *

قوله في الفِصَل 4 ص 161 في المجتهد المخطي: وعمّار رضي الله عنه قتله أبو الغادية يسار بن سبع السلمي، شهد (عمّار) بيعة الرضوان فهو من شهداء الله له بأنَّه علم ما في قلبه وأنزل السكينة عليه ورضي عنه، فأبو الغادية رضي الله عنه متأوّلٌ مجتهدٌ مخطئ فيه باغ عليه مأجورٌ أجراً واحداً، وليس هذا كقتلة عثمان رضي الله عنه لأنَّهم لا مجال للإجتهاد في قتله، لأنّه لم يقتل أحداً ولا حارب ولا قاتل ولا دافع ولا

٣٢٨

زنا بعد إحصان ولا ارتدِّ فيسوِّغ المحاربة تأويلٌ، بل هُم فسّاقٌ محاربونَ سافكونَ دماً حراماً عمداً بلا تأويل على سبيل الظلم والعدوان، فهم فُسّاقٌ ملعونونَ. إنتهى.

لم أجد معنى لإجتهاد أبي الغادية (بالمعجمة) وهو من مجاهيل الدنيا، وأفناء الناس، وحُثالة العهد النبويِّ، ولم يعرَّف بشيء غير أنَّه جُهنيٌّ، ولم يُذكر في أيِّ معجم بما يُعرب عن إجتهاده، ولم يُرو منه شيءٌ من العلم الإلهيِّ سوى قول النبيِّ صلى الله عليه وآله: دمائكم وأموالكم حرام. وقوله: لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض. وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يتعجَّبون من أنَّه سمع هذا ويقتل عمّاراً(1) ولم يَفُه أيُّ أحد من أعلام الدين إلى يوم مجيئ ابن حزم باجتهاد مثل أبي الغادية.

ثمَّ لم أدر ما معنى هذا الإجتهاد في مقابل النصوص النبويَّة في عمّار، ولست أعني بها قوله صلى الله عليه وآله في الصحيح الثابت المتواتر(2) لعمّار: تقتلك الفئة الباغية وفي لفظ: الناكبة عن الطريق. وإن كان لا يدع مجالاً للإجتهاد في تبرير قتله، فإنَّ قاتله مهما تأوَّل فهو عادٍ عليه ناكبٌ عن الطريق، ونحن لا نعرف إجتهاداً يُسوّغ العدوان الذي إستقلَّ العقل بقبحه، وعاضده الدين الإلهيّ الأقدس. وإن كان أوَّله معاوية أوردَّه لَمّا حدَّث به عبد الله بن عمرو وقال عمرو بن العاص: يا معاوية؟ أما تسمع ما يقول عبد الله؟ بقوله:

إنّك شيخٌ أخرق، ولا تزال تُحدِّث بالحديث، وأنت ترحض في بولك، أنحن قتلناه؟ إنَّما قتله عليٌّ وأصحابه جاؤا به حتّى ألقوه بين رماحنا.(3) وبقوله: أفسدت عليَّ أهل الشام، أكلّ ما سمعت من رسول الله تقوله؟ فقال عمرو: قُلتها ولستُ أعلم الغيب، ولا أدري أنَّ صفّين تكون، قُلتها وعمّار يومئذ لك وليّ وقد رَويتَ أنت فيه مثل ما رَويتُ. ولهما في القضيَّة معاتبةٌ مشهورةٌ وشعرٌ منقولٌ، منه قول عمرو:

تعاتبني إن قلتُ شيئاً سمعته

وقد قلتَ لو أنصفتني مثله قبلي

_____________________

1 - الاستيعاب 2 ص 680، والإصابة 4 ص 150.

2 - ذكر تواتره ابن حجر في الإصابة 2 ص 512، وتهذيب التهذيب 7 ص 409.

3 - تاريخ الطبري 6 ص 23، وتاريخ ابن كثير 7 ص 369.

٣٢٩

أنعلك فيما قلت نعلٌ ثبيتة؟

وتزلق بي في مثل ما قلته نعلي

وما كان لي علمٌ بصفّين أنَّها

تكون وعمّارٌ يحثُّ على قتلي

ولو كان لي بالغيب علمٌ كتمتها

وكابدت أقواماً مراجلهم تغلي

أبى الله إلّا أن صدرك واغرٌ

عليَّ بلا ذنب جنيت ولا ذحلِ

سوى أنَّني والراقصات عشيّة

بنصرك مدخول الهوى ذاهل العقل

وأجابه معاوية بأبيات منها:

فيا قبَّح الله العتاب وأهله

ألم تر ما أصبحت فيه من الشغل؟

فدع ذا ولكن هل لك اليوم حيلةٌ

تردُّ بها قوماً مراجلهم تغلي؟

دعاهم عليٌّ فاستجابوا لدعوة

أحبَّ إليهم من ثرى المال والأهل(1)

كما لستُ أعني ما أخرجه الطبراني(2) عن ابن مسعود عن النبيِّ صلى الله عليه وآله: إذا اختلف الناس كان ابن سُميَّة مع الحقِّ. وإن كان قاطعاً للحجاج فإنَّ المناوئ لابن سميَّة (عمّار) على الباطل لا محالة، ولا تجد إجتهاداً يبرِّر مناصرة المبطل على المحقّ بعد ذلك النصِّ الجليِّ.

وإنَّما أعني ما أخرجه الحاكم في المستدرك 3 ص 387 وصحَّحه وكذلك الذهبيُّ في تلخيصه، بالإسناد عن عمرو بن العاص: إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: أللهمَّ أولعت قريش بعمّار إنَّ قاتل عمّار وسالبه في النار. وأخرجه السيوطيُّ من طريق الطبرانيِّ في الجامع الصغير 2 ص 193، وابن حجر في الإصابة 4 ص 151.

وأخرج السيوطيُّ في جمع الجوامع كما في ترتيبه 7 ص 73 قوله صلى الله عليه وآله لعمّار: يدخل سالبك وقاتلك في النار. من طريق إن عساكر، وج 6 ص 184 من طريق الطبرانيِّ في الأوسط، وص 184 من طريق الحاكم.

وأخرج الحافظ أبو نعيم وابن عساكر كما في ترتيب جمع الجوامع 7 ص 72 عن زيد بن وهب قال: كان عمّار بن ياسر قد ولع بقريش وولعت به فغدوا عليه فضربوه فجلس

_____________________

1 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 ص 274.

2 - جمع الجوامع للسيوطي كما في ترتيبه 6 ص 184.

٣٣٠

في بيته فجاء عثمان بن عفان يعوده فخرج عثمان وصعد المنبر فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تقتلك الفئة الباغية، قاتل عمّار في النار.

وأخرج الحافظ أبو يعلى وابن عساكر كما في ترتيب جمع الجوامع 7 ص 74 عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بعمّار: تقتلك الفئة الباغية، بشِّر قاتل عمّار بالنار.

وفي جمع الجوامع كما في ترتيبه 7 ص 75 وج 6 ص 184 من طريق الحافظ ابن عساكر عن أُسامة بن زيد قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ما لهم ولعمار يدعوهم إلى الجنّة ويدعونه إلى النار؟ قاتله وسالبه في النار. أخرجه ابن كثير في تاريخه 7 ص 268.

وفي ترتيب الجمع 7 ص 75 من طريق ابن عساكر عن مسند علىٍّ: إنَّ عمّاراً مع الحقِّ والحقُّ معه يدور عمّار مع الحقّ أينما دار، وقاتل عمّار في النار.

وأخرج أحمد وابن عساكر عن عثمان. وابن عساكر عن أُم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمّار: تقتلك الفئة الباغية قاتلك في النار. كنز العمال 6 ص 184، وأخرجه عن أُم سلمة ابن كثير في تاريخه 7 ص 270 من طريق أبي بكر بن أبي شيبة.

وأخرج أحمد في مسنده 4 ص 89 خالد بن الوليد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن عادى عمّاراً عاداه الله، ومَن أبغض عمّاراً أبغضه الله. وأخرجه الحاكم في المستدرك 3 ص 391 بطريقين صحّحهما هو والذهبيُّ، والخطيب في تاريخه 1 ص 152، وابن الأثير في أُسد الغابة 4 ص 45، وابن كثير في تاريخه 7 ص 311، وابن حجر في الإصابة 2 ص 512، والسيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه 7 ص 73 من طريق ابن أبي شيبة وأحمد، وفي 6 ص 184 من طرق أحمد وابن حبّان والحاكم.

وأخرج الحاكم في المستدرك 3 ص 390 بإسناد صحَّحه هو والذهبيُّ عن رسول الله صلى الله عليه وآله بلفظ: مَن يسبُّ عمّاراً يسبّه الله، ومَن يبغض عمّاراً يبغضه الله، ومَن يسفه عمّاراً يسفهه الله. ورواه السيوطي في الجمع كما في ترتيبه 7 ص 73 من طريق ابن النجّار والطبراني بلفظ مَن سبّ عمّاراً سبّه الله، ومَن حقّر عمّاراً حقّره الله، ومَن سفه عمّاراً سفهه الله.

وأخرج الحاكم في المستدرك 3 ص 391 بإسناده بلفظ: مَن يحقِّر عمًاراً يحقِّره

٣٣١

الله، ومَن يسبّ عمّاراً يسبّه الله، ومَن يبغض عمّاراً يبغضه الله. وأخرجه السيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه 7 ص 73 من طريق أبي يعلى وابن عساكر، وفي 6 ص 185 عن أبي يعلى وابن قانع والطبراني والضياء المقدسي في المختارة.

وأخرج الحاكم في المستدرك 3 ص 389 بإسناد صحَّحه هو والذهبيُّ في تلخيصه بلفظ: مَن يسبّ عمّاراً يسبّه الله، ومَن يعاد عمّاداً يعاده الله.

وأخرج أحمد في المسند 4 ص 90 بإسناده بلفظ: من يُعاد عمّاراً يُعاده الله عزَّ وجلَّ، ومّن يبغضه يبغضه الله عزَّ وجلَّ، ومَن يسبّه يسبّه الله عزَّ وجلَّ.

فأين هذه النصوص الصحيحة المتواترة(1) من اجتهاد أبي الغادية؟ أو أين هو من تبرير ابن حزم عمل أبي الغادية؟ أو أين هو من رأيه في اجتهاده، ومحاباته له بالأجر الواحد؟ وهو في النار لا محالة بالنصِّ النبويِّ الشريف، وهل تجد بغضاً أو تحقيراً أعظم من القتل؟.

وهناك دروسٌ في هذه كلّها يقرأها علينا التأريخ، قال ابن الأثير في الكامل 3 ص 134: إنَّ أبا الغادية قتل عمّاراً وعاش إلى زمن الحجّاج ودخل عليه فأكرمه الحجّاج وقال له: أنت قتلت ابن سُميَّة؟ يعني عمّاراً قال: نعم، فقال: مَن سرَّه أن ينظر إلى عظيم الباع يوم القيامة فلينظر إلى هذا الذي قتل ابن سُميَّة، ثمَّ سأله أبو الغادية حاجته فلم يجبه إليها، فقال: نوطِّئ لهم الدنيا ولا يُعطونا منها ويزعم أنّي عظيم الباع يوم القيامة، فقال الحجّاج: أجل والله مَن كان ضرسه مثل أُحد وفخذه مثل جبل ورقان ومجلسه مثل المدينة والربذة إنَّه لعظيم الباع يوم القيامة، والله لو أنَّ عمّاراً قتله أهل لأرض كلّهم لدخلوا كلّهم النار. م - وذكره ابن حجر في الإصابة 4 ص 151 ].

وفي الإستيعاب «هامش الإصابة» 4 ص 151: أبو الغادية كان محبّاً في عثمان وهو قاتل عمّار وكان إذا استأذن على معاوية وغيره يقول: قاتل عمّار بالباب، وكان يصف قتله له إذا سُئل عنه لا يباليه، وفي قصَّته عجبٌ عند أهل العلم روى عن النبيِّ قوله: لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض. وسمعه منه ثمَّ قتل عمّاراً.

_____________________

1 - على ما اختاره ابن حزم من حد التواتر في ساير الأحاديث.

٣٣٢

وهذه كلّها تنمُّ عن غايته المتوخّاة في قتل عمّار وإطِّلاعه ووقوفه على ما أخبر به النبيُّ الأقدس في قاتل عمّار، وعدم إرتداعه ومبالاته بقتله بعدهما، غير أنَّه كان بطبع الحال على رأي إمامه معاوية ويقول لمحدّثي قول النبيِّ بمقاله المذكور: إنَّك شيخٌ أخرق، ولا تزال تُحدِّث بالحديث، وأنت ترحض في بولك.

وأنت أعرف منّي بمغزى هذا الكلام ومقدار أخذ صاحبه بالسنَّة النبويَّة واتِّباعه لما يُروى عن مصدر الوحي الإلهيِّ، وبأمثال هذه كان إجتهاد أبي الغادية فيما إرتكبه أو ارتبك فيه.

وغاية ما عند ابن حزم في قتلة عثمان: أنَّ إجتهادهم في مقابلة النصِّ: (لا يحلُّ دم امرء مسلم يشهد أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله إلّا بإحدى ثلث، الثيِّب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة)(1) لكنه لا يقول ذلك في قاتل عليٍّ عليه السلام ومقاتليه وقاتل عمّار، وقد عرفت أنَّ الحالة فيهم عين ما حسبه في قتلة عثمان.

ثمَّ إنَّ ذلك على ما أصّله هو في غير مورد لا يُأدّي إلّا خطأ القوم في إجتهادهم فَلِمَ لَم يحابهم الأجر الواحد كما حابى عبد الرحمن بن ملجم ونظرائه؟ نعم: له أن يعتذر بأنّ هذا قاتل عليّ وأولئك قتلة عثمان.

على أنَّ نفيه المجال للإجتهاد هناك إنَّما يصحُّ على مزعمته في الإجتهاد المصيب وأمّا المخطئ منه فهو جارٍ في المورد كأمثاله من مجاريه عنده.

ثمّ إنَّ الرجل في تدعيم ما إرتئاه من النظريّات الفاسدة وقع في ورطة لا تروقه، ألا وهي سبُّ الصحابة بقوله: فهم فسّاقٌ ملعونونَ. وذهب جمهور أصحابه على تضليل من سبَّهم بين مُكفِّر ومُفسِّق، وإنَّه موجبٌ للتعزير عند كثير من الأئمَّة بقول مطلق من غير تفكيك بين فرقة وأُخرى أو إستثناء أحد منهم، وهو إجماعهم على عدالة

_____________________

1 - أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارمي في السنن، وابن سعد في الطبقات، وأحمد والطيالسي في المسندين، وابن هشام في السيرة، والواقدي في المغازي 430 و432.

٣٣٣

الصحابة أجمعين(1) وهو بنفسه يقول في الفِصَل ج 3 ص 257: وأمّا من سبَّ أحداً من الصحابة رضي الله عنهم فإن كان جاهلاً فمعذورٌ، وإن قامت عليه الحجَّة فتمادى غير معاند فهو فاسقٌ كمن زنى وسرق: وإن عاند الله تعالى في ذلك ورسوله صلى الله عليه وسلم فهو كافرٌ، وقد قال عمر رضي الله عنه بحضرة النبيِّ صلى الله عليه وسلم عن حاطب وحاطب مهاجرٌ بدريٌّ: دعني أضرب عنق هذا المنافق. فما كان عمر بتكفيره حاطباً كافراً بل كان مخطئاً متأوِّلاً، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم آية النفاق بغض الأنصار. وقال لعليّ: لا يبغضك إلّا منافق. ا هـ.

وكم عند ابن حزم من المجتهدين نظراء عبد الرحمن بن ملجم وأبي الغادية حِكم في الفِصَل بأنَّهم مجتهدون وهم مأجورون فيما أخطأوا قال في ج 4 ص 161: قطعنا أنَّ معاوية رضي الله عنه ومن معه مخطئون مجتهدون مأجورون أجراً واحداً. وعدَّ في ص 160 معاوية وعمرو بن العاصي من المجتهدين، ثمَّ قال: إنّما اجتهدوا في مسائل دماء كالتي إجتهد فيما المفتون وفي المفتين من يرى قتل الساحر وفيهم من لا يراه، وفيهم من يرى قتل الحرِّ بالعبد وفيهم من لا يراه، وفيهم من يرى قتل المؤمن بالكافر وفيهم من لا يراه، فأيُّ فرق بين هذه الإجتهادات وإجتهاد معاوية وعمرو وغيرهما؟ لولا الجهل والعمى والتخليط بغير علم. إنتهى.

وشتّان بين المفتين الذين التبست عليهم الأدلَّة في الفتيا، أو اختلفت عندهم بالنصوصيَّة والظهور ولو بمبلغ فهم ذلك المفتي، أو أنَّه وجد إحدى الطائفتين من الأدلَّة أقوى من الأُخرى لصحَّة الطريق عنده، أو تضافر الإسناد، فجنح إلى جانب القوّة، وارتأى مقابله بضرب من الإستنباط تقوية الجانب الآخر، فأفتى كلٌّ على مذهبه، كلّ ذلك إخباتا إلى الدليل من الكتاب والسنَّة.

فشتّان بين هؤلاء وبين محاربي عليّ عليه السلام وبمرأى الملأ الإسلاميِّ ومسمعهم كتاب الله العزيز وفيه آية التطهير الناطقة بعصمة النبيِّ وصنوه وصفيَّته وسبطيه، وفيه آية المباهلة النازلة فيهم وعليٌّ فيها نفس النبيِّ، وغيرهما ممّا يناهز ثلاثة مائة آية(2)

_____________________

1 - راجع الصارم المسلول على شاتم الرسول ص 572 - 592، والاحكام في أصول الأحكام 2 ص 631، والشرف المؤبد للشبراوي ص 112 - 119.

2 - راجع تاريخي الخطيب 6 ص 221 وابن عساكر، وكفاية الكنجي ص 108، والصواعق ص 76، وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص 115، والفتوحات الإسلامية 2 ص 342، ونور الأبصار ص 81، وهناك مصادر كثيرة أخرى.

٣٣٤

النازلة في الإمام أمير المؤمنين.

وهذه نصوص الحفّاظ الأثبات، والأعلام الأئمَّة، وبين يديهم الصحاح والمسانيد فيها حديث التطهير. وحديث المنزلة. وحديث البرائة. ذلك الهتاف النبويّ المبين المتواتر، كلّ ذلك كانت تلوكه أشداق الصحابة وأُنهي إلى التابعين.

أفتَرى من الممكن أن يهتف المولى سبحانه في المجتمع بطهارة ذات وقدسه من الدنس، وعصمته من كلّ رجس؟ أو ينزِّله منزلة نفس النبيِّ الأعظم ويُسمع به عباده؟ أو يوجب بنصِّ كتابه المقدَّس على أُمَّة نبيِّه الأقدس مودَّة ذي قرباه؟ (وأمير المؤمنين سيّدهم) ويجعل ولائهم أجر ذلك العب الفادح الرسالة الخاتمة العظمى؟ ويُخبر بلسان نبيِّه أمّته بأنَّ طاعة (علىٍّ) طاعته ومعصيته معصيته؟(1) ويكون مع ذلك كلِّه هناك مجال للإجتهاد بأن يُقاتل؟ أو يُقتل؟ أو يُنفى من الأرض؟ أو يُسبَّ على رؤس الأشهاد؟ أو يُلعن على المنابر؟ أو تُعلن عليه الدعايات؟ وهل يحكم شعورك الحرُّ بأنَّ الإجتهاد في كلِّ ذلك كاجتهاد المفتين وإختلافهم في قتل الساحر وأمثاله؟.

وابن حزم نفسه يقول في الفِصَل 3 ص 258: ومن تأوَّل من أهل الإسلام فأخطأ فإن كان لم تقم عليه الحجَّة، ولا تبيَّن له الحقّ، فهو معذورٌ مأجورٌ أجراً واحداً لطلبه الحقّ وقصده إليه، مغفورٌ له خطؤه إذ لم يتعمَّد، لقول الله تعالى: وليس عليكم جناحٌ فيما أخطأتم به ولكن ما تعمَّدت قلوبكم. وإن كان مصيباً فله أجران أجرٌ لإصابته وأجرٌ آخر لطلبه إيّاه، وإن كان قد قامت الحجَّة عليه، وتبيَّن له الحقّ فَعَنَدَ عن الحقِّ غير معارض له تعالى ولا لرسوله صلى الله عليه وسلم فهو فاسقٌ لجرأته على الله تعالى بإصراره على الأمر الحرام. فإن عَنَدَ عن الحقِّ معارضاً لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم فهو كافرٌ مرتدٌّ حلال الدم والمال، لا فرق في هذه الأحكام بين الخطأ في الإعتقاد في أيّ شيء كان من الشريعة وبين الخطأ في الفتيا في أيّ شيء كان. إنتهى.

فهل من الممكن إنكار حجِّيَّة كتاب الله العزيز؟ أو نفي ما تلوناه منه؟ أو إحتمال خفاء هذه الحجج الدامغة كلِّها على أهل الخطأ من أولئك المجتهدين؟ وعدم تبيّن الحقِّ لهم؟ وعدم قيام الحجَّة عليهم؟ أو تسرّب الإجتهاد والتأويل في تلك النصوص أيضاً؟.

_____________________

1 - أخرجه الحاكم في المستدرك 3 ص 121، 128، والذهبي في تلخيصه وصححاه.

٣٣٥

على أنّ هناك نصوصٌ نبويّة حول حربه وسلمه منها: ما أخرجه الحاكم في المستدرك 3 ص 149 عن زيد بن أرقم عن النبيِّ صلى الله عليه وآله أنّه قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين: أنا حربٌ لمن حاربتم وسلمٌ لمن سالمتم. وذكره الذهبيُّ في تلخيصه، وأخرجه الكنجي في الكفاية ص 189 من طريق الطبراني والخوارزمي في المناقب ص 90، والسيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه 6 ص 216 من طريق الترمذي وابن ماجة وابن حبّان والحاكم.

وأخرجه الخطيب بإسناده عن زيد في تاريخه 7 ص 137 بلفظ: أنا حربٌ لمن حاربكم وسلمٌ لمن سالمكم، والحافظ ابن عساكر في تاريخه 4 ص 316، ورواه الكنجي في كفايته ص 189 من طريق الترمذي، وابن حجر في الصواعق ص 112 من طريق الترمذي وابن ماجة وابن حبّان والحاكم، وابن الصبّاغ المالكي في فصوله ص 11، ومحبُّ الدين في الرياض 2 ص 189، والسيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه 7 ص 102 من طريق ابن أبي شيبة والترمذي والطبراني والحاكم والضياء المقدسي في المختارة.

م - وأخرجه ابن كثير في تاريخه 8 ص 36 باللفظ الأوّل عن أبي هريرة من طريق النسائي من حديث أبي نعيم الفضل بن دكين وابن ماجة من حديث وكيع كلاهما عن سفيان الثوري ].

وأخرج أحمد في مسنده 2 ص 442 عن أبي هريرة بلفظ: أنا حربٌ لمن حاربكم وسلمٌ لمن سالمكم. والحاكم في المستدرك 3 ص 149، والخطيب في تاريخه 4 ص 208، والكنجي في الكفاية ص 189 من طريق أحمد وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، والمتّقي في الكنز 6 ص 216 من طريق أحمد والطبراني والحاكم.

وأخرج محبُّ الدين الطبري في الرياض 2 ص 189 عن أبي بكر الصدّيق: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خيَّم خيمة وهو متَّكئٌ على قوسٍ عربيَّة وفي الخيمة عليّ وفاطمة والحسن والحسين فقال: معشر المسلمين أنا سلمٌ لمن سالم أهل الخيمة، حربٌ لمن حاربهم، وليٌّ لمن والاهم، لا يُحبّهم إلّا سعيد الجدِّ طيِّب المولد، ولا يُبغضهم إلّا شقيُّ الجدِّ ردئ الولادة.

٣٣٦

وأخرج الحاكم في المستدرك 3 ص 129 عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذٌ بضبع عليِّ بن أبي طالب وهو يقول: هذا أمير البررة، قاتل الفجرة، منصورٌ مَن نصره، مخذولٌ من خذله. ثمّ مدَّ بها صوته. وأخرجه ابن طلحة الشافعي في مطالب السئول ص 31 عن أبي ذر بلفظ: قائد البررة، وقاتل الكفرة. إلخ. ورواه ابن حجر في الصواعق ص 75 عن الحاكم، وأحمد زيني دحلان في الفتوحات الإسلاميَّة 2 ص 338.

إلى أحاديث كثيرة لو جمعت لتأتي مجلَّدات ضخمة، على أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله كان يبثّ الدعاية بين أصحابه حول تلك المقاتلة التي زعم ابن حجر فيها إجتهاد معاوية وعمرو بن العاص ومن كان معهما، وكان صلى الله عليه وآله يأمرهم ويأمر أميرهم (وليّ الله الطاهر) بحربهم وقتالهم، وبطبع الحال ما كان ذلك يخفى على أيِّ أحد من أصحابه، وإليك نماذج من تلك(1) الدعاية النبويَّة.

أخرج الحاكم في المستدرك 3 ص 139 والذهبيُّ في تلخيصه عن أبي أيّوب الأنصاري: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عليّ بن أبي طالب بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين. ورواه الكنجي في كفايته ص 70. وأخرج الحاكم في المستدرك 3 ص 140 عن أبي أيّوب قال: سمعت رسول الله يقول لعليّ: تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين. وأخرج الخطيب في تاريخه 8 ص 340 وج 13 ص 187 وابن عساكر عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين. وأخرجه الحمويني في فرايد السمطين في الباب الثالث والخمسين، والسيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه 6 ص 392. وأخرج الحاكم وابن عساكر كما في ترتيب جمع الجوامع 6 ص 391 عن ابن مسعود قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى منزل أُمّ سلمة فجاء عليٌّ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أُمّ سلمة؟ هذا والله قاتل القاسطين والناكثين والمارقين من بعدي. وأخرج الحمويني في فرايد السمطين في الباب الرابع والخمسين بطريقين عن سعد بن عبادة عن عليٍّ قال: أُمرت بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين.

وأخرج م - البيهقي في المحاسن والمساوي ج 1 ص 31 ] والخوارزمي في المناقب

_____________________

1 - لم نذكرها بجميع طرقها التي وقفنا عليها روماً للاختصار وستوافيك في الجزء الثالث.

٣٣٧

ص 52 و58 عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأُمِّ سلمة: هذا عليّ بن أبي طالب لحمه من لحمي ودمه من دمي، وهو منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنَّه لا نبيَّ بعدي، يا أُمَّ سلمة هذا أمير المؤمنين وسيِّد المسلمين ووعاء علمي ووصيِّي وبابي الذي أُوتى منه، أخي في الدنيا والآخرة ومعي في المقام الأعلى، عليٌّ يقتل القاسطين والناكثين والمارقين. ورواه الحمويني في الفرايد في الباب السابع والعشرين والتاسع والعشرين بطرق ثلث، م - وفيه: وعيبة علمي مكان وعاء علمي ]، والكنجي في الكفاية ص 69، والمتّقي في الكنز 6 ص 154 من طريق الحافظ العقيلي.

وأخرج شيخ الإسلام الحمويني في فرايده عن أبي أيّوب قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال الناكثين والقاسطين. من طريق الحاكم، ومن طريقه الآخر عن غياث بن ثعلبة عن أبي أيّوب قال (غياث): قاله أبو أيّوب في خلافة عمر بن الخطاب.

وأخرج في الفرايد في الباب الثالث والخمسين عن أبي سعيد الخدري قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، قلنا: يا رسول الله؟ أمرتنا بقتال هؤلاء فمع مَن؟ قال: مع عليِّ بن أبي طالب.

م - وقال ابن عبد البرّ في الإستيعاب 3 ص 53 هامش الإصابة: ورُوي من حديث عليٍّ، ومن حديث ابن مسعود، ومن حديث أبي أيّوب الأنصاري: إنَّه أمر بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين].

فلعلّك باخعٌ بما ظهرتَ عليه من الحقِّ الجليِّ غير أنَّك باحثٌ عن القول الفصل في معاوية وعمرو بن العاصي فعليك بما في طيّات كتب التأريخ من كلماتهما وسنوقفك على ما يبيّن الرشد من الغيّ في ترجمة عمرو بن العاصي وعند البحث عن معاوية في الجزء العاشر.

هذا مجمل القول في آراء ابن حزم وضلالاته وتحكّماته فأنت (كما يقول هو) لولا الجهل والعمى والتخليط بغير علم. تجد الرأي العام في ضلاله قد صدر من أهله في محلّه، وليس هناك مجال نسبة الحسد والحنق إلى مَن حكم بذلك من المالكيّين أو غيرهم، ممَّن عاصره أو تأخَّر عنه، وكتابه الفِصَل أقوى دليلٍ على حقِّ القول وصواب الرأي.

قال ابن خلكان في تاريخه 1 ص 370: كان كثير الوقوع في العلماء المتقدِّمين

٣٣٨

لا يكاد أحدٌ يسلم من لسانه قال ابن العريف: كان لسان ابن حزم وسيف الحجّاج شقيقين. قاله لكثرة وقوعه في الأئمَّة، فنفرت منه القلوب، واستهدف لفقهاء وقته، فتمالؤا على بغضه، وردّوا قوله، وإجتمعوا على تضليله، وشنَّعوا عليه، وحذَّروا سلاطينهم من فتنته، ونهوا عوامهم من الدنوِّ إليه، والأخذ عنه، فأقصته الملوك، وشرّدته عن بلاده، حتى انتهى إلى بادية لبلة(1) فتوفّي بها في آخر نهار الأحد لليلتين بقيتا من شعبان سنة ستّ وخمسين وأربعمائة.

ولقد( حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ

أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ ) ؟

_____________________

1 - بفتح اللامين من بلاد الأندلس.

٣٣٩

مفاد حديث الغدير

لعلَّ إلى هنا لم يبق مسلكٌ للشكِّ في صدور الحديث عن المصدر النبويِّ المقدَّس وأمّا دلالته على إمامة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، فإنّا مهما شككنا في شيء فلا نشكُّ في أنَّ لفظة المولى سواءٌ كانت نصّاً في المعنى الذي نحاوله بالوضع اللغويِّ أو مجملةً في مفادها لإشتراكها بين معان جمَّة، وسواء كانت عريَّة عن القرائن لإثبات ما ندَّعيه من معنى الإمامة أو محتفَّة بها، فإنَّها في المقام لا تدلّ إلّا على ذلك لفهم مَن وعاه من الحضور في ذلك المحتشد العظيم، ومَن بلغه النبأ بعد حين ممَّن يُحتجُّ بقوله في اللغة من غير نكير بينهم، وتتابع هذا الفهم فيمن بعدهم من الشعراء ورجالات الأدب حتى عصرنا الحاضر، وذلك حجّةٌ قاطعةٌ في المعنى المراد، وفي الطليعة من هؤلاء مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، حيث كتب إلى معاوية في جواب كتاب له من أبيات ستسمعها ما نصّه.

وأوجب لي ولايته عليكم

رسول الله يوم غدير خمِّ

ومنهم: حسّان بن ثابت الحاضر مشهد الغدير وقد استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينظم الحديث في أبيات منها قوله:

فقال له: قم يا عليُّ؟ فإنّني

رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

ومن أولئك: الصحابيُّ العظيم قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري الذي يقول:

وعليٌّ إمامنا وإمامٌ

لسوانا أتى به التنزيلُ

يوم قال النبيُّ: مَن كنت مولا

هُ فهذا مولاه خطبٌ جليلُ

ومن القوم: محمد بن عبد الله الحميري القائل:

تناسوا نصبه في يوم خمِّ

من البادي ومن خير الأنامِ

ومنهم: عمرو بن العاصي الصحابيُّ القائل:

٣٤٠